العلم يا إخواني يُلبي ماذا؟ يُجيب عن ماذا؟ والدين في المُقابِل – لكي نكون هكذا على وعي، وقد قلت إنني لا أُريد أن أتورَّط في تعريف العلم والدين وما إلى ذلك، موضوع طويل هذا، لكننا نقول هذا لكي يكون عندنا أيضاً تصور مبدئي – يُجيب عن ماذا؟ ما الذي تنتظرونه من الدين؟ أنتم وأنا وأي واحد فينا ماذا ينتظر من الدين بصراحة؟ أنا أقول لكم بحسب ما أفهم من الدين إن أول ما أنتظره من الدين هو تقريبي من الله وتعريفي به، أن أعرف الله، إذا الله موجود – وهو حق، موجود عز وجل، وجوده حق – فأنا أُريد أن أقترب منه، أُريد أن أتعرَّف عليه، وبصراحة عندي هوس وعندي رغبة شديدة جداً في أن أُقيم علاقة شخصية معه، أُريد Personal relationship، أي علاقة شخصية، علاقة شخصية معه، هناك أشياء مُعيَّنة يُسمونها السر، أُريد أن يكون هذا بيني وبين ربي وأن تكون هناك علاقة مُعيَّنة، أنا مأمور بالصدق في حياتي والأمانة والنظافة والطهارة، وأُريد أن أرى كيف هذا، أُريد أن أُجرِّب هذا الشيئ، هذا مُهِم، وهذا كان أولاً.
ثانياً ما أنتظره وينتظره كل بشر مُتدين من الدين، هل تعرفون ما هو؟ العزاء والسلوان والأمل، هناك الأمل، أي الــ Hope، الأمل بإزاء ماذا؟ الفم الفاغر للعدم والفناء، الموت! الكل يموت، الدين يُعطيك الطمأنينة ويقول لك إن الموت بوّابة لعالم الخلود، الموت منفذ لعالم أرحب وأوسع وأدوم ولا نهاية له، أُحِب هذا، أنا أُريد هذا الدين بصراحة، هذا يُريحيني، ستقول لي هناك العلم، لا! العلم ليس له علاقة هنا، العلم هنا لا يتدخل، هذه قضايا إيمانية، أنا أُصدِّق بالأشياء هذه، دعني فأنا حر، ونحن قلنا إن عبد السلام أخذ نوبل Noble وهو مُؤمِن، وواينبرج Weinberg أخذ نوبل Noble وهو مُلحِد، هما حران في هذا، لكنهما اشتغلا على نظرية واحدة وعلى موضوعة علمية واحدة، أنا هذا الإيمان يُريحني، وأشعر بأنه جيد، وبعلاقتي الشخصية مع الله – عندي تجارب مُعيَّنة – ثبت أن الله موجود وأنه يتواصل معي، يا أخي أنا حر، حتى لو سميتني مهووساً دينياً أو مجنوناً أنا حر، هذه قضايا إيمانية، لن اُلزِمك بها، لن أتلوها عليك إلا إذا أنت ألحيت علىّ وقلت لي حدِّثني يا فلان عن تجربتك، من المُمكِن أن أعملها ومن المُمكِن ألا أعملها، هل هذا واضح؟
ثالثاً وأخيراً، علماً بأن من المُمكِن أن نبقى نتحدَّث إلى الغد، الدين يُعطيني شعوراً بالــ Dignity، أي بالكرامة، يُعطيني شعوراً بالكرامة، قد تقول لي كرامة ماذا؟ طبعاً هناك كرامة، فرق كبير بين منظوري الديني لنفسي كإنسان ونظرتي للإنسان من خلال نظرة مادية تستند إلى العلم، كيف هذا إذن؟ قال أحدهم استناداً إلى العلم أنت لست إلا بنية مُعقَّدة في الدرجة، ولا تختلف في النوع عن الدودة والخنزير والقرد والحية، الدرجة فقط! أكثر تعقيداً، أكثر رقياً، وليس في كل الجوانب حتى تطورياً، في بعض الجوانب عندك هذا، لكن أنت في الأخير تُختزَل وتُحَل – تعرف مبدأ الاختزالية الردية، أي الــ Reduction – إلى أشياء، يُمكِن أن نحلك وأن نرجعك وأن نختزلك إلى القليل من الكربون والقليل من الغازات والقليل من المعادن مثل الرصاص والحديد والزنك والألومنيوم و… و… و… وأنت في الأخير، في الأخير، في الأخير، من غبار النجوم، أي Stardust، أنت من بعض غبار النجوم، كل الكائنات الحية هي من غبار النجوم، فقط! وماذا بعد؟ ماذا سيحدث حين أموت؟ قال لك حين تموت سترجع إلى لا شيئ، سترجع إلى مادة، ويُمكِن ترجع في يوم من الأيام إلى ما كنت عليه، الأرض هذه قد تنفجر وتحترق فترجع إلى ما كنت عليه، وتصير غبار نجوم من أول وجديد، ويُمكِن أن تُشكَّل في شكل كوكب أو سديم أو نجم أو كذا، لا نعرف وليس لنا علاقة، هذا مُمكِن! لكن هذا شيئ مُخيف ومُرعِب، هل هذا الماضي الخاص بي؟ هل هذا المُستقبَل الخاص بي؟ هل هذا الماضي الخاص بي فعلاً؟ هل هذه حقيقتي؟ الدين يقول لي لا، أنت كائن نعم تشترك مع المملكة الحية في أشياء كثيرة، لكن أن تتميَّز عنها بالنوع، فيك نفخة من روح الله، جعلت فيك جانباً مُفارِقاً مُتجاوِزاً، هذا الجانب – كما قلنا – الذي جعلك تُمارِس العلم بروحانية، جعلك تُضحي بحياتك وتُضحي برفاهيتك وبرخائك وبوقتك وبلذائذك وبمُتعك في سبيل ماذا؟ أن تعرف، فقط لأعرف؟ فقط لأعرف، وأعرف أشياء لا ينبني عليها تطبيقات عملية، ما رأيك؟ على الأقل في مُدة حياتي، أي ماذا سوف نستفيد نحن – مثلاً – لو عرفنا الآن حدود الكون واشتغلنا ثلاثين سنة ثم اتضح أن حدود الكون ليس أربعة عشر مليار سنة ضوئية، وإنما هومائة وستة وثمانون مليار سنة ضوئية؟ لن يحدث شيئ بصراحة، لن يتغيَّر شيئ أبداً أبداً، لن يتغيَّر أي شيئ، فلماذا أنفقتم مليارات الدولارات وكان هناك مئات العلماء وألوف الساعات في العمل والاجتهاد والرياضيات وما إلى ذلك؟ لماذا؟ نُحِب أن نعرف – قال لك -، هذا هو!
هناك الشعور بالجمال لدينا، لماذا يُوجَد هذا الشعور بالجمال؟ هناك الرغبة المجنونة في الخلود ومُقاوَمة الفناء، وليس هذا فحسب، كما قلنا الدين يقول لنا أنتم أيضاً خلفاء الله في هذا العالم، ومُفوَّضون منه في إدارة العالم هذا وإصلاحه والمشي به قدماً عبر ماذا؟ استنباط قوانينه ودساتيره، وعندكم أيضاً شريعة تُنظِّم حياتكم وتُنظِّم علاقاتكم وفق مبدأ الحرية والكرامة والعدالة، هل هذا واضح؟ وأنت أيضاً يا خليفة الله في الأرض مُخوَّل بل مأمور ومُفوَّض بأن تُزيل الظلم وأن تُحقِّق العدالة للبشر.
وتُعجِبني هنا كلمة نيكوس كازانتزاكيس Nikos Kazantzakis، الأديب اليوناني العظيم، الذي قال ماذا؟ قال ليس ذنبك يا رب، ليس ذنبك هذا الطفل الذي يأكل التراب، ليس ذنبك، ذنبي أنا وذنب إخواني في البشرية، ذنب هذا الطفل في رقبتي وليس في رقبة الله، جميل، جميل، جميل، اقشعر بدني، جميل! لماذا كازانتزاكيس Kazantzakis قال العبارة هذه؟ يفهم هو بطريقة أو بأُخرى – وهو يُخاطِب الله – أنه مُفوَّض من الله، هو خليفة الله، لكي يُدوِّر المواد ويُقسِّم الأرزاق، هو! أليس كذلك؟ الله خلق الأرض وجعل أرزاقها تكفي البشرية هذه بل تكفي عشرة أضعافها وربما مائة ضعفها، والله العظيم! لكن الله لم يقل أُريد أناساً عندهم مائة مليار وأناساً ليس عندهم حتى مائة مليم، لم يقل هذا، الله دمغ هذا في التوراة وفي الإنجيل وفي القرآن، ما رأيك؟ ودمغه بالنور الفطري الذي يُوجَد في الإنسان، بالنور الطبيعي الإلهي الذي يُوجَد في الإنسان دمغ هذا، والبشرية ترى أن هذا يُعَد ظلماً ولا ينبغي أن يستمر، لكن هناك حضارات تعمل على استمراره، وهناك رأسمالية مُتوحِّشة، لكن نحن كبشر خلفاء الله، هذا ما يُعطيه الدين لنا، هل فهمتم كيف هذا؟
باختصار هناك جواب لماذا؟ من أين؟ وإلى أين؟ وهناك جواب لماذا؟ أي السؤال الغائي، لماذا أنا موجود أصلاً؟ هذا الجواب يُقدِّمه الدين أو العلم؟ الدين، العلم ليس له علاقة، انظر إلى العلم، كم هو حتى قاصر ومحدود! كريم وجميل، لكنه قاصر ومحدود، العلم يقول لك هذه طاقة البخار، وهذه طاقة الماء، وهذه طاقة الريح، وهذه طاقة الشمس، وهذه طاقة الكهرباء والإلكترون Electron، وهذه طاقة الذرة، وليس لي علاقة بما ستفعله بهم بعد ذلك، اجعلها سلمية أو اجعلها حربية، احرق الأرض، احرق جنسك، واحرق كل البشر، أنا ليس لي علاقة! هذه ليست وظيفة العلم، أليس كذلك؟ أي العلم ليس أخلاقي وليس لا أخلاقي، هل فهمتم ماذا أقصد هنا؟ أرجو أن تفهموا النُقطة هذه، العلم ليس أخلاقياً، سيقول لي أحدكم هو ليس أخلاقياً، إذن هو غير أخلاقي، لكن هذا غلط، وهو ليس لا أخلاقياً، سوف يقول لي ما الوسط الذي بينهما؟ هو مُحايد أخلاقياً، هناك الــ Amoralism، هل تعرفون هذا؟ هناك الــ Moralism، أي مذهب الأخلاقية، أليس كذلك؟ هناك Anti، هناك Non، وهناك A، هذه Amoralism، والــ Amoralism معناها ماذا؟ مذهب الحيادية الأخلاقية، أي أنا لا أخلاقي ولا لا أخلاقي، هذا ليس تخصصي، فلا تطلب مني هذا.
السؤال الآن، إذا هذا ليس تخصصك يا Science فهو تخصص مَن إذن؟ بدرجة أولى هو تخصص الدين، الدين! هذا يعني أن الدين أيضاً – أضيفوا هذا العنصر الرابع، وهو مُهِم جداً، وقد تكلَّمنا عنه، حين تكلَّمنا عن كازانتزاكيس Kazantzakis والعدالة وما إلى ذلك تكلَّمنا عنه – يُؤسِّس لــ ويُجيب عن سؤال ماذا؟ الأخلاق.
اربطوا معي الكلام بعضه ببعض، قبل قليل تحدَّثت عن بيكون Bacon وعن نيوتن Newton وعن فولفغانغ باولي Wolfgang Pauli وعن أينشتاين Einstein وعن غيرهم، علماً بأن ابن خلدون حتى كان وغداً وانتهازياً بصراحة سياسياً، تحدَّثنا عنه قديماً، وهو كان كذلك، وفي المُقابِل – هذا في المُقابِل – فعلاً وبصراحة لا أنا ولا أنتم اهتزت ثقتنا قيد شعرة بهؤلاء العباقرة في العلم – أي الذين ذكرناهم مثل أينشتاين Einstein وباولي Pauli، هذا في العلم – حين عرفنا وغادتهم الشخصية، أي التي كانت على المُستوى الشخصي، أليس كذلك؟ أبداً، سأظل أحترم علمه كل واحد منهم وأتعلَّمه وأرفع له القبعة، لكن يختلف الأمر حين يأتي أحدهم لكم ويقول عدنان إبراهيم فعل كذا وكذا، وهو رجل يتكلَّم عن الدين، أرأيتم؟ هو يصعد المنبر – منبر رسول الله – ويُصلي بكم، ومع ذلك يُمكِن أن تكتشفوا أن عنده فتكات ومُغامَرات جنسية، وربما – لا قدَّر الله ولا سمح – يُوجَد ما هو أفظع، مع العلم بأنني أحببت أن أُمثِّل بنفسي، هل تعرفون لماذا؟ حتى لا أُسيء إلى أي شخص آخر، لذا تعمدت أن أُمثِّل بنفسي فقط، وهذا الموضوع أنا أتحسس منه بنفس درجة تحسسي من الكفر، كم أتحسس من الكفر! أتحسس بنفس الدرجة من هذه الموضوعات الأخلاقية – بفضل الله -، وعندي صرامة أخلاقية رهيبة، لكن ماذا لو سمعتم غداً أن عدنان إبراهيم الذي يُحاضِركم في الدين والأخلاق والورع والتقوى والتصوف والمعرفة والولاية وما إلى ذلك عنده فتكات؟ بالله عليكم هل يبقى عندكم أي احترام لي ولو بنسبة خمسة في المائة؟ مُستحيل، سأقول لكن أنا أُدرِّس لكم، وسيقول لي أحدكم لا، بصراحة أنت كرجل دين وكمُفكِّر ديني وكعالم دين ينبغي أن تُعلِّمنا الدين، سأقول لكن أنا لم أُعلِّمك الأخلاق، وسيقول لي لا يا حبيبي، الدين لا ينفصل عن الأخلاق، هما شيئ واحد تقريباً، الدين يُؤسِّس للأخلاق، لا تُفهِمني أنك عالم دين بلا أخلاق، لن أثق بعلمك، لن أثق بفتواك، لن أثق برؤيتك، ولن أثق بشخصيتك، أنا أحببتك كعالم دين لكي أتعلَّم منك الدين بمعناه الأخلاقي أيضاً، ليس فقط بمعناه الثيولوجي واللاهوتي والكلامي والفلسفي فقط، وإنما بمعناه الأخلاقي أيضاً، هذا أهم شيئ، أحببتك لكن ليس لعلمك فقط، كان له دور، أي هذا العلم، لكن مع وهم أنه مُقترِن بماذا؟ بأخلاقية عالية، برسوخ، وبطهارة في المسلك والسلوك، لما تبيَّن لي غير هذا لم يبق احترام، وعندك الحق بصراحة، ولا تتراجع مهما حاولت أن أضحك عليك وأن أُدجِّل عليك وأن أقول لك لا يا أخي، خُذ علمي وانتفع به ولا عليك من عملي، خُذ الثمار وألق العود في النار، أرأيت؟ خُذ الثمار وألق العود في النار، انظر إلى علمي ولا يغررك عملي، قل لي اذهب بعيداً، نحن شبعنا من دجلك، اتضح أنك أكبر دجّال، أليس كذلك؟ وعند الحق – والله -، فلا تأت ولو مرة إلى هنا، ولا تسمع مني كلمة واحدة، لماذا إذن؟ لأن الدين بطبيعته أخلاقي، يتراكب ويتقاطع ويتآزر ويتعزَّز بالأخلاق، خلافاً للعلم الطبيعي، الموضوع مُختلِف تماماً، هل فهمت كيف هذا أنت؟
إذن الدين يُجيب عن سؤال كذا وكذا وكذا وكذا، العلم سؤاله الأصلي الذي يُجيب عنه ما هو؟ كيف تحصل الأشياء في عالم الشهادة؟ كيف ينزل المطر؟ كيف يحدث الرعد؟ كيف يحدث البرق والصواعق؟ أليس كذلك؟ لماذا تنزل الأشياء من أعلى إلى أسفل؟ الجاذبية، أليس كذلك؟ لماذا… لماذا… لماذا… كل أسئلة العلم! لماذا الركب عندنا كبشر بعد سن الأربعين والخمسين تتأثَّر وتتآكل؟ هذا سؤال في الطب، لماذا؟ لماذا عندنا مشاكل في العصعص والعمود الفقري وفي فقرات الرقبة؟ الطب يتكلَّم في هذا، لماذا الكبد يتليَّف عند مَن يشرب الكحول أو يشرب كذا وكذا؟ لماذا؟ قصة كبيرة! العلم يُجيب عن سؤال لماذا؟ كيف لماذا؟ كيف لماذا إذن؟ انتبهوا، يجيب عن سؤال لماذا؟ بكيف؟ أي سؤال بسؤال.
سؤال لماذا؟ يا إخواني سؤالان، لماذا من قدام؟ ولماذا من وراء؟ ما رأيكم؟ لماذا من قدام؟ اسمه السؤال الغائي، يُجيب عنه الدين، لماذا الله خلقنا؟ خلقنا لكي يختبرنا، وبعد ذلك يجعلنا إما في الجنة وإما في النار بعد أن يبلونا – لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۩ – وما إلى ذلك، هذا السؤال اسمه السؤال الغائي، العلم يكفر به، وليس له علاقة به، ليس له أي علاقة به! لكن لماذا تدور الشمس؟ لماذا تدور الأرض حول الشمس؟ لماذا تدور الشمس حول محورها طبعاً؟ ولماذا تدور الأرض حول الشمس؟ ليس لكي تذهب الشمس وتسجد عند العرش، لا! العلم لا يُؤمِن بالأشياء هذه، هل فهمتم كيف هذا؟ العلم يُجيبكم عن لماذا؟ بالسبب الذي في الوراء، ما الذي جعلها تدور؟ مبدأ القصور الذاتي، أليس كذلك؟ تتسلط عليها قوة، فتنقلها من السكون إلى الحركة، تبدأ تتحرَّك بحسب مبدأ الجاذبية، وعندنا مبدأ الجاذبية ومبدأ الطرد المركزي أو النبذ المركزي، قصة مُعقَّدة! إلى أن يطرأ ما يُحيلها إلى حالة أُخرى، اسمه مبدأ الأنيرشا Inertia، أي مبدأ القصور الذاتي، هذا سؤال سببي، لماذا من وراء؟ هذه السببية، العلم يتكلَّم فيها، السببية من الأمام لماذا غداً أو فيما بعد؟ هذه الدين يتكلَّم فيها، اسمها ماذا؟ الغائية، فالعلم لا يعترف بالغائية، هل هذا جميل؟
بعد ذلك حين يُجيبكم العلم عن لماذا تتحرَّك الأرض؟ هو يصف لكم كيف يحصل هذا؟ فنحن نختزل ونقول السؤال الحقيقي للعلم هو سؤال كيف؟ قد يقول لي أحدكم هناك لماذا؟ لكن لماذا؟ فقط للوراء، فعليه أن ينتبه حتى لا يخلط الأمور، هذه فلسفة العلم، العلم يتناول سؤال لماذا؟ الذي من الوراء، أي السبب الذي من الوراء، السبب الذي من قدام اسمه الغائية، هناك الــ Aim أو الــ Goal، هل هذا واضح؟ اسمه الــ Aim، هل تعرفون الــ Aim؟ هناك الــ Aims، أي الأهداف، هناك الــ Goal والجمع هو الــ Goals، فهذا من قدام، وذاك الدافع الأول أو المُحرِّك، وهو من الوراء، أي هذه السببية، أما هذه فهي الغائية، العلم يهتم بالسببية، ولا يهتم بالغائية، وبعد ذلك وهو يُجيبكم عن سؤال السببية يُجيبكم عن كيف يحدث؟ كيف تتم الأمور؟
هل هذا واضح يا إخواني؟ هذا هو، قد يقول لي أحدكم حتى الدين يُجيب عن هذا السؤال، بصراحة يُجيب عنه بطريقة إجمالية فقط، بطريقة إجمالية وليس بطريقة تفصيلية، وهذه الطريقة الإجمالية لا تُفيد في إقامة علم كالعلم الحديث بالمُناسَبة، قد يقول لي أحدكم ما قصدك إذن؟ وأنا أقول له بصراحة لو سألت أي علم دين ومن منظور ديني قلت له لماذا تحدث الأشياء؟ وكيف تحدث الأشياء على هذا النحو؟ سيقول لك عالم الدين الله – تبارك وتعالى -، الله حرَّكها، الله سيَّرها، الله أدارها، الله قدَّرها، الله… الله… والله… هذا الجواب صحيح أو غير صحيح؟ صحيح، في الميتافيزيقا – Metaphysics – الإسلامية وفي الثيولوجيا – Theology – الإسلامية هذا الجواب صحيح مائة في المائة، لكن هذا لا يُؤسِّس علماً، أليس كذلك؟ لماذا إذن؟ لأنه جواب واحد، إجمالي وواحد، لا يتغيَّر، أي شيئ يُجاب عنه بنفس الجواب، كيف يحدث وما إلى ذلك؟ الله – عز وجل -، وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ ۩، كيف تحدث الصاعقة؟ لا تقل لي هناك بنجامين فرانكلين Benjamin Franklin وهناك الطائرة الورقية التي أرسلها ولا تُحدِّثني عن سنة ألف وسبعمائة وثنتين وخمسين وما إلى ذلك، لا! الله، هذا صحيح، الله يخلق الصواعق، يُرسِل الصواعق، يُرسِل الرعد، يُرسل البرق وما إلى ذلك، يُنزِل الماء، ويُنبِت النبات، الله… الله… الله… مضبوط! لكن كيف يتم هذا؟
هل إبراهيم – عليه السلام – لم يكن يعلم أن الله هو الذي يُحيي ويُميت؟ فماذا طلب إذن؟ (ملحوظة) أجاب أحد الحضور بقول الله – تبارك وتعالى – أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۩، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم نعم، أرأيتم كيف هذا؟ إبراهيم تجاوز سؤال الدين وجواب الدين الإجمالي وطرح سؤال العلم، وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ۩، أي تُؤْمِن ۩ بماذا؟ هل معناها تُؤْمِن ۩ بأني موجود أم بأني أُحيي الموتى؟ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ۩، يا سلام على القرآن الكريم، يا سلام!
أختم بهذه الجُملة إذن، انتهى الأمر، لا أُريد أن أتكلَّم بعدها، لأن هذه درة، درة! هل تعرف هذه الدرة ماذا تقول؟ الدرة تقول القرآن نفسه ظاهره يقول العلم يُعطي طمأنينة للمُؤمِنين، طمأنينة للبشر، وهي الطمأنينة التي طلبها إبراهيم، قال له أرني كيف هذا؟ كيف تتم العملية؟ أنت اليوم يُمكِن أن تأتي لكي تتكلَّم مع أي عالم في الأحياء وفي الفسيولوجيا Physiology وحتى في الكيمياء الحيوية – أي البايوكمستري Biochemistry -، ويُمكِن أن يُحدِّثك عن الــ Enzymes، العرب يُسمونها الأنزيمات، أي الخمائر، الــ Enzyme هو الإنزيم، ما الــ Enzyme هذا؟ يقول لك هذا مُركَّب كيمياوي، وبالأحرى هي مُركَّبات كثيرة على كل حال، وهي مُهِمة جداً جداً جداً في عالم الحياة في النبات وفي الحيوان، لماذا؟ لأنها تُؤدي دور التسريع، أي إنها Catalyzer، هي مُسرِّع، تعمل تسريعاً للتفاعلات، من غير إنزيم Enzyme الخلية ماذا سيحدث؟ هل تعرف كم الوقت الذي سيستغرقه التفاعل لكي يتم؟! تريليون Trillion مرة، شيئ لا يكاد يُصدَّق، أي التفاعل يتم في واحد على ألف من ثانية، من غير الإنزيم Enzyme، سيحتاج إلى كم؟ تريليون Trillion مرة هذا الوقت، أي واحد على ألف يُضرَب في تريليون Trillion، ما التريليون Trillion؟ مليون المليون، أي عشرة أس ثنتي عشرة، ومن ثم ستنقضي أعمارنا كلها لكذا مليار سنة دون أن يتم التفاعل، سوف تقول لي يا الله! هل هذا الكلام صحيح أم أنه مُجرَّد هبل؟ ما هذا؟ هو يقول لك أنا سأُريك هذا، أي العالم يقول لك أنا سأُريك هذا، تعال وانظر، هذه مادة مُعيَّنة عندنا، تركناها مع مادة أُخرى لكي تتفاعل، لكن لن يحدث أي شيئ، يُمكِنك أن تجلس وتنتظر لساعة أو ساعتين أو حتى لمليار سنة، ولن يحدث أي شيئ، كل شيئ سيبقى كما هو، بعد أن تنتظر سبع أو ثماني ساعات سيقول لك دعنا نضع قطرة واحدة من هذا الإنزيم Enzyme، وهذا كله يجري أمامك، هذا يجري أمامك، ويُمكِن لأي أحد أن يرى هذا في الوثائقيات، يُمكِنه أن يرى هذا بعينيه في الوثائقيات أو في المعمل، ومَن درس هذه الأشياء يعلم ما أقول، فهو سيقول لك نحن سنأتي بالإنزيم Enzyme هذا، لأننا نعرف أن قطرة منه ستُحدِث انفجاراً، يا رجل في طرفة عين سيحدث التفاعل، وسيتم الانفجار في الأنبوب مُباشَرةً، هذا يعني أن العلم أراك ماذا هنا؟ كيف تتم العملية؟ كيف يتم هذا التفاعل – الــ Interaction -؟ كيف؟ أنت في الأول سمعت أن الإنزيم Enzyme يعمل هكذا، وهذا حلو، لكنك تقول أرني هذا وأثبته لي، لكي يتعزَّز الإيمان، أليس كذلك؟
فكأن العلم – وقلت هذه الجُملة أُريد أن أختم بها – يُعطي الطمأنينة للبشر وخاصة المُؤمِنين بماذا؟ بالجواب عن سؤال كيف؟ كيف؟ هناك الشرغوف، هل تعرفون الشرغوف؟ قبل أن يصير هذا الكائن ضفدعاً يُسمى الشرغوف، قبل أن يصير هكذا يُقال إن اسمه الشرغوف رغم أن ليس له أي علاقة بالضفدع، شكله مثل ماذا؟ مثل أي كائن مائي سابح صغير هكذا، كيف يتحوَّل إلى ضفدع؟ هذا يُسمونه علم الأحياء النمائي، أي الــ Developmental biology، من Development، شيئ لا يكاد يُصدَّق، وترى العلماء وكيف يُجيبونك عن هذا علمياً، قد تقول لي درسنا هذا، لكن دراستك هذه قديمة، في سنة ألفين وست عشرة دخلت فيزياء الكم في الموضوع هذا، والعلماء جعلونا نرى كيف يتم هذا كمياً، وعلمنا كيف تُفسِّر لنا فيزياء الكم تحول الشرغوف إلى ضفدع كامل، شيئ مُرعِب، علم! علم مُخيف يا إخواني.
قد يقول لي أحدكم والله يا عدنان هذا يكفي، أعطاك الله العافية، والله يكفي هذا المثل، وتكفي هذه الخاتمة، لكي يتوقف هؤلاء المساكين من إخواننا – هدانا الله وإياهم وأصلحنا وأصلحهم – عن مُواصَلة السير في هذا الطريق، فهم يقولون نحن سنُخرِج علماً من القرآن فقط، ولا نُريد علم الغرب، يا أخي هذه علوم مُذهِلة، علوم مُحيِّرة جميلة مُخيفة رهيبة، ومُخاطَرة كبيرة – هذه مُخاطَرة كبيرة بل مُقامَرة معروفة العواقب وهي دمار على الدين وأهله – أن تقول للناس عندي علم، سأقوم بإخراجه من القرآن وحده، قارنوا بينه وبين علوم الغرب الكافر، مُجرَّد مُقارَنة بسيطة – بفضل الله عز وجل – ستجعل الناس تقول لك اجعل علمك عندك، وبالتالي اجعل كتابك معك ودينك عندك، أستغفر الله العظيم! وسوف يذهب الإنسان إلى علم الغرب، لأنه سوف يجد هنا ماذا؟ تعقيداً وجمالاً وتفسيراً وأشياء كيفية ودقيقة ومُلاحَظة ومُصوَّرة ومرصودة بالتجربة ومكتوبة في صورة مُعادَلة، شيئ مُذهِل مُخيف، يحكي العبقرية البشرية، يحكي عظم هذا العقل الإنساني، وهنا سوف يجد سذاجة وأشياء غير قابلة للتحقق منها وغير قابلة أصلاً للدحض، أشياء سهل جداً نقدها حتى بطريقة تأملية ولُغوية.
أضف تعليق