إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. مَن يهده الله، فلا مضل له. ومَن يُضلل، فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، ولا نظير له، ولا مثال له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا وعظيمنا محمداً عبد الله ورسوله، وصفوته من خلقه، وأمينه على وحيه، ونجيبه من عباده. صلى الله تعالى عليه، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته المباركين الميامين، وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.
عباد الله:
أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أحذركم وأحذر نفسي من عصيانه سبحانه ومخالفة أمره، لقوله جل من قائل مَّنْ عَمِلَ صَٰلِحًا فَلِنَفْسِهِۦ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّٰمٍۢ لِّلْعَبِيدِ *.
ثم أما بعد/
أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات/
يقول الله جل مجده في كتابه العزيز، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم:
إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ * مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُولِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ * وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ * وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ *
صدق الله العظيم، وبلغ رسوله الكريم، ونحن على ذلكم من الشاهدين. اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط. آمين، اللهم آمين. هداة مُهتدين، غير ضالين ولا مُضلين. آمين، اللهم آمين.
إخوتي وأخواتي/
أحسب أن موضوع الخُطبة لاح لكم من خلال الآية الجليلة؛ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُولِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ *.
قتلوك يا شيرين أبا عاقلة برصاص الخسة والجُبن والغدر والعدوان، ولا عجب. لا عجب من قتلة الأطفال، أن يقتلوا المُراسلين والصحفيين، لا عجب البتة. ولكن العجب، كل العجب، مِمَن لا يزال يُجادل ويُساجل ويتردد ويُجمجم – أيها الإخوة – ويلتمس الأعذار، لذوي سجل الإجرام المُمتد على أكثر من سبعين سنة! على أن الموضوع سيفصل فيه ذوو الضمائر، وقد فعلوا. والرصاصة التي غدرتها واغتالتها تحتفظ بها الرئاسة الفلسطينية – بحمد الله تبارك وتعالى -، ليست رصاصة الفلسطينيين، إنها رصاصة القتلة المُعتدين، وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ *. لا أُريد أن أقول أكثر من هذا، وسأعمد إلى موضوعي من أقصر طريق.
ليست أول مرة، ولن تكون الآخرة – أيها الإخوة -، أن تثور عجاجة، وأن يثور سجال وجدال مُحتدمان، حول مصائر الناس في الآخرة، خاصة الذين ليسوا من هذه الأمة، أو حتى مِمَن كانوا من هذه الأمة، على أن لذوي التدين ولذوي الخطاب الديني – أعني لبعضهم – نظرة خاصة في الحُكم عليهم! لكن بالله ما هذا الانشغال؟ ما حُمي وما هجير هذا الانشغال الدائم المُتجدد بمصائر الناس؟ هل جعل الله تبارك وتعالى حساب الناس إلينا؟ هل جعل مصائر خلائقه بأيدينا؟ شيء عجيب! كيف نجرؤ على هذا؟
قد يُقال ليس هذا موضوع السجال. إنما موضوع السجال أقل بكثير وأبسط من هذا. ما هو؟ هل يجوز الترحم والاستغفار لمَن مات وليس من المسلمين؟ وشيرين كانت مسيحية فلسطينية، نعم مُناضلة، مُجاهدة، شريفة، شجاعة، ثابتة، جبل من جبال – أيها الإخوة – الثبات في وجه هذا المُحتل الغاصب المُجرم، الذي عرته عبر أكثر من عقدين مُتواصلين، ولما تبلغ ما تشتفي به؛ لأنها كانت تعيش المأساة في ليلها ونهارها، كسائر فلسطيني الداخل، الذين يصطلون ليل نهار بلظى ونيران هذا الاحتلال المُجرم، الذي لا يعرف – أيها الإخوة – معنى للإنسانية، ومعنى لقيم الرحمة. قاتل الأطفال! ماذا تُريدون من قاتل الأطفال؟
العجيب أن أحد برلمانيهم في كنيستهم – أيها الإخوة -، برلمانهم؛ بن غفير، حيا الجيش القاتل، ودعاه إلى مزيد من قتل الصحفيين! نعم، نعم! والعالم ساكت، العالم هنا في الغرب والشرق، كأنهم لم يسمعوا هذا البرلماني، ولم يسمعوا ما قال، له أن يقول! كلامي هذا، وهو مُنضبط تماما، وفي حدود، أعلى حدود اللياقة، قد أُسأل عنه وقد أُحاسب عليه، كما حدث غير مرة معي! لأنني فقط أتكلم ببعض الحقيقة، ببعض ظلال الحقيقة! ماذا قصدت؟ وما الذي تُريد؟ وكيف تصفهم بالقتلة؟ وكيف تصفهم؟ هذه بعض الحقيقة، هذا بعض الحقيقة، شاء مَن شاء، وأبى مَن أبى، ثبتنا الله على الحقيقة. هناك مَن يدفعون دماءهم وحياتهم ثمنا للوفاء بمُقتضيات هذه الحقيقة واستحقاقاتها، فلا أقل من أن نجهر ببعض الحقيقة، ويغفر الله لنا جُبننا وسكوتنا عن أبعاضها الأُخرى، وهي كثيرة! لكن لكل مقام مقال، وفي فمي ماء، وهل ينطق مَن في فيه ماء؟
نعود إلى ما كنا فيه – أيها الإخوة -، يقولون القضية أقل وأصغر. لا، هي قضايا مُتداخلة تثور، ومُشتبكة يأخذ بعضها برقاب بعض وبأعناق بعض. نُريد أن نُعالج هذا الملف من أكثر من زاوية. وقبل أن أخوض، وكنت أُريد أن أتحاشى وأتحايد وأتجنب الدخول – أيها الإخوة – إلى هذه الزاوية بالذات، وهي أن مثل هذا الكلام لا تُمليه عواطف. بعض الناس قد يتكلم عن عاطفة! هذا الكلام كما ستقفون بُعيد قليل كلام في صُلب ولُباب العلم الشرعي، كلام في لُباب العقيدة، كلام في قلب مفهومنا عن الله – لا إله إلا هو – ورحمته، كلام في قلب مفهومنا لكلام الله ونصه وكتابه. هذا الكلام ليس ترفا، وليس عبثا، وليس مُجاملات، وليس عواطف. كلام علم، وعلم مُهم جدا لهذه الأمة.
ثانيا؛ هذا الكلام ليس كلاما تُمليه ظروف طارئة وأحداث عارضة، ربما – أيها الإخوة – تُذكّر به، على أنه كان ينبغي أن تُفتح مثل هذه الملفات، لا أقول من عقود، بل من قرون، وأن ينظر المسلمون بنظر الإنصاف، لا أقول لغير المسلمين، لكتابهم! لا بُد أن نُنصف كتابنا. الذي رأيته عبر أكثر من عشرين سنة، وتكلمت في عشرات المُناسبات، أن البون في هذا الباب بالذات – وأبواب أُخرى، لكن في هذا الباب بالذات – بين منطق القرآن، بين روحية القرآن، بين توجه القرآن، وبين ما عليه الأمة بعلمائها وعوامها، كبير جدا! البون كبير جدا، واسع، شاسع، وهائل! كما سيضح لكم بعض بُرهانه في تضاعيف كلامي – إن شاء الله – في هذه الخُطبة، الذي ما نلت فيه من صواب، فهو من توفيق الله ومن تسديده وتأييده، وما عرض لي فيه ويعرض – وهذا مُحتمل جدا – فيه من خطأ، فمن نفسي ومن شيطاني، والله بريء من ذلك ورسوله. وعلى أنني على أتم الاستعداد إلى أن ألقى الله تبارك وتعالى، وأسأله أن يُثبتني على ذلك، أن أعود وأنفي راغم للحق، مهما ظهر لي بُرهان الحق، ولكن ليس التشغيبات والمُسارعة إلى الأحكام العاطفية، التي لا علاقة لها بمحل النزاع! مُجاملات، تنازلات، عُقد نقص، باعوا نفسهم للغرب، باعوا نفسهم للشرق، باعوا نفسهم للحكام العرب، وأمثال هذه الخزعبلات. هذا كلام خزعبلات، لا علاقة له بالعلم، العلم شيء آخر!
وإلا ما الذي يضطر وما الذي يلز امرأ يزعم أنه يتكلم باسم العلم، بمنطق العلم، يُفرغ عن منطق العلم! إلى أن يستفز وجدانات العامة؟ وأنتم عليمون، وربما أكثر مني، بوجدانات العامة. ليس عامة المسلمين، بصراحة ربما يكون عوام المسلمين أفضل في أبواب كثيرة من غيرهم، هذا واقع أيضا؛ حتى لا نظلم أنفسنا! العوام من كل أمة وفي كل أمة وملة ودين، كما قال بعضهم أشبه بكذا – لا أُريد أن نُسيء حتى إلى العوام -. العوام بحسب علم النفس الاجتماعي – لكن نظريات قديمة، لا يزال بعضها صحيحا – عقلهم كمجموع عقل أردأهم. خُذ لي قطيعا، خُذ لي مجموعة من الناس، من مئة مثلا، أردأهم عقلا، عقل المجموعة كمجموعة، من حيث هي مجموعة، يُساوي عقل هذا.
لذلك صعب جدا هندسة عواطف ووجدانات العوام، لكن ما هو أصعب وما هو أسوأ بمراحل، أن يختط العلماء والقائلون والمُتكلمون في دين الله وفي ملة الله خطة العومنة! ما أسميته قبل سنين بالعومنة، أي مُجاراة أهواء العوام! سأتكلم بطريقة بحيث يُصفق لي العوام، سأتكلم بطريقة بحيث يكثر مُتابعي من العوام، يرضى عني العوام. يا رجل ما ينبغي أن تجعل وجهك له وعينك إليه رضا الله تبارك وتعالى، وهذا دين!
ولذلك ما الذي يلز مَن يتكلم في دين الله، أن يتكلم بطريقة تُثير عليه العلماء، ثم العوام؟ بحيث ينال قسطا أكثر من الوافر، أكبر من كبير، من أحكام الزندقة والتكفير وأنه باع نفسه واشترى نفسه وفاوض على نفسه! شيء غريب! أنا أعتقد أن الذي يفعل هذا، من غير أن يكون حقا باع نفسه أو فاوض على نفسه وعلمه، هو خشيته الله تبارك وتعالى. لأن الله سائل كل أحد منا؛ علمت بشيء، فلِمَ سكت عنه؟ والله الذي لا إله إلا هو، لن يسعني ولن يسع كل مَن ينتمي إلى العلم، أن يقول له يا ربي خفت المُجتمع العلمائي، خفت من إخواني العلماء، وأنا أعلم وأنت أعلم بتوجهاتهم، ثم خفت من العوام. الله سيقول له كما في الحديث المعروف فإياي كنت أحق أن تخشى.
يجب أن نخشى الله أكثر مما نخشى أنفسنا، علماء وعواما، وأن نقول بما أدانا إليه نظرنا واجتهادنا، على أننا قد نكون – وهذا احتمال وارد أبدا – مُخطئين غالطين، طبعا لسنا أنبياء ولسنا ملائكة، لكن هذه القضايا لا بُد أن تُفتح، ولا بُد أن يُبدأ فيها ويُعاد، ولا بُد أن نُغلغل فيها الأنظار؛ لكي يستبين لنا من أقصر طريق وأدناه، أن ما يُدعى بقطعيات ليس بقطعي، وأن ما يُحكم فيه الإجماع ليس فيه إجماع، وأن ما يُقال إنه النص ليس بنص، إنما هو ظواهر قابلة للتأويل، فاتقوا الله في دينكم، اتقوا الله في ربكم، لا إله إلا هو! اتقوا الله أن تصوروا ربكم إلها ضيق الرحمة، مُتربص بعباده، كأن غرضه أن يُهلك مُعظم مَن خلق، حاشاه! لا إله إلا هو! وهو القائل وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا * على لسان أملاكه المُكرمين – عليهم سلامات الله تبارك وتعالى -. وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ *، على أنه ساقها مساقا غريبا! قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ ۖ *، فقيّد الإصابة بعذابه بالمشيئة، وأطلق في الرحمة وقال وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ *، إن كنا نفقه ما نقرأ وما نتلو! عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ ۖ *، مَنْ أَشَاءُ ۖ *!
كل ذنب بعد الشرك، ودون الشرك، وعدا الشرك، عسى أن يغفره الله تبارك وتعالى! كل ذنب! إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِۦ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَآءُ ۚ *، يبقى هذا المُذنب الخاطئ الزال الضال في خطر المشيئة، في خطر المشيئة كما يقول علماؤنا. وهذا في حق مَن؟ ليس في حق مَن تاب، إنما في حق مَن وافى بالذنب. وافى بالذنب، أي مات – مسألة الموافاة في العقيدة – وهو على ذنبه مُقيم، لا يريم. عسى أن يغفره الله له! أما مَن وافى بالشرك والكفر، فهذا لا يغفره الله، كقاعدة عامة، كقاعدة عامة! وسنأتي إلى تفصيل الكلام في هذا الموضوع، وهذا من أهم محاور خُطبة اليوم.
وقفنا على علماء كبار، بعضهم حائز على جائزة نوبل Nobel في الفيزياء، الذي أكفره – أي صيره إلى الكفر – وأضله، الصورة المُعتقدية لله في دينه، في دين أهل الكتابين، أي في التوراة والإنجيل. قال إله قاس، إله غضوب، إله مُتربص بعباده، إله يُريد فقط أن يُدخلهم النار بأوهن الأسباب! قال أنا لا يُمكن أؤمن به. عالم، حاصل على جائزة نوبل هذا، ليس أهبل! لا أؤمن بإله مثل هذا. للأسف من المسلمين اليوم مَن يُسارع ومَن يُريد أن يُصور الله على نحو مُشابه!
الله قال وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ *. سيقول لك أحدهم أتم الآية. فلتُتمها أنت يا مسكين، الآية حُجة لنا، وليست حُجة لك! فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ *…إلى آخر الآية! إذن ما مُفاد الآية؟ مُفاد الآية ماذا؟ هل تظن أنه يُمكن أن يُستخلص من هذه الآية الجليلة حُكم ينص على أن رحمة الله مقصورة على، مخصوصة بمَن ذُكر؟ سوف تقول نعم. سأقول لك أنت تائه. إن قلت نعم، فأنت لا تدري ماذا تتلو يا رجل! هذه الآية تنص على أن الله سيكتب الرحمة، لجماعة من أهل الكتاب، نعتهم ما تُلي. إذن أين نحن؟ لسنا أهل كتاب، نحن مسلمون مُحمديون! ليس لنا نصيب في الرحمة؟ أي ورطة! إذن أنت لم تفهم الآية.
الآية تقول وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ *، يعيش في رحمته البر والفاجر، المؤمن والكافر. رحمته في الدنيا! ستقول هذه رحمة دنيوية. أقول لك اربع على ظلعك، خفف قليلا من توفزك. رحمات الآخرة أوسع بكثير. في الحديث المُخرج في الصحيحين، من حديث أبي هُريرة، قال – صلوات ربي وتسليماته عليه – جعل الله الرحمة مئة جُزء، فأنزل في الأرض جُزءا واحدا منها، فبه تتراحم الخلائق، حتى ترفع الدابة حافرها؛ كي لا تُصيب، أو قال حتى لا تُصيب، ولدها. طبعا هو ذكر الدواب، والدواب كل ما دب على الأرض، وإن خصه بعضهم بما يُركب، لكن غير صحيح، هو عموما كل ما دب على الأرض! لكن لماذا خص من الدواب ذوات الحافر؟ لأنها كانت مركوبهم أو عُظم مركوبهم، لأنها كانت عُظم مركوبهم. أعظم وأكثر ما يركبون، ذوات ماذا؟ ذوات الحافر. فيُلابسونها مُلابسة أكثر، ويرون شؤونها في تصرفاتها مع أولادها! وإلا فذوات الظلف داخلة في الحديث، وذوات الخُف داخلة في الحديث، وسائر الدواب داخلة في الحديث؛ لقوله الدواب. ليس فقط ذوات الحوافر، على كل حال قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – في تتمة الحديث وأمسك عنده تسعا وتسعين رحمة، بها يرحم عباده يوم القيامة.
الله أكبر! هذا غاب عنا، والحديث في الصحيحين، غاب عنا! وكأننا أردنا أن نجعل من رحمة الله يوم القيامة أضيق من رحمته في الدنيا! أوسع بكثير يا أخي. بعزته، ونحن في يوم جُمعة، بعزته، لا إله إلا هو! لا يبلغ وهم واهم، ولا خرص خارص، ولا خيال مُتخيل، ولا ظن ظان، أقل القليل مما يُمكن أن تكون رحمته يوم القيامة. ولذلك قال أبو عبد الرحمن عبد الله بن مسعود – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه – أبشروا وأملوا، فوالله الذي لا إله إلا هو، ليغفرن الله يوم القيامة مغفرة لا تخطر على قلب بشر. سنرى لماذا! النبي قال كل ما في العوالم، كل مظاهر الرحمة، زهاء ثمانية ملايير من البشر! رحمة عجيبة بينهم! بأولادهم وبأنفسهم وبأزواجهم! فقط البشر، ليس الدواب والكائنات على اختلافها! كل هذه الرحمات هي جُزء، من جُزء، من مئة جُزء! ما عساها تبلغ الأجزاء التسعة والتسعون الأُخرى؟ لا إله إلا الله!
ولذلك أنا أتعبد الله، أدين الله تبارك وتعالى – وهذا مُعتقدي، ومؤسس على كتابه وما صح عن نبيه، صلوات ربي وتسليماته عليه -، أن مُعظم الخلق يوم القيامة داخلون في رحمة الله. اعتقادي الذي أدين الله به، أنك يا نار لن يدخلك إلا مَن حقت عليه كلمة العذاب، وسيدخلك وهو يقول الحمد لله رب العالمين! لما رأى من عدل الله ورحمته وفضله. هو سيقول لا أستحق أقل من النار، هذه أمي، هذه أمي وأنا كنت ابنها، الذي أشعلت العالم، وسعرته حروبا وضغائن ومُعادات وشنآنات، وحولته إلى مرائر وعذابات، بحيل ومكائد الليل والنهار.
لذلك جهنم ستمتلئ، لها ملؤها، والجنة لها ملؤها، لكن النبي أفهمنا أن جهنم ستمتلئ بعدد قليل! كما أقوله دائما، دائما أُنبه على هذا! فيما ورد عنه – عليه الصلاة وأفضل السلام – أن الكافر يكون عظيم الجُثة، عظيم الجسم جدا، حتى أنه يكون بين شحمة أُذنه وعاتقه، كما بين مكة مثلا وهجر، كما بين مكة وصنعاء! مئات الكيلومترات، من هنا إلى هنا! ما معنى هذا؟ ولم يرد مثل هذا في حق مَن؟ الجنائنيين – جعلني الله وإياكم منهم، وأجننا بستره الجميل في الدنيا والآخرة -. لم يرد! إشارة إلى أن النار لها ملؤها، ولكن ستُملأ بعدد قليل.
إذن لماذا؟ لماذا مُعظم البشر – بعون الله – سيدخلون في رحمة الله؟ سوف نرى لماذا، واضح! لا نحتاج أن نُوافي القيامة – إن شاء الله – بالإيمان حتى نعلم، في الدنيا واضح! وأول هذا الواضح أن أحدنا لو أنصف من نفسه، وترك دلاله وغطرسته، وتخفف من عُجبه وإدلاله، لعلم أنه تقريبا لا فضل له في كونه مسلما. بالله عليك، أخترت أن تكون مسلما؟ والله أنا ما اخترت أن أكون مسلما، على أنني أسعد الخلق أو من أسعدهم بكوني مسلما.
ومما زادني شرفاً وتيهاً…………..وكدت بأخمصي أطأ الثريا.
دخولي تحت قولك يا عبادي……….وأن صيرت أحمد لي نبيا.
شأني شأنكم وشأن كل المُوحدين الصادقين، من أسعد الخلق نحن، بأننا مسلمون! لكن هل لنا في هذا كسب؟ أهذه مكاسب حقيقة أم مواهب؟ والله مواهب. الله أعطانا هذا بفضله ومنه! الكفار يقولون مُجرد صُدفة سعيدة. أي إن كنتم على حق وكنتم مُحقين، فهذه مُجرد صُدفة سعيدة! أنك ولدت في بلد مسلم، من أسرة مسلمة! صُدفة. وُلو ولدت في بلد غير مسلم، فبنسبة تسعة وتسعين في المئة، إن لم يكن أكثر، ستكون على دين آبائك ودين أهل بلدك، يدل له ويُبرهنه أنه في البلاد المسلمة مَن وُلد في صُقع سني، كان سُنيا، ومَن وُلد من قبيل شيعيين، أتى شيعيا، أليس كذلك؟ هذا هو!
فالآن ما هذا العُجب؟ ما هذا الإدلال؟ ما هذه السطوة في خطابنا وفي كلامنا؟ الله أكبر! قيل لأعرابي مرة – هذا الأعرابي أذكى منا! وأزكن وأفطن منا – يا أعرابي تُحسن تدعو ربك؟ أي تُحسن أن تدعوَ، تُحسن تدعو ربك؟ قال نعم. قيل فادع. قال اللهم – رفع يديه وقال اللهم – إنك أعطيتنا الإسلام دون أن نسألك، فلا تحرمنا الجنة ونحن نسألُك. اللهم آمين. صادق! قال أنا لم أختر، لم أختر أن أكون مسلما. هذا محض فضل من الله!
ثم لدينا أولئكم الذين لم يُسعدهم القدر! هذا من زاويتنا، نحن نقول من زاويتنا، ولعلهم يقولون مثل قولنا! لعل اليهودي الذي وُلد بين يهود، والمسيحي الذي وُلد بين مسيحيين، يقول هذا! على أن المسيحيين شأنهم عجيب غريب! اليوم العالم يزحمه أكثر من خمسة وأربعين ألف فرقة مسيحية! ونحن مُحتاسون – بالعامية مُحتاسون – حائرون ضائعون كيف نُدبر اختلافنا الملي؛ شيعي وسُني وإباضي وزيدي وإسماعيلي، والسلام عليكم! أين فرق المسلمين اليوم؟ إمامية، زيدية، إباضية، سُنية، ثم ماذا؟ إسماعيلية. خمسة! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته! انتهى كل شيء. مُحتاسون حائرون ضائعون! ما أضيق عطننا! عطننا ضيق، مساحات الفكر لدينا والروحية – أيها الإخوة – واضح أنها مُختزلة جدا جدا جدا. القوم طبعا ليسوا – أكيد ليسوا – خيرا حالا منا، خمسة وأربعون ألف فرقة، مُعظمها بروتستانت، ليسوا كاثوليك، والكاثوليك في فرق، ومُعظمها لا يرى الخلاص إلا لنفسه.
على فكرة، لا تُصدم، ولا تعجب، ولا تندهش، ولا تبتئس، ولا تيأس، حين ترى فيلسوفا مسيحيا كاثوليكيا كبيرا، تستمع إليه، فيه ظرف، فيه لُطف، فيه عقل، فيه ذكاء! ويشرح ماذا؟ يشرح الفلسفة! يمر عبر أحقابها التاريخية، رجل عنده عقل فلسفي! ويُسأل مرة – فيلسوف كاثوليكي يُسأل مرة – الخلاص – ال Salvation، الخلاص، أي النجاة، الفلاح بالصيغة الإسلامية، ها الSalvation هذا – لمَن؟ يضحك الفيلسوف الذكي، واسع الحيلة والعلم، يقول بصراحة وبصدق لنا نحن فقط الكاثوليك. لا مسلمون، لا يهود، لا بروتستانت! إذن لا تسبوا أنفسكم كثيرا.
وهنا أنا لست في معرض الدفاع عن ماذا؟ عن ضيقي العطن، عن الذين شوهوا صورة الإسلام ورحمة الإسلام، أبدا أبدا أبدا! لكن أيضا لا أُريد هذا مِمَن يتصيدون ومِمَن يقفون على العتبات والتخوم! كل مَن تكلم باسم الإسلام، كل مَن فعل فاحشة، كل مَن أتى بمصيبة وداهية دهياء باسم الإسلام، قالوا هذا هو الإسلام! مَن قال لكم؟ فإن بلاهم الله بأمثالنا، يقول لا، لا تسمع لهؤلاء، هؤلاء يُرقعون! ما الذي تُريدونه؟ إذن أنتم حرب على الدين، أنتم تشنأون الدين وتُبغضونه. اتركوا لنا ديننا، نحن أعلم بديننا، أعلم بجماله، برحمانيته، بسعته. ووالله الذي لا إله إلا هو ما وجدنا لا فلسفة دنيوية ولا دينية، أوسع من هذا الدين رحمة على ما نفهمه. سيُقال مُرقع! رضينا بالترقيع، جميل! رضينا بالترقيع، على أنه ليس ترقيعا، فهم وله أدلاته وعليه براهينه وبيناته، وتلك شنشنة نعرفها من أخزم. شنشنوا بغيرها، ترقيع! ناقشونا فيما نقول.
على كل حال هكذا بُليَ الإسلام، دُهيَ! كُرث الإسلام، بقبيلين من الناس! قبيل مُتزمت، مُتطرف، ضيق العطن، يُريد أن يجعل من مُعتقده في الله، يُريد أن يُحيل صورة الله المُعتقدية، إلى صورة جبار أرضي بصراحة! وهذا الجبار الأرضي – صدقوني – قد يكون أكثر جبروتا وأضيق سعة من فرعون ذاته! هو نفسه هذا المُتمشيخ أو المُتدين! ما رأيكم؟ ستقول لي وعليها برهان؟ عليها، هناك برهان عليها. فرعون نفسه قد يكون أرحم من هذا الإله الذي يُصوره هذا المُتدين المُتزمت الجاهل الجهول، والذي يسب كل مَن أراد أن يفتح بابا حقيقيا للنقاش وإعادة النظر بهدوء وتؤدة في هذه المسائل الخطيرة.
الأرض! ولعلكم قبل أسابيع وقفتم على المقطع الذي انتشر في الشبكة انتشارا واسعا جدا، للراحل كارل ساغان Carl Sagan، صاحب Cosmos، وعالم الفلك الأمريكي الشهير، ومسؤول عن فوياجر 1 Voyager 1! الأرض على بُعد مئات الملايين تظهر كنُقطة بيضاء صغيرة، لا تكاد تُرى! فإن أبعدنا بعد ذلك ضعفي المسافة، لا يظهر شيء على الإطلاق! طفأ! وهناك هذا السواد، هذا هو الكون، هذا هو الكون الذي يتسع لملايير، ملايير، ملايير، إلى انقطاع النفس من أرضك، من الكوكب الأرضي! وهذا مُصور، صور هذا، ليس خيالا، ليس فلسفة هذا. والرب هو رب العالمين، وهذا كله لا يزال عالما واحدا!
كوننا هذا – أي ال Unser Kosmos أو ال Our cosmos -، هذا كله، لا يزال عالما واحدا، والأرض فيه هباءة لا تُرى! الله قال لك أنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا *. كيف؟ كيف يُمكن أنت أن يتسع عقلك لتصوير هذه الرحمة؟ والله لا يتسع، ولا تستطيع. أرحم مما تظن يا مسكين! ولذلك أنا أقول لك هذه الرحمة التي لا يُمكن أن ينالها وهم واهم، أو خيال مُتخيل، مهما طفر، مهما طفر وشذ وند! قد تُحرمها أنت! الله أكبر! يا مُتناقض. ستقول لي يا مُتناقض. نعم، قد تُحرمها أنت في حالة خطيرة، وهي قريبة جدا منك، أيها المُتزمت. تقول لي ما هي؟ أقول لك إن جعلت نفسك مُتحكما فيها، بوّابا عليها! تُدخل في رحمته مَن تُريد، حسبما يتسع خيالك وذهنك، وربما شغفك ونفسيتك العجيبة الغريبة! لن أصفها بأكثر من هذا. قد توبق دنياك وآخرتك، وهذا حديث الإمام مسلم، الذي ذكرناه، حتى من قريب، غير مرة! حديث جُندَب – بفتح الدال طبعا، جُندَب بن عبد الله، وليس جُندُب، جُندَب بن عبد الله، في صحيح مسلم، رضيَ الله عنهم وأرضاهم أجمعين -، في الرجل الذي قال لأخيه اذهب، والله لا يغفر الله لك. فقال الله مَن الذي يتألى – أي يحلف، وَلَا يَأْتَلِ * أي لا يحلف، الألية هي الحلِف، الحلِف بكسر اللام! مَن ذا الذي يتألى – علي ألا أغفر لعبدي؟ قد غفرت له، وأوجبت لك النار. هيا، تفضل! لكي تتفلسف، وتأتي تفتئت على رب العزة! ملكك الله مفاتيح رحمته؟ أوكل الله حساب الناس إليك؟
ستقول لي يا أخي هو الذي أخبرنا أنه لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ *، هو الذي أخبرنا أنه مَن مات كافرا، فله النار. أقول لك أخبرك يا حبيبي، يا أخي، وما أبغي لك والله إلا الخير، أخبرك بقاعدة عامة. أما تفاصيل الحالات والأحوال، فليست لي ولا لك ولا لجبريل وميكال ومحمد وموسى وعيسى، لله وحده. والحُكم العام غير الحُكم في الأعيان يا حبيبي. الحُكم العام؛ كل مَن مات كافرا، له النار. الآن هل هذا مات كافرا، أو لا؟ لا ندري، لا نعرف. هل يستحق اسم الكافر؟ قضية صعبة جدا جدا! لأن الكفر في القرآن – وهذه مسألة أُخرى، وطالما تحدثت فيها -، الكفر في القرآن بطوله، لا يتحدد سلبا، كما يُوهمك بعض المشايخ اليوم، من ضيقي الأعطان، أن كل مَن ليس بمسلم، فهو كافر! غير صحيح، كذب على الله ورسوله، وكذب على الوقائع، غير صحيح، بالمرة غير صحيح! لا، ليس كل مَن هو غير مسلم، فهو كافر، أبدا! هو غير مسلم وحسب. الآن عند الله ما هو؟ الله أعلم. ما مصيره؟ الله أعلم.
أما الكافر، فهو الذي قامت عليه الحُجة الرسالية، التي قطعت وتقطع معاذير مثله، تُفحم مَن كان في رُتبته ودرجته، أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ ۖ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ *. بعد أن جاءهم النذير، والنذير مَن هو؟ رسول نبي. والله أكبر! الله أكبر! هل أحدنا له القدرة ولياقة أن يُقيم الحُجة الرسالية كما يفعل نبي ورسول؟ فرق بين السماء والأرض! لماذا أقول هذا؟ الكلام طبعا هنا اشتجر، وأنا كانت خُطتي أن أُرتب حُججي، وهي كثيرة جدا! تحتاج حقيقة، بغير مُبالغة، إلى عشرات الساعات. كنت قبل حوالي عشرين سنة – وسأفعل هذا، إن شاء الله، بدءا من الجُمعة المُقبلة – تكلمت في مصير أهل الكتاب، اليهود والنصارى، في القرآن الكريم، كما أخبر الله! أكثر من عشرين ساعة، وسكت ولم أسمح بالنشر، وبقيَ لدي أكثر من عشرين ساعة! وإخواني يعلمون هذا. وسأعود إلى اختزال الحديث وتوضيبه في المسألة من جديد؛ لأن العبد الفقير كما قلت لكم لا يزال يُرمى بالكفر والزندقة وأنه يقول اليهود والنصارى في الجنة! لم أقل هذا، أنا ما قلت إلا ما في كتاب الله، وعليكم أن تسمعوه جيدا. وسنبدأ بتلاوته ومُدارسته جميعا – بإذن الله – بدءا من الجُمعة المُقبلة، وما يتلوها من دروس، وسوف نرى كم يتسع البون والشُقة بين فهمنا وبين ما نُشّئنا عليه ودرجنا عليه، وبين ما يقوله الله تبارك وتعالى! وسيع وسيع، شاسع مهول! القرآن عجيب! ستقول لي ماذا تقول؟
سأتلو عليك الآن أربع أو خمس آيات فقط من عشرات الآيات، وأتركك معها، أو معهن – إن شئتم -؛ لكي تتفكروا وتتدبروا! أولها آية البقرة، الثانية والستون؛ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ *، فالآية واضحة جدا! يكون المرء يهوديا أو نصرانيا أو صابئيا أو مؤمنا، إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ *، منا، من أمة محمد، ويتحقق بالإيمان بالله واليوم الآخر، ليس فقط المُحمديين هم فقط مَن يتحققون أبدا، الآية واضحة! قال لك لا، هذا فيما سبق. تكذبون على الله؟ الله يقول إِنّ *. يُقرر قاعدة، صادقة وقت النزول وبعد النزول وإلى يوم القيامة، قاعدة! يقول إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ *. إذن و: الَّذِينَ آمَنُواْ * في الماضي؟ أمة محمد، وعليها نُزّل هذا الكلام. اتقوا الله! وهناك ما هو أكثر، إذا تأولتم هذه الآية، فكيف تتأولون غيرها، وهي كُثر! كثيرات نيرات زاهرات صادمات صاعقات وزاعقات؟ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ *، البقرة، الثانية والستون، الآية الثانية والستون!
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِؤُونَ *، كسر إعراب! اسمه كسر إعراب. لسنا الآن في الإعراب، مسألة ثانية هذه، ربما في دروس الجُمعة المُقبلة نتطرق إليها، وَالصَّابِؤُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ *، المائدة! قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا *، على طريقة المسلمين اليوم والمشايخ والعلماء تَعَالَوْا * ادخلوا في ديننا، وإلا فلكم الويل والثبور وعظائم الأمور! الله لم يقل هذا، قال بالعكس! قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ *، يبقى الكتابي كتابيا، والمسلم مسلما، المُحمدي محمديا! لكن هناك كَلِمَةٍ سَوَاءٍ *، نلتقي عليها.
ماذا تُريد أن تقول هذه الآية؟ الآية تُريد أن تقول أبدا لا نُطالبكم بأكثر من أن تُصححوا التحريف الذي أحدثتموه في عقيدتكم، عودوا إلى الإسلام، دين الأنبياء، ملة الأنبياء! ثم ابقوا كتابيين، لا بأس، لا تُوجد مُشكلة. الإسلام هو دين الأنبياء جميعا، ملة واحدة، دين واحد! قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ ۚ *، تحريفات كلها! واقعة! وقعت ولا تزال واقعة للأسف عند أكثرهم! وبعضهم تبرأ منها – بفضل الله تبارك وتعالى -، فحُق أن يُسمى مسلما، بنص كتاب الله. فَإِن تَوَلَّوْا *، لا يُريدون، يُحبون أن يعبدوا الأحبار والرهبان، ويُحللون ويُحرمون ويلعبون في الكتاب ويُثلثون ويُربعون ويُخمسون! الله قال فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ *. إذن آية آل عمران دعتهم إلى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ *، ما هي الكلمة السواء؟ أن يتركوا دينهم أو شرعهم، ويأتوا إلينا؟ أبدا أبدا أبدا! ظلوا على دينكم، الذي هو ماذا؟ دين الأنبياء جميعا! دين موسى وعيسى هو دين آدم وشيث وإدريس ونوح، ودين محمد! هو دين ماذا؟ الإسلام. وسنقول هذا بعد قليل. الآية عجيبة!
الآية الرابعة؛ لَيْسُواْ سَوَاء *، أو الآيات هي، ليست آية واحدة! لَيْسُواْ سَوَاء *، أيضا في آل عمران. الله يقول أهل الكتاب لا يستوون، ليسوا كلهم لفقا واحدا، طبقة واحدة! يختلفون، يتمايزون. لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ *، قال لك الذين أسلموا! تكذبون على الله أنتم؟ هل تعرفون العربية؟ قال لك مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ * الذين أسلموا! ما شاء الله! والله يُسميهم أهل الكتاب؟ تضحكون على مَن؟ الحق أبلج، والباطل لجلج. أولتم هذه، كيف تؤولون هذه؟ كيف تؤولون هذه؟ القرآن مُتجار، مُتسارع، إلى تقرير حقيقة واضحة، لم نشأ أن نراها، لا نُحب أن نراها، أبدا! إما أن تُصبح على شرعنا وبطريقتنا، وإلا فأنت في جهنم! اكذبوا على الله ما شئتم أن تكذبوا. اللهم إنا نبرأ إليك من كل افتراء عليك ورد لكلامك في الصدور والأعجاز.
لَيْسُواْ سَوَاء *، كيف يا رب لَيْسُواْ سَوَاء *؟ يقول مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ *، كتابيون! أُمَّةٌ قَائِمَةٌ *، عُباد رُهبان حقيقيون صادقون، أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ * يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ *. أعلم، اقشعرت أبدانكم، كما اقشعر بدني، أُقسم بالله! إذن لماذا اقشعرت أبدانكم؟ اقشعرت أبدانكم أن الآية تدل على نجاة كتابيين؟ ليس كل الكتابيين، كما أنه ليس كل المسلمين ناجون، نعلم هذا! اللهم اجعلنا من الناجين بفضلك ومنك يا رب العالمين. لا كلنا ناجون، ولا كلهم ناجون، لكن دلت على الأقل الآيات على أن من أهل الكتاب أمة ناجية، ووصفوا بالصلاح والتقوى، ووصفوا بأنهم لن يُكفروا صالح أعمالهم – كثّر الله صالحاتنا -، واضح؟ لماذا اقشعرت أبدانكم؟ أنا أقول لكم هذا لامس الفطرة، لامس الفطرة المُعتقِدة بعدل الله، هذا من عدل الله، هذا من عدل الله! الموضوع طويل، طويل ومُعقد.
وآخر شيء؛ لئلا أُطيل، الآيات كثيرة جدا، لكن أنا آتي بأوضح الآيات! آتيكم بآيات النساء؛ لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ *، الله يُخاطب مَن؟ يُخاطبنا، يُخاطب أصحاب محمد – صلوات ربي وتسليماته على محمد وآل محمد -. لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ *، القضية ليست قضية أماني؛ نحن أصحاب موسى، نحن الأولى، نحن ال Chosen people، نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ *، الشعب المُختار! أماني، اذهب، تمن يا حبيبي، اذهب، تمن. لا، نحن أصحاب كلمة الله وابنه وروحه، مُحيي الموتى، القائم من الأموات، الذي قام من الأموات، عيسى! اذهب، تمن. لا، أنا صاحب محمد، ختام الأنبياء والمُرسلين وخير الخلق وحبيب الحق. تمن. الله قال ليست هذه القضية، القضية ليست عناوين، وليست مانشيتات. لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ *، وبدأ بمَن؟ بالصحابة، بنا، بأصحاب محمد وبنا. لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ *.
إذن ما أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ *؟ وَقَالُوا لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ ۗ تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ ۗ *. إذن أمانينا؟ لن يدخل الجنة إلا مَن كان مسلما مُحمديا. أماني! فهمتم القرآن؟ عجيب القرآن! أُقسم بالله العظيم! أُقسم بالله القرآن عجيب! وأنا مُتأكد الآن كلكم ستقولون الله أكبر! لعلنا دخلنا تحت طائلة مَن قيل فيهم يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا *. كأننا ما تلوناه، ولا فقهناه! ستقولون يا ويلنا! ويا ألف ويل لنا! كم مرة قرأنا هذه الآيات ولا مرة فكرنا فيها! ولا مرة! الله يقول لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ *. ما هي أمانينا؟ مثل أماني أهل الكتاب. ولذلك أخبر الصادق المعصوم الأبر الأطهر أننا سنحذو حذوهم، ونتقيل طريقتهم، حذوك القُذة بالقُذة، حذوك النعل بالنعل! حتى إن كان منهم مَن يأتي أمه على قارعة الطريق، ليكونن من أمتي مَن يفعل ذلك. إن دخلوا جُحر ضب، أي انجحروا! حتى إن انجحروا في جُحر ضب، سيكون منكم مَن ينجحر في جحور الضباب. وقد انجحرنا، وعُمي علينا، وغبيت علينا الحقائق. مثلما تأملوا تأملنا، مثلما تمنوا تمنينا، ونحن واثقون! الله يقول لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ *.
ما يا رب إذن؟ ما الحقيقة يا ربي؟ كيف؟ كيف تُعامل الخلق أنت؟ كيف تنظر إلينا؛ مُسلمين، ويهودا ونصارى هم؟ قال مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا * وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا *. يقول مَن *. مَن * مِن ألفاظ ماذا في أصول الفقه، في فقه العربية؟ من ألفاظ العموم. مَن *، وتعم مَن؟ تعم المذكورين بعنوان أصحاب الأماني؛ لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ *. إذن تعم المسلمين المُحمديين، والمسلمين اليهود، والمسلمين النصارى. تقول لي مسلمون؟ مسلمون بنص القرآن، وهذا ما سنقوله الآن للتو، مسلمون بنصوص الآيات القرآنية، دين واحد، أمة واحدة، في نهاية المطاف! مَن يَعْمَلْ *…وَمَن يَعْمَلْ *…وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا *.
ثم قال الله الدين واحد، وأنتم جعلتموه أديانا. أي دين يا رب؟ عن أي دين تتحدث؟ قال وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا *. الآية التي بعدها. القرآن عجيب! هذا القرآن – أُقسم بالله – عجيب! وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّه وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً *. الله أكبر! الله يقول يا مسلمون، يا يهود، يا نصارى، أو يا مسيحيون – لا يُحبون كلمة نصارى، لا تُوجد مُشكلة، يا مسيحيون -، الدين واحد، وإنما أدعوكم ودعوتكم إلى دين واحد، هو دين الحنيفية، هو دين الإسلام، دين آدم، دين نوح، إدريس، شيث…ودين الأنبياء!
أين؟ ماذا قال نوح – عليه الصلاة والسلام – في سورة يونس؟ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ * فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ ۖ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ *. نوح، هذا نوح، هذا! انتبهوا! ليس محمدا. نوح يقول وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ *. إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ *، مَن؟ إبراهيم الخليل. قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ *. وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ * أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ *. لا إله إلا الله! مُسْلِمُونَ *.
موسى ماذا يقول لقومه؟ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوٓاْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ *. موسى يقول لقومه فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوٓاْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ *. موسى! سُليمان! ماذا تقول بلقيس، ملكة سبأ؟ وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *، وَأَسْلَمْتُ *، تقول إسلام. هي تعلم أن سُليمان دينه هو الإسلام. عيسى والحواريون! وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ *. الحواريون! دين واحد! ويأتيك شيخ يحكم بالزندقة على أمثالنا وعلى غيرنا؛ زنديق، كافر، يكذب عليكم! نحن نكذب عليكم؟ حسبنا الله ونعم الوكيل. ويقول لك وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا *. والله؟ أفحمتنا! ما شاء الله على العلم! العلم المُتطاول النافذ العميق! يا رجل اتق الله. الآية هذه من سورة آل عمران، في آل عمران إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ *، في آل عمران! أي إسلام؟ الإسلام بالمعنى العام، هذا الإسلام الذي تلونا عليكم الآيات المُبرهنة على أنه دين الأنبياء جميعا، هذا هو!
آية سورة المائدة عامة تماما؛ إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ *، عجيب! الله يقول يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ * المسلمون. النبيون المسلمون؟ نعم. أنبياء بني إسرائيل – الله يقول – هم أنبياء ماذا؟ مسلمون. لا إله إلا الله! لماذا لا يُقال لنا هذا كثيرا؟ يقول لك هذا مكتوب! ركزوا، ركزوا! لا تُضيعوا الأمة، ولا تُضيعوا الدين! على فكرة إذا كان عالم نوبلي ألحد وكفر بالله؛ لأن عقله لم يتسع أن يكون الله بهذا الضيق الرحموتي، فهذا ما يحصل الآن وعقل ابنك وعقل ابنتك – والله العظيم – وعقل ابني وعقل ابنتي أضيق بكثير من عقل هذا النوبلي الكبير، وهو نوبلي في فيزياء الكم، من العباقرة الندرة! عقل أبنائنا وبناتنا أضيق بمراحل من أن يتسع لمثل هذا الضيق كله. يقول لا، سنشك في هذا الدين، سنشك في دينك يا أبت ويا أمت. أيتها الأم المسلمة سنشك في دينك، الله ليس كذلك. إن كان الله موجودا – وهو حق، لا إله إلا هو، الحق الأعظم، لا إله إلا هو -، فينبغي ألا يكون بهذا الضيق. لا! الله في القرآن أوسع بكثير من إله الأحبار، والرُهبان، والرابيين، والقُسس، والأساقفة، والكرادلة، والباباوات، ومشايخ المسلمين؛ شيعة، وسُنة، وإباضية…لا أستثني أحدا. الله أوسع بكثير من كل هؤلاء، والله العظيم! ستقول لي ما الطريق؟ الطريق؛ اقرأ كتابه، اقرأ كتابه، العصمة كلها في كتابه، ولكن لا تُجاوز، لا تُجاوز ما يقول الكتاب، ولا تُحاول أن تتلاعب بالكتاب. الكتاب واضح، جد واضح – بحمد الله تبارك وتعالى -.
ولذلك إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً *، منصوبة على الحال، إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ *، انتهى الخبر، هَٰذِهِ * مبتدأ، و: أُمَّتُكُمْ * خبر، وتعم! هذه عامة، لفظ عام. الله يُخاطب مَن هنا؟ إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ *، يُخاطب مَن؟ يُخاطب الأنبياء على الأرجح. قيل الجُملة مُستأنفة وتُخاطب بها الأمة. الأرجح والأظهر، والسياق والسباق يدل عليه، أن الخطاب للأنبياء؛ لأن الله تبارك وتعالى اقتص علينا طرفا صالحا من أخبار الأنبياء – عليهم الصلوات والتسليمات جميعا -، ثم قال وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ * إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ *. أما في المؤمنون – وطبعا مرفوعة على الحكاية. ولو قلت في سورة المؤمنين، يجوز. لكن حتى لو قلت في سورة المؤمنين على الحكاية، صحيح – أو وفي المؤمنون، فقال تبارك وتعالى وَإِنَّ هَذِهِ *، وأيضا قراءة بأن؛ وأن هذه. وأن وَإِنَّ *. هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ *. أيضا هنا الأمة هي الملة، الأمة! الأمة لها أكثر من ستة معان! لكن أيضا الأمة بمعنى ماذا؟ الملة والشريعة والدين، أصول الدين! الله يقول ملتكم، شريعتكم، أيها الأنبياء، واحدة. صحيح واحدة.
شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ *. إذن دين واحد، لا إله إلا الله! لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ *، وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ *، كفروا! هم الكافرون حقا. لماذا؟ لأن الله قطع وجزم بماذا؟ بأن دين الأنبياء جميعا دين واحد، ملة الأنبياء ملة واحدة، أمة الأنبياء أمة واحدة. قرآن هذا يا أخي! كيف نُهدره؟
وفي الحديث المُخرج في الصحيحين أنا أولى الناس بعيسى بن مريم في الدنيا والآخرة. لماذا؟ لماذا يا رسول الله – صلوات ربي وتسليماته عليك وآلك وأصحابك، إلى انقطاع النفس، إلى أبد الآبدين ودهر الداهرين -؟ لماذا؟ لماذا أنت أولى؟ قال ليس بيني وبينه نبي! عَلَىٰ فَتْرَةٍۢ مِّنَ ٱلرُّسُلِ *، ليس بيني وبينه نبي. والأنبياء إخوة لعلات. العلات هن الضرائر، جمع ضرة. والأنبياء إخوة لعلات، أمهاتهم شتى، ودينهم واحد. لم يقل أبوهم. عاد إلى الحقيقة! أتى بالمجاز، ثم عاد إلى الحقيقة. قال أمهاتهم شتى، ودينهم واحد. ولو قال أبوهم، لما فُهم. ربما اعتاص فهمه على بعض الناس! اللقاح واحد، اللقاح واحد كما في مسألة لبن الفحل! لأن اللقاح واحد كما في حديث ابن عباس. أمهاتهم شتى، ودينهم واحد.
الدين واحد يا إخواني، والشرائع الفرعية؛ حلال وحرام وكيف تُصلي وكيف كذا، هذه مُختلفة، لا بأس، وكلها من عند الله، كلها من عند الله! والله أمر الجميع، على اختلاف شرائعهم الفرعية! وهذا ما سأخوض فيه بالتفصيل – بعون الله تعالى – في خُطبة الجُمعة، إذا أبقاني الله، إذا أبقاني الله ومد في فُسحتي! أسأل الله أن يعسلنا، ويمد في فُسحنا جميعا، مع تمكيننا من صالح الأعمال والتوبة النصوح التي يرضى عنا بها أتم الرضا، اللهم آمين. سنخوض في التفصيل – أيها الإخوة – في هذه المسائل، وكله من عند الله.
الله أمر أصحاب الشرائع المُختلفة والدين الواحد أن يتسابقوا في الخيرات. اعبد الله، أنت اعبد الله، وأنت اعبد الله، ولن يُكفر أحد ماذا؟ عبادته وعمله الصالح. ما أحلى القرآن يا أخي! ما أوسع القرآن! تالله وبالله ووالله لو قيل لرجل حكيم، لرجل عاقل، صاحب حيدة وإنصاف وعدل في الأحكام وتوازن في الرؤية، قيل له هؤلاء المليون ما بالهم يختلفون؟ وكلٌ ينحو ناحية ويُناكر صاحبه! ينحو ناحية ويُناكر صاحبه! بل يُبالغ في النكير عليه، مُدعيا أنه الأحق بالحق، وأن الحق لا يعدوه ولا يعدو آباءه وتراثاته وتراثات أجداده! فسيقول هلموا، ما الذي يعتقده كلٌ منهم؟ وسيحتكم إلى خُطة!
سيقول إذا كانت هذه الأديان أو الشرائع شرائع توحيدية، تؤمن بإله مُوجد للأكوان، مُهيمن عليها، مُدبر لها، نبأ النبيين، وأرسل المُرسلين، وكلف عباده، فسيكون أقربها إلى الحق وأسعدها به، أي شرع؟ وأي دين؟ وأي دعوى؟ وأي قبيل من الناس؟ مَن يُصورون أو يُصور إلههم وربهم على أنه ماذا؟ الأرحم والأوسع والأعذر لعباده، مهما وُجد وجه لعُذر العباد، فإنه سيعذرهم؛ لأنه ماذا؟ رحمة! ووسع؛ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا *، لا إله إلا هو! أليس كذلك؟ أنا أقول لكم – بفضل الله – هذا؛ ليس لأنني مسلم مُحمدي، أسأل الله أن أعيش وأن أموت على ذلك وإياكم وإياكن جميعا وجمعاوات وسائر أمتنا المرحومة! ليس لأنني مسلم، بل لأن هذه هي الحقيقة التي يُعطيها العقل المُتفتح. تدّعي أنك تتكلم باسم رب العوالم؟ فما بال رب العوالم لديك هذا رب ضيق جدا جدا؟
لذلك أعود إلى موضوعي المُهم جدا، وأختم به هذه الخُطبة حتى لا أُعييكم. وما زلنا في مشارف الخُطبة، ما زلنا في أول الكلام. سنُكملها بعد ذلك – إن شاء الله – في المُحاضرة. ما زلنا في أول كلامنا، كل هذه لا تزال مُقدمات للموضوعات. ماذا أقول يا أحبتي؛ يا إخوتي وأخواتي – وفقني الله وإياكم إلى ما يُحبه ويرضاه -؟ رحمة الله التي لا أوسع منها، هذه الرحمة قد تتحايدك، قد تند عنك، قد لا يكون لك حظ فيها، ليس للذنب من الذنوب الفاحشة المعروفة، هذه قد تُغفر، باستثناء الشرك، مهما كانت بالغة من الفُحش ما بالغت! لكن لشيء لا يخطر على بال كثير جدا من هؤلاء المُتزمتين، وكلاء السماء، الذين افتأتوا على رب العالمين، وادّعوا أنهم يفصلون في مصائر الناس! كيف؟ ما الذي تُريد أن تقوله؟ نعم، سأقول لكم شيئا عجيبا جدا يا إخواني!
الآية التي تلوتها، وهي الآن – ما شاء الله – محفوظة، أعتقد أن الأمة الآن حفظتها؛ لأن ألوفا من المسلمين وعشرات من ال Youtubersوالمُتكلمين يُرددونها صباح مساء! مَا كَانَ لِلنَّبِىِّ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوٓاْ أُوْلِى قُرْبَىٰ مِنۢ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَٰبُ ٱلْجَحِيمِ *، هل تلوتم الآية جيدا؟ مِنۢ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ *، هل تَبَيَّنَ *؟ إذن أنا أقول لكم هل تَبَيَّنَ * لكَ أو لي أو لكِ أو لأحد منا أننا من أصحاب الجنة؟ لا نعرف والله، أُقسم بالله لا نعرف! على أننا مسلمون، مُوحدون، مُصلون، صائمون، مُزكون، نخشى الله، نحفظ القرآن أو نتحفظه، أو…أو….إلى آخره! ونتأمل في رحمة الله، ولكن لا أحد منا يستطيع أن يقول تَبَيَّنَ * لي أنني من أصحاب الجنة.
روى الإمام أحمد في مُسنده – رضوان الله عليه – عن عمر بن الخطاب – رضيَ الله عنهم وأرضاهم أجمعين -، فاروق الإسلام! ومَن مثل عمر؟ روحي وقلبي يا عمر! عمر هذا الخليفة المؤمن، فاروق الإسلام، المُتواضع الصادق النبيل، يقول مَن قال أنا في الجنة، فهو في النار. عجيب! ولم تغتر بأن النبي بشرك بأنك من العشرة؟ أبدا. في الصحيح ماذا قال لما طُعن؟ لعنة الله على طاعنه. والآن قد يُشيّر – Share – مقطع عن كرامات فيروز طاعن سيدنا عمر! ألا لعنة الله على فيروز، الذي أعدم المسلمين رجلا من أفضل الخلق بعد نبي الله، تبا للفيروز هذا، جدد الله على روحه العذابات، هكذا للأسف! المقام يقتضي هذا. يُقال له كرامات! يُقال! فيروز له مقامات، وله ضريح يُزار، ما هذا الخبل؟ ما هذا الحقد؟
كلمة (وعلى الماشي)، كلمة وأمضي؛ لولا عمر وجهاد عمر وجيوش عمر، ما عرفتم الإسلام هناك، في بلاد فارس، اتقوا الله! لو هناك حُب حقيقي للإسلام، والله ما عرفتم الإسلام بعد فضل الله، إلا بفضل ابن الخطب، فلو أحببتم الإسلام، أحبوا هذا الرجل، الذي جعله الله وسيلة لإيصال هذا الدين إليكم – رضوان الله عليه -. تُقدسون قاتله؟ على كل حال إن الله يفصل بين العباد، والله الموعد، لا إله إلا هو! و: كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ۚ *. كل كلمة سيُحاسب عليها كل مَن يفوه بها، المسألة ليست سائبة.
إذن عمر! عمر في الصحيح لما طُعن – رضوان الله عليه -، أسعده الله بالشهادة، الحمد لله، فاروق الإسلام! ومات شهيدا، هنيئا له! عمر لما طُعن، أتاه مَن يقول له الآتي، وكان في حالة شديدة، ويخشى على نفسه من لقاء الله تبارك وتعالى. كان يقول ليت أمي لم تلدني! رجل صادق، يخشى الله، لم يقل لك أنا ضامن الجنة، أنا عمر! ابنتي زوج رسول الله، أنا صهر رسول الله، أنا أيضا نسيب آل البيت، فأم كلثوم – عليها السلام – بنت فاطمة – عليها سلام الله -، بنت علي بن أبي طالب – عليهم سلام الله جميعا -! فاطمة وعلي أبوا أم كلثوم، وأم كلثوم زوجي. زوجني إياها علي. يكره! لأن عليا يكره عمر جدا؛ لأن عليا يُبغضه. هو يُبغضه وأعطاه ابنته! ما شاء الله!
هذا كلام له خبيء……………………….معناه ليس لنا عقول.
تكلموا بما يُعقل، تكلموا بما يفهم، لا يُوجد! لكن سُبحان الله! الغرض مرض، الغرض مرض، نعم! الحقائق واضحة جدا. المُهم، فقيل له يا أمير المؤمنين، هنيئا لك! إن لك قدما وسابقة في الإسلام، وكذا وكذا وكذا وكذا! قال يا ليته كان كفافا! وحكمت، وَليت، أو وُلّيت! وَليت، فعدلت، وكذا. فأبشر يا أمير المؤمنين! فقال يا ليته كان كفافا! لا لي ولا علي! أنا راض بألا يكون لا لي ولا علي. وينتهي الأمر! ليس عنده هذا الاعتقاد أنه من أهل الجنة، هذا تواضع العارفين بالله – عرفني الله وإياكم به -، هذا عمر بن الخطاب.
عبد الله بن سلام – وهذا في الصحيح -، الحبر اليهودي، وهو المقصود بقوله يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ ۘ *، عبد الله بن سلام أو سلّام – رضوان الله عن أصحاب رسول الله أجمعين -، لما قال بعض الصحابة هو من أهل الجنة، ماذا قال؟ سمعوا النبي يُبشر أنه من أهل الجنة، فقالوا هو من أهل الجنة. فلما بلغه ذلك، قال لا يعلم بأهل الجنة إلا الله. وفي رواية في الصحيح قال سُبحان الله! كيف يقولون على الله بغير علم؟ هذه المصائر عند الله، مَن يعلم مَن يدخل الجنة ومَن يدخل النار؟ لم يفرح. بعض الناس الآن يفرح، يأتيه…ماذا أقول؟ لا أُريد أن أُسيء التعبير، يأتيه رجل مثله، يقول له أبشر يا أخي! رأيت في المنام مَن يُبشر بأنك في الجنة! فيفرح ويُستطار فرحا. يا رجل! لو قيل هذا لأحد الصالحين حقا، لقال له أما وجد الشيطان مَن يتلاعب به غير وغيرك؟ اذهب، العب بعيدا – قال له -، هذه أماني شيطان.
وأخيرا أختم بهلذا الحديث الجليل، الذي طالما أيضا تلوته على هذا المنبر، وهو في صحيح البُخاري، من حديث خارجة بنت زيد – ابن ثابت، أحد الفقهاء السبعة، خارجة! خارجة بن زيد، أي ابن ثابت -، عن أم العلاء – رضيَ الله عنها وأرضاها -. وأم العلاء إحدى النساء الأنصاريات، من الأنصار! وكانت بايعت، ربما بيعة العقبة، المعروفة في مكة. وكانت بايعت، هذا معنى بايعت. قالت – رضيَ الله عنها وأرضاها – اقتُسم المُهاجرون قرعة. اقتُسم المُهاجرون! لما هاجر الصحابة من مكة إلى المدينة، تعرفون كيف كانت لا تسعهم دار واحدة، فاقتُسموا قرعة، بالقرعة! فطار لنا عثمان بن مظعون – رضيَ الله عنه وأرضاه -. الصحابي المُترهبن، وتعرفون ابن مظعون، لا أتحدث عنه، معروف! هذا الصحابي الصالح، المُجاهد الصادق، الذي فقد عينه في ذات الله، عثمان بن مظعون! فأنزلناه في بيت من أبياتنا، فلما مرض، أو وجع – قالت -! وجع، أي أصابه الوجع! فلما وجع، وجعه الذي تُوفيَ فيه. ومات في مرضه مُهاجرا – رضوان الله عليه -، أبو السائب! تُوفيَ، وغسلناه، وكفناه، ودخل علينا رسول الله – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم -. يُريد أن يُصلي عليه الآن الرسول.
فقلت هنيئا لك أبا السائب! عن عثمان بن مظعون، كان يُكنى بأبي السائب. هنيئا لك أبا السائب! شهادتي عليك أن الله أكرمك. ما شاء الله عليك، نعرفك ونعرف عبادتك، وها أنت ما شاء الله عليك، ومت مُهاجرا. فقال – عليه الصلاة وأفضل السلام – وما الذي أدراك أن الله أكرمه؟ قالت فقلت يا رسول الله، فمَن يُكرم الله إذن؟ إذا لم يُكرم الله مثل أبي السائب؛ عثمان بن مظعون، فمَن يكون جديرا حقيقا بإكرام الله، بكرامة الله؟ فمَن يُكرم الله إذن؟ فقال والله – رسول الله، صلوات ربي وتسليماته عليه – وأنا رسول الله ما أدري ما يُفعل بي. قالت فقلت وأنا يا رسول الله لا أُزكي أحدا بعدك. بعد اليوم، لن أُزكي أي أحد، وأقول هنيئا له! له الجنة! لا ندري. الكلام في مَن؟ في الصحابة المُهاجرين الكرام الكبار. لا أحد يدري، لا أحد يدري بمصائرهم، نعم!
ثم قالت في رواية عند البُخاري فأحزنني ذلك. أحزنني أن النبي لم يقطع له بماذا؟ بالجنة. وقال أما هو، فقد أتاه اليقين. أي من ربه، وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ *. أما هو، فقد أتاه اليقين. والله الذي لا إله إلا هو وأنا رسول الله ما أدري ما يُفعل بي. قالت فلا أُزكي أحدا بعدك. وأحزنني ذلك، بزيادة في رواية أُخرى، أيضا في الصحيح. قالت فنمت فأُريت في منامي عينا تجري، قيل لي هذه لعثمان بن مظعون. فأخبرت رسول الله – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم -، فقال هو عمله. فرح بها النبي، وقال هو عمله، يجري عليه. حسناته وصدقاته الجارية! الحمد لله، الله طمأنها وطمأن الرسول، أن وضعه بخير – إن شاء الله تعالى -.
فبالله عليكم أحبتي؛ إخوتي وأخواتي، هذا إذا كان المؤمن الصادق، إذا كان الصحابي المُجاهد المُهاجر الصابر المُتبتل المُترهبن، الذي استأذن في الاختصاء، ولم يأذن له رسول الله! أراد أن يتبتل تبتلا كاملا، ولم يأذن له رسول الله. مثل هذا لا يقطع أحد، إلا بوحي نزل، بسُلطان من الله، بمصيره الأُخروي. إذن لا نستطيع أن نتبين مَن هو أصحاب الجنة! هل يُمكن أن نتبين مَن هو في أصحاب النار؟ ستقول لي ما هذا السؤال الأحمق؟ لا، ليس أحمق والله، والله – إن شاء الله تعالى – هذا سؤال فطن وزكن جدا وذكي، تعرف لماذا؟ أيهما أرجح؛ أن يُدخل المرء – أي امرئ، أي إنسان خلقه الله هكذا، كقاعدة عامة -، أن يُدخل الجنة أو يُدخل النار؟ ستقول لي الجنة طبعا. طبعا الجنة؛ لأن رحمة الله واسعة، ووسعت كل شيء، أليس كذلك؟ ورحمته تسبق غضبه، رحمته سبقت غضبه! ورحمته الأُخروية تسعة وتسعون جُزءا، ورحمته الدنيوية جُزء واحد! واضح أن دخول الإنسان الجنة أقرب وأرجح بكثير من دخوله ماذا؟ النار. ومع ذلك لا يستطيع أحد، إلا بسُلطان وحياني – إلا بسُلطان وحياني، أي وحي، منسوبة إلى الوحي – من الله، أن يقطع على غيب مصير امرئ مات من المؤمنين. إذن من الأصعب، إلا بسُلطان أيضا، أن نقطع بمصير امرئ مات أنه من أهل النار. لماذا؟ هذا ما سنخوض فيه، ولكن في مُحاضرة بعد الجُمعة – إن شاء الله تبارك وتعالى -.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه، فيا فوز المُستغفرين!
الحمد لله، الحمد لله الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ * وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ *. وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
عباد الله/
اعلموا أن الله تبارك وتعالى قد أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه، ثم ثنى فيه بملائكة عرشه وقُدسه، فقال جل من مُخبر قائلا وآمرا إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا *. لبيك اللهم صل وسلم وبارك وشرّف وكرّم على حبيبنا، على نور الوجود، على سيد الخلق وحبيب الحق، النبي العربي الأُمي الهاشمي المُطلبي، ختام الأنبياء والمُرسلين، ومالك أزمة النبيين والمُرسلين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته المُباركين الميامين، وأتباعهم بإحسان، وعلينا وعليكم، والمسلمين والمسلمات، معهم أجمعين، بفضله ومنه، في كل لمحة وحين، عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته، إلى أبد الآبدين ودهر الداهرين، اللهم آمين.
ربنا أوزعنا أن نشكر نعمتك التي أنعمت علينا وعلى والدينا، وأن نعمل صالحا، وأصلح لنا في ذرارينا، إنا تُبنا إليك، وإنا من المسلمين. اللهم ارزقنا الجد في خدمتك، والصدق والإخلاص في طاعتك، اللهم لا تخذلنا ولا تُسلمنا يا رب العالمين، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك.
رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ *، حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اجعلنا هُداة مُهتدين، غير ضالين ولا مُضلين، سلما لأوليائك، وعدوا لأعدائك، نُحب بحُبك مَن أحبك، ونُعادي بعداوتك مَن خالفك. اللهم هذا الدعاء ومنك الإجابة، وهذا الجُهد وعليك التُكلان، وأنت المُستغاث وبك المُستعان، ولا حول ولا قوة إلا بك.
اغفر لنا ولوالدينا، وارحمهم كما ربونا صغارا، اجزهم بالحسنات إحسانا وبالسيئات مغفرة ورضوانا، واغفر اللهم للمسلمين والمسلمات، المؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، بفضلك ورحمتك، إنك سميع قريب مُجيب الدعوات.
ربنا ارفع مقتك وغضبك عنا، اللهم ارفع مقتك وغضبك عنا، اللهم ارفع مقتك وغضبك عنا، اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، اللهم اجمع شمل المسلمين، ووحد صفوف المسلمين وكلمة المسلمين، اللهم ارفع عن المسلمين الذل والعذاب والفُرقة والبغضاء والشنآن والاستعمار والصيال، برحمتك يا أرحم الراحمين، يا عزيز، يا جبار، يا قوي، يا قهار، يا مَن لا يُعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.
عباد الله/
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ *، فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ *، وأقم الصلاة.
(13/5/2022)
أضف تعليق