إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:
أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:
مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩
ثم أما بعد:
أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – سبحانه وتعالى – في كتابه العظيم بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:
فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ۩ وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ ۩ وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ۩ وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ۩ فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ ۩ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ۩ وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ۩ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ۩
صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط. آمين اللهم آمين.
إخواني وأخواتي:
سألني أحدُ أحبابي سؤالاً: هل اتفق مثل هذه الثورات والهبات والانتفاضات المُبارَكة في تاريخ أمتنا من قبل؟ فقلت له بلى، نعم لقد اتفق مثل هذه الهبات والانتفاضات والثورات وأشياء أشبه بالانقلابات عشرات المرات، ثم استتليت قائلاً تقريباً كان العالم الإسلامي كله في القرن الرابع الهجري عالماً شيعياً، أي محكوماً بالشيعة، فمصر وشمال إفريقيا تحت الخلافة الفاطمية، وهؤلاء وصلوا إلى الحكم بإسم الدعوة إلى آل البيت، إلى عليّ والزهراء ونسلهما الشريف، ولكن ماذا فعل الفاطميون؟ هذا معروف لأنهم لم يكونوا خيراً مِن مَن سبقهم ولا مِن مَن تلاهم بل كانوا لعنة وكارثة، وطبعاً يستطيع كل مَن أراد أن يُدافِع عن أي لعنة وعن أي كارثة أن يُشير إلى نقاط مُضيئة مثل “لقد خدم الفاطميون الحضارة وبنوا المساجد والعمران الفاطمي”، وهذا معروف طبعاً، لكن حتى الاستعمار له فوائد، فماذا ترك الفرنسيون في الجزائر وفي تونس؟ فوائد كثيرة، والإسرائيليون ماذا أفاد منهم الفلسطينيون؟ في فوائد، إذن هذا موجود لأن سُنة الله – تبارك وتعالى – لا تجعل الشر محضاً ولا تترك الخير صرفاً، وهذه الأمور مُمتزِجة على الدوام، ولكن العبرة بالأغلب، فلا نُريد أن نتورَّط في مثل هذا المنطق العبيط، وهو منطق أن نُدافِع عن بني أمية وعن بني العباس وعن الفاطميين وعن المماليك وعن العثمانيين وعن حسني مُبارَك وزين العابدين والقذَّافي بحُجة أنهم فعلوا كذا وكذا وأن هناك نقاطاً مُضيئة في تواريخهم، فهذا معروف إذن، وحتى إبليس هناك فوائد منه، فلولا إبليس ما وصل الأولياء إلى ما وصلوا إليه ولا عرف العرفاء ربهم، إذن لابد من وجود هذه القوة الشريرة حتى نُكامِعها ونُناضِلها ونُحارِبها ونرتقي، فهناك جانب حتى خيِّر في خلق إبليس لعنة الله عليه، والله لا يسمح بوجود شر محض – حاشا لله – وبوجود شر من كل وجه – حاشا لله – مُطلَق، فحتى شرية إبليس يُمكِن أن يُنظَر إليها باعتبار آخر كما ذكرت لكم، وهذا أجمعت عليه الأمة وهذا اتفق عليه العرفاء والعلماء الشرعيون – هذا أمرٌ معروف – والعقلاء من أهل الفكر في كل سقعٍ وزمان.
فمصر والشمال الإفريقي تحت الفاطميين، ومُعظم شبه الجزيرة العربية وما حولها تحت حكم القرامطة الشيعة، وبنو بُوَيْه كانوا شيعة، فالدويلات البُوَيْهية كلها دويلات شيعية، فضلاً عن غير هؤلاء، إذن تقريباً تمحَّض العالم الإسلامي للشيعة، ولم يكونوا خيراً مِمَن سبقهم – كما قلت – ولا مِمَن لحقهم، بل كانوا لعنة مع أنهم أتوا وتنصَّبوا على الناس وتسيَّدوا بإسم عليّ – عليه السلام – وبإسم فاطمة والحسنين وأئمة أهل البيت والرضا من آل محمد، ولذلك قلت لأخي هذا لابد أن نتعلَّم درساًـ والآن علينا أن نُذكِّر بهذا الدرس للمرة الألف، فالناس يتفقون على المباديء في مُعظم الأحيان طبعاً، ولا يخرج عن هذا الاتفاق إلا مَن يُريد أن يتفرَّعن على عباد الله وأن يسوموهم الخسف وسوء العذاب وأن يمتص دماءهم ويتغوَّل أرزاقهم ويعتقل حرياتهم ومن ثم يختلف معهم وتكون مبادئه مُختلِفة، ولذلك تقوم الثورات والهبات والانتفاضات لكي تمحو مبادئ وتُعلي من شأن مبادئ جديدة، وهذا هو معنى الثورة، لكن جمهور بل جماهير الناس تتفق على المبادئ ولا تختلف عليها، فمَن الذي يختلف معكَ او معي أو مع أي أحدٍ يدعو إلى العدالة وإلى المُساواة وإلى الحرية وإلى الكرامة وإلى الوحدة وإلى معالي الأخلاق؟ لا أحد تقريباً إلا مَن استثنينا، ولكنهم يختلفون بعد ذلك في البرامج، فحتى الصادقون منهم يختلفون في البرامج، لأن المبادئ يُتفَق عليها، لكن البرامج تكون مشرعة وطريقاً للاختلاف، وبعد ذلك يظهر الاختلاف الصارخ والتباين الواسع وتبعد الشُقة بين النظر والدعوى والمزاعم والتطبيق، بسبب أن النظام – نظام الحكم والسُلطة – يكون فاسداً وغير صحيح وغير دقيق وغير مُحكَم وغير مُؤهَّل أن يُنتِج إلا ما يُنتِج من السوءات والعورات والمقابح والمظالم والمخازي، لأن السُلطة بما هى دائماً مفسدة، وهذا هو طبع الإنسان، قال الله كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ ۩ أَن رَّآهُ اسْتَغْنَىٰ ۩، فطالما هو يحتاج إليك لا يطغى، فحتى في النظام الديمقراطي هو يحتاج إلى صوتك فيتذلل ويتقرَّب ويكون هيئاً مُوطأ الأكناف، حتى إذا استغنى عنك وأمكنه أن يستغني ظلم وطغى وتجاوز، فيضع لك الأخلاق ولنفسه المُمارَسات الصارخة السيئة، ثم أنك قد تُندِّد أخلاقياً وتبدأ تتكلَّم أخلاقياً لكن هذا لا يعنيه ولا يهمه، فهذا لا يهم أمثال هؤلاء، ولذلك السُلطة فعلاً تُفسِد، فكيف إذا كانت سُلطة مُطلَقة يكون الحاكم فيها هو الحاكم بأمره، فلا يصدر إلا عن رأيه وهواه ومُشتهياته وأمياله؟!
قال اللورد أكتون Lord Acton العبارة الشهيرة جداً التي تقول “Power tends to corrupt, and absolute power corrupts absolutely” أي أن “السُلطة تنحو نحو المفسدة، والسُلطة المُطلَقة مفسدةٌ مُطلَقة”، فالسُلطة تُفسِد الشخصية وتنحو نحو الإفساد لأن السُلطة أصلاً مفسدة، فهى تُفسِد الإنسان وتُفسِد الأوضاع والحياة في الظاهر والباطن بشكل مُطلَق، فما أعظمها من عبارة وما أحسنه من تحليل!
وقد صح وتبرّهَن هذا – أي أن السُلطة مفسدة، والسُلطة المُطلَقة مفسدةٌ مُطلَقة – في تاريخنا ألف مرة بل عشرة آلاف مرة، تبرّهَن وتأيَّد – كما قلت في خُطبتي السابقة – بالوقائع المُرة الفاقعة الكئيبة القاتمة المُحزِنة البئيسة عبر أربعة عشر قرناً، أليست هذه المُدة المُتمادية كافية لأن نعقل وأن نفهم؟!
ولكن يقع السؤال: لماذا جعلت مُعاوية – وهو صحابي – وبني أمية هم البداية؟!
لأننا نُعيد نفس الأخطاء ونقع صرعى لنفس العقلية.
هناك جرثومة في عقلية المسلم والعربي أو ميكروب Microbe خبيث جداً أقتل من ميكروب Microbe السيدا أو الإيبولا Ebola، إنه جرثوم تقديس غير المُقدَّس، أي تقديس الأشخاص، وفي الحقيقة يا أخي أنه باستثناء رسول الله ليس هناك أحد معصوم، لا أبو بكر – رضوان الله عليه – ولا عمر ولا عثمان ولا عليّ ولا أي أحد، رضيَ الله عنهم وأرضاهم أجمعين، فهؤلاء هم تيجان رؤوسنا وساداتنا وأساتيذ الأمة ومشائخها ولكنهم ليسوا معصومين، فلماذا نُعطيهم عصمة لم يمنحهم الدين إياها؟ ثم بعد ذلك نتعثَّر في أذيالنا وفي خيباتنا ونبدأ لا نفهم كيف جرت الكارثة ومن أين انبثقت المُصيبة مع أن الأمور واضحة جداً بل فاقعة في وضوحها، الأمور واضحة جداً وليست مُعجِزة في معرفة من أين نشأت الكارثة ومن أين انبثقت المُصيبة، لكن نحن قدَّسنا غير المُقدَّس وصدَّقنا أنفسنا، علماً بأن ليست خُطبة اليوم مُحاضَرة في الاعتقاد وبراهينه ولكن للتذكير، فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ المُؤْمِنِينَ ۩ وتنفع العقلاء المُفكِّرين.
الرسول – عليه الصلاة وأفضل السلام – بشكل واضح – علماً بأن الحديث صحيح وأخرجه مالك في الموطأ وغيره – قال مرةً ولم يكن ثمة إلا هو وأبو بكر الصديق – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه – في شهداء أحد وقد زار بقيعهم “أما هؤلاء فأشهدُ لهم”، أي أن هؤلاء هم الشهداء عند الله ومن ثم أنا أشهد لهم، فقال – الصديق رضوان الله تعالى عليه – له: يا رسول الله ونحن؟ أي أنه يقصد أنا وإخواني، فقال “يا أبا بكر إنني لا أدري ماذا تُحدِثون بعدي”، وهو أيضاً القائل “الحي لا تُؤمَن عليه الفتنة” لأنه ليس معصوماً، وأبو بكر ليس معصوماً، وعليّ وعثمان وعمر ليسوا معصومين، فالنبي يشهد لمَن تولى وأدبر وهو على الجادة، قال الله فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ۩، فالذين مضوا وغبروا ولم يُبدِّلوا قال عنهم النبي “أشهد لهم”، أما الذين بقوا فأمرهم إلى الله، ولذا قال عنهم “لا أدري ماذا تُحدِثون بعدي”، فبكى أبو بكر – رضوان الله تعالى عليه – وكان حسن الفهم ودقيقه وحديد البصر وقال: أو إنا كائنون بعدك يا رسول؟
فهذا الذي أبكى أبا بكر، أبو بكر لم يخش على نفسه لأنه يعلم نفسه إن شاء الله، ونحن نشهد له أنه صديق الأمة وأنه مضى على الجادة ولم يُغيِّر ولم يُبدِّل رغم مَن يُخالِف ولا عبرة بمُخالَفتهم، أبو بكر لم يُغيِّر ولم يُبدِّل، عاش سنتين بعد رسول الله فقيراً ومات فقيراً وأرجع كل شيئ إلى بيت مال المسلمين، فمثل هذا لا يتهمه مَن في رأسه ذرة عقل، ومن هنا نحن لا نتهمه بل نشهد له ونتبارك به رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه، ولكنه ليس معصوماً، فالنبي أبى أن يُعطيه هذه العصمة، أبى أن يُعطيه ضمانة أو شيكاً على بياض – كما يُقال – يُفيد بأنه يشهد له وقال “لا أدري ماذا تُحدِثون بعدي”.
وفي الصحيحين وفي غير الصحيحين – ولكن في الصحيحين تحديداً – يُؤكِّد النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – على هذا المعنى، وانظروا إلى الصيغة التي أتت في لفظ المسلم حيث قال “ليردن علىّ الحوض أُناسٌ من أصحابي – واستعمال لفظة ليردن للتأكيد، فالنبي يُؤكِّد ويقول هذا أمر مُؤكَّد لا يُرتاب فيه – علىَ الحوض – أي يوم القيامة – أناسٌ من أصحابي ثم ليختلجن عن الحوض”، ستأتي الملائكة وتأخذهم بعنف وترمي بهم بعيداً عن حوض محمد وتقول لهم اذهبوا أبعد مكان وأسحقه على الرغم من أنهم من أصحاب رسول الله، فالنبي يتفاجأ لأنه لا يعلم الغيب إلا أن يُعلِّمه الله من الغيب علماً ويقول “يا رب أُصيحابي، أُصيحابي”، وقوله أُصيحابي يدل على أن عدتهم قليلة، فهم مجموعة قليلة من الصحابة بحمد لله، لكن مُعظمهم بفضل الله لم يُغيِّروا ولم يُبدِّلوا، ولذا النبي سيقول أُصيحابي، أُصيحابي، لماذا يُختلَجون ويُنتزَعون عن الحوض ويُلقى بهم؟ فيُقال “إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك”، أي أنك تعرفهم حين كانوا يتبعون هديك ما شاء الله لكن الآن غيَّروا وبدَّلوا، وعلينا أن ننتبه إلى أن هذا في البخاري ومسلم وفي الترمذي وفي الطبراني وفي كتب كثيرة جداً، ولكن يكفي انه في الصحيحين وأنه مُتفَق عليه.
وفي الصحيحين أن النبي يقول سحقاً سحقاً، فليذهبوا إلى أسحق مكان وأبعده وأزجره لمَن بدَّل بعدي، أي فليذهبوا إذا غيِّروا وبدَّلوا ولعبوا في الدين إلى ستين داهية، فلا يُوجَد عصمة لأحد.
فحين نأتي ونُحاكِم أمثال مُعاوية ونُعلِن أنه غيَّر وبدَّل وغيَّر وبدَّل في عشرات المسائل وكرث الأمة ودمَّرها لماذا نُعطيه عصمة؟ لماذا نُلبِسه عصمة ونضحك على أنفسنا؟ هذه العقلية التي اغتالتها هذه الجرثومة اللعينة هى العقلية ذاتها التي تُدافِع اليوم عن حكّام ظلمة وسرَّاق ولصوص وبلطجية وعصابات من الخونة، ويُؤسِفنا جداً جداً جداً – والله – ويُحزِننا ويكسر من نفوسنا أن تقول جهات مسؤولة بل شخصيات مسؤولة ومُتنفِّذة في إسرائيل بكل أسف وحزن وانكسار “بذهاب مُبارَك ذهبت الضمانة الكُبرى لنا في المكان، أي في الشرق الأوسط”، أي أنه كان أكبر ضمانة لنا وأكبر ضمانة لمُستقبَلنا ولأماننا ولاقتصادنا، وهذه هى الحقيقة فعلاً، والله الذي لا إله إلا هو مَن لم يكن يرى هذه الحقيقة إنه لأعمى، لأنها كانت واضحة ولا نحتاج إلى الصهاينة حتى نقول هذا، وكنا نرى هذا بشكل فاقع وبشكل واضح، فمن أجل فرد واحد إسمه جلعاد شاليط Gilad Shalit تقوم الدنيا ولا تقعد، ولا أتحدَّث عن دنيا المُنافِقين في الشرق والغرب وإنما عن دنيا العرب، عن دنيا حكّام العرب وفي رأسهم الممحوق المُبارَك لا بارك الله فيه، ولكن يُقتَل ويُذبَح ألوف الفلسطينيين بالفوسفور وغير الفوسفور ولا يتحرَّك مُبارَك بل يُمعِن في ذبحهم، فما هذا؟!
ثم يأتيك مَن يقول لك “لا يا أخي، تكلَّم بأسلوب لائق عن حكّامنا لأنهم يظلون حكامنا”، وهذا غير صحيح، هؤلاء حكّامكم أنت وليسوا حكّامنا، حشرك الله معهم يوم القيامة، أما نحن فنبرأ إلى الله وإلى أنفسنا وإلى أمتنا وإلى تاريخنا وإلى مُستقبَلنا وأبنائنا في مُستقبَلهم من هذا الطاغوت ومن أمثاله، نبرأ إلى الله ونُعلِن براءةً مُطلَقة لطالما أعلناها وسنظل نُعلِنها منه ومن أمثاله، أباد الله خضراءهم واستئصالهم من جذورهم وأراح منهم. اللهم آمين.
نفس العقلية الحقيرة إذن، هذه عقلية وضيعة وعقلية حقيرة جداً جداً، وتُصبِح أكثر حقارة حين تكون عقلية مُعمَّمة، فيتكلَّم شيخ بإسم الدين وبإسم الكتاب والسُنة ولكنه يُدلِّس على الناس ويُزيِّف وعيهم ويكذب على الحقائق جهاراً نهاراً ويُدافِع عن اللصوص والظلمة والخونة ولا يستثيره أن تُظلَم الأمة أو أن يُظلَم ثمانون مليون أو أن يُظلَم ثلاثمائة مليون عربي أو أن يموتوا في السجون بالألوف أو أن يتعفَّنوا في السجون، لا يستثيره شيئ ولا يضيره أن يُؤخَذ إنسان اشتباه في القسم عشرين سنة ثم يُقال له “مُتأسِفين – Sorry – لقد أخطأنا في الإسم”، عشرون سنة ضاع فيها الرجل ولكن هذا لا يُحرِّك مثل هذا الشيخ، ولكن يُحرِّكه ما شاء الله وينبض له عرق الأخلاق وعرق المبدأ حين تنال من حاكم خائن وطاغية صعلوك لا قيمة له، فهم لا يحفظون من كتاب الله إلا قول الله أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ۩، فهؤلاء المُعمَّمون أيضاً لا كثَّر الله من عمائمهم لا يفقهون من كتاب الله إلا وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ۩،
أقول لك يا سيدي ويا مولى سلاطينهم وهم مواليك بلا شك فأنت تتولاهم وهم يتولونك من أجل أن تتعيّش بكتاب الله وسُنة محمد – صلى الله على محمد وآله وأصحابه – لكن محمد بريءٌ منك ومن أمثالك: تحدَّثت عن حقوق واحد حاكم بأمره أفسد الدين والدنيا، فهلا تحقَّقت مرة وهلا تكلَّمت مرة عن حقوق ثمانين مليوناً ومائتين مليون وثلاثمائة مليون؟ حقه أن نُطيعه ولكن ماذا عن حقنا نحن؟
يا جماعة الخير هذا شيئ – أُقسِم بالله – يُجنِّن، أنا سوف أتحدَّث بالعامية لأنني أفقد أعصابي دون أدري، كل مرة أقول سوف أهدأ ولكن – والله العظيم – ما من سبيل للهدوء، وأُقسِم بالله على هذا، فما هذا الذي يغتال عقولنا؟ رب العالمين – لا إله إلا هو – جل مجده وتبارك في عليائه جعل لنفسه ولذاته العلية حقاً علينا ولكن قابله بحقوقٍ لنا عليه – الله أكبر يا أخي – وهو رب العالمين، فكيف تتكلَّم لي الآن عن صعلوك وعن خائن وتقول أن له حقوق؟ قبل أن تتكلَّم عن حقوق الخونة من الحكّام تكلَّم عن حقوق الملايين من الأمة، تكلَّم عن حقوقنا أولاً ثم تكلَّم عن حقوقهم أو عن حق واحد منهم، وها هو حين سقط صار الكل يدوس بأقدامه عليه ويتبرَّأ منه، فلعنة الله على المُنافِقين أيضاً حتى وإن نافقوا بالحق، فلعنة الله على كل مُنافِق كذَّاب لأن هؤلاء هم الذين يغتالون الثورات، هؤلاء هم الآكلون على كل الموائد بكل الصور، فيُغيِّرون وجوههم وسحنتهم وأقنعتهم ولا تتغيَّر قلوبهم ومطامعهم ونفوسهم الخبيثة، وتبقى كما هى فلا تُنتِج إلا العفن والكذب والنفاق والزيف، والمُشكِلة أن الأمة تنخدع، فهى أمة غلبانة مسكينة لأنها غير مُثقَّفة وأمة، وكما أقول دائماً “الأمة التي لا تقرأ غير واعية”، فقط الواعي الذي يُفكِّر في كل شيئ وهو الذي يستطيع أن يُميِّز لأن العلم نور والجهل ظلام، وفي الظلام يتساوى كل شيئ، فما دام يُوجَد ظلام فإن الأحمر يكون كالأسود كالأخضر كالأزرق كالأبيض، لكن حين يأتي العلم والوعي والدرس والفكر والتحليل والتركيب والتفكيك نستطيع أن نُميِّز، فلا يعنيني أن تُكلِّمني بإسم الله وبإسم الرسول لأنني أعلم أنك دجَّال، وسأُثبِت بالبرهان الذي أفهمه بسرعة أنك دجَّال، فلا تستطيع أن تخدعني أو أن تُغيِّر قناعك لأنني أعلم حقيقتك، فأنا لا يخدعني المسلاخ والإهاب لأنني أعلم كيف هى الروح، ومن ثم لا تخدعني القشور والباطن مُنتِن، قال رسول الله أتدري يا مُعاذ ما حق الله على العباد؟ ثم قال أتدري وما حق العباد على الله؟ أي أن الله – لا إله إلا هو – له حقوق ولكنه جعل نحن لنا حقوقاً أيضاً، وهذا هو العدل، لكن هؤلاء جعلوا أنفسهم أكثر من رب العالمين، فلهم حقوق وليس عليهم واجبات، إذن ليس لنا بإزائهم أي حقوق وبالتالي يجب أن نسكت، فمهما أعطونا من شيئ قبلنا ونحن سكوت، ولابد أن نُؤدِّي فروض الطاعة تسبيحاً وتحميداً وتمجيداً رُكعّاً سُجّداً بالأصابح والأماسي، فما هذا؟!
والله العظيم أنا دائماً ظللت أقول وسأظل أقول أن على الأمة أن تبرأ من هؤلاء المشائخ الخونة ومن أمثالهم وأن تكفر بهم وأن تُعرّيهم ولا تُقيم لهم أي اعتبار أولاً لكي تُحرِّر عقلها وروحها، وأُقسِم بالله على هذا، لأن في هذا إساءة للدين وإساءة لمحمد وإساءة لكتاب الله، فلماذا نُعظِّم هؤلاء الحقراء وهم يعملون ضدنا؟ هل نُعظِّمهم من أجل لحاهم؟! تذهب إلى النار لحاهم، هل نُعظِّمهم من أجل عمائمهم الغبية؟ هذه العمائم لا تعنينا، هل نُعظِّمهم من أجل أنهم يتحفَّظون آيات القرآن الكريم؟ حتى الأطفال يتحفَّظون القرآن الكريم، بنو إسرائيل كانوا يقرأون الكتاب ولكن لا يعرفونه إِلَّا أَمَانِيَّ ۩، أي مُجرَّد تلاوت، فليس العلم مُهِماً بحد ذاته، لكن الذي يعنينا هو ماذا تفعل بالعلم وكيف تُوظِّفه وما هى المبادئ التي يخدمها هذا العلم، هذا هو الذي يعنينا وإلا أذهب إلى جوجل Google واذهب إلى المكتبات الألفية أفضل لك.
أعود مرة أُخرى لكي أتساءل: لماذا بدأنا بمُعاوية؟!
البداية كانت بمُعاوية وبني أمية، وأنا بدأت هذه البداية لأن هذه هى الحقيقة التاريخية الناصعة، يقول النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – في الحديث الذي أخرجه أبو داود وستة عشر إماماً من المُخرِّجين الكبار – يضيق الوقت عن ذكرهم لكن هو حديثٌ صحيح، وكان مِن آخر مَن صحَّحه الشيخ الألباني رحمة الله عليه، وهو حديث سفينة مولى رسول الله “الخلافة بعدي ثلاثون، ثم يأتي الله الملك أو قال ملكه – شك من الراوي – من يشاء”، فالنبي كان واضحاً معنا ونصح لنا في الحديث الصحيح قائلاً “الخلافة بعدي ثلاثون سنة”، كأن النبي يقول لنا “بعد ثلاثين سنة عليكم أن تُغيِّروا إطاركم الذهني، فلا تظنوا أنكم لا تزالون تعيشون في الخلاف، انتبهوا ولا تُعامِلوا الملك – وهو ملك ظالم وملك عاض والعياذ بالله – كما تُعامِلون الخلافة، لا تخلطوا بين عمر وبين مُعاوية”، فبعض أهل السُنة نكايةً في الشيعة – وقلت هذا مرة – يجمع مُعاوية وعمر في سياقٍ واحد ويقول “نحن نوالي عمر ونوالي مُعاوية”، لا والله العظيم، هذا غير صحيح، نحن نوالي عمر ونتبرَّأ إلى الله من مُعاوية، وسأقولها بشكل واضح لأن النبي دلَّنا على التبرءة منه وقال انتبهوا إلى هذا الملك الذي سيُفسِد خلافة أمتي وسيُفسِد ديني، وقد فسد الإسلام حقيقة، وسأحكي لكم بالتفصيل هذا حتى يعلم بعض الذين يتساءلون: لماذا كانت البداية مع مُعاوية وبني أمية؟ ما الذي فعله مُعاوية؟
سنقول ماذا فعل مُعاوية، ولكن طبعاً كل جُملة تحتاج إلى وقت طويل لتفصيلها، ولكن نجتزيء بالإشارات والإيقاظات والإلماعات السريعة، فمُعاوية كان باغياً بل كان رأس وإمام البُغاة، وتواتر عن رسول الله – والحديث في الصحيحين وحكى جماعة من الأئمة تواتره – أنه قال “عمَّار بن يسار تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار”، فالسؤال الآن: مَن الذي قتل عمَّاراً؟!
جيش مُعاوية، فأول رأس قُطِعَت في الإسلام من المسلمين كانت رأس رجل مسلم وهى رأس عمَّار بن يسار.
وطبعاً أنا أقول لإخواني الذين يتساءلون عليكم أن تقرأوا أولاً قبل أن تحكموا على كلامي وكلام أمثالي وهم بالألوف الذين يتحدَّثون حديثي بفضل الله من نبهاء العلماء والمُفكِّرين، فهم بالألوف عبر التاريخ وهم من كبار الأئمة والحفَّاظ أيضاً، وسأذكر نبذة قصيرة عن بعضهم وعن مواقفهم، لكن عليكم أن تقرأوا أولاً!
إياك أن تغتاك هذه الجرثومة الفاسدة – جرثومة التقديس، أي تقديس غير المُقدَّس – لكن اقرأ وتعلَّم ثم ابدأ ناقش وتكلَّم، لا تعجل بالنقد ولا تُلوِّح بمانشيتات عريضة لا تُغني ولا تُسمِن من جوع، تعلَّم في الأول واقرأ وخُذ الأمور بجد لكي تفهم ما الذي حدث ولكي يُمكِنك أيضاً أن تُنكِر ما يحدث الآن بشكل واضح وعلى بصيرة وبيّنة وأنت واعٍ مالك لأمر نفسك وعقلك ورُشدك، وهكذا!
إذن مَن الذي قتل عمَّاراً؟!
مُعاوية أو تحديداً جيش مُعاوية، فصدق أنهم هم البُغاة.
لا يُمكِن أن يكون الباغية الإمام عليّ الذي دان له العالم الإسلامي كله إلا بلاد الشام وفي رأسها مُعاوية الذي أبى بحُجة المُطالَبة بدم عثمان، ولكن ما الثمن؟!
سبعون ألفاً من الصحابة والتابعين وأبنائهم ماتوا وذُبحِوا في معركة صفين في السنة السادسة والثلاثين للهجرة – واحفظوا هذا الرقم جيداً “سبعون ألفاً” علماً بأنه قيل أكثر من ذلك – من أجل أن مُعاوية يُصبِح خليفة، ففي رأسه موال إسمه الخلافة ولذلك قال لن أدين لعليّ بن أبي طالب لأنه يكره عليّاً ويكره أهله، يكره أصله وفصله، وسأُثبِت هذا بما في الصحيح في مسلم وغير مسلم، لكن الثمن ماذا يا مُعاوية؟!
سبعون ألف رجل ذُبحِوا في معركة صفين وحدها، وعلينا أن ننتبه إلى أن الثمن يمتَّد إلى اليوم طبعاً، فما نحن فيه هو ثمن ندفعه لطموحات مُعاوية الحقيرة جداً جداً جداً، فلعنة الله على السُلطان ولعنة الله على الكرسي ولعنة الله على كل مجد إذا تأدَّى إلى قتل امرئِ واحد بغير حق وليس إذا تأدَّى إلى قتل سبعين ألف من الصحابة والتابعين دون أن يطرف لمُعاوية جفن، فهو كان سعيداً جداً بنفسه لأنه كان يرى أنه غلب عليّ بطريقة أو بأخرى وصار هو الخليفة في نهاية المطاف، ورغم كل هذا تجد مَن يقول لك “لا تظلم مُعاوية يا أخي، مُعاوية مُجتهِد مأجور”، فما شاء على هذه العقلية التي تُفكِّر بها، وأنا أعلم أنك تستطيع أن تأتيني بمائة نقل عن العلماء قالوا فيه أنه مُجتهِد مأجور ما شاء الله، فنحن نعرف هذا جيداً لأننا قرأناه ونحن صغار أطفال، لكن النبي يقول “فئة البُغاة”، وفي الحديث الذي صحَّحه ابن حجر في تلخيص الحبير يقول الإمام عليّ “أُمِرت بقتال الناكثين – طلحة والزبير وعائشة، ولكن هؤلاء اجتهدوا وأخطأوا، فهم ليسوا مثل مُعاوية وليسوا مثل الخوارج الجهلة، وهذا ما حدث – والقاسطين الظلمة – مُعاوية وأهل الشام الذين كانوا معه طبعاً، ولا نقدح في أهل الشام ونحن من أهل الشام، لكن الذين كانوا معه ومالأوه على ظلمه وبغيه وفجوره والمارقين” والمقصود بالمارقين الخوارج.
لا إله إلا الله، إمام الفئة الباغية – مُعاوية – أراد أن يُدلِّس على الناس وقال “أنا لم أقتله ، قتله الذي أخرجه”، أي أنه يقول أن عليّ هو الذي قتلهم لأنه هو الذي أخرجهم، فقال لهم عليّ إذا كنت أخرجته وهو خرج معي يُقاتِل معي على الحق ولذلك هو قُتِل بسببي، فإذن مَن الذي قتل حمزة؟
فهو يُقاتِل مع إمام الزمان ومع صاحب البيعة الشرعية، والنبي قال “مَن أتاكم وأمركم جميعاً على رجل يُريد أن يشق عصاكم فاضربوا عنقه كائناً مَن كان”، والإمام كان عليّاً لكنه مُعاوية لم يُعجِبه هذا، ولي سؤال واحد أقوله فقط لإخواني وللمُتشكِّكين الذين – للأسف – ساءت فهومهم وتسمَّمت أفكارهم، فأقول لهم اذهبوا واقرأوا تفاصيل التاريخ، بل اقرأوا حتى كتاب منهاج السُنة لابن تيمية – رحمة الله عليه – شيخ الإسلام وسوف ترون بعد ذلك هل انتقم مُعاوية من قتلة عثمان أم أنه أعطى وأسدل وأنعم لجماعة كثيرين منهم بعد ذلك، لكي تفهموا ماذا كان هدف مُعاوية، فهدف مُعاوية كان السُلطة فقط، وهذا معنى قولهم “قميص عثمان”، فحتى في الأدبيات الغربية الآن بعضهم – المُستشرِقون – يقول لك “قميص عثمان ذريعة”، فالكل يفهم هذا، ولذ في حس الأمة العربية الآن شكل عام يقولون “قميص عثمان”، لأنهم يعرفون أن هذه حُجة كاذبة وذريعة فارغة يُضحَك بها على الناس طبعاً، فالأمة تفهم ماذا فعل مُعاوية.
فهذا كان أولاً، ثانياً: عن الإمام عليّ – كرَّم الله وجهه وعليه السلام – في صحيح مسلم – علماً بأن من حقوق أهل البيت أن نُسلِّم عليهم دون أن يُقال أننا شيعة، فليس لنا علاقة بالشيعة ولسنا من الشيعة أصلاً، وإنما هذه هى الحقائق، وهذه مسألة أخرى لكن على كل حال يُسلِّم عليهم مُعظم العلماء الكبار الأجلاء – في كتاب الإيمان – علماً بأن صحيح مسلم لم يُبِّوب لهذا الكتاب ولكن بوَّب له النووي، فهناك باب إسمه “الدليل على أن حبَّ الأنصار وعليٍّ رضي الله عنهم من الإيمان وعلاماته، وبُغضَهم من علامات النفاق” أنه قال “والذي فلق الحبة وبرأ النسمة أنه لعهد النبي الأمي إلىّ ألا يُحِبني إلا مُؤمِن ولا يُبغِضني إلا مُنافِق”، وهذا في صحيح مسلم، فهل كان مُعاوية يُحِب الإمام عليّاً؟ إذن كيف وقد قاتله؟ ومع ذلك تجد مَن يقول لك “قاتله مُجتهِد مأجور يا أخي”، كيف يُحِبه وهو كان الذي يسبه ويأمر أصحاب المنابر من ولاته وعمّاله وخطبائه أن يسبوه على المنابر؟ فظل يُسَب إلى أن أبطل هذه السُنة الملعونة عمر بن عبد العزيز – رضيَ الله عنه وأرضاه – وجعل مكانها آية سورة النحل التي تقول إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩، فبدل هذه الآية كان يُسَب عليّ، وكانت هذه سُنة أموية ماضية لكنها سُنة ملعونة، ومع ذلك أيضاً تجد مَن يقول لك “هذه أحاديث ضعيفة” في حين أن في صحيح مسلم عن عامر بن سعد بن أبي وقاص أن مُعاوية قال لسعد بن أبي وقاص – أحد السابقين وأحد العشرة المُبشَّرين بالجنة – ما يمنعك أن تسب أبا تراب؟ أي الإمام عليّ عليه السلام، فالنبي كناه بأبي تراب في القصة المعروفة في البخاري، فمُعاوية قال لسعد بن أبي وقاص ما يمنعك أن تسب أبا تراب وكلنا نسبه؟ فقال سعد رضوان الله عليه “أما وقد سمعتُ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول فيه ثلاثاً فلن أسبه، لأن تكون لي واحدة منها أحبُ إلىَ من حُمر النعم”، ولن أذكر لكم الثلاثة لأن الوقت قصير، لكن في صحيح مسلم وفي سُنن ابن ماجه بسند صحيح – آخر مَن صحَّحه أيضاً العلَّامة الشيخ الألباني رحمة الله عليه وقال هذا حديثٌ صحيح – أن مُعاوية قدم المدينة في بعض حجاته فذُكِرَ عليٌّ فنال منه – أي أن مُعاوية جعل يسب في الإمام عليّ وهو مُتوفى، والإمام عليّ هو مَن هو، أخو رسول الله وزوج فاطمة الزهراء وأبو الحسنين – عليه السلام – الذي حُبه إيمان وبُغضه نفاق كما في صحيح مسلم، لكن مُعاوية كان يسب ميتاً، فانظروا إلى حجم هذه الأحقاد الأموية وهذه الشخصيات الهزيلة والضعيفة – فقال له سعد بعد أن أمره بسبه: كيف أسبُ رجلاً سمعتُ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول فيه ثلاثاً، ثم ذكر ثلاثاً، علماً بأن هناك واحدة تختلف عن الثلاثة التي في صحيح مسلم،قال سعد “قال له – وقد خلَّفه في الناس في معركة – أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي؟”، فهذا هو عليّ إذن، وعند ابن ماجه وفي مسلم وفي البخاري “لأُعطين الراية غداً رجلاً يُحِب الله ورسوله ويُحِبه الله ورسوله”، وعمر يقول “ما أحببتُ الإمارة – أي العمل والولاية – إلا يوم إذ”.
فهذه شهادة أن الله يُحِبه ورسول الله يُحِبه، وأنت تلعنه يا مُعاوية على المنابر وتجعل منبر رسول الله لسب أبي الحسنين، لسب صهر رسول الله، لسب الإمام العظيم الكريم العادل المُقسِط الوفي للإسلام، لسب ابن الإسلام الذي لم يعرف من يومه إلا التوحيد وإلا الإسلام لأنه أول صبي أسلم، فالإمام عليّ أسلم صبياً دون البلوغ، ولم يسجد لصنمٍ قط ولم يتحس قطرة خمر، وأما مُعاوية فكان يشرب الخمر حتى وهو خليفة، ومن ثم علينا أن ننتبه إلى هذا، وأنا أعلم أن أبدانكم سوف تقشعر ولكن لابد أن أقول الحقائق حتى تتكلَّم الناس بعلم، قال الإمام أحمد رضوان الله عليه: إذا سكت الجاهل بجهل – فالجاهل لا يتكلَّم لأنه جاهل – وسكت العالم تقيةً – لأنه خائف، كأن يخاف من الناس ومن التُهم التي ستُوجَّه إليه – فكيف يتبيِّن الحق؟!
لا يُوجَد تقية في العلم، وعلى الأقل أنا هكذا، فليس من سُنتي ولا من طريقتي أن يُوجَد لدي تقية في العلم يغضب مَن يغضب ويرضى مَن يرضى، لكن أكثر شيئ عندي هو أن تأتي وتُناقِشني، تعال وناقش إذن ولا تسب في ظهري وإلا سوف أُحكَّم في حسناتك إن شاء الله، فهناك العلم والنقاش العلمي يا حبيبي!
وقد روى الإمام أحمد – علماً بأنه قال الإمام الهيثمي في مجمع الزوائد رجاله رجال الصحيح، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط رحمة الله عليه حديثٌ حسن – عن عبد الله بن بُريدة – صحابي – أنه قال “دخلت أنا وأبي على مُعاوية بن أبي سفيان – أي في دمشق – فأجلسنا على الفرش ثم أوتينا بالطعام فأصبنا منه أو قال أكلنا ثم أوتينا بالشراب – أي بالخمر – فشرب مُعاوية وناول أبي – أي أبوه – فقال ما شربته مُنذ حرَّمه رسول الله”، أي أنه لا يشرب هذا لأن النبي حرَّمه، لكن مُعاوية كان يشرب ولم يكن لديه أي مُشكِلة في هذا، فالرجل يشرب لأن الإيمان في قلبه ضعيف جداً جداً جداً، وسوف ترون الآن في بقية الخُطبة كيف أن هذا الرجل غيَّر الشريعة وكيف أنه غيَّر الدين، فالأمر لم يتوقَّف فقط على الحكم الاستبدادي والملك العضوض، لكن الشريعة تغيَّرت والدين تغيَّر في زمان مُعاوية أيضاً، ومع ذلك يستنكرون أن نتحدَّث عن مُعاوية ويقولون أنه صحابي جليل، وكأن الصحابي معصوم، فما معنى صحابي جليل إذن؟ الصحابي الجليل لا يكون جليلاً إلا بالاستقامة وذلك إذا عايرناه على الكتاب والسُنة وعلى الدين، فلا تُوجَد أيعصمة لأحد يا حبيبي.
روى أبو داود – علماً بأن الحديث صحيح، صحَّحه الشيخ الألباني في صحيح أبي داود، ورواه صاحب سير أعلام النبلاء الإمام الذهبي رحمة الله عليه في سير أعلام النبلاء، ومن ثم يُمكِنكم الرجوع إليه – أن المقدام بن معدي كرب وابن الأسود – عمر بن الأسود – ورجل من أسد – رجل له صُحبة من قبيلة أسد – قدموا ثلاثتهم على مُعاوية في الشام، فقال مُعاوية للمقدام بن معدي كرب “تُوفيَ الحسن بن عليّ عليه السلام”، وقبل أن أُكمِل الحديث أُحِب أن أُشير إلى أنكم تعلمون كيف تُوفيَ الحسن طبعاً، فمُعاوية كان كتب كتاباً لأنه يُريد السُلطة، وكان الحسن هو الخليفة بعد أبيه لمدة ستة أشهر فقط، فالخليفة الراشد الخامس إذن هو الحسن بن عليّ، أما عمر بن عبد العزيز فهو الخليفة الراشد السادس، وعلى كل حال تكرَّر نفس الشيئ وأراد مُعاوية مرة أُخرى أن يُقاتِله وأن يُقاتِل أهل العراق ومَن معهم بجيوش أهل الشام بمَن فيهم وأن يموت مئات الألوف في المعركة لكي يبقى هو الخليفة، لكن الحسن رفض هذا وقال لا أُريد الخلافة وسأحقن دماء المسلمين – وستعلمون أنه حقن أعراضهم أيضاً لأن مُعاوية كان هتَّاكاً للأعراض، وسأذكر هذا الآن بالدليل لأن هناك كوارث كثيرة – ولكن بشروط، في رأس هذه الشروط أن يجعل مُعاوية الخلافة بعده لمَن؟ للحسن أبي محمد – عليه السلام – ابن عليّ وابن فاطمة الزهراء عليهم السلام أجمعين، فإذا بالحسن – ما شاء الله – وقد اقترب من الموعد يُقتَل بالسُم، تسمه زوجته الملعونة جعدة بنت الأشعس بن قيس لعنة الله عليها، فمَن الذي دفع لها؟ مَن الذي وعدها؟ وبماذا وعدها؟ اقرأوا التاريخ إذن، علماً بأن ليس الحسن وحده هو الذي مات مسموما، فعبد الرحمن بن خالد بن الوليد مات مسموماً، والأشتر في مصر مات مسموماً، فكلهم ماتوا بالسُم، وهذا كان أسلوباً جديداً في الاغتيال، فأول مَن شرع الاغتيال السياسي في الإسلام هو مُعاوية بن أبي سفيان، واقرأوا التاريخ لكي تعلَّموا هذا.
فمُعاوية إذن كان سعيداً بموت الحسن، فقال للمقدام بن معدي كرب “تُوفيَ الحسن بن عليّ عليه السلام”، فقال المقدام “إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ ۩”، أي أن الرجل حزن واسترجع لأن هذه مُصيبة، فقال مُعاوية: أتراها مُصيبة؟!
أي أنه يستنكر حزنه على موته الحسن ويقول له هل أنت ترى موته مُصيبة؟ وطبعاً هذه مُصيبة يا مُعاوية، وأُقسِم بالله أن حياتك مُصيبة وموتك نعمة، وحياة الحسن نعمة وموته من أكبر المصائب، فهذا الذي ندين الله به، وهذا الذي نعيش ونموت عليه.
فقال له الصحابي الجليل المقدام بن معدي كرب: كيف لا أراها مُصيبة وقد رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يضع الحسن في حجره ويقول حسنٌ مني وحُسينٌ من عليّ؟!
ومعنى قوله “حسن مني” أي أنه يُشبِّهه، وفعلاً كان أشبه الناس برسول الله خلقاً وخُلقاً، فشكله وجسمه وصدره وكله مثل النبي فهو ابنه، وابنه هذا سيد، وهو سيد شهداء وشباب أهل الجنة مع أخيه الحسين عليهما السلام، فاللهم شفِّعهما فينا واحشرنا في زمرتهم بحق لا إله إلا الله.
فهذا هو إذن، لذا قال له المقدام بن معدي كرب أن هذه مُصيبة طبعاً فكيف لا تكون مُصيبة والمُتوفى هو الحسن؟ فالتفت مُعاوية إلى الأسدي – صحابي من بني أسد – وقال له فما تقول أنت يا أسدي؟ قال “جمرة أطفأت”، أي أنه نافقه وقال أنه مُجرَّد جمرة وأُطفئت، فقام المقدام رضيَ الله عنه وأرضاه – لأنه كان غضباناً من الوضع كله، علماً بأن الحديث عند أبي داود وصحَّحه الشيخ الألباني، وأقول هذا لإخواننا من السفليين لكي ليتعلَّموا ويقرأوا دون أن يسبوا، فالحديث صحَّحه الألباني، وهو في صحيح أبي داود ومطبوع في الخليج العربي – وقال: أُنشِدك الله يا مُعاوية – أي سألتك بالله – أما سمعت رسول الله – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – ينهى عن لبس الذهب والحرير وعن جلود السباعِ والركوبِ عليها؟ فقال له “اللهم بلى، سمعته”، قال “فإني أُشهِد الله أني رأيت هذا كله في بيتك”، أي أنه يقول له أنت تلبس الحرير والذهب – ما شاء الله – مع رجالك وخدمك الذكور، وتجلسون على جلود السباع وتُحادون الله ورسوله في شرعه بشكل واضح فاقع يا مُعاوية، فأنا أشهد عليك بالله أنني رأيت هذا كله بعيني في بيتك أو في قصرك، ذلك القصر العظيم – قصر الخضراء – الذي استثار حمية أبي ذر- لأن هذا القصر بملايين في حين أن الناس كانت لا تجد ما تأكله، ومع ذلك هم يُقطِّعون أيديهم بإسم تطبيق الشريعة – وقال له يا مُعاوية من أين لك هذا؟ إن بنيته من مالك فهو إسراف والله لا يحب المُسرِفين، وإن بنيته من أموال المسلمين فهى خيانة ولعنة الله على الخائنين، فغضب مُعاوية وقال أن الرجل الذي يُدعى بأبي ذر سوف يُجنِّنهم وبعث إلى سيدنا عثمان لكي يأخذه عنده، فأخذه وقال له يا أبا ذر اذهب إلى الربذة – في الصحراء – وامكث هناك حتى تموت لأن هذا هو أفضل شيئ لك، فقال له سوف اذهب لأنك أميري، أي أن المسكين استجاب لعثمان وعاش وحده منفياً ومات أيضاً وحده، يقول عليه السلام “ويُبعَث يوم القيامة أمةً وحده”، لأنه كان قوَّالاً بالحق، لم يُجامِل مُعاوية كما نُجامِل نحن مشائخ اليوم، فهؤلاء المشائخ يُنافِقون التاريخ ويُنافِقون الجثث في القبور، وهذا شيئ عجيب، لكن أبو ذر لا يُنافِق أحداً، ولذلك قال لمُعاوية أنت يا إما خائن أو مُسرِف، وطبعاً واضح أن هذه كانت خيانة، وإلا مِن أين كل هذه الأمول؟ من أين أتى بكل هذه الأموال يا حبيبي وهو مُجرَّد والٍ كان عنده مُرتَّب لكنه – ما شاء الله – انبعق في الدنيا بعد ذلك؟
سوف ترون مِن أين أتى بهذه الأموال على ألسنة مُؤرِّخي بني أمية مثل ابن عساكر وابن كثير، فلن أتحدَّث عن أبي جعفر بن جرير الطبري لأن الطبري ليس من أولياء بني أمية، ولكن سأتحدَّث عن ما أتى من مُؤرِّخي الأمويين مثل ابن كثير وابن عساكر – رضيَ الله عنهما – لكي نرى من أين أتى مُعاوية بهذه الأموال الطائلة وبهذه الملايين المُملّيَنة، ولك أن تتخيَّل هذا.
قال مُعاوية للمقدام “قد علمت أني لا أنجو منك اليوم”، أي أنه يعلم أنه سوف يُنكِّد عليه حياته وسوف يقول الحق، علماً بأن مُعاوية كان يستحل الربا الذي حرَّمه رسول الله، فاستحل ربا الفضل وكان بيبع الذهب بالذهب والفضة بالفضة بغير الشروط الشرعية، فربا الفضل حرَّمه الصحابة لكن هو كان يستحله وكان يأخذ به،وفي صحيح مسلم أن عُبادة بن الصامت نازعه في هذا وهجره وخاصمه، وقال له كيف تستحل الربا يا مُعاوية؟ لكنه قال له أنه فعل هذا للربح لأن هذا عنده حلال، ولم يعبأ بأن رسول الله قد حرَّمه واستحله دون أي مُشكِلة لأنه أنكر الحديث وقال عندي حلال، علماً بأن الأمر لا يقتصر على عُبادة فقط بل أن عشرات الصحابة يروون هذا الحديث عن رسول الله، ومع ذلك قال مُعاوية بكل بساطة لا سمعنا به ولا نعرفه.
ولذلك نقل الإمام عبد الله بن وهب – الإمام المالكي الجليل – عن شيخه وأستاذه الإمام مالك بن أنس رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه – الإمام الرابع في الإسلام – أنه تحدَّث عن الأرض التي يُفعَل فيها السوء – والعياذ بالله – والمُحرَّمات ويُجاهَر فيها بالفعل المُحرَم قائلاً أنها تُترَك وتُعتزَل ويُتنحَّى عنها، أي لابد أن تُهاجِر منها، ثم ققال ابن وهب “واستدل الإمام مالك – رضيَ الله عنه وأرضاه – بصنيع أبي الدرداء لما هجر بلاد مُعاوية حين عمل بالربا”، فمالك كان يعرف هذا، والأمة كلها تعرف هذا، وليس فقط الإمام مسلم في صحيحه، بل أن الإمام مالك قبل مسلم كان يعرف هذا، فمُعاوية كان يتعامل بالربا،ولذلك الصحابة غضبوا جداً ومنهم عُبادة بن الصامت وأبو الدرداء فقال له “والله يا مُعاوية لا أُساكِنك في أرضٍ أبداً” لأنه كان يأخذ بالربا الذي حرَّمه رسول الله!
عند الإمام أحمد – وإسناده قابل للتحسين وبعضهم حسَّنه – أن مُعاوية كان يُتاجِر بالخمور وأصنام الهندوس والبوذيين، فكان يُتاجِر في قطارات وقوافل كبيرة منها ويربح، أي أنه تاجر في الأصنام المُحرَّمة وفي الخمور من أجل الربح، ويُعتقَد أن عُبادة أو أبا الدرداء حين رأى هذه الخمور جُنَ وقال ما هذا؟ فقالوا لمُعاوية، فأخذ سكيناً فبقرها كلها لأن هذا لا ينبغي أن يكون في أرض الإسلام وفي بلاد الإسلام!
يقول الإمام الحافظ ابن كثير – رضوان الله تعالى عليه – في البداية والنهاية “وكانت الدية – أي دية المُعاهَد، علماً بأنه يجوز أن يُقال مُعاهَد أو مُعاهِد – في زمن الخلفاء الراشدين – في الزمن كله قبل مُعاوية – كانت على السواء مع دية المسلم – أي أن دية المُعاهَد مثل دية المسلم – فجعلها مُعاوية على النصف من دية المسلم وأخذ النصف له”، وابن كثير – رحمة الله عليه – مُؤرِّخ أموي ويُحِب بني أمية جداً جداً جداً ويُحاوِل أن يلتمس لهم المعاذير ويُدافِع عنهم، أي أن ابن كثير غير مُتهَم مثل الطبري، ومع ذلك يقول “فجعلها مُعاوية على النصف من دية المسلم وأخذ النصف له”، أي أنه أخذ الأموال لنفسه لذا لا تعجبوا اليوم من وجود حسني مُبارَك والقذَّافي وزين العابدين وبقية هؤلاء، فمُعاوية فعل نفس الشيئ من قديم في البداية.
نأتي إلى ابن كثير كرةً أخرى وإلى ابن عساكر وإلى سائر المُؤرِّخين، فمُعاوية كان يُخالِف الله ورسوله في قسمة الغنائم – غنائم الحرب – لأن القسمة المعروفة هى قسمة التخميس، أي أربعة أخماس للجُند، وخُمس يُخمَّس مرةً أخرى على ما في سورة الفرقان، وهذا معروف ومن ثم فالأمة طبقٌ واحد على هذه السُنة والطريقة والخُطة، لكن جاء مُعاوية وكسر هذه الخُطة الإلهية المُصطفوية، فماذا فعل؟!
أمر بأن يُستصفى له الذهب والفضة، فقبل أن تُوزَّع الغنائم يتم البحث عن الذهب والفضة والأشياء الكريمة لكي يُؤخَذ كل هذا له، لأنه جعل كل هذه الأشياء لنفسه، ثم بعد ذلك يتم التوزيع والتخميس.
الله أكبر يا أخي، من أين لك هذا يا مُعاوية؟ ما هذه التصرّفات؟ ومن هنا نعرف من أين أتى بكل هذه الملايين التي كوَّنها وراكمها، وهذا يقوله ابن كثير وابن عساكر، وهما مُؤرِّخان من أولياء بني أمية.
علماً بأن هذا إسمه الصفي، فاحفظوا هذا الإسم جيداً، بمعنى أنه كان يُستخلَص ويُستصفى كل قطعة ذهب وفضة وما إلى هنالك لكي تُجعَل في حُصة مُعاوية، فهذه كانت سُنة مُعاوية أموية خلافاً لما سن الله ورسوله والراشدون رضيَ الله عنهم وأرضاهم أجمعين، إذن هذه هى طريقة مُعاوية.
والأكثر من هذا والأسوأ من هذا أن مُعاوية بن أبي سُفيان جعل الرجل المُجرِم الذي يُسمى بزياد بن أبيه – لعنة الله عليه – أخاً له، وهذا أغضب الصحابة جداً، علماً بأنني أقول لعنة الله عليه، فأنا أقول لعنة الله على زياد وعلى ابن زياد لأنهم قتلة المُؤمِنين والصلحاء، فابنه هو الذي في وقته قُتِل الحسين أبو عبد الله، أما هو فالآن يأتيكم طرف منه، وعلى كل حال هو إسمه زياد بن أبيه، وكان يُسمى أيضاً بزياد ابن سُمية، لأن من المعروف أن أمه هى سُمية لكن الله أعلم مَن هو أبوه.
جاء مُعاوية بشهود – وهذه كارثة أغضبت الصحابة جداً والتابعين – يشهدون أن أبا سفيان زنى بسُمية، أي أنه يُشهِد على أبيه بالزنا، وطبعاً من الواضح والمُقرَّر أن أبا سفيان زنى بها ولكن كيف تشهد يا رجل على أبيك وهو ميت وقد أسلم بأنه زنى بها؟ لماذا تشهد بهذا؟
على كل حال هو زنى بها، فقال مُعاوية “إذن يُصبِح زياد ابناً لأبي سفيان”، وهذا غير صحيح، فلا يُمكِن أن يُصبِح ابناً له، لأن الأمة مُجمِعة على أن الولد – أي الشرعي – للفراش – فإذا وُجِدَ عقد شرعي وتخلَّقت نُطفة يكون الولد الشرعي فعلاً لصاحب الفراش – وللعاهر الحجر، وهذا حديثٌ صحيح والأمة أجمعت على حُكمه، فالزاني ليس له ولد وإنما يُرجَم بالحجر!
لكن جاء مُعاوية وقال هذا الزياد بن أبي سفيان هو أخي، فغضبت الأمة جداً، ما هذا اللعب بالدين؟ كيف تستلحق زياداً ضد شرع الله يا أخي؟ هذا لا يجوز، علماً بأن أم المُؤمِنين أم حبيبة – رضوان الله تعالى – زوجة الرسول وأخت مُعاوية لا تعتد به أخاً وتقول هذا ليس أخي لأنه ابن زنا، فحتى لو أبي زنى بأمه فهو لا يُعتبَر أخاً لي، والنبي قال وللعاهر الحجر، وبالتالي لا يُوجَد نسب يُثبِته الزنا والعياذ بالله، فإذا فعلت عكس هذا ستُساعِد الناس على الزنا لأن على الأقل سوف يثبت النسب، لكن لا يُوجَد نسب يُثبِته الزنا، ولذلك أم المُؤمِنين أم حبيبة كانت تحتجب منه وتقول أنها لا تعترف به أخاً لها، لكن مُعاوية جعله أخاه، ولكن هل تعرفون لماذا جعله أخاً له؟!
لأنه وطَّد الأمور لمُعاوية وذبح الأمة من أجل مُلكه، علماً بأن هذا الزياد كان والياً على البصرة، والبصرة كانه هواها أموياً طبعاً وكان فيها فساد رهيب، والكوفة كان هواها علوياً شيعياً، فجمع له مُعاوية الكوفة أيضاً وقال له خُذها لك، فأخذها واعتلى المنبر في أول يوم وقال أيها الناس … فقام له ناس من شيعة عليّ وحصبوه بالحجارة لكي يُسكِتوه حتى لا يُكمِل كلامه لأنه كان يسب عليّاً، وهذه كانت عادة عندهم، فكانوا أول ما يتكلَّمون يسبون عليّاً ويقولون عنه أنه كذا وكذا، ولذلك حصبوا زياد بن أبيه بالحجارة، فأمر حرسه أن يسدوا أبواب المسجد وقُبِض عليهم – قيل أنهم كانوا بين الثلاثين والثمانين، فلم يكونوا ثلاثة أو أربعة رجال كما قد يتوهَّم البعض – وقُطِعَت أيديهم مُباشَرةً بدون محكمة أو قضاء أو مُحاماة أو استئناف أو أي شيئ، وإنما قُطِعَت أيديهم بأمر إداري من حاكم ظالم، فكيف يحدث هذا؟ كيف عرفت يا أخي أنهم يستحقون هذا؟ أين الشهود؟ أين الإثباتات؟ بعضهم ظُلِموا لأن هناك مَن لم يحصبك فيهم، فقد يكون مَن حصبك رجل أو رجلان أو ثلاثة رجال فقط، وحتى وإن حصبوك جميعاً هل تُقطَع أيديهم؟ أين هذا في شرع الله يا أخي؟
لكن هذا الأمر لم يُحرِّك شعرة في جفن مُعاوية واعتبره أمراً عادياً لا مُشكِلة فيه، بل أن في مرة من المرات كان هذا اللعين – زياد بن أبيه أو ابن سُمية – يسب عليّاً على المنبر بعد أن أخَّر الخُطبة واقترب دخول وقت العصر فقام له صحابي من خيرة الصحابة الأجلاء العُبَّاد الأتقياء العُرفاء وهو حجر بن عدي – هذا الصحابي إسمه راهب أصحاب محمد – وحصبه بالحجارة وقال له: الوقت لا ينتظرك، كيف تسب عليّاً؟ فأُخِذَ هو وجماعة – أُخِذَ مع اثني عشر من أصحابه – وحُمِلوا إلى مُعاوية، وبدأت الأمة تسمع بما حدث لحجر وأصحابه، فكتبت أم المُؤمِنين عائشة – رضوان الله عليها – لمُعاوية أن خلوا عن حجر وأصحاب حجر، كأنها تقول له إياك وهذا الرجل، عليك أن تنتبه لأن هذا حجر، وهو كان إنساناً عظيماً ومحبوباً عند الله، لأنه مُؤمِن تقي وعالم وعابد وقارئ للقرآن الكريم، لكن مُعاوية لم يأبه به وأتى به مع جماعته وقال للجلَّادين أن يُخبِروه برسالته، فقالوا له “نحن أُمِرنا أن نُخيِّرك إن سببت عليّاً ولعنته وتبرَّأت منه سرَّحناك وإلا قتلناك”، فقال هو وأصحابه “لسنا بفاعلين ذلك”، فحاشا لله أن يسبوا عليّاً فيدخلوا بعد ذلك جهنم على الرغم من أن عندهم رُخصة شرعية، فحجر مُكره وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ ۩ ومع ذلك رفض وقال “ما كنت لأقول ما يُسخِط الرب تعالى”، أي أن الله سوف يسخط علىّ إن سببت عليّاً، وبالتالي أنا لا أسب عليّاً، لا أسب الأمام الزاهد الورع الذي عاش ومات زاهداً ورعاً، فلا يُمكِن أن أسبه من أجل بني أمية الذين أكلوا الأمة وذبحوها.
إذن هو رفض أن يفعل هذا، فقُتِلوا سبعة منهم ومنهم حجر، وقال حجر “لا تفكوا عني قيداً ولا تغسلوا عني دماً فإني أُبعَث يوم القيامة مُخاصِماً لمُعاوية”، أي اتركوني كما أنا لأنني سوف أُخاصِم مُعاوية عند رب العالمين – يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ۩- في يومٍ عظيم مهيب.
وترك مُعاوية واحداً منهم – عبد الرحمن بن حسان – لكي يُرسِله إلى زياد، وقال له “اقتله شر قتلة”، فدفنه حياً!
هؤلاء هم بنو أمية ما شاء الله عليهم ورضيَ الله عنهم وأرضاهم الذين فتحوا الفتوحات وما إلى هنالك، علماً بأن هناك الكثير من الأشياء التي لم نقلها لأننا ما زلنا في البداية للأسف الشديد، فنحن لم نقل شيئاً!
التقت عائشة مرةً بمُعاوية وقالت له: ما فعلت يا حجر بمُعاوية؟ أما خشيت الله في حجر بن عدي؟ أي أنها تستنكر أنه قتله، ففقال لها “دعيني يا أماه أختصم أنا وحجر عند رب العالمين”، فقال واليه زياد الحارثي – كان والياً لمُعاوية على خرسان – حين سمع كلام عائشة “اللهم إن كان لزياد عندك خير فاقبضه وعجِّل”، أي أنه يقول لا أُريد أن أبقى والياً للمُجرِم مُعاوية لأن هذا مُصيبة وهو لا يأتي إلا بالمصائب.
مُعاوية كان يُقتِّل أولياء الله، وهو الذي بعث صحابياً لقتل عمَّاراً بن يسار، فمَن الذي قتل عمَّاراً بن ياسر إذن؟!
الذي قتل عمَّاراً بن ياسر صحابي، وهذا الأمر يجب أن ننتبه إليه، لأنهم يقولون “كل الصحابة مُعظَّمون مُقدَّسون” وهذا غير صحيح، فالذي قتل عمَّاراً بن ياسر صحابي إسمه أبو الغادية الجهني، وهذا كان يتحرَّج أن يشرب الماء في إناء مُفضَّض بالفضة من الورع – ما شاء الله – لكنه لم يتورَّع عن قتل عمَّاراً، والنبي قال “تقتله الفئة الباغية”، وصح عن رسول الله – رواه الطبراني وغيره وصحَّحه الشيخ الألباني في صحيح الجامع الصغير، ويُمكِن أن تعودوا إليه – أنه قال “قاتل عمَّار وسالبه في النار”، فالنبي قال “عمَّار داعية إلى الجنة وأعداؤه دعاة إلى جهنم”، أي مُعاوية وجماعته، فمُعاوية رأس هؤلاء الدعاة إلى النار!
فإذن هذا الصحابي – أبو الغادية – قتل عمَّاراً، وكان بعد ذلك إذا استأذن على مُعاوية ورجال بني أمية يقول “أبو الغادية قاتل عمَّاراً”، فيقولون “أهلاً وسهلاً، تفضَّل” ويُرحِّبون به.
نحن نرى العجائب في تاريخنا، فهذا الرجل حين يستأذن يذكر ممادحه وفضيلته العُظمى، فيقول “أبو الغادية قاتل عمَّاراً”، فهو قتله من أجل أن يحصل على مالاً من بني أمية في حين أن النبي قال “قاتل عمَّار وسالبه في النار”، فكلاهما في النار يا أبا الغادية.
ومُعاوية يبعث صحابياً آخر – ما شاء الله – إسمه بسر بن أبي أرطأة لكي يستخلص له الحجاز من الإمام عليّ وولاته وكذلك لكي يستخلص له اليمن لأنها كانت في ولاية الإمام عليّ أيضاً، فيأتي إلى اليمن ويبحث عن والي عليّ على اليمن وهو عُبيد الله بن عباس لكنه لم يكن موجوداً لأنه كان خائفاً وكان هو وجُنده قلة، فأتى الصحابي بسر إلى بيته ووجد ولدين صغيرين له – أحدهما كان عمره خمس سنوات والآخر كان عمره ست سنوات وشهور – فذبحهما بالسكين أمام أمهمها.
هؤلاء كانوا برابرة، فالقذَّافي الموجود الآن لم يكن أول مَن يفعل هذا وهو ليس آخر مَن يفعله، هذا من من المُتأخِّرين – والعياذ بالله – فقط، ولكن الأوائل هم مُعاوية وجماعة مُعاوية.
كل المُؤرِّخون – مثل ابن كثير والطبري وابن الأثير – يقولون “ذبح الطفلين أمام أمهمها فذهب عقلها وظلت مجنونة”، ومع ذلك يقولون هذا صحابي جليل يا أخي، رضيَ الله عنه وأرضاه يا حبيبي، ومُعاوية أيضاً رضيَ الله عنه وأرضاه.
لكن مُعاوية لا يكتفي بهذا، فبعد ذلك بعثه إلى همدان – بلدة مشهورة جداً وكانت أيضاً تحت ولاية الإمام عليّ، لأن الأمة كلها كانت مع عليّ – وقال له ” اذهب إلى همدان واستخلصها لي”، فهل تعرفون ماذا فعل؟!
بعد أن وضع السيف في الناس وفعل ما فعل سبى المسلمات، قال الإمام ابن عبد البر في الاستيعاب “وكانت أول مرة في تاريخ الإسلام يسبي فيها المسلمون المسلمات”، فالمسلمة كانت تُؤخَذ سبية وجارية، وكانت تُنكَح بملك اليمين وتُباع كجارية رغم أنها كانت حُرة، لكنها كانت تُباع على حسب ضخامة عظم ساقها وذلك بعد أن يُكشَف عنها، وهذا – والله – شيئ لا يُصدَّق، وأُقسِم بالله على هذا، لذلك قلت لكم حين تقرأون هذا – والله – سوف تُجنّون.
اقرأوا وتعلَّموا، اقرأوا الأحاديث والتواريخ، اقرأوا الكتب الصحاح والأحاديث الصحيحة لكي تعلموا تاريخكم ولكي تروا من أين بدأت المُشكِلة، علينا أن نفعل هذا إذن لكي نُحاوِل أن نتخفَّف من هذه العقلية المُجرثَّمة المُسمَّمة، وهى عقلية تقديس المُدنَّسين وليس المُقدَّسين، فنبدأ ننتقد بحرية ونتكلَّم بحرية، ومن ثم يبدأ يتمحَّض ولاؤنا للمبادئ – لمباديء الكتاب والسُنة – وليس للأشخاص، ليس لفلان وعلان.
وأنا أقول لكم أن مَن يتسع ضميره ويتسع عقله الصغير لأن يُوالي مُعاوية وأمثال مُعاوية من ظلمة بني أمية وظلمة بني العباس وغيرهم هو – أُقسِم بالله – الذي يتسع ضميره وينداح عقله لكي يُوالي مُبارَك والقذَّافي وأمثال هؤلاء، فنفس الشيئ ونفس المنطق يتكرَّر مرة أُخرى، ومن هنا يقول لك “هذا والٍ أو هذا رئيس ومن ثم عليك أن تُطيعه، فالله هو الذي ملَّكه الله أمرنا وقال أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ۩”، وهذا غير صحيح.
أدركنا الوقت، لكن هل تعرفون ماذا يُفعَل بمَن كفر بكل هذا الظلم؟ هل تعرفون ماذا فعل يزيد بن مُعاوية بعد ذلك؟ هل تعرفون ماذا فعل عبد الملك؟ هل تعرفون ماذا فعل أبوهم وجدهم مروان؟ هل تعرفون ماذا فعل كل هؤلاء؟
في يوم من الأيام وقف عمر بن عبد العزيز – قدَّس الله سره ورضوان الله عليه – مرة – علماً بأن هذا هو صالح بني أمية الوحيد مع مُعاوية الثاني بن يزيد رضيَ الله تعالى عنه أيضاً الذي أستقال من منصبه – في زمن الوليد بن عبد الملك وصرخ قائلاً بعد أن جُنَّ جنونه من الذي يحصل “الله أكبر،الحجّاج بالعراق، والوليد بالشام، وقرة بن شريك بمصر، وعثمان بن حيّان بالمدينة، وخالد بن عبد الله القسري بمكة، قد عمَّ الظلم، اللهم فأرح الناس”، فهؤلاء كانوا قتلة ومُجرِمين مثل القذَّافي اليوم، فماذا ماذا أُحدِّثكم عن الحجّاج بن يوسف الثقفي لعنة الله عليه؟ أنا ألعنه وأقول لعنة الله عليه، لكن طبعاً يُوجَد اليوم عدد من إخواننا يسمون أنفسهم بالسلفيين قاموا بتأليف كتاب “بطل الإسلام الحجّاج بن يوسف رضيَ الله عنه”، وهذا شيئ – أُقسِم بالله – لا يُصدَّق، فما الذي حدث ويحدث إذن؟ هذا نفس الشيئ، هذا نفس الجنون ونفس الميكروب Microbe الجرثومي اللعين!
الحجّاج وجدوا في سجنه ثمانين ألف جثة مُتعفِّنة قد مات أصحابها بغير مُحاكَمات، ثمانون ألف جثة عُثِرَ عليها، وهذا يعني أن القذَّافي وزين العابدين وحسني مُبارَك رحمة إذن، فلم يحدث أن عُثِرَ على مثل هذه الأعداد اليوم، فنقول عن حسني مُبارَك إذن رضيَ الله عنه، أي أننا سوف نترضى عليه في نهاية المطاف بعد أن نعلم أن الحجّاج قتل في حياته فقط بغير مُحاكَمات مائة وعشرة آلاف ظلماً.
الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود الذي قال عنه النبي “خُذوا القرآن عن ابن أم عبد” قال عنه الحجاج “عبد الله بن مسعود رأس المُنافِقين، فلو أدركته حياً لأسقيت الأرض من دمه”، أي أنه يأسف على أنه لم يُدرِكه حياً لأنه مات في زمن عثمان.
فلعنة الله عليك يا حجّاج ولعنة الله عليك وعلى مَن ولَّاك، كيف تسب صاحب رسول الله ورباني هذه الأمة الذي قال فيه النبي خُذوا القرآن عن ابن أم عبد؟!
لكن الأمر لم يقتصر على هذا فحسب، فالحجّاج كان يقول “ألا لا يقرأن أحد – أي القرآن – بقراءة أو قال بحرف ابن أم عبد ، ولأحكنها من المُصحَف ولو بضلع خنزير”، فهذا هو الحجّاج، هذا المُجرِم القاتل هو بطل الإسلام وبطل الأمويين في نظرهم، وهو الذي أخذ الصحابيين الجليليين أنس بن مالك وسهل بن سعد الساعدي بعدما رفضا أن يُنافِقاه فختمهما في رقبتيهما مثل الحيوانات لأنهما تمردا عليه عندما لم يُحِبا أن يسكتا عن جرائمه، ولك أن تتخيَّل أن الصحابي الجليل أنس بن مالك يُختَم في رقبته من شدة الظلم.
للأسف أدركنا الوقت ونحن ما زلنا في البداية!
نسأل الله – تبارك وتعالى – أن يمنّ علينا بأن يُرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، وأن يُرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتناباه، وأن يُحيينا ما أحيانا على الحق ومُشايعة أهله وأعوانه وزمرته والبراءة من الظلم والطغيان وشيعته. اللهم آمين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
(انتهت الخُطبة بحمد الله)
أضف تعليق