أخي الكريم سأل عدة أسئلة في سؤال – بارك الله فيه -. قال هل يُمكِن أن نجعل المعيار إذا آتاكم مَن ترضون خُلقه ودينه، فزوّجوه؟ نعم، بلا شك، ليس مُمكِناً فحسب، بل هذا هو المطلوب، المطلوب أن يكون هذا المعيار الأساسي في اختيار الزوج.
أنا عندي بنت، أو عندي أخت، أو عندي كذا. المعيار الأساسي أن يكون الشخص المُتقدِّم لخِطبتها مرضياً في خُلقه، ومرضياً في دينه. الأشياء الأُخرى بلا شك لها اعتبار، لن نقول ليس ليس أي اعتبار، ولكن هذا هو المعيار الرئيس.
فمثلاً قد لا تُعجَب الفتاة بشخصية هذا الإنسان المُتقدِّم أو الخاطب المادية. لم تُعجَب به، حين رآته هكذا، مع أنه لا يُعاب في دينه، ولا يُعاب في أخلاقه، ولكنها لم تُحِب هذا النمط من الشخصيات، وقالت لك لا، شخصيته هكذا لم تُعجِبني، و(كله على بعضه) هكذا لم يُعجِبني، أي كقالب، لم أرتح له. وطبعاً هذا له اعتباره.
فصحيح أن المعيار الأساسي هو إذا آتاكم مَن ترضون خُلقه ودينه، فزوّجوه. هذا كمعيار أساسي، أحسن معيار! بمعنى أنك إذا جعلت المعيار إذا آتاكم مَن ترضون جماله وماله، فسوف تدفع – والله – الكثير، أي كما يقولون أنت سوف تشرب من (كيعانك)، والله! وهذا غير أنك سوف تبكي بالدم. هذا إن تزوَّجت منها أو إن تزوَّجت منه لأنه حلو وطويل ومُهذّب وقسيم ووسيم وعنده مال، لأنك سوف ترين شخصيته فيما بعد، سوف يتضح أن شخصيته نرجسية، وسوف يجعلك ترين الويل. أو سوف يتضح أن شخصيته هيسترية، وسوف يجعلك ترين (نجوم الظهر) كما يُقال. فأنت تستأهلين. هذا المعيار، أليس كذلك؟
والأمر نفسه إذا تزوَّجتها من أجل جمالها، أي لأنها حلوة فقط. لكن هل بحثت عنها، عن أسرتها، عن أمها، وعن جدتها؟ وعلى فكرة لا يُمكِن أن نكتفي فقط بــ (اقلب القدرة على فمها، تطلع البنت لأمها). أيضاً (اقلب الولد على بوزه، يطلع الولد “لأبوه”). هذا هو، أي الشيئ نفسه، فكما تتماهى البنات في المُطلَق بأمهاتهن، يتماهى الأبناء بآبائهم. هذا في المُطلَق طبعاً، وليس في كل حالة حالة، ولكن هذه القاعدة فعلا، هذا هو طبعاً، لأن هذا حتى بلُغة علم النفس اسمه التوحد، هناك التماهي، أي الــ Identification، البنت الصغيرة تتماهى بأمها، والولد الذكر الصغير يتماهى بأبيه. فكما البنت صورة من أمها، الولد صورة من أبيه. ولذلك حين تُزوّج إحداهن، انظر إلى أصل مَن أتى لكي يطلب منك أن يُزوَّج.
وبعد ذلك أخي قال شيئاً جميلاً، قال هو يرى أن سبب الطلاق – أو بالأحرى من أسباب الأطلاق، لا يُوجَد شيئ اسمه سبب الطلاق، لكن هذا من أسباب الأطلاق – قد يكون أن الزواج في الأصل لم يقم على حُب. نعم، هذا صحيح بنسبة مائة في المائة، أنا أبصم معك بالعشرين وليس بالعشرة فقط، مائة في المائة! وهذا يذكره علماء الاجتماع وعلماء النفس الذين درسوا موضوع الطلاق، ويقولون كثير – نسبياً طبعاً – من حالات الطلاق إنما تكون وتنجر عن حقيقة أن الزواج تم باستعجال، لم يتم باختيار حقيقي، أملته قناعات مدروسة، أملته مشاعر واضحة، أبداً! إنما لضرورات أُخرى. مثل أن العمر يتقدَّم، كبرت! أنهيت الماجستير وصار عمري سبعاً وعشرين سنة، لا! فمتى إذن؟ متى سأتزوج؟ أنا أيضاً كبنت كبرت، صار عمري أربعاً وعشرين سنة، سوف أبور وسوف يفوتني القطار.
خرَّب الله بيت هذا القطار، الذي يفوت الكثيرين. يُقال إذن عجّل، هيا، لبّسها في أي واحد. وأنتِ اسكت، انتهى الأمر، حتى لا تبوري وتعنسي. فتأخذ المسكينة واحداً ليس هو الذي تُريده، وهو ينطبق عليه الشيئ نفسه، يأخذ أي واحدة، بسبب ماذا؟ القطار. وقلت لك خرَّب الله بيت هذا القطار. كثيرة في النمسا القطارات هذه! هذا كان أولاً.
ثانياً يقع هذا بسبب الإلحاح الجنسي، وخاصة في المُجتمَعات اليوم، ولن أقول لك المُجتمَعات الغربية. انس هذا! الغرب كالشرق اليوم، لا يُمكِن لأحد أن يقول لي الغرب. الغرب كالشرق، في ظل النت Net وهذه السفالة العالمية، أصبح الغرب كالشرق، بل الشرق أشقى من الغرب في هذا الباب، أليس كذلك؟ صار هناك إلحاح رهيب للعامل الغرزي، للعامل الجنسي، على الشباب بالذات، وأقل من هذا بكثير طبعاً النساء أو البنات علمياً. فبسبب الإلحاح هذا يستعجل أيضاً، ويقول أُريد أي شيئ، لكي تسير الأمور. لا! هذا غلط.
ثالثاً هناك بعض الدواعي الاجتماعي، لأنه غير قادر على أن يفتح بيتاً وحده، فلابد وأن ينضم إليه الطرف الثاني، لكي يضع ماهيتها وماهيته – أي مُرتبها ومُرتبه – على بعضهما، ويقول هذا لكي نقدر على فتح بيت، ومن ثم نتزوّج ونأتي بأولاد. فيتزوَّج واحدة، لأن فقط عندها شهادة وعندها عمل. وهو غير مُقتنِع بها كثيراً، لكنه يقول لا تُوجّد مُشكِلة، وما إلى ذلك. ولا يهتم لا بأصلها ولا بفصلها ولا بغير ذلك، ويفعل هذا بشكل سريع.
وكل هذا غلط، كل الزيجات التي تبدأ بمثل هذه الخيارات البتراء، مُرشَّحة أكثر من غيرها لأن تنتهي بإخفاق وبفشل، بخلاف الزواج الذي يكون عن قناعة حقيقية ومدروسة.
ولذلك أنا أقول فترة الخِطبة لا ينبغي أن تكون قصيرة خاطفة، كما لا ينبغي أن تتمادى جداً. لا ينبغي أن تمتد الخِطبة إلى ست سنوات أو سبع سنوات وثماني سنوات، فهذا كلام فارغ، لكن بصراحة حين تمتد إلى سنتين أو إلى ثلاث سنوات، يكون هذا أيضاً معقولاً. يُمكِن أن تمتد إلى سنتين أو إلى ثلاث سنوات الخِطبة، على أن تكون بالشروط الشرعية. تخرج معه ويخرج معها، مع طرف ثالث، من غير خلوة. ويُمكِن حتى أن يخرجا معاً وحدهما، لكن من غير خلوة، أي في وسط المُجتمَع وبشكل عادي.
هذا ضروري، ومُهِم جداً جداً، لكي تقترب منه ويتقرب منها، ويتعرفا على تفكير بعضهما. لأن على فكرة التمثيل كالكذب حبله قصير ولا ذاكرة له. أي قد يُمثِّل أحدهم عليها لشهرين أو لثلاثة أو لأربعة أو لخمسة، عادي! لكن بعد سنة، الشغف سوف يخف، أليس كذلك؟ هذا هو. وسوف تبقى الحميمية – إن كانت هناك حميمية طبعاً -، وسوف يبقى التعلق الروحاني الحقيقي.
وهذا الفرق بين الحُب والحُب الرومانسي. الذي يُدمِّر الشباب والشابات أوهام الحُب الرومانسي. هم يُحِبون الحُب الأفلاطوني الرومانسي هذا. ما الحُب الرومانسي هذا؟ الحُب الرومانسي حُب بصراحة فيه شغف – أي فيه Passion -، وهو شغف غرزي، هذا أكثر شيئ بصراحة! شغف غرزي، التواصل الجُسماني يُمليه ويَحفزه ويُحرّكه، لكن دون ماذا؟ دون قرار ودون رغبة في الالتزام. لا تُوجَد التزامات حقيقية!
الحُب الناضج الذي نُريده نحن لأولادنا (لأبنائنا ولبناتنا)، حُب ليس رومانسياً، حُب مُلتزِم. فيه شغف، أهلاً وسهلاً! فيه حميمية حقيقية بعد ذلك، فيه نُضج، وفيه وعي بالمسئوليات. هناك التزام، هناك قصة كبيرة سوف تأتي فيما بعد، فالحكاية ليست حكاية أن تتزوَّج ومن ثم ينتهي الأمر، لا! هناك عالم من الالتزامات. وأنا واعٍ بكل التزامتي هذا، ومُستعِد لها – بإذن الله تعالى -. أليس كذلك؟
أنت لا تدخل في أي امتحان هكذا دون استعداد. تأخذ أهبتك، والحياة الزوجية أكبر امتحان، وأصعب امتحان، وأطول امتحان على فكرة! وأنا أعتبر بصراحة أن معيار الزواج الدائم من معايير نجاح الشخصية، مثلما النجاح في الصداقات الدائمة معيار من معاييرها.
أضف تعليق