الله كمعنى: رحلة في عمق الفهم الروحي والديني

standard
منذ الأزل، يسعى الإنسان لفهم ماهية الله والتقرب إليه، ولكن هل يمكن أن نفهم الله كذات؟ أم أن الرحلة الروحية تتطلب منا أن نقترب من الله كمعنى متجاوز لكل الحدود والتصورات البشرية؟ هذا التساؤل الذي طُرح في خطبة الدكتور عدنان إبراهيم مُقارَبة الله كمعنى لا كذات ألقاها في 7 أغسطس 2009. يدعونا للتأمل في عمق العلاقة بين الإنسان والخالق.

النص الديني بين المعنى والذات

النصوص الدينية، سواء كانت قرآنية أو نبوية، جاءت لتخاطب كل فئات البشر؛ من العامي البسيط إلى العالم المتبحر. لكنها ليست فقط نصوصًا تُقرأ أو تُحفظ، بل هي آفاق تفتح لنا أبواب التفكير والتأمل.

كما أشار الدكتور إبراهيم، النصوص ليست غاية في ذاتها، بل وسيلة لاستنباط المعاني التي تعكس تجربتنا الحياتية والروحية. الفهم السطحي للنصوص، المقتصر على التلاوة والاستشهاد، قد يحجب عنَّا أبعادها العميقة التي لا تُدرك إلا بالتأمل والخبرة.

أزمة الفهم الديني

في عصرنا الحالي، تواجه الأمة الإسلامية أزمة فهم للنصوص الدينية. فالبعض يعتقد أن مجرد استدعاء النصوص كافٍ لإيصال المعنى، بينما الحقيقة أن النصوص وحدها لا تُكمل الرسالة. هنا، يظهر الفارق بين من يكتفي بالترديد وبين من يعيش تجربة النصوص في حياته اليومية، مؤكدًا أن الدين ليس مجرد كلمات، بل تجربة روحية ومعرفية تعكس إنسانيتنا.

كيف نفهم الله كمعنى؟

الله، كما وصفه الإسلام، ذات لا تشبه أي ذات. وهنا تكمن استحالة فهم الله كذات في إطار اللغة البشرية المحدودة. لذلك، يجب أن نُقارب الله كمعنى، كما يعبر عن ذلك الدكتور عدنان إبراهيم.

المعنى يبدأ من داخلنا؛ هو مركوز في فطرتنا، وبه نرى العالم ونعيش خبرة الإيمان. فالإنسان هو مَن يمنح العالم معنى، وهو مَن يرى الله في كل شيء حوله: في الجمال، في الرحمة، وفي العلاقة مع الآخرين.

الرحمة: المفتاح لفهم الله

“الله رحمة”؛ هذا الفهم العميق يعكس جوهر العلاقة بين الإنسان والخالق. الرحمة ليست فقط شعورًا، بل هي فعلٌ يُمارَس يوميًا، اختبارٌ حقيقي للإيمان. في كل مرة نُحسن فيها إلى الآخرين، نختبر إيماننا بالله كمعنى، لا كذات بعيدة.

وكما يُحكى عن أحد الأولياء الذي أدرك بعد أربعين عامًا من العزلة أنه كان يخدع نفسه، فإن العزلة التي تبتعد عن خدمة الآخرين وتواصلهم لا تعكس الإيمان الحقيقي.

الدين كرحلة إبداعية

الدين ليس طقوسًا جامدة أو قوانين تُحصر في الحلال والحرام فقط. إنه رحلة إبداعية تعزز إنسانية الإنسان. الإيمان الحقيقي هو حالة تُعاش، تجربة تنمو مع الزمن وتُثري حياة الفرد. كما قال الدكتور إبراهيم، اليقين هو ابن الشك، والهداية تولد من الضلال، مما يعني أن الإيمان ينضج من خلال التجربة والتحديات.

الله في علاقاتنا اليومية

إذا أردنا أن نقترب من الله، علينا أن نراه في علاقاتنا اليومية. في تعاملنا مع الفقير، في رحمتنا تجاه الضعيف، وفي محبتنا لعائلاتنا. كما قال الشاعر الهندي طاغور، الله ليس بعيدًا؛ إنه في أعماق قلوبنا وفي تواصلنا مع الآخرين.

نحو فهم أعمق للدين

إن قصر الدين على الأحكام الشرعية فقط يُفقده جوهره الإنساني. الدين هو رسالة للحياة، هدفها إصلاح الدنيا وعمارتها، وليس فقط إعدادنا للآخرة. كلما استطعنا أن نعيش الدين كمعنى، أصبحنا أكثر قربًا من تحقيق الغاية الكبرى: أن نكون بشرًا أفضل، يحملون رسالة الرحمة والمحبة للعالم.

خاتمة: الله كمعنى، لا كذات

الاقتراب من الله كمعنى هو رحلة مستمرة نحو فهم أعمق للحياة والدين. هو تجربة روحية تعكس إنسانيتنا، وتدعونا لنكون جزءًا من هذا الكون برؤية مليئة بالرحمة والمحبة. دعونا نعيش الدين كمعنى يثرينا ويُغني حياتنا، ويجعلنا أكثر قربًا من الله، لا كذات بعيدة، بل كمعنى يسكن في كل تفاصيل حياتنا.

 

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: