بين الحب والحكمة: رحلة في فلسفة الفلاسفة والسفسطائيين

standard

مدخل إلى الفلسفة: لماذا تبدو صعبة؟

يبدأ الدكتور عدنان إبراهيم محاضرته سلسلة التعريف بمباحث الفلسفة – حلقة 1 بتأكيد أن الفلسفة غالبًا ما تُصوَّر على أنها معقدة وعصية على الفهم، لكنها في جوهرها نشاط فكري يعتمد على التساؤل والممارسة أكثر من كونه مجرد مجموعة من المبادئ والمذاهب. فهو يرى أن الفلسفة ليست مذهبًا محددًا، بل هي نهج للتفكير والاستكشاف.

يستشهد بألبرت أينشتاين الذي كان يميل لدراسة الفلسفة لكنه وجدها أصعب مما ينبغي، ما دفعه لاختيار الفيزياء. هنا تتضح أولى الإشكاليات: لماذا يُنظر إلى الفلسفة بهذه الصورة الصعبة بينما هي نشاط إنساني طبيعي؟ الإجابة تكمن في الخلط بين الفلسفة كممارسة والفلسفة كنظريات معقدة، فكل إنسان يمارس الفلسفة دون أن يدرك ذلك، حتى أولئك الذين يعارضونها يحتاجون إلى حجج فلسفية لإثبات موقفهم!

ما الفلسفة؟ بين المعنى اللغوي والجوهر الفعلي

يُعيد الدكتور إبراهيم النظر في أصل كلمة “فلسفة”، التي تعني “حب الحكمة” وفق الترجمة الإغريقية (Philo-Sophia). لكنه يشير إلى أن الفلسفة ليست مجرد محبة للحكمة، بل نشاط فكري نقدي لا يمكن عزله عن السياق الاجتماعي والثقافي.

هنا، يبرز إشكال آخر: هل الفلسفة علم أم ممارسة؟ يرفض الدكتور عدنان اختزالها في مجرد منهج أو موضوع، معتبرًا أنها تتجاوز التصنيفات التقليدية. وهذا يعيدنا إلى السؤال الكبير: هل الفلسفة بحث عن الحقيقة، أم أنها مجرد وسيلة لإثارة التساؤلات دون إجابات نهائية؟

السفسطائيون: بين الحكمة الزائفة والفكر العميق

في القرن الخامس قبل الميلاد، بزغ تيار فكري قوي عُرف بالسفسطائيين، الذين اشتهروا بالخطابة والجدل والتلاعب بالألفاظ. وعلى الرغم من السمعة السلبية التي لاحقتهم، إلا أنهم كانوا من أوائل من طرحوا تساؤلات جوهرية حول الحقيقة، الأخلاق، والسلطة.

السفسطة لم تكن مجرد مغالطات كما يُشاع، بل كانت مدرسة فكرية تُثير إشكاليات جوهرية حول المعرفة واليقين. يوضح الدكتور عدنان أن السفسطائيين كانوا من طبقة أرستقراطية، احترفوا التعليم والجدل، وطرحوا مفاهيم فلسفية لاتزال مؤثرة حتى اليوم.

السفسطائية بين النسبية والتشكيك المطلق

يقسم الدكتور عدنان السفسطائيين إلى فئتين رئيسيتين:

  1. السفسطائيون العنديون (النسبيون)
    • مثل بروتاجوراس الذي قال: “الإنسان مقياس كل شيء”، مما يعني أن الحقيقة نسبية لكل فرد.
    • أثر هذا الفكر امتد حتى الفلسفة الحديثة في نظريات النسبية الأخلاقية والمعرفية.
  2. السفسطائيون العناديون (العدميون)
    • أبرزهم جورجياس الذي أنكر كل شيء: “لا شيء موجود، وإن وُجد فلا يمكن معرفته، وإن عُرف فلا يمكن نقله للآخرين”.
    • يمثل هذا الفكر شكًا متطرفًا يتجاوز حتى نظريات الشك الديكارتي.

السفسطة بين النقد والتبرير: هل كانوا مخطئين حقًا؟

يناقش الدكتور عدنان سبب الهجوم على السفسطائيين، حيث يُرجع ذلك إلى ميل البشر للتصنيف والتنميط. فالناس يميلون إلى تقسيم الفلاسفة إلى “عقلانيين” أو “تجريبيين”، في حين أن كثيرًا من المفكرين مثل أرسطو جمعوا بين المنهجين.

كما يؤكد أن بعض أفكار السفسطائيين مثل النسبية الأخلاقية والتشكيك في السلطة المطلقة لا تزال تُناقش حتى اليوم، ما يعني أنهم لم يكونوا مجرد محتالين فكريين، بل كانوا مفكرين سبقوا عصرهم.

أزمة المعرفة: هل يمكن الوثوق بالحواس والعقل؟

يتناول الدكتور عدنان الحجة الأساسية للسفسطائيين في نقد المعرفة، والتي تعتمد على التشكيك في الحواس والعقل، نظرًا لما تسببه من أخطاء في الإدراك. لكنه يرد على هذا النقد عبر أسلوب أرسطو الذي يطرح سؤالًا بسيطًا:

  • إذا كنت تُنكر كل شيء، فهل أنت متأكد من صحة إنكارك؟
  • إذا كنت غير متأكد، فهذا يعني أن هناك إمكانية لليقين!

بهذه الطريقة، يتم تفكيك السفسطة المتطرفة، مع التأكيد على أن المعرفة ممكنة، حتى لو كانت نسبية أو غير مكتملة.

خاتمة: الفلسفة بين التساؤل واليقين

يختتم الدكتور عدنان حديثه بالتأكيد على أن الفلسفة ليست مجرد تراكم نظري، بل هي ممارسة تبدأ بالتساؤل وتنتهي بفتح المزيد من التساؤلات. أما السفسطائيون، فبرغم سلبيتهم في نظر البعض، إلا أنهم ساهموا في إثراء النقاش الفلسفي عبر العصور.

فهل الفلسفة وسيلة لاكتشاف الحقيقة، أم أنها مجرد لعبة فكرية لا تنتهي؟
هذا هو السؤال الذي يتركه لنا الدكتور عدنان إبراهيم للتفكير فيه.

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: