أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلاَّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلاَّ إِفْكٌ مُّفْتَرًى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ ۩ وَمَا آتَيْنَاهُم مِّن كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِن نَّذِيرٍ ۩ وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ ۩ قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ۩ قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ۩ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ ۩ قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ ۩ قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ ۩ وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ ۩ وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِن مَكَانٍ بَعِيدٍ ۩ وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِن قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ ۩ وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُّرِيبٍ ۩
صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط، آمين اللهم آمين.
الحمد لله رب العالمين، يا رب لك الحمد حمداً كثيراً طيباً مُبارَكاً فيه كما تُحِب وترضى، نعوذ برضاك من سخطك، ونعوذ بمُعافاتك من عقوبتك، ونعوذ بك منك، لا نُحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، ربنا افتح علينا بالحق وأنت خير الفاتحين، اهدنا لما اختُلِف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي مَن تشاء إلى صراطٍ مُستقيم، علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علَّمتنا، وزِدنا علماً. اللهم آمين.
أما بعد، أيها الإخوة الأفاضل:
السلام عليكم جميعاً ورحمة الله تعالى وبركاته، موضوعنا هذه الليلة موضوعٌ يستطيل فيه الكلام، ذو فضول وذيول ومباحث من الصعب أن يُحيط بها المرء في مجلس واحد أو في مجالس عدة أو حتى ربما في كتاب مهما عظم حجم هذا الكتاب، وهذا الموضوع موضوع المهدوية أو دعاوى التمهدي، وهي دعاوى ليست بالقليلة ولا بالمنزورة، ذلكم أن الذين انتحلوا هذه الدعوى بالعشرات، كثيرون جداً! وليسوا دائماً من الأغمار أو الدهماء، أحياناً يكونون من كبار العلماء والصُلّاح والعُبّاد المعروفين بالزهادة وبالصلاح ولهم قدم صدق، انتحلوا هذه الدعوى وتبرهن بالواقع – وقد غبرت عليهم قرون – أنهم لا أقول كانوا كاذبين ولكن لم يكونوا مُحِقين فيما انتحلوا، على أنهم من أهل العلم ومن أهل الصلاح ومن أهل التُقى، ليسوا جميعاً وإنما بعض هؤلاء المُنتِحلين.
وهذه الدعوى ليست الأمة الإسلامية فيها ببدعٍ من الأمم، تقريباً هذه النزعة – نزعة الانتظار ونزعة المُخلِّص المُنتظَر الذي يأتي ويُعفي على آثار الجور والجائرين وآثار الفساد والمُفسِدين ويُحيل الدنيا جنةً يعيش فيها الناس مُتسالِمين مُتصالِحين مُتوادِعين، لا يظلم أحداٌ أحداً ولا يغمط أحدٌ أحداً – نزعة قديمة، عرفتها تقريباً كل الأمم بصيغةٍ أو بأُخرى، وإذا تعلَّق الأمر بالدعوات السماوية على ما يُقال فإن هذه النزعة عُرِفت بالنزعة المشيحانية أو المسيحانية أو المسيانية، المسيا أو المسيح أو المشيح، هي دعوات الانتظار!
بنو إسرائيل – اليهود مثلاً – كانوا ينتظرون عبر القرون وعبر الأعوام هذا المسيح المُخلِّص المُنتظَر، الذي يأتي من نسل داود ويثأر لهم، يثأر لهم من عدوهم، ولما بُعِث المسيح فرحوا به ثم كان منهم معه ما قد تعلمون جميعاً، وإلى اليوم لا يزالون يُعوِّلون على هذا الوهم وعلى هذا الأمل، أن الله لابد مُبتعِثاً فيهم ومنهم هذا المسيح المُخلِّص المُنتظَر، والذي سيثأر لهم من أتباع المسيح عيسى ابن مريم الكذاب المُتشيطن، ابن الشيطان! وفي المُقابِل فالنصارى لا يزالون ينتظرون أن يعود المسيح المُخلِّص ابن الله من جديد، لكي يُخلِّصهم ويثأر لهم، المُسلِمون – سُنتهم وشيعتهم، الإسماعيلية في القديم، الكيسانية، العُبيدية الفاطمية الزنادقة، مُؤسِّسو الدولة الفاطمية، كل تقريباً الشيعة المُتصوِّفة والعُرفاء، كل هؤلاء – ينتظرون مسيحهم المُخلِّص بعنوان المهدي المُنتظَر، هو مسيحهم المُخلِّص! طبعاً نحن جمعنا – ما شاء الله – الأمور والأطايب من أطرافها، فننتظر المسيح المُخلِّص وهو عيسى ابن مريم وننتظر أيضاً المهدي المُخلِّص المُنتظَر، هكذا!
بعض الناس يظن أن هذه المسألة تخضع بدرجة أولى للاستدلال والمُحاجة والبرهنة، وهذا غير صحيح، العوام في كل زمان ومكان يُصدِّقون ما يرغبون في تصديقه، مَن ذا يقول إن هؤلاء الذين شايعوا هؤلاء المُنتظَرين عبر العصور وهم بالعشرات كانوا مُحِقين؟ سأتلو عليكم بعض هؤلاء، في الحقيقة البحث تأدى بي إلى أن أيئسني، توقفت عن الإحصاء، عشرات! كثيرون جداً، فكَّرت بعد ذلك أن أكتب بحثاً مُتخصِّصاً أو كتاباً فقط أُحصي فيه وأُترجِم لهؤلاء الذين انتحلوا دعوى المهدوية، هذا يحتاج إلى كتاب، كتاب كامل! فهم بالعشرات، ولكل منهم قصة ونبأ، طبعاً أشطار منهم – لا أقول شطر منهم وإنما أشطار منهم – بلا شك من المدخولين في عقولهم وفي نفوسهم، من أهل البلبال ومن أهل الاضطراب النفسي والعقلي، هؤلاء كثيرون! في آخر عشرين سنة نستطيع أن نعد منهم العشرات، في مصر بالذات وفي المملكة السعودية وفي العراق وفي غيرهم، في مصر كثيرون جداً جداً الذين ادّعوا المهدوية والنبوة والإلهية أيضاً، وأكثرهم الآن في السجون، قبضت عليهم سُلطات الأمن طبعاً، مُجرَّد هذا القبض تكذيب لهذا الوهم ولهذا الجنون والبلبال، وليسوا دائماً من الأغمار والدهماء، بعضهم لا يُستهان به، هم مُهندِسون ومُحامون وأطباء جرّاحون مُتخصِّصون في النساء والتوليد وفي غير ذلك، لهم مكانة! ولكنهم مُختَلون عقلياً، الناس لا يعرفون هذا، الناس يظنون أن المُختَل عقلياً لابد أن يمشي في الشوارع ويُحدَف بالحجارة وبالطوب، وأن يُجعَل هُزأةً بين الناس، لا! المُختَل عقلياً قد يكون بروفيسوراً Professor كبيراً في الجامعة، قد يكون شيخاً عظيماً، يقف على المنابر ويهدي الناس وهو مُختَل عقلياً، العلماء المُتخصِّصون وفي اللحظة المُناسَبة يكشفون عن أن هذا مُختَل عقلياً، الآن لو جلس منا مائة هنا لابد أن يكون بين هؤلاء المائة آحادٌ مُصابون بانفصام الشخصية، إحصاءات هذه واستقراءات! مسجد يُصلي فيه ألف بلا شك تخرج منه بعشرة أو بعشرين من هؤلاء، عادي! بسهولة وأنت لا تدري، وقد يكون هذا مُدرِّساً وهذا شيخاً وهذا أستاذاً وهذا تاجراً ناجحاً، وهذا المسكين مفصوم!
حدَّثتكم مرة في مُحاضَرتي عن العبقرية والجنون عن أحد كبار علماء النفس الإنجليز، مشهور جداً ومُتخصِّص في مرض الشيزوفرينيا Schizophrenia، في بريطانيا يُسمونه السكيزوفرينيا، في أمريكا يُسمونه الشيزوفرينيا، والشيزوفرينيا Schizophrenia هو الفُصام، مُتخصِّص في هذا! قال كانت الصدمة أنني لم أكتشف أن واحدةً من أقرب الناس إلىّ وأمس الناس رحماً بي وهي ابنة عمي – أخي أبي – كانت مفصومة الشخصية من أكثر من رُبع قرن، وأنا أُخالِطها وأُلابِسها دائماً وأتعاطى معها ولم أتنبَّه إلى هذا، وهي مفصومة من ربُع قرن! من الصعب تشخيص هذا، لكن حين يتأدى الأمر أن يدّعي أنه نبيٌ نسخ أو لم ينسخ شرع محمد أو أنه نبي مهدي مُنتظَر أو أنه كذا وكذا هنا لابد أن نعرف أننا أمام حالة، إما حالة نصب وتدجيل وإما حالة مرضية، اضطراب! هل هذا اضطراب عقلي وهو ذُهان أو اضطراب نفسي وهو عُصاب؟ يختلف حتى العلماء في هذا، عجيب! هُذاءات البارانويا Paranoia وما يُعرَف بالميغالومانيا Megalomania أو الماكرومانيا Macromania – هوس العظام أو جنون العظمة – يختلف حتى علماء النفس فيه، وسأقول وجهة نظري في هذا الموضوع، هل هو عُصاب أو ذُهان؟ هل هو Psychosis أو Neurosis؟ يختلفون! هل هو مرض عقلي أو مرض نفسي؟ بعضهم لأن الفوارق غير دقيقة وغير مُحدَّدة تماماً ومُتعيَّنة استرحوا وقالوا فلنُسم ذلك كله اضطرارات، اضطرابات Disorders! اضطراب جنون العظمة أو اضطراب هذاءات العظمة، لأن الأمور ليست واضحة!
على كل حال هذا شيئ طبيعي، كل الأمم – وهذا من مقولاتي التي أقولها دائماً – لابد أن تتمتَّع بحقها في أن يكون من بين أفرادها المجانين، شيئ طبيعي جداً جداً! كما أنها تتمتَّع بحق أن يكون بين أفرادها الخارجون عن القانون، أليس كذلك؟ والقتلة والمُجرِمون والصُلحاء والعُرفاء، ومُعظَم الناس معياريون Standard، مُعظَم الناس طيبون عاديون، ليسوا مُجرِمين وليسوا أولياء صالحون، هم أُناس عاديون، يكذبون ويصدقون، يُوفون بالعهود ويغدرون بالذمم ويخفرون، مُعظَم الناس هكذا، انتبهوا! لكن طبعاً كلٌ يود أن يظن أنه Extraordinary، أي خارج عن المعيار، استثنائي! لكنه ليس استثنائياً، مُعظَم مَن ترى مِن عباد الله ليسوا استثنائيين، فيهم وفيهم، فيهم الصفات السلبية وفيهم الصفات الإيجابية، فيهم الصلاح وفيهم الفسد، ليسوا صالحين، ليسوا قدّيسين، لكنهم ليسوا أبالسة أيضاً، ليسوا مُجرِمين وقتلة، هم أُناس عاديون!
الاستثنائيون هم الذين يلفتون الأنظار، إما هؤلاء المُختَلون تماماً أو شبه المُختَلين وإما العباقرة والمُبرِّزون، هؤلاء يلفتون الأنظار، وهؤلاء الذين يعيشون بطريقة أو بأُخرى أكثر وأطول وأشهر من الناس، أطول وأعرض وأعمق من الناس! الناس يموتون ومَن يذكرهم؟ اذهبوا إلى المقابر، ملايين الناس لا أحد يعرفهم، لا أحد يذكرهم، أما هؤلاء فلا تزال الدنيا تذكرهم عبر القرون، انتهى! لأنهم أشخاص استثنائيون، ليسوا أشخاصاً عاديين، فيذكرون!
نعود، فأقول لو كانت المسألة تخضع لدى العامة – أتحدَّث لدى العامة – للدليل إذن للشيعة الإمامية الاثنا عشرية دليلهم بل أدلتهم بل مُجلَّداتهم، أكثر جماعة أو فرقة عقدية اهتمت بقضية المهدي المُخلِّص المُنتظَر هي الشيعة الاثنا عشرية، الشيعة الإمامية الجعفرية الاثنا عشرية اهتمت بهذا كثيراً، عندهم مُجلَّدات عن المهدي وصفات المهدي، مُعيِّنات ومُشخِّصات المهدي، وكل ما يدل عليه، مُجلَّدات! وهم بلا شك – عامتهم وعلماؤهم – على يقين قاطع بصحة مُعتقَدهم أو عقدهم حول المهدي المُخلِّص المُنتظَر محمد بن الحسن العسكري ثاني الأئمة الاثني عشر، يعتقدون بهذا بلا جمجمة، عقيدة! كالعقيدة في الله وفي نبوة رسول الله، هل هذا واضح؟ السُنة أقل من ذلك، بل كثيرون من علمائنا يعتقدون أننا انتحلنا هذه العقيدة تأثراً بالشيعة الاثني عشرية، بعضهم يرفضون ويقولون هذا غير صحيح، وبعض الكبار – بعض كبار أئمتنا من المُحقِّقين المُدقِّقين والعلماء الأثبات – يقولون لا، لم يكن لدينا هذا، إنما نحن انتحلنا المهدوية تأثراً بالشيعة الاثني عشرية، وإلا قبل ذلك لم يكن هناك شيئ اسمه مهدي أو مهدوية ولا ما يحزنون، لم يكن يُوجَد هذا!
الإسماعيلية – كما قلت – ينتحلون هذا، إذن لهم أدلتهم، الصوفية لدينا ينتحلون عقيدة المهدي، ولهم آراء مُتضارِبة مُختلِفة على غير ما ظن بعض العلماء، هنا – مثلاً – سأتلو بعد قليل مقاطع من كلام شيخنا شيخ الإسلام الشيخ الطاهر بن عاشور قدَّس الله سره، وله بحث ماتع ومُمتاز حول المهدي وعقيدة المهدي، الشيخ ابن عاشور يظن أن الصوفية كعموم أهل السُنة والجماعة – لأن الصوفية من أهل السُنة – يعتقدون بأن المهدي سيُبعَث وسيُمَن بالأمة عليه في آخر الزمان إلا أنه ليس حياً الآن فضلاً عن أن يكون مُختفياً مُستتِراً في سرداب أو في جُحر أو في مسرب من المسارب، سواء أكان عنده عسل وماء أو ليس عنده لا عسل ولا ماء، وهذا غير صحيح! لو تقصى الشيخ الإمام – رحمة الله عليه – لوقع على عشرات المواضع لكبار أقطاب التصوف يدّعون لقياهم واجتماعهم بالمهدي، وأنهم يعرفونه ويجتمعون به ويأخذون عنه العلوم، الشيخ يبدو أنه لم يقع على هذا، ولذلك ظن – رحمة الله عليه – أن الصوفية مثل عموم أهل السُنة، وهذا غير صحيح! يظنون أنه حي يُرزَق ويلتقون به، على كل حال هذا مُنتحَل الصوفية، ما ينتحله أهل السُنة في العموم على غير هذا، أنه لم يُبعَث بعد، وإن كان انتحل جماعات منهم وجماعات مهدوية مَن زعم أنه المهدي طبعاً وتبعوه، أحياناً بمئات الألوف، أحياناً أمم كاملة، وأحياناً دول مثل دولة المُوحِّدين، دولة المُوحِّدين دولة عظيمة جداً جداً، من أرقى ومن أشرف ومن أحسن الدول الإسلامية، ورفعت للإسلام لواءً ومناراً وأعظمت له شعاراً، ودافعت عنه أحسن دفاع وأمجده في المغرب العربي وفي بلاد إسبانيا المُسلِمة، دولة المُوحِّدين التي أنشأها المُتمهدي – مُدّعي المهدية – محمد بن عبد الله البربري المعروف بابن التومرت، صاحب المُرشِدة – صاحب عقيدة المُرشِدة – وكان أشعرياً مالكياً، هذا ادّعى المهدوية وأقام دولة، أقام دولة بدعوى المهدوية! والرجل عالم علّامة لكنه داهية ومكّار ومُنتحِل خوارق وأكاذيب، واستطاع أن يقول كما يقول إخواننا المصريون بعقل الناس حلاوة، لكن أقام دولة الرجل طبعاً وأفلح.
ابن ميمون القدّاح – عُبيد الله بن ميمون القدّاح اليهودي الزنديق، الذي يُظهِر الرفض كما قال الحافظ ابن كثير وباطنه الكفر المحض والعياذ بالله، العُبيديون القدّاحيون كانوا عموماً يهوداً والعياذ بالله، دخلوا في هذه الأمة، أرادوا أن يلعبوا بهذه الأمة لعبة بولس Paul في المسيحية ونجحوا، وحكموا زُهاء ثلاثة قرون، واستطار شرهم وضرهم في العالمين، الدولة الفاطمية! الدولة الفاطمية العُبيدية في المغرب وفي مصر وفي الحجاز وفي الشام – أقام الدولة على أساس دعوى المهدوية أيضاً وأنه المهدي، المهدي المُنبأ به! وأتباعهم إلى اليوم، تقول لي هل لهم أتباع؟ طبعاً هناك علماء الآن وبروفيسورات Professors في الجامعات كبار مثل عارف تامر وغيره، هؤلاء ينتحلون دعاوى العُبيدية والإسماعيلية، وينشرون كُتباً، أنا عندي عشرات الكُتب مُحقَّقة من تراث الإسماعيلية والفاطمية، الشيخ النُعمان وغيره، مُجلَّدات! مُجلَّدات في فقهم وفي فلسفتهم وفي مُنتحَلاتهم وفي عرفانهم، علم! علم كثير، ليس مثل اليمني الأهبل هذا، علم كبير جداً جداً، هذا لم يفعل شيئاً، ومع ذلك كل هذا كلام فارغ، مُستحيل أن يكون المهدي خمسمائة شخصية وكلها المهدي، هذا كلام فارغ! إذا صح أن النبي أخبر عن المهدي فلابد أن يكون المهدي شخصية واحدة وحيدة فقط، لكن هؤلاء يعتقدون أنهم كانوا يتبعون الهدي المُنتظَر، وأنه الذي خلَّصهم وأقام لهم دولة وأعلاماً، دولة! دولة ثلاثمائة سنة حكمت العالم الإسلامي، تخيَّلوا! شيئ عجيب، وجيوش وكُتب وفلسفات وعلوم وأئمة، أئمة كبار وعُقلاء أذكياء جداً كانوا على هذا المذهب وهذا المُنتحَل، انتبهوا! لابد أن أذكر هذا حتى لا تغتروا، العاقل – يا إخواني – لا تروعه البدائه، العاقل مثل الجبل، ومن هنا أهمية الثقافة والعلم والمنهج، العاقل لا تروعه البدائه، ما المقصود بالبدائه؟ أن يُبدَه بشيئ لأول مرة، كأن يُقال خرج المهدي، هذا المهدي وهناك أدلة كثيرة وخوارق وأشياء، أشياء تُثبِت! ويبدو أنه الأشبه أن يكون المهدي، فيُصدِّق هذا أو يتزلزل، لا! لا تكن هكذا.
لذلك جاء أحدهم إلى الإمام أبي عبد الله سُفيان الثوري – قدَّس الله سره، الإمام الخامس في الإسلام سُفيان الثوري، تعرفون سُفيان الثوري – وقال له يا إمام ماذا عن المهدي؟ وهذا في وقت دعوى محمد بن عبد الله العباسي، مَن هو محمد بن عبد الله العباسي؟ المُلقَّب أو الذي لقَّب نفسه بالمهدي، ابن أبي جعفر المنصور، أنتم تعرفون أول خلفاء العباسيين أبو العباس السفّاح عليّ، أخوه مَن؟ أبو جعفر المنصور، اسمه عبد الله، أبو جعفر اسمه عبد الله وتلقَّب المنصور وتكنى بأبي جعفر، هذا أبو جعفر عبد الله المنصور، من نسل عبد الله بن عباس طبعاً، بينه وبين ابن عباس أربعة رجال، اسمه عبد الله وسمى ابنه بمحمد، كان عنده موال يُريد أن يُغنيه وغناه ونجح فيه، سماه محمداً، وبعد ذلك أفهمه أنه سيكون المهدي، أنت محمد بن عبد الله المهدي، وادّعاها لنفسه محمد بن عبد الله المهدي وتبعه خلائق، وبالنسبة لأهل السُنة خفت حدة انتظار المهدي، قالوا هذا هو المهدي، وها هو – ما شاء الله – يقود دولة من أعظم الدول، الدولة العباسية! ومجد وحضارة ومدنية وقوة وجيوش وأعلام وهيل وهيلمان وسُلطان وصولجان، شيئ كبير جداً! فسُئل الإمام سُفيان الثوري عن المهدي وما إلى ذلك، أحدهم سأله! قال له ماذا عن المهدي؟ قال له إن رأيته يمر على بابك فلا ترفع له رأساً، لو قالوا ها هو المهدي في الشارع وهو يقف أمام بيتك – قال له – لا تهتم بالكلام هذا، أي بأنه المهدي، حتى ترى الناس قد أجمعوا عليه، لا تستعجل، لا تلعب بدينك! أنا هذا مبدأي – والحمد لله – وهذه طريقتي في الحياة، هذا الدين! لا يُوجَد لعب في الدين، لست مُستعِداً لكي أخاطِر بديني وبعقيدتي، مع أن المسألة هذه ليست من مسائل الاعتقاد حقيقةً، فحتى لو صدق أحدهم وذهب ثم اكتشف بعد ذلك أنه أهبل وبريالة لن تُوجَد مُشكِلة، أنت لم تخسر دينك، هذه مسألة ليست من مسائل الاعتقاد ولا من مسائل الآداب ولا حتى من مسائل الأحكام الشرعية الفرعية، ما رأيك؟ ولو عاش الإنسان ومات دون أن يسمع بالمهدي وبأحاديث المهدي لما نقص دينه شيئاً بحمد الله تبارك وتعالى، هذا قول مَن؟ قول العلماء المُحقِّقين وليس المُصابين بالهبل في الشوارع، وسوف نرى الآن قول شيخنا الإمام ابن عاشور رحمة الله عليه وقدَّس الله سره، العالم الثبت وشيخ الإسلام، ليس أي كلام! وقول الإمام السلفي المُحقِّق المُجدِّد محمد رشيد رضا رحمة الله عليه، صاحب المنار، التفسير والمجلة، سوف نرى! هذا غير ابن خلدون رحمة الله عليه، ابن خلدون عنده مبحث طويل في المُقدِّمة، وكع عن بعض الأشياء وتهافت قوله في بعضها، ولكن في الجُملة قوله صحيح، قوله صحيح ويُشايع عليه من العقلاء.
نعود، فالمسألة يا إخواني ليست مسألة أدلة عند العوام، العوام يُؤمِنون بما يرغبون، ومتى؟ انتبهوا! قال مرة سبينوزا Spinoza إن للقلب أسبابه التي لا يعرفها في الأغلب العقل، العقل عنده طريقته والقلب عنده طريقة، مثلاً أنا أقول لكم نحن هنا في أوروبا نعيش في مثل هذه الظروف، الواحد منا وخاصة مَن غبرت عليه سنون طويلة – من عشرات سنوات أو عشرين سنة يعيش في أوروبا هنا – سيكون أميل إلى ألا يُصدِّق بموضوعة المهدي هذه، سوف يقول نعم، وسوف يرتاح إلى كلام مثل كلامي، سوف يقول هذا صحيح، أنا أُؤيِّد عدنان، صحيح لا يُوجَد شيئ اسمه مهدي، هذا كلام فارغ! وآخر في بلادنا هناك – في فلسطين أو في العراق أو في مصر أو في اليمن وما إلى ذلك – سوف يقول لا، سوف يلعن عدنان ويوم عدنان وعلم عدنان وأمثال عدنان، سوف يقول لا، مُستحيل! المهدي موجود، إذا لم يكن هذا فلابد أن يأتي في يوم من الأيام، وإن شاء الله قريب، وأنا أعتقد أنه قريب جداً، لماذا؟ الظلم!
لماذا تُصدِّق الأمم؟ لماذا هذه النزعة المشيحانية المهدوية؟ لماذا هذه النزعة الخلاصية؟ هذه النزعة الخلاصية تتواتر عند الأمم جميعاً، ومتى تتواتر؟ هنا لابد من الدرس التاريخي والدرس الاجتماعي في إطار المنظور النفسي، لابد أن نُفكِّر علمياً! بلا شك الإنسان يتألَّم حين يسحقه الظلم وحين يُذِله ويُهينه ويعتصره وحين يُكمَّم فوهه وحين يُعاقَب أشد العقاب، ربما يفقد عشرين أو ثلاثين سنة من حياته، لا لأنه أجرم أو تعدى أو تطاول، بل لأنه انحاز إلى الحق، انحاز إلى الفضيلة، إلى الشرف، وإلى العدالة، ويكون جزاؤه أن يتعفَّن كما يقولون في السجون والزنازين، شيئ مُقلِق جداً جداً، مُؤلِم هذا! تخيَّل نفسك الآن لو ظلمك أحد الناس في شهادة على حزمة بقل أو على حزمة بصل ثمنها خمسة وأربعون سنتاً، جاء أحدهم وقال أنت سرقتها، سوف تقول أنا؟ ثم آخر ويقول نعم، هذا سرقها وأنا رأيته! سوف تغضب غضباً شديداً وسوف تُغرَّم، سوف يُقال لك لا، أنت سرقتها وسوف تُغرِّم أربعة يوروات الآن، سوف نُدفِّعك أربعة يوروات أو أربعين يورو، سوف تلعن الزمان وتلعن الناس وتلعن سعة الضمير وتخرق الضمير والذمة وتقول كيف؟ وتشعر بشعور مُمِض جداً جداً ولن تستطيع أن تنام ليلتك، أهذا كله في أربعة يوروات؟ ليس من أجل أربعة يوروات، لا! يُمكِن أن يكون دخلك حتى أربعة آلاف في الشهر أو أربعين ألفاً، لكن الظلم! الإنسان هكذا، والظلم مُحرَّم، الله حرَّمه على ذاته المُقدَّسة وحرَّمه على العالمين يا أخي، فلا تظالموا، بلادنا كلها ظلم، عالمنا ظلم، العالم بشكل عام فيه ظلم، لذلك – مثلاً – الآن هنا لا تجد أن الناس في هوس، في أوروبا – مثلاً – لا تجد حالة هوس في انتظار المُخلِّص مثلاً، لا! بعض رجال الدين يتكسَّب بهذا ويُريد أن يُؤجِّج نار هذه المقولات ويعمل بها عرضاً Show، لكن الناس في غفلة عن هذا، لماذا؟ لأنهم لا يُظلمَون ولا يتظالمون، كل واحد يأخذ حقه، تستطيع أن تأخذ حقك من أعظم رأس، من رئيس الجمهورية! لو هنا رئيس النمسا ظلمك – والله – تستطيع أن تُحاكِمه في المحكمة، وأنا أقول لك في مُعظَم الأحوال سوف تُنصِفك المحكمة طبعاً وسوف تُجرِّمه، يُوجَد عدل، فترتاح أنت، لا تُريد لا مُخلِّص ولا غيره، تُوجَد عدالة، لكن في بلاد يطحنها الظلم – يطحنها الظلم من قرون وقرون، ظلم شديد جداً جداً جداً جداً وفقر بل إفقار، ليس فقراً حتى وإنما هو تفقير! هو تفقير ومهانة – الناس لابد أن تتشبَّث بأمل، قال:
أُعَلِلُ النَّفْسَ بِالآمَالِ أَرْقُبُهَا مَا أَضْيَقَ العَيْشَ لَوْلَا فُسْحَةُ الَأمَلِ.
والإنسان لا يميل – وخاصة من العوام – إلى أن يُفكِّر بتجرد، يفعل هذا فيلسوف، فيلسوف بارد يعيش في قمم باردة مثل قمم آلهة الأولمب هكذا، يُمكِن أن يفعل هذا، ما هو؟ أُشير بهذا إلى أن العامي أو الإنسان العادي – ليس الفيلسوف وليس المُفكِّر البارد الصارم الرزين – لا يستطيع أن يُفكِّر تفكيراً عابراً للزمان، تفكيراً مُجرَّداً، تفكيراً باسم الحقائق في جلالها وفي توحدها، وإن كان للباطل صولات فإن شاء الله الحق له صولة، يستطيع أن يثأر بها من الباطل مرة واحدة، وسيأتي هذا اليوم، ليس شرطاً أن يكون في جيلنا، هذا لا يستوعبه العوام! تقول له ليس شرطاً لكنه لا يستوعب، العامي يُريد أن يكون في جيله وفي حياته والآن وهنا، اليوم قبل غد! لا تقل لي بعد مائة وخمسين أو بعد مائتي سنة هذا مُمكِن أو بعد أربعة أجيال أو مائة سنة سوف يتغيَّر الوضع، أنا عالم اجتماع أتحدَّث بمنطق الزمانية الطويلة، لا يستوعب العامي هذا، يقول لك هل سأعيش مظلوماً وأموت مظلوماً وقد ذهب حقي وذهب بيتي؟ مثلما يحدث الآن في فلسطين مثلاً، هل انتهى الأمر وذهب كل شيئ؟ هذا تعبي في ثلاثين سنة أنا وأولادي، نعمل ليل نهار كالدواب، ثم يُهدَم بيتنا في لحظة ولا أحد يُطالَب لنا بثأر هكذا؟ وسنموت هكذا في العراء؟ في العراء تحت لفح الشمس وفي الزمهرير – البرد القارس – هكذا؟ وأنت تُمنيني أنه – إن شاء الله – بعد جيلين أو ثلاثة أو أربعة سيعتدل الميزان لصالح الحق وصالح أهله؟ العامي لا يُحِب هذا المنطق، ولذلك مثلي إذا أراد أن يُخاطِب العامة بهذا المنطق يفشل ولا يُمكِن أن يُصبِح داعية جماهيرياً، ولو ادّعى المهدية الناس تُكذِّبه، لابد أن تنتحل منطق الناس في الأول، منطق الناس سأثأر لكم قريباً، ولذلك أول ما يبرز أحد هؤلاء ترى مِن الناس – لا ترى الناس كلهم ولكن ترى مِن الناس – مَن تُهرَع إليه وتلتف حوله وتفعل معه الأفاعيل، يفعلون أشياء عجيبة، وإن طلب منهم الجرائم والفظائع يفعلون في صالح الحق المُنتظَر والعدالة واعتدال الميزان، هكذا تُفكِّر العامة، لكن مسألة الدليل هي كلام غير صحيح، العوام لا تنظر في الدليل، وليس لديهم أصلاً قدرة النظر ولياقة النظر في الدليل، هل العامي يفهم الدليل أصلاً؟ هل هو يعرف شيئاً؟ هو لا يعرف شيئاً، أي العامي! لكن هذه الأُمنيات الحلوة العذاب يُحِبها، تُناسِبه تماماً، ويميل إلى تصديقها، وهنا يأتي هؤلاء، إما المُختَلون وإما الدجاجلة النصّابون، يعزفون على هذا الوتر وينجحون دائماً، لم يدّع أحد المهدوية إلا وصدَّقه بعض الناس ولو حتى عشرة، طبعاً! ويعمل معهم حزباً أو جماعة ويستفيد، يضحك عليهم ويأخذ أموالهم وربما يهتك أعراضهم طبعاً، بعض مَن ادّعى المهدوية أو النبوات حتى استباح الأعراض وأباح لهم الجنس العشوائي للأسف الشديد، مُجرِمون وشياطين والعياذ بالله، يضحك على الناس! لأن هذا مهدي ويُوحى إليه، بعضهم ادّعى الوحي طبعاً، أنه يُوحى إليه وينزل عليه جبريل، هذا مجنون بلا شك! وبعضهم عنده الجرأة أن يُخاطِب الملوك والرؤوساء، بعضهم خاطب ملوك العالم.
حُسين عليّ – مثلاً – لعنة الله عليه، هذا مُنشئ البهائية، أليس كذلك؟ هذا كان تَلميذاً للباب، شيخه الباب صاحب البيان، بعد ذلك ارتقى به الحال – في الحقيقة هو تطوَّح طبعاً وخر عليه السقف من فوقه – كما قال الحريري حتى صار إبليس من جُنده، ارتقى به الحال فادّعى أنه نسخ شريعة شيخه الباب ونسخ البيان، وادّعى أنه المهدي المُنتظَر بل المسيح المُنتظَر بل نُبيء من السماء بل حلت فيه روح الله، هكذا والعياذ بالله! إلى اليوم البهائية نِحلة يتبعها مئات الألوف من الناس بل ملايين، ما رأيكم؟ في مصر لها أتباع، في فلسطين لها أتباع، كذلك في بريطانيا، في أمريكا، وفي كل مكان! هنا في النمسا يُوجَد بهائيون ويدّعون أنهم مُسلِمون ودينهم صحيح ولابد أن يُنظَر فيه ولابد أن يُعتبَر ديناً، لكن الأزهر من قديم والقرويون والزيتونة وديوبند ولجنة العلماء كفَّروهم، قالوا ليس من المِلة، كفّار زنادقة خرجوا من الدين، هذ ا ليس ديناً إسلامياً، ليسوا على الدين الإسلامي، هذا دين آخر سموه ما تُريدون.
رشاد خليفة، سألني أخي أمس عن رشاد خليفة، فقلت له هذا مجنون، رجل أهبل مسطول، كان أستاذ كيمياء أو نبات، وأنا استمعت إلى مُحاضَرته التي أثارت الضجة وقرأت كُتيبه من خمس عشرة صُحيفة صغيرة، كُتيب يُقرأ في ثلاث دقائق، الرجل مجنون وأحمق، لا يُحسِن قراءة القرآن ولا اللُغة العربية، ولا يُحسِن أن يتكلَّم جُملة واحدة على سواء البيان، أهبل قلت له، قال لي قتلوه! قلت له أخطأوا، أنا لست مع القتل، أنا مع حوار الفكر، العقائد بالحوار، القتل لا، لا فرج فودة ولا نجيب محفوظ – حاولوا قتله – ولا رشاد خليفة ولا غيرهم، القتل لا، هذا أسلوب همجي بربري، لا للقتل! لا يُمكِن أن تقتل الناس، ولكن هذا إنسان تافه والعياذ بالله، بهائي! هذا كان بهائياً، وهذا فتن الناس، عمل فتنة كبيرة جداً جداً، أحد المفتونين به العلّامة الكبير المرحوم شيخ الدُعاة المُناضِلين ضد التنصير والتفكير أحمد ديدات – رحمة الله عليه – وترجم كتابه بالإنجليزية، ترجم كُتيبه وكلامه الفارغ – تسعة عشر – بالإنجليزية، وعقد عليه مُحاضَرة الشيخ ديدات بل مُحاضَرات، يُثبِت أن القرآن مُعجِز ومن عند الله بأُسطورة تسعة عشر، ولم يتنبَّه الرجل المسكين – الشيخ العلّامة ديدات رحمة الله عليه وقدَّس الله سره الكريم – إلى أن تسعة عشر هذا هو العمود الفقري لدعوة البهائية، روح الكذب البهائي رقم تسعة عشر، بلع الطُعم! لم يدرس للأسف ولم يعرف، هذا يحصل! مع أنه حين درس النصرانية – انظر إلى هذا – لم يستطع أن يقوم له أي قس ولا حتى البابا، لأنه درس وعنده ذكاء، لكنه لم يدرس البهائية وخُدِع، لذلك – انتبه – لا تروعنك البدائه، لا تستعجل، لا تستعجل بالحُكم على شيئ، هذا حق أو هذا باطل، تلبَّث وانظر بعمق، أعط نفسك الفُرصة وأعط نفسك الوقت، لا تُخاطِر بدينك، هذا المبدأ كما قلنا، لا تُخاطِر بدينك.
نعود، إذن الناس يتبعون ويخضعون ويبخعون لهذه الدعوات للأسباب التي ذكرنا، وهؤلاء الدجّالون النصّابون أو المرضى المُختَلون يستغلون هذه الفُرصة، يستغلونها ودائماً يُصيبون بعض ضالتهم ويُحقِّقون بعض مقاصدهم، دائماً يعودون بشيئ! لكن على مقدار ماذا؟ على مقدار تفوقهم واستثنائيتهم، كأن يكون مُدّعي المهدوية مثل عُبيد الله بن ميمون القدّاح، شخص داهية مكّار مُخيف، يهودي يا أخي، يهودي ابن يهودي، استطاع أن يُقيم دولة وأن يُذِل أهل السُنة، في مصر بهدلنا ثلاثمائة سنة، يُلعَن أبو بكر وعمر على المنابر وعلى غيرها، الأزهر هذا مسجد عُبيدي، هم الذين بنوا هذا، هذا لم يكن مسجداً سُنياً، لكن – الحمد لله – الله أورثنا أرضهم وديارهم بالناصر صلاح الدين رحمة الله تعالى عليه، صلاح الدين الأيوبي! ولذلك هذا الرجل تكرهه الشيعة الباطنية الإسماعيلة العُبيدية، وحتى الاثنا عشرية يكرهون صلاح الدين – رحمة الله عليه – كراهية شديدة، ونحن نقول قدَّس الله سره، بصلاح الدين أعز الله الإسلام وأهله، والله العظيم! بصلاح الدين كسر الله شوكة الصليبيين، مَن أحب أن يكرهه فليكرهه حتى يتميَّز غيظاً، لا يعنينا هذا، هذا صلاح الدين! صلاح الدين كسر الله به دولة العُبيديين القدّاحيين اليهود الزنادقة والعياذ بالله، أنهاها! وصار الأزهر وآض الأزهر جامعةً وجامعاً سُنياً، في الأول هو كان عُبيدياً وهم الذين أنشأوه، هم أنشأوه للدعوة الفاطمية، وكان يُخرِّج أئمة الفاطمية، وكان يُعلِّم الناس لعن أبا بكر وعمر وعائشة طبعاً وعثمان وكل الجماعة هؤلاء، وكان يُعلِّمهم الزندقة – والعياذ بالله – وانحلال العُرى الشرعية، هذا الأزهر! لكن – الحمد لله – ربك غيَّر الأحوال، هذا من فضل الله تبارك وتعالى.
وحين يكون مُدّعي المهدوية خفيف الوزن – لا خطر له لا في العلم، لا في البيان، ولا في المقال – طبعاً يتبعه عشرات أو مئات ثم سرعان ما يُقبَض عليه مُباشَرةً ويُودَع السجن أو يموت أو يُودَع مشفى الأمراض العقلية والنفسية، وننتهي من شره، لكن حين يكون خطيراً يختلف الأمر، ابن تومرت لم يكن شخصاً عادياً، هو شخص استثنائي بكل معاني الكلمة، عبقري من العباقرة وعالم، فقيه مالكي وعالم في العقيدة، صاحب بيان وصاحب شجاعة وكرم وإقدام وزُهد غريب جداً، الرجل كان يعيش على خُبز قراف، أي خُبز لا يُغمَّس بشيئ، أحياناً يُغمِّسه بالزيت، من نسج وغزل أخته، عنده ورع عجيب ابن تومرت رحمة الله عليه، أُخته تغزل وتشتري له بدُريهمات بسيطة الخُبز، ويأكل من كد يمينها الأكل المُباح الحلال، وحين أنشأ الدولة ظل كما هو، أنشأ دولة المُوحِّدين وأنهى دولة المُرابِطين، تقريباً ضعضعها وزعزعها، وخلفه عبد المُؤمِن، أعظم خُلفائه على الإطلاق عبد المُؤمِن، معروف في التاريخ! قضي بالكامل على دولة المُرابِطين وصارت الدولة الآن للمُوحِّدين، حين صار زعيماً وسُلطاناً عظيماً – خليفة وأمير للمُؤمِنين في دولة المُوحِّدين – لم يترك هذه العادة – رحمة الله عليه – حتى مات، وظل يأكل الخُبز، أحياناً بالزيت فقط! لا لحم ولا شواء ولا جواري ولا حريم، وظل يلبس الصوف، لا يلبس إلا الصوف مثل الصوفية، فقير مسكين! فهذا طيَّر العقول كما نقول بالعامية، جنَّن عقول البرابرة، مُستحيل أن يكون هذا كذّاباً، وهو عالم ومُؤلِّف، عنده بيان عجيب وشُجاع في الحرب، عنده كُتيب صغير اسمه المُرشِدة، عقيدته! وهي عقيدة أشعرية, عقيدة أهل السُنة في المجموع، عقيدة المالكية الأشعرية وعقيدة الشوافع، عالم ومُؤلِّف ومُصنِّف، رجل عجيب! زاهد ومُتقلِّل وشجاع وأقام دولة، فصدَّقوه وحُقَّ لهم أن يُصدِّقوه، قالوا هذا المهدي، لا يُمكِن أن يكذب الرجل، كيف يكذب؟ وكان يستخدم الدهاء، وكان يستخدم الاغتيال أيضاً، لم يكن عنده رحمة، يقوم بتصفية الخصوم وما إلى ذلك مُباشَرةً، هذا أصبح صاحب سياسة، صاحب سياسة مثل مهدي العباسيين أيضاً، ابن المنصور! وسوف نرى كيف هي القضية، على كل حال نرجع.
نرجع، نبدأ من أين؟ هذا موضوع طويل – كما قلت – ومُتشعِّب وطويل الذيول، لا نعرف من أين نبدأ، أقل شيئ يُمكِن أن أتناوله بعد كل مُقدِّماتي هذه موضوع مهدي اليمن هذا، لأن في الحقيقة – لا أكذب عليكم – أنا كنت عازماً على أن أعيش مع صفحته هذه – عنده صفحة في الإنترنت Internet – وأن أقرأ كل شيئ، لكن – والله – لم أستطع، والله العظيم! هل تعرفون لماذا؟ ضننت بوقتي، أنا أبخل بوقتي أن يضيع في الكلام الفارغ هذا، الأول أنا أتيت هنا ببيانين أو ثلاثة، مُستحيل! لا أستطيع، حرام! أذهب وأقرأ رواية حتى أجنبية، فهذا أفضل لي من الكلام الفارغ هذا، لا أقدر! لا أقدر أن أُضيِّع ثلاث ساعات أو أربع ساعات أو خمس ساعات لكي أقرأ كل الكلام الفارغ هذا، كلام فارغ! كلام جهلة وأُناس مُصابين بالهبل، هؤلاء أُناس مُصابون بالهبل! والرجل له خمس سنوات لم يفعل شيئاً، كلام فارغ! ولن يفعل شيئاً طبعاً، لأنه هابط المُستوى، ليس عنده أي مُستوى، لا في العلم، لا في اللُغة، لا في البيان، لا في الإملاء، ولا في أي شيئ، صفر على الشمال الرجل، فكيف أُضيِّع وقتي؟ وهذا الذي نصحنا به شيخ الإسلام ابن عاشور، اليوم أعدت قراءة مبحثه، يتعجَّب لماذا يُضيِّع العلماء والناس الأوقات في الكلام الفارغ هذا؟! ليس عندنا وقت للكلام هذا، هناك أشياء أهم من هذا بكثير!
نبدأ في الأول بقراءة بعض المقاطع لشيخ الإسلام ابن عاشور وللإمام المُجدِّد الشيخ رشيد رضا، وهذان معروفان! معروف مَن هو ابن عاشور ومَن هو رشيد رضا، أئمة كبار جداً جداً، عز نظيرهما في الأزمان المُتأخِّرة، عزَّ نظيرهما! ليسا علماء كالقرضاوي والبوطي، أئمة! أئمة كبار ومن مُستوى عجيب خارق للعادة، لا يُقارَن بهم إلا أمثالهم وهم قليل، فسوف نرى شيخ الإسلام ابن عاشور فيما جُمِّع من أبحاثه “تحقيقات وأنظار في القرآن والسُنة”، لو قالوا في القرآن والآثار لكان هذا أحسن، ماذا يقول رحمة الله تعالى عليه؟ يقول إن واجبات الدين ترجع إلى ثلاثة أنواع: اعتقادات، وأعمال، وآداب – اعتقادات أي الأصول، أعمال أي الأحكام الفقهية الفرعية بشكل عام، وآداب -. وإن التصديق بظهور المهدي في آخر الزمان لا ينزوي – الأفضل أن نقول لا ينضوي، يُمكِن أن يكون هذا خطأً، وأنا وجدت تطبيعات هنا، هذه طبعة جيدة لكن فيها تطبيعات رهيبة، مُستحيل أن تكون أخطاء ابن عاشور هذه، إذن ينضوي وليس ينزوي، لأن ينزوي إلى وليس ينزوي تحت، فهذا أكيد خطأ تطبيعي، لذا نقول ينضوي، إذن لا ينضوي – تحت تلك الأنواع؛ إذ ليس هو – أي التصديق بالمهدي – من الأمور التي يجب اعتقادها في ضمن العقيدة الإسلامية، فسواء على المسلم – يستوي قال – أن يعتقد ظهور المهدي أو يعتقد عدم ظهوره – قال نفس الشيئ، سواء آمن به أو كفر به لا شيئ عليه، يبقى مُسلِماً كما هو، هذا لا يُؤثِّر -، وليس العلم بذلك من قبيل العلم الواجب طلبه على الأعيان ولا على وجه الكفاية بحيث إذا قام به البعض سقط عن الباقين؛ إذ ليس العلم بذلك راجعاً إلى الإيمان بالله ورسُله واليوم الآخر ولا إلى ما يتبع ذلك مما يترتب عليه تحقيق وصف الإيمان عند طوائف المُسلِمين أو عند بعضهم – انظروا إلى هذا التحقيق، هذا كلام الشيخ ابن عاشور -. ولا هو من الأمور العملية؛ إذ ليس بعمل كما هو واضح – أي أن تُصدِّق بالمهدي، هذا ليس عملاً، ليس كالطهارة والحج والعُمرة وما إلى ذلك، لا! ليس عملاً هذا -، ولا يترتب عليه اختلاف أحوال الأعمال الإسلامية، ولا هو من الأمور الراجعة إلى آداب الشريعة التي يجب التحلي بها والتخلي عن أضدادها، كأن يُحِب المُسلِم لأخيه ما يُحِبه لنفسه ويجتنب الكبر والحسد والغيبة ونحوها، فإذا قد خلا عن الاندراج تحت واحد من هذه الأنواع الثلاثة – أنا أقرأ وأرجوكم أن تستمعوا إلى البيان، هذا رجل يعرف البيان، الشيخ ابن عاشور وليس ناصر اليماني، هذا البيان، الذي يعرف اللُغة العربية وكيف الناس يتكلَّمون يعرف أن هذا البيان، ليس هذا الكلام الفارغ، عظمة نعيم رب العالمين وما إلى ذلك، هذا كلام نصارى، ليس كلام مُسلِمين، ليس كلام مُسلِم يقرأ القرآن حتى، أو هذا لإنسان مُختَل – من أمور الدين تبيَّن أنه ليس مما يتعيَّن على المُسلِمين العلم به واعتقاده وتمحَّض لأن يكون مسألة علمية من المسائل التي تتعلق بالمعارف الإسلامية التي يُؤثَر في شأنها خبرٌ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عن سلف الأمة، فهي بمنزلة الخوض في حديث موسى والخضر أو في حديث ذي السويقتين من الحبشة الذي يُخرِّب الكعبة حجراً حجراً أو في أشراط الساعة – تخيَّلوا! هذه ليست من العقائد، عجيب! على عكس ما يعتقد الناس، يعتقدون أن كل هذه عقائد، لكن هذه ليست عقائد، هذه أخبار تُؤثَر، قد تصح، قد تضعف، وقد مصنوعة مكذوبة، لكنها ليست من أصول الاعتقاد يا جماعة، وهذا التحقيق، هذا كلام أئمة الإسلام في القديم والحديث، خلا فئة الآن يسيرة جداً جداً تقول عكس هذا، يظنون أن كل حديث صح عن رسول الله لابد من الإيمان به عقيدةً وإلا أنت مُعرَّض للكفر، هذا كلام فارغ، لا يقوله مُحقِّق ولا إمام – أو نحو ذلك مما يبحث عنه علماء الأثر روايةً ودرايةً، بمعنى أن يكون الخوض فيها خوضا علمياً لتوسيع المعرفة والتحقيق والتمحيص للعلوم الإسلامية لمَن تفرَّغ لذلك، ولا يكون من مُتناوَل عامة المُسلِمين، إذ ليسوا بمظنة السلوك في تلكم المسالك، وإنما اشتبه هذا المبحث على بعض الناس بالمسائل الاعتقادية لسببين… ثم ذكرهما، لا نُريد أن نقرأ كل البحث.
بعد ذلك قال وإذا تقصينا أقوال المُثبِتين للمهدي وجدناها ترجع إلى مذهبين – مَن يقول بالمهدية أو المهدوية -، أحدهما وهو الأشهر مذهب الإمامية – هم الاثنا عشرية، شيعة العراق وإيران الهند والباكستان وما إلى ذلك – يقول بأن المهدي الذي يخرج في آخر الزمان هو موجودٌ من قبلُ وهو مُختفٍ…
طبعاً أنتم تعرفون هذا، وأنا أقول لكم الخُلاصة طبعاً، وطبعاً هذا سيغيظ وسيُحنِق، لكن من هنا بكل تواضع وبكل أخوة – والله – ومحبة – وأنا من دُعاة التوحد والتوحيد – مَن يرتاب في هذا ويُريد عقد مُناظَرة مع العبد الفقير أنا جاهز لها، يأتوني بأكبر عالم إمامي، وإذا استطاع أن يُقنِعني أنا سأُعلِن أنني مُقتنِع بعقيدة المهدوية الإمامية، لكن إذا أقمت عليه الحُجة والدليل ومن كُتبهم ومصادرهم سيكون هناك حديثاً آخر، أنا أُعطيكم الزُبدة والخُلاصة، ما حدث يا إخواني – وهذا ليس حدوس وظنون أهل السُنة، لا! هذه مصادر الشيعة الاثني عشرية أنفسهم، حتى بما فيها أصول الكافي للكُليني – أن الاثني عشرية ساقوا الإمامة في عليّ – عليه السلام – ثم في نسله زعموا إلى اثني عشر إماماً معصوماً، واجبي الاتباع، مُوصىً لهم في الجُملة والتفاصيل، من نسل الحُسين، لا من نسل الحسن، جميل! وماذا بعد؟ قالوا عليّ، الحُسين، زين العابدين، الباقر، الصادق، موسى الكاظم، والهادي، إلى أن وصلوا إلى الإمام الحادي عشر وهو الحسن العسكري عليه السلام، جميل! شاء الله شيئاً آخر، شاءوا شيئاً وشاء الله خلافه، سُبحان الله! وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل كما تقول العرب، تُوفيَ الإمام الحسن العسكري – عليه السلام – ولم يعقِب، هكذا! هذا مذكور عن أخيه في أصول الكافي، ليس له عقب الرجل، لم يُخلِّف، سُبحان الله العظيم! فهنا عضلت بهم المسألة، كيف؟ لابد أن يستتموا اثني عشر إماماً، عند الحادي عشر انقطع النسل الآن، لا يُوجَد! فلم يجدوا بُداً من أن يبتدعوا ويئفتكوا هذه الفرية، قالو لا، هو أعقب ولداً وسماه محمداً، محمد بن الحسن العسكري! ولكن خاف عليه لأن هذا إمام وهو الإمام المهدي الموعود، خاف عليه فدسه وأخفاه، فاختفى الرجل هذا! في مائتين وخمس وثلاثين تقريباً للهجرة تُوفيَ الإمام الحسن العسكري، واختفى الإمام المهدي سبعين سنة، تُسمى عندهم الغيبة الصُغرى، كان يتداول الرأي في شؤون شيعته مع هؤلاء الشيعة عبر نوّاب، كلما مات نائب خلفه آخر، فكانوا أربعة نوّاب في مُدة سبعين سنة تقريباً، ثم إن الله شاء له أن يغيب الغيبة الكُبرى، وبالمُناسَبة مُراسَلات هؤلاء النوّاب الأربعة مع الإمام محمد بن الحسن العسكري المُختفي بزعمهم من أصح الأدلة والأسانيد عندهم كما يعتبرونها، وهناك أحكام فقهية، هذا حلال، هذا حرام، هذا جائز، هذا مكروه، وهذا لا يجوز، يقولون هذه هي وكأن الرسول قالها، يُصدِّقون! يُصدِّقون هذا تماماً ويُؤمِنون به ويستنبطون الأحكام من ذلك – أي من هذه المُراسَلات – على شيئ سيضح أنه فرية، فرية وأكذوبة لكي تُخلِّصهم من ورطتهم الكُبرى، لأن لا يُوجَد إمام ثاني عشر، لا يُوجَد! الله لا يُريد، ألَّفوه تأليفاً، خلقوه واختلقوه، أي هذا الإمام! هل هذا واضح؟ فغاب الغيبة الكُبرى، ثم اختلفوا، متى سيظهر؟ فبعضهم عيَّن له وقتاً، قالوا في سنة وستمائة وكذا وثلاثين، وجاءت وانصرمت السنة، ثم قالوا لا، في سنة سبعمائة وكذا وثلاثين، وذهبت سنة سبعمائة، ثم قالوا لا، بعد ذلك، في آخر الزمان، قصة طويلة!
يُوجَد نقاش لأحد الأئمة الشافعية – رحمة الله عليه – مع أحد كبار هؤلاء وكان الشافعي ذكياً، قال له يا أخي سيخرج أو لا يخرج؟ قال له سيخرج، قال له هل وقت معلوم؟ قال له لا، قال له هل هذا معلوم بسنة مُعيَّنة؟ فقال له لا، هذا لا نقول به، لكن هل له سيما وعلامة؟ هل له دلائل وإشارات؟ قال نعم، إذا عم الفساد الأرض، فقال الشافعي للشيعي الاثني عشري فبالله أعينوه على أن يخرج، فكوا وثاقه قال له، أنتم! قال له كيف؟ قال له فكوا وثاقه، فإن الفساد قد عم وطم كما تزعمون، وهلكت الأمة من عند آخرها إلا إياكم، نقول إلا أنتم أو إلا إياكم؟ إلا إياكم، لأن هذا مُستثنى منصوب، وأنتم ضمير رفع، لكن إياكم نصب، انتبهوا! هذا مما يُخطيء فيه تقريباً أكثر العلماء حتى، العلماء يُخطئون في هذا، لا تقولوا إلا أنتم، خطأ، قولوا إلا إياكم، قال له هلك الناس من عند آخرهم وفسد الحال وذهب الدين إلا قليلاً إلا إياكم، قال له أنتم لم تفسدوا ما شاء الله، فافسدوا قال له، اتركوا عروة الدنيا وافسدوا طبعاً – هذا منطق – حتى يخرج المهدي، لأن – ما شاء الله – صلاحكم يمنعه منه الخروج، فانقطع الشيعي المسكين، انقطع!
هذا يُذكِّرني بما حدث أيام شبتاي تسفي Sabbatai Zevi الذي ادّعى أيضاً أنه المُخلِّص المُنتظَر، كان من يهود الدونمة ودخل الإسلام بعد ذلك، قصة طويلة! حكيت لكم قصته، هو يهودي وادّعى أنه مُخلِّص اليهود المُنتظَر، وبعد ذلك حين قبضت عليه الخلافة العثمانية خاف من الإعدام فادّعى أنه مُسلِم، هذا الرجل حدث معه نفس الشيئ، أحد أتباعه كان مُتحمِّساً جداً لفكرة المُخلِّص وقال سيظهر المُخلِّص قريباً وما إلى ذلك لكن الآن هو مُختفٍ وممنوع ومحصور ومقهور، عاد مرةً فوجد – والعياذ بالله – زوجته في حالة سيئة جداً جداً، تُمارِس الفحشاء! فهم بقتلها، قالت له لا، اتق الله! كيف هذا؟ اتق الله قالت له، أنا خير منك عند الله، قال لها كيف يا ساقطة ويا كذا؟ قالت له أنا خير منك عند الله، وطبعاً الناس تستغل هذا بأسلوب خبيث وسيئ جداً، قالت له أنت تدعو إلى أن يخرج المُخلِّص المسيح المُنتظَر بالقول، وأنا أفعل هذا بالفعل، لأن كلما عم الفساد كلما قرب، قال لها والله هذا صحيح، أصبتِ والله، كم أنا أحمق! وتركها يدعو لها بالخير.
هؤلاء أُناس مُصابَون بالهبل، العوام هكذا يُضحَك عليهم، وفي كل زمان هم قابلون لهذا، فهذا مُختصَر قصة مهدي الشيعة، المُهِم ماذا قال الشيخ ابن عاشور قدَّس الله سره؟ قال وهذا المذهب قد تصدى أصحابنا إلى رده بما لخَّصه النسفي في عقيدة أهل السُنة – كلام جميل – إذ قال ثم ينبغي أن يكون الإمام ظاهراً، لا مُختفياً ولا مُنتظَراً – ما فائدة الإمام؟ أنت تقول لي هذا الإمام، والإمام هذا منصب ديني سياسي، أي ديني مدني، أي روحي زمني، حتى على التسليم بهذا، هذا الروحي الزمني ما الفائدة منه إذا كان مُنتظَراً أو مُختفياً؟ ماذا نستفيد منه؟ بأي حق أخذ حتى لقب الإمام؟ كلام فارغ، أليس كذلك؟ كلام فارغ، قال التفتازاني – في شرحه على النسفية طبعاً – وأنت خبيرٌ بأن اختفاء الإمام يُساوي عدمه – صح – في عدم حصول الأغراض – أي المقاصد – المطلوبة من وجود الإمام، وأن خوفه من الأعداء لا يُوجِب الاختفاء بحيث لا يُوجَد منه إلا الاسم – طبعاً التفتازاني هذا صاحب المقاصد، ذكي جداً، ماذا قال؟ – بل غاية الأمر – ماذا يقصد؟ خوفه، أي يُوجِب خوفه من الأعداء – إخفاء دعوى الإمامة كما كان آباؤه الذين كانوا ظاهرين في الناس لا يدعون الإمامة.
كلام في مُنتهى الجودة، كلام يُستجاد ويُعاد، والله العظيم! قال آباؤه أصلاً – الإمام الهادي والإمام التقي والإمام الرضا وغيرهم – لم يكونوا يدّعون الإمامة، بالعكس! بعضهم حتى كان يُصادِق ويُلاين ويُحاسِن إمام زمانه من العباسيين مثلاً، أليس كذلك؟ يجلس معه ويؤاكِله ويُشارِبه ويقبل هداياه وجوائزه ويقبل عطاياه، أي أنه كان يعترف له بالإمامة، لماذا؟ ولا يدّعي الإمامة، لا يدّعي الإمامة وهو موجود! فقصارى هذا أن يفعل مثلما فعل آباؤه وأجداده الصالحون، لكن هو لم يفعل، وتدّعون فيه الإمامة وهو مُختفٍ، فيبدو في الحقيقة أنه غير موجود أصلاً، هذه حيلة لكي تخرجوا من ورطتكم، هذا كلام جيد!
قال الشيخ ابن عاشور المذهب الثاني مذهب القائلين بخروج المهدي آخر الزمان من غير دعوى أنه موجود الآن ولا أنه مُختفٍ، وهذا قد قال به بعض أهل السُنة وبعض الصوفية استناداً للآثار المروية دون تمحيص، وذلك مما لصق بهم من أقوال الرافضة والإمامية، حين اختلط العلم…
عجيب! أي الشيخ ابن عاشور يقول مَن قال مِن أهل السُنة بأن المهدي غير موجود الآن وغير حي وسيُبعَث في آخر الزمان قال ذلك تأثراً بالروافض، ليس عندنا في أصولنا – نحن أهل السُنة – ما يُؤكِّد وجود شيئ اسمه المهدي، ولذلك أُريد أن أُصادِق على كلام شيخنا ابن عاشور قدَّس الله سره، لماذا أخلا الإمام مالك موطئه من حديث واحد عن المهدي؟ لم يتكلَّم عنه، ولا بحديث! الإمام مالك هذا، مُتوفى في مائة وتسع وسبعين للهجرة، لماذا لم يذكر البخاري ومُسلِم حديثاً واحداً عن المهدي؟ بل أقول لكم ما هو أكثر من هذا، مَن تتبع عادات البخاري أو استقرى وتقصى عادات البخاري في صحيحه – أي الجامع الصحيح، قدَّس الله سره كريم – علم أن من عادات الإمام أبي عبد الله البخاري أنه يعقد الترجمة ثم لا يُورِد فيها شيئاً على قلة نادرة تماماً، لكن يفعل هذا، فعله مرات! بمعنى ماذا؟ أي يُترجِم ثم لا يُورِد لا آيةً ولا حديثاً ولا أثراً ولا أي شيئ، فأنا أقول على الأقل لو كان غلب على ظن إمامنا البخاري أن قضية المهدي يُصدَّق بها في الجُملة – يُوجَد شيئ اسمه المهدي لكن تفاريق الأحاديث لا تخلو من مطاعن ومغامز – لدفعه هذا على الأقل – أضعف الإيمان – إلى أن يعقد ترجمة ثم لا يُورِد حديثاً، حتى هذا لم يفعله، البخاري لم يفعل هذا! كأنه يُريد أن يقول لنا بشكل واضح لا يصح ويبدو أنه لا ينبغي أن يُصار إلى تصحيح شيئ في شأن المهدي هذا، ومثله الإمام مُسلِم! هذان الصحيحان!
هنا قد يقول لي أحدكم صاحبا الصحيحين لم يتلزما استيعاب الصحيح، وطبعاً هذا معروف، صحيح! هذا لا يعني أن كل الصحيح في الصحيحين وما ليس فيهما ليس بصحيح، لا يقول هذا إلا عامي جاهل بليد، صح! لكن من عادات البخاري أيضاً كما يقول العلماء الخبراء بالبخاري وبشروحاته أنه لا يُخلي ولم يُخل كتابه في أي باب من الأبواب وخاصة في الأصول والعقائد ولو من حديث واحد، يترك مائة حديث لكن يأتيك بحديث واحد، لكي يُؤشِّر إلى أن هذا من ضمن ما ثبت، هذا من أصول الدين، وهذا حديث واحد، خُذ لك هذا الحديث، ولذلك أعتقد بوجود الدجّال، فأتى بأحاديث عن الدجّال، أعتقد بأن المسيح ابن مريم يعود، فأتى بأحاديث، لكن مع المهدي لم يأت بأي حديث ولا بأي إشارة، هذا ليس في المُوطأ والصحيحين، فإذن المسألة ليست مسألة استيعاب الصحيحين، المسألة لماذا البخاري ومُسلِم فعلا هذا؟ ما دلالة هذا الموقف من الإمامين الجليلين، صاحبي الصحيحين، مُلتزِمي تخريج الصحيح فقط دون شوبه بالضعيف أو ما دون ذلك؟ ما الدلالة؟ الدلالة أن مثل البخاري إذن لم يصح عنده شيئ في هذا الباب، البخاري! إذا صح عند غيرهم فهم وذاك، لكن كلها لا تخلو من مطاعن، كلها فيها مشاكل حديثية، أي الأحاديث الأُخرى هذه، عند الترمذي، عندي ابن ماجه، عند الإمام أحمد، عند أبي داود، وعند فلان، كلها فيها مشاكل! لكن البخاري ومُسلِم عصمهما الله فلم يُورِدا شيئاً من هذا، هذه رسالة ودلالة، انتبه! فابن عاشور يعرف ماذا يخرج من رأسه وماذا يسيل به قلمه، قال هذا من مُنتحَلات أهل السُنة حين اختلطوا بالروافض والشيعة، حين اختلط العلم صرنا نقول بالمهدوية، وإلا ليس عندنا مهدوية – قال – نحن، ليس عندنا هذا!
قال وليس اعتقادهم ذلك بشيئ عظيم – قال هذا ليس شيئاً خطيراً، لن يُكفِّرهم هذا ولن يزيدهم إيماناً – إذ رضوه لأنفسهم، فإن اعتقاد مجيئه واعتقاد عدم مجيئه سواء.
رحمة الله عليه، انظر إلى هذا، فهو يُعطيك تبشيراً، الناس تخاف! هناك مَن يقول يا أخي هذا يدّعي المهدوية، وأنا أخاف من ألا أتبعه حتى لا أذهب إلى جهنم، جهنم ماذا يا حبيبي؟ هذا كلام فارغ! هل هو نبي؟ الدين تم يا حبيبي قبل المهدي، يظهر المهدي أو لا يظهر دينك تام في هذا الكتاب، هل وجدت إشارة حتى تُفهَم – أي إشارة تُفهَم – في كتاب الله إلى شيئ اسمه المهدي؟ أبداً، والله العظيم! لا تُوجَد أي إشارة، بعضهم قال لا، هذا فيه كذا وكذا، وهذا كلام فارغ، والله ليس فيه أبداً، إذا كانت هذه عقيدة مُهِمة إلى هذه الدرجة وخطيرة فعلى الأقل كان سيُشير الله إليها ولو في شطر آية، كان سيذكرها حتى أو يُصرِّح بها، لكن الله لم يفعل هذا، هذا ليس من أصول الدين على الإطلاق ولا حتى من الأحكام الفرعية، وهذا عصمتنا – أي القرآن الكريم -، ما لم نعتصم به سنضل، هذا عصمتنا! قال يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ۩، هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ۩، أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ۩، الله قال يكفي، يكفي الكُفّار حتى! الله قال لا يكفي المُسلِم الدارس المُتفقِّه والمُتعلِّم فقط، بل يكفي الكافر هذا الكتاب، لكننا لم نرض بالكتاب، فصار للسُنة أدلتهم، للصوفية أدلتهم، للزيدية أدلتهم، للعُبيدية أدلتهم، وللإسماعيلية أدلتهم، هم تقريباً فرقة واحدة! وكذلك للشيعة الاثني عشرية أدلتهم، وهكذا! باسم ماذا؟ باسم الرسول، قال محمد وقال رسول الله، قال رسول الله وقال رسول الله، كلهم يُحيلون إلى رسول الله، كلام مُتناقِض مزَّق هذه الأمة، لأنهم لم يرتضوا أن يجتمعوا على هذا الكتاب، لا يكفيهم هذا الكتاب.
بعد ذلك أُريد أن أقول الآن الآتي، من ناحية نفسية – مثلاً – أنا أقول لكم: أنا لست مُتشوِّفاً ولا مُنتظِراً لهذا الشيئ ولا يعنيني ولا يُحرِّك في شعرة، والله العظيم! هل تعرفون لماذا؟ أقرأ القرآن وأعلم سُنن الله وطريقة الله في المن على المُستضعَفين، وعلى الناس! الله حين أراد أن يمن على بني إسرائيل وكانوا مُستضعَفين في مصر وأن يُخرِجهم من الظُلمات إلى النور لم يُعطِهم هذا على طبق من ذهب، كان لابد من ماذا؟ من هجرة، قال لهم هاجروا واتركوا وطنكم – مصر – هذا، سكنوا فيه من أربعمائة وثلاثين سنة، لكنه قال لهم اتركوه، فتركوه واستجابوا، بعد ذلك قال لهم ادخلوا إلى الأرض المُقدَّسة مُحارِبين، قالوا لا، مُحاِربين لا! نحن نُريد كذا وكذا، فضُرِب عليهم التيه لأربعين سنة، لا يُوجَد لعب، لا تُوجَد أشياء هكذا، كأن يأتي رجل اسمه المهدي وما شاء الله بين عشية وضُحاها يحرق المراحل، يختصر الأشياء، يخرق السُنن، وهذا – ما شاء الله – في ظرف سنوات يسيرة، لأن طبعاً بحسب أحاديث المهدي عند أهل السُنة كم يحكم المهدي؟ كم سنة من يوم يأتي إلى أن يموت؟ سبع سنوات، في سبع سنوات الدنيا كلها ستتغيَّر ما شاء الله، الكل سيتغيَّر وسنصير الأمة الأولى في العالم، وفرق المراحل وفرق التطور وتخلفنا التكنولوجي والسياسي وكل شيئ سيحترق، كل هذا سيحترق – بإذن الله – ويُلَف في سبع سنوات سمان وليس عجافاً إن شاء الله، هذه ليست سُنة الله في الخلق يا جماعة، والله العظيم! ما كانت ولا تكون، والله لا يحترم هذا المنطق، القرآن قال هذا، سُنة! كيف تحرق السُنة؟ بأي تفكير هذا؟ متى كان هذا؟ ومتى يكون؟ أبداً!
وأنا أقول لك سيتغيَّر الأمر يوم تُصبِح الأمة مهديةً، يوم يغلب الخير – بإذن الله تعالى – على هذه الأمة، والخير ليس فقط بالصلاة وبالصوم وبالحجاب وباللحية، هذا شيئ طيب، لكن ليس بهذا وحده أيضاً، وبالعلم وبالأدب وبالفكر وبالنقد وأن نكون على قدر عصرنا، لابد أن نتفوَّق يا جماعة، الله قال لمحمد – هذا محمد وليس المهدي – وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ ۩، وَأَعِدُّوا ۩! والله قال لمحمد وجماعته الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ۩، هذا يعني أن وحتى الرسول مع أصحابه لا يُمكِن أن يكون واحد ضد عشرة، الله قال لا تقدرون عليهم ولن تقدروا، لا يُمكِن أن يكون واحد ضد عشرة! ألا يُمكِن أن يقف واحد ضد عشرة؟ قال لك لا يُمكِن، سوف تُغلَبون! فأنا أُطالِبكم وأُحرِّج عليكم أن يصمد الصحابي خلف محمد – من وراء محمد – لاثنين من الكُفّار، واحد إلى اثنين، معقولة جداً هذه كعقيدة، ليس أكثر من هذا، لكن اليوم يُفهِمنا جماعة ابن لادن وأمثال ابن لادن واللادنيون – الذين يُفكِّرون بالطريقة اللادنية هذه واللدائنية أيضاً التي تقبل كل الصور وتقبل أي اعتقاد – عكس هذا، (بالمُناسَبة – لكي تعرفوا حقيقة الأمر – الشيخ أسامة بن لابد مِمَن ادُّعيَ فيه المهدوية)، هل تعلمون هذا؟ أكيد سمعتم بهذا، طبعاً جماعات من أتباعه ادّعوا أن الشيخ أُسامة بن لادن هو المهدي المُنتظَر، واضطر بعض علماء المملكة السعودية أن يُؤلِّفوا كُتباً – ألَّفوا كُتباً أنا قرأت بعضها – في الرد على هذه الفرية وأن هذا ليس المُنتظَر وأن هذا غلط وأن هذا رجل خارجي يُكفِّر الناس ويقتل الناس بغير حق، علماء ألَّفوا رسائل طويلة في الرد على هذا! فبالطريقة اللادنية يُمكِن – إن شاء الله – أن يُحارِب ألف العالم كله، يُمكِن لألف أن يُحارِبوا الجيش الأمريكي كله ويُدمِّروه، عندهم ذري وهيدروجيني ومع ذلك سنُدمِّرهم، مُمكِن! أرونا أين هذا مُمكِن؟ متى صار هذا؟ ومتى يصير الكلام الفارغ هذا؟ الله قال لمحمد أنت ومَن معك تصدمون بنسبة واحد إلى اثنين فقط، وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا ۩! لكن نحن لسنا واحداً إلى اثنين، ما الكلام الفارغ هذا؟ أين السُنن؟ وأين وَأَعِدُّوا ۩؟ الله سيقول لنا أنا ما كذبت عليكم.
أنا اليوم كنت أقول لأخي – والله – إن القرآن يجبهنا ويُواجِهنا بصراحة، وهذا خطر لي أمس بعد أن انصرفت من خُطبة الجُمعة، قلت لا إله إلا الله، القرآن يجبهنا ويُواجِهنا بصراحة، بصراحة لا نرتضيها ولم نتعوَّدها، والظاهر أننا لا نُريد أن نُعوِّد أنفسنا وإخواننا عليها، والله العظيم! نزوغ ودائماً نروغ، نروغ كما يروغ الثعلب! لكن القرآن واضح تماماً، وأنا أقول حين تكونون أمة مُسلِمة مُوحِّدة على الحق والتوحيد وتحيق بكم مُصيبة الله قال بشكل واضح فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ۩، قال هذه مُصيبة منكم، لماذا؟ لأن الله قال إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۩، وسأسألكم هنا – وهذا من الكذب على القرآن – ما المعنى الصحيح للآية؟ ماذا تقول الآية؟ في سورة الرعد إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۩، ماذا تقول الآية؟ مَن يقول لي؟ كلكم تقريباً إلا مَن سمع كلاماً آخر ستقولون معنى الآية أن الله – عز وجل – لن يُغيِّر ما بكم من بؤس ومن ضر ومن استعمار ومن ديكتاتورية حتى تُغيِّروا ما بأنفسكم إلى الخير، غير صحيح، هذا كذب، الآية لا تقول هذا، والله العظيم! الآية تقول العكس تماماً، الآية تقول حين تكونون في نعيم وفي سلام وفي استقرار وفي أمن وتحيق بهم مصائب وكوارث وبلايا فهذا بسبب ذنوبكم، لماذا؟ اقرأ سورة الأنفال، ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۩، وهذا ما ذكره كل المُفسِّرين القدماء في تفسير سورة الرعد، ما رأيكم؟ ثم جاء مُفكِّر مُسلِم في القرن العشرين – لا أعرف مَن هو أول واحد – وكذب على القرآن وقال لا، الآية تقول العكس، حين تُحِبون أن يصير الوضع جيداً غيِّروا، المعنى صحيح لكن الآية لا تقول هذا، هل تعرفون لماذا؟ يُوجَد فرق، قد يقول لي أحدكم يُوجَد تلازم، وفعلاً يُوجَد تلازم، لكن القرآن عنده صراحة مُرة، صراحة إلهية! الله لا يُجامِل أحداً، وبالمُناسَبة الله لا يُريد أصواتاً، انتبهوا! والله حين يكفر به أحد لا يعبأ، كما قال موسى فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ ۩، إذا أردت أن تكفر فلتكفر، في ستين داهية! وربنا قال يا عبادي لو أن إنسكم وجنكم وأولكم وآخركم كانوا على قلب أفجر رجل واحد منكم – لو فرعون – ما نقص ذلك من مُلكي شيئاً، قال في ستين داهية، فلتذهبوا أنتم وعبادتكم، لا يهمني – قال لهم الله – هذا، لأنه غني عن العالمين يا أخي، لذلك أنا أقول لك ستجد في القرآن صراحةً ووضوحاً سُننياً دستورياً قانونياً – لكن هذا قانون إلهي – لا تجدهما في غيره، ستقول لي هل هما في السُنة؟ ليسا في السُنة، لأن السُنة فيها كذب كثير على رسول الله، فيها كذب وتأويلات قاموا بدسها، القرآن ليس فيه دس بفضل الله عز وجل، ففيه صراحة غير عادية، الله قال هذا! حين تُصيبك مُصيبة – قال – اعلم أنك غيَّرت وبدَّلت، فتِّش نفسك، أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا ۩، ومَن الذين قالوا أَنَّى هَذَا ۩؟ الصحابة، وما الجواب؟ قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ ۩، لم يقل لهم عسى أن يكون خيراً، هذا جيد، أردت بكم الخير بطريقة أُخرى، لم يقل لهم هذا! إن شاء الله يكون خيراً لكنه لم يقل لهم هذا، قال لا، هذا منكم! بشؤم المُخالَفة، لأنكم خالفتم، لا يُوجَد لعب، لا تُوجَد استثناءات يا جماعة! ألا تُوجَد استثناءات لرسول الله ولجماعته من الصحابة؟ لا تُوجَد استثناءات، تُوجَد قوانين وسُنن، إذا قصَّرتم تقصيراً مادياً فستأخذون على رؤوسكم، أنا ما لم آمركم بالتقصير، أنا قلت لكم وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ ۩.
رجل ذات مرة قديماً – من هؤلاء الإخوة اللادنيين – قال لي جيد يا شيخ، يا أخي نحن أعددنا وانتهى، قلت له ما شاء الله، أتظن أنك انفصلت عن العتب الإلهي؟ الله سيُقيمك بين يديه ويقول لك لماذا ترتضي أنت يا مُسلِم – ومن أجلك بالذات أنا خلقت السماوات والأرض – بهذا؟ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ۩، مَن الذي يزعم الآن أنه يعبد الله حقاً وفعلاً؟ المُسلِم، نحن الأمة الوحيدة التي تقول لا إله إلا الله، هذا شرف لنا! لذلك أنا مُغتاظ وأنا حزين، لكن سأبقى أُدندِن حول هذه الموضوعة – إن شاء الله – إلى أن تخرج نفسي بإذن الله تعالى، لا نُريد توثين الدين، اتركوا الوثنيات الفارغة باسم التصوف وباسم التشيع، والله العظيم لا عبادة للأولياء، لا عبادة للمقبورين، ولا استغاثة بهم، كل هذا كلام فارغ، والله توثين – أُقسِم بالله – وردة عن دين الله، تخريب يا أخي للدين، تجويف للتوحيد، جوَّفوه! ذهب التوحيد يا أخي، لم تعد لنا علاقة بالله، أنا لا أُريد لا الصالحين أحياءً ولا أمواتاً، أنا أُريد الله، وطريق الله مفتوحة لكل واحد، وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ ۩، الله يُريد هذا يا أخي، وقال لك أنا أدعوك يا عبدي، تعال! لكنك قلت له لا يا ربي، أنت قلت لا تأت إلى خلف واحد اسمه سيدي فلان، كذب! لم يقل الله هذا، قال فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ ۩، ولا حتى خلف أي إنسان مهما كان، تأتي وحدك بإذن الله تعالى، والنبي قال لفاطمة – وقال للعباس وقال لصفية – اعملي لنفسك لا أُغني عنك من الله شيئاً، ابن نوح ذهب في ستين داهية، وأبوه نبي! لا ينفع الكلام هذا، هذا قرآن، كفى تجويفاً وكفى توثيناً للدين، تحويل التوحيد إلى وثنية باسم الدين لا يجوز، هذا الدين الصحيح!
فأنت كأمة الآن تزعم أنك تعبد الله وحده، هذا صحيح والحمد لله، إن شاء الله نكون من الذين محضوا الله التوحيد وجرَّدوا الله التوحيد الخالص، لله! لا لأي شيئ آخر، والله العظيم! لا لمكاسب معنوية ولا مادية ولا رمزية، ولا لأي شيئ! لأن هذا حقه يا أخي، لا إله إلا هو يا أخي، أتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله؟ حق هذا يا أخي لله، حق الله على العباد! خلقك من عدم، من لا شيئ، وسوَّاك وعدلك وصوَّرك وأنعم عليك، إلى الآن ها أنت تجلس لتسمعني وأسمعك، من أين هذا كله؟ من أين أتيت بهذا؟ أن تعبده لا تُشرِك به شيئاً، إياك وكل النزعات الشركية، إياك والتدجيل والكذب على الله بأي طريقة، حقه هذا! أعطه حقه صافياً خالصاً، أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ۩، أليس كذلك؟ الدين الواصب، أن نعبد الله فعلاً بإخلاص، مطلوب هذا، لا يُوجَد لعب!
فالله يقول ماذا؟ إذا كنتم تزعمون هذا وأنتم من أجلكم أنا خلقت الدنيا – خلقت السماوات والأرض، وسخَّرت كل شيئ من أجل أن تعبدوني أنتم بالذات يا أهل توحيدي – فلماذا ترتضون لأنفسكم أن يكون توقكم واستطاعتكم سيفٌ من خشب أو قنابل مولوتوف Molotov – أليس كذلك؟ – أو أن تُفجِّروا أجسادكم الغضة الطرية؟ وأعدائي وأعداء دينكم وأعداء الحق من اليهود والنصارى والصهاينة والمُجرِمين في الأرض عندهم الهيدروجيني وعندهم الذري والدبابات والصواريخ والمناطيد وما يُسمونها بالــ U-Boote – أي الغواصات – النووية، أشياء مُخيفة! وحرب النجوم وما إلى ذلك، قد تقول لي هذا شيئ بعيد، وأنا أقول لك إذا هذا شيئ بعيد فلا تستعجل المعركة يا حبيبي، ليست معركتك، ليس وقتك هذا، هل أنت تنتحر؟ ليست معركتك هذه حتى يشتد عضلك يا بابا، دع هذا الهبل، لا تنحرنا معك، نحروا الأمة الإسلامية كلها يا أخي، يقولون إنهم يقومون بغزوات في مانهاتن ومدريد، كلام فارغ هذا! ما هذا؟ ليس وقتك هذا، ولا تستطيع شيئاً، يا رجل هؤلاء لو شاءوا – لو أرادوا وجُنوا – الآن أن يُبيدوا الأمة الإسلامية لفعلوا، عادي! والله يُبيدونها – أُقسِم بالله – في أربع وعشرين ساعة، لن يبقى حتى مُسلِم حتى على وجه الأرض، بالذري! وقد ضربوها في اليابان، لكي يُعلِّموها الأدب، عادي! ولا نستطيع أن نفعل شيئاً، ولا يخافون عُقباها يا أخي، والله ما لنا ثأر إلا عند الله منهم، ليس عندنا إمكانية، لماذا ننتحر؟ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ۩، هذه فعلاً تهلكة حقيقية الآن، فالله سوف يعتب علينا، أنت كمُسلِم تدّعي أنك أستاذ العالمين وتُؤدي الشهادة على الدنيا وما إلى ذلك وتقول إنك رقم واحد ومع ذلك تُحارِب بسيف من خشب أمام الهيدروجين، هل أنت أهبل؟ الله سوف يقول لك هل أنا أمرتك بهذا؟ محمد لم يكن هكذا، محمد أخذ العُدة التي فعلاً بنفس الكيفية التي كانت عند أعدائه، أليس كذلك؟ يُمكِن أن يتفوَّقوا عليه في الكمية، هو عنده – مثلاً – عشرون فرساً وهم عندهم مائتان، لكن هذه أفراس أيضاً، هذا موجود عندي! أليس كذلك؟ عندهم ألف سيف وأنا عندي أربعمائة سيف، عندي! عندهم ألف رمح وأنا عندي مائتا رمح، عندي! أليس كذلك؟
الآن نفترض – مثلاً – دولة إسلامية تمتلك قنبلة ذرية، يستحيل أن تُفكِّر إسرائيل في ضربها، انتهى! أليس كذلك؟ بالذري يستحيل، ولذلك يُسمونه سلاح الردع المُتبادَل، روبرت أوبنهايمر Robert Oppenheimer – أبو القنبلة الذرية، أبو مشروع مانهاتن Manhattan Project كله، هو هذا – هو الذي سرَّب المعلومات للاتحاد السوفيتي، لماذا سرَّبها؟ ضميره مزَّقه، علماً بأن الرجل اختل ومات مُختَلاً، لم يكن طبيعياً، ظل المسكين مُختَلاً إلى أن مات بسبب الذي حصل، جريمة كُبرى في حق الإنسانية هيروشيما وناجازاكي، جُنَّ جنونه! قال أنا الذي ساهمت في هذا الكلام، لماذا أخرجت الشيطان؟ قال، لماذا أخرجت من القمقم؟ قال، بئس هذا العلم – قال – الذي قمت به، ضميره أنبه جداً جداً – وهو يهودي أمريكي – فذهب وسرَّب المعلومات إلى الاتحاد السوفيتي، لماذا؟ لكي يحدث ردع مُتبادَل، بعد ذلك ستمتنع أمريكا عن أن تضرب الناس بالذري، وفعلاً امتنعت، إذا ضربتِ فنحن سوف نضربك أيضاً، مُمتاز! فالمسألة ليست أن عند إسرائيل مائتين وخمسين رأس، هذا لا يهمني، أنا عندي رأس واحد، هي يكفيها رُبع رأس، وسوف تُدمَّر إسرائيل بالكامل، أليس كذلك؟ انتهى! فهذا ردع مُتبادَل، اعمل يا أخي على الأقل مثل هذا، أعد نفسك قليلاً، العرب كلهم اليوم مزعوجون من إيران، إيران ماذا تُريد؟ إيران أذكى منكم للأسف الشديد، إيران تُريد أن تخوض معركة استقلال، أنا أقول لك هذا بصراحة، إيران – أنا هكذا فهمي، لا أُحِب أن يُضحَك عليها – ليست قضيتها ما يُشاع أبداً.
يأتي واحد – هكذا يتفتق عنه ضمير الغيب إن شاء الله – في ليلة قمرانة ضحيانة لكي يُصلِح كل ما فسد ويملأ الأرض عدلاً كما مُلئت جوراً! وهذا كله في سبع سنين، سوف ينتهي كل شيئ بإذن الله تعالى، أنا أقول – لكي نكون واقعيين – الأمة ينبغي أن تكون مهدية وصالحة بإذن الله، ليس صلاحاً دينياً محضاً، لا! لابد من الصلاح الديني أولاً لكن لابد من الصلاح الدنيوي أيضاً، أليس كذلك؟ تمتلك العلم والنُظم والحداثة والتكنولوجيا والنُظم حتى الجيدة، نُظم الحُكم الجيدة! أنا لا أود ولا أُريد أن أسمع أيضاً فكرة أن يأتي إلىّ خليفة ويبقى طيلة عمره في الحكم لأن عمر ظل طيلة حياته فيه، هذه سوابق تاريخية! هذه سياستهم في وقتهم، نحن اليوم عندنا وضع مُختلِف، عندنا سياسات أرقى وأدق يا جماعة، المفروض أن يكون عندنا سياقات أدق وأرقى، لا أُريد هذا أنا، بالعكس! أنا آتي بخليفة وأنتخبه لأربع سنوات أو لعشر سنوات، عنده مُدة! وأضع أيضاً في الدستور متى يُعزَل هذا الخليفة، لا يُمكِن أن يأتي أحد ويمكث مدى العمر، لا يُمكِن! لكن يُمكِن أن نقول نسمح له أن يبقى – مثلاً – ثلاث أو أربع دورات إلى أن يبلغ سن الستين، ويكون عندنا دراسات علمية عصبية، متى الإنسان يبدأ الإنسان في الخرف، يبدأ يضعف، ويبدأ يُضحَك عليه من جماعته ومن مراكز القوى؟ بعد الستين، إذن ممنوع أن يبقى بعد الستين، ممنوع! وممنوع حتى أن يترشَّح رئيس بعد الستين، ما رأيكم؟ هكذا مثلاً، هذه كلها فلسفاتنا الخاصة بصراحة، لا يأت رجل أهبل أو رئيس عصابة فيتحكَّم في دولة ويُدمِّرها بالكامل، لا أُريد هذا! أريد رجلاً واعياً، يكون شاباً، عمره بين الأربعين والستين، جيد! هذه الفترة هو راقٍ فيها، وتحت الأربعين ممنوع أن يكون رئيساً، ممنوع! لأن هذا ولد صغير وسيكون مُراهِقاً، لا أُريده! بعد الأربعين يترشَّح، من الأربعين إلى الستين! علماً بأن سيدنا عمر بن الخطاب هو نفسه الذي أعطانا الفكرة هذه بعد أن جاوز الستين، علماً بأنهم اختلفوا في سنه يوم تُوفي بفارق على الأقل خمس سنوات، هذا في كُتب الرجال! على كل حال دعونا نقول بعد الستين، انتهى من الحج – كان في حجر ورجع – فاضطجع رمل وقال اللهم علت سني – قال أنا كبرت، لأنه تعدى الستين – ووهن عظمي وعصبي وانتشرت رعيتي – قال صرت ضعيفاً، بدأت أشعر بالضعف، الضعف الروحي والنفسي وما إلى ذلك، لم أعد كما كنت في الأول، لأنه كبر – فاقبضني إليك غير مُضيِّع ولا مُفرِّط، يقول الرواة ما مر عليه أسبوع حتى طُعِن، قدَّس الله سره، لم يكن مثلنا، يأخذ الواحد منا منصباً ويُريد أن يبقى فيه إلى أن يكبر، يصير عمره مائة سنة وهو جالس فيه، لا! قال لا، أنا لا أُريد هذا، فعلت ما علىّ إلى الستين وهذا كافٍ، لا أُريده، لا أُريد أن أفرِّط.
سيدنا عثمان عُمِّر إلى بعد الثمانين، وحدثت خربطة كثيرة في آخر حياته، خربطة كثيرة جداً جداً! ليس لأنه يُريد أن يُخربِط، هذا ذو النورين وهو من العشرة المُبشَّرين، لكن هذا بسبب من حوله، مراكز القوى! بنو مروان وبنو أُمية والعياذ بالله منهم، ضحكوا عليه وكذبوا عليه، يأتي إليه عليّ ينصحه فينتصح، ثم يأتي إليه هؤلاء فيقلبون له عقله، لأنه كبير في السن، حتى لو كان صحابياً هو كبير في السن، أليس كذلك؟ يُعاني الضعف، هذا لا يعني أنه ضد الإنسانية وضد القوانين البشرية، نعم هو صحابي لكن ما معنى هذا؟ هل هو حديد؟ هل هو مصنوع من حديد؟ بشر هو ولذا يضعف، افهموا! لابد أن نُفكِّر بطريقة علمية.
نرجع إلى موضوعنا إذن، أقول الأمة حين تُصبِح مهدية – بإذن الله تعالى – لن يكون عندنا مُشكِلة في أن يبرز فيها رجل نُسميه المهدي، وهو سيكون مُناسِباً وسيقطف الثمار، لأنه مُهيأة لهذا، أي به أو بدونه، ما رأيكم؟ به أو بدونه، أليس كذلك؟ الشعب الأمريكي الآن عمل حضارة من لا شيئ، في أرض ليس فيها أي شيئ فعل شيئاً رهيباً، هل هذا بُعِث فيه نبي؟ هل بُعِث فيه مهدي مُخلِّص؟ إرادة وفكر وفلسفة استعمار رهيبة للأرض، عملوا حضارة مُخيفة الآن، الحضارة رقم واحد في العالم، من لا شيئ، عندهم أفكار، أفكار فظيعة! يعرف نعيم – أخ في المسجد – هذا، وماكس فيبر Max Weber جاء وأراد أن يُفلسِف هذه القصة، كيف؟ قال الرأسمالية على أصولها دعمها الفكر البروتستانتي، الفكر الخلاصي الديني البروتستانتي يرى أن الخلاص في الدنيا وليس في الآخرة، مارتن لوثر Martin Luther قال الخلاص في الدنيا، الجنة في الدنيا، الإنجاز في الدنيا، تتقرَّب إلى الله بالعمل، تتقرَّب الله بحراثة الأرض وبزراعتها، ببناء مصنع، وبالمال! هذه – قال – قُربة إلى الله، مارتن لوثر Martin Luther قال هذا ما أُريد، خرجت عندك أمة جديدة تماماً، أينما تذهب هذه الأمة – سُبحان الله – تعمر الأرض وتستولى عليها، والنموذج الأول أمريكا، الولايات المُتحِدة الأمريكية، بروتستانت هؤلاء، هؤلاء WASP، يُسمونهم الزنابير، أي White Anglo-Saxon Protestant، فظيعون! وأينما تجد دولة يغلب عليها الكاثوليك تجد فيها تخلفاً تقنياً، سُبحان الله، أقل! كلام هذا، ماكس فيبر Max Weber التقط هذه المسألة، وإلى الآن هي صحيحة، حين تجد دولة فيها مزيج – فيها بروتستانت وفيها كاثوليك – تجد أنها وسط أيضاً، ليست رقم واحد، ألمانيا – مثلاً – بروتستانت، فظيعة! النمسا كاثوليك أكثر، مُتأخِّرة! عالة على ألمانيا وتستجدي منها، تختلف الأفكار، المبادئ، والطبيعة، طبيعة الإقبال على الحياة كيف هو المبدأ؟ تخيَّلوا هذا الفكر، فهذه الأمة الإسلامية إذا لم تُغيِّر فكرها وعقليتها فلن ينفع فيها لا مهدي ولا عمر بن الخطاب ولا صلاح الدين، كلام فارغ يا جماعة، الآن لو بُعِث عمر – والله – لن يستطيع أن يفعل شيئاً فيكم، أُقسِم بالله! سوف ينتحر، سوف يأتي بحبل ويشنق نفسه به، سوف يُجَن من الأمة هذه، سوف يخرج له شيخ ويقول له لا، أين دليلك على عمر؟ هذا ضعيف عندنا، ثم يقول له آخر لا، هذا صحيح مُتواتِر، سوف يُصيبونه بالهبل، سوف يقول ما الذي أنتم عليه؟ سوف يجد خمسين ألف مليون شيعة وحزب وفرقة، وكل واحد يدّعي أنه شيخ وإمام وشيخ طريقة، عنده طريقته في فهم الدين، الكل صار هكذا! وبالمُناسَبة (هذا في العرب بالذات، وهذا ذبحني في كبدي، هذا في العرب بالذات، تجد الأتراك على الأقل يحترمون علماءهم، يقولون هذا خوجة، لكن نحن كلنا خوجة، أنا خوجة لأنني من أربعين سنة في العلم، وهذا أتى أمس من النادي Club، لكنه صار خوجة أيضاً، أنا عندي أربعون سنة يا حبيبي! وهناك مُميِّزات مثلاً، أنا أقرأ في الساعة – مثلاً – مائتي صفحة، أقرأ في اليوم مُجلَّداً من ألفي صفحة، وأستوعبه كله! أنت تقرأه في عشر سنين، لكن أنت خوجة وأنا خوجة أيضاً، لقب واحد بيننا! أنا شيخ وأنت شيخ، لكن يا أخي أنا من أربعين سنة في العلم وأنت من سنتين كنت في الكازينو Casino، ليست مُشكِلة! مَن عدنان أو غير عدنان؟ مَن القرضاوي؟ ومَن البوطي؟ شيئ يُصيب بالهبل يا أخي، ما الأمة المجنونة هذه؟ لأننا لسنا جادين في أن نعرف الحق وأن نعمل بالحق، نحن جادون أن نخدم أنفسنا، كل واحد يُريد أن يخدم نفسه، يُريد أن يرفع خسيسته، يُريد أن يقول أنا شيئ، أنا لي اعتبار، ما هذا القرف يا أخي؟ العرب بالذات فيهم الشيئ هذا يا أخي، الآخرون كلهم عندهم تواضع، وفيهم مَن هم أعلم منهم وأعرف، وتجد الأمور عندهم أحسن، ولذلك حتى الأتراك مشاريعهم أنجح منا، نعم هم كثرة لكنهم أنجح، هذا حتى مع أي إمام مسجد عادي!
رجل قال لي – هذا في رمضان، وها هو جالس معنا – يا شيخ عدنان أناشِدك الله، اعمل مثلهم، يُوجَد شيخ تركي قال لهم إذا لم تجمعوا كذا وكذا – لا أدري كم بالتحديد، تقريباً مائة ألف أو مائتي ألف – في رمضان هذا فلن أؤمكم، قلت له هل أنت أهبل؟ قلت له هل أنا أفعل هذا؟ قلت له أنا عدنان إبراهيم – الحمد لله – أخطب خُطبة لساعة كاملة أُلخِّص فيها ما يقرب من ألف صفحة كل أسبوع ولا أحد يقدر أن يخطب مثلها، هل أنا أقول مثل هذا؟ قلت له أنا أشهد بالله سوف يقوم لي من سبعمائة واحد خمسمائة يقولون في ستين داهية، أنا أعرف العرب وأعرف كيف يُفكِّرون، هل أنت تتكبَّر علينا؟ هل أنت تمن علينا؟ مع السلامة يا عدنان إبراهيم، سوف يقولونها! أنا أعرف هذا وأعرف كيف يُفكِّرون، أي العرب، لأن هذه الأمة من الداخل موبوءة ومريضة، أمة غير عادية يا أخي، غير طبيعية! يأتي مَن يسمع مُحاضَرة مثل هذه فيستفيد خمسمائة معلومة جديدة، وحين يسمع معلومة واحدة ويظن أنها غالطة يقول يا أخي الشيخ لا يعرف، غلط في الشيئ هذا، الرجل غير مُحقِّق، ما شاء الله عليه! أمة – لا أعرف – تعفَّنت، هذا يُجنني ولابد أن نُصارِح أنفسنا، والله العظيم يا أخي لابد أن نُصارِح أنفسنا، ما نحن؟ ما قصتنا يا أخي؟ نحتاج إلى هزة فظيعة يا أخي وإلا سيأتي علينا بعد ذلك الدمار والعار).
فيوم نكون مهديين – بإذن الله حقاً – سواء جاء المهدي أو لم يجئ المهدي ستكون الأمور كلها مثل بعضها، سوف يتحقَّق الوعد والأمل بإذن الله تعالى، هذا منطق الله، هذا منطق سُنة الله في الكون، لا تنتظر أمة مثل هذه المهدي لكي يُعوِّضها – ما شاء الله – مآسي الزمان ويحرق المراحل ويقوم بالنيابة عنها بكل شيئ، لم يحصل هذا أبداً يا جماعة، أنا قلت لكم في الدرس السابق رسول الله حين مات أين كان الإسلام؟ بالكاد انتشر في الجزيرة العربية ولم ينتشر فيها بالكامل، بالكاد انتشر وكان مُضعِضعاً، على خوف! كلهم دخلوا على خوف، كانوا يخافون! النبي بسط سُلطانه، وحين تُوفيَ انقضوا، لا يُريدون، توقَّفوا! سوف تقول لي عجيب، إذن مَن الذي فتح الروم وفارس وما إلى ذلك؟ سوف أقول لك أصحابه وخلفاؤه، مراحل هذه يا حبيبي، وهو نبي! الله لم يقل له أنا أُريد أن أعطيك وعداً يُفيد بأنك ستعيش وستموت وفي خلال ثلاثين أو ثلاث وعشرين سنة سيعم الأرض الإسلام، لا! الله لم يُعطِه هذا، قال له أنت عملت الذي عليك، بارك الله فيك، اذهب مع السلامة وغيرك سوف يُكمِل، جاء أبو بكر وكمَّل، عمر كمَّل، عثمان كمَّل، وعليّ وحاول أن يُكمِّل لكنه أُفشِل بالصراعات الداخلية، إلى آخره! بعد ذلك بدأنا نُكمِّل ثم نتراجع ثم نُكمِّل ثم نتراجع بهذه الطريقة اللولبية إلى أن صرنا إلى ما صرنا إليه، هذه سُنة الحياة، أليس كذلك؟ والنبي قال هناك نبي حتى يُبعَث وليس معه أحد، هناك نبي بلُغتنا البسيطة – غلط أن نقول هذه الكلمة أدباً مع الأنبياء – لن نقول فشل، لكن تقدر على أن تقول أفشلوه، لن أقول فشل لكن هم أفشلوه بعنادهم وباستعصائهم الديني الروحي، يُوجَد استعصاء، أنا أُسميه استعصاء، يُوجَد استعصاء في علم الطب، فهناك مرض يُسمونه المرض العُضال أو المرض العياء، ليس له علاج، ليس له خط رجعة، انتهى! أي مصيره ومآله كما يُسمونه الهلاك، سوف يموت صاحبه، الــ Prognosis! تُوجَد كذلك أمم على هذا النحو، أمم عندها استعصاء روحي، غير قابلة للإصلاح، تُوجَد أمم هكذا! ويُوجَد أشخاص أيضاً على هذا النحو، ما رأيك؟ ستقول لي هل هؤلاء موجودون؟ نعم موجودون، يُوجَد أشخاص غير قابلين للإصلاح، ويُسمون هذا الشخص في علم النفس ماذا؟ يُسمونه شخص ضد المُجتمَع، هناك الـــ Antisocial personality، أي الشخصية ضد الاجتماع، وهذا الشخص يُسمونه السيكوباث Psychopath، حدَّثتكم عنه مائة مرة! علماء النفس يقولون حين ترى رجلاً سيكوباث Psychopath قل السلام عليكم واذهب من أول طريق، لا تنصحه، لا تأمره، ولا تنهه، لن ينفع هذا! قد تقول لي أنا نصحته وبكى، نعم بكى لكن غداً سوف يذبحك بالسكين، كذب! قالوا يبكي بعينيه فقط، السيكوباث Psychopath يُفرِّط في زوجته، في عرضها، ويُفرِّط في أولاده، يُمكِن أن يموتوا أمامه بسبب الجوع فيبكي بعينيه وقلبه لا يحزن، ليس عنده ضمير السيكوباث Psychopath، مخلوق هكذا!
هناك بشر يُولَدون دون الجسم الثفني الذي يصل بين فصي الدماغ، هو هكذا! عنده للأسف نقص، فيحدث عنده تبلد في المشاعر، لا يشعر ولا يفهم ولا يقدر على أن يستوعب الأشياء بسرعة، هو هكذا ناقص! وفي المُستوى السيكولوجي هناك مَن يُولَد دون ضمير، أنا ابتُليت في حياتي بواحد من هؤلاء، جنني! بعد ذلك فهمت أنه سيكوباث Psychopath، لم أعرف كيف أتعامل معه، شيئ فظيع، لا تتخيَّلوا! شيئ فوق التصوير يا جماعة، وهناك درجات لا أعتبرها بصراحة سيكوباثية لكنها قريبة منها، لا يكون المُصاب بها سيكوباث Psychopath لكن عنده نصب ودجل في حياته، تشرَّبه وتعلَّمه وأدمن عليه، يسير منه مسرى الدم في العروق! فيصير ثلاث أرباع الشخصية سيكوباثياً، وصاحبها لا يدري بهذا، ويتكلَّم باسم الوفاء والصدق والأمانة وما إلى ذلك، وهو – والعياذ بالله – شيئ فظيع، ويدٌ تُسبَّح ويدٌ تذبح، وهو لا يدري بنفسه! ويظل يعتقد أنه نظيف ورحيم وصحيح، وهو ليس هكذا، لا! حين تراه تعلم هذا.
على كل حال هناك حالات استعصاء، نحن – الحمد لله – أمة لا تستعصي إن شاء الله، بالعكس! أنا أقول أمتنا هذه رُغم أنني يائس ومُحبَط أعرف – والله العظيم – أن عندها قابلية للخير، مسكينة الأمة هذه! أنا الآن سخطي وغضبتي وثورتي ليست على العوام بمقدار ما هي على العوام والمشايخ والدُعاة، والله العظيم! لأن العوام هؤلاء دائماً يُصِرون على أن يُترجِموا حرصاً غير عادي على الدين، ويُريدون أي رجل لكي يتبعوه ويهتفوا له ويُصفِّقوا له، وانظروا إلى هذه الفضائيات، أصبحت أكبر دكان ناجح، اليوم مَن يُريد أن يُنجِز مشروعاً يفتح فضائية.
(أنا أحدس أيضاً بأن هذا أحد أهداف المدعو ناصر محمد المهدي، وأنا الآن أظن أنه غير موجود بالكامل، قد يكون حتى الشخص هذا غير موجودة، قد يكون شخصية مُنتحَلة، ألَّفها جماعة، جماعة نصب واحتيال! ويضعون في موقعهم أنهم يُريدون أن يفتتحوا فضائية ويقولون ادعمها لوجه الله، لأن ثبت لدى هؤلاء كما ثبت لأي واحد يُتابِع الأمور أن هذا اليوم أحسن مشروع رأسمالي اقتصادي، يُدخِل الملايين! أنا في المكتب هذا جلست مع رجل فتح فضائية وكانت تشتغل لفترة، قال لي عادي! بعد ستة أشهر يبدأ الربح، قال لي في السنة الربح بالملايين، أنا أضمن لك هذا، بالملايين! قلت له أعرف، طبعاً هناك الـ Subtitle والــ SMS والمُكالَمات يا بابا، يقولون لدينا اتصال، ويقطعون حديث أكبر شيخ وأكبر لحية، يقولون له اسكت، يتم قطع حديثه من خلال غرفة التحكم، يقولون له اسكت، هناك اتصال، ماذا نُريد منك نحن؟ أتتكلَّم في العلم وما إلى ذلك؟ هناك اتصال، مال! لدينا اتصال، والآن بعض القنوات هذه نصفها برامج ونصفها دعايات، ما رأيك؟ دعايات للغسالة Waschmaschine ولآلة الطبخ Kochmaschine ولطقم البورسلين Porzellan، والله العظيم! وللملابس الداخلية والملابس الخارجية والسجاد بأنواعه، ولكل ما يخطر على بالك! ما رأيك؟ وعلى بال أي رأسمالي، دعايات! شيئ مُقرِف، أنا أقرف منه، وهذا لا يُريد أن يدعم نفسهـ يُريد أن يُثري، يُوجَد إثراء هنا، تُوجَد ملايين سوف تأتي، ملايين! مال كثير يا جماعة، بالمُناسَبة الآن – مثلاً – لو أرسلت إليهم تسجيلاً لك أو أرسلت أنا، لن يقولوا – أنا أقول لك هذا واسأل، أنا أُحدِّثك عن تجربة – ما شاء الله هذا العلم الأمة تحتاجه، هذا شيئ راقٍ لابد أن نبثه، لا! لا يهمهم هذا راقٍ أو غير راقٍ، أهم شيئ ألا يُشوِّه صورتهم طبعاً وألا يدخل على الخط الذي يدّعون أنهم يمشون أو يُريدون أن يمشوا فيه، لكن الأهم من ذلك أن تكون ضمن المعايير المقبولة، أي لست ضدهم، ومن ثم يضعونك، لكن هل يُوجَد إقبال من الجماهير عليك؟ هل تُوجَد اتصالات؟ هل هناك أشياء تُرسَل؟ هل هناك أموال؟ إذا أتت أموال فستكون معهم، إذا لم تأت أموال فستكون Outside، أي في الخارج، سيقولون لا تلزمنا، ستقول لهم يا جماعة هذا علم، لكنهم سيقولون لك نعم، نعرف أبا حنيفة، نعرف أبا حنيفة والشافعي ولا نُريدهما معاً، لا يلزمنا أمثال هؤلاء، اخرج ودرِّس في المساجد لكن لا تفعل هذا عندنا، لأن هذه تجارة، شيئ يُصيب بالهبل، وهؤلاء الجماعة الآن يُريدون أن يفتتحوا فضائية طبعاً، سوف نرى كيف! مثل فضائية المُستقِلة، تجد مَن يتحدَّث بعشر جُمل ثم يذكر جُملة عن الدعم، لابد من الدعم وما إلى ذلك).
الشيخ ابن عاشور ماذا قال؟ قال فإن قال قائل يترتب على تحقيق أمره عمل إسلامي وهو وجوب اتباعه عند ظهوره – قالوا لا، غير صحيح، يُوجَد عمل، إذا آمنت بالمهدي وعرفت الدليل وبعد ذلك خرج المهدي فهنا يُوجَد عمل، ما هو؟ وجوب أن تتبعه وأن تنصره وألا تخذله، انظر إلى جواب الشيخ ابن عاشور، الرجل ليس خطابياً، ليس أهبل، هو علّامة كبير -، قلت لهذه النزعة اختلف المُختلِفون، وهم في غفلتهم يعمهون، فإن سمات الإمام الذي يجب اتباعه لا يتوسمها المُتوسِّمون بملامح وجهه ولا باسمه واسم أبيه – لماذا إذن؟ مهما زعمت أن المهدي شكله يُشبِه شكل رسول الله سيأتيك عشرة آلاف مهدي يُظَن ويتواطأ الناس على أن سمات وجوههم وشياتهم هي سمات وجه رسول الله، أليس كذلك؟ أنا أُفكِّك لكم ألغاز الشيخ ابن عاشور، هذا أولاً، ستقول عند أهل الشيعة اسمه محمد بن حسن العسكري وهم أحرار، وعندنا اسمه محمد بن عبد الله، وهو شريف علوي من نسل رسول الله، عندنا الحسن والحُسين وهناك مذهبان، أهل السُنة عموماً قالوا من نسل الحسن، لماذا من نسل الحسن؟ مُكايدة في الشيعة، لأن هذه كلها مُخترَعات، شيئ يُصيب بالهبل! الشيعة قالوا من نسل الحُسين، لأنه من الأئمة الاثني عشر، لكن نحن قلنا من نسل الحسن، وأنت تسأل لماذا؟ لماذا أهل السُنة اختاروا أن يكون المهدي من نسل الحسن؟ سيُقال هناك أحاديث، لكن هذه ليست أحاديث موضوعات هذه! كل هذه مُخترَعات، مُكايدة! أنتم قلتم الحُسين ونحن سنقول الحسن، مع السلامة! هذا هو طبعاً، ورأي جماهير أهل السُنة أن المهدي من نسل الحسن لا الحُسين، لكي تفهموا، ينبغي أن تفهموا الأشياء بتحليل علمي، سيأتيك مهما زعمت هذا وحرَّجت عليه عشرة آلاف رجل باسم محمد بن عبد الله، ما رأيك؟ طبعاً! ومنهم مهدي سعودي، أمير سعودي! لا علينا، سوف نرى! سوف أقرأ لكم أسماء بعض الذين ادّعوا، وكثير منهم يحملون اسم محمد بن عبد الله، محمد بن عبد الله، محمد بن عبد الله! ابن تومرت اسمه محمد بن عبد الله، المهدي العباسي اسمه محمد بن عبد الله، أبوه المنصور، إذن مَن المهدي فيهم؟ لا يُمكِن! فالأمور غير واضحة، قال لا تكون بالطريقة هذه – ولا بخفق أعلامه ولا بأُفق ظهوره – لماذا؟ لأن ابن ميمون القدّاح ظهرت أعلامه والحمد لله، صارت له دولة عُبيدية، في ثلاثمائة سنة هلكتنا، هو أيضاً ادّعى أنه المهدي، وهو ليس المهدي، كذب! هذا زنديق، نحن نقول لعنة الله عليه وعلى أحفاده، كانوا يزعمون معرفة الغيب، يضحكون على الناس، هل تعرفون منهم مَن؟ الحاكم بأمر الله الفاطمي، ادّعى المهدوية، ثم انتهى إلى دعوى الإلهية، قال لهم أنا الله، أنا حلت في روح الله، هذا الحاكم بأمر الله مع الملعون، وهذا من دُعاة المهدوية، قال أنا المهدي المُنتظَر أيضاً، ألست مُؤسِّس دولة؟ أنا أيضاً المهدي المُنتظَر، لعبة حقيرة! قال ولا بأفق ظهوره، ابن تومرت ظهرت دعوته، ومحمد المهدي بن عبد الله السوداني الذي قتل غوردون Gordon ظهرت دعوته وانتصر في معارك أيضاً، وصار للرجل هيل وهيلمان، لكن ليس بهذا أيضاً، لا ينفع! وابن سعود الذي حكم تقريباً ثلاثين سنة وقضى مُعظَم حُكمه بإشراف الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه ادّعى المهدوية أو ادُعيَ فيه المهدوية، ما رأيك؟ وعنده دولة وهيل وهيلمان، افهم! افهم التاريخ -، فإن جميع ذلك يُمكِن تلبيسه وادّعاؤه باطلاً، كما وقع غير مرة – صحيح كلام ابن عاشور صحيح، انظر إلى التحقيق العلمي يا أخي، علم! هذا إمام -، إن الله بيَّن لعلماء الأمة أحكام المِلة بالقواعد والشروط، فأغنى عن وضع الملامح والرموز – يا سلام، هذا هو! قال الدين واضح، ليلها كنهارها قالها، لا تُوجَد شيات وعلامات وأسماء ورموز، هذا كلام فارغ، قال ابن عاشور الدين ليس كذلك -، فإمام العدل الذي تجب طاعته والدخول في حزبه وأنصاره هو الذي استكمل شروط الإمامة.
بغض النظر اسمه المهدي أو اسمه ليس المهدي ومحمد بن عبد الله أو غير ذلك – هذا لا يهمنا، أليس كذلك؟ – نفترض أن الآن هيأ الله – عز وجل – حكومة رشيدة لرجل مُسلِم مثل أخينا ثروت – أخ في المسجد -، وحكم مثلاً نفترض بلاد الواق الواق، ولن نقول حكم مصر حتى لا تذهب في داهية، والله سوف تذهب إلى السجن! سوف يُقال ما قصة ثروت؟ لماذا ذكره عدنان ومثَّل به؟ مسكين هذا، أتى من المُستشفى، دعنا من ثروت يا سيدي، لو الله هيأ لجمال الكمال – هذا غير موجود – أن يحكم بلاد الواق الواق، وأعلن عن تحكيم شرع الله – تبارك وتعالى – وإقامة المعدلة ووضع الميزان بالقسط بإذن الله تعالى، هل يجب نصرته والدخول في حوزته أو لا يجب؟ يجب وبسعادة، الأمة تُريد هذا! بغض النظر هو مهدي أو غير مهدي، هذا لا يهمني، هذا كلام ابن عاشور، ما أجمله! ما أحسن هذا الكلام! قال ابن عاشور ديننا هكذا يا جماعة، قال ديننا نحن على هذا النحو، الإمام الذي نُريد أن نُبايعه ونُعطيه – إن شاء الله – عهداً وبيعة على مُهجنا وثمار قلوبنا وأبنائنا أيضاً ونُجاهِد معه ونُصرَع من دونه وحوله إمام العدل – قال – والقسط والشرع، وهذه الصفات مذكورة في كُتب السياسة الإسلامية، أليس كذلك؟ في كُتب الفقة مذكورة – قال – هذه، لا يهمنا اسمه مهدي أو غير مهدي، لا يهمنا! لكن لا يأت رجل أهبل في اليمن أو في السعودية والآن في البصرة وفي مصر لكي يقول لنا أنا المهدي، وبعد ذلك حين تُقرِّر الدولة أن تأخذه تبعث له رجلين من الشرطة فيشدانه من أُذنيه ويرميان به في الزنزانة إلى أن يتعفَّن ويموت هناك، مهدي ماذا؟ هل أنت أهبل؟ هل أنت تضحك علينا؟
قديماً صهر جهيمان – صهر جهيمان، ليس جهيمان كما يظن بعض الناس وإنما صهره المسكين، وكان طالباً في الكلية الشرعية – بأنه المهدي ورأى رؤيا بل رأى مرائي! ويُقال إنه رأى الرسول في المنام، قال له أنت المهدي، ستقولون لي لقد حيَّرتنا يا عدنان، لكنني لن أُحيِّركم إذا كنتم تعرفون العلم، فهذه ليس فيها أي شيئ، والآن سأفتح قوسين وسأتكلَّم عن المسألة هذه: (كثيرون جداً من مُدّعي المهدوية يحلفون، وبعضهم علماء والله، واحد منهم بالمُناسَبة عالم كبير جداً، تتلمذ على شيخ الإسلام أبي الفتح القُشيري – محمد بن دقيق العيد – ثلاثين سنة، ما رأيك؟ أخذ العلم في ثلاثين سنة، الفقه والحديث! علّامة كبير، وادّعى المسكين المهدوية في النهاية، ووضعوه في السجن واستتاب، قال إنه تاب وما إلى ذلك، وادّعى رسالة بمعنى جديد، قصة! وهو علّامة كبير وزاهد وصالح، وكان يُقسِم، يقول لهم رأيت الرسول ورأيت مرائي، أنا مأمور بهذا، عنده اختلال! المسكين مُضطرِب Disordered، اختلت الكيمياء، ربما مع قلة الأكل ومع الصوم أُصيب بالهبل، هناك مَن يصوم كثيراً ويظل ساهراً فيُصاب بالهبل ويهلوس، غلط! أنت الآن اذهب ولا تنم خمسة أيام، وسوف تُهلوِس، سوف تصير أنت النبي أيضاً، وسوف ترى أشياء وتسمع أشياء غير عادية، سوف تسمع أصواتاً طبعاً، كل هذه الأصوات هُذاءات سمعية كما يُسمونها، وهي أكثر من البصرية بالمُناسَبة، هذه الأشياء المسموعة التي تتوهمها أكثر من المُبصَرة، هذا في العلم، علم النفس! أشياء تتوهمها بسبب قلة النوم، أُصيبت بالهبل! الذهبي يقول كثيراً في النُبلاء هذا، يقول فلان من الصالحين ونحن نعرفه لكنه ادّعى كذا وكذا، قال الذهبي أنا أعرف هذا، هذا من قلة الأكل والشرب مع طول سهر المسكين والانعزال والتوحش والتأبد، جفت عروقه وجفت دماؤه وبدأ يُهلوِس قال، قال هذا صحيح وأنا أعرف الكلام هذا، هذا صحيح! الذهبي كلامه علمي، لذلك النبي كان يُحرِّج في هذا، لا وصال في الصوم، لا ترهبن في الإسلام، كُن طبيعياً، لا تقل لا أُريد النسوان، وإلا سوف تُصاب بالهبل بعد ذلك وسوف تصير مُعقَّداً، سوف تحدث لك أشياء غير طبيعية، حين تكون عندك رغبة في النسوان تزوَّج، اذهب وتزوَّج، أول ما تشتهي النسوان اذهب مع زوجتك مُباشَرةً، النبي قال هذا! لكي تبقى طبيعياً، لا تقل أنا لا أُريد هذا، أنت لست نصرانياً، أنت مُسلِم، كُن طبيعياً وفكِّر طبيعياً، أنا حين أقرأ الأشياء هذه أضحك، أقول هؤلاء الناس محرومون من أشياء كثيرة، هؤلاء مساكين، ولذلك يُهلوِسون، هؤلاء غير طبيعين وعندهم اختلالات كيميائية في الدماغ أيضاً، أعني بعضهم! وبعضهم من النصّابين).
نرجع، قال الشيخ ابن عاشور هذا الإمام، قال هذا واضح جداً…
(ملحوظة) المُحاضَرة غير مُكتمِلة للأسف الشديد.
10/10/2009
أضف تعليق