إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ.
عباد الله:
أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:
مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩
ثم أما بعد:
أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – سبحانه وتعالى – في كتابه العزيز بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:
وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ۩ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ۩ وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ۩ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ۩ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ۩
صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط. آمين اللهم آمين.
إخواني وأخواتي:
عِرض المسلم والمسلمة شيئٌ عظيم عند الله – تبارك وتعالى – وهو موضعُ المدح والذم منه ومنها، العِرضُ هو موضعُ ومحلُ المدح والذم من المُؤمِن والمُؤمِنة وهو عند اللهِ خطره وشرفه كبيرٌ وعظيم، وقد ورد في الحديث عن عبد الله بن عمر – رضيَ الله تعالى عنهما – أنه نظر إلى الكعبة وقال ما أعظمكِ وأعظم حُرمتكِ، وأشهدُ لسمعت رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – يقول إن المُؤمِن أعظم حُرمةً منكِ، دمه وماله وعِرضه وألا يُظَن به إلا الخير، ووصلاً للخُطبة في الأسبوع الماضي أقول يبدو أن أمتنا المرحومة – عمَّنا الله جميعاً برحمته وعفوه ومغفرته – لم تُحسِن أن تصدر عن هذا الفهم الشرعي الدقيق والرباني العميق وتخبَّطت كثيراً ولا تزال، بسبب ماذا؟ بسبب مسائل ما نطق بها الكتاب ولا استفاضت بها السٌنة ولا قُطِعَ للحكم بها بدليلٍ أتى به السمع، وإنما هى مسائل تطرقها الاحتمالات، قالت بها فرقة وطائفة فناقضتها أخرى وأتت بما يُخالِف، وهكذا تشعَّبت السُبل وتشقَّق الكلام وصارت له فضول وذيول كثيرة، وصدَّق الأسلاف والأخلاف أنه من صلب الدين فوالوا عليه وعادوا بسببه وتبرّأوا من بعضهم بعضاً، وكما سمعتم بل وقع بعضهم وتورَّط في قتل وذبح بعضهم بعضاً والعياذ بالله تبارك وتعالى، وأُريد أن أُسارِع إلى القول بأن الذي يقرأ تاريخ هذه الأمة المرحومة ويتأمَّل جلياً في كتب الطوائف المُختلِفة أو ما تيسَّر له منها يرى شيئاً مُقلِقاً ومُؤلِماً، ضعف في الحساسية لدينا كمسلمين إزاء الدماء، فحساسيتنا ضعيفة، سهلٌ جداً أن يُطلِق العالم حُكماً على مسلم أو مسلمة بالكفر والردة والزندقة وانحلال العقدة وخلع الربقة كما يُقال، هذا سهلٌ جداً، ومعنى ذلك أنه يُبيح دمه ويحكم عليه بالخلود في نار جهنم، وتأمَّلت طويلاً في هذا، لماذا؟ أسبابٌ كثيرة ولكن من بين هذه الأسباب لا يفوتنا أن نذكر الطريقة المُتناقِضة والمُتشاكِسة، الطريقة اللا شرعية التي تعاملنا بها مع أنهار الدماء التي سُفِكَت في الصدر الأول فانتبهوا، تعاملنا معها جميعاً على أنها فتنة من بعد أن وقر في أخلادنا وأذهاننا أن الفتنة هى ما التبس فيها الحقُ بالباطل، وهذا التعريفُ قد يُسلَّم فلا بأس، نُوافِق عليه مبدئياً ولكن لا نُوافِق على تنزيله على كل الماجريات والأحداث فيُقال ما جرى بين فلان وعلان فتنة وما جرى بين فلان وعلان فتنة، حتى أن أحدهم من المُعاصِرين – مسلم عامي – يرى أن قتل الحسين أبي عبد الله – عليه السلام – فتنة، فقلت شيئٌ عجيب جداً، يُقتل ابن رسول الله وتقول هذه فتنة التبس فيها الحق بالباطل، أيُ حقٍ بقيَ لنا؟ أيُ حقٍ بقيَ لنا دعوى أننا نفهمه أو أننا نُدرِكه ونعتقده إذا اعتقدنا أن قتل الحسين فتنة؟ هذا شيئٌ عجيبٌ جداً، هذه ليست فتنة وإنما جريمة ملعونة ولعنة حاقت بكل مَن شارك فيها أو دافع عنها أو رضيَ بما وقع فيها والعياذ بالله، فالحساسية ضعيفة للدماء، وكما قلت ولا أزال أُردِّد مُعاوية يتسبَّب في قتل سبعين ألفاً وبالأدلة الظاهرة البيِّنة والرجل يتخذ هذا ذريعةً للمُلك، بدليل أنه صار ملكاً، هو ليس خليفة وإنما هو ملك، يقول أنا آخر الخلفاء وأول الملوك،وسيرته – تفاصيل سيرته – تُؤكِّد أنه كان ملكاً من الملوك وليس أكثر من هذا، هو ملك من الملوك وهو الذي فتح باب الملك إلى يوم الناسِ هذا، هذه الأمة تُملَك كما يُملَك قطيع غنم أكرمكم الله، وإلا ما معنى ما ذكرته مائة مرة قبل ذلك وما ذكرته الكتب والدواوين أن عبد الملك بن مراون – أحد جبابرة بني أمية – يُبايع وفي حياته لأربعة من ولده، قال فلان فإن مات ففلان فإن مات ففلان وهكذا أربعة، لا أقول أربعة أجيال بل ربما ثمانية أجيال احتكرها هذا الرجل، وهذا شيئٌ عجيبٌ جداً، وحساسية الأمة ضعيفة حتى إزاء هؤلاء الحكّام الظلمة، ممنوع أن تنتقدهم، يُقال عن عبد الملك رضيَ الله عنه وأرضاه، فممنوع إلا هذا لأنهم عملوا فتوحات وفتحوا فتوحات، كأنهم فتحوا لنا وكأنهم فتحوا لله ورسوله ولم يفتحوا لجيوبهم وخزائنهم وألوف الخصيان والعبيد والإماء في قصورهم، هذا شيئ عجيب، طريقة هذه الأمة في التفكير عجيبة جداً جداً جداً، هذه طريقة مُزوَّرة، وهذه أمة ملعوب عليها، أمة مخدوعة ولا تزال، وعلى كل حال مُعاوية لما صار ملكاً لم يقتص من قتلة عثمان، هو تسبَّب في مقتل سبعين ألفاً من أجل أن يثأر لعثمان، وهذا شيئٌ عجيب جداً، ولا يُوجَد في الإسلام منطق الثأر ولا يُوجَد في الإسلام أن يأتي مثل مُعاوية ويُطالِب بدم عثمان، أنت لست ابنه، أبناؤه الخمسة مُتوافِرون حاضرون ولم يرفعوا دعوى عند أمير المُؤمِنين عليّ يُطالِبون بدمه، ما مُدخَليتك أنت؟ ما دخلك أنت؟ هذا كلام فارغ وشيئ عجيب جداً، لم يقتل هؤلاء الذين يُظَن أنهم تمالوا على عثمان أو شاركوا في قتله أو باشروا قتله بل تركهم تماماً، لماذا؟ لأن المُلك صار إلينا وهذا الذي كنا نُريده، وتصرَّف كملك وليس كخليفة راشد، لم يقل أحد له عقلٌ من هذه الأمة أنه خليفة راشد، يُقال رضيَ الله عنه وأرضاه، مَن سب مُعاوية أمه هاوية، قطع الله لسانك، كيف يُقال قطع الله لساني؟ هل أنا أمي هاوية وأنت أمك – ما شاء الله – ناجية؟ لماذا؟ لأن الرجل تسبَّب في قتل سبعين ألفاً ورضيَ الله عنه، وأنا أقول رضيَ الله عن هذه العقلية المُتناقِضة المُتشاكِسة، بالإزاء بالله عليكم، بالله الذي خلقكم وصورَّكم وأنشأ لكم عقلاً وفهماً كيف تقبلون وتبكون – وأنا معكم وأنا منكم – أن النبي أفاد أنه يُقتَص منه لو ظلم أحداً من الرعية من المسلمين حتى ولو خادم أو خادمة؟ قال لولا خشية القود يوم القيامة – يُقتاد مني يوم القيامة – لأوجعتك ضرباً بالسواك، في مُعجَم الطبراني أعتقد الصغير والأوسط – هذا ما أذكره – وأخرجه أبو يعلى وعلى كل حال السند في الجُملة جيدٌ بفضل الله ولعلكم تعرفون هذا كان يقول النبي في آخر حياته وقبل وفاته بأيام يسيرة يا فضل – يا فضل بن العباس – خُذ بيدي قال كان مُتوعِّكاً وعصب رأسه -صلى الله عليه وآله، نفسي ونفوس العالمين له الفدا – فأخذت بيده حتى جلس على المنبر فقال صح في الناس، فصحت في الناس فلما توافروا قام فخطب فقال – وقد ذكرت هذا مرة – أيها الناس إنه قد دنا مني خفوق من بين أظهركم، أُوشِك أن أُدعا فأُلبي فأُجيب، ألا أيها الناس مَن كنتُ جلدتُ له ظهراً فهذا ظهري فليقتد منه، أي اضربوا ظهري الآن لأن يوم القيامة لا يُوجَد لعب، لا يُقال هو رسول الله، نعم رسول الله ولكن لا يُوجَد ظلم لأن الله ليس رب رسول الله فقط، هو رب العالمين مُؤمِنهم وكافرهم وسيدهم وعبدهم، هذا الدين أقبله، هذا الدين يتنزَّل على القرآن الكريم، هذا دين القرآن و ليس دين أمية وبني عبد شمس، ليس دين الفقهاء والعلماء والأئمة الذين قتلوا الحساسية لدينا في دماء المسلمين، أنا لا أستطيع أن أتقبَّل هذا ولا أستطيع أن أتفهَّمه، قال النبي ومَن كنتُ شتمتُ له عِرضا فهذا عِرضي فليقتد منه، أي فليقم فليشتمني، فالنبي يقول أنه يقبل هذا، ثم يقول ومَن كنتُ أخذتُ له مالاً فهذا مالي فليأخذ منه، ألا ولا يقلن أحدكم أخشى الشحناء من رسول الله – صلى الله عليه وآله -، ألا وإن الشحناء والخصومة ليس من طبعي ولا من شأني، ألا وإن أحبكم إلىّ اليوم مَن يقوم فيأخذُ حقه أو يُحلِّلني فإني أُحِب أن ألقى الله وأنا سليم – سليم الصدر – لا مظلمة لأحد عندي، ألا وأني لا أرى هذا مُغنياً عني حتى أقوم فيكم مِراراً، أي قد تخجلون وقد تستحيون وقد يهولكم وتستهولون أن يقوم أحد يطلب بحقه من رسول الله أو يُريد أن يقتاد لكن أنا سأُكرِّر هذا، ثم صلى – لعلها الظهر – فلما انصرف من صلاته قام صعد المنبر فكرَّر الكلام وذكر الشحناء، أي لا تخشو الشحناء مني، أن يتغير صدري أو يُوغَر على أحدٍ منكم يُطالِب بحقه، فهو قال أنا لست مثلكم لأن الناس هكذا،الواحد من الناس حين تُعطينه دَيناً يدعو لك وإذا طلبت دَيناً دعا عليك، هؤلاء هم البشر، حين تُطالِب بحقك يدعون عليك، لكن النبي يقول لا، أحبكم إلىّ الذي يطلب حقه، أي أدناكم إلىّ، لماذا هذا التحرير كله يا رسول الله؟ يعلم أنه يوم القيامة القود لا محالة، القصاص لا محالة، قال الله وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ ۩، وبالإزاء تقبلون ما فعله مُعاوية، تسبَّب في قتل سبعين ألفاً، يا سيدي اجتهد فأخطأ وماذا عن حجر بن عدي وأصحاب حجر؟ قتلهم صبراً ومكتوفة أيديهم ثم قطعوا رؤوسهم، فهل هذا اجتهاد أيضاً؟ وماذا عن قتل الأطفال الصغار وسبي النساء المسلمات؟ رضيَ الله عنه وأرضاه، قتل وذبح ومجازر وأنهار من الدماء ويُقال رضيَ الله عنه وأرضاه، ومن هنا حساسيتنا ضعيفة، سمرة بن جندب يقتل ثمانية آلاف في ستة أشهر، قال ولو قتلت إليهم مثلهم ما خفت، فهو يقول أنا لا أخاف ولا تُوجَد في مُشكِلة إن شاء الله وهو صحابي، رضيَ الله عن سمرة قاتل ثمانية آلاف في ستة أشهر لأنه صحابي، فمن أين تنشأ فينا حساسية إزاء الدماء وإزاء الأرواح البريئة وإزاء النفوس المعصمة ونحن نُغذى ونُحشَر ونُحقَن بهذا الفقه؟ هذا الفقه الزائف الكذوب الظلوم يبرأ منه الكتاب والسُنة، الرسول قام وذكر الشحناء ثم قال أيها الناس ومَن كان أخذ شيئاً فليرده ولا يقولن أخشى الفضوح، فإن فضوح الدنيا أيسر من فضوح الآخرة، ألا أيها الناس ومَن كان يخشى من نفسه شيئاً فليقم لأدعو له، الله أكبر، يا هنيئاً لهم، بدعوة قد يستحيل أمرك إلى رشد – بإذن الله – ومصيرك إلى خير، فقام رجل فقال يا رسول الله أخذت مني ثلاثة دراهم، قال أما أني لا أُكذِّب رجلاً في قوله ولا أستحلفه ولكن أخبرني كيف صارت إليك الدراهم الثلاثة؟ أي ما حكاية هذه الدراهم؟ فقال ألا تذكر يا رسول الله يوم كذا وكذا إذ مر بنا مسكين فقلت أعطه ثلاثة دراهم؟ قال بلى أذكر، أعطه يا فضل – فضل بن عباس رضيَ الله عنهما – ثلاثة دراهم فأعطاه، ثم قام رجل فقال يا رسول الله أما إني لكذوب وإني لمُنافِق وإني لنئوم فادع الله لي، لأن النبي حثَّهم على ذلك وشجَّعهم وألهب همتهم، قال مَن كان يخشى من نفسه شيئاً – مَن كان يشكو من نفسه – فليقم لأدعو له، قال الله وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا ۩، الله أكبر، يا ليتنا كنا معه، وعلى كل حال قام رجل فقال يا رسول الله أما إني لكذوب وإني لمُنافِق وإني لنئوم فادع الله لي، أي أنني كذَّاب ومُنافِق، الإيمان لم يُباشِر قلبي ولم تُخالِط بشاشته قلبي حقاً، أنا في شكٍ وريبٍ من أمر الدين، فالرجل اعترف وأسعده الله بهذا الاعتراف ولم يخش الفضيحة، قال النبي فإن فضوح الدنيا أيسر من فضوح الآخرة، الدنيا كلام فارغ، الدنيا تذهب كلها، لكن الآخرة فيها فضوح وعذاب أليم وربما يكون عذاباً مُقيماً، فقال صلى الله عليه وسلم اللهم اجعله صادقاً وارزقه إيماناً وأقمه متى تشاء، لأنه كان يشكو النوم وكان رأسه ثقيلاً – كما يُقال – وينام كثيراً، قال النبي وأقمه – أيقظه من نومه متى شاء ليُصلي القيام أو يُصلي غيره – متى تشاء، وهذه الدعوة أسعدته، فقام رجل وقال يا رسول الله لقد غللت ثلاثة دراهم، أي سرقت أنا من الغنيمة ثلاثة دراهم، وقد قال هذا أمام الناس وهذا شيئ مُخيف، فقال ولم غللتها؟ قال احتجت إليها، أي أنني كنت مُحتاجاً، فقال أدها – أعدها – فأداها، وقام الثالث وقال يا رسول الله أما إني لكذوب – مثل الأول – وإني لمُنافِق – وطبعاً كيف يكون صادق وهو مُنافِق؟ كل مُنافِق كذَّاب، ولكن ليس شرطاً أن يكون كل كذَّاب مُنافِقاً، أي نفاق اعتقاد، لكن المُنافِق نفاق عقيدة أكبر كذَّاب، هو يكذب في شأن الدين أصلاً، يكذب على جماعة المُؤمِنين، أليس كذلك؟كل مُنافِق كذَّاب، ولكن ليس كل مَن كان كذَّاباً يكون مُنافِقاً نفاق عقيدة، فيه خصله من نفاق العمل – وما من شيئٍ إلا وقد أتيته – أي كل ما يخطر على بالكم من الذنوب أنا فعلته وأتيت كل الكبائر – فادع الله لي، قال اللهم ارزقه صدقاً وارزقه إيماناً وصيِّر أمره إلى خير.
نحن نقبل هذا الحديث، يُبكي قلوبنا قبل أعيننا وهو حق بإذن الله تبارك وتعالى، فكيف نقبل هذا ونقبل في حق الصحابة – لأنهم مُجرَّد صحابة – أن يذبحوا وأن يقتلوا وأن يكذبوا وأن يُدجِّلوا وأن يخدعوا وأن يُدمِّروا الأمة وأن يُمزِّقوها ونقول رضيَ الله عنهم وأرضاهم؟ ما هذا التناقض؟ أنا أقول لكم لأن عقولنا مُتناقِضة ةشخصياتنا مُتناقِضة، يُقال أهل السُنة يقولون بهذا لكن ما عاد يعنينا لا سُنة ولا شيعة ولا زيدية ولا مُعتزِلة، نحن نُريد الدين الحق، نُريد دين القرآن، هذه الأمة يُكفِّر بعضها بعضاً ويذبح بعضها بعضاً ويظلم بعضها بعضاً ويكذب بعضها على بعض على مدى التاريخ، فما هذا؟ نُريد الحق ونُريد أن ننجو ونُريد أن نرتاح ونُريد أن نعيش بشخصية غير مُنفصِمة وغير مُتشاكِيسة، هذا الذي نُريده – إن شاء الله – ولذا لا تعنينا الألقاب والمانشيتات واللافتات الفارغة، دمَّرت الأمة ومزَّقت الأمة هذه اللافتات، نروي حديث أبي مسعود الأنصاري في صحيح مسلم – حديثٌ صحيح لا مجال للارتياب فيه – وفيه أن أبا مسعود يرفع سوطه يجلد عبداً له، يبدو أن هذا العبد أساء التصرف، أتى شيئاً أوجب غضب سيده الصحابي الجليل فضربه، قال ما بين أنا أضربه وأجلده إذ سمع صوتاً من خلفي يقول اعلم أبا مسعود، فلم أتبين الصوت من شدة الغضب – كان في ثورة غضبه – ثم سمعت ثانياً يقول اعلم أبا مسعود، فالتفت فعلمت أنه صوت رسول الله فسقط السوط من يدي، فقال لي اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا العبد، ما هذا الظلم؟ ظلم يا رسول الله، انظر إلى مَن كانوا معك كيف سيذبحون الأمة ذبحاً وكيف سيذبحون أصحابك ذبحاً وأمتك تُدافِع عنهم وتترضى عليهم وتلعن مَن يغمزهم ويطعن عليهم وفاءً لدينك ووفاءً لكتابك ووفاءً لسُنتك وقدوتك، ما هذا؟ فقال يا رسول الله هو حرٌ لوجه الله، ولكم أن تتصوَّروا هذا، لقد حرَّره وأن تمتلك عبداً ليس شيئاً يسيراً، هذه أموال كثيرة، من السهل أن تتزوَّج امرأة حرة لكن من الصعب أن تمتلك أمةً أو عبداً، أحياناً يكون بألف دينار أو ألفين وبعضهم ألوف الدنانير وهذا شيئ كبير، في حين يُمكِن أن تتزوَّج بعشرين ديناراً وعلى السُنة بأقل من هذا دون أي مُشكِلة، ولكن أن تمتلك عبداً هذا أمر صعب، فهذا ملك وتلك أموال لكنه حرَّره وتنازل عنه، واسمعوا الآن قول النبي، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – والذي نفسي بيده لو لم تفعل للفحتك النار، هذا محمد وهذا دين محمد الذي أُؤمِن به، نعم أنا – والله – أُؤمِن بهذا وأعلم أن هذا حقٌ وصدق، قال له والذي نفسي بيده لو لم تفعل للفحتك النار، مع أن هناك مائة مُدخَلية للاجتهاد، هذا عبدي وأنا أملكه وأنا سيده وأنا مأذون لي شرعاً أن أؤدِّب ابني بالضرب، وهذا عبدي وليس ابني، فضربته لشيئٍ أساءه، لكن النبي يرفض هذا لأنه ظلم، إلا الظلم، لا تظلم أحداً، فنحن نقبل هذا وتقب له أبداننا وتخشع له قلوبنا، هذا دين وهذا حق، وفي الوقت نقبل رضيَ الله عن مَن دجَّل وخدع وقتل وذبَّح الأمة تذبيحاً، ولذلك استهونا واستخففنا بالدماء، فالدماء لدينا خفيفة، وأنا أرى وأنت ترى تماماً رأي العين في فتاوى الفقهاء وتنظيراتهم – بعضهم على الأقل – استخفافاً واضحاً بالدماء.
أُريد من بعد هذه المُقدِّمة أن ألِج إلى موضوعي، يُوجَد سببٌ آخر من أسباب الاستخفاف بالدماء، وموضوع الدماء أيضاً – قبل أن أذكر هذا ولو بدأنا وأعدنا ألف مرة ما كان قليلاً – موضوع لا ينبغي أن نستهين به مُطلَقاً، لا ينبغي هذا البتة فانتبه، ولو أفتاك مُفتو العالمين لا تستمع إليهم، لست قاضياً والحمد لله لست جلَّاداً، لم أعمل قاضياً ولست بقاض؟ لم أعمل جلَّاداً؟ أنت تُفتي فاذهب أنت ونفِّذ القتل يا حبيبي لكن أنا لا أقتل أحداً من أهل القبلة ولا من غير أهل القبلة من معصومي الدم، الأصل في الناس عصمة الدماء والحقوق، وأنا لا أُريد يا أخي، لماذا؟ روى الشيخان البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود – رضيَ الله عنهم وأرضاهم أجمعين – قال صلى الله عليه وسلم أولُ ما يُقضى فيه بين الناس يوم القيامة الدماء، أول ما يُفصَل – القضاء – يُفصَل في الدماء، مَن قتل مَن؟ جاء رجل فيما أخرجه الترمذي إلى عبد الله بن عباس – رضيَ الله تعالى عنهما – وقال له يا أبا العباس هل لمَن قتل مُؤمِنٍ توبة؟ قال ماذا؟ يُعجِّب من سؤاله، هل هذا سؤال؟ كأنه يقول هل أنت مجنون؟ ماذا؟ فقال هل لمَن قتل مُؤمِنٍ توبة؟ قال ماذا؟ قال الراوي مرتين أو ثلاثاً، ابن عباس يُعجِّب، أهذا سؤال يُطرَح؟ وابن عباس يُفتي ليس بالاجتهاد وبالاستنباط وإنما بالنصوص، قال – نص – سمعت رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – يقول يأتي المقتول يوم القيامة مُتعلِّقاً رأسه بيده – كما قطع مُعاوية رأس حجر بن عدي في مرج عذراء وقد فتحها الصحابي الجليل، ولذلك ماذا قال؟ قال لا تغسلوا عني دماً ولا تفكوا عني قيداً فإني مُلاقٍ مُعاوية غداً على الجادة، ولذلك لما نُزِع مُعاوية واحتُضِر ونعوذ بالله من مصيره ومصير أمثاله قال ويلي من حجر، إن يومي من حجر لطويل، لكن هذا ينسونه ولا يذكرونه –مُتلبِّباً قاتله باليد الأخرى، فيأتي به حتى يأتي عرش الرحمن يشخب أوداجه – يأتي وأوداجه تشخب دماً عبيطاً – ويقول يا رب هذا قتلني، فينظر الله إليه فيقول تعست، ويُذهَب به إلى جهنم مُباشَرةً، هل سمعتم أقصر من مُحاكَمة كهذه في تاريخ الدنيا وربما الآخرة أيضاً؟ ربما في الآخرة لن تُوجَد مُحاكَمة أقصر من هذه إلا مُحاكَمة المُشرِكين، المُشرِك لا يُسأل عن ذنبه أصلاً، يُقذَف به في جهنم مُباشَرةً، هذا في حق الكافر المُعانِد، لكن المسلم المُوحِّد من أهل لا إله إلا الله قتل أحداً بغير حق فضلاً عن أن يكون قتلاً مُؤمِناً بغير حق مُباشَرةً يقول له الله تعست، المقتول يقول هذه رأسي، وأنت تعلم يا الله هو الذي قطعها، ذبحني بفتوى علمائه ومشائخه وطائفته، أياً كانوا ومَن كانوا لا يعنيني، والله يقول كلمة واحدة تعست، أي خبت وخسرت، فُصِلَ القضاء وانتهت المحكمة، فيُذهَب به إلى جهنم مُباشَرةً، والمقتول إلى الجنة، وما ترك القاتل على المقتول من ذنب، تُوضَع كلها ذنوب المقتول على القاتل، ثم إلى جهنم وانتهى كل شيئ، ولذلك في الحديث الصحيح عن عبد الله بن عمر – رضيَ الله تعالى عنهما وأرضاهما – قال عليه الصلاة وأفضل السلام لن يزال المُؤمِنُ في فُسحةٍ من دينه ما لم يُصب دماً حراماً، قال عبد الله – أي ابن عمر رضيَ الله عنهما – وإن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمَن أوقع نفسه فيها – يقول هذه ورطة كما نقول وتُجمَع على ورطات بحركات – سفك الدم بغير حله، أي أن تسفك دم إنسان مُباشَرة – وهذا أعظم ما يكون – أو تسبباً، كأن تكتب فيه تقريراً أو أن تُصدِر فيه فتوى أو أن تُحرِّض على قتله أو أن تُحاوِل إفهام الناس أنه كافر زنديق أراح الله منه، فأنت الآن تسفك دمه يا حبيبي، يا مولاي، يا شيخ، يا مُفتٍ إن كنت تخشى الله – تبارك وتعالى – وإن كان عندك يقين وعندك شيئ من علم تعرف به الله تبارك وتعالى، قال عبد الله هذه من ورطات الأمور، وروى أبو داود عن عُبادة بن الصامت – رضيَ الله تعالى عن أي داود وعن عُبادة – قال صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم مَن قتل مُؤمِناً فاغتبط بقتله لم يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً، أي لا فريضة ولا نافلة، هذا معنى الصرف والعدل، انتهى كل شيئ وأُغلِقَ الباب دون قبول أعمالك، إذا قتلت مُؤمِناً أنت انتهيت، يصلون ويكبون على المحاريب ويؤمون الناس ويحجون ويعتمرون وهذذا كله كلام فارغ وغير مقبول، والنبي هو الذي يقول هذا، يقول لم يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً، أي لا فريضة ولا نافلة، لكن ما معنى اغتبط بقتله؟ هذه هى المُصيبة وهذا ما يعنينا، قال يحيى بن يحيى الغساني وهو أحد رواة هذا الحديث عند أبي داود – فسَّر فاغتبط بقتله – هذا القتل يكون في فتن بين الناس، الناس تقتتل في فتنة أو حرب أهلية أو هيشات كما يقولون، والدماء موضوعة في الهيشات، وهذا حكم الدنيا أما حكم الآخرة شيئ آخر، فهم يقتتلون في فتنة أو حرب أهلية فيقتل الرجل صاحبه ويفرح بقتله، لا يظن أنه أتى إثماً فلا يستغفر، يقول أستغفر لماذا؟ أنا أتقرَّب إلى الله بقتلهم، أتقرَّب إلى الله بتطهير الأرض منهم، أتقرَّب إلى الله بمحوهم، أي بمحو هؤلاء الضلَّال الملاعين الأنجاس، وهنا قد يقول لي أحدهم يا رجل اربَعْ عَلَى ظَلْعِكَ، لأن كلامي هذا يغيظ بعض الناس بدل أن يجعلهم يُراجِعون أنفسهم، فبدل أن يجعلهم أن يُراجِعوا أنفسهم يغتاظون ويغضبون جداً، فيقول أحدهم اربَعْ عَلَى ظَلْعِكَ، ماذا تُريد؟ إلى ماذا تُلوِّح؟ تُعرِّض بماذا؟ ألا نقتل الشيعة؟ السُني يقول، ألا نقتل السُنة؟الشيعي يقول، وهكذا طبعاً لكن كيف؟ كل واحد عنده فتوى وعنده رأي في المُخالِفين، وهذا شيئ مُخيف، وطبعاً يسيرون في سيرة أجدادهم وفي سُنة أجدادهم ويقولون أجدادنا فعلوا هذا، السلف الصالح سنَّ لنا هذا، أي ذبح الناس وقتل الناس، فهل نحن أتقى لله منهم؟ وأنا أقول لكم هنا معلومة مُهِمة لم أقرأها لأحد ولعلكم لأول مرة ستسمعونها، هم يتحدَّثون عن السلف الصالح، لكن ما معنى السلف الصالح؟ كيف جاز لنا حقيقةً – وهذه في نظري أخدوعة – أن نجعل السلف الصالح قدوة بالمُطلَق؟ لا تُوجَد قدوة بالمُطلَق، القدوة بالمُطلَق لرسول الله فقط لأنه معصوم، لا قدوة مُطلَقة لغير رسول الله، لا لكبار الصحابة فضلاً عن التابعين وتابعي التابعين فضلاً عن الأئمة والمُجتهِدين ومُخرِّجي الأحاديث، نعم السلفُ في مُجملهم صالحون – رضيَ الله عنهم وأرضاهم – ولن أدخل في تعريف السلف – أي مَن هم السلف والحد الزمني – ولكن في مُجملهم صالحون والحمد لله، فسلفنا صالح مُبارَك في الجُملة، ولكن لا يُمكِن لأنه صالح ومُبارَك في الجُملة أن نتخذ منه قدوةً بالمُطلَق، وكأن كل ما فعله السلف هو صحيح، تعرفون لماذا؟ لأن السلف اختلفوا، حتى الصحابة أنفسهم اختلفوا، والتابعون اختلفوا، والأئمة الكبار اختلفوا، وكبار العلماء والمُجتهِدين اختلفوا، واختلفوا اختلافاً عظيماً جداً جداً جداً وصل إلى التكفير وإلى النبذ بالفسق والزندقة والانحلال والكفر، وسأتلوا عليكم أشياء الآن لأنني لا أتكلَّم هكذا، وكلهم سلف صالح فانتبهوا، لم كان هذا قدوة دون هذا؟ ويُقال هذا قدوة لك وهذا قدوة لغيرك، فهكذا جزأنا الأمور وكله بإسم السلف الصالح، وهذه الكلمات من أكبر أسباب تضليل الناس وتزوير وعيهم، بالدوران وإدارة الكلام على المعاني الجُملية وعلى العمومات والمُطلَقات، لكن في التفاصيل تكمن الشياطين، لابد أن نُفصِّل ولابد أن نكون دقيقين حتى لا يُغتال وعينا، والسلف الصالح في موقفه من المُخالِفين ليس واحداً، ولا أتكلَّم عن الخلاف في الفروع لأن الخلاف في الفروع أمره هيِّن جداً جداً جداً جداً – بفضل الله عز وجل – ولا يُوجَد خلاف كبير حوله وإنما أتكلَّم عن الخلاف في العقائد أو ما يُسمونها بالأصل، يقولون لك أصول الدين، وطبعاً هذه الكلمة أيضاً كلمة عامة وجُملية، يُقال أصول الدين، لكن ما هى أصول الدين؟ أصول الدين ما ذكره الله في كتابه، أي الإيمان بالله واليوم الآخر والملائكة والكتب والرسل وبأن ما قدَّره الله حق وانتهى كل شيئ، هذه أصول الدين، لكن أن الله يُرى أو لا يُرى مسألة يقولون عنها أنها من مسائل العقيدة لكن هذه لا تكفير فيها فانتبهوا، لماذا؟ أهل السُنة فقط يقولون الله يُرى، لكن الزيدية والمُعتزِلة والخوارج والإباضية والإمامية وكل الفرق الأخرى تقول الله لا يُرى في الآخرة، الله ليس جسماً حتى يُرى، وأهل السُنة يقولون الله يُرى وليس عندنا مُشكِلة، فهل عندكم دليل قطعي؟ ليس عندنا أي دليل قطعي، هل لدينا آية مُصرِّحة؟ ليس لدينا هذا، لدينا آيات تحتمل معنى أنه يُرى وتحتمل معنى أنه لا يُرى أيضاً ولذلك ليست قطعية، ولدينا أحاديث قيل أنها مُتواتِرة لكن غيرنا من الفرق الأُخرى لم يُسلِّم تواترها وطعن فيها، ولذلك لا تكفير في مسألة الرؤية، سواء يُرى أو لا يُرى لا تكفير، ولكن للأسف الشديد يُكفِّرون، وكذلك الحال في مسألة هل القرآن مخلوق أم غير مخلوق، مُعظم الفرق قالت مخلوق، أهل السُنة قالوا غير مخلوق، الأشاعرة وهم جمهور وجماع أهل السُنة – الشوافع والمالكية كلهم أشاعرة، إذن أكثر أهل السُنة هم أشاعرة – قالوا الكلام كلامان، كلام النفس فهذا قديم وكلامٌ لفظي يُعبَّر به عن المعنى النفساني الإلهي وهذا مُحدَث، فقاربوا المُعتزِلة والإمامية والزيدية في هذه المسألة، لأنها مسائل اختلافية، لكن للأسف الشديد نقرأ عن عليّ بن المديني – رحمة الله عليه – العجب، مَن عليّ بن المديني؟ شيخ البخاري، الإمام الجليل صاحب عشرات التصانيف في علم الحديث خاصة في الدراية، هو إمام واسع الدائرة جداً، قال أبو عبد الله البخاري رحمة الله عليه لم أستحقر نفسي عند أحد أو لا أحتقر نفسي أو أستحقر نفسي عند أحد كما أستحقرها بين يدي عليّ بن المديني، أي أنه قال هذا إمام عجيب جداً وبحر -أوقيانوس – من العلم، ولذا أرى نفسي صغيراً عند ابن المديني، وابن المديني رده مسلم بن الحجاج تلميذ البخاري وقال لا أعترف بابن المديني، فابن المديني مجروح وليس ثقة، لكنه شيخ شيخك الذي لا يحتقر نفسه عند أحد إلا بين يديه، لماذا؟ المسائل نسبية فانتبهوا، ومع ذلك يقولون أجمعت الأمة على كذا وكذا، كيف أجمعت وهم يختلفون؟ البخاري ومسلم يختلفون في الرجال، فكل حديث رواه البخاري من طريق ابن المديني مسلم لا يُباليه بالاً، يقول مسلم لأن ابن المديني عندي غير ثقة، لماذا يا إمام؟ لماذا يا مسلم رضوان الله عليك؟ قال لأنه أجاب في المحنة، أي محنة خلق القرآن، فمُجرَّد أن تُجيب أنت مُبتدِع على طريقة أحمد، أي الإمام أحمد رضوان الله عليه، وهذه طريقة عجيبة من أعجب الطرق، الإمام أحمد كان يقول إن قلت القرآن مخلوق فأنت مُبتدِع، وإن قلت القرآن غير مخلوق فأنت مُبتدِع، الإمام الشيخ الكرابيسي – العلّامة الشافعي الكبير صاحب التصانيف الجليل – قال ماذا نفعل بهذا الصبي؟ – يتحدَّث عن الإمام أحمد وقد كان أسن منه – إن قلنا مخلوق قال بدعة وإن قلنا غير مخلوق قال بدعة، وطبعاً هذه كلمة عظيمة، ما كان ينبغي أن تُقال في إمام كالإمام أحمد، كيف تقول عنه صبي؟ هذا هو السلف، والسلف ليسوا أنبياء فانتبهوا، النبي شيئ مُختلِف وحتى الصحابة شيئ مُختلِف، هؤلاء يختلفون عن رسول الله، فالرسول طبقة وحدة في تعبيره وفي قسطاسه وفي عدله وفي ألفاظه، هذا يا أخي الرسول، قال الله لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ۩، أسوتي ليس ابن المديني وليس فلاناً، في نهاية المطاف الأسوة المُطلَقة الرسول، غير الرسول أُسَىً وقدوات بمقدار، فنرى ونُوازِن ونُعاير الشخص بالمعيار، ومَن المعيار؟ الرسول، لكن هم جعلوا أحمد أعظم أسوة، وأعود مرة أُخرى – المعلومات تُشتِّتني – إلى حديثي، قال ماذا نفعل مع هذا الصبي؟ وهذا التعبير في غير محله – غفر الله لنا ولهم أجمعين – ولكنه قاله رغم أنهم أئمة، لأنه لم ينظر إلى أحمد كما تنظر أنت إليه اليوم أو كما نظر الحنابلة في عهده وبعد عهده، رآه كإمام من أئمة المسلمين وكرجل فاضل لكن عنده خطأ وتعصب في مسألة خلق القرآن الكريم فقال هذا كلام فارغ ووصفه بالصبي وهذا لا يجوز، وعلى كل حال لما بلغت كلمةالإمام الكرابيسي يحيى بن معين قال لعنه الله، والآن يُجَن جنونهم إذا لعنت، رغم أن السلف يلعنون ويلعنون في أشياء لا تستأهل اللعن، قال الكرابيسي أنه حيَّرهم، إن قلنا مخلوق قال بدعة وإن قلنا غير مخلوق قال بدعة، فماذا نفعل يا أخي؟ قال هذه بدعة، وجاء أُناس آخرون وقالوا حين تتوقَّف تكون مُبتدِع أيضاً، أي إذا قلت أنا لا أعرف هل هو مخلوق أم غير مخلوق تكون مُبتدِعاً، ومن ثم نحن احترنا فعلاً وما عُدنا نعرف شيئاً، إذا قلنا مخلوق يكون غلطاً، وإذا قلنا غير مخلوق يكون غلطاً وإذا قلنا لا نعرف يكون غلطاً، فماذا نفعل يا أخي؟ اقطع لسانك واذبح قلبك وعقلك فلابد أن تُصبِح صخرة لا تفهم شيئاً، وهذه طريقة عجب في العلم وفي الدين والتدين.
يتحدَّثون عن الواقفي، الحارث بن أسد المحاسبي من السلف الصالح – الحارث معروف وهو رجل مُتزهِّد ومن أوائل المُتصوِّفة المُصنِّفين وكان صاحب حديث – يُعلون من شأنه ويقولون الحارث بن أسد لما مات أبوه لم يرثه، قال لن آخذ من تركة أبي ولا درهم، لماذا يا إمام؟ قال لأن أهل ملتين لا يتوارثون، كيف هذا؟ أبوك كان رجلاً صالحاً، وهو رجل يُحِب العلماء ويُحِب الصلَّاح وهو إنسان طيب وعنده رأي ومن أهل العلم في الجُملة، هذا أبوك يا حارث، قال كان واقفياً، كان يقول أنا لا أعرف ولن أتكلَّم في هذه المسألة، لا أقول هل القرآن مخلوق أم غير مخلوق، فقال هذا كأنه كفر، أستغفر الله العظيم، هل تُكفِّره في المسائل؟ ويقولون لك ليس عندنا تطرّف، هذه بذور التطرّف فانتبهوا، الذي يتربّى على هذا الفكر بإسم أنه يدرس المنهج السلفي يُفكِّر على هذا النحو، نحن ندرس منهج السلف الصالح، فهل هذا منهج السلف؟ هل هذا وحده هو منهج السلف؟ هناك ألوان أخرى في منهج السلف أفضل من هذا بكثير وأبعد منه بعد السماء من الأرض وفيها مندوحة وفيها تسامح وفيها سعة صدر، ومع ذلك هذا الإمام قال أهل الملتين لا يتوارثون، فهل أبوك كافر يا إمام؟ قال كان واقفياً، كان يقول لا أعرف هل القرآن مخلوق أم غير مخلوق ولذا لا آخذ من تركته، وهذه كارثة طبعاً، ونعود إلى الكرابيسي، ماذا قال يحيى بن معين؟ يحيى بن معين بلغته كلمة الكرابيسي في الإمام أحمد فغضب وقال لعنه الله، ما أحوج أن يُضرَب، أي أنه قال لابد أن يُضرَب، لكن كيف تضرب إماماً وشيخاً كبيراً وعلَّامة ملأ الأرض علماً وفقهاً وهو من عيون السادة الشافعية؟ هل تعرفون ماذا قال الإمام الذهبي – وهذا من اللافت اللطيف – في آخر ترجمة الإمام الكرابيسي؟ قال في هذه المسألة الحق كان مع الكرابيسي وليس مع أحمد – تفضل إذن – ولكن أحمد أراد أن يسد الباب فسد الباب أنت أيضاً، لماذا يا حبيبي؟ المسألة علمية وأنت تقول لي الحق معه، هل تعرفون هذا مثل ماذا؟ مثل ما حدث مع أبي عبد الله البخاري رضوان الله عليه، لأن البخاري ابتُليَ أيضاً، لكن الناس يعتقدون أن البخاري كان مُقدَّساً دائماً وعند الكل، وهذا غير صحيح، البخاري في عصره لم يكن مُقدَّساً عند الكل، علماً بأنه لا يُوجَد مُقدَّس إلا المُقدَّس، البشر لا يُقدَّسون فانتبهوا، لا تُحدِّثني عن بشر مُقدَّس، ما معنى مُقدَّس؟ معناه مُنزَّه ولا يُوجَد أحد مُنزَّه، هذا كله كلام فارغ، وعلى كل حال يُوجَد إمامان جليلان من أعظم الأئمة وصديقان للبخاري – رضوان الله عليه – وأخذا من علمه في البداية وسمعا منه الحديث وهما أبو حاتم الرازي وأبو ترعة الرازي، كلاهما من الري، من بلاد فارس، وهما عصريان للإمام أحمد وفي رُتبته، وهما من أعاظم الأئمة على الإطلاق لكنهما جرَّحا الإمام البخاري، قالا هو ليس ثقة عندنا، لا يقصدا صحيحا البخاري بل البخاري نفسه كله قالا لا نقبله، انتهى وأغلق هذا الملف، ما هذا؟ لماذا يا أخي؟ هذا البخاري وهو حامل لواء الصنعة، البخاري ليس كأي إمام، لكننا سوف نرى لماذا، تقرأ في المُجلَّد السابع أو الجزء السابع في الصحيفة إحدى وتسعين ومائة من الجرح والتعديل لعبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي – ابنه رحمة الله عليهما – وتجد أنه يُترجِّم للإمام البخاري في أقل من أربعة أسطر، ولك أن تتخيَّل هذا، كأن البخاري ليس له أي وزن، وهذا ظلم طبعاً، والله هذا ظلم لا يرضاه الله تبارك وتعالى، كيف تكتب عنه في أقل من أربعة أسطر؟ وأين؟ في آخر مَن إسمه محمد وإسم أبيه إسماعيل، أي في آخر قائمة محمد إسماعيل، آخر واحد هو البخاري إمعاناً في الاستخفاف به وتجهيله، كأنه مجهول وليس له أي قيمة بالمرة، فهذا أتى إمعاناً في تجهيله والاستخاف به، وكتب في أربعة أسطر هو محمد بن إسماعيل البخاري أبو عبد الله، ورد عليهم الري سنة مائتين وخمسين قبل وفاته بست سنوات، وسمع منه أبو حاتم وأبي ، وروى هو عن فلان وفلان، وذكر أربعة أو خمسة من شيوخ البخاري، وبعض هؤلاء بالذات كان مغموزاً في موثوقيته وهو تعمَّد هذا لأن البخاري شيوخه بالمئين، لكنه أتى بخمسة بعضهم مغموز ومطعون عليه قليلاً كابن أبي أويس – إسماعيل ابن أبي أويس – مثلاً، فقال روى عن فلان وفلان وفلان، ثم قال وترك أبو حاتم وأبي الروايةَ عنه لما وصلهم كتاب محمد بن يحيى الذهلي من نيسابور أنه أظهر عندهم القول في مسألة اللفظ، ما القول في مسألة اللفظ؟ أي لفظي بالقرآن، فأنا حين أقول مثلاً بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ۩ الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ۩ هل هذا اللفظ الذي أتلفَّظه مخلوق أم غير مخلوق؟ هذه ألفاظي يا أخي ونفَسي وحروفي التي تخرج من بين أسناني ولساني، ما المُشكِلة؟ والبخاري – رضوان الله عليه – طبعاً أُحرِج، في ثلاث مرات سألوه وهو لا يُريد ، وفي النهاية أُحرِج في المجلس، ومحمد بن يحيى كان موجوداً لأنه بالعند أتى مع تلاميذه، وسُئل فقال في رواية مشهورة عنه ألفاظنا من أفعالنا وأفعالنا مخلوقة، فقيل أنت مُبتدِع، هذا عكس قضية شيخك الإمام أحمد، ومُباشَرةً شُهِر به وقيل البخاري مُبتدِع وضالٌ مُضِل وهذه بدعة رهيبة فاتركوه واهجروه لأنه فاسق ولا غيبة لفاسق، ودمَّروا الرجل – البخاري المسكين دُمِّرَ – طبعاً، هل تعرفون ماذا حدث؟ بدأ الناس ينفضون عن البخاري باستمرار حتى لم يبق معه إلا تلميذه مسلم فقط، لكن الإمام مسلم بقيَ وفياً وقال أنا عند شيخي، شيخي ليس ضالاً وليس مُبتدِعاً، وطبعاً الآن من وراء تقريباً ألف ومائة سنة وقليل الحق مع مَن؟ مع البخاري حتماً، حتماً لفظنا مخلوق يا أخي، ما هذا؟ هل ألفاظنا قديمة؟ قالوا اسكت ولا تقل أنه قديم أو مخلوق غير هذا، لكن لماذا لا أقول؟العملية واضحة هنا، أرأيتم هذا التعنت؟ يُوجَد تعنت وتشدد وشيئ غير مقبول، وعلى كل حال أعود وأقول أن الأمر لم يكن دائماً ومع الكل على هذا النحو وُوجِدَ لاختلاف .
حتى لا يُدرِكنا الوقت أقول لكم أن موقف علمائنا – رحمة الله على الجميع وعلينا معهم يا إخواني – من المُخالِف – يُسمونه المُبتدِع في مسائل الدين وأصول الدين – ليس موقفاً واحداً، من حيثية ماذا؟ من حيثية أو بلحاظ الرواية عنه، أي هل هو ثقة يُمكِن أن يُروى عنه؟ الآن لو سألت من شدا في العلم حروفاً عن المُبتدِعة وقلت له فلان مُبتدِع فإنه سوف يقول لك مُبتدِع بماذا؟ فتقول له ببدعة التشيع – مثلاً – أو بدعة الاعتزال أو بدعة الخوارج، فإنه سوف يقول لك أعوذ بالله، هؤلاء فسقة واحمدوا لنا أننا لا نُكفِّرهم، أقل ما يُقال أنهم فسقة، كيف لا يكونون فسقة وهم مُبتدِعة؟ فطبعاً لا يُروى عنه، وهذا جهل طبعاً لأن هذا الكلام لا يصدر عن طالب علم يعرف كوعه من بوعه أو يُميِّز كوعه من بوعه، لماذا؟ لأن الكتب الصحيحة وفي رأسها ومُقدِّمها الصحيحان غاصة طافحة بالرواية عن المُبتدِعة من الشيعة، وأقول لكم بل من الروافض وليس فقط من الشيعة، الشيعة الذين كانوا يسبون الصحابة الأجلاء أو الصحابة عموماً ويلعنون بعضهم كعُبيد الله بن موسى الكوفي العبسي الذي كان يلعن مُعاوية، فهو كان يلعنه وهو شيخ البخاري، ولما قيل للإمام يحيى بن معين الإمام أبو عبد الله أحمد بن حنبل لا يرى الرواية عن عُبيد الله بن موسى العبسي الكوفي قال لماذا؟ قالوا لرأيه، لأنه يتشيع وله رأي في مُعاوية – معروف أنه كان يسبه ويلعنه وكان لا يُدخِل عليه جماعةً فيهم مَن اسمه مُعاوية، إذا وجد مَن إسمه مُعاوية يُخرِجه ولا يتحدَّث معه حين يستضيفهم، فقال أحمد أنا لا أروي عنه وهو مجروح عندي، لكن يحيى بن معين يُوثِّقه والبخاري يُوثِّقه وبقية الستة يُوثِّقونه – فقال يحيى والله عبد الرزاق – عبد الرزاق بن همام الصنعاني شيخ يحيى وشيخ ابن المديني وشيخ أحمد – أغلى منه مائة ضعف، ما معنى أغلى؟ شد غلواً، يقول لك شيعيٌ غالٍ، أي من الغلو في الدين، بمعنى أنه مُتطرِّف مُحترِق، فهو قال والله عبد الرزاق أغلى منه مائة ضعف، وأحمد يروي عن عبد الرزاق ونحن نروي، فلماذا هذا التفاوت؟ هو قال عبد الرزاق أشد بكثير من عُبيد الله بن موسى، ويبدو أن يحيى سمع منه كلاماً شديداً جداً جداً جداً في بعض الصحابة وفي رأسهم مُعاوية طبعاً، وعبد الرزاق في ذات مرة ذكر له أحدهم إسم مُعاوية فقال لا تُقذِّر مجلسنا بذكر ولد أبي سفيان، هذه ليست إجماعية فلا تفهم أن مُعاوية كان طيلة حياته مُقدَّساً وما شاء الله عليه ورضوان الله عليه، هذا غير صحيح، حتى في السلف وحتى في الأوائل هؤلاء مَن كانوا كذلك، هناك آراء مُختلِفة وواضحة ومذكورة في كل كتب الرجال أصلاً، ولكن لا يُقال لنا الحقيقة كاملة، وعلى كل حال هذا رأي أحمد وهذا رأي يحيى وهما يختلفان.
الموقف من المُبتدِع موقف مُتفاوِت وأشده ما يُنسَب إلى الإمام مالك ولكن يحتاج إلى تحرير والوقت لا يتسع، قال أي مُبتدِع بهذه البدعة والعياذ بالله – هذا طبعاً في أصول الدين – لا تُقبَل روايته ولا نروي عنه شيئاً، يُنسَب هذا إلى أبي عبد الله مالك بن أنس رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه، وهو موقف شديد جداً جداً جداً، لكن الإمام الذهبي يرد عليه ويقول هذا بعيدٌ مُباعِدٌ جداً من عمل الأسلاف، قال الكتب ملآنة وطافحة بالرواية عنهم – عن المُبتدِعة – فما هذا الكلام؟ فالذهبي ردَّه بجُملة واحدة وقال هذا غير مقبول لأن كتبنا ملآنة بالرواية عن المُبتدِعة، وإلا تُصبِح كتابنا غير صحيحة من هذه الحيثية، هذا الكلام غير صحيح، فلا تقل لي لا نروي عن أي مُبتدِع.
للأسف هؤلاء المُتشدِّدون ماذا قالوا؟ قالوا الكافر بالتأويل كالكافر الأصلي المُصرِّح، لديك كافر مُصرِّح وكافر مُؤوِّل، أي مُتأوِّل، هناك كفار التأويل وفسَّاق التأويل وكفار التصريح وفساق التصريح، أحدهم يُصرِّح ويقول أنا لا أُؤمِن لا بالله ولا بالرسول ولا بهذا كله أو أُؤمِن بالله فقط لكن لا أُؤمِن برسولكم أو بقرآنكم، فهذا كافر تصريح، لكن لو قال أحدهم أنا أُؤمِن بالله وبالرسول وأنا مسلم وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله وبالقرآن واليوم الآخر وكذا وكذا وكذا وكذا وعندي رأي في خلق القرآن وفي رؤية الله وفي أشياء مثل هذه فما هذا؟ هل هذا تُكفِّره؟ هذا من أهل القبلة، هذا الذي إسمه القبلي لأنه من أهل القبلة، فيُوجَد فرق بين هذا وذلك، لكن للأسف هؤلاء المُتعنِّتون قالوا الكافر المُؤوِّل كالكافر المُصرِّح، لماذا؟ وعندهم حُجة، تحدَّثوا عن من كفروا صراحة وطبعاً مثَّلوا باليهود وقالوا هم كاليهود، فالكافر اليهودي عند نفسه غير كافر وهو يعتقد نفسه مُؤمِناً ويتأوَّل، ونحن نقول فرقٌ كبير وقياسٌ فاسد وقياس مع فارق عظيم جداً كما بين الخافقين، لماذا؟ يُوجَد فرق بين إنسان يُحكِم الأصول المُتفَق عليها عند كل طوائف الأمة وبين مثَّلوا بهم، الآن لو جاءت طائفة من طوائف الأمة وقالت لا إله إلا الله لكن محمد ليس رسول الله تكون كفرت ولا تعترف بها طائفة أخرى وتكون خارجة عن الإسلام بإجماع الأمة، ولكن كل مَن قال بقواعد الإيمان المعروفة ومعاقد الإسلام المُقرَّرة والمُمهَدة يكون من أهل القبلة فانتبهوا، وهذا لا يُمكِن أن يُقال عنه كفر، فإن كُفِّرَ بعد ذلك أو فُسِّقَ بتأويلٍ أتاه لا يُمكِن أن يُساوى وأن يُعدَل بالكافر المُصرِّح والفاسق المُصرِّح، لابد أن نفهم هذا جيداً، فهذا من التشدد والشح والتعنت، والله لا يُحِب التشدد وإنما يُحِب العدل والقسطاس، وهناك طائفة تُقابِلها وهى في الجُملة طائفة علماء العقيدة وعلماء الكلام من مُتكلِّمي الأشاعرة والماتريدية وإلى آخره، فماذا قالوا؟ قالوا كل أهل القبلة تُقبَل روايتهم كُفِّروا أو فُسِّقوا بتأويلهم أو لم يُكفَّروا، فهم قالوا نحن نقبل روايتهم، مُتسامِحون جداً علماء العقيدة، هل تعرفون لماذا؟ على كل حال قال العلَّامة المُقبلي في العلم الشامخ رحمة الله عليه – صالح بن مهدي المُقبلي الذي شهد له الشوكاني بالاجتهاد المُطلَق وقال هذا مُجتهِد اجتهاداً مُطلَقاً، وذلك في القرن الحادي عشر الهجري – خُذ كل فنٍ عن أهله، في مسائل العقيدة لا تأخذ لي من الذهبي مثلاً، ما علاقة الذهبي بالعقيدة؟ الذهبي عالم في الرجال وفي التاريخ، كيف يحكم على العقائد؟ لا تأخذ بكلامه في العقائد، ولا تأخذ بكلام الفقهاء في العقائد، الفقهاء ما أدراهم ما العقيدة؟ في موضوع الإيمان والكفر وأصول الإيمان وفروعه وما إلى ذلك خُذ من علماء الكلام، علماء العقيدة أفنوا حياتهم في علم العقيدة، سنستفتي إماماً مثل أبي حامد الغزالي، فما رأيه؟ من أجمل الآراء، ولابد أن يُعاد إحياء الغزالي اليوم، الرجل تام العقل وكامل العقل والمُعتدِل المُنصِف، هذا الرجل مُنصِف بشكل عجيب وهو أشعري – من أعلام الأشاعرة – فماذا يقول في فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة؟ سأُحوّصِل الكلام لضيق الوقت، قال ما الذي جعل عندك الباقلاني أولى بالكفر من شيخه الأشعري مثلاً؟ الباقلاني من الطبقة الثانية طبعاً من تلاميذ الأشعري، لماذا؟ لماذا الأشعري في كل شيئ ،وفي كل وردٍ وصدر لابد أن يكون مُصيباً، والباقلاني مع أنه أشعري إن خالف شيخه يكون كافراً في بعض المسائل؟ لماذا لا تُكفِّر الأشعري؟ مثلاً أبو بكر الباقلاني أنكر صفة البقاء لله على أنها صفة غير الذات، قال هذه ليست صفة، وإنما هذه صفة ذاتية وليست صفة لا تقوم بالذات، ورأيه مثل رأي المُعتزِلة هنا، وبعض الناس غمز الباقلاني – أبو بكر بن الطيب الباقلاني رحمة الله عليه – العلم الخفَّاق، فأبو حامد تساءل وقال لماذا؟ هل للأسبقية؟ قال إذا الأمر يتعلَّق بالأسبقية وأن أبا الحسن قبل الباقلاني فالمُعتزِلة سبقوا أبو الحسن فاجعلهم أولى بالحق منه إذن لأنهم قبله لو الحكاية تتعلَّق بالقدم والأسبقية الزمنية، أبو الحسن الأشعري مُتأخِّر عن المُعتزِلة، فالمُعتزِلة إذن أحق من أبي الحسن، لكن الموضوع لا يتعلَّق بالأسبقية، وإن قلت بفضل العلم والدين قل لي بأي معيار عرفت علم هذا ودينه من علم هذا ودينه، ما شاء الله عليك يا مُتنطِّع يا مفعوص، يأتيك أحد طلَّاب العلم وهو لا يُحسِن أن يتكلَّم حتى جُملتين ويقول لك أبو الحسن – والله – هنا أصاب وأبو بكر فعل كذا وأنا أُرجِّح كذا، ما أدراك أنت يا حبيبي؟أبو حامد يقول هذا ليس أنا، هو قال ما أدراك أنت؟ كيف تزن هذه القضايا؟ وأطال النفس – رحمة الله تعالى عليه – في هذه الجُمل، ثم قال إذا أمسكت لسانك عن الباقلاني وقلت لا أُكفِّره لأنه إمام الأشاعرة وإمام المسلمين وعلَّامة عظيم فقل لي لم تُكفِّر المُعتزِلة إذن؟ مَن هم المُعتزِلة؟ المُعتزِلة لم يُنكِروا أن الله عالم بكل المعلومات ولم يُنكِروا أنه قادر على كل المُمكِنات والمقدورات ولكن ما بيننا وبينهم في هذه المسائل أنهم قالوا عالم بذاته لا بصفة زائدة على الذات كما أصرَّ أهل السُنة، وقادر بذاته لا بصفة إسمها القدرة الزائدة، وهنا قد يقول لي أحدكم ما هذا؟ لقد صدَّعت رأسنا يا عدنان، وهذا – والله – صحيح لكن اسمحوا لي واغفروا لي، ما هذا الكلام الفارغ؟ هل هذا من الدين؟ والله ليس من الدين، وأنا أقول لكم أن هذا لم ينطق به الكتاب ولا السُنة صرَّحت به، فما هذا؟ المُهِم أنني لا أُنكِر أن الله عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ۩ وأنه بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ۩، يقول أبو حامد وليس عدنان أن المُعتزِلة يُقِّرون بهذا يا أخي فلم تُصرّ على تكفيرهم؟ هل أنت تُحِب أن تُكفِّر الأمة؟ هل تُحِب أن تُكفِّر أهل القبلة؟ حقد وأحياناً غضب شديد يجفو به المرء سبيل الحق ومهيعه الوسيع.
سُئل يحيى بن معين عن عمر بن عُبيد – وهذا أحد أوائل القدرية وأهل الاعتزال الأوَل، وكان رأساً في التأله والعبادة والزهد ومُناصَحة الحكّام والقول بالحق لا يخشى في الله لومة لائم – فقال دهري، ولكم أن تتخيَّلو هذا، هذا ظلم في كلام علماء السلف لبعضهم البعض، قال عمرو بن عُبيد دهري، قيل وما دهري؟ لأن الناس لا يفهمون حتى معنى الدهري، فقال يقول لا شيئ، لا إله والحياة مادة، فهو Communist من قديم، دهري لا يعترف بالله ويقول لا شيئ، وطبعاً تخيَّلوا العامة حين يسمعون هذا من يحيى بن معين علم الرجال والجرح والتعديل في عمرو بن عُبيد، يقولون لك مَن عمرو؟ لعنة الله على عمرو الزنديق الملعون الوالدين الكذا والكذا والكذا، والعلماء يُعلِّقون على هذا، يقول المُقبلي كيف يُقال هذا في عمرو بن عُبيد الذي ملأ علمه وزهده وتألهه الدنيا؟ هذا الرجل من أفذاذ الرجال المسلمين، كيف تُكفِّره هكذا بكلمة؟كيف تقول أنه دهري؟ يُكفَّر بكلمة وهذا أمر غير معقول، يُوجَد ظلم وتجاوز على بعضنا البعض ،وضيق صدر وضيق منادح النظر أيضاً عند هؤلاء، وهذه المسائل – كما قلنا – ليست قطعية فلا نُكفِّر بها.
الرأي الثالث وهو رأي إمامنا أبي عبد الله الشافعي – رضوان الله عليه – حيث قال أنا أقبل شهادة كل أهل الأهواء – أي المُبتدِعة – إلا الخطابية لأنهم يستجيزون ويستحلون – والعياذ بالله – الشهادة لمُوافِقيهم بالكذب، وهذا صحيح طبعاً فهم كذَّابون، وهؤلاء الخطابية كانوا من أقسام الرافضة، قالوا أهل طائفتنا هم أصحاب الحق المُطلَق في أي مسألة علمية أو سجالية أو حتى قضائية فنشهد لصالحهم ولو بالباطل، وهذا تعدٍ طبعاً، ممنوع أن تشهد حتى ضد كافر بالباطل، ينبغي أن تُؤدي الشهادة على مسلم لكافر – يستفيد منها كافر – لو كان مُحِقاً، أنت مطلوب بهذا، قال تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ۚ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا ۖ فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُوا ۚ وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ۩، وهذا هو الصحيح، وعلى كل حال نعود ونقول هذا رأي الشافعي، فهو قال نقبل إلا الخطابية، وهكذا أطلقه وهو رأيٌ جيد.
الرأي الرابع وهو مشهور عند العلماء أنهم قالوا نقبل رواية المُبتدِعة وأهل الأهواء غير الدُعاة، أما الذين يكونون دُعاة ورؤوساً في الدعوة إلى بدعهم فلا نقبلها، وهذا القول تقريباً حظيَ بمُوافَقة مُعظم علماء الحديث درايةً وفرَّعوا عليه طبعاً جهودهم الروائية، ولكن أنا أقول لكم حتى هذا الرأي غير مُسلَّم، لماذا؟ لأن في كتب الصحاح وغيرها من رؤوس البدعة والدُعاة إلى بدعهم الكثير الكثير، فإذن هم لم يُطبِّقوا هذا، أو أن الذين نظَّروا لم يتقصوا ولم يستقروا استقراءً تاماً كما يُقال في علم المنطق، فهذا ليس استقراءً تاماً، عندنا رؤوس في المُبتدِعة ويُروى عنهم، ولو كان عندي نُدحة لأعطيتكم قائمة ببعض أسماء هؤلاء، فهم موجودون وهم كثرة، مثلاً أبو بكر الخطيب البغدادي في الكفاية في علم الرواية يروي بسنده عن الإمام عليّ بن المديني – وسمعتم مَن هو، هذا شيخ البخاري – ويقول قلت ليحيى بن سعيد القطان – الإمام القاضي الأنصاري العلَّامة العظيم – إن عبد الرحمن بن مهدي يقول أنا لا أروي عن المُبتدِعة عن مَن كان رأساً فيهم – أي أن الدُعاة ورؤوس الابتداع أنا لا أروي عنهم، وهذا مذهب أكثر المُحدثين دراية – فضحك يحيى بن سعيد القطان – ضحك لأنه كلام فارغ – وقال ماذا يفعل ابن مهدي بقتادة؟ وهذا داعية لبدعته وكبير وعلَّامة في بدعته ومروي عنه، وكتبنا طافحة بالرواية عن قتادة في التفسير والحديث وغيره، قال ماذا يفعل بعمر بن ذر الهروي وهذا من رؤوس الدُعاة إلى بدعته؟ ماذا يفعل بابن أبي رواد؟ ماذا يفعل بفلان وفلان؟ قالوا وعدَّد جماعة سكت عنهم، ثم قال يحيى بن سعيد لو ترك ابن المهدي هذا الضرباء – أي هذا الصرف من الناس من رؤوس البدعة الدُعاة – لترك كثيراً، وحتى هذا غير مُتفَق عليه، إذن عندنا نوع من التوازن في المذاهب المُختلِفة فانتبهوا، حين تختلف نستطيع أن تنخيَّر ونأخذ أسمحها وأكثرها اعتدالاً وأقربها إلى روح النصفة والقسط، والله يُحِب القسط تبارك وتعالى.
للأسف بقيَ القليل، وأُحِب أن أختم الآن بشيئ مُهِم جداً، وهذه الخُطبة ليست ترفاً علمياً ولا أُحِب أن أُصدِّعكم بما ليس فيه غناء لكن ينبني عليها شيئٌ كبير، إذا كنا إلى الآن حصَّلنا وانتهينا إلى أن مواقف السادة العلماء من أهل البدع والأهواء هى على هذا النحو المُختلِف – أربعة أنحاء كما قلت لكم أو أربعة وجوه – فالأمر إذن فيه سعة والأمر فيه نُدحة على أن الرأس المُتشدِّد تقريباً غير مُطبَّق عملياً وإن نُسِبَ إلى الإمام مالك ولعله خالفه في موطأه في مواضع، وبقيت الآراء الأخرى وهى مُوسِّعة جداً جداً جداً جداً، ورأيان مُعتدِلان والحمد الله، إذن جمهور هذه الآراء هو الاعتدال وقبول المُخالِف المُبتدِع، وأُحِب أن أختم الآن بمسألتين، المسألة الأولى هى أنه من المُهِم جداً جداً جداً أن تُدرِك أن هذا المُبتدِع – كما قلت في الخُطبة السابقة – مُبتدِع من منظورك أنت، ولكنه من منظوره ليس مُبتدِعاً، قال الحافظ شيخ الإسلام ابن حجر العسقلاني في شرح نخبة الفكر – هو شرح كُتيبه الصغير، هذا أصغر كتاب لأكبر مُحدِّث في عصره في علم الدراية – بمعنى الكلام أن في التحقيق لا تُرَد رواية كل مُكفَّر ببدعته، وهذا يُسمونه بكافر التأويل وليس بالكافر المُصرِّح فانتبهوا، إذا ابتدع أحدهم بدعة وكفَّرناه على أنه مُتأوِّل فإن هذا يُسمونه كافر التأويل، ولا نرد كل رواية لكل كافر تأويل، قال هذا غير صحيح، وهنا الذكاء والإنصاف الذي يُحِبه الله ورسوله، لماذا يقول ابن حجر هذا؟ قال لأن الطوائف يُكفِّر كلٌ منها الآخر أو الأخرى – كل طائفة تُكفِّر الأخرى – فلو أخذنا بهذا للزم منه تكفير الجميع، أي كله سيُصبِح كافراً، أنت حين تُكفِّرني وأنا حين أُكفِّرك سنكون في النهاية جميعاً كفرة، فكلهُ عند كلهِ كافر، وهذا كلام مَن؟ ابن حجر، قال هذا يلزم منه تكفير الجميع ما شاء الله، تُصبِح أمة كفار وليست أمة مُوحِّدين، ثم قال ابن حجر فالصحيح أنه لا تُرد إلا راوية الذي أنكر معلوماً من الدين مُتواتِراً، أي معلوم من الدين بالضرورة، ما معنى بالضرورة؟ رغماً عنك سواء شئت أم أبيت ينبغي أنت تُؤمِن به، هذا إسمه المعلوم من الدين بالضرورة، وهذا لا يُنكِره مسلم قبلي، فمَن أنكر معلوماً من الدين بالضرورة أو أنكر مُتواتِراً هذا الذي نقطع فعلاً بكفره ولا نقبل روايته، فيما عدا ذلك نقبل رواية الآخرين، وهذا كلام مُحرَّر ودقيق وجميل بفضل الله تبارك وتعالى.
المسألة الثانية والأخيرة وهى الأهم كيف نُعامِل هؤلاء؟ المُصيبة تأتي من بعض العلماء وأنا سأجتزيء بعالم كبير، لماذا؟ ليس لأن لنا موقفاَ شخصياً منه – لا والله – بل بالعكس، نحن نُحِبه وندعو له ونستغفر له، لكن لا نُقدِّسه ولا نراه نبي الإسلام – رحمة الله عليه – وهو شيخ من شيوخ الإسلام وهو الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمة الله عليه وعفا عنه وسامحه، للأسف الشديد – كما قلت في الخُطبة السابقة – الرجل حين يُنظِّر لمسائل التخطئة والتفسيق والتضليل يُنظِّر تنظيراً جميلاً ولكن حين يأتي لمسألة عملية يختلف، وهذا ما يهمنا أيضاً بنفس المقدار ربما إن لم يكن أزيد، فماذا يترتب على هذا؟ للأسف الشديد يختلف تماماً، فيدعي أن المُبتدِع لا تُقبَل روايته وقد سمعتم الاختلاف الواسع في رواية المُبتدِع، فشيخ الإسلام قال هذا لكن إطلاق عبارة أن المُبتدِع لا تُقبل روايته كلام غير مُحرَّر وغير مُنصِف وغير دقيق، وقال لا تُقبَل شهادته، وهذا نفس الشيئ أيضاً، فهذا الكلام خلوٌ من التحرير والإنصاف، لكنه قال لا تُقبَل شهادته والعياذ بالله واتفق المسلمون على عقابه.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله تعالى عليه وآله الطيبين وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم اهدنا فيمَن هديت، وعافنا فيمَن عافيت، وتولنا فيمَن توليت، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، اللهم الطف بنا فيما جرت به المقادير، ألهمنا رشدنا وأعذنا من شر نفوسنا، اللهم ادرأ عنا الفتن ما ظهر منا وما بطن يا رب العالمين، نسألك فعل الخيرات وترك المُنكَرات وحب المساكين وأن تغفر لنا وترحمنا وإذا أردت في خلقك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين برحمتك يا أرحم الراحمين، انصر الإسلام وأعز المسلمين وأعل بفضلك كلمتي الحق والدين وعُد بنا وبالمسلمين وبالمسلمات جميعاً إلى دينك عوداً حميداً إنك خير مسؤول وأكرم مأمول.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩، وأقم الصلاة.
(انتهت الخُطبة بحمد الله وهناك تتمة)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(تتمة الخطبة بعد الصلاة)
أيها الإخوة:
طبعاً قبل أن أُكمِل حديثي عن شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمة الله تعالة عليه – أُحِب أن أقول شيئاً لطيفاً تذكرته بعد الصلاة،سمعت بعض الأفاضل العلماء يسخر أو يرد مقولة الحنبلية، يقول لك هذا حنبلي وقد وقر في أذهان العامة أن الحنبلية تُعادِل التنطّع والتشدّد، لكن هذا غير صحيح، الحنابلة ليسوا كذلك، الحنابلة في الفقه ليسوا مُتنطِّعين وليسوا مُتشدِّدين، شأنهم في الفقه تقريباً شأن غيرهم من الناس، ولكن الحنبلية فعلاً فيها تنطّع وفيها تشدّد حتى مع رأسها الإمام الجليل أبي عبد الله أحمد – رضوان الله تعالى عليه – حقيقةً في قضايا الأصول والعقيدة، الحنبلية المُتنطِّعة هى الحنبلية العقدية فانتبهوا حتى لا نرد مقولة بغير بيّنة، ولكن الحنبلية الفقهية شأنها شأن بقية الفقهيات، لماذا؟ الإمام أحمد – رضوان الله تعالى عليه – تنطَّع جداً جداً جداً على أنه غير مُتشدِّد في الرجال – جماعة من شيوخ أحمد مطعون فيهم ولم يُوثِّقهم كثيرون غير أحمد ولكن أحمد وثَّقهم، فأحمد عموماً مُتوسِّط في الرجال وليس مُتساهِلاً كابن حبان أو الحكام وليس مُتشدِّداً كالنسائي، فالنسائي عنده تشدّد شديد في الرجال لكن أحمد مُتوسِّط – في مسألة خلق القرآن، فإذا تعلَّق الأمر بمسألة خلق القرآن تنطَّع جداً وتشدَّد كأن كل مَن ثبت عنه القول في هذه المسألة على نحو لا يرضاه أحمد والعياذ بالله لا نقول أنه كفر عند أحمد ولكنه ابتدع بدعة غليظة تُسقِطه عن درجة الاعتبار فلا يُستشهَد به ولا رواية له ولا اعتبار بحديث، يُدمِّره أحمد وقد دمَّر جماعات من الناس فعزَّ حديثهم، يُقال فلان الفلاني إمام وثقة وشيخ وحافظ لكن عزَّ حديثه جداً، أي من الصعب أن تجد روايته، لماذا يا أخي؟ قيل لأن أحمد تكلَّم فيه فدمَّره، دمَّره عند الحنابلة وعند المُتعصِّبين من تلاميذ أحمد، الإمام أبو جعفر بن جرير الطبري مَن الذي دمَّره؟ أنتم تعرفون طبعاً أبا جعفر وتعرفون تفسيره وتاريخه، ولكن لا تعرفون مصيره المُحزِن الكابي، شيخ الإسلام الإمام الجليل أبو جعفر بن جرير مات ودُفِنَ وقُبِرَ في بيته – في داره – ومُنِعَ أن يُدفَن في مقابر المسلمين، لماذا؟هل هو زنديق أو يهودي أو نصراني أو بوذي أو هندوسي؟ ما قصته؟ هذا مسلم وينبغي أن يُدفَن مع المسلمين، فالحنابلة منعوا ذلك تماماً وهذا أمر عجيب، وتِلْكَ شَكَاة ظَاهِر عَنْك عَارهَا، لماذا؟ لمسائل منها – حتى تأخذوا صورة – أنه لم يعتبر أحمد بن حنبل – رحمة الله على الاثنين – فقيهاً، ألَّف كتاباً طُبِعَ جزء منه في ألمانيا قبل حوالي أربعين أو خمسين سنة إسمه اختلاف الفقهاء على كل حال، وذكر اختلاف أبي حنيفة ومالك والشافعي، فقال له حنابلة بغداد حين دخل بغداد أين شيخنا؟ أين إمامنا؟ فقال لهم كان مُحدِّثنا ولم يكن فقهياً، قال لهم أن أحمد ليس إماماً في الفقه، هو إمام في الحديث وفي الرواية لكن ليس عنده عقلية فقيه، وهل فعلاً تُقارِن أحمد بالفقه بالشافعي ومالك وأبي حنيفة مثلاً؟ هذا صعب فهؤلاء فقهاء حقيقيون، وهو يتفقَّه لكنه مُحدِّث، وهذا رأي أبي جعفر بن جرير، فغضب عليه الحنابلة جداً، لماذا؟ هذا رأيه يا أخي، وكان يدعي الاجتهاد، يُوجَد مذهب إسمه المذهب الطبري، قال أنا مُجتهِد مثل الأئمة الثلاثة، فأنا واحد من هؤلاء، وهذا يحق له لأنه إمام عظيم جداً جداً، فغضبوا عليه وهذا أولاً، ثانياً كان الذي يُحرِّك الحنابلة وينفخهم رجل خبيث ناصبي عدو لأهل البيت – معروف بالنصب – إسمه أبو بكر عبد الله بن أبي داود صاحب السُنن، هذا ابن أبي داود السجستاني وإسمه عبد الله، وكان يكره الإمام عليّاً كرهاً شديداً، وهذا شييء عجيب لأنه رجل مُنافِق، يكره عليّاً ويروي حديثاً – الطبري سمع هذا وجُنَّ جنون الطبري – ويقول لهم في حديث بالإسناد عن عروة بن الزبير لقد حفيت أظفارُ رجلٍ من – والعياذ بالله – تلصصه على أزواج رسول الله، وذلك عن الإمام عليّ، قال الإمام عليّ كان يتجسَّس على أزواج رسول الله، فلعنة الله على مَن افترى هذا الكذب واللاعنين إلى يوم الدين ، إلى قيام الساعة وساعة القيام، وهذا الحقير – أبو بكر بن أبي داود – الناصبي يروي هذا على أنه حديث وثابت، فلما سمع الإمام الطبري بهذا كبر عليه الأمر جداً وذهب يُصنِّف كتاباً عظيماً في فضائل الصحابة وبدأ بفضائل أبي بكر وعمر ثم بعد ذلك أتى إلى فضائل عليّ، يقول الذهبي وجمع أربعة أجزاء في طرق حديث “مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه اللهم وال مَن والاه وعاد مَن عاداه”، ولك أن تتخيَّل هذا، فهو بحر علم وبحر رواية، ثم قال الذهبي واطلعت على شطره – لم اطلع على هذه الأجزاء الأربعة وإنما اطلعت على النصف – فهالني سعة رواياته وجزمت بوقوع ذلك، ما معنى وجزمت بوقوع ذلك؟ جزمت أن النبي قال هذا، أي أنه مُتواتِر كالقرآن، وهذا إسمه حديث غدير غدير خم، وللعجب أحد الإخوة الأفاضل بعث لي كتاباً في الأسبوع الماضي – شكر الله له لأنني أُحِب الكتب من حيث أتت – فيه كلام مُهذَّب جداً ولطيف، وإسمه حوار لإخواننا وأخواتنا الشيعة، وهو لمُؤرِّخ فلسطيني فاضل، فكاتبه رجل مُنصِف مُحترَم حقيقةً لكن ينقصه الكثير في فهم القضايا الدينية، ولا أقول التاريخية وهو مُؤرِّخ، لكن حتى قضايا تأريخ العقائد والفرق ينقصه الكثير فيها، هناك أحاديث ثابتة لدينا بلا مُتواتِرة عندنا يظنها من مُختَّصات الشيعة ويُثِّرب عليهم ويتهمها بالأسطورية وبكذا وكذا، وهذا شيئ عجيب، فنسأل الله أن نتكلَّم في ما نُحسِنة، لكنه مُؤرِّخ فاضل فلسطيني – حقيقةً – ومُهذَّب جداً جداً جداً، فالشيعي سيقرأ له ولن يتغيَّظ جداً، وأرجو أن نتعامل جميعاً كمسلمين هكذا، الشيعي مع السُني مع الإباضي مع الزيدي ينبغي أن نتعامل بهذا الأدب وبهذا الحوار وبهذا الوقار، وعلى كل حال الشيخ الدكتور أبو عزة – مُؤلِّف الكتاب – يظن هذا الحديث من مُختَّصات الشيعة، لكن يا شيخ هذا حديث مُتواتِر عند السُنة قبل أن يتواتر عند الشيعة، يقول ابن حجر في فتح الباري أن أبا العباس بن عقدة خرَّجه من طريق واحدٍ وسبعين صحابياً، وهذا شيئ غريب، فهذا الحديث من أكثر الأحاديث تواتراً، وعلى كل حال الإمام الذهبي فعل هذا، فغتاظت الحنابلة واتهموه بتهمتين وهذا أمر عجيب، اتهموه – والعياذ بالله – بالزندقة والإلحاد، فكيف يُقال هذا عن شيخ الإسلام المُفسِّر الطبري؟ قالوا هو زنديق مُلحِد، ورجموا بيته بالحجارة وأرادوا قتله، ولكن الشرطة جاءت فنحَّت الناس عنه، ولازم بيته ولقيَ الله حميداً – إن شاء الله – سعيداً جزاء ما فعل للإسلام ولأهل البيت وللمسلمين وللحقيقة وللحق في بيته وقُبِرَ في بيته رحمة الله تعالى عليه، فهذا تعصب شديد.
الإمام أحمد شيخ الحنابلة – رحمة الله عليه وعفا الله عنه وسامحه – كان مُتشدِّداً جداً للأسف الشديد في مسألة خلق القرآن، كل مَن تكلَّم وكل مَن أجاب وكل مَن لا يُوافِق قوله قول الإمام لا يُساوي فلساً، وللأسف بلغه أن محمد بن هارون قال لإسماعيل بن علية – هذا من مشائخ الإسلام الكبار، هذا إمام كبير جداً في رُتبة أحمد، فابن علية إمام عظيم – يا ابن الفاعلة أنت تقول القرآن مخلوق؟ فقال لعل الله يغفر له، لكن هل هذا أسلوب علماء؟ كيف تقول لعالم جليل أمك فاعلة؟ هذا غير معقول يا أخي، ويتحدَّثون عن السلف، فهل هذا قدوة لنا وهو سلف؟ ابن هارون – ما شاء الله – سلف جليل والإمام أحمد رضيَ عنه ورجا له الخير، لكن هذا لا نقبله، فهذا تعصب واحتراق، وعلى كل حال قال له يا ابن الفاعلة أنت تقول القرآن مخلوق؟ فبلغ هذا أحمد ابن حنبل فقال لعل الله يغفر له، أي بهذه الكلمة، قال هذه الكلمة عجيبة والحمد لله أن قالها ابن قارون نُصرةً للحق ومن المُمكِن أن يدخل بها الجنة، لعل الله يغفر له، قال الإمام المُقبلي – المُجتهِد الكبير الذي حدَّثتكم عنه – في العلم الشامخ عجيب، وأحمد كان أحق أن يرجو لابن علية وليس لمحمد بن هارون، ثم قال بعد ذلك هو يتكلَّم في ابن علية ويترك مَن سرق الخلافة وهو خلوٌ من صفاتها يعوثُ – أي يعيثُ ويعثى – في الأرض بالفساد، ماذا يقول الشيخ المُقبلي رحمة الله عليه؟ يقولأحمد مذهبه للأسف الشديد في تبرير ظلم السلاطين والسكوت عنهم معروف، ولكن هذا ليس مُحرَّراً وفيه كلام كثير، فالحنابلة عندهم هذا التشدّد، وأحمد بن حنبل جعل مسألة خلق القرآن الكريم كأنها عديل التوحيد، وابن تيمية حنبلي فانتبهوا، فهو حنبلي وعنده هذا التشدّد في العقائد، وحتى لا أُطيل أقول أن ابن تيمية – رحمة الله تعالى عليه – قال المُبتدِعة لا تُقبَل روايتهم ولا تُقبَل شهادتهم، وهذا أمر عجيب، وقد ورأينا الكلام في هذا وهذا أولاً، ثانياً قال المُبتدِعة لا غيبة لهم ويُشهَّر بهم وتُذكَر مساويهم، أي لا تتحدَّث عن أن هذه غيبة ولا تقل هذا حرام، اذكره وتكلَّم عنهم، قل عنهم كذا وكذا وكذا وكذا وكذا بما ترى أنه الحق ولا تسكت عنهم وشهِّر به، فلا غيبة لهم كما قال الحسن البصري، قال تهابون أن تغتابوا الفاجر؟ اذكروا الفاجر بما فيه يحذره الناس، أي لكي يحذره، ثالثاً قال ابن تيمية رحمة الله عليه وعفا الله عنه وسامحه – أنا أترحم عليه وأدعوله بالعفو والسماح، وهنا قد يقول لي أحدكم كيف تنتقده وتترحَّم عليه؟ لأنني لا أُريد أن أكون مثله، انتبهوا إلى أنني أحترم المُخالِف، وأقول من المُؤكَّد أنه قال هذا وتعصَّب لهذا لأنه نشأ على هذا وغُذِّيَ به، فالوسط كان يتقبَّل هذا والوسط يضغط بهذا، ولذا أنا أفهم هذا فانتبهوا، ولذلك لن أكون مثله في النهاية أبداً، سأترحَّم عليه وأرجو له الخير، وإن شاء الله الله سيُعامِله بقصده وبمقصوده وليس بمحصوله، وقد يدخل الجنة قبل كثيرين من الذين انتقدوه، لا ندري يا أخي فهذا أمر رباني ومن ثم نترك الأمور لله عز وجل – المُبتدِع لا يُصدَّر ولا يلي الولايات بدءاً من الصلاة، أي ممنوع أن يؤم الناس، فقال هذا ممنوع، وطبعاً هذا فيه قطع حبال ووصلة الرحم بين المسلمين، فالشيعي سوف يؤم الشيعي والسُني يؤم السُني والحنبلي يؤم الحنبلي وهكذا، ومن ثم الأمة تتمزَّق، فمثلاً مسجد مثل هذا لا يُمكِن أن يقوم بعد ذلك، وعلى كل حال قال هذا ممنوع، المُبتدِع لا يقدَّم للصلاة ولا في القضاء ولا غير ذلك من الولايات.
قبل أيام – للأسف الشديد – علمت بخبر أحزنني جداً عن عالم أزهري فاضل لا أعرفه وجاهياً ولكن بيني وبينه اتصالات وأُتابِع نشاطه العلمي، وهو إنسان مُبارَك يُحاوِل أن يُؤلِّف بين المسلمين في بلده المحروب المأسور المحصور، هذا الرجل – بارك الله فيه – في الأسابيع الماضية عمل خُطبة عن الحسين – عليه السلام – وربيع الثورات وهو عالم أزهري سُني وكان الأول على دفعته التي من مائتين وخمسين طالب من العالم الإسلامي ولديه دكتوراة في التفسير، فما المُشكِلة إذن؟ عمل خُطبة عن الحسين وربيع الثورات، وقال أن فهم الحسين ونظرية الحسين في الثورة فهمناها بعد ألف وأربعمائة سنة، والحمد لله أن الحسين حرَّرنا، لكن وزير الأوقاف الدكتور فلان الفلاني ما شاء الله عليه – عفا الله عنه وسامحه – يبدو أنه حنبلي تيمي على هذه الطريقة تماماً، فدفاعاً عن الإسلام وأخذاً بفتاوى ابن تيمية أصدر مُباشَرةً فصلاً له وحاربه في رزقه ومنعه، أي تجلس في دارك فلا خُطب ولا دروس ولا صلاة، هو منعه بسيف السُلطة، فلماذا؟ لماذا تفعل هذا؟ أنا أقول لهذا الوزير وقد يسمعني لأنه كتب مقالة عني ووصفني بالدجَّال وقد ضحكت ضحكاً شديداً بسببها، والله العظيم !
ضحكت ضحكاً شديداً، قلت هل أنا دجَّال؟ هذا أمر عجيب ولن أقول كلمة ثانية، على كل حال مَن يعرف؟ اقول لهذا الوزير اتق الله، أنت تعرف لماذا فصلت هذا الرجل الفاضل، لأنك لا تستطيع أن تُنازِله في ميدان معركة علمية، لو كانت مكانك وكنتُ وزيراً أو غير وزير أطلب فقط من خصومي – ولا خصوم لي بين أهل الملة، كلهم إخواني، فأنا أراهم لي إخواناً وعلى الحق أعواناً – أنني أطلب المُناظَرة، سوف أقول ناظروني، أُريد أن أُناظِركم – إن شاء الله – وتُناظِروني، فنتناظر في التلفزيون Television أمام الناس والناس تتعلَّم الحقائق، ما المُشكِلة يا أخي” هذه الأمة الآن فيها ملاحدة وفيها غير هؤلاء، فلا بأس أن يُوجَد فيها مسلم مُختلِف عني قليلاً، أما الفصل هذا لا ينبغي، وسوف ترى أنك ستُفصَل غداً يا أيها الوزير وسوف تجلس في بيتك بعد ذلك، والدهر قُلب والأيام دول، فاتقوا الله إذن، اتقوا الله في أنفسكم وفي دينكم وفي أمتكم، لكنه – والله – فصله، وأقول لهذا الوزير لقد جاءتني – والله -اتصالات من بلدك وهو بلدي من أساتذة في الجامعة الإسلامية يحكون لي أن الألوف ساخطون عليك من هذه الفعلة لأنه هذا لا يجوز، ولكن ما بيد الحيلة، العين بصيرة واليد قصيرة كما يُقال، فعفا الله عنه وسامحه ونحن معه إن شاء الله تعالى.
رابعاً ماذا ابن تيمية؟ يقول بحرمان المُبتدِع من الزكاة ومن الفيء، أي المُحارَبة في الرزق مثلما فعل هذا الوزير الذي يسير في سيرة ابن تيمية وليس في سيرة عليّ، ومن المعروف أن ابن تيمية لا يتطابق مع عليّ كثيراً، فهو مُنحرِف عن الإمام عليّ عليه السلام، ولو سار في سيرة عليّ لعلم أن عليّاً – عليه السلام – لم يُبادِر أهل الجمل ولا أهل صفين ولا أهل النهروان بالحرب، وكانت خطته مع الثلاثة لا نبدأهم بقتال، وكان يقول لا نمنعهم مساجد الله ولا نمنعهم نصيبهم من الفيء مادامت أيديهم معنا على عدونا، أي على الكفار وعلى الروم وعلى الفرس، فانظروا إلى الإمام عليّ عليه السلام، لكن هذا يُحارَب، هل تعرفون لماذا؟ لان خُطة عليّ في الحكم النقيض تماماً لخُطة مُعاوية الظالمة، مُعاوية حارب أهل المدينة في رزقهم ثلاث سنوات فانتبهوا، ثلاث سنوات لم يُعط أهل المدين رزقاً، والنبي أوصى المسلمين بالأنصار خيراً – قال استوصوا بالأنصار خيراً – لكن طبعاً هو استوصى بأهل بيته واستوصى بالمدينة فالحمد لله لا المدينة حُفِظَت ولا أهل البيت حُفِظوا ولا الأنصار حُفِظوا، وهذا مُهِم لكي تعرفوا تاريخكم ودينكم، وعلى كل حال هذا الوزير الذي هو في الأوقاف من جماعة مُعاوية وابن تيمية وليس من جماعة عليّ، عليّ قال لك مُستحيل أن أحرم مُؤمِناً رزقه، لماذا؟ لكن ابن تيمية قال نحرمه الفيء وهذا هو الدين، وخُذ فتاوى ابن تيمية وسوف ترى هذا، قال ممنوع يُعطى من الزكاة وممنوع يُعطى من الفيء، وأخيراً – أختم بهذا وهو أسوأ ما صدر عن ابن تيمية – قال واتفق المسلمون على أن المُبتدِع لابد أن يُعاقَب وإن كان مُتأوِّلاً ومُجتهِداً ومعذوراً، وهو طبعاً له أجرٌ واحد لأنه مُجتهَد، لكنه قال على أن المُبتدِع لابد أن يُعاقَب وإن كان مُتأوِّلاً ومُجتهِداً ومعذوراً، وأُعلِّق قائلاً مَن المسلمون يا ابن تيمية – رحمة الله عليك – الذين اتفقوا؟ هذا كلام غير صحيح بالمرة وهو محض التناقض والتشاكس، لماذا إذن؟ لماذا اتفقوا على مُعاقَبة المُبتدِع؟ هذا الكلام له أحد معنيين، إما أن يُريد ابن تيمية – وهو لا يُريد ذلك، الشهادة لله هو لا يُريد ذلك فأنا احكي الحق دائماً الذي في قلبي – أن مَن كان على غير اعتقاده وفهمه ليس من المسلمين، فإذن أنا ومَن معي اتفقنا فنحن المسلمون فقط – وهو لا يقول هذا وهو غير مُتوسِّع حقيقةً في تكفير الآخرين، فابن تيمية في التكفير غير مُتوسِّع وله كلام جيد حقيقةً – وإما أنه كلام لا معنى له، كلام يقوله هكذا هو فقط، علماً بأنه أحياناً يقول عبارة لا معنى لها وتكون مُتناقِضة وليس عليها دليل، مُجرَّد كلام فارغ قيل، فابن تيمية عنده هذا، وقد يكون معنى الكلام أن كل طائفة من الطوائف اتفقت أن المُبتدِع لابد أن يُعاقَب، فالمُعتزِلة قالوا المُبتدِع يُعاقَب، والمُبتدِع هو غير المُعتزِلي، والسُنة ينطبق عليهم هذا وإلى آخره، ما مُحصِّل هذا القول؟ مُحصِّله أن الذي بيده السُلطة والسيف والغلب يُعاقِب الآخرين، والكارثة تأتي مع كلمة ابن تيمية – رحمة الله عليه – حيث قال يُعاقَب بما يتناسب مع جُرمه وفساده، إما بالحبس وإما بالقتل إن لزم الأمر، ثم ماذا يقول رحمة الله تعالى عليه؟ يقول – وهذا سيئ جداً جداً جداً جداً – وقد يُقتَل المُبتدِع مع أنه ليس كافراً، بل له عذرٌ ومُجتهِد، أي أنه رغم هذا يُقتَل، والأعجب من هذا أنه يقول يُقتَل وإن تاب، وهذه التي لم أستطع أن أفهمها، فيكيف يقول يُقتَل وإن تاب؟ وطبعاً هو لا يقصد كل المُبتدِعة، فهو عنده أنواع من المُبتدِعين، لكن هؤلاء مُجتهِدون ولهم أجر وأخطأوا وقام لهم عذر عند الله، وأنا أتساءل معكم وأختم بهذا قائلاً مَن قام له عند الله عذرٌ وثبت له لدى الله أجرٌ كيف يُقتَل يا شيخ الإسلام؟ بالله عليك كيف يُقتَل؟ أي تنظير هذا؟ وأي مُستقبَل نُوعَد به؟ مثل هذا الفكر إذا أُخِذَ كما هو ولم يُنتقَد على كل حال ستكون كارثة، والآن طبعاً بعض الناس يقول كيف تتجرأ على هذا؟ لكن ما معنى كيف تتجرأ؟ هل هو نبي؟ هو شيخ ويفهم أكثر منا ألف مرة لكنه ليس نبياً، هو بشر ويتناقض ويتطوَّر فكرياً ويغلط في مواضع، وهذه من أكبر غلطاته بل أقول من أكبر ورطاته، وإن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمَن أوقع نفسه فيها سفك الدم بغير حله، التطريق لذبح المسلمين وقتل المُخالِفين بالطريقة التي فعلها ابن تيمية كارثة من الكوارث، واليوم – كما قلت – يُوجَد أناس يُلهِمهم ابن تيمية، فهم يستلهمونه لكن إذا أخذوا هذا الكلام على علاته سوف يكون المُستقبَل مُظلِماً جداً جداً جداً، وأدعو هؤلاء الإخوة الطيبين كما أدعو نفسي أن نُراجِع تراثنا بما فيه تراث شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمة الله تعالى عليه – وأن نأخذ منه ما صفا وأن ندع منه ما كدر وأن نقول بالحق ولو كان مُراً وإن كان على أنفسنا، وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، وأقم الصلاة.
(30/12/2011)
http://fb.me/Dr.IbrahimAdnan
أضف تعليق