في البدء كانت المعلومة: كشف أسرار الخلق بين العلم والإيمان

audio

مقدمة: المعلومة أساس الوجود

لطالما شكَّلت البداية لغزًا فلسفيًا وعلميًا عميقًا، تُرى كيف نشأ الوجود؟ وهل كانت البداية بالكلمة كما ورد في الكتاب المقدس: “في البدء كانت الكلمة”؟ أم أن الأمر أعمق من ذلك؟ في خطبة الدكتور عدنان إبراهيم، “في البدء كانت المعلومة”، يُطرح منظور جديد، مفاده أن المعلومة هي اللبنة الأولى التي سبقت كل شيء. فقبل أن توجد الكلمة، كانت هناك معلومات، تصورات، وخطط دقيقة شكَّلت أساس هذا الكون.

المعلومة ليست مجرد مفهوم تجريدي، بل هي جوهر يربط بين المادة والفكر. إنها المبدأ الذي يفسر لنا الكون بكل ما فيه من أنظمة معقدة وترتيبات مذهلة.

عصر المعلومات: قفزات نوعية في حجم المعرفة

نعيش اليوم ما يُعرف بعصر ثورة المعلومات، حيث أصبحت المعرفة هي المصدر الأساسي للقوة والتقدم. يُقدِّر الخبراء أنه في عام 2000، بلغ حجم المعلومات التي راكمتها البشرية عبر تاريخها الطويل 12 إكسا بايت (Exabyte). ومع ذلك، شهدنا انفجارًا هائلًا بحلول عام 2010، حيث وصل الحجم إلى 988 إكسا بايت، وهو ما يمثل انتقالًا إلى عصر جديد: عصر الزيتا بايت (Zettabyte).

تُظهر هذه الأرقام التحول الجذري الذي شهده العالم، حيث أصبحت المعلومات ليست فقط وسيلة للتواصل، بل ثروة تساوي اقتصاديات دول كبرى. وكما يقول الدكتور عدنان:

“المعلومة تساوي مالاً، وتساوي إبداعاً، وتقنيات، وحضارة، ومدنية”.

المعلومة لم تعد مجرد محتوى يتم استهلاكه، بل هي أداة تُستخدم لإعادة تشكيل الواقع، وبناء الحضارات، وتحقيق التحولات التقنية والاجتماعية التي نراها اليوم.

بين الخلق والتقدير: المعاني الدقيقة في القرآن الكريم

في القرآن الكريم، يُستخدم مفهوم الخلق ليُشير إلى التقدير المحكم والخطة الدقيقة. يوضح الدكتور عدنان أن الخلق ليس مجرد الإيجاد من العدم، بل هو بناء مخطط شامل يسبق أمر التكوين. يقول الله تعالى: “فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ” (المؤمنون: 14)، وهنا يتجلى أن الخلق مرتبط بالتقدير، وليس فقط بالإبداع اللحظي.

“القضية برمتها أين تكمن؟ تكمن في ما قبل أمر التكوين، فأمر التكوين هو الأسهل بالنسبة لنا”.

هذا الطرح يُبرز التمييز بين “الخلق” و”التكوين”، حيث يُظهر القرآن أن هناك مرحلة من التخطيط والتقدير تسبق ظهور الأشياء في الوجود.

ثورة الأحياء: دور المعلومات في الحياة

أحد الأمثلة الحية على مركزية المعلومة هو الحمض النووي (DNA)، تلك الشيفرة الوراثية التي تُعتبر خريطة البناء لكل كائن حي. يحتوي هذا الحمض على تعليمات مشفرة تحدد كيفية بناء البروتينات التي تُشكِّل الأنسجة والأعضاء. لكن الأكثر إثارة هو كيف تتم عملية تنظيم هذه الخلايا وترتيبها بدقة مذهلة في أنسجة وأعضاء متخصصة.

“حتى لو حدثت طفرات لا نهائية، فإنها لا تكفي لتشكيل عضو جديد بالكامل”.

يُبرز الدكتور عدنان هنا سر التخصص الخلوي، وهو أن الخلايا تعرف مكانها ووظيفتها ضمن الكائن الحي. هذه المعلومات المشفرة التي تنظم العمليات الحيوية تُظهر أن المعلومة ليست مجرد بيانات، بل نظام شامل يقود الحياة بتعقيداتها.

تحديات نظرية التطور: معضلة العصر الكامبري

تُواجه نظرية التطور تحديات كبيرة، أبرزها الانفجار الكامبري. هذا العصر، الذي امتدَّ قرابة 56 مليون سنة، شهد ظهورًا مفاجئًا لأنواع حية معقدة. السؤال الذي يطرحه الدكتور عدنان هو: كيف ظهرت هذه الكائنات فجأة دون وجود أسلاف واضحة لها في السجل الأحفوري؟

“في العصر الكامبري حدث انفجار معلوماتي على الأرض، يتطلب تفسيراً يتجاوز فكرة الطفرات العشوائية”.

يُقارن الدكتور عدنان هذا الانفجار بمخطط ذكي أُعدَّ مسبقًا، حيث لا يمكن تفسير ظهور هذه الأنواع المتعددة والمعقدة بالصدفة أو بالطفرات العشوائية وحدها. المعلومات المطلوبة لحدوث هذا التحول تمثل لغزًا كبيرًا يتجاوز قدرات العلم الحالي.

المعلومة والإيمان: العلم لا يناقض العقيدة

يدعو الدكتور عدنان إلى التأمل والتروي في التعامل مع القضايا العلمية، مؤكدًا أن العلم لا يجب أن يكون سلاحًا ضد الإيمان، بل أداة لفهم أعمق للكون. النظريات العلمية ليست حقائق مطلقة، بل هي محاولات لفهم الظواهر. يقول:

“الموضوع أعقد بكثير من أن يُجزَم بنظريات تعاني من متاعب حقيقية”.

يرى الدكتور عدنان أن العلم، بدلاً من أن يُبعدنا عن الإيمان، يمكن أن يكون وسيلة للتقرب إلى الله من خلال فهم عظمة خلقه وإتقان نظامه.

المعلومة مفتاح المستقبل

إن فهم المعلومة كجوهر أساسي في الوجود يُغير طريقة تعاملنا مع العلم والدين على حد سواء. المعلومة ليست فقط وسيلة لتحقيق التقدم، بل هي مدخل لفهم أعمق لوجودنا. كما يوضح الدكتور عدنان، فإن البحث عن المعلومة واكتشافها هو جوهر الإنسانية:

“بقدر ما فيك من هذا الطوقان ومن هذا العشق المعرفي، أنت إنسان”.

إن إدراك هذا البعد يجعلنا نعيد التفكير في علاقتنا بالمعلومة، ليس فقط كوسيلة للتطور، بل كعنصر أساسي لفهم الكون وإدراك دورنا فيه.

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: