عَن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خيرا، فَإِنَّ المَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلاَهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خيرا» (صحيح البخاري ح3331 وح5185 وصحيح مسلم ح1468)
في رواية: «إنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ لَنْ تَسْتَقِيمَ لَكَ عَلَى طَرِيقَةٍ، فَإِنِ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَفِيهَا عِوَجٌ، وَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا كَسَرْتَهَا، وَكَسْرُهَا طَلَاقُهَا» (مسند أحمد ح10448 ومسند الحميدي ح1203 وصحيح مسلم ح1468)
وفي ثالثة: «إِنَّمَا الْمَرْأَةُ كَالضِّلَعِ، إِنْ تُقِمْهَا، تَكْسِرْهَا، وَإِنْ تَسْتَمْتِعْ بها، تَسْتَمْتِعْ وَفِيهَا عِوَجٌ» (صحيح البخاري ح4889، وصحيح مسلم ح1468 وح3717 وسنن الترمذي ح1188).
إن أدنى تأمل في هذه الروايات يوصلك إلى النتيجة التي استخلصها السادة العلماء، وسطروها في كتبهم دون حياء، فالحديث يشبّه المرأة بالضلع الأعوج، ويصفها بالالتواء المتكرر فهي لا تستقيم على طريقة، ويحكم عليها باستحالة الاستقامة والصلاح ولو حاول الزوج ـ المستقيم الصالح طبعا ـ ويفيد أن الإصرار على إقامتها ينتهي بالطلاق حتما، فكما لا يمكن إصلاح اعوجاج الضلع/العظم المعوج إلا بكسر بعض أجزائه، فكذلك لا تنصلح المرأة إلا بمعاقبتها عبر الطلاق.
هكذا يعتقد علماؤنا مهما تأدبوا في التعبير، وبعضهم قال ذلك صريحا دون أدنى خجل من الله جل جلاله، أو أدب مع الأمهات اللائي ولدنهم.
وتبعا لمعتقد السادة العلماء، فإن العامة ينعتون المرأة بأنها: “ضلعة عوجاء”، وبلغة الفصحاء: “المرأة ضلع أعوج”.
وإليك أقوال بعض المصرحين المغترين بروايات الصحيحين المقدسين لما صححه أوائل المحدثين:
جاء في فتح الباري لابن حجر (6/ 368): قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ مَبْلَغِ ضِلَعٍ فَهِيَ كَالضِّلَعِ، زَادَ فِي رِوَايَةِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ: (لَنْ تَسْتَقِيمَ لَكَ عَلَى طَرِيقَةٍ) قَوْلُهُ: (وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ) قِيلَ: فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ أَعْوَجَ مَا فِي الْمَرْأَةِ لِسَانُهَا، وَفَائِدَةُ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ أَنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ أَعْوَجَ، فَلَا يُنْكَرُ اعْوِجَاجُهَا، أَوِ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّهَا لَا تَقْبَلُ التَّقْوِيمَ كَمَا أَنَّ الضِّلَعَ لَا يَقْبَلُهُ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ) قِيلَ: هُوَ ضَرْبُ مَثَلٍ لِلطَّلَاقِ، أَيْ إِنْ أَرَدْتَ مِنْهَا أَنْ تَتْرُكَ اعْوِجَاجَهَا أَفْضَى الْأَمْرُ إِلَى فِرَاقِهَا، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ: (وَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا كَسَرْتَهَا وَكَسْرُهَا طَلَاقُهَا).
قلت: وكأن لسان كل الرجال عفّ طاهر.
وفي “فتح الباري” (9/ 253) أيضا: الْمَعْنَى أَنَّ النِّسَاءَ خُلِقْنَ مِنْ أَصْلٍ خُلِقَ مِنْ شَيْءٍ مُعْوَجٍّ، وَهَذَا لَا يُخَالِفُ الْحَدِيثَ الْمَاضِيَ مِنْ تَشْبِيهِ الْمَرْأَةِ بِالضِّلْعِ، بَلْ يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا نُكْتَةُ التَّشْبِيهِ وَأَنَّهَا عَوْجَاءُ مِثْلُهُ لِكَوْنِ أَصْلِهَا مِنْهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي كِتَابِ بَدْءِ الْخَلْقِ. قَوْلُهُ: (وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ) ذَكَرَ ذَلِكَ تَأْكِيدًا لِمَعْنَى الْكَسْرِ، لِأَنَّ الْإِقَامَةَ أَمْرُهَا أَظْهَرُ فِي الْجِهَةِ الْعُلْيَا، أَوْ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ أَعْوَجِ أَجْزَاءِ الضِّلْعِ مُبَالَغَةً فِي إِثْبَاتِ هَذِهِ الصِّفَةِ لَهُنَّ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ضَرَبَ ذَلِكَ مَثَلًا لِأَعْلَى الْمَرْأَةِ لِأَنَّ أَعْلَاهَا رَأْسُهَا وَفِيهِ لِسَانُهَا، وَهُوَ الَّذِي يَحْصُلُ مِنْهُ الْأَذَى… قَوْلُهُ: (فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ) الضَّمِيرُ لِلضِّلْعِ لَا لِأَعْلَى الضِّلْعِ، وَفِي الرِّوَايَةِ الَّتِي قَبْلَهُ: (إِنْ أَقَمْتَهَا كَسَرْتَهَا) وَالضَّمِيرُ أَيْضًا لِلضِّلْعِ وَهُوَ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِلْمَرْأَةِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ بَعْدَهُ: (وَإِنِ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا)… قَوْلُهُ: (وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ) أَيْ وَإِنْ لَمْ تُقِمْهُ… فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنْ لَا يَتْرُكَهَا عَلَى الِاعْوِجَاجِ إِذَا تَعَدَّتْ مَا طُبِعَتْ عَلَيْهِ مِنَ النَّقْصِ إِلَى تَعَاطِي الْمَعْصِيَةِ بِمُبَاشَرَتِهَا، أَوْ تَرْكِ الْوَاجِبِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنْ يَتْرُكَهَا عَلَى اعْوِجَاجِهَا فِي الْأُمُورِ الْمُبَاحَةِ، وَفِي الْحَدِيثِ النَّدْبُ إِلَى الْمُدَارَاةِ لِاسْتِمَالَةِ النُّفُوسِ وَتَأَلُّفِ الْقُلُوبِ، وَفِيهِ سِيَاسَةُ النِّسَاءِ بِأَخْذِ الْعَفْوِ مِنْهُنَّ وَالصَّبْرِ عَلَى عِوَجِهِنَّ.
وقال عصريّنا أبو إسحاق الحويني في دروسه المفرغة بالموسوعة الشاملة: الضلع: هو العظم الذي في رأسه ميل واعوجاج، فالمرأة خلقت معوجة في طباعها وأخلاقها، مثل المكان الذي خرجت منه وهو الضلع… لو علم المسلم هذه الحقيقة، لعرف كيف يتعايش مع الزوجة بدون مشاكل، امرأة خلقها الله معوجّة، فإن أردت أن تقيمها فلا تستطيع، وإنما تتعايش معها مع بقاء العوج فيها؛ لأنها مجبولة على ذلك، ويكون التعايش مع المرأة بالمداراة، وبالمعاريض، وبالصبر عليها، خاصة إذا كانت الأخطاء التي تصدر من المرأة لا تخالف الشرع، وإنما أخطاء لا تنفك عنها الحياة الزوجية.
وقال فيها أيضا: وبما أن المرأة ضلع أعوج هكذا، فأنت لابد أن تتعوج لكي يتلاءم الشيئان على بعض، لو أنت مثل السيف، وهي ربنا خلقها هكذا عوجاء لا يحصل التطابق والائتلاف، فلأجل حياة سوية سعيدة عليك أن تجاريها وتداريها كي يحصل الائتلاف والشعور بالكيان الواحد. انتهى الهراء
هذا غيض من فيض أقوال العلماء كبارا وصغارا، قدامى ومحدثين، فلا غرو يصبح ما قالوه شعرا يتندّر به المغترون والمقلدون، ففي المقاصد الحسنة (ص: 324) للسخاوي: ولسليمان ابن يزيد العدوي من قصيدة طويلة يذم امرأة فيها:
هي الضلع العوجاء لست مقيمها … ألا إن تقويم الضلوع انكسارها
أتجمع ضعفا واقتدارا على الفتى … أليس عجيبا ضعفها واقتدارها
وأمعن بعض السلف الكبار في الفحش وسوء الأدب، فنذكر قولهم الفاجر ونتستر على أشخاصهم رحمة بالقارئين:
جاء في سنن ابن ماجه أن إماما كبيرا سئل عَنْ حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “يُرَشُّ مِنْ بَوْلِ الْغُلَامِ، وَيُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الْجَارِيَةِ”، وَالْمَاءَانِ جَمِيعًا وَاحِدٌ! قَالَ: لِأَنَّ بَوْلَ الْغُلَامِ مِنْ الْمَاءِ وَالطِّينِ، وَبَوْلَ الْجَارِيَةِ مِنْ اللَّحْمِ وَالدَّمِ، ثُمَّ قَالَ لِي: فَهِمْتَ؟ أَوْ قَالَ: لَقِنْتَ؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا. قَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَمَّا خَلَقَ آدَمَ خُلِقَتْ حَوَّاءُ مِنْ ضِلْعِهِ الْقَصِيرِ! فَصَارَ بَوْلُ الْغُلَامِ مِنْ الْمَاءِ وَالطِّينِ، وَصَارَ بَوْلُ الْجَارِيَةِ مِنْ اللَّحْمِ وَالدَّمِ. قَالَ: قَالَ لِي: فَهِمْتَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قال: قَالَ لِي: نَفَعَكَ اللَّهُ بِهِ.
قلت: غفر الله لقائل هذا التفسير الفاحش، فأبونا آدم وحده المخلوق من الماء والطين، وأمنا حواء وحدها مخلوقة من آدم على فرض صحة ذلك، ومن بعدهما من الذكور والإناث مخلوقون من “ماء مهين”.
ورحم الله كل العلماء والمشايخ على منكر القول والفهم، ولو أنهم تحرروا من ورطة تقديس الصحيحين، واعتقاد عصمتهما من الضعف والخطأ والأوهام، ثم اجتهدوا في جمع طرق هذا الحديث ورواياته، لأبصروا الحق وهدوا إلى الصواب.
إن حديثهم المعتمد منحول أومحرّف من قبل الرواة، ونبينا عليه السلام بريء منه، وهو مردود لهذه الأسباب التي يعرفها العلماء لكنهم لا يلتفتون إليها بسبب غشاوة عصمة الصحيحين:
أولا: هذا الحديث معارض لكتاب الله المحكم، فالله جل جلاله يقول: (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم)، ويقول سبحانه: (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِن طِينٍ، ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ، ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ، وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ). ويقول أيضا: (يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ، الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدّلَكَ، فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ). ويقول جل ثناؤه: (أَيَحْسبُ الإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى، أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ تمنى، ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى، فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى).
إن القرآن يصرح في هذه الآيات وغيرها بأن الإنسان بجنسيه الذكر والأنثى مخلوق في أحسن تقويم ظاهري وباطني، أي أن الأنثى مستقيمة الخلقة والطبيعة والأصل كالذكر تماما، ثم تتدخل العوامل لتحرف ذلك أو تزيده تقويما، والحديث الآفة يصرح بعكس ذلك، فالأنثى حسب إفادته خلقت منحرفة معوجة، أي أنها لم تخلق (في أحسن تقويم) كما قال ربنا سبحانه، وأنه لا ينطبق عليها قوله تعالى: (أحسن كل شيء خلقه)، وقوله: (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ)، وقوله: (خلقّ فسوى)…
فهل نصدق كتاب ربنا المتواتر لفظا ومعنى، أم تلك الروايات المعوجة المنحرفة؟ وهل يجوز أن يتلفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم بما ينقضه القرآن؟
ثانيا: يخبرنا الحديث الآفة أن المرأة تولد منحرفة معوجة في طباعها وأخلاقها، وأن إصلاحها وتقويمها مستحيل، وهذا كذب على الله ورسوله، فكل مولود يولد على الفطرة كان ذكرا أو أنثى، والفطرة هي البراءة من العيوب النفسية والانحرافات الباطنية، أي أن المرأة تولد مستقيمة صالحة ولو كان أبواها كافرين أو مسلمين فاجرين.
ثم إن إصلاح المنحرف والمعوج بالتربية والتهذيب المتدرجين عملية تنجح مع الرجال والنساء على حد سواء، بل إن إصلاح الأنثى أسهل وأيسر من تقويم الرجل، والدعاة يعرفون هذا جيدا، والأنبياء لم تتصد لهم النساء بل الرجال، وبمجرد ما يهتدون ويستقيمون تهتدي النسوة بعدهن وتستقمن في وقت قياسي ودون عناء.
هذه حقائق مقرّرة دينا وواقعا، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يجهل ذلك، وبالتالي لا يمكن أن يقول خلافه، فالحديث الآفة ليس كلامه حتما.
ثالثا: يفهم من الحديث الآفة أن أخلاق الرجال وطباعهم صالحة قويمة، وهذا مخالف للواقع الملموس عبر التاريخ، وما أنزل الله كتبه وبعث أنبياءه إلا لإصلاح أخلاق الرجال الحيوانية وتهذيب طباعهم البهيمية قبل إصلاح نسائهم المجرورات المغلوبات، ولو استفتينا النساء عن أخلاق الرجال لتعوّذن منها صباح مساء، فالرجل في الغالب قاس متعجرف أناني ظالم…
إننا نقول هذا لأن المرأة هي الأم بالدرجة الأولى، ومن منا يتجرأ على تفضيل أبيه على أمه من حيث الأخلاق والطباع؟
ولو قمنا بمقارنة أخلاق الرجال السيئة بأخلاق النساء القبيحة، لكانت النتيجة هي أن المرأة أفضل من الرجل بمراحل.
ومنتهى ما تقدر عليه المرأة هو أن تخادع زوجها الجبار القاسي المتكبر، وتتحايل عليه بأساليب بسيطة بدائية لتبلغ مطلوبها إن بلغت.
وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرف الناس بالنفوس البشرية وطباع الرجال وأخلاق النساء، فلا يعقل أن ينطق بما يفيد غير ما تقدم.
رابعا: إن الأنثى الوحيدة المتولدة من الضلع هي أمّنا حوّاء عليها السلام حسب المعتقد السائد، فإنها متخلقة من أحد أضلاع أبينا آدم عليه السلام.
وحواء أكرم وأعقل وأفضل من كل الرجال غير الأنبياء، فربما تساويهم عند الله، ولم يكن فيها أي اعوجاج في الطباع أو انحراف في الأخلاق، والحديث الآفة يقول غير ذلك، بل يحمّلها توريث بناتها العوج والالتواء، ورسول الله لا يعقل أن يقول ذلك، لأنه يدرك شرف أم البشرية وتمام صلاحها وكمالها خلقا وخلقا، ولأن حواء أمه فلا يمكن أن يسيء الأدب معها ويعيب أخلاقها.
خامسا: النساء لم يخلقن من الضلع كما يفيد حديثكم الآفة، بل متولدات كالرجال من النطفة المؤلفة من أمشاج الذكور/الآباء والإناث/الأمهات، فالحديث منقوض بالواقع المشاهد الملموس.
سادسا: إن الرجال يحملون على سبيل الوراثة الجينية مزيجا من خصائص الآباء والأمهات، وهم في ذلك كالنساء تماما، أي أن المرأة لا تنفرد بخصائص أمنا حواء، والرجل لا ينفرد بطباع أبينا آدم.
والطباع/الأخلاق تطورت لدى أسلافنا بعد آدم وحواء عليهما السلام جيلا بعد جيل، حتى ظهر الاعوجاج والانحراف بعدهما بمئات الأعوام قبيل بعثة سيدنا نوح.
فالحديث الآفة يعارض الحقائق العلمية، حيث يبرئ الرجل من وراثة خصائص الأم الأولى، وينفي عن المرأة وراثة طباع الأب الأول، ورسول الله لا يمكن أن ينطق بما يعارض العلم والعقل.
سابعا: روايات الحديث الآفة مختلفة متناقضة مضطربة كما سيأتي، والرسول لا يضطرب في أقواله بل يثبت عليها.
والاضطراب علامة التحريف أو الكذب، ويشكّك في صحة القول المنسوب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثامنا: كان هذا الحديث مجهولا لدى كبار أصحاب رسول الله السابقين إلى الإسلام كمولانا عمر بن الخطاب وسيدنا عبد الله بن مسعود وجرير بن عبد الله البجلي كما سيأتي في قصتهم، ولم يروه إلا من تأخر إسلامه كأبي هريرة، وهذا يشككنا في صحة نسبته إلى رسول الله.
النتيجة المنطقية:
هذه القرائن والأدلة تشهد بشكل قاطع بأن (الحديث) لا يصح ولا يثبت، والرسول صلى الله عليه وسلم لم يقله، فالإسلام بريء من تصوير المرأة بالاعوجاج والانحراف في الأخلاق والطباع.
ويظهر بعد البحث المتقصي المتحرر من التقليد وتهيب مواقف السادة العلماء احتمالان لا ثالث لهما: إما أن أصل الحديث هو الروايات الإسرائيلية، أو أن الرسول قال شيئا حول المرأة يوصي بها، فحرّفه الرّواة كما حصل بخصوص أحاديث كثيرة.
دليل الاحتمال الأول:
وجدنا روايات تصرّح بأن ذلك الحديث المنسوب إلى رسول الله من ضمن الإسرائيليات بلفظه ومعناه، وهو مروي عن سيدنا إبراهيم الخليل، فدل ذلك على أن الرواة نسوا وتوهموا فنسبوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ويجوز أن يكون النسيان والوهم من سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه، فقد حصل له مثل ذلك في إسرائيليات سمعها من كعب الأحبار، وهذا أمر ثابت مقرر عند المحدثين، وبعضهم يعاند ويكابر فيدعي أن ذلك من صنيع تلامذته.
وسواء كان النسيان منه أو من أصحابه، فنسبة الإسرائيليات من طريقه أو طريقهم إلى رسول الله أمر معروف، وقد وجدنا ما ينسب حديثه عن اعوجاج طبيعة المرأة إلى الإسرائيليات، فترجح احتمال النسيان والوهم منه أو من الرواة عنه:
فعن حنظلة بن نعيم، عَنْ أَوْسِ بْنِ ثُرَيْبٍ قَالَ: أَكْرَيْتُ الْحُجَّاجَ، فَدَخَلْتُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، فَإِذَا عُمَرُ وَجَرِيرٌ، قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ لِجَرِيرٍ: يَا أَبَا عَمْرٍو، كَيْفَ تَصْنَعُ مَعَ نِسَائِكَ؟ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنِّي أَلْقَى مِنْهُنَّ شِدَّةً، مَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَدْخُلَ بَيْتَ إِحْدَاهُنَّ فِي غَيْرِ يَوْمِهَا، وَلَا أُقَبِّلُ ابْنَةَ إِحْدَاهُنَّ فِي غَيْرِ يَوْمِهَا إِلَّا غَضِبْنَ: قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُنَّ لَا يُؤْمِننَّ بِاللَّهِ، وَلَا يُؤْمِننَّ لِلْمُؤْمِنِينَ، لَعَلَّكَ أَنْ تَكُونَ فِي حَاجَةِ إِحْدَاهُنَّ فَتَتَّهِمُكَ، قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَهُوَ فِي الْقَوْمِ: ” يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَمَا تَعْلَمُ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ شَكَا إِلَى رَبِّهِ ذرءا فِي خُلُقِ سَارَةَ، قَالَ: فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ الْمَرْأَةَ مِثْلُ الضِّلْعِ، إِنْ أَقَمْتَهَا كَسَرْتهَا، وَإِنْ تَرَكْتَهَا اعْوَجَّتْ، فَالْبَسْ أَهْلَكَ عَلَى مَا فِيهِمْ”، قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ لِعَبْدِ اللَّهِ: إِنَّ فِي قَلْبِكَ مِنَ الْعِلْمِ غَيْرَ قَلِيلٍ، قَالَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. (رواه عبد الرزاق في مصنفه7/303، وابن أبي شيبة في مصنفه(4/197)، وابن أبي الدنيا في النفقة على العيال2/662، والبخاري في تاريخه2/18 و7/45، وابن راهويه كما في المطالب العالية للحافظ ابن حجر(5 / 108)، والطبراني في المعجم الكبير(9/ 338)، وابن عساكر في تاريخ دمشق69/189 من طرق صحيحة عَنْ أَبِي طَلْقٍ (علي بن حنظلة) والركين بن الربيع الفزاري عن حنظلة بن نعيم).
وأبو طلق حسن الحديث، فقد روى عنه جماعة، وقال ابن معين في الجرح والتعديل6/181: مشهور. وأورده ابن حبان في ثقاته7/208، والحافظ قطلوبغا في الثقات7/111. ومتابعه الرّكين بن الرّبيع الفزاري إمام ثقة من رجال صحيح مسلم.
وشيخهما حنظلة بن نعيم تابعي كبير، كان صديقا لسيدنا عمر، وأورده ابن حجر في الصحابة، وذكره العجلي في ثقاته2/316 وصرح بتوثيقه، وترجمه ابن حبان في ثقاته4/166 و5/477، وصحح له الضياء في المختارة، ووثقه الهيثمي في مجمع الزوائد10/22.
وقلب الركين بن الربيع اسمه، فسماه نعيم بن حنظلة، فخفي ذلك على المحدثين، وبهذا الاسم أخرج له البخاري في الأدب، وأبو داود وابن حبان وغيرهم حديثا آخر في ذم ذي الوجهين، صححه الألباني، وحسنه الأرنؤوط، وهو من رجال التهذيبين بهذا الاسم المقلوب.
وشيخه أوس بن ثريب التغلبي، أورده الحافظ ابن حجر في الإصابة، وذكره ابن حبان في ثقاته4/44. ووقع في تاريخ البخاري7/45: أوس بن أبي أوس، وفي الصحابة من اسمه كذلك فيتقوى صنيع ابن حجر. فأوس بن ثريب تابعي قديم موثق، أو صحابي لم يشتهر.
فصح الأثر وثبت عن ابن مسعود رضي الله عنه من طريق حنظلة بن نعيم.
ويزداد قوة وصحة بما أخرجه المؤرخ الثقة ابن أبي شبة في أخبار المدينة3/197 بإسناد حسن إلى الحافظ الثقة مسعر بن كدام عن ابن طليق قال: تذاكروا النساء يوما عند عمر رضي الله عنه، فقال جرير بن عبد الله رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين، ما أستطيع أن أقبّل ابن إحداهن في يوم صاحبتها، وإني لأكون في حاجة إحداهن فترى أني في غير ذلك. قال: فوقع عمر رضي الله عنه في النساء ونال منهن، فقال ابن مسعود رضي الله عنه: أما علمت أن إبراهيم شكا إلى ربه ذرا في خلق سارة، فأوحى الله إليه: إنما المرأة كالضلع، إن أقمته كسرته، فدارها تعش بها. فضرب عمر رضي الله عنه بيده على جنب عبد الله وقال: لقد جعل الله بين جنبيك من العلم غير قليل.
وابن طليق يحتمل أن يكون هو التابعي الثقة أشعث بن طليق النهدي المترجم في الجرح والتعديل2/273، ولسان الميزان1/455.
فإن كان كذلك فهو إسناد حسن لذاته وإلا فحسن لغيره.
ويشهد لهما هذا الأثر الصحيح عن التابعي الكبير سعيد بن فيروز أبي البختري: روى ابن أبي شيبة في المصنف(4/ 197) عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ قَالَ: «اشْتَكَى إِبْرَاهِيمُ إِلَى رَبِّهِ ذربا فِي خُلُقِ سَارَةَ، فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ أَنَّ الْمَرْأَةَ كَالضِّلْعِ، فَإِنْ قَوَّمْتَهَا كَسَرْتَهَا، وَإِنْ تَرَكْتَهَا اعْوَجَّتْ، فَالْبَسْ عَلَى مَا كَانَ فِيهَا».
وأبو البختري أدرك كبار الصحابة وسمع منهم، ويروي عن ابن مسعود، فيجوز أن يكون أخذه عنه أو عن مسلمة اليهود.
وتدل القصة السابقة على أن أسيادنا عمر الفاروق وابن مسعود وجرير بن عبد الله لم يسمعوا بالخبر المفيد لاعوجاج المرأة من رسول الله، إذ لو سمعوه منه لنسبوه إليه.
فلما نسبه ابن مسعود لسيدنا إبراهيم الخليل، وأقرّه الحاضرون من الصحابة، ولم يذكر ابن مسعود أنه سمعه من النبي عليه السلام، فهو من الإسرائيليات حتما.
ولا عبرة بإقرار الصحابة لمضمون القول المنسوب إلى سيدنا إبراهيم، فالصحابة رضي الله عنهم بشر غير معصومين، وقد سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج”، فظنوا أن الأمر على إطلاقه، وليس كذلك.
ثم إن الثقافة العربية كانت تحتقر المرأة، ولم يتخلص الصحابة من كل آثارها، لذلك رأينا في القصة جماعة منهم يتذاكرون حول النساء ويقعون فيهن، فلا عجب يستهويهم الخبر الإسرائيلي.
ومن يستعظم كلامنا، فليقرأ هذا الحديث الصحيح المخرج عند مسلم: عن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، لَا يَتْرُكُونَهُنَّ: الْفَخْرُ فِي الْأَحْسَابِ، وَالطَّعْنُ فِي الْأَنْسَابِ، وَالْاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ، وَالنِّيَاحَةُ”.
والصحابة من الأمة، فيشملهم كلام النبي عليه السلام.
دليل الاحتمال الثاني:
قال الحافظ البزّار كما في البحر الزخار (17/148): حَدَّثَنا بشر بن خالد العسكري، حَدَّثَنا الحُسَين بن علي، عن زائدة يعني ابن قدامة، عن ميسرة النهدي، عن أبي حازم، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: … واستوصوا بالنساء خيرا، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، إن ذهبت أن تقيمه كسرته، وإن تركته لم تر العوج فيه، فاستوصوا بالنساء خَيْرًا.
قلت: سند بشر بن خالد العسكري هو أحد أسانيد الشيخين في الصحيحين، فقد أخرجاه من طرق أخرى عن حُسَيْن بْن عَلِيٍّ الجعفي، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ مَيْسَرَةَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خيرا، فَإِنَّ المَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلاَهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خيرا» (صحيح البخاري ح3331 وح5185 وصحيح مسلم ح1468)
وبِشْر بْن خَالِد العسكري هو الفَرَائضيّ نزيل البصْرة، من شيوخ البخاري ومسلم في الصحيحين، وكان حافظا ثقة يشبه بسفيان الثوري في حفظه.
ورواية بشر تنفي العوج عن المرأة بطريقتين:
طريق التصريح: وذلك في جملة: (وإن تركته لم تر العوج فيه)، وتحرفت في الرواية المشهورة إلى: (وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ)، وشتان بين التعبيرين.
طريقة التشبيه والتلميح: بينت الرواية المغمورة ووافقتها المشهورة لولا وجود اللفظة المحرفة المشوشة (لم يزل أعوج)، أن اختلاف طباع المرأة ومغايرة بعض سلوكاتها لطباع الرجل وسلوكاته ليس اعوجاجا إلا في نظر الرجل الذي ينظر إليها بمعاييره ويريدها أن تكون مثله رغم الاختلاف البيولوجي بينهما، ورغم اختصاص المرأة بوظائف اجتماعية مغايرة لاختصاص الرجل.
إن وظيفة المرأة الاجتماعية تقتضي أن تكون مختلفة عن الرجل من حيث بعض الطباع والأخلاق، وبالتالي فهي مستقيمة بالنظر لوظيفتها، ومن الضروري اللازم أن تكون مختلفة عن الرجل، فهي في ذلك كالضلع (الأضلاع هي العظام التي نسميها القفص الصدري)، فالضلع تراه أعوج منحرفا، لكنه ليس كذلك في حقيقة الأمر، إذ لولا اعوجاج أعلاه ما أدى وظيفته في جسم الإنسان أو الحيوان، بل لولا ذلك الاعوجاج الطبيعي ما كان هناك جسم قويم، فاعوجاج الضلع هو منتهى استقامته.
وهكذا، فطباع المرأة الأصيلة الخاصة بها قويمة ولو ظهر لنا انحرافها، ومن ذلك كثرة بكائها لأتفه الأسباب في عين الرجل، وطباع الرجل الأصيلة الفطرية قويمة ولو رأتها المرأة منحرفة كسرعة الغضب لأبسط الأسباب في نظر المرأة.
ولا مجال للقول بأن الروايات المشهورة دالة على ما قلناه، فهي صريحة في انتقاص المرأة والحكم عليها بالعوج المذموم، لذلك رأينا السادة العلماء يبالغون في احتقارهن عند شرح حديثهم المحرف.
إثبات اختلاف روايات الحديث المحرف واضطرابها:
كثرة اختلافات وتناقضات روايات الحديث الواحد دالة على سوء تصرف الرواة، وقرينة إضافية على صحة الاحتمالين المعتمدين لدينا، وإليك روايات حديث أبي هريرة المروية عنه بالأسانيد المصححة لدى أئمتنا لتتبيّن الحق والصواب:
الرواية الأولى: «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خيرا، فَإِنَّ المَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلاَهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خيرا» (رواه البخاري ومسلم)
الرواية الثانية: «إنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، لَنْ تَسْتَقِيمَ لَكَ عَلَى طَرِيقَةٍ، فَإِنِ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَفِيهَا عِوَجٌ، وَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا كَسَرْتَهَا، وَكَسْرُهَا طَلَاقُهَا» (رواه أحمد ومسلم)
الرواية الثالثة: «إِنَّمَا الْمَرْأَةُ كَالضِّلَعِ، إِنْ تُقِمْهَا، تَكْسِرْهَا، وَإِنْ تَسْتَمْتِعْ بها، تَسْتَمْتِعْ وَفِيهَا عِوَجٌ» (رواه الشيخان والترمذي).
الرواية الرابعة: «إِنَّ الْمَرْأَةَ كَالضِّلَعِ، إِذَا ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا كَسَرْتَهَا، وَإِنْ تَرَكْتَهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَفِيهَا عِوَجٌ» (رواه مسلم والترمذي).
الرواية الخامسة: “إِنَّ النِّسَاءَ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ، لَا يَسْتَقِمْنَ عَلَى خَلِيقَةٍ، إِنْ تُقِمْهَا تَكْسِرْهَا، وَإِنْ تَتْرُكْهَا تَسْتَمْتِعْ بِهَا وَفِيهَا عِوَجٌ” (رواه أحمد ح10448 وأبو عوانة)
الرواية السادسة: “إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَلَنْ تَصْلُحَ لَكَ عَلَى طَرِيقَةٍ وَإِنِ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَبِهَا عِوَجٌ، وإن ترد إقامتها تكسرها، وكسرها طلاقها” (صحيح ابن حبان)
الرواية السابعة: “اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ، إِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا”. (رواه ابن أبي شيبة ومسلم والنسائي).
الرواية الثامنة: “المرأة كالضلع، إن تحرص على إقامته تكسره، وَإن تستمتع به تستمع به وفيه أود” (مسند البزار بإسناد صحيح).
الرواية التاسعة: “إِنَّمَا مَثَلُ الْمَرْأَةِ كَالضِّلَعِ، إِنْ أَرَدْتَ إِقَامَتَهَا كُسِرَتْ، وَإِنَّ تَسْتَمْتِعْ بِهَا تَسْتَمْتِعْ بِهَا وَفِيهَا عِوَجٌ، فَاسْتَمْتِعْ بِهَا عَلَى مَا كَانَ مِنْهَا من عوج” ( مسند أحمد، وصحيح ابن حبان).
هذه أهم روايات حديث أبي هريرة وأصحها مخرجة في الصحيحين وغيرهما، وهي في الظاهر متفقة متآلفة، والحق أنها غير ذلك، وهذه أوجه الاختلاف بينها الدالة على عدم نقل الرواة ما سمعوه بأمانة:
الوجه الأول: جاء في بعضها: «إنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ» وفي أخرى: “إِنَّ الْمَرْأَةَ كَالضِّلَعِ” وفي معناها رواية: “إِنَّمَا مَثَلُ الْمَرْأَةِ كَالضِّلَعِ”.
الرواية الأولى تفيد أن المرأة مخلوقة من أحد الأضلاع، وهو ما تؤيده الآثار الدالة على أن أمنا حوّاء مخلوقة من ضلع أبينا آدم، أما الروايتان الأخريتان فتشبّهان المرأة بالضلع في الاعوجاج، فلا ندري أي اللفظين قاله النبي عليه السلام بعد هذا الاختلاف.
الوجه الثاني: في روايات: «إنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ»، وفي أخرى: “إِنَّ النِّسَاءَ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ”، الأولى تتحدث عن المرأة بالمفرد فتصدق على أمنا حوّاء فقط، والثانية تذكر “النساء” وهو مناقض للعلم والحس، فالنساء غير حوّاء مخلوقات (من ذكر وأنثى)، والروايتان صحيحتان إلى أبي هريرة، وعلى فرض صحة الحديث عن رسول الله، فهو استعمل أحد اللفظين، والراجح أن يستعمل لفظ: “المرأة”، ووضع كلمة “النساء” دليل على التحريف لزاما.
الوجه الثالث: في رواية: “فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَج”، والضمير هنا عائد على “الضلع”، بينما يعود على المرأة في هذه الرواية: «إنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، لَنْ تَسْتَقِيمَ لَكَ عَلَى طَرِيقَةٍ، فَإِنِ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَفِيهَا عِوَجٌ، وَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا كَسَرْتَهَا، وَكَسْرُهَا طَلَاقُهَا»، ولا شك أن الرسول لم يقل اللفظين معا.
الوجه الرابع: في رواية: “لَنْ تَسْتَقِيمَ لَكَ عَلَى طَرِيقَةٍ”، وفي ثانية: “وَلَنْ تَصْلُحَ لَكَ عَلَى طَرِيقَةٍ”.
الوجه الخامس: في رواية بصيغة الماضي: “وَإِنْ تَرَكْتَهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَفِيهَا عِوَجٌ”، وفي ثانية بصيغة الحاضر: “وَإِنَّ تَسْتَمْتِعْ بِهَا تَسْتَمْتِعْ بِهَا وَفِيهَا عِوَجٌ”.
الوجه السادس: في أغلب الروايات: “وفيها عوج”، وفي رواية صحيحة السند إلى أبي هريرة: “وفيه أود”، والأود هو “البلغة” وشيء من المنفعة، فالمعنيان مختلفان جدا.
الوجه السابع: انفردت غالب الروايات بزيادات تفضح التصرف في كلام رسول الله بالزيادة أو النقصان، على فرض صحة أصل الحديث مرفوعا، وهو تحريف مهما عاند العاطفيون، فزادت إحداها: «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خيرا»، وانفردت أخرى بجملة: «لَنْ تَسْتَقِيمَ لَكَ عَلَى طَرِيقَةٍ»، وثالثة بعبارة: «وَكَسْرُهَا طَلَاقُهَا»، ورابعة بلفظة: «وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ»، وخامسة بصيغة: «فَاسْتَمْتِعْ بِهَا عَلَى مَا كَانَ مِنْهَا من عوج».
فأرشدونا هداكم الله أيها المنصفون.
إن مخرج هذه الروايات المختلفة واحد، فكلها مروية عن صحابي واحد، فلا مجال للقول بأن النبي كان يكرر احتقاره للمرأة بين الفينة والأخرى مستعملا كل مرة أسلوبا جديدا، فذلك يحتاج تنصيصا صريحا من الصحابي، ولو قاله ما صدقناه لأن ذلك عبث.
فإما أن أبا هريرة هو المسئول عن التصرف في كلام الرسول بالزيادة والنقص والتغيير، أو أن تلامذته هم المسئولون، فالتحريف ثابت في كل الأحوال.
تنبيه: روي الحديث الآفة عن غير أبي هريرة من الصحابة، لكن بأسانيد ضعيفة ومتون مختلفة مضطربة، مما يؤكد أن الحديث منحول أو محرّف.
أضف تعليق