بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه.
اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما.
إخوتي وأخواتي/
كما وعدتكم، وإن شاء الله لا أصدمكم، أنا سأبدأ حيث، أو من حيث، انتهيت في المُحاضرة السابقة، مع المُفكر الكبير السيد ضياء الدين سردار، الذي أبدى استنكاره وشجبه لقسوة العلم والأبحاث في فيزياء الجُسيمات الدقيقة، التي تُعجّلها إلى طاقات عالية، وتضرب بعضها ببعض! لا يجوز هذا!
ما معنى هذا؟ السؤال الأول هل أنت يا سيدي أو مَن اقتنع بهذا المنطق وأفرغ عن هذا المنطق ستمتنعون بعد ذلك عن بناء مُعجّلات مثل مُعجّل سيرن CERN مثلا بسويسرا؟ لن تُتابعوا الأبحاث والتجارب في فيزياء الجُسيمات الدقيقة؟
مرحبا! اتركوا هذا لغيركم، وسوف نرى مَن يحظى بالطاقة حقا، ومَن ربما تتفتق أمامه مصادر جديدة للطاقة، تجعل ربما ما عُرف منها إلى الآن في حُكم الماضي المنسوخ!
ما هذا؟ ماذا تُريد بهذا النقد؟ يا رجل قبل أن تتكلم عن تسريع جُسيمات دون ذرية، حرّم وأبد الأسف والرثاء لإراء النار! العرب تعرفون كيف يؤرثون النار، يقدحون الزناد، يقدحون خشبة بحجر، أو حجر بحجر! حرام! قسوة شديدة! أليس كذلك؟
يا رجل هل أنت مِمَن يأكل اللحوم؟ هل ستبقى مُعتصما بتحليل الله ورسوله لذبح الحيوانات المُباحة؟ هنا ذبح، إزهاق نفوس! سأمضي معك خُطوة إلى الأمام؛ لكي أكون أكثر جدية:
بالله عليك، بمثل هذه المثالية الإسلامية المُفرطة، التي واضح أنها لن تشتغل – الآن يخطر لي! وأنا أتكلم، خطر لي مثال آخر -، ما كان يُمكنك أن تكتب بقلمك حرفا واحدا؛ لأن الضغط على رأس القلم، والضغط على سطح الورقة، مؤذ جدا جدا! أكثر أذية من مُصادمة الجُسيمات!
ستقول لي لا، أنا أطبع على الكمبيوتر Computer. أكثر أذية! النقر على الكيبورد Keyboard هذا أو على الأزرار المسكينة الغلبانة هذه أكثر أذية! وطبعا هناك أكثر من مقطع في اليوتيوب Youtube عن هذا.
أنا لا أُحب أن أسخر، لكن أُحب أن أقول لكم فعلا كيف يُمكن أن يُواجه النقد، فهذه أشياء حقيقية. أنت قُدتنا إلى الجُسيمات الدقيقة! أنا سأقودك إلى لوحة المفاتيح، التي يُوجد أكثر من مقطع على اليوتيوب Youtube يُوضح فعلا كيف تحفرت، تحفرت! تعمقت الأزرار هذه!
طبعا مُحيت الأحرف، وتعمقت؛ لأن يبدو أن الذي يستخدمها، ويستخدمها من عشرين سنة، لم يستبدلها، لم يستبدل غيرها بها. فما هذا الظلم؟ ما هذا الظلم في حق الأزرار؟ أهكذا جعلتها خمصانة، جوعانة إلى هذه الدرجة؟ أما تتقي الله يا رجل؟
ثم، ثم بالله عليك، ماذا أنت قائل في تاريخ الحروب بين المسلمين والمسلمين؟ بين ذبح الصحابة أنفسهم لبعضهم! المسلمون الذين علموك الدين وأورثوك الدين! ستقول لي لا، هذا ملف معروف، ولنا موقف منه.
لا، ماذا ستقول في الحرب حول الكشمير بين الباكستان، وأنت من أصل باكستاني، والهند؟ ستقول نحن لنا الحق والكشمير لنا. مثلا! لا أعرف موقفك من القضية الكشميرية. هل ستمنع مؤسسة الحرب بالكامل، حتى الحرب العادلة؛ نُصرة للمظلومين؟ ماذا ستفعل؟
ليس هذا فحسب، طبعا أنا أعلم ما سيحصل يوم يُتاح لأمثال هذه المشروعات وهذه المدارس والأفكار أن تتسيد ثقافة أمة مُعينة، في بلد مُعين، مهما كان صغيرا!
إن تسيدت، وأخذت طريقها إلى مناهج التعليم المدرسي والعالي – جميل! المدرسة الإجمالية؛ Ijmalism، أخذت طريقها! وقرأ أبناؤنا أمثال هذه الأفكار -، فهذا لا يمنع بالمرة افتراض أن هذه الدويلة المسلمة الإجمالية ربما تقع في خصومة وسوء تفاهم مع جارتها المسلمة!
ماذا أنت فاعل؟ وكيف ستحل المدرسة الإجمالية هذه العلاقات الأكبر بكثير من علاقات جُسيمات دون ذرية؟ علاقات بين بشر، كائنات الله المُستخلفة المُكرمة، ومسلمون أيضا!
في هذه الحالة سوف ترى يا سيدي كيف تعمل آلة التأويل أو آلة التأويلية مُباشرة لنزع صفة الإسلام عن الإخوة الجيران، وجعلهم ضمن مُعسكر الكفر الذي يجوز مُحاربته وهتكه واجتياحه!
ما هذا؟ علينا أن نكون عمليين. على فكرة، هذا الذي أقوله أكثر عملية مما يقترحه سردار! أليس كذلك؟ مُقترح سردار وقف البحث في فيزياء الجُسيمات، انتهينا! هذا هو!
مُقترحي هو ما حصل من أيام اقتتال الصحابة، على أنهم لم يُكفروا بعضهم بعضا – بحمد الله تبارك وتعالى -، لكن ظل يحصل بعد ذلك بين الممالك الإسلامية، وبين المسلمين وبعضهم البعض، وبمنطق التكفير واجتياح الآخر!
هذا حدث مع المُرابطين من جهة المُوحدين، الذين قتلوا منهم أكثر من ثمانمائة ألف! وحدث مع إسماعيل الصفوي، الذي قتل أكثر من مليون، من أهل السُنة، في إيران وفي العراق! باسم أيضا الإسلام والتأويلية!
هكذا تشتغل الحياة للأسف الشديد، وهكذا يشتغل اللعب! هذا منطق أقرب إلى أن يشتغل على أنه مُجرم، مما تقترح من منطق لا يُمكن أن يشتغل! يجب أن نكون واضحين.
ولذلك على فكرة، كما لاحظ ربما البروفيسور نضال قسوم – بارك الله في عُمره -، لاحظ أن مدرسة سردار يبدو أنها مُنيت بالخيبة، وأُصيبت…ماذا نقول إذن؟ تكسرت طموحاتها! تكسرت طموحاتها حين لم تؤت أُكلها، لا المُرتقبة، ولا حتى قريبا مما كان يُقترب، بالمرة!
لماذا؟ السبب الرئيس – لما رأيتم الآن -؛ لأنها ليست عملية. كما قلت بيير بورديو Pierre Bourdieu! الحس التطبيقي! ليس لديهم الحس التطبيقي!
الجميل في الإسلام المُحمدي هو الآتي! هنا تُدرك عظمة نبيك – عليه الصلاة وأفضل السلام -! عظمة نبيك! تعرف الفرق بين سيد حُسين نصر وسردار وعدنان إبراهيم وسيد قطب وحسن البنا والخُميني، وبين محمد بن عبد الله – صلوات ربي وتسليماته عليه -!
في عشر سنين أنجز كل ما أنجز! وترك تُراثا للأمة، فتحت به ثلاثة أرباع المعمور، في تسعين سنة! عظمة محمد! تعرفون لماذا؟ محمد – عليه السلام – من أول يوم كان رجل الأعمال، مع كونه رجل الأقوال الصحيحة، المقولة له! رجل الأعمال!
لما جاء إلى المدينة، ومعه عشرات، مِمَن تركوا ديارهم وأملاكهم وأهاليهم، وكل ما تأثلوه! لم يدع إلى الإحسان وال Charity والعطاء، وأعطوا وأحبوا بعضكم وكذا، أبدا، أبدا، أبدا! حوّل مفهموم الأخوة إلى مؤسسة اجتماعية، تنظيم اجتماعي، Association! تنظيم اجتماعي!
آخى بين المُهاجرين والأنصار! هذا أخوك، وهذا أخوك! وكانوا يتوارثون! ما رأيكم؟ إذا مات أحدهم، يرثه الآخر! كأنه أخوه، من لحمه ودمه! الله أكبر! ما هذا يا محمد؟ محمد هذا، ليس أي كلام يا حبيبي!
ذكرت لكم مرة مُلاحظة العبقري الكبير علي عزت – رحمة الله تعالى عليه -، حين قال لِمَ فشلت الثورة الفرنسية؟ ولِمَ أكلت أبناءها؟ طبعا! هي عبر مئة وخمسين سنة تُدمر في نفسها، وتُدمر في شعبها!
لا تظنوا أنها نجحت من أول يوم! لم تستقر الأمور، إلا بعد مئة وخمسين سنة! ما الثورة هذه؟ هناك ناس يُريدون أن يجعلوها نموذج للثورة! أي نموذج؟
قال لأني أرى أنها دعت في شعاراتها الثلاثة إلى الآتي: دعت إلى الحرية، نعم! أمكن مأسسة الحرية، صحيح. دعت إلى المُساواة، حتى المُساواة يُمكن مأسستها. ودعت إلى الأخوة، فشلت في أن تُمأسسها، فقتل الإخوة الأعداء بعضهم بعضا! روبسبير Robespierre ودانتون Danton وميرابو Mirabeau! ذبحوا بعضهم! أليس كذلك؟ هو هذا!
انظر إلى رسول الله إذن – أنا أضفت من عندي، هذا قادني إلى نبيي -؛ رسول الله لم يدع إلى الأُخوة مفهوما، مواعظيا. حوّلها إلى مؤسسة اجتماعية.
لذلك حين سُئلت قبل بضع سنوات، وكنت في عُمان، في الراديو العُماني، عن مُشكلة الثقافة، قلت بصراحة أنا أرى أن الموضوع أقرب بكثير مما نُحاول أن نُعقّده! وكأن فينا خطأ بنيويا، نحن العرب والمسلمين، يجعلنا لا نحترم الوقت، غير مُنضبطين، غير نظاف أيضا!
نعم، ليس عندنا نظافة، فانتبه! ستقول لي كيف؟ لسنا نظافا! انظر إلى الحج، لسنا نظافا، نحن المسلمين! لذلك علي عزت، أيضا مرة أُخرى، العبقري قال أنا أُرشح لنيل جائزة نوبل Noble مَن يدلني على سبب أن الإسلام لم تُوجد مِلة ولا شريعة ولا دين حض على النظافة مثله، حتى جعل النظافة من الإيمان، تخيل! ومع ذلك الأمة الإسلامية من أوسخ الأمم!
وسخون نحن، للأسف! لسنا نظافا! والله العظيم! أنا قلت لا، أنا آخذها؛ جائزة نوبل Noble! أعطني حتى مئة ألف دولار، أعطني ألف دولار! أعطك الجواب مُباشرة، يا علي عزت. لا! المسألة ليست مسألة مُعقدة، ولا صعبة!
قبل أن أقول لكم الجواب – وقلته، وعملت عليه خُطبة – بفضل الله عز وجل -، وأجبت في الراديو العُماني أيامها -، أُريد أستشير الآن مهاتير محمد Mahathir Mohamad، العبقري الكبير! الذي عمل في ماليزيا تلك النهضة الكبيرة!
وعنده الجانب السيء مهاتير محمد Mahathir Mohamad! عنده الجانب غير المُشرف، أمام الملايويين أنفسهم! أبناء الملايو! قومه! وهو منهم! عنده كتاب اسمه مأزق الملايو، أي The Malay Dilemma! The Malay Dilemma؛ مأزق الملايو!
للأسف يصدر فيه عن خلفية عرقية، يتبنى مفهوما عرقيا عُنصريا، ضد عرقه نفسه الملايوي! ويصدر فيه أيضا – وهذه أيضا مما أُخذ عليه – عن نزعة داروينية اجتماعية! تخيل! ال Social Darwinism! وهذا شيء خطير ومُخيف! أين نحن؟ للأسف!
فللأسف يزعم أن الملايويين – أي أبناء الملايو – بطبيعتهم (أي عرقيا! يا الله! بنيويا، هم هكذا! عرقيا، خلقيا! بطبيعتهم) لا يعرفون معنى للوقت! وLazy؛ كُسالى. يقول كُسالى! غير عمليين، وغير مُنظمين!
ويحكي عبارة، أنا نفسي أساءتني، وأنا لست من أبناء الملايو، لكن هؤلاء إخواني المسلمين أيضا، أي لماذا أنت هكذا شديد على قومك بالدرجة هذه؟ إهانة هذه، وليست هكذا المُقاربة!
ماذا قال؟ الصيني أيا كان – هم المُهاجرون الصينيون هؤلاء! تعرف لم يكونوا Indigenous هؤلاء، كانوا مُهاجرين، هؤلاء Migrants! والملايو هم أبناء البلد. قال الصيني أيا كان -، وأيا كان العمل الذي يُزاوله، سيخرج من تحت يده أفضل من أي واحد من أبناء الملايو!
أف! تعرف ترجمة هذه العبارة ما هي؟ أردأ صيني إنتاجه أفضل من أفضل ملايوي! يا رجل لماذا؟ هم هكذا فعلا؛ أبناء الملايو؟ ها أنت منهم! وأنت طبيب، وعالم اجتماع، واقتصادي، ورجل دولة، وفيك أبهة يا رجل! ها أنت ملايوي! من أين خرجت؟
اضطر سيد حُسين العطاس – ليس سيد نقيب العطاس، المُهتم بأسلمة المعرفة، لا! أخوه. وقلت لكم هذا أحد مؤسسي الأبحاث التجريبية في الاجتماع، في جنوب شرق آسيا! سنغافورة وماليزيا – أن يؤلف كتابا اسمه أُسطورة الأصلاني الكسول!
مَن ال Native؟ مثل Indigenous! لكن هناك فرق بينهما، لا أُريد أن أخوض فيه؛ لأن أباظة لما كتبت كتابها، تخربطت! تخربطت بين ال Native وال Indigenous وما إلى ذلك! المُهم، ضمن موضوع ثان هذا! وهناك فرق بينهما!
فهو قال ماذا؟ أُسطورة ال Native الكسول! مَن ال Native؟ الملايوي! يعني الملايوي! ابن الملايو! رد عليه بكتاب كامل! قال له مُقاربتك غير علمية، وتفكيرك غير علمي. وقال له يا فرحة الاستعمار بك! الذي هو مَن؟ الاستعمار الأجنبي هذا! الهولندي وكذا! يا فرحتهم بك! والإنجليزي!
أنت عملت على تبخيس قومك، وتحقيرهم، وتكريس تخلفهم، بما لا يحلم به المُستعمر! ما الخطاب – قال له – هذا؟ حتى المُستعمر ليس عنده القدرة على أن يحكي عنا بمثل هذا! لماذا تعمل هكذا؟
هذا كله شيء خطير يا إخواني، انتبهوا! على فكرة؛ فكلمة علي عزت – رحمة الله عليه – العبقري في نفس المصب على فكرة! لا تُفهمني أن عندنا حالة مُستعصية، نحن ناس وسخون!
وسخون ماذا يا حبيبي؟ نحن نعرف حالنا الآن كمسلمين نعيش في أوروبا هنا، ونعرف أزواجنا وأولادنا وحياتنا! نحن مُمعنون في النظافة، إلى حد هوسي! Obsession!
ادخل بيوتنا، تجد عندنا عشرين نوعا من الغرغرة، عشرين نوعا من أغلى فُرش الأسنان، تخيل! بيوتنا نظيفة! نظافة غير طبيعية في حياتنا! لماذا أنت هكذا؟
أنا أقول لك ما القضية كلها إذن والحل. الحل بسيط جدا جدا، بكلمة واحدة، والله العظيم! وأيضا الذي ألهمني إياه رسول الله:
لا يكفي لكي تُشيع ثقافة مُعينة أن تعظ بها: النظافة، النظافة، النظافة، وقال الله، وقال رسوله، والشعر، والقصص، والحكايات! لن يعمل شيئا! حوّل هذا إلى إجراءات، إجراءات!
أول الإجراءات تشريعية، قوانين! قوانين: ترمي ورقة في الشارع، مُخالفة خمسة عشر يوروا، مُباشرة! تدوس على كذا كذا كذا كذا، سجن ثلاثة أيام! إجراءات! هذا أولا.
ثانيا مُباشرة هذه الأفكار تُدعّم بالمسرح، تُدعّم بالتلفزيون Television، تُدعّم في الشبكة العنكبوتية! الأهم من هذا: تُدعّم في الحضانة، تُدعّم في المدارس، تخيل!
هذا الذي يحصل! أولادنا نحن، الذين وُلدوا هنا، مُستحيل أن أحدهم يرمي…تعرف ماذا؟ قُلامة ظفر! من السيارة، وهو حتى على ال Highway، لا أحد يراه! يستحيل أن يفعلها ابني أو ابنك، أليس كذلك؟
واسأل نفسك! مُستحيل! ولو عملتها، ينظر إليك نظرة فيها تحقير! لو أنت أبوه، ورميت قُلامة ظفر هكذا – عملت هكذا، ورميتها -، ينظر إليك! أي ما هذا؟ مَن المُتخلف هذا؟ أبي هكذا؟ وتجده يشعر بالخزي.
هذا ابني! ما الذي حصل؟ نعم، رُبي في مؤسسات عندها النظافة ليست مواعظ، أبدا! ثقافة معمولة مُجراة، فقط! هذا الذي نُريده! نحن أمة الوعظ، أُقسم بالله! منظورنا على فكرة مُختلف.
انظر؛ المدارس حتى الإسلامية هذه، مُعظمها تنظير! ونرجع مرة أُخرى إلى بورديو Bourdieu والحس التطبيقي! هذا التنظير يُشبه في الأخير وعظا، أليس كذلك؟ يا أخي انتهى الأمر، كفى وعظا، تفضل شغّل لي بديلك، أنا أنتظر! شغّل لي، أرني! أرني كيف يُمكن أن تُقدم لي علم أحياء إسلامي.
على فكرة – ودعونا نقفز للنقد، ليست مُشكلة – يُقال علم أحياء إسلامي، وعلم فيزياء إسلامي، وعلم اقتصاد إسلامي، وعلم قانون إسلامي، وعلم زراعة إسلامي، وعلم بستنة إسلامي، وعلم فلك إسلامي!
يا رجل أول ما يخطر بالبال أن هذا هو الطريق الملكية – ال Royal road هذه -، الكأس المُقدسة، للتسلطية والشمولية! أليس كذلك؟ والله العظيم! الطريق الملكية للتسلط والشمولية.
شمولية مَن؟ الإسلاميين، رجال الدين، علماء الدين. ما شاء الله على رجال الدين، أو الذين ينطلقون من مُنطلقات دينية محضة! والواحد منهم يُريد أن يُحدد لي كيف تكون الفيزياء إسلامية! ستقول لي أنت تُخربط! لا أُخربط، أنا أحكي لك عن وقائع!
هناك مؤتمر في الثمانينيات، من أقوى المؤتمرات عن العلم الديني والعلم الإسلامي، وقع في إسلام آباد، وقُدمت له أبحاث من العالم الإسلامي، وخاصة من الباكستان نفسها طبعا، ومن خارجها! ومن ألمانيا حتى، مسلمون ألمان جاءوا وقدموا.
والله هناك مسلم ألماني قدم بحثا فيه، مسلم ألماني! عن ماذا كان؟ حدثتكم عنه قبل حوالي خمس عشرة سنة هنا على المنبر، شيء مُضحك! عن زاوية الله؛ Angle of God!
أستغفر الله العظيم، زاوية الله؟ أنا أُريد أن أعرف كيف أُجيزت هذه الورقة الملعونة، ال Anthropomorphic paper هذه! هذه الورقة اللعينة، الوثنية هذه! مَن الذي أجازها؟
قال لك انتبه، كل الأعمال، التي هي في حدود سبعين عملا، نوقشت في هذا المؤتمر، وصُفق لها! ومسألة كبيرة! وكان الرئيس؛ رئيس هيئة أو وكالة الطاقة الذرية بالباكستان بشير الدين محمود، أحد المُشاركين، بل أحد كبار المُشاركين؛ لأن هذا رئيس الهيئة كلها في الباكستان!
مهزلة! مهزلة! دعونا نُواجه الحقيقة كما هي بصراحة، وهذا شيء يؤسيني، لكن هذا الذي يحصل لنا! نحن أمة مسكينة، والله العظيم، ما زلنا! ما زلنا مساكين!
فقال لهم زاوية الله! هيا يا أخي، كيف نقيس – أستغفر الله العظيم – زاوية الله؟ أنت مجنون؟ قال لك هناك الباي Pi π! تقول لي الباي Pi π التي هي ال ط؟ نعم، هي ال ط! التي هي نسبة ماذا؟ نسبة المُحيط إلى القُطر! أكثر من ثلاث مرات بقليل، اثنان وعشرون على سبعة! هذه اسمها ماذا؟ باي Pi π! الباي Pi π!
قال لك نعم، الباي Pi π على ال N. إذن ما ال N؟ قال لم يذكرها لنا! والله العظيم! قسما بالله شيء لا يكاد يُصدق! الباي Pi π معروفة! قال وأما قيمة الباي Pi π، فواضح أنها ثلاثة، واحد، أربعة، كذا، كذا، كذا. حلو! وبعد ذلك؟ وال N ما هي؟ لم يذكر! الورقة لم تذكر ما ال N! وتكون زاوية الله هذه!
نحن أين نعيش؟ المُصيبة – لا تزال المصيبة أيضا مُثلثة ومُربعة ومُخمسة، لا نكذب – أن بشير الدين محمود – رئيس وكالة الطاقة الذرية الباكستانية، دكتور في الفيزياء – قدم ورقة!
وانبسط هو، وانزعج من الذين نقدوه! تنزعج ماذا يا حبيبي؟ أنت عالم؟ أنت درست العلم؟ أنت تعرف كيف يشتغل العلم؟ أشك في ذلك كله طبعا، أشك في ذلك كله! وسأقول لكم لماذا.
قال لك أنا ورقتي: كيفية تسخير الجن! الجن؟ الجن الجن؟ أولاد عمنا هؤلاء؟ من الثقلين؟ نعم، الثقل الثاني! تسخير الجن لاستخراج الطاقة! وأفضل لنا من الطاقة الذرية! ما شاء الله، شكر الله سعيك، يا مُدير وكالة الطاقة الذرية الباكستانية، شكر الله سعيك.
واضح أنه لا يعرف يُدير الطاقة الخاصة به هذه في الوكالة، ولا يعرف يحل مشاكل الطاقة الباكستانية، قال لك أحسن شيء أن نميل قليلا على أولاد عمنا الجن!
كيف إذن بالله عليك؟ والله أنا معك، هيا، تفضل! حاول أن يُقدم – قال – تحليلا مُعينا للتركيب الكيميائي لهم! هكذا سماه؛ التركيب الكيميائي! التركيب الكيميائي للجن! وبالتالي بعون الله هي خُطوات بسيطة، وإن شاء الله الأمور قريبة، وكله (زي الفل) كما يقول المصريون، وسنُسخر الطاقة الجنية هذه، ونُدير المصانع!
يا جماعة أنتم تمزحون؟ والله هذه حقيقة! وهذا واحد من أكبر العلماء في الباكستان! لكن لا تنسوا على فكرة، لا تنسوا أن الآتي في الباكستان نفسها! مثلما ذكر البروفيسور برويز أميرالي هودبهوي Pervez Amirali Hoodbhoy، وأنصحكم أن تقرأوا كتابه!
سوف تشعرون أن عنده لهجة صعبة، وهو الذي ذكر هذه الحقائق، في المُلحق! عمل Appendix! قال العلم الذي يُسمونه إسلاميا! وأتى بالأوراق الخاصة بهم، وقال تفضل، تفضل، تفضل!
الكارثة؛ كيف مُررت هذه الأوراق؟ طبعا انظر: بطبيعة العمل، لا يُمكن أن يُمررها علماء؛ علماء طبيعيون طبعا! لماذا إذن؟ لأننا سندور في حلقة مُفرغة! هذه أبحاث في العلم الطبيعي، وأنت تقول لي أنا لا أُريد علما طبيعيا Pure، أو Mere science! أُريد Islamic mere science! Sacred science! حلو! مَن الذي سيُعطيها الفيزا Visa، سمة الدخول، أن هذا والله إسلامي؟ المشايخ! هذا الذي حصل!
الأبحاث العلمية الرياضية الفيزيائية الجنية الكيميائية الباذنجانية هذه مرت على لجنة من العلماء، أجازوها! وأنتم تفهمون شيئا يا علماء؟ أنتم تفهمون الهبل هذا الذي تقرأونه ما هو؟ عندكم أي Base في الرياضيات والجن والتركيب الكيميائي للجن؟ وتعرفون ما الباي Pi π حتى؟
والله العظيم تجده مُفتي الباكستان ولا يعرف، ولم يسمع في حياته بالباي Pi π! يقول لك ما الباي Pi π هذه؟ لعلها تكون نصف الباي باي Bye-bye إذن؟ لا! هذه الباي Pi π شيء ثان، في الرياضيات. يقول لك لا، لا أعرفها!
ولذلك أنا قلت لكم هذا، ولم أُبالغ! صح أنا أيضا قاس في أسلوبي وطريقتي، لكن والله يا أخي…ماذا أُريد أن أقول لك؟ حاولت أن أكون هادئا، في تلك الحلقات التي خلت، مرارتي كادت تُفقع! تمتعت وأنا أُحاضر فيكم عن المواقف الغربية، رأيتموها كيف كانت؟ معقولة، وفيها بُعد لاهوتي وفلسفي، كان شُغلا عميقا!
دخلنا على الوضع الإسلامي، وجدنا الجن هذا طلعت منه طاقة، وزاوية الله – أستغفر الله العظيم -! ورجل ثان أيضا قدم Equation؛ مُعادلة! وكاتبها! Equation! نعم، ما هذه؟
قال لك هذه تقيس النفاق في الأُمم! والله العظيم! Hypocrisy! قياس Measurement، تعمل قياسا للنفاق! فهل قستها على الباكستان؟ قال لك لا! قاسها على الإنجليز.
السيد حُسين العطاس، الشقيق الأكبر لمحمد نقيب، تعرف ماذا قال؟ قال هؤلاء؛ دُعاة أسلمة المعرفة، باحثون عن عمل في سوق العمل! يُريدون رزقا! يُريدون أن يأكلوا!
أكلوا أو لم يأكلوا؟ والله أكلوا الشهد، أُقسم بالله! أكلوا الشهد! ومؤسسات في السعودية، وفي إسلام آباد، وفي ماليزيا! ولا نُريد أن نحكي! وكتب ويوتيوب YouTube! واستهبال ليس له أول من آخر! وعلم الحيوان، الإعجاز في علم الحيوان، في علم النبات، في علم السُحب والأمطار، في علم الأرض، في علم كذا! إعجاز ماذا؟
ورجل رابع قدّم مُعادلة ثانية! لا تزال هناك مُعادلة؟ والله مُعادلة! مُعادلة تقيس الأجر، الذي تحصل عليه، بحسب عدد الصفوف في الصلاة! كيف أعرف يا أخي؟ أقيس الأجر؟
والله العظيم لو صليت وحدي في جوف الليل، فليس عندي أي ميزان أعرف به كم حسنة سوف آخذها، أو سوف آخذ أم لن آخذ أصلا! إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * يا أخي، بالله عليك القرآن قال هذا؟
انظر؛ على فكرة هذا العلم ال Sacred اللعين، سيُحوّل الدين إلى لعنة! سيُعلمك الكذب، والرياء، والنفاق، والسخافة! سنترحم على أيام العلم الغربي! تعرف لماذا؟ والله العظيم! قال لك أنا أُعطيك هذا: حين تُصلي، تقدر على أن تعرف الحسنات التي سوف تأخذها، بحسب موضعك، وكم واحدا عن يمينك وعن شمالك، وبمُعادلة!
القرآن علمني لما أُنهي الصلاة غير هذا! النبي قال أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله! أليس كذلك؟ القرآن علمني وقال لمحمد خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا *، وقال له ماذا أيضا؟ وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ *. القرآن علمني لما أحج وكذا كذا: وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ ۚ *. أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ ۚ *. لماذا؟
لأنه يُريد أن يُعلمك أنك لا تقدر على أن تعرف عملك هذا مُخلص أو غير مُخلص! أي أخلصت فيه أو لم تخلص! مقبول، أو غير مقبول! إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ *. تظل بين الخوف والرجاء: يا ربي تقبل، يا ربي أعطني.
هذا ليس كذلك، قال لك أُعطيك مُعادلة، تعرف بها كل شيء! تعرف بها الصالح من الطالح، وما مقدار الأجر الخاص بك! وتذهب يوم القيامة، وأنت تحمل صحيفة: يا ربي عندي سبعة ملايير حسنة! يُقال لك مُتأكد؟ المُعادلة! ما الهبل هذا؟
ستقول لي طبعا بصراحة – من غير أن تُناقش، ومن غير أن نقول – يا سيدي هذا الكلام، بحد ذاته، ليس عملا علميا! فعلا هنا نحتاج إلى معيار التكذيب البوبري! Popperian falsifiability principle نحتاجه! نحتاجه تماما! كيف سأعرف أنا؟ لا تُوجد إمكانية للتنبؤ، لإطلاق نبوءة! أليس كذلك؟ لا تُوجد! لا أقدر على أن أطلق أي نبوءة.
لذلك هذا لُب كلامي بصراحة، في موقفي من المدرسة الإرثية والعلم المُقدس، بطريقة سيد حسين نصر، على فكرة! ليس العلم الديني، بطريقة آخرين! مهدي جولشاني Mehdi Golshani؛ عالم الفيزياء الإيراني، وغيره، وكذا! ليس عنده مدرسة، لكن هو في الاتجاه نفسه! معقول قليلا، أكثر! ومن العلم العلماني إلى العلم الديني! عنده! والقرآن ومعرفة الطبيعة!
لماذا؟ لأن ما دمت أدخلت لي الجانب الروحاني، وعلوم الأسرار، وجوهر الحكمة الخالدة، ومبادئ المدرسة الإرثية العميقة، فأنت أدخلتني في مجال لا يُمكن اختباره تزييفيا! انس! يخضع للذوق.
كما قال الصوفيون علمنا هذا ذوق، مَن ذق عرف، ومَن اعترف اغترف! انتهينا! لا تُوجد إمكانية لاختباره؟ قال لك لا تُوجد إمكانية! هو بطبيعته هكذا! على فكرة، انظر: إذا ضربت هذا المبدأ، بهذه الطريقة، فأنا أضمن لك كعدنان الآني:
إقحام عالم الروح، وعالم الجواهر هذه المُقدسة؛ لكي تكون أساسا لعلم مادي، أو لعلم نُريد أن نصل به إلى تفسير الظواهر الطبيعية المادية الكونية! تعرف ماذا سيفعل في النهاية، وبعد خُطوات يسيرة؟
سيضرب مصداقية الإيمان! قل لي كيف؟ سيضربها! سيضرب مصداقية الإيمان! لأن إذا تكلمت عن دلائل الإيمان، وتكلمت عن تجربة الإيمان، فسوف تخلص من قريب، إلى أن تجربة الإيمان بطبيعتها، تجربة شخصية، ذاتية! مثلما قال الصوفيون علمنا هذا ذوق، مَن ذاق عرف.
هذا، إذا عشت الحالة هذه، وشعرت بالتواصل مع السماء، وشعرت بأن الله فعلا يسمع ويُلبي، وعنده قدراته – عز وجل – وطرقه الكثيرة؛ لكي يستجيب لك، وبطريقة كما قلت في المُحاضرات السابقة ضرورية! تورثك حسا أو معرفة ضرورية! وقد تُنقذ حياتك، وقد تُصلح أشياء كثيرة في حياتك. وهذا يحصل مع كل مؤمن، له تجربة إيمان. واضح؟
انتبهوا، مثل هذه التجارب بطبيعتها لا يُمكن لواحد مادي، فيلسوف أو عالم أو مُلحد أو شكوكي أو Agnostic مادي، أن يقول لا، باطلة، وأكاذيب! لا يُمكن له أن يقول ذلك. لماذا إذن؟
لأن سيُقال له هي بطبيعتها لا تخضع لمنهجية التقصي المادي، بطبيعتها! أي لا ينفع أن تأتي وتقول لي هذا رجل من الصالحين، عنده تجربة خاصة، عنده كرامة على الله، سأُخضعه للتجربة! لا يصلح، لا يصلح! تعرف لماذا؟
لأن هذه التجربة من ضمن سماتها الأصيلة الأساسية أنها تجربة ذاتية. بمعنى أنها لا تحصل، ولم تحصل له حتى هو شخصا، إلا ضمن شروطها الذاتية. أي هو كان، في حالة روحية مُختلفة، لما حصل معه هذه الكرامة – هم يُسمونها مُعجزة -، أو هذا الفعل الخارق!
لما حصل معه هذا الفعل الخارق، والكرامة العجيبة، كان في حالة روحية لا تتسنى له كل يوم، ولا كل حين! لكن لاحظ من نفسه عبر السنين كلما بلغ هذه الحالة تقريبا أو عاشها، ظهرت له الخوارق! تحصل معه! خوارق عجيبة!
لا أُريد أن أتكلم أكثر من هذا. أنا أتكلم، والذي عاش هذه الحالات يعرفها، الذي لم يعشها هو حر! لكن الذي عاشها على فكرة يعرف أنها حالات غير موهومة! لأن عندها استنادات مادية، وتظهر آثارها في عالم المادة، وفي أحيان كثيرة يشهدها شهود، يعيشونها! وأنا أتحدث عن تجارب دقيقة، وأفهم ماذا أقول تماما، فانتبه! والذي مر يعرف ماذا أعني.
هذه الحالات الإيمانية بطبيعتها غير قابلة للتقصي المادي، بطبيعتها! لماذا؟ جُزء منها كبير، الإنسان إزاءه في موقف سلبي! كيف في موقف سلبي؟ أي هو لا يستطيع أن يُنتجها كلما أراد.
وعلى فكرة، هذا من أيام أبحاث فرانك ألين Frank Allen – إذا لم تخني الذاكرة في اسمه، وهذا من أوائل العلماء الأمريكان الكبار في الباراسيكولوجيا. أعتقد كان اسمه فرانك ألين Frank Allen! هذا عالم أمريكي كبير، من رواد الباراسيكولوجيا الأمريكية! فرانك ألين Frank Allen -!
وحتى آرثر كوستلر Arthur Koestler المجري المشهور في كتابه جذور المُصادفة Coincidence؛ The Roots of Coincidence، تكلم عنه، وتابع بعد ذلك الحديث.
فرانك ألين Frank Allen قال لك نحن لما جربنا أن نتقصى، وضح أن الظواهر الباراسيكولوجية بالذات، غير الظواهر المادية. أي إذا أردت أن تختبر الشخص، بمزيد الاختبار، وبإلحاح الاختبار، تتراجع قدراته! اتركه وحده، تظهر – سُبحان الله – في مُستوى مُختلف! أخضعه للتجربة، مرة، مرتين، ثلاثا، تتراجع!
كأن عندها هذه الصفة الذاتية، وكأن الشخص – هكذا الغيب رسالته – يقول لك لست أنا مَن أولدها. لذلك سُبْحَانَ الَذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ *، حتى المُعجزات النبوية! هل هناك نبي يجترح مُعجزة؟ أبدا! النبي تُجترح له المُعجزة، واضح؟ تُجترح!
لَوْلَا أُوتِيَ *، وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ *! لَوْلَا أُوتِيَ *، ليس أتى هو، لا! حتى لو أتاها، فهذا إسناد مجازي، مجازي! ليس حقيقيا! لكن تُجترح له. وكذلك الكرامات، والأحوال الإيمانية، والكشوفات، والفيوض، والحدوس العجيبة هذه! كلها أنت فيها تقريبا شبه مُتلق! وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ *، مَا يُقَالُ لَكَ *، أليس كذلك؟ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَٰذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ *! بطبيعتها!
فما شاء الله يا جماعة إسلامية المعرفة والعلم المُقدس والعلم الكذائي، بهذه الطريقة (المُخلبطة طبعا) غير المُنضبطة منهجيا، والتي تُريد أن تخلط الغيب بالشهادة، والشهادة بالغيب، ومناهج هذه بمناهج هذه! ما الذي سوف يحصل في الأخير؟
سوف يحصل في الأخير أن الإيمان سوف يتزحزح عن موقعه، سوف يتراجع، سوف يفقد موقعه! سوف يكون هناك حرب انسحاب، للإيمان، كل يوم، كل يوم، كل يوم! سوف تكون ضربة للإيمان، ليس تدعيما للإيمان، أبدا! وإنما بكل بساطة ضربة.
لذلك القرآن الكريم فيه هذه الروح العجيبة! هي ليست لا مُبالاة، فقط أول أمس أحد أحبابي الفضلاء يسألني، يقول لي ما معنى أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَن كُنتُمْ قَوْمًا مُّسْرِفِينَ *؟ قلت له أنا لا يُعجبني التفسير الشائع – والتفسير هذا موجود -: أي تحسبون أنكم تنجون من العذاب وكذا؟ لا! قلت له ليس العذاب!
قلت له العكس! قلت له الآية، سباقا وسياقا ولحاقا، فيها تلطف إلهي كريم! فيها لمسة حانية رحموتية من أعجب ما يكون! الله يقول لهم تظنون بسبب إعراضكم ومُجافاتكم واستكباركم، أننا سنُبهرجكم ونُهملكم، ولن نوالي عليكم المواعظ والتذكير؟ بلى، سنفعل!
يا الله! كأنه يقول أنتم أعزة علينا! الله يقول للكفار! أنا أعزكم، أنا أُحبكم، أنا أُريد مصلحتكم، لآخر لحظة سوف أُلاحقكم بالتذكير وبالموعظة؛ لعلكم تهتدون! شيء جميل! قال لي الله! وقال لي هذا هو الذي ارتحت له! الأخ الفاضل هذا.
فإذن لا يُمكن لأحد أن يزعم أن القرآن فيه روح اللا مُبالاة. بمعنى ماذا؟ مَن اهتدى، فله ذلك. ومَن لم يهتد، ففي ستين داهية! هذه نحن نقولها، وليس الله. حيث ألقت! لا! ومع ذلك هناك شيء آخر قد يشتبه علينا: أَعْرِضْ عَنْهُمْ ۖ *، فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّىٰ عَن ذِكْرِنَا *، لَسْتَ عَلَيْهِمْ *…بكذا! ما المفهوم هنا؟
كأن الله يقول له هناك جنبة للموضوع، أنت ربما لا تشغل نفسك بها! جنبة للموضوع ذاتية، شخصية! هل الشخص يُريد أو لا يُريد؟ نحن نُريد، وأنت تُريد! وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ *. قال له! فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ *! لكن هم لا يُريدون، ماذا تعمل؟
والدليل أيضا على أن القرآن مُندك جدا، بل مُمعن، في هذا التلطف الإلهي والحنان الرباني، كما قلت مرة في خُطبي، وهذا الشيء مُهم جدا، مُهم جدا! لما فكرت فيه، وجدت أنه مُزلزل بالنسبة لي، مؤثر جدا جد! أن رب العالمين – لا إله إلا هو -، بصفته رب العالمين – أي الغني عن العالمين، أليس كذلك؟ الغني عن كل شيء، لا إله إلا هو! لا يحتاج لأي أحد أبدا، أبدا، أبدا -، كان قادرا مُباشرة على أن يبعث لنا شرعه أمرا ونهيا: افعل، ولا تفعل. وإن فعلت، فلك كذا. إن لم تفعل، فعليك كذا وكذا. والسلام عليكم! هيا! بالطريقة القانونية! القوانين هكذا، أليس كذلك؟
بالله عليكم هل هناك قانون في العالم يبدأ هكذا مثلا: إلى السادة المواطنين الأعزاء، حرصا منا على سلامتكم، وكذا كذا كذا، وقد قال أرسطو Aristotle، وجاء في مواعظ جلال الدين الرومي، وقال الشاعر كذا كذا؟ أبدا، لا يُوجد هذا يا حبيبي! براجرافات Paragraphs وراء بعضها: واحد، اثنان، ثلاثة! واحد، اثنان، ثلاثة! هو هكذا! انتهينا! سُلطة الدولة! لا يُوجد إلا هذا.
إلى الله يُدعى بالبراهين مَن أبى…….فإن لم يجب بادته بيض الصوارم.
هذا في القانون فقط، ليس في الدعوة! هو هكذا! لا، الله ليس كذلك! أمر، ونهي، وقصص، وحكايا، ومواعظ، وترغيب، وترهيب، وتحنن، وتذكير، و: يَا عِبَادِيَ *، و: يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ *، و: يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ *! هذه الآية تُدمرني! الله يتحسر! لا إله إلا الله! الله يقول يَا حَسْرَةً *! يَا حَسْرَةً *عليكم! يَا حَسْرَةً *! لماذا أنتم هكذا؟ لا إله إلا الله! ماذا تُريد أكثر من هذا؟
ومع ذلك كله، كما قلت لكم هناك الروح التي يُمكن أن تشتبه عليكم؛ اتركهم، انتهى، دعك عنهم! أَعْرِضْ عَنْهُمْ ۖ *. هذه ليست روح لا مُبالاة، أبدا! هذه الروح فقط كأنها تربت على كاهل رسول الله!
كما قلنا فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ *، فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ *، وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ *، ولكن هم لا يُريدون! حاولنا معهم كل شيء، وأنت تُحاول، لا يُريدون! لماذا؟ لأن فعلا الإيمان فيه هذه الجنبة والجهة الذاتية، الشخصية!
ولذلك أنا أحترم كل مُهتد، ولم أجد مُهتديا مسلما كبيرا؛ مُفكرا، فيلسوفا، عالما، أكاديميا مُحترما، والله العظيم، سُئل كيف اهتديت، إلا يشير إلى هذا الجانب! أن المسألة ليست علما، ولا فكرا، ولا شهادات، ولا فلسفة، ولا أي شيء! هناك إشارة إلهية، جاءتني من الغيب، وأنا كنت باخعا لها، بكل تواضع تقبلتها. لم أستكبر.
نقلتني من عالم إلى عالم، وكلفتني الكثير! فقدت أصدقائي! وبعضهم فقد زوجته وأولاده، وفقد كل شيء، مسكين! وفقد عمله! ولكن أنا لم أستكبر، رضيت بهذا الحق، الذي لاح لي لأول مرة، لم أكن أتوقعه!
أي هناك تواضع شخصي، هناك نقاء، هناك إرادة في معرفة الحقيقة! واضح؟ إذا هذه الإرادة غير موجودة، فانس! انس! لو اصطكت أمامك الجبال، فلن تهتدي، والله العظيم! ولذلك أنت رأيت والله ما هو أصعب من اصطكاك الجبال!
ما هو؟ عند اصطكاك الجبال، يقول لك نعم، ألواح تكتونية، محمولة عليها الجبال، تحركت! نعم، هذه تحصل فعلا! يميل جبل على جبل، عادي! لكن الأصعب من هذا: ولد عُمره ثلاثة أو أربعة أيام، يقول إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ *! ما هذا؟
بعد ذلك اتهموه، واتهموا أمه أيضا! لا إله إلا الله! ماذا تُريدون أنتم؟ قال فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ *، ويل لهم! ويل لهم! فهذا الإنسان، هذا استكبار الإنسان وعتو الإنسان!
فالذي أُريد أن أقوله؛ لكي تلتقطوا فكرتي، هو الآتي:
انتبه من هذه العملية، التي قد تبدو نبيلة في ظاهرها؛ أننا نُريد علما مُقدسا، وله أُسسه الميتافيزيقية الروحية العميقة! ستقول لي لكن هذا لا ينطبق على إسلاميي المعرفة؟ صحيح. ولا ينطبق على مدرسة سردار، التي هي أقرب إلى النزعة الاجتماعية؟ صح. وإسلامية المعرفة أقرب إلى النزعة الإصلاحية الفقهية؟ صح.
ينطبق بدرجة أولى، وربما حصرية، على مدرسة مَن؟ نصر؛ سيد حُسين نصر! المدرسة الميتافيزيقية، الفلسفة الخالدة، أو الفلسفة القديمة هذه، المدرسة الإرثية! صح، هذا ينطبق عليها، وهذا خطير، وخطير جدا!
أُريد أن أُعلق بشيء مُهم جدا أيضا، ذكرته قبل أيام لبعض أحبابي – وأعتقد أن هذه التعليقة تُبرئ ذمتي قليلا، وتجعلني أشعر بنوع من الراحة والإنصاف -، ما هو؟
أحيانا تجد بعض الصالحين، أو أحد الصالحين، فإن لم تجده هو، وجدت بعض تلاميذه ومُريديه، يزعمون له أشياء، لا تنسلك في الذهن العقلاني العادي! أنه مثلا كان مُحيطا بعلوم كذا، كذا، كذا! بكذا ألف علم!
تقول ألف علم ماذا؟ وهو عاش ومات بيننا! وكان شيخا يصعد على المنابر، وألف كُتبا، ورأيناها! رأينا علمه وكذا، ليس عنده! وغيره أعلم منه في علوم الظاهر نفسها! من أين تزعمون له أنه كان عنده ستة آلاف علم؟
أنا أتحدث عن رجل مُعين في بالي، زُعم له أن كان عنده ستة آلاف علم! هذا أولا. ثانيا – لأننا دخلنا في العلم المُقدس الآن، والجوانب الغيبية هذه، والروحية والرمزية – هناك مَن قال لك أنا صرت إلى حالة – بفضل الله – ما! حين دخلت في طريق الله، كنت أقرأ القرآن مثلا في ثلاثة أيام، وأنا اليوم ربما أسلخ النهار كله، لا أُغادر شطر آية!
إذن لماذا شطر آية؟ قال لك كلما تلوتها، تبدى لي منها علم! علم جديد، معنى جديد! أي معناها مئات، إن لم يكن ألوف، المعاني! كلما قرأتها، علم جديد، علم جديد! حلو، حلو! هذا قاله الشخص نفسه، وهو كان عالما كبيرا – رحمة الله عليه -، وصوفيا خطيرا، بنفسه قال عن نفسه!
لكن رأينا كتبك أيضا وتعليقاتك، عادية! أقل من العادي! لا تُقاس بكلام الشيخ الأكبر، ولا بكلام الإمام الغزّالي، ولا بكلام حتى ابن عجيبة – رحمة الله عليه -، في البحر المديد ولا في شرح الحكم! ما الذي يحصل؟
انظر؛ الله يُحب الإنصاف، ونسأل الله يفتح علينا! تعرفون ما الذي يحصل؟ الذي يحصل أن هؤلاء صادقون، ولم يكذبوا، ولم يُبالغوا، والله! مساكين! ولكن حين يكونون تحت سطوة الروح، في فضاء الروح، وملكوت الروح، تبدو لهم تلك المعارف والعلوم العجيبة!
ويستوعبونها، ويُدركونها، ويفهمون بها أمورا كثيرة جدا جدا! في عالمنا هذا، ذي سطوة البدن والمادة، تبدو مُغلقة، مُبهمة، غير مفهومة! إذا صاروا إلى ذلك العالم، فهموا كل شيء!
المُشكلة إذا عادوا إلى هذا العالم، لم يعودوا يذكرون! ويبقى لهم ذكرى غائمة فقط! أنهم عرفوا سر هذه الأمور، لكن كيف؟ لا يعرفون! وعرفوا لها أكثر من وجه، وأكثر من تأويل، وأكثر من فهم، لكن ما هي؟ وأين هي؟ لا يستحضرون!
لا إله إلا الله! إذن صدقوا، وما كذبوا! أرأيت؟ ولا كُذب عليهم، أحيانا! وأحيانا يقع الكذب عليهم، هذا شيء ثان! لكن أتحدث بالذات إذا صدقوا هم.
الشيء العجيب هو الآتي! ولذلك فعلا كما قال أكثر من فيلسوف – أي ليس نيتشه Nietzsche وفقط -، قال ماذا ترك أفلاطون Plato؟ أفلاطون Plato مُذهل على فكرة! وفلسفته لها جانب روحي وميتافيزيقي مُخيف! مُحاوراته إرث عجيب!
قال ماذا ترك أفلاطون Plato؟ هل غادر الشعراء من مُتردم؟ وهل غادر أفلاطون Plato من مُتردم لفيلسوف؟ ترك شيئا لفيلسوف ثان؟ حتى هايدغر Heidegger! كان يراه شيئا عجيبا! وهايدغر Heidegger مُلحد. قال لك أفلاطون Plato هذا شيء عجيب!
محمد إقبال ترجم أفلاطون Plato، وإن كان لسردار طبعا تنقيد على ترجمة إقبال لأفلاطون Plato، لا علينا! لماذا الآن استذكرت أفلاطون Plato؟ أفلاطون Plato قال لك، وهو يتحدث عن عالم المُثل، قال لك الذي حصل أن الروح، أو النفس، قبل أن تلج البدن، في هذه النشأة، في هذا العالم المُظلم، كانت عارفة وعالمة بكل شيء! كل المعارف عندها، وكل العلوم!
وهذه يُسمونها نظرية الاستذكار الأفلاطونية في العلم والتربية، نظرية مشهورة! في التربية موجودة، وموجودة في الفلسفة طبعا، في الإبستمولوجيا! قال لك وحين جاءت الروح، أو النفس، ودخلت البدن، حدث لها ماذا؟ صدمة! بالصدمة هذه، نسيت كل علومها! لم تعد تعلم شيئا تقريبا! إلا أصول الأشياء.
وفي الحقيقة، تذهب وتجيء، فعلا لا بُد أن تُسلّم، إلا أن تكون ماديا، مُغرقا في المادية (حتى الإلحادية)، حتى تُنكر، وتكون مثل جون لوك John Locke! مع أنه لم يكن مُلحدا، لكن هذه فلسفته! وديفيد هيوم David Hume من بعده، وتقول بنظرية التابولا راسا Tabula Rasa، باللاتيني! اللوحة البيضاء!
وآخرهم ستيفن بينكر Steven Pinker! ها هو ألف كتابه الضخم، من ثمانمائة صفحة: الصفحة البيضاء! آخر نُسخة من الإنكار العلمي للطبيعة البشرية! قال لك أنت تابولا راسا Tabula Rasa، وليس عندك شيء! كل المعارف تتأدى إليك من الحس.
كلام باطل، وموضوع ثان هذا، هذا طبعا يحتاج إلى مُجلدات، قصة! هذا النزاع الرهيب الإبستمولوجي، عبر العصور! أفلاطون Plato قال لك بالصدمة هذه تنسى كل شيء! وترجع تتعلم من أول وجديد الأشياء المُتاح لك أن تتعلمها. أما إذا نميت الروح، تنفتح على أبواب للإدراك مُختلفة. وهذا حين تخرج الروح، أو النفس، من البدن. يقول ببقائها!
لذلك النظرية هذه؛ نظرية الثنائية، ليس أول مَن قال بها ديكارت Descartes. لا، ديكارت Descartes استحياها، ودعّمها فلسفيا، لكن قال بها أفلاطون Plato، قال بها أرسطو Aristotle، قال بها سقراط Socrates! أي حتى أرسطو Aristotle المادي قال بها! قال بالثنائية! تُوجد عندنا ثنائية! لم يقل بالواحدية المادية، قصة!
فنرجع، فإذن يبدو أن هذه نظرية هؤلاء العارفين. ولذلك انظر إلى هذه الحدود. وأنا أقول لك على فكرة إياك أن تشعر باليأس، أو يُخامرك الشك، حين تقرأ، كما حدث معي، أعمال سيد حُسين نصر مثلا! وخاصة فيما يتعلق بالموضوع هذا، قرأتها! والحاجة إلى علم مُقدس! تكاد لا تُمسك شيئا! الكلام نفسه يُعاد ويُكرر بأكثر من صيغة! لا يُوجد مُحصل حقيقي، تقدر على أن تُمسكه!
الأعجب من هذا: لو قرأت أعمال جينو Guénon أيضا! عبد الواحد يحيى! فيما عدا النقد للحضارة المادية وبعض أوضاعها بطريقة علمية عقلانية مفهومة، حين يدور الأمر على الروح والعلم الإرثي وكذا، لا تخرج بكبير غناء! وأنا أتفهم هذه الحالة. تعرف لماذا؟
من طبيعة هذه المعارف والأسرار والعلوم أنها ماذا؟ أنها تشتغل في أُفق آخر! ولذلك الشيخ الأكبر – انظر، نرجع إلى الشيخ الأكبر، شيء عجيب الرجل هذا! الشيخ الأكبر، قدس الله سره -، حين تحدث عن علوم الأسرار، ماذا قال؟
قال وعلوم الأسرار إذا عُبّر عنها، خشنت. أي إذا وضعناها في قالب العبارة الآن، نُريد باللُغة! ونحن كل علومنا باللُغة! مكتوبة أو منطوقة. إذا عُبّر عنها، خشنت! تصير خشنة! غير لطيفة! تخيل! وكأنها تُشل، تُصاب بحالة من الشلل، وحالة من العوق!
لأنها إذا كانت في حالتها العادية، تكون لطيفة! ما معنى لطيفة؟ مساربها دقيقة جدا جدا، تدخل وتخرج في مسارب لا تُلحظ. هنا قال لك خشنت. هكذا قال! لم يقل سمجت وما إلى ذلك. قال خشنت! كأنها (تتبرجل) هكذا، وينتهي الأمر! وانظر، تعبير عميق! قدس الله سره الكريم.
وفعلا هذا صحيح. لذلك أنا، مرة ثانية هنا، أُريد أن أُسجل نقدا، ولم أر واحدا سجل هذا النقد! أُريد أن أُسجل للمرة العاشرة الآن نقدا جديدا على مدرسة سيد حُسين نصر، لأقول هذه المدرسة بالذات، وهذه المواريث بالذات، لا تصلح لتأسيس علم يشتغل! لماذا؟
لأنها في أصولها كما قلت لكم علوم أسرار. بمُجرد أن تُعبّر عنها، لا تشتغل! وأنا لا أُريد أن أُعبّر، أُريد أن أجعلها ملكية عامة للبشرية، يشتغل عليها الهندوسي والبوذي والمسلم والكافر والمُلحد! انس! ولن تشتغل، ولن تُعطيك أي شيء.
ففي الأخير، سينفثئ البالون هذا الإرثي – إن جاز التعبير – النصروي، سينفثئ وتكون خُلاصته البسيطة بعض المبادئ الأخلاقية والميتافيزيقية، التي بلا شك نوافق نصرا وغير نصر عليها، ونقول يا حيهلا، نحن مع ذلك!
نحن لا نُريد أن يكون العلم مُنفكا عن القيمة! ولأنه في الحقيقة غير مُنفك عنها، وإن زعم العلمويون ذلك، هو غير مُنفك عن القيمة. ونُريد استبدال هذه القيم التالفة؛ قيم الغزو والسيطرة والاستعمار والإمبريالية والطبيعانية الميتافيزيقية، نُريد استبدالها كلها، هناك أشياء أُخرى! نُريد أن نستبدل بها أشياء أُخرى، سوف نتكلم عنها ربما سريعا.
هذا الحد مقبول، ولكن ضمن هذا الحد المقبول، لا يبقى شيء يُميز مشروع سيد حُسين نصر! لا يصير له أي امتياز، ولا أي إضافة مُختصة به! فهمتم قصدي يا إخواني؟ فقط!
أعتقد هذا يكفي – إن شاء الله -، نختم به هذه الحلقة؛ لكي أُتابع في الحلقة المُقبلة؛ لكي أتكلم عن المدرسة الإجمالية، وعن مدرسة إسلامية المعرفة.
ربما لا نحتاج إلى الكلام عنها كثيرا؛ لأنها معروفة لدينا كعرب، ومطبوعاتها كثيرة، وقرأنا الكثير منها، وعندهم موقع على الشبكة، والمجلة عندها موقع على الشبكة، كان اسمها إسلامية المعرفة، والآن اسمها الفكر الإسلامي المُعاصر، وموجودة على الشبكة، كل هذا مُتاح!
فهذا ربما لا يُحوجني إلى الكلام الكثير عن إسلامية المعرفة، فإن شاء الله أُقرمط الكلام وأختزله كثيرا فيها، وأستودعكم الله، الذي لا تضيع ودائعه.
أضف تعليق