إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيه ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:
أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سُبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:
مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩
ثم أما بعد:
أيها الإخوة المسلمون الأفاضل، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – سُبحانه وتعالى – في كتابه العزيز بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:
وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ ۩ وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ ۩ لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ ۩ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ ۩ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ ۩ وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ ۩ وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ ۩ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مُّحْضَرُونَ ۩ فَلا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ۩ أَوَلَمْ يَرَ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ ۩ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ۩ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ۩ الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ ۩ أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ ۩ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ۩ فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ۩
صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط، آمين اللهم آمين.
إخواني وأخواتي:
أول أمس كما يُقال كان في ضيافتي أخوان رائعان من الكويت الحبيبة، وجرى حديثٌ بيني وبين أحدهما وهو ذو اهتمام فلسفي لاهوتي في مسائل تتعلَّق بطبيعة علاقة الله – تبارك وتعالى – بخلقه، ولا شك أنها مسألة لا تخلو من غموض ومن عمق، والأخ الآخر يستمع مُتأمِّلاً مُتسائلاً، وبعد أن فرغنا من الحديث الذي لم يطل كثيراً قال الأخ الآخر ما جدوى مثل هاته الموضوعات؟ وهو يُشير بالجدوى إلى جدوى عملية ملموسة، ربما الآن وهنا مما يُسهِّل حياة الناس ويُطيِّبها ويجعلها أكثر كرامة، فقلت له الجدوى في ذاتها، مثل هذا الحديث يُراد لذاته، ثم استتليت مُوضِّحاً وتلك علامة كُبرى فارقة تُميِّز الإنسان من بين سائر موجودات هذا العالم، وهي في رأس قائمة الأدلة على أنه مخلوق لا ينتمي بكُليته وبكُل مُكوِّناته إلى هذا العالم المادي المحدود المُغلَق على نفسه، بل فيه عنصرٌ مُفارِق، الإنسان ليس مُحايثاً من جميع الجهات والجوانب لهذا الوجود المادي، بل هو من جهة مُفارِق لا محالة.
هذا أحد الأدلة على مُفارَقية الإنسان، بمعنى أنه يهتم بأمور لا علاقة لها لا من قريب ولا من بعيد ببقائه الناجز – ببقائه الحاصل – ولا بامتداده في هذا الوجود أبداً، وقد عبَّر العالم الفيزيائي المعروف على نطاق عالمي والحائز على جائزة تمبلتون Templeton جون بارو John Barrow – اسم ضخم وهائل في علوم الفيزياء والطبيعة – عن هذا، قال الانتخاب الطبيعي لا يعنيه لا من قريب ولا من بعيد أن نُفكِّر في الكواركات Quarks وفي الثقوب السوداء، ومع ذلك نحن نفعل، هذا الإنسان – إخواني وأخواتي – لا يُفكِّر على نحو ما أراد لنا الماديون أن نفقه وأن نفهم وأن نُسلِّم فقط بما يجعل حياته مُمكِنة ومُستمِرة وقابلة للامتداد في هذا العالم، هذا غير صحيح، لا من قريب ولا من بعيد، هذا صحيح جُزئياً، لكنه غير صحيح في الإطار الذي أرادوا أن يُصوِّروا فيه المسألة.
الراحل عبد الله القُصيمي انعطف انعطافة كانت صادمة وحادة جداً من الإيمان على الطريق الوهابية حتى – هو صاحب الصراع بين الإسلام والوثنية، الكتاب المعروف الذي قيل بسببه إنه دفع مهر الجنة، بأجزائه الثلاثة الضخمة – إلى الإلحاد، وفي أحسن الظروف إلى التجديف Blasphemy، الرجل كان مُجدِّفاً كبيراً، لأن له بعض التصريحات التي تُفيد بأنه لا يزال يعتصم بمعنى من معاني الإيمان، كما في أول كتابه العالم ليس عقلاً، في أول صحيفة أكَّد أن له إيماناً، لكنه إيمان على نحو يخصه، لا كإيمان العامة وإيمان الكهان على حد تعبيره، على كل حال في أحسن الظروف انتقل من مُؤمِن على الطريقة الوهابية – كما يُقال – أو السلفية إلى مُجدِّف كبير، يكتب في كتابه هذا، يقول ما عبقرية الإنسان؟ أي أعلى ما يُمكِن أن يسمو إليه الفكر والذهن الإنساني، ما عبقرية الإنسان؟ عبقرية الإنسان عبارة عن مُحاوَلة لتسديد مديونيته في هذا الوجود، وما معنى وجوده؟ لا معنى لوجوده، وبالتالي لا معنى لعبقريته، وهذا غير صحيح أيضاً، هذا اختزال سطحي، اختزال ساذج، يُزيِّفه ما فرغنا للتو من تصدير الخُطبة به، لو كان الإنسان يسعى وعبقرية الإنسان لا تسعى فقط إلا لتسديد مديونية الوجود بالمعنى الذي شرحته أنا بعبارة بسيطة وواضحة فلماذا إذن يُفكِّر في الميتافيزيقا Metaphysics؟ لماذا يُفكِّر فلسفياً؟ لماذا يُريد أن يفهم حقيقة الوجود بما هو لا بما يظهر ويتجلى؟ وهذه هي الفلسفة! لماذا؟ لماذا يُفكِّر في الأعماق السحيقة البعيدة جداً؟ على بُعد خمسة عشر مليار سنة ضوئية، والآن على بعد واحد وتسعين واثنين وتسعين مليار سنة ضوئية، ما الذي يعنيه؟ لماذا؟ هو يعيش في هذا الكوكب، يكفيه!
الإنسان بُعشر عقله – أيها الإخوة والأخوات، بعُشر هذا العقل – كان يُمكِن أن يعيش في هذا العالم ويتسيَّد أيضاً على القردة والفهود والنمور، لكن لماذا أُوتيَ هذا العقل كُله؟ الذي يُفكِّر في الماورائيات ويُفكِّر على نحو فلسفي وعلى نحو جمالي وعلى نحو معياري وعلى نحو أخلاقي ويُؤشكِل كل شيئ، يُؤشكِل نفسه أولاً، ويُؤشكِل هذا الوجود، لماذا؟ هذا ما يدل على مُفارَقية الإنسان.
وقلت لهذا الأخ الفاضل الرائع، قلت له هذا بعض آثار وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ۩، لو لم يُنفَخ فيه من روحه لكان كأسلافه الذين يُفسِدون في الأرض ويسفكون الدماء، بهائم، حيوانات! أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء ۩، لا! آدم وبنو آدم أتوا خلقاً آخر، جميل!
إخواني وأخواتي:
تلوت الآيات الخواتم من سورة يس، وفيها ورد قول الحق – جل مجده – فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ۩، هذه اللفظة العجيبة الضخمة “ مَلَكُوتُ ۩” حتى حين تلفظها وحين تسمعها لها وقع مُميَّز، إنها لفظة هائلة وضخمة! ضخمة في معناها لا شك، وضخمة حتى في ملفوظيتها، ملكوت! ليس المُلك فقط، مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ۩، هذه اللفظة الضخمة تكرَّرت في كتاب الله العزيز أربع مرات فقط، أولها في سورة الأنعام وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ۩، إلى آخر هذا السياق الكريم المعروف: فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ ۩، ثاني هذه المرار الأربع في سورة الأعراف، أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ ۩، ثالثها في سورة (المُؤمِنون)، على الحكاية طبعاً، نقول في سورة (المُؤمِنون) بين قوسين، إن قلت في سورة المُؤمِنين يجوز، لكن على الحكاية تبقى كما هي مرفوعة، في سورة (المُؤمِنون) قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ۩، إذن هنا مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ ۩، هناك ملكوت السماوات والأرض: وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۩، أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ۩، في المرتين الأوليين ملكوت السماوت والأرض، أي في الأنعام والأعراف، في المرتين الأُخريين مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ ۩: قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ ۩، فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ ۩ وهي رابع المرار وآخرها من سورة يس.
إذن ما هو الملكوت؟ سنعلم ما هو لو تأمَّلنا بالذات في هذا السياق الكريم في سورة يس، أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ ۩، انتبهوا! كما نبَّهنا غير مرة الخلق في كتاب الله في مُعظَم موارده على الإطلاق – لعله في كلها إن عمَّقنا وغلغلنا النظر، لكننا نقول بادئ الرأي وبادئ النظر في مُعظم موارده في كتاب الله تبارك وتعالى – يرد على أصل الوضع اللُغوي، ليس الإنشاء، ليس التكوين، والقرآن واضح جداً جداً يا أخي، يُغاير بين الإنشاء وبين التكوين من جهة وبين الخلق من جهة، الخلق هو التقدير، الخلق وضع الخُطة، أي الــ Blueprint كما يُقال، الخلق هو وضع الخُطة! الله يتحدَّث – لا إله إلا هو – عن ربوبيته وعن خلّاقيته، بمعنى ماذا؟ بمعنى عن قدرته على وضع الخُطط، خُطط الوجود! الوجود يشتغل بخُطط.
الآن طبعاً مرت ألوف السنين على علوم الطبيعة التي بدأت عرجاء وشوهاء – وبالنسبة إلينا الآن مُضحِكة – مع رجل مثل أرسطو Aristotle، الذي قيل فيه بحق فعلاً عظمة ميتافيزيائه لا يُعادِلها إلا سخافة فيزيائه، فيزياؤه سخيفة! عنده الأشياء تتحرَّك بالعشق، شيئ غير طبيعي! لكن الآن الفيزياء أصبحت علماً قوياً وصُلباً وعلماً مُكمَّماً ورياضياً في جوهره، اقتضى الأمر ألوف السنين لكي يفقه البشر أن هذا الكون في المُستوى الأدنى له – هذا الوجود في المُستوى الأدنى والأعمق له – هو ماذا؟ معلومة، معلومات، خُطة! هذا هو الخلق، الله خلّاق عليم – وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ ۩ – بهذا المعنى يا إخواني، بعد أن يخلق الشيئ – يُقدِّره ويضع له الخُطة – يقول له كُنْ فَيَكُونُ ۩، خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ۩، هذا التكوين، أي الــ Genesis، هذا الــ Genesis! الخلق شيئ آخر، القرآن دقيق، لكن المُسلِمين أجهضوه، المُسلِمون لم يفقهوا هذا جيداً للأسف، هذه اللُغة العربية!
ولأَنْتَ تَفْري ما خَلَقْتَ وَبَـــــ عْضُ القومِ يَخْلُقُ ثم لا يَفْري.
واضح! هذا الشعر الجاهلي، هؤلاء أصحاب المُعلَّقات، يقول له أنت تُقدِّر – تضع الخُطة – ثم تُنفِّذ هذه الخُطة، تنقلها من حيز الإمكان إلى حيز الفعل، من حيز التقدير إلى حيز التنفيذ، من العلمي إلى العياني!
ولأَنْتَ تَفْري ما خَلَقْتَ وَبَـــــعْضُ القومِ يَخْلُقُ ثم لا يَفْري.
تخلق ثم تفري! وَبَعْضُ القومِ يَخْلُقُ ثم لا يَفْري، يُقدِّر لكن لا يستطيع، واضح جداً! هذه لُغة عربية، القرآن يقول لك هذا، يقول لك هذا الخلق وهذا الإنشاء وهذا التكوين، شيئ آخر! لكن نحن نخلط، هل هذا واضح يا إخواني؟ هذا مُهِم لكي نعرف متى تُستعمَل الألفاظ في حقائقها ومتى تُنقَل إلى مجازاتها ولماذا نُقِلت، نُكتة كما يقول علماء البيان! هناك نُكتة في نقل اللفظ من حقيقته إلى مجازه حين يُنقَل.
على كل حال إذن المُلك والملكوت، الله يتحدَّث في هذا السياق الكريم عن خلقه – تبارك وتعالى – للإنسان، أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ ۩، سيقول لي أحدكم لا، لم ير الإنسان، الإنسان لم ير، مَن رأى هذا؟ لكنني أقول له ومَن قال لك إن الرؤية بالضرورة أن تكون بصرية؟ الرؤية ربما في أعظم مواردها في كتاب الله – تبارك وتعالى – هي رؤية كشفية، معرفية، علمية! خُوطِب النبي الأمجد المُكرَّم – عليه الصلاة وأفضل السلام وآله – أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ ۩، وهو وُلِد عام الفيل، فكيف هذا؟ لم ير هذا طبعاً، هذا معناه ألم تعلم؟ ألم يبلغك هذا النبي؟ ألم تُدرِك هذا؟ أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا ۩، ما معنى هذا؟ هذه ليست رؤية بصرية، وإنما رؤية علمية، وكذلك هنا، وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ۩، ليست رؤية بصرية، رؤية ماذا؟ كشفية، علمية، رؤية كشفية علمية! وهذا الذي قاله جهابذة المُفسِّرون، من الزمخشري، إلى الآلوسي، إلى ابن عاشور، كل المُفسِّرين الجهابذة! فالرؤية كشفية، الرؤية معرفية، الرؤية علمية، هذه رؤية علمية وليست عيانية، ليست بصرية! أَلَمْ تَرَ ۩ كذا وكذا وكذا؟ أَرَأَيْتَ الَّذِي ۩ كذا كذا؟ رؤية علمية!
لا نُريد أن نُطوِّل، للأسف نحن في الشتاء، الخُطبة الشتوية قصيرة، أربعون دقيقة وننتهي، لا تُوجَد إمكانية للبسط، صلاة العصر من ورائنا، أي من أمامنا.
إخواني وأخواتي:
ما الفرق بين المُلك والملكوت؟ المُلك معروف، لكن ماذا عن الملكوت؟ الملكوت مصدر طبعاً، والمُلك حتى والمِلك – المُلك والمِلك – مصدران، وهذا مصدر أيضاً بإجماع أئمة اللُغة، الملكوت مصدر! لكنه مصدر فيه معنى المُبالَغة، تشعر لأن هناك زيادة في المبنى بزيادة في المعنى، مُلك وملكوت! وهذا المصدر على وزن فعلوت قليل جداً، ألفاظه قليلة، قيل أصله نبطي، هذا الوزان أو هذا الوزن نبطي الأصل، ولذلك اقتصرت موارده على ألفاظ معدودة تُعَد، فمنه الملكوت، ومنه الجبروت، ومنه الرهبوت، ومنه الرغبوت، والعرب كانت تقول رهبوت خيرٌ من رغبوت، لئن تُرهَب خيرٌ من أن تُرغَب أو يُرغَب فيك، والجبروت واضحة، والملكوت في كتاب الله في أربعة مواضع.
حين تُفكِّر وتُقابِل بين المُلك والملكوت تجد أن المُلك بلا شك مُنضَمٌ مُحتوىً مشمولٌ في الملكوت، لا ملكوت بغير مُلك، لكن المُلك ليس هو الملكوت، لا يُعادِله، ما الفرق بينهما؟
في كتاب الله – تبارك وتعالى – الله يُؤتي المُلك مَن شاء، أليس كذلك؟ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ ۩، تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء ۩، المُلك! وهناك ملوك في الأرض، أليس كذلك؟ لكن ولا مرة ورد أنه يُؤتي الملكوت، ولذلك قال الراغب الأصفهاني – صاحب أعظم كتاب في المُفرَادت، المُفرَادت في غريب القرآن – هو مُختَص بالحق، لا إله إلا هو! مُختَص بالله، وهذا الصحيح، مَن خالفه فقد غلط، مَن خالفه فهو غالط لا شك، الملكوت مُختَص بالله، الملكوت ليس إلا لله تبارك وتعالى.
حتى لا نُطوِّل بالمُقدِّمات إخواني نقول الملكوت هو أن يملك – لا إله إلا هو – ما خلق وذرأ وبرأ وأنشأ وكوَّن زائداً التحكم فيخ، هذا تفسيري الشخصي، علماً بأن هذا غير خارج عن تفسير الجهابذة أيضاً كالزمخشري ومَن تابعه، ومن أشهر المُتابِعين العلّامة الإمام الآلوسي، أبو الثناء الشهاب رحمة الله عليه، فهذا لا يخرج عن قولهم وسوف نرى هذا، الملكوت هو أن يملك الله – تبارك وتعالى – ما خلق – أي المُلك، أن يكون المُلك بيده، بِيَدِهِ الْمُلْكُ ۩ كما في القرآن، وكما نقول في الأذكار والتسبيحات، فهو تعبير قرآني – زائداً ماذا؟ مُضافاً إليه ماذا؟ مُضافاً إليه التحكم والتسيير، التحكم والتسيير في هذا المُلك.
المُهندِس يصنع بيتاً ثم يتركه، لا يملكه! أليس كذلك؟ وإن ملكه لا يستطيع أن يتحكَّم في مصيره، قد يأتي زلزال أو رجة أو طوفان أو فيضان فينتهي كل شيئ، قد تأتي حتى ريح عاتية فينتهي كل شيئ، لكن صاحب الملكوت – لا إله إلا هو – يملك المُلك زائداً ماذا؟ التحكم فيه، التحكم فيه والسيطرة عليه كيف يكون؟ بقوانينه، لأنه محكوم بقوانين الحق، لا إله إلا هو! وهذا معنى أنه خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ – بماذا؟ – بِالْحَقِّ ۩، بالقانون! وهذا بعض معنى إراءة الله لإبراهيم – خليله، أبي الأنبياء – مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۩، كيف هذا؟ أوقفه – تبارك وتعالى – إن بطريق الوحي الاصطلاحي وإن بطريق الإلهام كما ذهب بعضهم على ماذا؟ بتعبيرنا الآن على بعض القوانين المُسيِّرة لهذا الوجود، عرف! علماً بأن إبراهيم تشوَّف من بعد أيضاً إلى شيئ من هذا، إلى المزيد، أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۩، إذن هو يعلم أنه لا يُحيي الموتى إلا الله، يعلم هذا! كل مُؤمِن فضلاً عن إبراهيم أبي الأنبياء وشيخهم يعلم هذا، لكنه يُريد أن يرى كيف يعمل القانون، كيف يتم هذا؟ كيف يجري؟ وبالمُناسَبة الذي تشوَّف إليه الخليل – عليه الصلاة وأفضل السلام – هو الذي تشرئب إليه أعناق همم العلماء، العلماء بالمعنى العلمي التطبيقي والبحت والتجريبي، يُريدون معرفة هذا!
نأتي إلى ألبرت أينشتاين Albert Einstein، هذا الهائل، هذا العقل الهائل المُخيف، المُؤمِن بالله، يتعزّى الملاحدة دائماً بقولهم هو مُؤمِن على طريقة سبينوزا Spinoza، فهو Pantheist، أي هو وحدوي، يُؤمِن بوحدة الوجود، أي يُعادِل بين الله وبين الطبيعة، الطبيعة هي الله والله هو الطبيعة، لكن هذا غير صحيح، وسوف نقول لماذا هذا غير صحيح، خاصة ريتشارد دوكنز Richard Dawkins دائماً يقول هذا، يقول حتى بمعنى ما هذا ويُريد أن يُصوِّر لنا أن أينشتاين Einstein شبه مُلحِد، وهذا غير صحيح، أينشتاين Einstein كان يغضب جداً ويتبرَّم من هذا، وصرَّح – وهذا ثابت طبعاً، ثابت في الكُتب المُوثَّقة – بهذا، كان يقول أكثر ما يغيظني أن هؤلاء الملاحدة يستعملونني ويستعملون كلماتي في دعم دعاواهم، غير صحيح! قال أنا بعيد جداً من الإلحاد، وأيضاً بعيد من أن أُسمى وحدوياً، هو أنكر أنه يكون Pantheist، قال لا، أنا لست مُؤمِناً بطريقة سبينوزا Spinoza، إذن هو مُؤمِن بأي طريقة؟ هو مُؤمِن بطريقة إسحاق نيوتن Isaac Newton، أي أيزك نيوتن Isaac Newton.
إسحاق نيوتن Isaac Newton كان يرى أن الله هو الذي أبدع هذا الوجود وهو الذي يُسيِّره ويتحكَّم فيه، وبالتالي صرَّح في البرنسبيا Principia – باللاتينية البرنشبيا، البرنشيبا أو البرنسبيا هي المبادئ الرياضية للفلسفة الطبيعية، بين قوسين أقول (ما هي؟ أي ما الفلسفة الطبيعية؟ الفيزياء، كانت تُسمى الفلسفة الطبيعية) – أو في المبادئ إسحاق نيوتن Isaac Newton بأن الرب – لا إله إلا هو، وهذا إلى الآن مطبوع بفضل الله، وموجود في أحد أجزائه – تبارك وتعالى هو الذي أوجد هذا العالم أو هذه العوالم وتحكَّم فيها، وبالتالي هو أكبر منها، لا يُمكِن أن نُعادِل على طريقة سبينوزا Spinoza والوحدويين بين الله والطبيعة، الله أكبر من الطبيعة، مُستحيل أصلاً أن يكون الله هو الطبيعة، كلام فارغ هذا! فلسفياً وعلمياً هذا كلام فارغ.
هذه الطبيعة لكي تكون معقولة وقابلة للفهم وقابلة للتفسير لابد ماذا؟ أن تُسيَّر بقوانين، والقوانين لابد لها من واضع، ولذلك بول ديفيز Paul Davies – عالم الرياضيات التطبيقية الشهير جداً – يقول الملاحدة – بما فيهم حتى علماء ملاحدة وفيزيائيين ورياضيين – يرون أن الطبيعة والعالم غير معقول وأنه عبثي، ومن موقعي كعالم أرى من الصعب جداً أن أتقبَّل هذا الموقف، لماذا؟ لا يُمكِن نشأة علم ونشأة مُحاوَلات لفهم العالم إلا بعد التسليم، يقول بول ديفيز Paul Davies وكل العلماء الملاحدة – هم علماء وملاحدة – يُؤمِنون بطريقة التسليم – أي لا يُسائلون أنفسهم، لا يُسائلون الموضوع، يُؤمِنون على طريقة التسليم، على وجه من وجوه التسليم، بماذا؟ – بوجود قوانين تحكم هذا العالم، حين تتحدَّث عن قوانين أنت تتحدَّث عن ماذا؟ عن انتظامات معقولة، عن عقل!
لذلك العلماء الكبار يعرفون هذا، كما قلت اقتضى الأمر ألوف السنين لكي يقولوا بتعبير السير آرثر إدنغتون Sir Arthur Eddington – هذا العالم الكبير جداً، وهو سير Sir أيضاً، أي إنه ليس عالماً عادياً، هو سير Sir – مادة الوجودة مادة عقلية، السير آرثر إدنجتون Sir Arthur Eddington يقول مادة الوجود مادة عقلية، أي Mind-stuff، مادة عقلية! الكون هذا مخلوق من عقل، هناك معلومات، أي إنه مخلوق باللُغة القرآنية، باللُغة العربية مخلوق، ما معنى مخلوق؟ معلومات مُقدَّرة موجودة عند الله تبارك وتعالى – قبل أن يُنشأ هذا الكون، قبل أن يُكوَّن، لم ندخل في مرحلة الــ Genesis، أي التكوين، قبل! لابد من أن نعرف هذا، وهذا الذي سار إليه الآن مُعظَم عباقرة الفيزياء والرياضيات في العالم، قضية القانون قضية هائلة جداً!
للأسف كان بودي أن أُوسِّع أكثر في إيضاح وتبسيط هذه المُقدِّمات، لكن هذا ما حصل، وعلى كل حال عشرات كبار علماء الفيزياء والرياضيات صدروا عن الروح ذاتها التي عبَّر بها السير آرثر إدنجتون Sir Arthur Eddington، مادة الوجودة مادة عقلية!
السير Sir أيضاً جيمس جينز James Jeans أيضاً عنده كلام طويل، قال العقل لم يدخل كأجنبي أو مُتطفِّل على هذا الوجود، العقل هو باني هذا الوجود، قال وهو عقل نعم عقلنا يُشبِهه، ولذلك نحن قدرنا على أن نفهم، وهذا من رحمة الله بنا، أعطانا هذا العقل وهذا الدماغ لا لنعيش بهائم وحيوانات أبداً، إنما لنُحاوِل أن نفهم بتعبيري – وقلت هذا للأخ الفاضل – كيف يُفكِّر الله، وهذا تعبير السير جيمس جينز Sir James Jeans والسير آرثر إدنجتون Sir Arthur Eddington وأينشتاين Einstein الهائل الكبير، أينشتاين Einstein قال كل ما يعنيني – وأنا مهموم بهذا – أن أعرف كيف خلق الله العالم وكيف كان يُفكِّر، ما عدا هذا مُجرَّد تفاصيل غير مُهِمة، قال هذا هدفي، يا الله! قشعر بدني، وهذا جلال العلم وجلال هؤلاء الناس الهائلين، علماً بأن هذا الإنسان في المعنى الذي أراده الله تبارك وتعالى، إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ۩، ليس الإنسان الدودة، ليس الإنسان الصرصار، أكل وشرب وجنس ونوم وانتهى الأمر! ما هذا؟ دودة أو صرصار لا قيمة له، لا! بمثل هذا، يُحِب أن يعرف كيف – إن جاز التعبير، اللهم غفراً – يُفكِّر الله!
هوكينج Hawking نفسه في كتابه الأشهر – معروف عالمياً، وزَّع منه ملايين النُسخ – تاريخ مُوجَز للزمان قال بالنص والفص إذا وصلنا في يوم من الأيام إلى نظرية كل شيئ – أي النظرية المُوحِّدة العُظمى، الــ United – فقد حقَّقنا أقصى ما طمح إليه الإنسان وعرفنا كيف يُفكِّر الرب، هذا هو طبعاً! لأننا بنظرية واحدة أو بقانون واحد وحَّدنا جميع القوى، بقانون واحد تعرف كيف يتصرَّف هذا العالم المادي كله، من أساسه! إذن عرفنا كيف يُفكِّر الله، الخُطة التي بنى الله على أساسها هذا الوجود، هذا العالم!
فيرنر هايزنبيرغ Werner Heisenberg – أحد المُؤسِّسين الأربعة العظام لفيزياء الكم وميكانيكا الكم – ماذا قال؟ قال مَن رشف أول رشفة من كأس العلم ربما قاده هذا إلى الإلحاد، تُلحِد! تشعر بأنك فهمت الكثير من الرياضيات والفيزياء وما إلى ذلك، قال لكن الإيمان بالله ينتظره في قعر الكأس، انظر إلى هذا، هذا هايزنبيرغ Heisenberg! ليس صعلوكاً من الصعاليك وإنما هايزنبيرغ Heisenberg.
ولذلك من رأي بعض الفلاسفة المُؤمِنين والعائدين إلى الإيمان أن مسألة القوانين الطبيعية من أعوص وأصعب – بل هي الأصعب على الإطلاق – التحديات في وجوه الملاحدة، على كل مُلحِد أن يُجيب عنها، لكن طبعاً هم ينتحرون، أنا عندي تعبير مشهور جداً قلته من سنوات، ينتحرون عقلياً! المُلحِد لكي يُبرِّر إلحاده ويقتنع به عليه أن يُصرِّح بأن العالم فعلاً Absurd، أي عبثي! لكن أين القوانين هذه؟ وهي التي فجَّرنا بها الذرة، والتي لم نرها إلى الآن، وهي التي غُصنا بها في أعماق البحار والمُحيطات، وبهذه القوانين حطت مركباتنا على المريخ، وبهذه القوانين حط أفراد منا على القمر، وبهذه القوانين فعلنا وفهمنا أشياء كثيرة! هل هذه مُجرَّد إسقاطات – Projections – من الذهن الإنساني على الوجود؟ هل نحن مَن أسقطنا عليه هذه القوانين؟ غير صحيح! هل تعرفون لماذا؟ لأن أول سمة وأهم سمة من سمات القانون العلمي الصحيح والقوي هو أنه يتعدى ويجوز بنا مرحلة الوصف الدقيق للظاهرة الطبيعية إلى ماذا؟ إلى إنبائنا بأشياء ما كانت تخطر منا على بال أصلاً، لم تدخل في الحُسبان! إذن القانون من إنتاجنا نحن وإسقاطنا نحن أو مُدمَج في الطبيعة؟ مُدمَج في الطبيعة، الطبيعة مُؤسَّسة عليه، هذا المعمار الكوني شُيّد على أساس هذا القانون طبعاً وهذه المُعادَلات، وهذا تعبير هوكينج Hawking القديم قبل مرحلته الأخيرة اللاأدرية ربما أو التخبطية، قال المُعادَلات التي نُفخِت فيها الروح لكي يأتي هذا الكون مصوغاً على أساسها، مَن الذي نفخ؟ القانون وحده لا يفعل، انتبهوا! علماً بأننا ذكرنا هذا، القانون وحده لا يشتغل، القانون دائماً يستدعي ماذا؟ مُشغِّلاً له يُشغِّله، فعندك مُعضِلتان أيها المُلحِد كبيرتان، مُعضِلة مَن الذي قنَّن القانون؟ وهذا أولاً قبل مرحلة التكوين والإنشاء، في الخلق! مَن الذي قنَّن؟ ومُنذ البداية ومع أول لحظة من لحظات التكون والتنشؤ كان هناك قانون، اشتغل عليه التكون والتنشؤ، مَن الذي قنَّن القانون؟ هذه المُعضِلة الأولى، المُعضِلة الثانية مَن الذي يضمن بقاء وفاعلية هذا القانون باستمرار؟ أي لكي يبقى قانوناً! هذه مُعضِلة كبيرة أيضاً، وفي معناها مَن الذي شغَّل هذا القانون؟ مَن الذي قنَّنه أولاً؟ ثم مَن الذي بث فيه الروح؟ مَن الذي أشغل فيه النار؟ مَن الذي شغَّله؟ مَن الذي شغَّله لكي يُنتِج، لكي يُنشئ، ولكي يُكوِّن؟ لذلك الأمور واضحة، وكما قلنا في الخُطبة السابقة التحير من العمى.
مَن رشف أول رشفة من كأس العلم ربما قاده هذا إلى الإلحاد، تُلحِد! تشعر بأنك فهمت الكثير من الرياضيات والفيزياء وما إلى ذلك، قال لكن الإيمان بالله ينتظره في قعر الكأس. فيرنر هايزنبيرغ Werner Heisenberg
أختم فقط بمثالين ثم ننصرف – إن شاء الله – ونمضي إلى أقدارنا، كلٌ في طريقه، المثال الأول كنت ذكرته قبل سنوات يا إخواني، لكن جيد أن نُمهِّد به لمثال أعوص منه، والمثالان ينتميان إلى حقلين مُتمايزين.
يسيرٌ جداً على العلماء أن يستوعبوا الانتظام وحتى السيمترية – Symmetry – أو التناظرية، في ماذا؟ في العالم الطبيعي، في العالم المادي! مع الكوكب، النجوم، الذرة، الجُسيمات الدقيقة، نعم! مع الانتظام والمحكومية لقانون رياضي يُعبَّر عنه رياضياً في العالم الحيوي هذا أصعب، لكن هذا هو الحاصل، لأن هذا العالم كُله مُقنَّن، كل شيئ فيه مُقنَّن! لا شيئ غير مُقنَّن، وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ۩، وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ – بماذا؟ – بِمِقْدَارٍ ۩، كل شيئ عنده بميزان، لا إله إلا هو! كل شيئ موزون، شيئ عجيب! كل شيئ بحُسبان، الشَّمْس وَالْقَمَر بِحُسْبَانٍ ۩، قال مُجاهِد جماعة الحساب، أي مجموع الحساب، حساب وحساب وحساب، حسابات كثيرة!
المثال الأول هو قانون بود Bode، يوهان بودي Johann Bode! العالم الفلكي الألماني الشهير يوهان بودي Johann Bode الذي عاش قبل زُهاء مائتي سنة، بودي Bode لاحظ أن كواكب – تُسمى السيارات، أي الــ Planets – المجموعة الشمسية محكومة بقانون في أبعادها المُتفاوِتة عن أمها الشمس، ليست مُوضوعة هكذا والأمر مُنتهٍ، يُوجَد قانون! هذا يعني أنها مُختلِفة، هذا يبتعد ستين مليون كيلو متر، هذا يبتعد مائة وخمسة مليون كيلو متر، هذا يبتعد مائة وخمسين مليون كيلو متر، ذاك يبتعد كذا وكذا، ما القانون؟ اشتغل وعمل حسابات دقيقة فوصل إلى هذا القانون، قانون مُعجِب وعجيب، وينطبق عليه شرط بول ديفيز Paul Davies، هذا القانون سيضع أُصبعك أو عينك – إن شئت – أو ذهنك على شيئ لم يخطر منك على بال، سيكشف لك المُخبأ، الخْبء، الخبيء!
قال لك القانون كالتالي، تبدأ بالصفر، ثم بثلاثة، ثم بمُضاعَفات ثلاثة، أي بثلاثة، ستة، ثنتي عشرة، أربعة وعشرين، ثمانية وأربعين، وهلم جرا، جميل! تُضيف عليها أربعة، وتقسم الكُل على عشرة، وتضرب في ماذا؟ في الوحدة الفلكية، وهي مائة وخمسون كيلو متر، وهي بُعد الأرض عن الشمس، ومن ثم يخرج عندك دائماً البُعد بدقة، وجرِّب هذا! ابدأ من الداخل إلى الخارج، ابدأ بعطارد، عطارد صفر، زائد أربعة، إذن الناتج هو أربعة، على عشرة، ضرب مائة وخمسين، ومن ثم سوف يكون الناتج هو ستون، أليس كذلك؟ ستون مليون كيلو متر، وفعلاً عطارد ستون مليون كيلو متر، بعد عطارد الزُهرة، أي فينوس Venus، عندنا ثلاثة، قلنا صفر وثلاثة ومُضاعَفات الثلاثة، ثلاثة زائد أربعة يُساوي سبعة، على عشرة، ضرب مائة وخمسين، ومن ثم سوف يكون الناتج هو مائة وخمسة، احسبها فهي سهلة! مائة وخمسة مليون كيلو متر، هذا صحيح، نأتي إلينا، الكوكب الأزرق الجميل، أعني الأرض، عندنا الآن ستة، ستة زائد أربعة يُساوي عشرة، على عشرة، واحد، ضرب مائة وخسمين، مائة وخمسون مليون كيلو متر، مضبوط! مائة وخمسون مليون كيلو متر، والله هذا صحيح، الوحدة الفلكية الكاملة! بعد الأرض ماذا؟ المريخ، أي مارس Mars، هذا الكوكب الأحمر الدموي المُجرِم، مائة وخمسون، ربما يكون موطننا الثاني! نفس الشيئ، وصلنا إلى ثنتي عشرة، انتهينا من العشرة، والآن وصلنا إلى الثنتي عشرة، ثنتا عشرة زائد أربعة، يُساوي ستة عشر، على عشرة، ضرب مائة وخمسين، ومن ثم سوف يكون عندنا الناتج الخاص بالمريخ، وهو صحيح مائة في المائة، الآن حدث الانكسار مع بودي Bode عند المُشتري، عند المُشتري كان الناتج غالطاً، كان غير صحيح! وصلنا إلى الرابعة والعشرين، لأننا انتهينا من الثنتي عشرة وقلناها، إذن أربعة وعشرون زائد أربعة، على عشرة، ضرب مائة وخمسين، لكن هذا غلط! بُعد المُشتري في الحقيقة وفي الواقع ليس أربعة وعشرين زائد أربعة، على عشرة، ضرب مائة وخمسين، وإنما هو ثمانية وأربعون – ثمانية وأربعون وليس أربعة وعشرين – زائد أربعة، على عشرة، ضرب مائة وخمسين، هذا بُعد المُشتري واحسبها، فقال هنا يُوجَد غلط، لكن القانون ليس غالطاً، القانون صحيح، لكن حصل انكسار، فالقانون عمل ماذا؟ Prediction، أي تنبؤ! قال أكيد السبب هو الآتي، بين المريخ وبين المُشتري يُوجَد شيئ نحن لا نراه، يُوجَد كوكب مُختبئ، يُوجَد شيئ غير قابل للرصد، وفعلاً بعد عقود من السنين يُكتشَف كويكب، أي Asteroid، ليس كوكباً، أي Planet، لأن قطره ألف كيلو متر فقط، سموه كويكباً، أي Asteroid، هذا موجود! بعد ذلك وجدوا كويكباً ثانياً ثم وجدوا كويكباً ثالثاً ثم وجدوا كويكباً رابع، وهكذا! وجدوا ألوفاً، ألوف الكويكبات، اسمها كويكبات المُشتري، كأن هذا كان كوكباً – Planet – وانفجر، ربما ضربه مُذنَّب – Comet – أو شيئ، وفعلاً انفجر، كل هذه الكويكبات المعروفة بكويكبات المُشتري بمثابة الكوكب فعلاً المُختبئ بين المريخ وبين المُشتري، أعطه أربعة وعشرين، زائد أربعة، على عشرة، ضرب مائة وخمسين، وسوف تحصل على الناتج وهو صحيح مائة في المائة، بعد ذلك يأتي المُشتري في مكانه، فتُعطيه ثمانية وأربعين، إلى آخره، يا الله! شيئ غير طبيعي، ما هذا العالم؟ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ۩.
الأعجب من هذا يا إخواني في العالم الحيوي، في عالم الأحياء! يوهانس كيبلر Johannes Kepler – العالم كليبر Kepler السويسري، انتقل طبعاً إلى هارفرد Harvard، ذهب إلى أمريكا في بداية القرن، دراساته كانت على المواشي وعلى المزارع وعلى النباتات وعلى الحيوانات وما إلى ذلك – لاحظ فعلاً أن ما لاحظه من قبل العلماء – علماء الأحياء والتاريخ الطبيعي – كان صحيحاً، هذه مُلاحَظة صحيحة! ماذا لاحظوا؟ لاحظوا أنه كلما كبر أو ضخم الحيوان يعيش أطول، كلما كان أصغر يعيش أقل، فالذباب يعيش لساعات وأحياناً لأيام فقط، الفيل يعيش لخمسين سنة في المُتوسِّط، ضخم! يعيش نصف قرن، هذه الذبابة المسكينة تعيش لأيام أو لساعات، ما بين ذلك الجرذان، نعم تعيش قليلاً طبعاً بالقياس إلى الفهد والنمر، مائة في المائة صحيحة! ولاحظ أيضاً أن مُعدَّل الاستقلاب – أي الــ Metabolic rate، وتعرفون الاستقلاب، تمثل الغذاء كله في الجسم، بمعنى مُعدَّل العمليات الحيوية في الجسم، وهو أحد المُؤشِّرات على ماذا؟ على النبض – في الحيوانات المُعمَّرة الضخمة يكون ماذا؟ أبطأ، وفي الحيوانات الصغيرة يكون ماذا؟ أسرع، النبض أسرع! وهذا يعني أن مُعدَّل الاستقلاب كله سريع، قال هذا صحيح، لكن هل هذه الظاهرة خطية؟ ما معنى خطية؟ بمعنى أن لدينا الفأر ولدينا الحصان، الحصان كُتلته مثل الفأر – مثلاً نفترض – خمسمائة مرة، مُعدَّل – مثلاً – ضربات الفأر كذا، هل بالضرورة يكون مُعدَّل ضربات الحصان خمسمائة مرة أكثر من الفأر؟ لا، إذن ليست خطية، لو كانت خطية لكانت هكذا، فالكتلة أكثر خمسمائة، إذن هو أطول خمسمائة، أسرع خمسمائة، وعمره سيكون أبطأ خمسمائة ضعف، لكنها ليست هكذا، غير صحيح! ليست خطية، حصل انكسار، فهل يُوجَد قانون إذن؟ هذا الرجل عبقري من العباقرة، أعني كليبر Kepler، هذا اسمه Kleiber’s law، أي قانون كليبر Kepler، ابحثوا عنه في الرياضيات وفي علم الأحياء، ظل يُفكِّر وقام بعمل حسابات وتجارب مخبرية مُعقَّدة جداً، سنوات والمسكين يشتغل، إلى أن توصَّل إلى القانون، قانون – ابحثوا عنه – جميل جداً وبديع، اسمه قانون ماذا؟ التناسب مع القوة أو الأُس السالب للُربع، أي الــ Negative quarter power scaling، التناسب مع القوة أو الأُس السالب للرُبع! أي ناقص رُبع، ما معنى هذا؟
ببساطة – للأسف الوقت تضيَّق جداً – نأخذ السنجاب – ستعرفون السنجاب – ونأخذ البقرة، البقرة أثقل منه ألف مرة، ألف ضعف! هل معنى هذا أن البقرة تعيش قد السنجاب ألف مرة؟ لا، هذا غير صحيح، ونحن قلنا إنها ليست خطية، هل معنى هذا أن النبض عندها ومُعدَّل الاستقلاب أبطأ ألف مرة؟ لا، هذا غير صحيح، إذن كم؟ بالقانون هذا – هذا قانون التناسب مع القوة سالبة الرُبع، أي الــ Negative quarter power scaling، هذا هو – حين تحسبها تجد أن النتيجة صحيحة مائة في المائة، أنا حسبتها ووجدتها صحيحة، تأتي وتقول البقرة أثقل ألف مرة، وهذا يعني أننا سنقول ألف مرفوعة إلى الأُس ناقص رُبع، كيف سوف نحسبها؟ نحن بالكاد نعرف الجذر التربيعي، فهذا سهل، ما الشيئ الذي يُضرَب مرتان وما إلى ذلك؟ هذا سهل، لكن مع التكعيب يصير الأمر صعباً، لكن هذا سهل، فأنت سوف تُقسِّمه على مرتين، لأن الرُبع ما هو؟ نصف النصف، فنحن سوف نرى الجذر التربيعي لماذا؟ سوف نرى الجذر التربيعي للألف، سوف يكون ماذا؟ واحد وثلاثين وقليل، أليس كذلك؟ اضرب واحد وثلاثين في واحد وثلاثين، وسوف يكون الناتج هو تسعمائة وواحد وستون، فهو مثل هذا، أي قريب! إذن الجذر التربيعي للألف هو واحد وثلاثون، جميل! والجذر التربيعي للواحد وثلاثين هو تقريباً خمسة وثنتان من عشرة، قل خمسة ونصف، هذا هو! خمسة ونصف، هذا هو الجذر السالب للرُبع، خُذه بالسالب، ما معنى السالب الآن؟ معناه أن نبض البقرة ومُعدَّل الإيض أو الاستقلاب عندها أبطأ مما هو لدى السنجاب خمس مرات ونصف، وهذا صحيح! بمعنى أن البقرة تعيش خمس مرات ونصف أكثر من السنجاب، وهذا صحيح! وينطبق على كل الكائنات الحية، يا للإبداع! يا الله! يا الله!
لذلك المُؤمِنون من العلماء أوثق إيماناً، وعندهم نوع من الإجلال والتوقير، مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا ۩ وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا ۩، انظر إلى هذه الآية، قال لك أَطْوَارًا ۩، أرأيت؟ وطبعاً هناك تصديقات أُخرى كثيرة!
أختم يا إخواني، جاء عالم اسمه جيوفري ويست Geoffrey West – عالم ذكي أيضاً – وقال هل ما ينطبق على الحيوانات يُمكِن أن ينطبق على حيوان مادي كبير؟ حيوان مادي! ما معنى حيوان مادي؟ المدينة، أي الــ City، هل ينطبق على فيينا أو على برلين أو على واشنطن أو على غيرهم من المُدن؟ هل يُمكِن أن تنطبق هذه الظاهرة الحيوية على المُدن؟ نحن الآن رأينا كيف أن الفيل فأر كبير، هل يُمكِن أن تكون المدينة فيلاً كبيراً؟ هل يُمكِن أن تكون المدينة فيلاً كبيراً بالمعنى نفسه؟ هذه عملية صعبة جداً، فكوَّن الرجل فريقاً، وهو أكاديمي كبير، كوَّن فريقاً من عشرات الناس، فجمعوا له بيانات – Data – عن عشر مُدن من كبار المُدن وأواسط وصغائر المُدن أو صغار المُدن حول العالم، ليس فقط في أمريكا أو أوروبا، وإنما حول العالم، العالم الثالث والمُتقدِّم وما بين ذلك، بيانات كثيرة عن عدد السُكان، عدد الولادات، عدد الوفيات، عدد الوقود، أماكن الوقود، عدد كذا وكذا، عن كل شيئ! حتى عن مساحة المُسطَّحات نفسها، الإسفلتات وما إلى ذلك، كل ما يخطر على البال، بيانات كثيرة جداً جداً جداً، واشتغلوا عليها، عندهم فرضية مُعيَّنة، أي Hypothesis، فأرادوا أن يختبروها، اختبروا هذه الفرضية المُعيَّنة ففُوجئوا جميعاً وفُوجيء جيوفري Geoffrey – جيوفري ويست Geoffrey West – بأن قانون التناسب مع الأُس سالب إلى الرُبع يصدق على المُدن، شيئ غير طبيعي! يصدق على المُدن تماماً، يا الله!
الأعجب من هذا أنه اختبر في قضية المُدن موضوع الاختراعات والمُخترِعين، طبعاً المُدن الكُبرى أكيد فيها مُخترِعين أكثر، لكن الأمر ليس خطياً، نرجع مرة ثانية ونُفكِّر رياضياً، مدينة تكبر أو تضعف مدينة أُخرى عشر مرار، هل معنى هذا أنها تحظى بعدد من المُخترِعين عشرة أضعاف أكثر من المدينة الثانية؟ لا، غير خطية، نحن قلنا إنها حتى غير خطية، إذن كم؟ طبِّق نفس القانون، طبِّق نفس القانون وقل هذه العشرة ضرب عشرة مرفوعة للأُس سالب إلى الرُبع، ماذا سوف يكون الناتج هنا؟ سوف يكون الناتج هو واحد وثمانية من عشرة، ويُمكِن أن تضرب واحد وثمانية من عشرة في نفسه، المُهِم سوف يكون تقريباً ثماني عشرة مرة، المدينة الأكبر من مدينة أُخرى عشر مرات حظها من المُبدِعين والمُخترِعين ثماني عشرة مرة أكثر، ماذا لو كان الرقم هو خمسون؟ ماذا لو هناك مدينة أكبر خمسين مرة من مدينة صغيرة؟ نفس الشيئ، انتبهوا! عفواً، يُوجَد شيئ غالط، أنا أخطأت هنا، هنا فقط الأُس ليس سالباً وإنما هو موجب، لأن هنا يُوجَد تضعيف، هنا يُوجَد تضعيف لأنه ليس كالتباطؤ، هنا فقط سيكون هذا بالمُوجب، فقط هذا هو الفرق، أكثر وليس أقل، اضرب خمسين وما إلى ذلك، وسوف يكون عندك تقريباً مائة وخمس وثلاثون مرة أكثر، لو كان هناك مدينة أكبر من مدينة أُخرى بخمسين ضعفها سوف تحظى بعدد مُخترِعين مائة وخمس وثلاثين مرة أكثر، شيئ غريب! واضح أن كل شيئ في هذا العالم الذي نعيش فيه – ليس فقط عالم الأحياء وعالم النجوم والكواكب والكواركات Quarks وما إلى ذلك، وإنما حتى ما يصنعه الإنسان بنفسه – يخضع لقانون، كل شيئ خاضع لقانون، علمه مَن علمه ويجهله مَن لا يزال مغموراً في جهله.
اللهم علِّمنا ما تنفعنا به في زيادة معرفتنا بك وتقوية وتمتين وصلتنا بك يا رب العالمين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديدٌ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صَلَىَ الله – تعالى – عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلَّم تسليماً كثيراً.
اللهم علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علَّمتنا، وزِدنا علماً وفقهاً ورشداً، نسألك علماً نافعاً، وقلباً خاشعاً، وعيناً دامعةً، وعملاً مُتقبَّلاً، ودعاءً مُستجاباً، ونعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن عين لا تدمع، ومن نفس لا تشبع، ونعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع، ومن الخيانة فإنها بئست البطانة.
اللهم دلنا عليك دلالة العارفين، واجعلنا في زُمرة عبادك الصادقين المُخلِصين برحمتك يا أرحم الراحمين، جنِّبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، اغفر لنا ولوالدينا، وللمُسلِمين والمُسلِمات، المُؤمِنين والمُؤمِنات، الأحياء منهم والأموات بفضلك ورحمتك، إنك سميعٌ قريبٌ مُجيب الدعوات.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩، وأقِم الصلاة.
(انتهت الخُطبة بحمد الله)
فيينا (3/11/2017)
أضف تعليق