ابتلي العرب والمسلمون بمؤسسة سياسية اتخذت الاستبداد احترافا، كما ابتليوا بمؤسسة دينية حولت التخلف والتطرف إلى ‘صناعة’ راسخة في الثقافة المعاصرة عربيا وإسلاميا.
انتشر مقطع مرئي للمفكر الإسلامي البارز عدنان إبراهيم يقول فيه: “حسبنا الله ونعم الوكيل في علمائنا الذين بثّوا ثقافة الكراهية التي يجب أن نسميها فقه الإجرام. للأسف، ديننا مختطف من المتنطعين. لقد كرّهونا في البشرية، وكرّهوا البشرية فينا. ما هذا الذي نرى؟ رؤوس تقطع وقلوب تمضغ باسم دين الرحمة!”.
للأسف، أصبح الانتماء للإسلام في عالم اليوم مدعاة للخجل من أفعال بعض المسلمين، والمطلوب أن يظل المرء في حالة دائمة من الدفاع عن النفس عاري الحجة، فأي حجة ستصمد أمام جرائم داعش والقاعدة وتصفيق البعض لها؟
وأي حجة ستصمد أمام سيل الأخبار التي تتحدث عن استباحة المسلمين لبعضهم ولغيرهم؟
أي حجة ستصمد أمام الخطاب الطائفي والعنصري الذي يروجه بعض العلماء ضد الآخر؟
وأي حجة ستصمد أمام النفايات التراثية التي تكرس المجازر والإقصاء مفخرتين للرجال؟
أي حجة ستصمد أمام تحويل بعض الساسة للدين لعبة في أيديهم، استعبادا للناس مع مساندة وعاظ يشرعون الاستبداد، في مقابل الوصاية على المواطنين والتعلق بأعتاب السلطة كالطفيليات؟
أن تكون مسلما اليوم، يعني أن تواجه أزمتين وجوديتين: أزمة في العلاقة مع الذات ومع الآخر، أزمة في العلاقة مع الله ومع الحاكم. أزمة الذات والآخر مردها أن نظرة المسلم لذاته قائمة على معاداة الآخر، ويزداد شعوره بذاته كلما ارتفعت وتيرة الصراع. وأزمة النظرة إلى الله وإلى الحاكم مردها نظرته إلى الحاكم كإله صغير، ونظرته لربه كحاكم مستبد.
لا لوم على الإسلام نفسه في هذه الأزمات، لكنها الخطاب الديني السائد -الذي انتهى إليه المسلمون- مريض بعلل جوهرية: صحراوية الخطاب في مواجهة المدنية، أحادية الخطاب في مواجهة التنوع، ذكورية الخطاب في مواجهة الإنسانية قبل الأنثوية، تسلطية الخطاب في مواجهة المحكومين، وتاريخية الخطاب في مواجهة المنطق قبل الواقعية. وبإمكان المتابع أن يلحظ العلل والأزمات- بيسر- في خطاب السلفية والإسلام السياسي.
قال لي صديقي المسيحي “لماذا كلما حضر الإسلام في مكان حضر معه الاضطراب والدم؟ إنني مؤمن أنه كلما قلّ تمسك المسلمين بدينهم أمكن التعايش معهم. أليس غريبا أن يحتفل بعض المسلمين في مواقع التواصل الاجتماعي بالخطاب الطائفي وبنماذج استبدادية كصدام حسين وبنماذج إجرامية كأسامة بن لادن؟ بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 كانت إدانة بن لادن هي السائدة كما كان الأمر مع صدام بعد احتلال الكويت والخفجي، فكيف تغير الحال؟”.
قلـت له إن مـن يتحـدث عنهـم أقليـة، لكن صوتهم هو الأعلى نبـرة، فأجابني: “أن يكون أمثال هؤلاء هم أصحاب الصوت العالي فتلك مشكلة المشـاكل”. رددت عليه بأن المشكلة تكمن في التخلـف، في العصور الوسطى كان المسيحيـون “المتخلفون” نسخة من مسلمي اليـوم، وكان المسلمون “المتحضرون” نسخـة من مسيحيي اليوم. فأجابني- وهو على حـق- “يجب أن تعترفوا بأننا خرجنا من حفـرة التخلف وأنتم سقطتم فيها، لم يعـد مجـديا أو منطقيـا أن يسير المسلمون في طريق التجديد أو الإصلاح، إنهم بحاجة إلى التغيير والثـورة من الداخل، ولعلهم يبدؤون بالبحث عن تصور سويّ للحياة، قبل التعلق الغيبي بتصور محتمل عن الموت”.
لقد ابتُلي العـرب والمسلمون -إلا من رحم ربي- بمؤسسة سياسية اتخذت الاستبداد احترافا، كما ابتليوا بمؤسسة دينية حولت التخلف والتطرف إلى “صناعة” راسخة في الثقافة المعاصرة عربيا وإسلاميا، فانتهينا بين من يحرّف الدين للوصول إلى السلطة، وبين من يحرفه لاحتكارها.
والعامة الذين هم ضحايا الخطاب السياسي والخطاب الديني يصفقون للجناة ويتباهون بحالهم المزري. نعم إن الإسلام مستهدف، لكنه المؤامرة عليه من أبنائه. نعم إن الإسلام محاصر، لكن حصاره من المسلمين!.
الإسـلام مبتـلى. فهكذا طبقته السياسية، وهذه طبقته الدينية، وهؤلاء عامته، والمجدّدون ملاحقون قتلا أو سجنا باتهامات التكفير والخيانة. لن يفيد اليقين الإسمنتي المتفاخر بحفظ كتاب الله ودينه إلى قيام الساعة، فأي جدوى تلك في أن يُحفظ الدين وينتهي أهله إلى الإبادة أو النبذ، وأي فضيحة تلك التي ستنال المسلمين وكتابهم المصون يشهد عليهم: “وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا” ولا حول ولا قوة إلا بالله.
بالتصرف
أضف تعليق