برنامج آفاق
الحكم الشرعي
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه.
أحبتي في الله، إخواني وأخواتي:
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، يُعرِّف العلماء الحُكم الشرعي بأنه خطاب الله – تبارك وتعالى – المُتعلِّق بأفعال المُكلَّفين، طلباً أو تخييراً أو وضعاً.
ومعنى أنه يكون طلباً هو الآتي، الطلب قد يكون طلب فعل أو طلب ترك، ثم كل منهما قد يكون على جهة الإلزام والتحتيم، وقد يكون على غير ذلك، على غير هذه الجهة، فإن كان الطلب طلب فعل على جهة الإلزام فهو الواجب أو المفروض، يُطلَب منا على لسان الشارع شيئ ما على جهة التحتيم، أي يجب أن نفعله، فهذا هو الواجب أو المفروض، فإن كان على غير جهة التحتيم – ليس فيه تحتيم وإلزام – فهو المندوب أو المُستحَب، وإن كان طلب ترك على جهة التحتيم والإلزام فهو المُحرَّم، الشارع يطلب منا مُحتِّماً مُلزِماً أن نترك شيئاً ما، إذن يحرم علينا أن نتعاطى هذا الشيئ أو أن نفعل وأن نأتي هذا الشيئ، فإن كان طلب الترك ليس على جهة الحتم والإلزام كان مكروهاً، والكراهة – أحبتي في الله – عند جمهور الفقهاء هي كراهة التنزيه، الحنفية يتحدَّثون عن كراهة تحريم أيضاً، وهي شيئ قريب من الحرام.
إذن هذا هو الطلب، طلباً أو تخييراً، التخيير هو المُباح، يكون في الأشياء المُباحة، لأننا مُخيَّرون بين الفعل وبين الترك، بين أن نأتي الشيئ أو نذر الشيئ، مثل شرب الماء، مثل لباس أنواع من اللباس، التي لم يرد بشأنها حظر شرعي، أي نص يحظرها، مُباح لمَن أراد أن يلبس هذه الملبوسات، مثل النوم، وأشياء كثيرة، وفي الحقيقة مُعظَم الأشياء تدخل في باب المُباح، في باب ما خُيِّرنا فيه.
أو وضعاً، هذا هو الحُكم الوضعي، الأول يُقال عنه الحُكم التكليفي، ولذلك الأحكام التكليفية خمسة: الواجب، ويُقابِله الحرام أو المُحرَّم، المندوب أو المُستحَب، ويُقابِله المكروه، ثم الذي خُيِّرنا فيه، وهو المُباح، هذا هو الحُكم التكليفي، أما الحُكم الوضعي فهو جعل الشارع شيئاً علامةً مُعيَّنةً على شيئ آخر، إما أن يجعله شرطاً له، أو سبباً، أو مانعاً منه، وأيضاً الحُكم بالصحة والبطلان، وبكون الشيئ رخصة أو عزيمة، كل هذا يدخل في أحكام الوضع.
على كل حال ليس هذا ما أردنا أن نتكلَّم فيه، لكن هذه مُقدِّمة ربما تكون مُهِمة أو ضرورية للحديث الذي أُريد أن أُفضي إليكم به، ونأتي الآن إلى الواجب بالذات، الواجب! طلب الشارع منا على جهة الحتم والإلزام فعل شيئ ما، وهو الواجب أو المفروض، وإن كان السادة الحنفية يُفرِّقون بينهما تفريقاً يسيراً باعتبار ما، لكن ندع هذا.
الواجبات – إخواني وأخواتي – أو الواجب ينقسم إلى أقسام كثيرة، السادة العلماء – علماء أصول الفقه وتبعاً لهم الفقهاء – قسَّموا الواجب تقسيمات كثيرة مُتنوِّعة باعتبارات، كل مرة باعتبار، أي بلحاظ مُعيَّن، أي من زاوية مُعيَّنة، إذا نظروا إليه من هذه الزاوية قسَّموه قسمة، إذا نظروا إليه من هذه الزاوية قسَّموه قسمة أُخرى، وهلم جرا!
فمن هذه التقسيمات التي قسَّموها للواجب قسَّموه باعتبار تعيين المطلوب، يُطلَب منا أن نفعل شيئاً ما، فإن كان هذا الشيئ مُعيَّناً انقسم الواجب إلى قسمين: واجب مُعيَّن، وواجب غير مُعيَّن، غير المُعيَّن هو المُخيَّر، مثلاً الصلوات الخمس هذه واجبات مُعيَّنة، يجب أن نأتيها، ولا خيار لنا فيها، لا نستطيع أن نختار، فالشارع – مثلاً نفترض – لم يُخيِّرنا بين عشر صلوات، ثم قال لنا اختاروا منها خمسة، أي اختاروا منها خمس صلوات فصلوها، لا! لم يحدث هذا أبداً، إنما هي ابتداءً خمس صلوات، صوم رمضان – مثلاً -، هناك ثلاثون يوماً، الشارع لم يُخيِّرنا، لم يقل صوموا شهراً – مثلاً – من خمسة أشهر أو من ثلاثة أشهر أو من شهرين، إما – مثلاً – شعبان، وإما رمضان، إنما هو شهر رمضان، نصوم كامل شهر رمضان على التمام، هذا واجب مُعيَّن.
الواجب المُخيَّر لنا فيه خيار، لنا فيه نُدحة أن نتخيَّر من بين خصال مُعيَّنة، مثل خصال الكفّارة، الذي يحلف يميناً ويحنث فيه، فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ ۩، فهذه خصال نحن نُخيَّر فيها، خاصة بين الخصال الأولى، وهناك خلاف يسير في الخصلة الأخيرة، لكن على كل حال إذن إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ۩، يُوجَد تخيير، إما هذه وإما هذه وإما هذه، لدى الجمهور لا يُصار إلى الصوم إلا في حق مَن عجز عن هذه الثلاثة كلها، لكن مَن استطاع واحدةً منها لا يجوز له أن يصير إلى الصوم، وللأسف هذا شائع بين العوام أو بين أكثر العوام، يظنون أنهم مُخيَّرون رأساً في الصوم، وإن كان هذا مذهباً، لكن على كل حال مذهب الجمهور ما سمعتم، إذن هذا الواجب المُعيَّن، والواجب المُخيَّر، غير المُعيَّن.
باعتبار التقدير، الشيئ الذي يُطلَب منا إذا كان له حد محدود وقدر مُقدَّر فهذا واجب مُحدَّد، واجب مُقدَّر، وإن لم يكن له فهو واجب غير مُقدَّر، أيضاً مرة أُخرى الصلوات مُقدَّرة، يجب أن نُصلي الفرض، نُصلي فرض الصبح – مثلاً – أو الفجر ركعتين، والظهر أربعة، وهلم جرا! مُقدَّرة، أربعة، ليس ثلاثة وليس ركعتين، الزكاة مُقدَّرة، زكاة العروض – عروض التجارة – اثنان ونصف في المائة – مثلاً -، زكاة النقدين – أي الذهب والفضة، والآن النقود، أي الأوراق النقدية – اثنان ونصف في المائة، زكاة الحيوانات فيها تفصيل كثير، في كل أربعين شاة شاة – مثلاً -، وفي كل خمسة من الإبل، زكاة الزوع أيضاً تختلف، ما سُقيَ بماء السماء، وما سُقيَ بالعمل، بالآلة، باليد، وهلم جرا! هذه أشياء مُقدَّرة، قدَّرها الشارع، صوم رمضان، نصوم شهراً كاملاً، إما تسعة وعشرين وإما ثلاثين، هذا هو الشهر الهجري أو الشهر القمري، مُقدَّر! لكن الإنفاق في سبيل الله غير مُقدَّر، وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۩، نحن مأمورون هكذا أن نُنفِق في سبيل الله، نُنفِق ونتصدَّق هكذا بالجُملة، فكل يُنفِق بحسب ما يسَّر الله له – تبارك وتعالى -، غير مُقدَّر، هذا يُقال عنه ماذا؟ واجب غير مُقدَّر.
أيضاً باعتبار توقيت أداء الواجب، كما تعلمون – مثلاً – نحن لا نملك خياراً أن نُصلي متى شئنا، الصلوات المفروضات – أي الصلوات الخمس – لا يصح أداؤها إن صُليت قبل وقتها، دخول الوقت أحد شروط صحة الصلاة، إذن لها وقت، ولا يجوز لنا أن نُخرِجها عن وقتها، ووقتها مُحدَّد، وقتها مُحدَّد بين وقتين، من… إلى… كالظهر – مثلاً – إلى العصر، والعصر من وقتها إلى المغرب، وقت مُحدَّد! لا تستطيع أن تُصلي في أي ساعة من النهار أو الليل ما شئت من هذه الفروض، فهذه لها أوقات مُوقَّتة ومُحدَّدة، لا ينبغي تجاوزها، لا ينبغي ولا يجوز شرعاً تجاوزها، هل هذا واضح؟
وهناك عبادات أُخرى مثل رمضان أيضاً، شهر رمضان! تصوم في هذا الشهر بالذات، أنت تصوم في هذا الشهر بالذات، وتصوم طبعاً كما تعلم من الفجر حتى مغيب الشمس، هذا أيضاً مُوقَّت، لكن هناك عبادات كالكفّارات – مثلاً – وقتها غير مُحدَّد، إنسان يُريد أن يُكفِّر، ككفّارة يمين، كفّارة قتل خطأ، وكفّارة ظهار، الكفّارات المُختلِفة! هذه وقتها غير مُحدَّد، وإن كان طبعاً يُندَب ويُستحَب للمُسلِم والمُسلِمة أن يُبادِر دائماً بإبراء عُهدته وبإبراء ذمته من حقوق الله وحقوق العباد أيضاً، لكن في الحقيقة وقتها مُطلَق من قيد الزمان، إذن الأولى مُقيَّدة، مُقيَّدة بأوقات، أما هذه فهي مُطلَقة، يُقال هذا واجب أو فرض مُطلَق، وليس مُقيَّداً، ثم لهم تقسيمات أيضاً، يتحدَّثون عنها، المُهِم أننا لا نُريد أن ندخل فيما هو أكثر من ذلك.
بعد ذلك – وهكذا الآن بدأنا ندخل في موضوع حديثنا – يُقسِّم العلماء الواجب إلى واجب عيني، إلى واجبات أو فروض عينية، وفي المُقابِل إلى واجبات أو فروض كفائية، أعتقد أنكم جميعاً تعرفون وتفهمون المقصود والمُراد بهما والفرق بينهما، وباختصار الواجب أو الفرض العيني هو الذي يلزم كل مُكلَّف بحياله، برأسه! هو في عُهدته، لا تبرأ ذمته إلا بأدائه بنفسه، لابد أن يقوم هو به بنفسه، هل هذا واضح؟ هذا هو الأصل، وهذه هي القاعدة، ستقولون مثل الصلوات، بالضبط مثل الصلوات الخمس، يجب على كل مُكلَّف من المُسلِمين والمُسلِمات أن يُؤدي الصلوات الخمس في أوقاتهن، ولا يُمكِن لأحد أن يقول له أنا سأتطوَّع فأُصلي عنك اليوم، لا يُمكِن هذا، لأنها واجبات عينية، منوطة بكل واحد بحياله، معصوبة كما يُقال بجبينه، لا تبرأ عُهدته إلا بأدائها، هذه واجبات عينية، كذلك صوم رمضان، كذلك الحج إلى بيت الله، وهلم جرا!
لكن في المُقابِل هناك – إخواني وأخواتي – واجبات كفائية، واجبات كفائية أو فروض كفائية، على الكفاية! يُقال هو واجب على الكفاية، هو فرض أو مفروض على الكفاية، ومعنى الواجب الكفائي هو الذي إن أداه جماعة من المُسلِمين أو أفراد – وأحياناً قد يكون فرداً واحداً، أي الذي يُؤدي هذا الفرد – برئت ذمة المُسلِمين منه، إن أداه بعض المُسلِمين برئت عُهدة المُسلِمين كلهم منه، برئت ذمتهم منه، خرجوا من عُهدته، لا إثم عليهم، لكن إن لم يُؤده أحد لحق الإثم الجميع، كل الأمة أو كل الجماعة أو كل الشعب أو كل أهل المحلة أو القرية أو البلدة بحسب المجموعة، كلهم يأثمون.
طبعاً سيقول بعضكم هذا يُذكِّرنا بصلاة الجنازة، نعم للأسف طبعاً، معروف لدى المُسلِمين جميعاً – العامة والخاصة – التمثيل دائماً لفرض الكفاية أو لواجب الكفاية بصلاة الجنازة، يقولون مثل الصلاة على الجنازة، وبالأحرى مثل تجهيز الميت، تكفين الميت، تغسيل الميت، الصلاة عليه، ودفنه، كل هذه فروض كفائية، طبعاً غير معقول أن يموت أحد المُسلِمين – مثلاً – في قرية أو في مدينة صغيرة فيُدعى كل المُسلِمين إلى تجهيزه، غير معقول! وأصلاً هذا غير مُتيسِّر، كيف هذا؟ كيف يُجهِّزه كل المُسلِمين؟ يتكاثرون عليه، ولا معنى لهذا، هذا عبث، تضييع للأوقات، وتضييع للأفعال وللطاقات أيضاً، هدر لها، غير معقول أن نطلب من كل المُسلِمين أن يتركوا أشغالهم وأعمالهم ووظائفهم ويأتوا ليُصلوا عليه الجنازة، تُشَل الحياة بالكامل لكي نُصلي عليه الجنازة، لا! لو صلى عليه بعضهم أجزأ، يُجزئ هذا الجماعة، وتبرأ – كما قلنا – من العُهدة، إن شاء الله تبرأ من العُهدة، ولا أثم عليها، لكن لو تُرِك هذا الميت، فلم يُجهِّزه أحد، لم يُغسِّله، لم يُكفِّنه، لم يُصل عليه، ولم يُدفَن، يأثم كل أهل هذه القرية، كلهم آثمون – والعياذ بالله تبارك وتعالى -، هل هذا واضح؟
ومن الأمثلة على ذلك أيضاً المحاويج، رجل مُحتاج أو أرملة مُحتاجة، امرأة مسكينة فقيرة أو رجل فقير مُعدم، ليس عنده شيئ، قد يكون برأسه، وقد يكون ذا عيال، وهو لا يجد ما يتبلَّغ به، لا يجد ما يُنفِق على نفسه وأولاده، موجود في أهل هذه المحلة، بين أهل هذه القرية، إن قام بعضهم ولو قام حتى واحد منهم وأعطاه بعض ما يكفيه ويسد خلته برئوا جميعاً، وارتفع عنهم الإثم، وإن ضيَّعوه فلم يقم بسد حاجته وسد خلته أحد منهم حتى أضر به الجوع والمسغبة أثموا جميعاً، وقد وردت نصوص عن المعصوم الأبر – عليه الصلاة وأفضل السلام – تُثرِّب وتُشدِّد النكير وتُدمدم على مَن أتوا مثل هذه المقبحة، هذه مقبحة قبل أن تكون مأثمة، لا يليق من باب المروءة ومن باب الأخلاق ببشر أو بجماعة بشرية فضلاً عن أن تكون جماعة إسلامية أن تقترف مثل هذا التقصير وأن تتورَّط في مثل هذا التقصير، فقال – عليه الصلاة وأفضل السلام – ما من أهل محلة يبيتون وفيهم جائع إلا برئت منهم ذمة الله، الله أكبر! إلا برئت منهم ذمة الله، هم يعلمون، ولذلك ورد وهم يعلمون، إلا برئت منهم ذمة الله، ما آمن بي – النبي يقول ما آمن بي، أي إيماناً كاملاً، وهو لا ينفي أصل الإيمان، إنما ينفي كمال الإيمان، مَن يا رسول الله؟ – مَن بات شبعان وجاره إلى جانبه جائع وهو يعلم، هو يعلم هذا، ولكنه لا يُبالي، لا يُبالي بجوعة جاره، النبي يقول هذا ليس كامل الإيمان، هذا ما آمن بي، فلماذا إذن قال ما آمن بي؟ لماذا لم يقل ما آمن بالله – مثلاً -؟ لأن النبي نموذج حي للمُسلِمين، لأصحابه ولأمته جميعاً أو طراً، نموذج حي – عليه الصلاة وأفضل السلام – للاهتمام بالآخرين، نموذج حي للإيثار والغيرية، نموذج حي لحمل هموم الآخرين، فمَن جعل محمداً مثالاً له وقدوةً وأُسوةً وصدق في هذا عليه ألا يتورَّط في مثل هذه المقبحة، لكن لا يُمكِن أن يدّعي أن محمداً هو رسوله ونبيه وحبيبه وقدوته ثم يُفرِّط في جاره أو في أقرب الناس إليه في هذه الأبواب وما شاكلها، النبي يقول اتهم إيمانك، أنت لست كامل الإيمان، لست صادق الإيمان بي تماماً، لو صدقت وكمل إيمانك ما فعلت مثل هذا الفعل، فهذا أيضاً من الواجبات الكفائية.
لكن – إخواني وأخواتي – فلسفة الواجبات الكفائية يُمكِن أن تتأسَّس وأن تنهض على جُملة أمور، في رأس هذه الأمور وفي مُقدَّم هذه الأمور اختلاف الاستعدادات والأهليات واللياقات والإمكانات البشرية، الناس ليسوا كلهم شيئاً واحداً من حيث لياقاتهم واستعداداتهم وأهلياتهم، فهذا يصلح لشيئ ما، وذاك يصلح لشيئ آخر، وثالث لثالث، ورابع لرابع، وهلم جرا! يختلفون، وكما صح عنه – عليه الصلاة وأفضل السلام – أنه كل مُيسَّر لما خُلِق له، وهذا والله من أحسن القول وأجمعه وأجمله، وعلى كل حال – سُبحان الله – كلام رسول الله الثابت عنه – عليه الصلاة وأفضل السلام – كلام عجيب، مَن أوتي بصيرة ومَن أوتي ذائقة ومَن أوتي حتى سعة فكر ونُدحة في الرأي وقُدرة على المُقارَنة يعلم المدى البعيد الذي ذهب إليه – عليه الصلاة وأفضل السلام – في تعليمه وإرشاده ونُصحه مما لم يُدانه فيه أحد من البشر، في هذا الباب – مثلاً – ماذا يقول – عليه السلام -؟ يقول كل مُيسَّر لما خُلِق له، سُبحان الله العظيم! كأنه يقول الناس منذورون لأشياء مُختلِفة، وكل مُيسَّر لما خُلِق له، هذا مُهيأ – سُبحان الله -، وطبعاً ربما بطبعه، وربما بكسبه، وفي الحقيقة وفي الأرجح بهما معاً، بطبعه وبكسبه هو مُيسَّر وهو مُؤهَّل وخليق بالمهنة الفلانية، بالصنعة الفلانية، وبالشيئ الفلاني، هذا خليق بأن يكون – مثلاً – طبيباً جرّاحاً، وذاك خليق بأن يكون مُهندِساً، وثالث خليق بأن يكون عالماً، ورابعاً خليق بأن يكون شاعراً، وخامساً خليق بأن يكون عالماً عادياً، وهكذا! كل مُيسَّر لما خُلِق له.
وقد روى الإمام الترمذي عنه – عليه الصلاة وأفضل السلام – حديثاً لطيفاً، يقول فيه – عليه الصلاة وأفضل السلام – أرحم أمتي بأمتي أبو بكر – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه -، وأشدهم في أمر الله عمر – أي عمر بن الخطاب -، وأصدقهم حياءً عثمان، وأعلمهم بالحلال والحرام مُعاذ بن جبل، وأفرضهم – أي أعلمهم في الفرائض، أعلمهم بالفرائض، والفرائض هي المواريث، أي الميراث – زيد بن ثابت، قال وأفرضهم زيد بن ثابت، وأقرأهم – أي لكتاب الله، أقرأهم للقرآن الكريم، أتلاهم لكتاب الله – أُبي – أي أُبي بن كعب، رضيَ الله عنهم وأرضاهم أجمعين -، ولكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عُبيدة بن الجرّاح، شيئ عجيب! النبي يقول هذا، وهذا من عبقرية رسول الله، وطبعاً نحن لا نرى بأساً أن يُوصَف بالعبقرية، على أنه نبي، هو قبل ذلك ومع ذلك وبعد ذلك نبي رسول، ختام الأنبياء والمُرسَلين، ولكنه بلا شك كان عبقرياً، أي لا ينبغي باسم النبوة أن نُجحِف بحق عبقريته وذكائه مُنقطِع النظير بلا شك، ولو لم يكن نبياً لكان شخصاً عظيماً ونبيلاً بلا شك، فكيف وقد اجتمعت النبوة مع هذه الشخصية الكاملة وهذه الشخصية النبيلة العبقرية؟! صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
من عبقريته أنه كان على مثل هذه الدراية الدقيقة بأقدار أصحابه وحظوظهم من المواهب والمكاسب، بحيث ميَّزهم هذا الميز وهذا التمييز الدقيق الجميل، حين أتاه أبو ذر – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه – مرة يطلب إليه عملاً – يطلب إليه عملاً أي ولاية، أي ابعثني مثلاً إلى عمان أو إلى البحرين أو إلى أي مكان، لكي أعمل لك يا رسول الله، وطبعاً هو لا يطلب الفخفخة أو المنظرة أو الشُهرة، حاشاهم! وخاصة أبو ذر، رضيَ الله عنهم وأرضاهم أجمعين، وإنما يُريد أن يتقرَّب إلى الله بخدمة المُسلِمين وبإنجاز أعمال لرسول الله – ماذا قال له – عليه الصلاة وأفضل السلام -؟ قال له يا أبا ذر إنها أمانة، وإني أراك ضعيفاً، أنت غير خليق بهذه الناحية بالذات من نواحي العمل، أن تكون والياً أو تعمل حتى أي عمل عام، لماذا؟ أبو ذر كان قوياً جداً في الحق، لا يُداجي ولا يُداهِن ولا يُجامِل، كالسيف مُسلَطاً، السيف المسلول، لا يُوجَد مَن هو مثله أبداً، معروف عنه هذا – رضوان الله تعالى عليه -، وحياته كلها تُؤكِّد هذا النظر، والنبي يعلم أن إدارة الشأن العام والتعرض للمُهِمات العامة تحتاج إلى سعة صدر، إلى حلم، وتحتاج أيضاً إلى نوع مُداراة، وهو الذي علَّمنا – عليه الصلاة وأفضل السلام – أن مُداراة الناس نصف العقل، ويعلم أن أبا ذر ليس هناك، فقال له إنها أمانة، وإني أراك ضعيفاً، لا تصلح لهذا الشيئ بالذات، فاقتنع أبو ذر مُباشَرةً، ولم يعد عليه – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه -.
أيضاً – إخواني وأخواتي – فلسفة فروض الكفاية في الإسلام يُمكِن أن تُفهَم بطرح هذا السؤال، نحن نفهم أن تكون الواجبات والمفروضات مُتعلِّقة بالأعيان، واجب علىّ وواجب عليكَ وعليكِ، هذا مفهوم! لكن أن يُقال واجب على الجماعة أو هذا شيئ مفروض على الجماعة فهذا شيئ غريب جداً، وهذا الشيئ أيضاً يتأسَّس وينهض على معنى ما، لابد أن نُشير إليه، وهذا المعنى له جذوره في كتاب الله – تبارك وتعالى -، جذوره الواضحة والمُثيرة، ما هو هذا المعنى؟ هذا المعنى هو التالي، أن الأمة أو الشعب أو الجماعة أو القبيل من الناس في كتاب الله لها شخصية، الجماعة من الناس – إخواني وأخواتي – في كتاب الله – تبارك وتعالى – لها شخصية، أمة من الناس لها شخصية، تُلحِقها باعتبارات مُعيَّنة وبلحاظات مُعيَّنة بشخصية الفرد، كأن الأمة كلها فرد واحد، كيان واحد، لكن هذا كيان مجموعي، ليس كياناً مُفرَداً، هذا كيان مجموعي، مُكوَّن من ألوف وربما ملايين الأفراد.
بتأمل كتاب الله – ولعلي حدَّثتكم مرة في هذا الموضوع، لا أدري في أي الحلقات، لكن ربما حصل هذا – نجد الآتي، مَن تأملَّ كتاب الله – تبارك وتعالى – وجده يتحدَّث أو يُحدِّثنا عن الأمة – كل أمة، ليس الأمة الإسلامية فقط، وإنما كل أمة – على أن – مثلاً – لها مِزاجاً مُعيَّناً، كما يُقال الآن باللُغات الأجنبية وخاصة الألمانية روح الشعب، يقولون روح الشعب، روح الشعب أو مِزاج الشعب أو روحية الشعب أو عقلية الشعب – أي الـ Mentality -، هناك عقلية مُعيَّنة، يُوجَد شعب مُعيَّن وله عقلية مُحدَّدة أو مِزاج مُحدَّد، قال – تبارك وتعالى – كَذَٰلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ۩، عجيب! قال زَيَّنَّا ۩، أي أمة مُعيَّنة تُحِب هذا الضرب من الأعمال، أنا أفهم أن الفرد يُحِب، لكن هل الأمة تُحِب؟ نعم، قال لكم الأمة تُحِب، فكأن الأمة فرد لها ذائقة، لها ذوق، ولها مِزاجية مُعيَّنة، القرآن يتحدَّث عن هذا، تخيَّلوا! شيئ غريب، هذا الحديث عجيب جداً، أنا مُتأكِّد أنه جدير أن يُثير اهتمام وتعجب واستغراب كبار علماء الاجتماع، القرآن يتحدَّث هنا عن هذا، وليس هذا فقط، كَذَٰلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ۩، إذن الأمة هذه لها عمل مُعيَّن، أليس كذلك؟ الأمة أيضاً – إخواني وأخواتي – لها أجل، وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ۩، ونحن نفهم أن يكون للفرد أجل، ينتهي إليه فيموت، لكن هل يُمكِن أن يكون للأمة أجل، تنتهي عنده وتنتهي إليه، ثم تنتهي من التاريخ؟ نعم، ولذلك وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا ۩، وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ۩، الأمة تنتهي، أكيد الإخوة الذين قرأوا التواريخ وبالذات تواريخ الحضارات قرأوا عن حضارات كانت ثم انتهت الآن، ولم يبق منها إلا الذكرى.
كونوا معي أحبتي في الله بعد هذا الفاصل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أهلاً وسهلاً ومرحباً بكم أحبتي في الله.
إذن الأمم لها شخصية، كل أمة لها شخصية مُحدَّدة، مُشخِّصات مُحدِّدة، مِزاج – كما قلنا – أو روحية أو عقلية، لها أعمال أو لها عمل ولها أجل، أي ليس فقط الأفراد هم الذي يُؤاخَذون في الدنيا، بل الأمم، الشعوب، والحضارات، تُؤاخَذ أيضاً، تُؤاخَذ وتُعاقَب عقاباً إلهياً كأمة، كواحدة واحدة، كما قال – تبارك وتعالى – وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى ۩، والقُرى هي المُدن، ولذلك ما من نبي بُعِث في البدو، كل الأنبياء من أهل القُرى، أي من أهل المُدن، من أهل الحواضر، إذن وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ۩، قرية أي مدينة، مدينة تُؤخَذ، وربما تنتهي من التاريخ، والقرآن قص علينا حكايا وقصصاً كثيرةً عن أمم داثرة وأمم غابرة، أخذها الله – تبارك وتعالى – فلم يبق لها أثر، أو أصبحت أثراً بعد عين.
وفي الحديث الصحيح لما سألت أم المُؤمِنين زينت بنت جحش – رضيَ الله تعالى عنها وأرضاها – النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – وقالت يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ أي هل يُمكِن أن تهلك هذه الأمة وفيها أُناس صالحون ونساء صالحات؟ قال نعم، مُمكِن! نعم، إذا كثر الخبث، إذا غلب الخبث – غلب الشر على الخير، غلب الظلام على النور، وغلب على السواد على البياض – فلن يُوجَد داع لأن تبقى، فالنبي يقول إذا كثر الخبث، إذا غلب الخبث – والعياذ بالله تبارك وتعالى -، فتُؤخَذ الأمة، ويُمكِن أن تهلك، لكن قد يقول لي أحدكم هذا جواب نظري، وهذه مسألة نظرية طبعاً، وصحيحة نظرياً، لكن في هذه الأمة – بإذن الله تبارك وتعالى – لا يُمكِن أن يغلب الشر الخير، فالخير في هذه الأمة إلى يوم القيامة، وهي الأمة المرحومة، نسأل الله أن نكون من المرحومين، الذين يدعون إلى الخير، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المُنكَر، وأن يُحسِن خواتيمنا جميعاً، اللهم آمين.
أيها الإخوة:
كما تُؤاخَذ الأمة في الدنيا تُؤاخَذ أيضاً في الآخرة، انتبهوا! ليس كأفراد، الأفراد يُؤاخَذون بلا شك، لكن الأمة أيضاً أو الجماعة من الناس أو القبيل من الناس أو الجيل من الناس يُؤاخَذ كوحدة واحدة، يُحاسَب حساباً مجموعياً، ولذلك يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ۩، قال كُلَّ أُنَاسٍ ۩، كل جماعة من الناس لها إمام، ما هو الإمام؟ قيل هو النبي، وقيل هو كتاب العمل، ويبدو أن هذا أرجح، كل جماعة من الناس لها كتاب عمل، فضلاً عن الكُتب المُفرَدة التي لكل واحد من أعضاء هذه الجماعة، لماذا قلنا هذا الأرجح؟ لقول الله – تبارك وتعالى – في سورة الجاثية كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا ۩، إذن كل أمة لها كتاب، شيئ عجيب! هذا القرآن العظيم، هذا هو القرآن العظيم، نظرية مُتكامِلة، نظرية مُتكامِلة في شخصية الأمة، أن الأمة لها شخصية، كل أمة لها شخصية، كأنها كيان مُفرَد، على أنها كيان مجموعي، وفي نهاية المطاف هي شخصية اعتبارية بلا شك، هي شخصية اعتبارية! ليست كشخصية الفرد.
إذن على هذا الأساس يُمكِن أن نُقارِب مفهوم فروض الكفاية، فروض الكفاية هذه فروض منوطة بالجماعة وبالأمة، منوطة بالجماعة أو بالأمة، ليست بالأعيان كما شرحنا لكم، لكن عملياً الذي يحدث والذي يقع أن أفراداً مُعيَّنين أو أفراداً مُحدَّدين هم الذين ينهضون بهذه الأعباء، بفروض الكفاية، وهذا صحيح، لكن هؤلاء الأفراد لا ينهضون فقط بصفتهم العينية الشخصية، بل بالصفة العينية وأهم منها وأعرق منها بالصفة المجموعية، بالجانب المجموعي، لأنهم يقومون بأعمال تخدم الصالح العام، تخدم المجموع، ولذلك لابد أن يُساهِم هذا المجموع في إعانة هؤلاء وفي مُساعَدتهم وفي تحميلهم وفي تأهيلهم وفي إعدادهم وفي مُتابَعتهم ومُحاسَبتهم ومُراقَبتهم وتقويمهم، عجيب! أي الجماعة لابد أن تتحمَّل أقساطاً غليظة ووافرة من المسئولية إزاء هؤلاء الذين أبرأوا ذمتها، بخصوص الفعل الكذائي أو الفعل الكذائي، كما قلنا لكم – مثلاً – يُمثَّل دائماً بصلاة الجنازة، وهذا تمثيل بسيط، هناك فروض كفائية كثيرة جداً، الأمم لا تنهض – إخواني وأخواتي – إلا بمثل هذه الفروض الكفائية.
طبعاً ربما من سوء حظ المُسلِمين في العصور المُتأخِّرة ومن سوء حظ المُسلِمين في عصور التخلف أن ضاق فهمهم وتراجع واختُزِل وانحصر لقضية فروض الكفاية حتى صار يُمثِّل دائماً تقريباً بقضية الجنازة، الجنازة الجنازة! تماماً كعلاقة بعض المُسلِمين بكتاب الله – تبارك وتعالى -، لا علاقة لهم بهذا الكتاب، لا يفتحونه، لا يتلونه، لا يقرأونه، لا يطلبون تفسيره وفهم معانيه، العلاقة مقصورة فقط على الموت، حين يموت أحدهم يُفتَح الكتاب، وربما تُقرأ منه أجزاء أو يُقرأ كله، وربما يُتلى وربما يُسمَع سماعاً، أي من كاسيتات Cassettes والآن من سيديهات CDs ومن النت Net، هذه علاقتهم بكتاب الله للأسف الشديد، ومثل ذلك العلاقة بالفروض الكفائية، علاقة الأموات فقط، لا! العلاقة أوسع من هذا بكثير – إخواني وأخواتي -، ومقاصد الشارع الحكيم من فروض الكفاية مقاصد كبيرة وهائلة.
أولاً ما هو المقصد الأساس والرئيس للشارع الحكيم – تبارك وتعالى – من فروض الأعيان؟ مثل الصلاة، مثل الصوم، مثل الحج، وأقل من ذلك الزكاة، الزكاة كما تعلمون – أحبتي في الله – هي عبادة ولها جانب اجتماعي واضح، لها جانب اقتصادي واضح، ففيها المعنيان كلاهما، لكن ما المقصود أو ما المَقصِد أو المَقصَد الرئيس للشارع من فروض الأعيان؟ المقصد الرئيس استصلاح الأفراد، أي إصلاح الأفراد، استصلاح الأفراد، حتى يصلح حال المُسلِم والمُسلِمة، وحتى يستقيم على نهج الله – تبارك وتعالى -، وحتى يزكو ظاهره وباطنه، وبالتبع يسعد في الدنيا والآخرة – إن شاء الله تبارك وتعالى -، هذا هو المقصد، ولكن المقصد يدور على الفرد.
قد يقول أحدكم ومعه الحق ولكن ألا ترى معي وألا تتفق معي أن في صلاح الفرد صلاحاً للمجموع، لكن لا بطريق المُباشَرة، وإنما بطريق التوالي والمُتابَعة؟ هذا صحيح بلا شك، حين يصلح هذا وهذا وذاك وذاك وذاك وألوف وعشرات الألوف بلا شك يصلح المُجتمَع، يكثر فيه الخير، لكن المقصد المُباشِر هو استصلاح الفرد، المقصد المُباشِر للعبادات والتكاليف الشرعية المُختلِفة استصلاح الفرد، فما هو المقصد من فروض الكفاية؟ استصلاح المجموع.
إذن فروض الأعيان تنظر إلى وتهدف إلى إصلاح الأفراد، أما فروض الكفايات فنظرها إلى صلاح واستصلاح الجماعات، الجماعة أو الأمة أو الشعب من الناس! وطبعاً القاعدة المعلومة لكم جميعاً أن المصلحة العامة مُقدَّمة على المصلحة الخاصة، بلا شك مصلحة الجماعة مُقدَّمة على مصلحة الفرد، لأن – كما قلنا قُبيل قليل – مصلحة الفرد المُباشِرة بالتبع في نهاية المطاف تصب في مصلحة الجماعة، لكن أيضاً مصلحة الجماعة تُوفِّر مصالح الأفراد بلا شك، تُوفِّر مصالح الأفراد، ونضرب مثالاً يضح به المعنى في المقام.
مثلاً نفترض الآتي في الجوانب الإصحاحية أو الجوانب الطبية الصحية، بناء المشافي أو المُستشفيات – مثلاً – وتجهيزها بما يلزم من المُعدات والأسرة ومن المُمرضين أو طواقم المُمرضين والمُمرضات ومن طواقم الأطباء على اختلاف تخصصاتهم ومن… ومن… إلى آخره! هذا فرض كفائي، هذا فرض كفائي معصوب بجبين الأمة، وطبعاً بالطريقة الآن الشائعة في العالم هناك نسب، وبها تُعيَّر مُستويات تقدم الأمة، في هذا الباب – مثلاً – وفي غيره، فمثلاً لكل ألف مواطن طبيب، أو لكل عشرة آلاف، في بعض الدول والنُطق المُتخلِّفة ربما أكثر من ذلك، لكل عشرين ألف أو لكل ثلاثين ألف طبيب، لا! هذا تخلف، لا يكفي هذا، لكن لكل خمسمائة – مثلاً – يكون أفضل، وهكذا! هناك نسب مُعيَّنة يُرجَع إليها في مظانها، فهذا من فروض الكفايات، توفير هذه المُؤسَّسات الإصحاحية أو الصحية اللازمة، تخدم الجماعة، لكن ألا تخدم الأفراد؟ طبعاً تخدم الأفراد بلا شك، كل فرد على حدة بعد ذلك يجد أنه سيستفيد في يوم من الأيام إن عاجلاً أو آجلاً – أتم الله علينا نعمة الصحة والعافية – من هذه المُؤسَّسات – مثلاً -، وكذلك المُؤسَّسات التعليمية، وكذلك كل المُؤسَّسات التي تكون في الدول، وترعاها الدول والحكومات، وتقوم عليها، بلا شك أن الأفراد يستفيدون منها، فمصالح الجماعة تُوفِّر مصالح الأفراد.
نأتي الآن إلى لمحة سريعة عن تقسيم فروض الكفاية، كما رأينا السادة العلماء قسَّموا الحُكم الشرعي إلى حُكم تكليفي وإلى حُكم وضعي، وقسَّموا الُحكم التكليفي إلى خمسة أقسام، وقسَّموا الواجب من هذه الخمسة الأقسام إلى أنواع مُتعدِّدة باعتبارات مُختلِفة، ومنها – كما قلنا – العيني والكفائي، والكفائي بدوره أتوا إليه فقسَّموه، جمهور السادة العلماء قسَّموا الواجب الكفائي إلى قسمين، نوَّعوه إلى نوعين، قالوا واجب كفائي دنيوي، ووادجب كفائي ديني.
الواجب الديني ضربنا أمثلة له، والواجب الكفائي الدنيوي – أحبتي في الله – مثل ماذا؟ مثل الصناعات المُهِمة، مثل ما ذكرت لكم قُبيل قليل، ما يختص بالجانب الطبي والصحي، بالجانب التربوي التعليمي، بالجوانب الاقتصادية المُختلِفة، بالجوانب السياسية أيضاً وإدارة الشأن العام، والإدارية المُختلِفة، كل هذه الأشياء التي لا تنهض الأمم ولا تقوم ولا تسلس حياتها إلا بها، كلها تدخل في فروض الكفاية، قد يقول لي أحدكم عجيب! أي هل هذه المسائل ليست متروكة في الدين على أنها مسائل دنيوية ثم ينتهي الأمر ونحن أحرار فيها؟ ليست كذلك أبداً، هي لها جنبة – أي وجهة أو جانب – دينية، يُمكِن أن تأثم الأمة كلها، عجيب! أي هذا الدين العظيم – الحمد لله على نعمة الإسلام، وكفى بها نعمة – الكريم أوجب علينا وحتَّم علينا أن نُعنى بدنيانا، طبعاً بلا شك! كيف لا وفي الكتاب العزيز هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ۩؟ ولا يكون استعمارها وتعميرها إلا بتوفير كل هذه الشروط على الوجه الأمثل والوجه الأتم الأكمل، هكذا يكون استعمار الأرض، غير معقول أن نكون أمة مُسلِمة ونزعم أننا أمة مُسلِمة نفهم الدين ونصدر عنه ونُوقِّر أحكامه وشرائعه وشعائره ثم نُضيِّع الشأن الصحي والشأن التربوي والتعليمي والشأن الإداري والشأن السياسي والشأن الاقتصادي والشأن العسكري، أبداً! لا يُمكِن هذا.
بعض العلماء كالإمام أبي حامد الغزّالي – رضوان الله تعالى عليه – ومن قبله شيخه الإمام أبو المعالي الجويني المعروف بإمام الحرمين ذهبا إلى أن هذه الفروض المُتعلِّقة بشؤون دنيوية لا تُعَد فروضاً دينية، لا نعدها من فروض الكفاية الدينية، لماذا؟ قالا لأن الفطرة أو الخِلقة الإنسانية أو الطبع الإنساني أو داعي البشرية (بتعبيرهم) يحث عليها، دون أن يُلجئ لسان الشرع أن يتكلَّم فيها ويحث عليها، بالفطرة البشرية! هذا الكلام من جهة مُعيَّنة صحيح مائة في المائة، لماذا؟ الأمم غير المُسلِمة بل الأمم المُلحِدة الكافرة بالله والنبوات والأديان تُعنى بهذه المسائل، بمسائل التربية والتعليم ومسائل الاقتصاد والاجتماع ومسائل الصحة والطبابة و… إلى آخره! تُعنى بها بلا شك، وقد تذهب فيها أشواطاً بعيدةً، وتُحقِّق فيها أنصباء عالية جداً من التقدم أو الرفاهية، فبداعي البشرية البشر ينبعثون إلى توفير هذه المجالات وهذه النُطق، هذا صحيح، لكن هناك فرق، يُوجَد فرق، فرق بين أن يفعل الإنسان هذه الأشياء بداعي البشرية، وبين أن يفعلها وهو يتلمَّح فيها رضا الله – تبارك وتعالى – والخروج من العُهدة وإبراء الذمة دينياً، يطلب الأجر وهو يعلم في الوقت ذاته أنه حين يُقصِّر أو يتخلَّف أو يكع فإنه موزور، لا مأجور – والعياذ بالله -، وأنا أعتقد أن هذا يُساهِم في خلق روح تعمل على الاستعمار وصناعة الحضارة – أي التعمير طبعاً وصناعة الحضارة – ورفد مسيرة التقدم أزيد وأكثر وأعمق، ولذلك مُعظَم مُحقِّقي العلماء جعلوا هذه المسائل من فروض الكفاية، جعلوها مفروضات دينية، لكن على الكفاية، لا على الأعيان، مُعظَم العلماء! مُعظَم العلماء فعلوا ذلك، إذن التقسيم هو تقسيم لجماهير العلماء، أشياء دينية أو فروض كفائية دينية، وفروض كفائية دنيوية، تمام!
الإمام أبو إسحاق الشاطبي – ولعلكم سمعتم به الآن أكثر من مرة، إبراهيم بن موسى الشاطبي اللخمي، رحمة الله تعالى عليه، صاحب المُوافَقات، الكتاب الجليل والعظيم جداً في علم أصول الفقه والمقاصد بالذات – ذهب أو نحى منحى مُختلِفاً في تقسيم فروض الكفاية، لم يأخذ بالقسمة الثنائية التي عرضت لكم، على أنه لا يُعارِضها، لأنها صحيحة في ذاتها، وإنما لاحظ شيئاً آخر قسَّم وفقه، قال الفروض الكفائية منها فروض تختص أو يختص كل منها بباب برأسه من أبواب الشرع الحنيف، أي فروض كفائية – مثلاً – تتعلَّق بمسائل الإمامة والولايات العامة، تتعلَّق بالجهاد في سبيل الله، فروض كفائية تتعلَّق بجوانب إذن مُحدَّدة من الشريعة، بجوانب التعليم – مثلاً نفترض – الديني أو غير الديني، الدفاع عن دين الله والحجاج – حجاج المُبتدِعة والزنادقة والملاحدة والكفرة – مثلاً، هذا من الفروض الدينية المُتعلِّقة بأبواب بخصوصها، يقول ولكن هناك فروض كفائية عامة شاملة، تدخل في الأبواب كلها أو في مُعظَمها، وليست تختص بباب دون باب، عجيب! هذه عامة، أكثر عمومية وأكثر شمولية، والشامل هو العام، مثل ماذا؟ مثَّل له أبو إسحاق الشاطبي بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكَر، وهذا نظر لعمر الحق دقيق، نظر دقيق جداً، لماذا؟
طبعاً الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكَر لو أردنا أن نُترجِمه بلُغة عصرية الآن بماذا عسانا أن نُترجِمه؟ بدل أن نقول أمر بالمعروف ونهي عن المُنكَر – وهذه لُغة جميلة جداً، هذه لُغة القرآن، لكن حتى يفهمه غير المُسلِم مثلاً وغير المُتأنِّس بمُصطلَحات وألفاظ الشرع المُطهَّر، فنقول له مثلاً الآتي – النقد والتصحيح، النقد والتقويم، النقد والتصحيح أو النقد والتقويم، وما إلى ذلك من الألفاظ، فواجب النقد واجب كفائي عام، وطبعاً هذه مُهِمة ماذا؟ النقد والتصحيح هذا واجب جهات ومُؤسَّسات وأجهزة المُتابَعة والمُحاسَبة والمُراقَبة، بلا شك هو هذا، فأبو إسحاق الشاطبي يقول الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكَر واجب كفائي عام، لا يختص بباب دون باب، إنما يعم الأبواب، مُعظَمها أو كلها ربما، يعم الأبواب كلها أو مُعظَمها، وهذا – كما قلت – نظر دقيق جداً، لماذا؟
لأن ما كان من أبواب الشريعة المُفردة سواء تعلَّق بالولايات العامة أو الوظائف العامة أو الجهاد أو التربية والتعليم أو الاقتصاد أو… أو… إلى آخره يا إخواني! كل هذه المجالات فعلاً يُحتاج فيها إلى المُتابَعة، ويُحتاج فيها إلى المُراقَبة، ويُحتاج فيها إلى التصحيح وإلى التقويم وإلى التوجيه، وأحياناً يُحتاج فيها إلى المُعاقَبة، أن يُعاقَب المُقصِّر، بلا شك هكذا تفعل الأجهزة المعنية في الدول كلها، فأحياناً يُحتاج إلى المُعاقَبة، ليس فقط الأمر والنهي، بل والمُعاقَبة أيضاً، فهذا – يقول أبو إسحاق الشاطبي – من باب الواجبات الكفائية، التي لا تختص بباب دون باب، عامة شاملة، هكذا قسَّمها – رحمة الله تعالى عليه -.
أبو حامد الغزّالي له قسمة مُختلِفة، قسَّمها قسمة ثُلاثية – رحمة الله تعالى عليه -، قال هناك فروض كفائية تتعلَّق بمحض الدين، مثل ماذا؟ يقول مثل المُحاجَجة عن دين الله – تبارك وتعالى -، والدعوة إليه، وهذا يختص بأصل الدين، ولا يسوغ أن تخلو منه خُطة الإسلام، لا يجوز يا إخواني أن تخلو منه خُطة الإسلام، فبعض العلماء – وأعتقد إن لم تخن الذاكرة منهم الإمام ابن حزم، رحمة الله تعالى عليه – صرَّح أنه يحرم أن تخلو بلاد المُسلِمين في كل مسافة قصر – مسافة القصر في المشهور زُهاء ثمانين كيلومتراً Kilometer – من عالم مُتضلِّع من علم العقيدة، أي المفروض في كل ثمانين كيلومتراً Kilometer يا إخواني أن يُوجَد عالم مُتضلِّع من علم العقيدة، وكان يُسمى علم الكلام، الآن يُسمونه ماذا؟ عالماً في العقيدة ومُفكِّراً وفيلسوفاً مُسلِماً وأسماء مثل هذه، على كل حال لابد أن يكون عالماً مُسلِماً، قوي الإيمان، وثيقه، له علم مُحقَّق ومُدقَّق في أصول الدين، أي العقيدة، والرد على المُبتدِعة والكفّار والزنادقة والوثنيين والمُشرِكين و… إلى آخره! لابد في كل ثمانين كيلومتراً Kilometer أن يُوجَد هذا، أبو حامد الغزّالي – رحمة الله تعالى عليه – يقول هذا من الفروض الكفائية المُتعلِّقة بمحض الدين، يجب توفر هذا، ولا يجوز أن تخلو منه خُطة الإسلام، بلاد الإسلام، وحواضر الإسلام، أي بلاد المُسلِمين.
وأيضاً منه إعمار الكعبة، ليس الحج الذي هو فرض على الأعيان، لا! يُوجَد مقصد آخر وهو إعمار الكعبة، إعمار الكعبة بالحج إليها والاعتمار، هذا من فروض الكفايات، لكن يتحقَّق إعمارها بالحج كل سنة، بالحج المفروض يتحقَّق، أما حج كل فرد منا فهو فرد عليه بعينه، لكن إعمار الكعبة هذا فرض على الأمة كفايةً، إن قام به بعضهم سقط الإثم عن الآخرين.
إذن هذا ما يتعلَّق بمحض الدين، يقول هناك ما يتعلَّق بالمعاش، ما يتعلَّق بالمعاش أي بالشأن الدنيوي، أبو حامد يقول مثل ماذا؟ يُمثِّل ويقول مثل سد حاجة المحاويج من المُسلِمين بعد أداء وتقسيم الزكاة، إن وُجِدت ضرورة فهي واجب كفائي، بمعنى ماذا؟ أننا أخرجنا الزكاوات، أديناها وقسمنها وفرَّقناها، لكن للأسف ظل بعض المُسلِمين في حال الحاجة المُضِرة بهم، بلغت حاجتهم مبلغ الضرورة، فقرهم بلغ بهم مبلغ الضرورة الشرعية، في هذه الحالة – يقول أبو حامد – يجب علينا أن نسد حاجة هؤلاء المُحتاجين أو المحاويج، يجب! أما إن كانت حاجتهم لم تبلغ الضرورة، لكن بلغت حد الحاجة، فيقول في وجوبه تردد، قال أنا مُتردِّد أن أقول إنه يجب على الكفاية، قد لا يكون واجباً، أما أنه مُستحَب فطبعاً قولاً واحداً هو مُستحَب، لكن هل هو واجب على الكفاية؟
ما معنى هذا؟ معنى هذا أننا فرَّقنا الزكاة، لكن ظل بعض المُسلِمين في حال حاجة، ليس في حال ضرورة، وما معنى في حال حاجة؟ أي عنده بيت، يسكن فيه هو، في الحالة الأولى – حال الضرورة – قد لا يكون لديه بيت يستره أصلاً، قد لا يجد ما يستر عورته، قد لا يجد ما يسد جوعته، هكذا! هذه حال ضرورة، فيجب على الكفاية أن نسد فقر هؤلاء، لكن يختلف الأمر لو هناك مُسلِمون الآن بعد تفريق الزكاوات عندهم أين يسكنون وعندهم بعض ما يأكلون وبعض ما يشربون وعندهم بعض ما يلبسون، لكن في حال أقرب إلى الضيق، مع ضيق! فيُقال إنهم في وضع حاجة، ليس في وضع ضرورة، قال في هذه الحالة هناك تردد، اختلاف نظر، اختلاف نظر في إيجاب سد حاجة هؤلاء، أما أن سد حاجة هؤلاء مندوب – أمر مندوب أو مُستحَب – فهذا مقطوع به، لا خلاف في هذا، أكيد بلا شك! هذا أمر واضح ومقطوع به، فهذا ما مثَّل به – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه -، لكن انتبهوا الآن.
نحن قلنا قُبيل قليل أبو حامد الغزّالي وشيخه أبو المعالي الجويني – رحمة الله تعالى عليهما – يريان أن المسائل المعاشية والمسائل الدنيوية ما ينبغي أن تُعَد من فروض الكفايات لما سمعتم، لأن الطبع وداعي البشرية يدعو إليها، فأغنى عن دعوة الشرع إليها وفرض الشرع لها، أليس كذلك؟ فأبو حامد يستحضر هذا تماماً، فيقول أما أمور مثل البياعات – أنواع المُعاوَضات، البيع والشراء – والمناكح والحرث – أي الزرع – وما إلى ذلك وكل أمر لا تستغني عنه الجماعة حتى مثل الفصد والحجامة فيختلف شأنها، قال هذه الأشياء لو تصوَّرنا إهمالها – وطبعاً لا يُتصوَّر إهمالها، لماذا؟ الأمم تُريدها، كل أمة تُريدها، كما قلنا بالطبيعة البشرية، كل اجتماع يُحقِّقها ويعمل على تحقيقها، لكن هذا لو تصوَّرنا إهمالها – تكون من فروض الكفايات، في هذه الحالة تكون من فروض الكفايات، لكنها لا تُهمَل، ولذلك ليست من فروض الكفايات، هذا مذهب الإمام الغزّالي، وهو مذهب شيخه الإمام أبي المعالي الجويني – رضوان الله تعالى عليهم -.
القسم الثالث والأخير – يقول أبو حامد – كالمُركَّب من القسمين، كالمُركَّب من الديني المحض ومن المعاشي الدنيوي، مثل ماذا؟ مثل تحمل الشهادات، مثل تحمل الشهادات بمعنى أنك رأيت واقعة مُعيَّنة، ورأيت فلاناً فعلاً يقترض من فلان مبلغاً وقدره كذا كذا، أو رأيت فلاناً يضرب فلاناً أو يطعن في عرضه أو يتهمه بالزنا فيقذفه – مثلاً -، عليك أن تُؤدي هذه الشهادة، ولا تكتمها إذا دُعيت إليها، وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ۩، يقول هذا كالمُركَّب، فيه جانب ديني وفيه جانب دنيوي – رحمة الله تعالى عليه -، يقول وإعانة القُضاة على توفية الحقوق، بكل الوسائل! ليس فقط بأداء الشهادات، وإنما بأي وسيلة تُشكِّل عوناً للقُضاة، لكي يحكموا بالعدل ويستخرجوا الحق ويحكموا به لأصحابه، يقول هذا كالمُركَّب من الأمرين، والعجيب أنه جعل من هذا – انتبهوا – تجهيز الموتى، جعل منه أيضاً تجهيز الموتى، تجهيز الموتى! تكفينهم، تغسيلهم، الصلاة عليهم، وبعد ذلك دفنهم، قال هذا من المُركَّب من الاثنين، فيه شيئ دنيوي بلا شك، لكن فيه شيئ شعائري، شيئ شعائري ديني.
للأسف أدركنا الوقت، وفي الكلام كالعادة بقية، لكن إلى أن ألقاكم في حلقة أُخرى أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
أضف تعليق