بسم الله الرحمن الرحيم
الصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه ومن والاه …
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
في هذه الحلقة من افاق ، سنفتحُ ملف مسألةٍ شائكة لا يزالُ النزاع يدور فيها بين الناس من اهل العلمِ والفضل الى يوم الناس هذا ، وهي مسالة العلاقة بين المسلمين وبين غير المسلمين ، بين المسلمين والعالم ، الاصل فيها –اي في هذه العلاقة – الحربُ ام السلام ؟
في الحقيقية في هذهِ المسألة للسادة العلماء ثلاثةُ اقوال ، اي قد ذهبوا فيها مذاهب ثلاثة :
المذهب الاول : وفيها من رأى ان الاصل في العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين هي الحرب . وهذا في الحقيقة هو مذهب جماهير العلماء ، انه مذهب الائمة الاربعة ، والامام ابن حزم ومعظم اتباع هؤلاء .
المذهب الثاني : يُقابلهُ تماما ، ويرى ان الاصلَ في العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين السلام لا الحرب ، وبهِ قال الامام سُفيان الثوري والامام الاوزاعي – امام اهل الشام في وقتهِ – والامام ابن شُبرُمة رحمة الله عليهم ، ومن المعاصرين جمعٌ وجمٌ غفير ، الامام المُفتي محمد عبدو، تلميذهُ رشيد محمد رضا ، امام الازهر محمد الخضر حسين ، الشيخ محمود شلتوت شيخ الازهر في وقتهِ ايظا ، العلامة مُحمد عبد الله دراز ، الشيخ عبد الوهاب خلاف ، الشيخ الامام محمد ابو زهُرة ، الدكتور مصطفى السباعي ، الشيخ مُحمد الغزالي ، الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي ، وهبة الزُحيلي ، الدكتور محمد البهي ، الشيخ سيد سابق ، كثيرون ، جمُّ غفير من المعاصرين ذهبوا هذا المذهب ، ان الاصل في العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين هي السلام لا الحرب .
المذهب الثالث : ويُعزى الى الامام الاعظم ابو حنيفة رحمة الله عليه تعالى ، والى بعض ائمة الزيدية ، ويرى هذا المذهب ضرورة التمييز بين حالتين ، بين حالةٍ يكون فيها الكُفار او اهل الحرب متاخمين للمسلمين ، اي بلا فاصل او حدود بين الجماعتين ، جماعة المسلمين وجماعة غير المسلمين ، وقد ذهب هؤلاء المذكورون الى ان الاصل في هذه الحالة الحرب لا السلام استنادا ً الى ظاهر قوله تبارك تعالى ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)) الى اخر سورة البراءة او التوبة ، اما اذا كان هُناك ثمة فاصل بين دار الاسلام ودار الكُفر او اهل الحرب بشكل عام ، كصحراء مترامية مفازة او بحار مُستبحرة وما الى ذالكم فالاصل يكون السلام لا الحرب ألا ان تقوم او تتوفر الدواعي المُلجئة الى الحرب كالعدوان مثلا يبداؤنا به اعدائُنا من الكُفار او العوائق التي يضعُونها امام الدعوة والدُعاة او استضعاف طائفة من المسلمين وانزال صنوف الاذى والاضطهاد بهم فيُجب الدفاع والذب عنهم .
هذه خلاصة المذاهب والاقوال في هذه المسألة ، يَهُمنا في هذه الحلقة ان نستعرض ادلة الفريق الاول وهو في الحقيقة الفريق الذي ذهب الى ان الاصل هو الحرب لا السلام وهوما لا نستروح اليه مبدأياً ، لكن لابد اولاً ان نستعرض ادلة هذا القول ثم نُجيب عنها بما اجاب السادة العلماء الذين يُمثلون المذهب الثاني .
استدل هذا الفريق الاول وهم جماهير العُلماء – طبعاً بعض العُلماء وقع في غلط كالامام محمد ابي زُهرة وجل من لا يغلط اولا يسهو ، فأدعى او زعم ان هذا المذهب ، مذهب الاقليين ، مذهب قلة من العلماء، في الحقيقة في كل المُصنفات والكتب الفقهية يلوحُ ويظهر بوضوح انه مذهب جماهير العُلماء كما ذُكر سابقاً.
احتج الفريق الاول بأية السيف ، واية السيف اية وقع الاتفاق على اسمها ولم يقع الاتفاق على مُسماها ، في اقاويل كثيرة اشهرُها اربعة اما ان تكون الاية الخامسة من سورة التوبة ((فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)) واما ان تكون الاية التاسعة والعشرين ((قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ)) واما ان تكون الاية السادسة والثلاثين ((إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ))الى ان يقول في اخرها (( قاتلوا المشركين كافةً كما يُقاتلونكم كافة واعلموا ان الله مع المتقيين)) واما ان تكون الاية الحادية والاربعين من سورة التوبة وهي قوله تبارك وتعالى ((انفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)) ، اذاً لم يقع الاتفاق على اية السيف هذه واياً كان فان الاشهر والاظهر انها الاية الخامسة من سورة التوبة التي تُؤذن بأن الكُفار بحسب ظاهريها بان المشركين كل المشركين بمجرد انسلاخ المُهلة الاشهُر الحُرم فهم مُعرضون للقتل والقتال من جماعة المسلمين في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام ، هذا الدليل الاول .
واستدلوا ايظا في قول سبحانه وتعالى في سورة البقرة ((وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ)) مفسرين الفتنة هنا انها الشرك ، فصارمعنى الاية لديهم ، اي قاتلوا الكُفار والمشركين حتى ينمحي ويزول الشِرك بالكُلية من العالم ،من الدُنيا ، من على وجه الارض ، هكذا فِهمُوها .
واحتجوا بالايات النواهي الناهيات عن موالات الكُفار كقوله تبارك وتعالى ((لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ))
وفي سورة ال عمران وكقوله تبارك وتعالى (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين)) من سورة المائدة
او كقوله تبارك وتعالى من اول سورة الممتحنة ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ)) ايات كثيرة تنهى المسلمين والمؤمنيين عن موالات الكافرين قالوا فتدلُ على وجوب قتالهم .
ومن السُنة المُشرفة احتجوا بقول المعصوم عليه الصلاة والسلام فيما رواه الشيخان البُخاري ومسلم في حديث ابن عُمر مرفوعا ، وفيما رواه الشيخان البُخاري ومُسلم واهل السُنن من حديث ابو هُريرةَ مرفوعا رضوان الله عليهم اجمعين قال { أُمرتُ ان اُقاتل الناس حتى يقولوا –او في رواية حتى يشهدوا- لا اله الا الله وان محمدا رسول الله ويُقيموا الصلاة ويأتوا الزكاة فأذا فعلوا ذالك عصموا مني دِمائهُم واموالهُم الا بحق الاسلام وحسابَهُم على الله } قالوا هذا حديثٌ واضح في ان الرسول عليه الصلاة والسلام مأمورٌ بقتال الناس كل الناس الى هذا الغاية ، اي الى ان تتحقق هذه الغاية وهي دخولهم في الاسلام .
كما احتجوا في قول الرسول عليه افضل الصلاة والسلام فيما رواه الامام احمد في مُسنده { بُعثتُ بين يدي الساعة بالسيف حتى يُعبد الله وحدهُ لا شريك له ، وجُعل رزقي تحت ظل رُمحي ، وجُعل او جُعلت الذِلةُ والصَغار على من خالف امري } قال وهو واضحٌ انه مبعوثٌ بالسيف حتى تتحقق العبودية لله وحدهُ ، حتى يُعبد الله وحدهُ لا اله الا هو . واخيراً ادعوا وزعموا ان جميع حروبه عليه افضل الصلاة والسلام كانت حروب مُبادة ، حروب هجومٍ وعدوان ، هو الذي بدأ فيها وبادر فيها ، بادر بماذا ؟ بالعدوان على الكُفار والمشركين .
هذهِ جُملة ادلة هؤلاء القوم ، اي جماهير العلماء فيما ذهبوا اليه . والان ينبغي ان نجُيب بما استدلوا به بما اجاب به السادة العُلماء عبر العصور ، فنبدأ باية السيف ، ولكن قبل ان نبدأ بها لا بد ان ننُور المقام بقاعدة لم يُعِمِلها هؤلاء ، هذا الفريق ، وهي القاعدة بحمل المُطلق على المُقيد ، ما معنى ذالك ؟
هذا يعني ان ثمة ايات في كتاب الله تعالى تأمر بظواهرها بقتال المشركين ، بقتال الكافرين دون قيد او شرط وبهذا تكون مطلقة من وعن القيود ، مطلقة من كُل قيد ، ولكن في كتاب الله تعالى العزيز ايات اٌخر اواُخرى تُفيد بظواهرها انهم يُقاتَلون دفعاً لعدوانِهم وضُرهم واذيتهم كقوله سبحانه وتعالى ((وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)) البقرة الايه 190, لماذا لا تعتدوا ؟ لان الله لا يحب المعتدين ، علل الله سبحانه وتعالى نهيه عن العدوان بعلةٍ ، المفروض والواضح ان هذه العلة لا تزول لان الله لا يُحب ، اي اخبر عن ذاته العلية انه لا يُحب المعتدين ولا يُمكن انه يُخبر انه لا يُحب المعتدين وثم بعد ذالك يكتشف انهُ صار يُحب المعتدين لان هذا تخلف في الخبر وهو ممنوع منه ، لماذا ؟ لانه يقتضي والعياذ بالله نسبة – لا استطيع ان اتلفظ بها – الى الله تبارك وتعالى ، لذالك هذه العلة المفروض انها لا تزول .
القاعدة اذاً ، اذا رأينا ايات مُطلقة تتحدث عن موضوع ، تدور حول موضوعٌ بعينه ثم رأينا ايات اُخرى تدور حول الموضوع ذاته مُقيدة بقيد ، لابُد ان نحمل المُطلق على المُقيد ، بمعنى هنا اية تأمر بقتال الكفار بغير قيدٍ او شرط ، ولكن هناك اية اخرى او ايات لا تأذن بقتالهم الا رداً لعدوانهم فنحمل هذه على هذه ونقول نعم يُقاتل كُل كافر مُعتدٍ بشرط ان يكون هو المُعتدي اي البادي في العدوان نحمل المُطلق على المُقيد .
طبعا انا اعرف وربما تعرفون ايظاً خاصة طُلاب العلم ان هناك خلافات واسعة بين علماء اُصول الفقه في مسألة حمل المُطلق على المُقيد وتفصيلات كثيرة طبعا لا يتسع لها مثُل هذا المقام لا من حيث الزمان ولا من حيث ربما طبيعة المُتلقين والمُشاهدين غيرالمُتخصصين في مثل هذه العلوم والفنون ، ولكن بأختصار اتفق السادة العُلماء رُغم اختلافهم حول هذه القاعدة الشهيرة في علم اصول الفقه على انه اذا اتحد الحُكم والسبب في الايتين المُطلقة والمُقيدة وجب قولا واحداً حمل المُطلق على المُقيد ، وهنا بلا شك واضح ٌان الحُكم متحد وهو وجوب قتال المشركين في المُقيدة الحكم موجود وجوب قتالهم وفي المُطلقة الحكم موجود لكن السبب ؟!
ادعى السلاميون وليس الحربيون ، ادعى السلاميون السبب هو العدوان ولكن مع ذالك فأن الفريق الاول لم يرى سائغاً ان يُحمل المُطلق على المُقيد في ايات القتال ، لماذا ؟ قالوا لان المُقيد منها منسوخ بمعنى ان حُكمه باطل لا يُعمل ُ به بعد منسوخيته لانه منسوخ ، والناسخ اية ُ السيف التي حدثتكم عنها وعن الخلاف فيها سابقا ، قالوا الناسخ هي ايةُ السيف نسخت الايات اللاتي تأمرُ بالصفح والسلام والعفو والصبر وهي اياتُ كثيرة ، يعني الايات السلامية ، ايات الليان ، ايات المُصالحة والعفو في كتاب الله تبارك وتعالى كُلها منسوخة وبلغ بها بعضهم كابي بكر ابن العربي القاضي المالكي مئة واربعة عشر اية ، عجيب نُسخ باية واحدة لم يُتفق على تعينها تماما كما وضح لكم ، مئة واربع عشرة اية هي الايات التي حدثتكم عنها .
والعجب ان ابن العربي رحمة الله عليه زعم ان اية السيف صارت منسوخة بأية محمد او اية القتال ((فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ)) قال ان هذه الاية نسخت اية السيف ، هذا شئ غريب فأصبح الناسخ لمئة واربع عشرة اية منسوخاً بدوره…
حتى لا نُطول اُحب ان اقول ان مسألة النسخ هي قضية خلافية وفيها خلاف مُحتدم بالحقيقة خاصة في هذا العصر بين كبار العلماء لكن نُحب ان نُضئ المقام بكلمات سريعة وعاجلة :
اولا : ما من اية اتفق العلماء اي كل العلماء اي بالقائلين بالنسخ على منسوخيتها ، بمعنى ما من اية قال فيها بعض العلماء على انها منسوخة الا واجهه وقابله علماء اخرون قالوا انها مُحكمة ، هذا مهم ان نُلاحظه .
ثانيا: لا يوجد لنا اثٌرٌ واحد صحيح عن رسول الله عليه افضل الصلاة والسلام ينصُ فيه ان الاية الكذائية او الفُلانية منسوخة ، لم يُصرح النبي مرةً بمنسوخية اية واحدة من كتاب الله تبارك وتعالى هذه مسالة في غاية الاهمية.
ولكن لو اننا ضربنا صفحا وليتاعن قضية الخلاف في الناسخ والمنسوخ او في النسخ بشكل عام ، فان التامل في اية السيف وفي سباقها ولحاقها وسياقها يُعطي شيئأ يشهد شيئا لموقف السلامين ولا يشهدُ شيئا لموقف الفريق الاول وهو ان اية السيف ان رجحنا معالجماهيرانها الاية الخامسة من سورة التوبة ((فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)) ان رجحنا انها هي هذه الاية الخامسة من سورة التوبة فهي مسبوقة بالاية الرابعة ((إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ )) واضحة جدا اذا ان الرسول غير مأمور بقتال كل المشركين هذه الاية الرابعة ثم الاية الخامسة اية السيف ثم الاية السادسة التي تليها ((وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ)) اذا هذا مشرك ولا يٌقتل بمجرد انه استجار ، اذا ليست الاية على اطلاقها ولاعلى عمومها . الاية السابعة ((كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ اللَّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ)) شئ غريب جدا ، لذالك يااخواني واضح ان المشركين هنا لفظ ليس على عمومهِ ويتأكد هذا بمعرفة سبب نزول مطالع او طوالع سورة التوبة ، لماذا نزلت هذه الايات اصلاً ؟
نزلت هذه الايات كما اتفق اهل السير بسبب غدر قريش وهم مشركون طبعا ، لايزالون على شركهم ، بحُلفاء رسول الله من خُزاعة الذين كانوا لا يزالون على شركهم ، فهذه الايات جاءت كأنتصار للمُشركين حلفاء الرسول على انهم كانوا لا يزالون على شركهم فكيف يٌقال ان الاية في كل مُشرك من حيث اتى دون قيد اوشرط ، هذا غير صحيح ..
في الحقيقة ان هذه الايات طوالع سورة التوبة تتحدث عن قتال او انبغاء او وجوب قتال ائمة الكفر الذين فصلت الايات الكريمة من الاية الثامنة الى الاية الثالثة عشرة احوالهم وصفاتهم ، يمكن ان تعودوا اليها وتدرسوها بتأمل لتقفوا على جلية الامر . هذا من حيث اية السيف اخواني واخواتي
نأتي الان الى الاية التاسعة والعشرين من سورة التوبة وقيل هي ايظاُ هي من اية السيف او ايات السيف وهي التي تأمر بقتال الكفار من اهل الكتاب ، ((قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ)) قالوا هذه الاية واضحة في قتال هؤلاء لمجردكُفرهم ، لمجرد شركهم ، لمجرد ما نُعتوا به في هذه الاية ، وفي الحقيقة نحن نرى والله تبارك وتعالى وحده عنده العلم انه لا مستند لهم في هذا الاية ، لماذا ؟
لان هذه الاية تجعل غاية قتال هؤلاء المنعوتين بالنعوت المذكورة فيها ليس دخولهم الاسلام ، وانما اعطاء الجزية فان رضوا ان يعطوا الجزية عن يدً وهم صاغرون كففنا عنهم ، اذا هذا واضح جدا انهم لا يقُاتلون لكتابيتهم او لكفرهم ، لانه لو وجب ان نُقاتلهم لمجرد انهم اهل كتاب او لانهم كفرة لكان ينبغي ان تُجعل غاية هذا القتال دخولهم في الاسلام ، لابد ان يدخلوا في الاسلام ، ان لم يدخلوا ما فائدة هذا القتال ؟!
لكن لما جعلت الاية غاية قتالهم ان يُعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون التفتنا وتلمحنا الى ما ارادت هذه الاية اللفت اليه وهو سبق العدوان من هؤلاء ، اما وصفهم بهذه الاوصاف المذكورة في هذه الاية فهو من باب تبين الواقع ، كما قال العلامة شيخ الازهر في وقته الشيخ محمود شلتوت عليه الرحمة والرضوان ، قال هذا من باب تبين الواقع ، الاية تصفهم بما هم عليه اغراءاً بهم لسبق عدوانهم او مع سبق عدوانهم ، والاشارة الى سبق العدوان هي كامنة ومشمولة في قوله حتى يُعطوا الجزية عن يدٍ وهم صَاغرون ، الصَغار كما فسرهالامام الشافعي رحمة الله عليه هو الرضوخ والرضا بحكم الاسلام ، ان تُجرى عليهم احكام الاسلام والملة ومنهُ دفع الجزية ، لذالك هذه الاية تشير وتلمح من طرفٍ ليس بالخفاء الى سبق العدوان من هؤلاء .
على اننا اذا عُدنا الى كتب السيرة والتاريخ لعلمنا ان هذه الاية التاسعة والعشرين من سورة التوبة نزلت على خلفية سياسية وعسكرية طويلة ومعقدة ومركبة ، سنشرح بعض عناصر هذه الخلفية على عجل .
النبي عليه الصلاة وافضل السلام غضب جدا بما حل برجل كان عاملاً للرومان اي البيزنطينين في مدينة معان في الاردن الان ، اسمه فروة ابن عمر الجُذامي ، هذا الرجل اسلم ، شرح الله صدره للاسلام فأسلم ، فلما علم الروم بذالك استشاظوا غضبا فالقوا القبض عليه ، فتنوه لكي يثنوه عن دينه الجديد فلم يرتضي ان يعود عن الاسلام رحمة الله عليه فصلبوه على ماءٍ في فلسطين يُدعى عفراء ، صلبوه ثم اصدر هرقل امرهُ بقتل كل من اسلم من اهل الشام ، مما اغضب النبي عليه الصلاة والسلام واحزنه جدا ، اذا لا يٌقال ان الروم او البيزنطينين او كفرة اهل الكتاب المذكورين في الاية لم يبدأوا بالعدوان او كانوا كافين ابدا لم يكونوا كذالك هذا كان في السنة السادسة .
في السنة السابعة ، النبي عليه الصلاة والاسلام يُرسل رجلاً رسولا الى ملك غسان ، وغسان كانوا في بلاد الشام وكانوا حُلفاء لبيزنطة ، نصارى ، قبائل نصرانية كببيرة من اكبر القبائل العربية ، كانوا نصارى وكانوا حُلفاء وكانوا عُمالاً للروم البيزنطينيين ، فالنبي يُرسل الحارث ابن عُميرالاسدي رسولا ومعه الهدايا الى غسان فيعرضون له فيقتلونه ، قتلوه ظلما هكذا وعدوانا ثم يُهددون بالزحف ، عبئوا جيشا كبيراً وهدّدوا بالزحف على مدينة رسول الله عليه الصلاة والسلام ، يريدون ان يجتثوا الاسلام من جذوره وان يقضوا عليه في دولته ، فما كان من النبي عليه الصلاة والسلام الا ان عبئ بدوره جيشاً كبيراً وجعل قيادته للصاحب الجليل الحب زيد بن الحارثة رضوان الله عليه على انه اذا نال الشهادة خلفه في القيادة جعفر ابن ابي طالب رضوان الله عليه على انه اذا اُستشهد ايظاً – وكأن النبي نظر الى الغيب من خلف سترٍ رقيق ، حدس او ربما اُحي له بما سيحصل وهذا ما حصل بالفعل وبهذا الترتيب – على انه اذا اُستشهد ، اكرمه الله بالشهادة صارت القيادة الى عبد الله بن رواحة ، ورد انه سئُل فأن اُستشهد ابن رواحة قال يشتورون ، هم يؤمرون بعد ذالك قائداً لهم بحسب الشورى ، فما كان من هؤلاء الغساسنة وحلفائهم من الروم الا ان اجتمعوا وتألبوا الباً واحداً وانزلوا بالجيش المسلم هزيمةً ماحقة في معركة مؤتة واستُشهد فعلا القادة الثلاثة ونجى الجيش بفضل حنكة القائد الصاحب الجليل خالد بن الوليد المدرب والماهر جدا ، فأنسحب بالجيش والا لربما اوتي عليه من عند اخره .
في السنة الثامنة للهجرة ، النبي عليه الصلاة والسلام يرسل جماعة صغيرة قوامها خمسة عشر رجلاً الى الحدود الشرقية للاردن للدعوة لله تبارك وتعالى وتبليغ الناس بالاسلام هناك واستطلاع الاحوال ، فيسطوا بهم جماعة من النصار او الروم البيزنطينيين فيقتلونهم ايظا ولم يلوذ بالفرار منهم الا واحداً فقط نجى بفضل الله تبارك وتعالى .
ولذالك ايها الاخوة ، من الغلط ان يُقال وهذا غلط وقع فيه مفكر كبير وهو المرحوم الراحل ظافر القاسمي في كتابه عن الجهاد والقتال في الاسلام حين زعم انه بقرائته للسيرة المشرّفة لم يقف على موقعة عسكرية بين المسلمين والنصارى في عهد الرسول الكريم الا في مؤتة ، وهذا غير صحيح ، في المقابل المؤرخ والمفكر الفلسطيني الشهير محمد عزة دروزة رحمة الله عليه ذكر ان هذه المواقع التي اتفقت بين المسلمين وبين النصارى في زمن رسول الله هي ثمان مواقع او مواجهات عسكرية ، منها دومة الجندل وذات السلاسل ومنها مؤتة واخرها تبوك او العُسرة في السنة التاسعة في رجب ، وطبعا سورة التوبة تؤرخ وبطريقة دقيقة احيانا جدا لبعض مراحل هذه الغزة الشهيرة غزوة العُسرة او غزوة تبوك .
وكان السبب – طبعا هي لم تقع وكفى الله المؤمنين القتال – السبب انه النبي عليه الصلاة والسلام بلغه ان الروم يتحشدون وانهم جمعوا جيشا قوامه اربعون الف مقاتل وارادوا ان يسيروا الى مدينة رسول الله ، وبلغه انهم وصلوا الى البلقاء فما كان من رسول الله عليه السلام ان عبئ جيشا لجبا قوامه ثلاثون الف مقاتل منهم عشرة الاف فارس. في صحيح البخاري اشارة موفية ونافية الى هذه الضروف التي كانت تجري في ذالك الوقت العصيب ، على كل حال هو حديث طويل الى حد ما اشاعة تطليق الرسول لازواجه رضوان الله عليهن ، وفيه ان صاحب عمر ابن الخطاب رضي الله عنهما طرق بابه عشائا طرقا شديدا ، فقام عمر فزعا فقام وقال ما هناك ، قال امر عظيم امر عظيم حصل ، فقال ماذا حضرت غسان ، لان المسلمين كانوا مهددين بهؤلاء الغساسنة في كل لحظة من ليل او نهار هذا هو الحال الذي كانوا عليه المسلمون في تلكم الفترة العصيبة الحالكة ، قال لا طلق رسول الله ازواجه الى اخره ..
على كل حال، اذا كان الله سبحانه وتعالى انزل في سورة الممتحنة ، ((لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)) وهذه الاية نازلة في عموم المشركين والكافرين فمن باب اولى ان الله تبارك وتعالى لا ينهانا ان نبر ونقسط الى اهل الكتاب اذ هم الينا ادنى وبنا امس من هؤلاء المشركين فكيف يُقال ان الاية التاسعة والعشرين من سورة التوبة تأمر بقتال كل كتابي امر مطلق من كل قيد او شرط هذا غير صحيح ولا يمكن ان يكون صحيح . وايظا ان كان صحيح فكيف يقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه الامام دواد والامام النسائي رحمة الله عليهما { دعوا الحبشة ما ودعوكم } والحبشة كانت نصرانية ، كتابية ، اذا لا يُقال ان الاية التاسعة والعشرين تامر بقتال كل كتابي اعتدى او كف ! هذا غير صحيح والله تبارك وتعالى اعلم .
نأتي الان الى الاية السادسة والثلاثين من سورة التوبة ((إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ))قالوا هذه واضحة في كونها تأمر المسلمين بقتال كل المشركين من حيث اتوا دون قيد او شرط ((وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة)) وفي الحقيقة هذا الفهم الذي ذهبوا اليه ليس بمتعين ، الاية لا تنص على هذا المعنى ، لماذا ؟ وقاتلوا اي ايها المسلمون او المؤمنون الفاعل هنا هذا الضمير المتصل واو الجماعة والمشركين هم المفعول به ، كافة ً هذه منصوبة على الحالية منصوبة على انها حال لكن حال مِن منَ: الفاعل ام المفعول به ؟ الوجهان صحيحان والوجهان واردان ، يمكن ان تكون حالاً من الفاعل وهو واو الجماعة في قاتلوا ، قاتلوا ايها المسلمون كافةً المشركين ، فيكون معنى الاية قاتلوا ايها المسلمون المشركين وانتم جميعٌ ، وحدة واحدة غير متفرقين ،(( ان الله يحب الذين يقاتلون في سبيلي صفا كانه بنيانٌ مرصوص )) هذا هو المعنى ، وفي المعنى ايظا (( ولا تنازعوا فتفشلواوتذهب ريحُكم)) في نفس المعنى ، ولذالك اكتفى الامام شيخ المفسرين ابو جعفر ابن جليل الطبري بهذا القول ولم يعرض لاي قول اخر مع ان القول الاخر محتمل ووارد واسند هذا الى ابن عباس والسُدي واكتفى به . كأنه لفرط ظهوره ورجحانه مُغني عن غيره لذالك هو لم يذكر غيره ، لذالك ان الذي رجحه الطبري واسنده الى ابن عباس والسُدي ان كافةً انها حال من الفاعل وليس من المفعول ، فليس من الاية ما يفيد اننا مأمورون بقتال كل المشركين سالمونا ام حاربونا غير صحيح ، وانما قُصارى ما في الاية على هذا التفسير قاتلوهم وانتم مجتمعون غير متفرقين حتى لا تفشلوا ، حتى لا تكون عليكم الدبرة ، حتى لا تنهزموا .
لكن قد يقول قائل ماذا لو كانت كافةً منصوبة على الحالية من المفعول وليس من الفاعل ، اي قاتلوا كل المشركين ، كافة المشركين ، هذا ايظا لاباس ، لماذا ؟
لان الله يقول وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة ً فهي ممن باب المعاملة بالمثل على انه من المعروف ان كل المشركين لم يُقاتلوا المسلمين ، بعض المشركين قاتلوا المسلمين وبعض المشركين وادعوا وهادنوا المسلمين كخُزاعة وقد قدمت لكم سبب نزول سورة التوبة او مطالع سورة التوبة بسبب عدوان قريش على حلفاء النبي من خُزاعة فعُلم من هذا ان المشركين هنا اي الالف واللام في المشركين انما هي للعهد ، اي قاتلوا المشركين المعهودين ، من هم المشركين المعهودون الذين اُمرنا بقتالهم ؟ الذين بدأؤنا بالعدوان وليس كل مشرك .
على كل حال الامام المفسر المعاصر الطاهر ابن عاشور له رأي جدير بالنظر ، وهو رأي ينم على تعمق وتدقيق فلله دره ُ.
ابن عاشور رأى ان موقع الاية هو موقع الاحتراس ! الاحتراس من ماذا ؟ من الوقوع في التوهم او الظن من اننا كمسلمين منَهيون عن رد العدوان الواقع علينا من المشركين ان وقع في الاشهر الحُرم ، الاية هكذا تقول ، ان عدة الاشهر عند الله ..الى اخر الاية ، الاشهر منها اربعة حُرم فلا تظلموا انفُسكم اي بالعدوان على الناس في هذه الاشهر فهنا يقع في الظن او الوهم اننا ايظا مَنّهيون ان نرد عدواناً وقع علينا في الاشهر الحُرم فمن باب الاحتراز جاءت الاية تقول ان اُعتدي عليكم من المرخص لكم ان تردوا هذا العدوان .
اذا العلامة الامام ابن عاشور رحمه الله تعالى يرى ان موقع هذه الاية هو موقع الاحتراس من ما ذكرت لكم ، فكأن هذه الاية جاءت لتقول يُؤذن لكم معاشر المسلمين والمؤمنين ان تردوا العدوان في الاشهر الحُرم ان وقع عليكم وهو تفسير في منتهى الجودة لماذا ؟ لانه يلتئم بقول الله تبارك وتعالى ((الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)) وسبحان الله كان الاية السادسة والثلاثين من سورة التوبة في معنى هذه الاية من سورة البقرة والله تبارك وتعالى اعلم .
بقي الان ان نجيب بأستدلالهم بالاية الحادية والاربعين من سورة التوبة ((انفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)) قالوا خِفافا وثقِالا اي شيبا وشبابا اي صغارا وكِبرا ، اصحاء ومرضى اي المرض الذي لا يُقعد عن القتال كالمرض الصعب او المُقعد ، اغنياء وفقراء ، سِمانا اي سمين او غليظ وهُزال يعني تقريبا على كل الاحوال والانحاء يجب ان تنفروا وتُقاتلوا ، غريب نحن لا نرى في هذه الاية الجليل موضعا يمكن ان يُتشبث به فيما ذهبوا اليه قُصارى ما يمكن ان تُعطيها هذه الاية الجليلة الاية الحادية والاربعون من سورة التوبة ان القتال حين يجب اذا وجب ان يكون على هذا الوجه بحيث لا يبقى مجال لاعتذار معتذر الا الذين عذر الله في كتابه من العجزة والعمي واصحاب العاهات او المريض مرضا يُقعدوهُ من النفير او الجهاد ، فاين في الاية اننا يجب ان نقاتل كل الناس وان نبدأهم بالقتال والاصل انه الحرب لا السلام هذا ليس في الاية لا من قريب او من بعيد ، غاية ما في الاية اننا يجب حين يجب ان يكون على هذا الوجه بحيث لا يبقى عذٌرٌ لمعتذر والله تبارك وتعالى اعلم .
ايظا من كتاب الله تبارك وتعالى احتجوا بأية الفتنة ((وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ)) فسّروا الفتنة بالشرك ، قالوا يجب ان تُقاتلوا المشركين والكفار حتى ينمحي الشرك والكفر ويزول بالكُلية من العالم ، من الدنيا ويكون الدين لله وهو دين التوحيد فلا اله الا الله ،هكذا فهموا الاية وهو فهمٌ فيه موضع ٌ للتنقيد والنظر .
ما الفتنة اصلاً ، دون ان نخوض في تعريف الفتنة لغويا وهومعروف على كل حال لمعظم الدارسين ، لكن بأستقراء موارد هذه اللفظة في كتاب الله سبحانه وتعالى خاصة التي تتحدث عن فتنة الكفار للمؤمنين ، فتنة المشركين للموحدين ، هكذا المجرمين للمُحسنين ، يضح ان معنى الفتنة هي اختزاع المؤمن وصّدهُ وثنيهُ عن ايمانه ودينه بوسائل متعددة منها التمويه والتضليل والاختداع والتزيف والكذب ومنها الترهيب وصنوف الاذى والاضطهاد وهذا اكثر الفتنة ، اكثر وسائل الفتنة ، صنوف الاذى والاضطهاد ، هذه هي الفتنة في كتاب الله تعالى ((إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ)) معناه هكذا فتنوهم اوصدوهم او ارادوا ان يصدوهم عن دينهم بالاضطهاد بالحريق ، خدوا لهم الاخاديد واشعلوا فيها النيران وحرّقوهم فيها احياء ، هم وازواجهم وقراباتهم واولادهم هذه هي الفتنة.
ايظا ((فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَىخَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ)) فرعون يفتن قوم موسى .
((وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا)) هذه هي فتنة الكافر للمؤمن ، الله يتحدث عن المؤمنون الذين فتنوا في دينهم لكنهم هاجروا وجاهدوا وصبروا ..
في اية السحر في سورة البقرة((وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ)) لا تترك دينك بهذه الفتنة هذه هي
((وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ )) الفتنة عن الدين بالتعذيب والاضطهاد هكذا
((فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ )) كما قلت لكم الصد عن الدين بأساليب الاختداع والتمويه والتضليل والتزييف والتدليس لكن اكثر من تلك الاساليب هي صنوف الاضطهاد والاذى .
لكن اود ان الفت الى ان تفسير الفتنة بالشرك كما يقال بمعنى لا تكون فتنة اي لا يكون شرك ليس بالضرورة ، وهذا منسوب لابن عباس ولجماعة من افاضل التابعين ، ليس بالضرورة ان يدل على ما ذهبوا اليه ، لماذا ؟
لانه قد يكون من باب تسمية المسبب بسببه وهذا يكون مجاز من المجازات العقلية ، ضرب من المجازات العقلية ان يسمى المسبب اي الاثر بأسم المؤثر او السبب ، الان قاتلوهم حتى لا تكون فتنة اي حتى لا يكون شرك ، الشرك هو الاثر المسبب ، تسبب عن ماذا ، تسبب عن الفتنة بمعنى الاضطهاد في الدين ، اضطهدوهم فكفّروهم ، او فثنوهم عن دينهم هذا من باب تسمية المسبب بأسم سببه ، هذا مجاز عقلي .
عبد الله ابن عمر رضوان الله عليه ، هناك حديث في البخاري ، حديث صحيح عن ابن عمر ، يُؤكد ان معنى الفتنة ما ذكرته لكم . جاء رجلان ايام فتنة ابن الزبير فقال له الا تخرج وقد خرجت الناس وانت ابن عمر صاحب رسول الله ولك شأن وكذا وكذا ، فقال لا اخرج ، لا اشارك في هذه الفتنة ، قال ما يمنعك ، قال يمنعني ان الله تبارك وتعالى حرم علي دم اخي ، لا احب ان اتخوض في دماء المسلمين ، فقال له الم يقول الله تبارك وتعالى وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله ، قال قد فعلنا ، قد فعلنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وعلى اله واصحابه تسليما كثيرا ، كانوا يفتنون المؤمنين – يتحدث عن المشركين – فأما قتلوهم واما يعذبونهم فقاتلنا ، كان الاسلام قليلا وكان المؤمن يفُتن في دينه ، اما قُتل واما عُذب حتى زاد الاسلام وانتفى ذالك ، هذا واضحٌ من ابن عمر فهم الفتنة على النحو الذي شرحنا لكم ايها الاخوة والاخوات
ايظا في السيرة في قصة ابي جندل في قصة سهيل ابن عمر ، وتعرفون الشرط الذي شرطته قريش على رسول الله ووافق عليه انه من جاءهُ من قريش مسلما ردوه اليهم ، فأتفق انه جاء ابو جندل رضوان الله عليه ، ابن سهيل ابن عمر الذي هو كان مندوب قريش في الحُديبية فجاء ،فاصرابوه الا ان يُعيده معه فالنبي وافق عملاً بالشرط وعملا بالعهد ، فصرخ ابو جندل قال تردونني الى قريش ، الى المشركين يفتنوني عن ديني ، كيف يفتنوه اذا بالتعذيب ، بالاضطهاد الى اخر الحكاية.
1. الاثار كثيرة التي تؤيد هذا التفسير للفتنة وعليه يصير معنى الاية وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ، اي حتى يزول اضطهاد الموحدين ، اضطهاد المؤمنين في دينهم لان الكفار كانوا يمارسون هذا الاضطهاد البشع في حق المؤمنيين والمؤمنات ، اذا وجب ان يقُاتل دفاعا عن هؤلاء المستضعفين والمضطهدين من عموم المؤمنين والمؤمنات ، ويكون معنى الدين لله ليس بمعنى ان لا يكون اي دين على وجه الارض الادين التوحيد ويزول الشرك بالكلية هذا غير صحيح ، وانما يكون معنى يكون الدين لله اي يكون دين الشخص خالصا مخلصا لله تبارك وتعالى ، ليس فيه مداجى ولا مُرائ ولا مُحاباة لا خوف ، امان تتدين عن قناعة وفي امان كامل باذن الله وبأخلاص كما قال عز من قائل من اول الزمر ((إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ))يكون الدين خالصا لله تبارك وتعالى ، ليس معناه ان يكون الدين دين التوحيد وينمحي الشرك هذا خلاف لسُنن الله الكونية ، خلاف لسنن الله القدرية والله تبارك وتعالى اعلم .
نأتي الان الى الجواب عن ما احتجوا به من الايات الناهية عن مولاة الكفار وذكرنا لكم طرفا ونمطا منها .
في الحقيقة لا ملازمة بين النهي عن مولاة الكفار وبين وجوب قتالهم ، نحن منهيون عن مولاتهم ولكننا لسنا مأمورون بقتالهم وان كفوا عنا هذا غير صحيح لا ملازمة بين الامرين هذا واضح جدا ، بدليل ان ايتي الممتحنة في قول مشهور للعلماء نزلتا بعد الايات الناهية عن مولاة الكفار وليس قبل الايات الناهية عن موالات الكفار ، الايات الناهية نزلت او نزلن قبل ايتا الممتحنة ((لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)) اذا نحن غير منهين ان نبر هؤلاء المشركين اذا كفوا عنا ووادعونا وسالمونا ، غير منهيين على ان نبرهم وان نُقسط اليهم ، فسرها ابن العربي بان نعطيهم من اموالنا ، ان نعطيهم من حِل اموالنا ، نتألفهم ، نتحبب اليهم حتى ربما تنشرح صدروهم بالاسلام ، اذا ما معنى المولاة المنهية عنها حين اذا ، اذا كان ممكن ان نبر الكفار وان نقسط بهم فما معنى ان ننهى عن مولاتهم ؟
باختصار ايها الاخوة من احسن من اجاب عن هذا السؤال الامام الفخر الرازي في التفسير الكبير قال هذه المولاة المنهية عنها – قال ذالك عن فسر قوله تبارك وتعالى ((لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ)) في سورة ال عمران ، قال اما ان تكون بمعنى محبة هؤلاء الكفار رضىً بدينهم ومعتقدهم والعياذ بالله وهذا منهيٌ عنه ولا يقع من مؤمن مازال على ايمانه ، لان الرضى بالكفر كفر فمستحيل ان يقع هذا من مؤمن ، المولاة بهذا المعنى منهيٌ عنها قولا واحداً .
واما ان تكون هذه المولاة المعاشرة والمحاسنة الدنيوية ،عيشة حسنة جميلة بيننا وبينهم وهذا غير منهي عنها وهذا بنص اية الممتحنة نحن مدعوون الى برهم والاقساط اليهم والاحسان اليهم ((وقولوا للناس حُسنا )) لكل الناس مؤمنهم وكافرهم .
واما – وهذا وسط يقول الفخر الرازي بين القولين – واما ان تكون هذه المولاة بمعنى ماذا ؟ بمعنى نصرة هؤلاء المشركين او هؤلاء الكافرين ومظاهرتهم ودعهم ومساعدتهم مع الاعتقاد ببطلان دينهم مع الاعتقاد بكفرهم ، لكن لماذا نناصرهم ، لماذا نظاهرهم ، لماذا نواليهم ؟؟اذا بسبب المحبة او بسبب القرابة ربما انا ايظا اقول بسبب المصالح والسياسات قال هذا منهيٌ عنه بلا شك منهيٌ عنه لانه قد يطرق طريقا الى استحسان طريقتهم ودينهم فيقع المؤمن اخيرا بالكفر فهذا منهيا عنه ، هذا القول الثالث هو الذي اقتصر عليه ورجحه الامام ابو جعفرابن الجليل الطبري ، قال هذه المولاة المنهية عنها وبلا شك هي منهيا عنها لكن المولاة بالمعنى الثاني هي غير منهي عنها ، فمن اين اخذوا من الايات الناهية عن موالاة الكفار وجوب قتال الكفار ؟ اللهم ان هذا اخذ بعيد بعيد ،مناوشة من وراء وراء ، هذا من اضعف الاستدلالات .
بقي الان احتجاجهم بالاحاديث النبوية ، حديث اُمرت ان اُقاتل الناس ، طبعا سنظرب الذكر صفحاً عن ما قاله بعض علماء الحديث من قول يتعلق باسناد هذا الحديث ، على كل الحديث مخرج في الصحيحين من رواية ابن عمر مرفوعا وفي الصحيحين وعند اصحاب السنُن من رواية ابو هُريرة رضي الله عنهم وارضاهم اجمعين { أُمرتُ ان اُقاتل الناس حتى يقولوا او يشهدوا ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله ويُقيموا الصلاة ويأتوا الزكاة فأذا فعلوا ذالك عصموا مني دِمائهُم واموالهُم الا بحق الاسلام وحسابَهُم على الله }هل في هذا الحديث ما يُؤخذ اوما يُفهم اننا مأمرون بقتال كل الناس ، كل الكفار ، كل غير المؤمنيين ، لم يأخذ بهذا احد من الائمة الكبار ، لماذا ؟
اولا لم يقل احد من الائمة استنادا لهذا الحديث اني اُمرت ان اقاتل الناس ، كلمة الناس هنا على عمومها تعم كل الناس بدليل الاية التاسعة والعشرين من سورة التوبة التي تأمر بقتال كتابيين مخصوصين حتى لو جعلنا على عمومها لكن لغاية ماهي الغاية قبول الجزية ان نأخذ منهم الجزية عن يد وهم صاغرون ، الحديث ليس فيه هذا الغاية ، الحديث جعل الغاية الاسلام والا الموت ، القتل ، اُمرت ان اُقاتل الناس وجعل الغاية الدخول في الاسلام وان لم يدخلوا فهو القتل ، فهو العرضُ على السيف ، القتل في الميدان ، بالقتال بينما الاية في التوبة تقول لا اخذ الجزية ، على الاقل اهل الكتاب غير داخلين في الحديث ، اصبح العموم دخله التخصيص وبهذا قالوا جماعة ،
بعضهم قال اية التوبة نسخت الحديث هذه على طريقة الاقدميين من الصحابة ومتقدمي الائمة كانوا يُسمون التخصيص نسخا ، والتقيد ايظا يسموه نسخاً يسمون اشياء كثيرة نسخاً هذا مبحث اخر ، ومنهم من قال الناس في الحديث ليس من باب العموم الذي دخله تخصيص وانما من باب العموم الذي يُراد به خصوص اصلاً ، حين نطق الشارع بالناس اراد اناس مخصوصين لا كل الناس منذ البداية لذالك اختلفوا ، فالامام مالك رحمة الله عليه قال الناس هنا هم كُفار قريش لا كل الناس ، وقال سائر الائمة اي الائمة الثلاثة ، اُمرت ان اُقاتل الناس ، الناس هنا سائر الكفار من العرب ، كفار الجزيرة العربية وليس كفار العالم ، لذالك مذهب الامام مالك ومذهب الاوزاعي وابن شبرمة وسفيان الثوري ومذهب فقهاء الشام ان الجزية يجوز ان تُؤخذ من كل كفار عربيا كان او اعجميا ، اما مذهب الاخرين فقالوا لا تُؤخذ من كل كفار وانما من كفار مخصوصين ولهم تفصيلات في هذا ،
على كل حال اذا قولأً واحداً لم يقولوا ان الناس على عمومها ، اما انها مخصوصة واما انها عام يُراد بها خصوص اصلاً، الناس الذين مثلا بدأوكم بالقتال ، بدأوكم بالعدوان ، الذين لا يزالون يُعادون المجتمع المسلم ، على كل حال الشيخ ابن تيمية له تحقيق بمنتهى الحُسن والجمال بصدد هذا الحديث ، قال الغاية التي اُمر النبي ان يقاتل من اُمر بالقتال اليها لا ان الحديث ينص على انه مأمور بقتال كل الناس لهذه الغاية ، يعني الحديث سيق انما ليُبين الغاية التي ينبغي ان يُقاتل من يؤمر القتال اليها لا ان الحديث يأمر بقتال كل الناس الى هذه الغاية ، وقد اوضح ابن تيمية رحمة الله عليه في كلام طويل وجميل ومحقق ودقيق ان سيرة النبي ونصوص الشريعة تُكذب الفهم الثاني ان النبي مأمور لقتال كل الناس لهذه الغاية ومثله ذهب شيخ الاسلام ابن قيم الجوزية تلميذه رحمة الله عليهما والامام الامير الصنعاني صاحب سبل الكلام وكثيرين .
بقي كلمة في حديث “بُعثتُ بين يدي الساعة بالسيف” ، هذا الحديث عن عبد الرحمن ابن ثابت ابن ثوبان هذا الرجل ضعيف قال فيه الامام احمد يروي المناكير حديثه مناكير على كل حال المتن نفسه فيه جزء رواه البخاري في صحيحه ، عجز هذا الحديث “وجُعل رزقي تحت ظل رمحي “مذكور في البخاري لكن تعليّقا في كتاب الرماح وعن ابن عمر هكذا من غير اسناد عُلق اسناده كله عن ابن عمر “وجٌعل رزقي تحت ظل رزقي” ،
اما صدر الحديث “بُعثت بين يدي الساعة بالسيف ” فهذا المتن ايها الاخوة قال به جماعة من العلماء انه متنٌ منكر مُخالف لظواهر كتاب الله تبارك وتعالى ، ظواهر كتاب الله انه بُعث رحمةً للعالمين ، بُعث بالهدى ودين الحق ، بُعث بالشفاء والموعظة ، بُعث بهذه الاشياء ولم يُبعث بالسف عليه الصلاة وافضل السلام ، على ان من العلماء من قال يمكن تؤيل هذا المتن ، بان يُقال انه بُعث بالسيف لكي يُقاتل من يُقاتله ، من يبدأئه بالعدوان ، دفاعا عن نفسه ، ان كان كذالك فلا بأس فان هذا مقبول الى حد ما ، على ان الحديث ضعيف كما حقق الشيخ شُعيب الائرنئوطي والاخوة معه حين حققوا مُرسل الامام احمد وحكموا عليه بالضعف على ان له قول متقدم في تحقيق كتاب زاد المعاد للشيخ ابن قيم .
واخيرا وبجملة واحدة بخصوص حروب النبي وبتحقيق كبار العلماء ، ان جميع حروب النبي وغزواته لم تكن حروب عدوان بل كانت حروب رد للعدوان وهذا ما قال به شيخ العروبة احمد زكي باشا رحمة الله عليه والخضر حسين وكثيرون من علماء العصر .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أضف تعليق