إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:
أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه سبحانه ومُخالَفة أمره لقوله سبحانه من قائل:
مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩
ثم أما بعد:
أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – سبحانه وتعالى – في كتابه العزيز بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ:
كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ ۩ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ ۩ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ۩ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ ۩ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ۩ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ۩ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ۩
صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط. آمين اللهم آمين.
إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ۩، نُعزِّي أنفسنا وإخواننا وأحبابنا طلَّاب العلم والهُدى والتُقى والعرفان في الأمة الإسلامية بعلَّامتها وإمامها وشهيدها – بإذن الله تعالى – الشهيد العالم الجليل الشيخ الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي الذي أسأل الله – تبارك وتعالى – في هذه الساعة المُبارَكة من هذا اليوم المُبارَك من بيت الله – تبارك وتعالى – أن يُعلي مقامه في عليين مع النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً ۩، والعجب أنه قبل يومين من استشهاده قد نصح له ناصح بأن يرفق بنفسه وأن يُخفِّف عنها فقال وهل أكرم من الشهادة؟ كأنه كان ينتظرها وكأنه كان على ميعادٍ معها!
أعرف أن هذه الفاتحة لن تروق لكثيرين مِمَن شقيت بهم الأمة وكم وكم ستشقى بهم في قابل أيامها ومن الذين لا يعرفون إلا التطرُّف، أما الاعتدال فهم لا يألفونه ولا يألفهم، كيف؟ يحدث هذا إذا خالفوا أحد العلماء أو المُفكِّرين – ولنضرب مثلاً بعلَّامتنا الشهيد رضوان الله عليه – في موقفٍ سياسي، ولنا أن نُخالِفه ولهم أن يُخالِفوه ولنا أن نُخطِّئه ولهم أن يُخطِّئوه لأنه ليس معصوماً وليس نبياً، والزاوية التي يرى منها الأمور بالضرورة ليست هى الزاوية التي نراها – أي الأمور – نحن منها ومن خلالها ولكن هم لا يقفون عند هذا الحد، لابد أن ينجر الأمر إلى التكفير والتخوين وينتهي بالقتل، لا يشفي غيظهم إلا القتل، يا لله للمسلمين ويا لله لهذه الأمة ويا لله لدين محمد،كم ينطوي هؤلاء على حقد وعلى بغضاء وعلى كراهية لا تعرف حدوداً، ألا يتساءل هؤلاء أي دينٍ هذا الذي لا يعيش إلا بالحقد وإلا بالقتل وإلا بالتكفير وإلا بسفك الدماء؟ ما الفرق بينهم وبين بشار الذي يقتل شعبه؟ هو يقتل وهم يقتلون، هو مُستعِد أن يقتل إلى غير نهاية وهم فيما يبدو أيضاً مُستعِدون أن يقتلوا إلى غير نهاية، بدليل أنهم يستبيحون دماء العلماء وطلَّاب العلم وأين؟ يا للهول في بيت الله تبارك وتعالى، أين العصمة؟ أين الضمان؟ ما من عصمة وما من ضمان، حتى بيوت الله لم يبق لها أدنى حُرمة، بشار دمَّرها، دمَّر بيوت الله وقصفها ورأينا هذا غير مرة، وهؤلاء فجَّروها أيضاً من الداخل، فأين الإسلام؟ أين الشرف؟ أين الإنسانية؟ هؤلاء -كما قلت – لا يعرفون التوسُّط ولا يعرفون الاتزان ولا يعرف الإنصاف، لأنهم لا يعرفون الله – لا إله إلا هو – حق معرفته، الله – تبارك وتعالى – ندبنا بل أمرنا أن نقول بالحق وأن نُعطي النصفة من أنفسنا ولو لأعدائنا ولو في ساح الوغى ولو في الحرب، لم يشفع له ماضيه الطويل في العلم والتُقى والهدي والعرفان عند هؤلاء، لم يعودوا يرون فيه – لن أقول هذه الكلمة لأنه لا يستحقها حتى في معرض ضرب الأمثال – إلا شيئاً يستحق القتل، فيجب قتله وسفك دمه وسفك مَن أحبه وتعلَّم منه وجثى بالركب بين يديه ينهل من معين علمه رضوان الله تعالى عليه، فيا للعجب ويا للهول ويا للمصيبة ويا للكارثة التي تُحدِق بهذه الأمة!
لماذا نُؤبِّن هذا العلَّامة الجليل الذي حُق للأمة أن تتساءل أي عالمٍ فقدنا؟ البوطي إسمٌ ورمزٌ وعنوانٌ فارق لا يتكرر كل يوم لا يتكرر، وهذا لا يعرفه إلا مَن عرف العلم، أما مَن يمتحون من معين البغضاء والكراهية والغطرسة والعنجهية والتكفير لا يعرفون هذا، يقولون بوطي ماذا؟ بوطي مَن؟ ثم يسبونه ويلعنونه ويقتلونه، بوطي مَن؟ هؤلاء لا يُقيمون وزناً لشيئ، وهذا شيئ غريب!
من على هذا المنبر الذي أسأل الله أن يُبارِكه خطب شهيدنا السعيد – بإذن الله تعالى – خُطبةً اقتبس فيها حديث نبينا – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً – أن أخشى ما يخشاه – صلوات الله عليه وتسليماته وتبريكاته – فتيان حدثان الأسنان، أي فتيان صغيري الأسنان، أولاد كما نقول، غلمان لم يشيبوا في العلم ولا في العبادة ولا في العرفان، يجلس أحدهم في بيته ينشر مُصحَفه ثم يخرج مُستلاً سيفه ويقتل جاره، يستبيح الدماء بإسم القرآن وبإسم الله، فهؤلاء خوارج العصر!
في محرابه قضى عمر بن الخطاب، وكنت عقدت العزم على أن تكون خُطبة اليوم عن عمر – كما وعدتكم في الخُطبة السابقة – ولكن جاء النبأ الصاعق فحوَّل المجرى وحوَّل الهم وحوَّل الاهتمام، وفي مسجده سقط غدراً الإمام عليّ – عليه السلام – أيضاً دفاعاً عن ماذا؟ دفاعاً عن الإسلام، عن إسلامهم هم، أي عن إسلام الخوارج – ولا أصفهم بأكثر من هذا – وعن إسلام مَن دينهم – كما قلت – الكره والبغضاء وكره الإنسانية، فهم يكرهون البشر، يكرهون الناس لأن سلاحهم هو البغضاء والسب والشتم واللعن وسفك الدماء، ولا يعرفون إلا هذا!
لست مُتفائلاً مع تنامي هؤلاء وتنامي خطابهم بإسم قضايا الأمة وبإسم تحرير الأمة وبإسم وبإسم وبإسم، لست مُتفائلاً لأن ليس المُهِم أن يسقط طاغية فقط ولكن المُهِم الذي يأتي بعد الطاغية، هذا الطاغية بإسم كذا وكذا من الأيدولوجيات والأحزاب، ولكن هذا طاغية بإسم الدين ولذا هو ألعن، الطاغية بإسم الدين سيكون ألعن لأنه يقتلك وهو مُغتبِطٌ بقتلك، كما ورد عن رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام – عن مَن قتل مُؤمِناً – أو قال مسلماً – مُغتبِطاً بقتله، مَن هو الذي يقتل مسلماً معصوم الدم فضلاً عن أن يكون عالماً إماماً لا يتكرر بسهولة في كل زمان وفي كل مكان ويغتبط ويفرح بقتله؟ هو هؤلاء الخوارج الذين يقتلون بإسم الله وبإسم الدين وبإسم الأمة وبإسم القرآن فيقتلون فرحين، فالواحد منهم يقتل نفسه ويُفجِّر نفسه كهذا الملعون الذي فجَّر نفسه، لعنته أم لم ألعنه هو ملعون حتماً، ما مِن أحد يُمكِن أن يُعطي فتوى لأحدٍ إلا أن يكون مجنوناً بأن يُفجِّر نفسه في بيتٍ من بيوت الله في ليلة جمعة في درس تفسير لكتاب الله، فالدرس كان في التفسير ولم يكن في السياسة، قاتل الله السياسة التي مزَّقت البلدان وفرَّقت بين الإخوان، قاتل الله سياسة العرب وسياسة المسلمين التي مزَّقت البلدان – ويبدو أنها لا تعرف إلا هذا – وفرَّقت بين الإخوان في المسجد الواحد وفي البيت الواحد!
تقتل عالماً فتقتل معه وبقتله زُهاء ثماني وأربعين – أي زهاء خمسين – ويُصاب بجراحات مُختلِفة الدرجات زُهاء تسعين، لكن هو لا يهمه لو سقط كل مَن بالمسجد، المُهِم أن يسقط هذا الذي أوصافه عندهم كذا وكذا وكذا، وهذا شيئ غريب، ولو بحثنا احتمالاً عن سيرة هذا القاتل لوجدناه بالحري شاباً في العقد الثالث من عمره – ابحثوا عن ماضيه – وأنا أُؤكِّد بنسبة أكثر من تسعين في المائة أنه سيكون خريج خمارات أو بيوت دعارة واهتدى قبل سنة أو سنتين وعلم أن الإسلام هو لحية مُرسَلة وجلباب كميش وسواك يُوضَع بدل قلم العلم وتكفير للعلماء وللأمة واحتقار وغطرسة وكراهية، كأنه يقول صحيح سبقتموني لكنني سأفعل وأفعل، يا رجل أمثلك يقتل البوطي؟ ولكن أمثاله قتلوا عمر وعليّاً وعثمان بن عفان، قتلوا الجلة من أصحاب رسول الله دون أي مُشكِلة، فلماذا؟ لماذا لا يحدث؟ مثل هذا المجنون فعل هذا، وبالحري هو مجنون، قطعاً هو مجنون، لا يُمكِن لأحد عنده ذرة من عقل أن يُغامِر بقتل العشرات من المُوحِّدين في بيت الله ويظن أن له الجنة، هذا مُستحيل طبعاً، لو كان عنده ذرة من عقل هو يعلم حتماً أنه مُخلَّد في أطباق جهنم، قال الله وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا – وأي مُؤمِن قتلت؟ الله يقول مُؤْمِنًا ۩ واحداً، أي مُؤمِن من عرض الناس – مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ۩، واطلب من هذا الملعون الذي أفتاك أن يشفع لك عند رب العالمين غداً، هو سيسبقك إلى التردي بين أطباق جهنم، هو وأمثاله مِمَن لا يُقيم الله لهم وزنا!
خرِّيج الماخور أو الخمارات وبيوت الدعاة يقتل رجلاً قضى أكثر من ثمانين سنة لهجاً بذكر الله وهو يبكي من خشية الله تبارك وتعالى، قلَّ أن رأينا عالماً ربانياً في هذا العصر يبكي كالدكتور البوطي في أكثر دروسه وفي أكثر أدعيته، خالفتموه في اجتهادٍ واحد – لا بأس – لكن هذا الاجتهاد ليس في الدين وليس في العقيدة وليس في صحيح الدين وإنما في السياسة، والسياسة – كما قلنا – مراميها واسعة وشاسعة، وهى جديرة أن تشق صف الإخوة في الأسرة الواحدة، فطبيعي أن يحدث فيها اختلاف، وطبيعي – كما قلت – أن نُخالِفه وأن تُخالِفوه – لا بأس – ولكن أن نُكفِّره وأن نحتقره قبل ذلك وأن نُشيطِّنه ثم نقتله هذا الذي به البأس كل البأس بل به اللعنة والكارثة، والله أنا الآن صرت مُشفِقاً على الشام بعد قتل البوطي، وأقسم بالله العظيم على هذا،علماً بأنني أتحدَّث بمنطق ديني، حين تقتل أمة خيارها ماذا تنتظر بعد ذلك؟ نسأل الله أن يحفظ الشام!
البوطي الذي حدَّث أهل الشام وبلاد الشام وأمته قبل أن تثور ثورات العرب وقبل أن نسمع بثورة في عالم العرب وقال لهم يُوجَد أمرٌ رأيته ولكنه اتُهِمَ بالفند والخرف، قيل فُنِّدَ الرجل، إنه مُخرِّف، قد علت سنه – رضوان الله عليه – وبدأ يُخرِّف، فقال لهم – رضوان الله عليه – لست بالمُخرِّف، هذا أمرٌ رأيته وأنا مأمورٌ أن أُبلِّغه، والله العظيم هذا ما حدث وأنتم تعلمون هذا، كلنا تابعنا هذا وتابعنا الاتهامات الجُزافية له بأنه خرَّف وفقد اتزانه، والبوطي رجل عقلاني ورجل منطيق، دارس المنطق ودارس الفلسفة، فهو عقلاني وراكز ومشهور جداً بركازته ورصانته رضوان الله عليه، أي ليس خفيفاً الرجل، هو في كل مواقفه وفي علومه وفي خطابه وفي تأليفه رجل رصين ورصين جداً وليس خفيفاً، لم يفعلها من قبل ولم يقل مرةً في عمره أنا رأيت شيئاً وأنا مأمور بتبليغه على هذه الطريقة المهدوية، لم يتقمَّص هذا الدور مرة في حياته، ولكن لأنه صادق وصادق وصادق قال أنا مأمور أن أُبلِّغ هذا، لذلك لم يستطع أن يتأخر وهو الرجل الصالح، وهذه – إن شاء الله – من كراماته، فقال أنا مأمور أن أُبلِّغ هذا للحكومة السورية وللشعب السوري: اتقوا الله، فهو قال أقول هذا للحكومة وللشعب، وارجعوا إلى الله، سوريا ستُضلِّلها غمامةٌ سوداء، علماً بأن هذا قبل الثورات العربية كلها وقبل أن يثور الشعب السوري، فهو قال سوريا ستُضلِّلها وستُخيِّم عليها غمامةٌ سوداء مُدلَهِمة لأنه رأى – رضوان الله عليه – هذا من قبل، ثم قال ولكن أُبشِّركم ستكون عُقبى هذا إلى خير إن شاء الله تعالى، أي ستكون العاقبة خيراً – بإذن الله – على سوريا وعلى شعب سوريا، ونسأل الله أن يُصدِّق كلام هذا الرجل الصالح، ولكن رآه قبل كل شيئ، هل تعرفون لماذا؟ لأنه رجلٌ نشأ في طاعة الله وفي معرفة الله، ربَّاه وليٌ من مشاهير أولياء الله في هذا العصر وهو والده الزاهد العابد العالم العارف بالله مُلا رمضان البوطي قدَّس الله سره الكريم، وسأُحدِّثكم عن طرف من ترجمة هذا الوالد الجليل لتعلموا تربية مَن الدكتور البوطي، خالفتموه ونُخالِفه ولنا أن نُخالِفه في الآراء السياسية أو في رأيه السياسي وفي الموقف السياسي لكن علينا أن نقول بالحق فانتبهوا، الرجل لم يقبض ثمناً لهذا، الرجل لم يفعل هذا خوفاً، البوطي عاش ومات وهو أكبر من الأطماع وأكبر من المخاوف، بدليل أنه لقى الله شهيداً وكان يتوقَّع هذا، البوطي كان يتحرَّك بغير حراسة، لم يكن يطلب حراسة رغم أن البوطي كان يعلم أنه مُستهدَّف ولم يثنه هذا عن موقفه وعن رأيه لأنه شجاع، البوطي لا يخاف الموت ولا يخاف الجلَّاد ولا يخاف نظام البعث، ولكن هو يقول بحسب ما يعتقد أن فيه رضا الله – تبارك وتعالى – من الزاوية التي يرى، وأنا أقول لكم أن البوطي قد يكون عند الله حتماً مُخطِئاً، ولنقل هذا ولنُحتِّم، فنحن نقول أنه بنسبة مائة في المائة كان مُخطِئاً في الموقف السياسي وهذا الموقف قد يدخله الجنة، وأنا وأنت حتماً قد نكون مُصيبين في الموقف السياسي ومواقفنا هذه ستُدخِلنا جهنم، لكن قل لي كيف؟ حل لي هذا اللغز، أنا أقول لك ببساطة لأنه وقف موقفه وقال ما عنده لا يطلب إلا وجه الله، أي عن قناعته وهو مُقتنِع بموقفه، لا رغبةً ولا رهبة، وأنا وأنت فعلنا هذا رغبةً ورهبة، علماً بأنني لا أتحدَّث عن كل مَن خالف البوطي وإنما أتحدَّث عن بعض مَن خالف البوطي، وأسأل الله ألا نكون منهم، ألا أن نكون مِمَن خالف لرغبة أو رهبة فيخاف الواحد أن تُقطَع عنقه أو يقطع رزقه، قطع الأرزاق وقطع الأعناق عند بعض الناس وعند الرجال الأشاوس الميامين الذين شموا رائحة العرفان لا قيمة له، لا يملك قطع الأرزاق ولا قطع الأعناق إلا رب العالمين، ولكن هذا يحتاج إلى إيمان في زمان عزَّ فيه الإيمان، لكن أنا أقول لكم الإيمان الآن كلام على المنابر، فالإيمان كلام وقصائد شعر وآيات تُتلى وليس مواقف حقيقية على الأرض، والأمة الآن كما بالأمس وكما بالغد أحوج ما تكون إلى مواقف العلماء الصادقين الذين يصدعون بقناعاتهم طلباً لرضوان الله وحده، لا لرضوان الجماهير ولا الدهماء ولا الغوغاء ولا الساسة ولا أصحاب الملايير ولا الشرق ولا الغرب، وإنما طلباً لرضوان الله فقط وهم يرعون حق الله في الكلمة، لذلك وإن أخطأ فأنا أقول لكم أن هذا يقيننا بإذن الله – ولا أقول هذا ما نُرجِّحه – لأننا سنُحدِّثكم الآن عن طرف مما عرفنا عن هذا الرجل ومما عرف غيرنا!
هذا الرجل من العقل والحكمة والإيمان بعدُ ما يجعله يجل عن أن يُهلِك نفسه وهو الشيخ الثمانيني ومات وهو تسعيني – كان في الرابعة والثمانين – لأجل أن يُكحِّل عيون فلان أو يحرق البخاخير لبشار وغير بشار، البوطي لا يفعلها لأن البوطي أكبر من هذا بكثير، لكن نحن الآن مُصيبتنا في جحافل مِمَن يُسمَون بالعلماء والمشائخ، وأنا أقول لكم هم جحافل من طلَّاب الأموال ومن طلاب الشهرة والظهور والفضائيات، فهم يموتون في هذا ويعشقون هذا، وهم ما شاء الله – أنا أقول لكم لا كثَّر الله من أمثالهم – شيوخ تحت الطلب، هم – والله – شيوخ تحت الطلب، حين تطلب السُلطة ما يُمكِن أن يُورِّث حرباً أهلية طائفية يُفتون، وحين تطلب السُلطة ما يُمكِن أن يسعى في الوحدة ولملمة الأطراف يُفتون، أي أنهم حسب طلب ولي الأمر، لأن ولي الأمر هو ولي النعمة كما كان يُسمَى في التراث الإسلامي القريب، فهم يسمونه ولي النعمة، ومن هنا يُقال الملك هو ولي النعمة، فيقول أحدهم أن الملك فاروق أو الملك فؤاد هو ولي نعمتنا، هكذا كان يُسمَى لولي النعمة، وأنت تُريد المال، إذن لنرى البوطي فلابد أن نفتح حساباً لحساب البوطي، واسألوا عن حساب البوطي في البنوك العالمية بل في البنوك السورية وقولوا لنا كم ترك البوطي؟ اسألوا الآن ابنه الشيخ العالم الفقيه الدكتور توفيق كم ترك البوطي؟ أنا أقول لكم أن البوطي عاش ومات زاهداً، واسألوا أهل سوريا واسألوا علماء وأدباء وصحفيي سوريا وعلماء الأمة الذين عرفوا البوطي واتصلت أسبابهم بسببه وزاروه في بيته في الشقة المُتواضِعة في الطابق الرابع من عمارة قديمة تقريباً، كان يصعد إليها باستمرار على رجليه الواهنتين وهو الشيخ التسعيني وهى في الطابق الرابع، علَّامة الأمة وشيخ مشايخ بلاد الشام ورئيس اتحاد علمائها لم يكن يسكن في فيلا ولا في قصر ولا في جزيرة بإسمه وإنما في شقة -Wohnung – في الطابق الرابع، ونرى هناك أناساً لا يُسماونه ولا يُدانونه لا من قريب ولا من بعيد – لا في العلم ولا في البلاغة ولا في التُقى ولا في الهيبة – وهم أولاد صغار وغلمان صغار بإسم الدين وبإسم مظاهر الدين وقد احتازوا الملايين، فهم – والله – احتازوا الملايين، لماذا؟ البوطي كان مُقرَّباً من السُلطة، والسُلطة كانت تحترمه منذ الأسد الأب الكبير، فلماذا لم يغتن؟ أنا أقول لكم لأنه كان عزيز النفس، وكان يُفهِمهم أنني أفعل ما أفعل وأقول ما أقول خدمةً للأمة وللدين وللوطن لا رغبةً في مال لأنني لستُ مُحتاجاً إلى أموالكم، فهو كان يرفض هذا، وكم مرة عُرِضَت عليه وزارة الأوقاف وفي كل مرة يرفض وهو يقول لا أُريد أن أكون وزيراً، لماذا؟ لا أُريد هذا حتى لا أكون عبداً لمنصب وحتى لا تُملى علىّ أشياء لا أقتنع بها، فالرجل عاش مُتقِّلِلاً زاهداً ومات كذلك رضوان الله عليه، فلا تُوجَد أموال للبوطي، البوطي شرَّفنا وأكرمنا بتواضعه المشهود في هذا المكان وزارنا مرتين، ورأينا – والله العظيم – منه العجب، وقد سمعنا عن دعاة – لا أقول علماء لأنهم ليسوا علماء وإنما دعاة – ليسوا على هذا النحو، لكن هذا عالم علَّامة، فبالطريقة الرسمية التقليدية هو عالم علَّامة في الفقه والأصول وعلوم اللغة وأشياء كثيرة، وهو معروف طبعاً، فكل طلَّاب العلم يعرفون هذا الرجل حول العالم، منذ نعومة الاظفار كنا نعرف فقه السيرة وكُبرى اليقينيات الكونية وهذه الكتب التي شرَّقت وغرَّبت، فهو حين كان شاباً دبَّجها ووضعها رضوان الله عليه، وعلى كل حال رأينا دعاة وسمعنا عن دعاة حين يُطلَبون يفعلون العجب، علماً بأن مُعظَم دروس البوطي بنسبة تسعين في المائة البوطي هى دروس علمية أكاديمية رسمية، وقد شرح الحكم العطائية وفرَّغها في شكل مُجلَّدات، فهذا هو العلم وهذه الدروس كانت في المساجد، وهى دروس علمية حقيقية، وفقه السيرة درَّسه مرات ومرات، وكُبرى اليقينيات الكونية درِّسه مرات ومرات، فالرجل يُعلِّم في المسجد كما يُعلِّم في الجامعة، لا يُعلِّم بالطريقة الخفيفة التي تُريد فقط أن تُضحِك الناس وأن تُبكي الناس وأن تُرقِّص الناس، فهو ليس أراجوزاً، هو عالم علَّامة لكن الأراجوزات كثيرون من الذين يتخذون المنابر والفضائيات لإضحاك الناس، فمرة يُضحِكوك ومرة يُبكوك ومرة يُرقِّصوك، لكن الرجل لم يكن كذلك أبداً، وقد رأينا بعض هؤلاء حين يُطلَب إليهم أن يُشرِّف بلداً في الغرب وغير الغرب ليُلقي مُحاضَرة أو ليُشارِك في مُؤتمَر يشترط اشتراطات عجيبة، وستُصدَمون أنتم وستُصدَمن حين تسمعون بها، فهو يسأل هل في فندق – Hotel – سأنزل؟ لابد أن يكون خمس نجوم، أي سيارة ستقلني من المطار إلى الفندق – Hotel – ومن الفندق – Hotel – إلى مركز المُؤتمَرات؟ لتكن السيارة – والله العظيم يحدث هذا، والله ما افتريت كلمة وأقسم بالله أنني أحكي الحقيقة، والله هكذا يشترطون – موديل السنة، وكم ستُعطونني على كل مُحاضَرة؟ وما هى نوعية الأكل؟ لا آكل إلا أكلاً خاصاً، وكأنك دعيت بيل جيتس Bill Gates، نحن لا نُريد أن نتساخف، فإذا اعتلى المنبر وجلس أمام الكاميرا – Camera – بدأ يتكلم عن الزهد وعن زهد الصحابة الأجلاء وزهد الأئمة العرفاء ويبكي ويتباكى ويُبكِي، فما هذا الكذب؟ ما هذا الدجل؟ ما هذا اللعب بالأمة؟ البوطي لم يكن يفعل هذا، هو لا يُجيده ولا يُحسِنه لأنه لم يتربَّ عليه، هو تربَّى على الإخلاص والصدق منذ نعومة أظفاره، وسأتلو عليكم طرفاً عجيباً من هذا، أما البوطي حين شرَّفنا بكل تواضع ترك دروسه في دمشق الفيحاء – دمشق الشام – التي كان يغص بها المسجد والمساجد بالألوف، فدروسه في المُتوسِّط يحضرها أربعة آلاف، وجاء هنا – والله العظيم – واصفَرَّت وجوهنا، يحضر له في مسجدنا مائتان أو مائتان وخمسون فقط، لكنه يتكلَّم كأنما يتكلَّم في أربعين ألفاً – نفس الشيئ عنده – وكان سعيداً جداً، ودائماً ما يقول يا سيدي، بأدبه وتواضعه يقول للكل يا سيدي، ثم قال كلما دعوتموني أنتم بالذات أنا لبيتكم، والله العظيم هذا ما حدث، انظروا إلى هذا التواضع العجيب، وسمعنا عن بعض الهوائيين أنه دُعِيَ إلى مُحاضَرة في جامعة فلما جاء رأى مئات مُتواضِعة العدد قال هذه إهانة، وجَن جنونه وخرج مُغضَباً وألغى البرنامج، كيف يحدث هذا وأنا الداعية الفلاني؟ وهو داعية لا يُحسِن أن يتكلَّم كلمتين، لكنه قال كيف يحدث هذا وأنا الداعية الفلاني؟ لكن البوطي لم يكن كذلك، البوطي امتداد للسلف الصالحين، بالعكس هو ربما كان يكون أسعد حين يقل العدد، ولذلك رأيناه سعيداً، واعترف بهذا وقال يا سيدي أنا زرت الشرق والغرب لكنني لم أجد رقةً وباعثاً على البكاء يدفعني دفعاً كما وجدت هنا عندكم، وكان يبكي في أكثر المُحاضَرات، ويجد نفسه مع قلة قليلة من الناس يُحبِهم ويُحِبونه في الله لأنهم أرادوا أن يتعلَّموا بصدقٍ منه، فهناك يجد نفسه ويجد قلبه ويبكي، لا يغضب من أنكم بضع مئات ولا يقول أنا تركت آلاف من الذين يحرصون على علمي ودروسي، علماً بأن هذه الدروس تُفرَّغ وتُوضَع على السيديهات – CDs – وفي الكتب، فهو امتداد للسلف، امتداد لسفيان الثوري، سفيان الثوري حين كان يكثر المجلس يقوم، يقول هذه فتنة، لأن كثرة الطلَّاب عند العالم فتنة، واليوم يطلبون تكثير الطلاب وتكثير الناس، حُكيَ لنا من جهات وجهات أنهم حتى في صفحاتهم على الإنترنت – Internet – اليوم يُزوِّرون الأعداد، فالعدد الحقيقي قد يصل إلى مائة ألف لكنهم يقولون خمسمائة ألف، ويشترون الاشتراكات وكأن الواحد منهم أصبحاً مطلوباً ونجماً Star، هل تعرفون كلمة Star؟ هذا شيئ عجيب، لكن البوطي لم يكن مرةً هكذا، وقلت مرةً لأحد أحبابي حاول أن تعود إلى أرشيف Archive البوطي واسمع له حين كان يتحدَّث بين يدي الملك الحسن – ملك المغرب رحمه الله – وبين يدي إخوانه العلماء في المُؤتمَرات وهى كثيرة بالمئين، فهو شارك في مئات المُؤتمَرات حول العالم في الشرق والغرب لأنه كان نابغةً من الناحية العلمية مُذ نعومة أظافره ومُذ شبابه الباكر، فالرجل – رحمة الله عليه – كان نابغةً علمياً، ثم قلت له اسمع له وهو يتحدَّث بين يدي الملوك وهو يتحدَّث بين يدي أمثالنا من الأُناس العاديين البسطاء جداً، والله العظيم – وأنا أُقسِم على منبر رسول الله – الحديث نفسه واللهجة نفسها والطريقة نفسها والاقتباس نفسه، فهو لا يتغيَّر، يتكلَّم بنفس الطريقة ونفس الأسلوب ونفس المُقدِّمات، وهناك مَن يتغيَّر كثيراً جداً بمقدار المُخاطَب، فإذا خاطبك أنت خاطبم من علٍ وبخطاب فيه غطرسة وتكلف وأستذة وادعاءات وتكلفات كثيرة، أما إذا خاطب مَن هم فوقه خاطبهم بتوسُّل وإذعان واحترام زائد، فما هذا الكذب؟ البوطي لم يكن يُحسِن هذا، لم تكن هذه سيرة البوطي، والسؤال الآن: لماذا؟ لأن البوطي هو ابن الرجل الصالح، ابن العالم العامل العارف بالله مُلا رمضان، وما أدراكم ما مُلا رمضان؟ رجل كردي من بلاد الأناضول، هو من جزيرة بوطان في الأناضول الكبير وقد ألهمه الله – تبارك وتعالى – أن يترك بلاده وجزيرته العامرة بطلَّاب العلم على المذهب الشافعي والأشعري والعامرة بسير الأولياء والصلَّاح والعرفاء لكي ينحدر إلى بلاد الشام وإلى دمشق وهو لا يُدرَى لماذا، لماذا اختار دمشق ولم يختر مكاناً آخر لكن هذا ما حدث، وبدأ الرجل يشتغل وكان ورعاً جداً، فهو كان عالماً فقيهاً شافعياً كان ورعاً جداً، أخذ العلم للعمل وليس للكلام وتشقيق الجُمل وإنما للعمل، وكان إنساناً بسيطاً غير مُتمهِّر وغير مُتمرِّس بالحياة وبالأحياء وبالناس، فهو ليس ذا حنكة بل كان بسيطاً على هينته كما يُقال، فلما سمع إخوانه الأكراد في جزيرة بوطان – ولذلك النسبة إليها فيُقال البوطي – أن مُلا رمضان دبَّر نفسه في الشام لم يكادوا يُصدِّقون، كيف دبَّر نفسه؟ هذا إنسان غلبان ودرويش، كيف يُدبِّر حاله في الشام؟ الشام فيها ناس أذكياء وشطَّار وفهلوية،قال ولم يكونوا يدرون أن الله هو الذي يُدبِّر لي أحوالي، لأنه مع الله، فالرجل – رضوان الله عليه وعن عائلته وذُريته – مع الله، والله يُدبِّر أحواله، وهذه كرامة من كرامته تُؤكِّد أنه كان يعيش في عناية الله وبعناية الله وفي كنف الله، تقول الآية الكريمة فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ۩ .
يقول – رضوان الله عليه – غدوت مرة إلى السوق، والسوق كان معروشاً مسقوفاً خلف السنانية – خلف جامع السنانية – وكان مُظلِماً والزحام شديداً، لكنني ذهبت إليه لأشتري صداري لأنها مطلوبة في جزيرة بوطان، فالأكراد يُحِبون هذه الصدريات والرجل يُريد أن يُتاجِر، لكنه قال أنا لست تاجراً ولم أتعلَّم التجارة ولا أدري عنها شيئاً، ولكنني أبيع وأشتري ثم أشتري وأبيع وأربح، فهو يربح القليل ويعيش بالحلال رضوان الله عليه، ثم قال كان في جيبي عدد من الليرات الذهبية – العثمانليات الثمينة جداً – وضعتها في لفافة ورقية، وإلى جانبها فرنكات – هذه الفرنكات لكي يشتري بها ويبيع، أما الليرات ذهبية فوضعها جانباً – لكن يبدو أن الليرات الذهبية للأسف انحلت عنها اللفافة فاختلطت بالفرنكات، وأين الفرنك من الليرة الذهبية العثمانلية؟ فاشترى عدد من الصداري – رضوان الله عليه – ونقد صاحبها مما في جيبه، وهو يظن أنه ينقد فرنكات، ولكنه خلط فرنكات بذهبيات، والجو مُظلِم والزحام شديد فلم يدر شيئاً،عد له ثم مشى، لكنه قال قال فلم ألبث أن مشيت ربما عشر خُطوات أو عشرة أمتار وإذا بشاب حليق مُطربَش يلقاني مُبتسِماً ويأخذ بيدي ويقول ماذا اشترى شيخنا لنا اليوم؟ تعال معي، ودون أن ينتظر الجواب أخذ بيده وعاد به مُباشَرةً إلى البائع الذي لم يفتح يده عما فيها لأنه ربما يُساوِم أُناساً آخرين وقال له أعد إليه ذهبياته، فالبائع استغرب، ذهبيات ماذا؟ وفتح يده مُستغرِباً فوجد الذهبيات، فقال له أعدها إليه، قال مُلا رمضان البائع اندهش وأنا وقعت في دهشة، هذا أمر عجيب، ما هذا الشأن؟ كيف هذا؟ وأي ذهبيات هذه؟ فعلم بعد ذلك ما حدث، ثم قال فبين أنا أسترجعها وأنا غارق في دهشتي نظرت عن يميني ثم عن شمالي فلم أجد الشاب المطربَش، والآن السؤال عندكم مَن هو هذا الشاب الحليق المُطربَش؟ وكيف عرف هذا؟ أرأيتم كيف يرعى الله أولياءه؟ أرأيتم كيف يرعى رجاله؟ أرأيتم كيف يُربِّيهم على عينه؟ هذا مُلا رمضان – رضوان الله عليه – الذي كان في البداية المُعلِّم الأوحد لابنه سعيد، أي لمحمد سعيد رمضان البوطي، هو إسمه سعيد ويُقال له محمد للبركة، فهذا إسم مُركَّب، وقد قال عنه لقد كان مُعلِّمي الأوحد، درَّسني النحو والصرف والمنطق والمقولات العشر وأصول الفقه على طريقة السبكي الصغير- تاج الدين عبد الوهاب – ودرست على يد والدي شرح جمع الجوامع للسبكي للإمام المحلي، ولما افتتح الشيخ العلَّامة المُجاهِد حسن حبنكة الميداني – رضوان الله عليه – معهده الشرعي – كان معهداً أهلياً وصار يُعرَف بالمعهد – مُباشَرةً أرسلني إليه كأصغر تلميذ بين طلَّابه – كلهم كانوا بين العشرين والثلاثين لكن الشيخ البوطي كان طفلاً صغيراً – وقال لي يا بني لو كنت أعلم أن طريقك إلى الله – تبارك وتعالى – وأن ما يُقرِّبك وما يُدنيك إلى الله يكمن في كسح القمامة – أي أن تكون زبَّالاً أكرمكم الله – من الشوارع لجعلتك زبَّالاً – انظروا إلى التربية، هذه هى التربية وهذا هو المُربِّي الحقيقي – ولكنني نظرت فرأيت أن طريقك إلى الله – تبارك وتعالى – تكمن في العلم بدينه وفي معرفته، فاخترت لك طريق العلم الشرعي، فعلى بركة الله!
قال البوطي وكم وكم شدَّد علىّ وأخذ مني عهوداً وثيقة أنني حين أكبر وأتعلَّم وأتخرَّج وأحصل على الإجازات الشرعية ألا أرتزق بعلمي هذا، أي أجعل باب ارتزاقي من غير طريق العلم الشرعي، أشتغل أي شيئ – كأن أكون حطَّاباً أو قمَّاشاً أو جزَّاراً أو أي شيئ – ولكن لا أرتزق ولا أتمعيش بالعلم، وأنا قطعت له عهداً بهذا، فهذه تربية حقيقية وهؤلاء أُناس صالحون، وبعد ذلك يذهب الشيخ البوطي – رضوان الله عليه – إلى الأزهر ويتخرَّج من الأزهر ثم يعود ويُعلِن عن مُسابَقة للتدريس في الثانويات فيأذن له أبوه ويقول له أذنت لك، ادخل المُسابَقة ولتصر مُدرِّساً، فقال لكنني يا أبي قطعت لك وعداً وعهداً، فقال يا بني أنا فعلت هذا عن قصد، لماذا؟ حتى لا تُدخَل نيتك، أردتك حين تطلب العلم وتتدرَّج في طلبه أن يكون قصدك وغايتك رضاء الله – تبارك وتعالى – لكن لو انطويت على مثل هذه النية – أنك تُريد أن تُصبِح أستاذاً ومُدرِّساً وترتزق بهذا – سوف تفسد النية ويُصبِح طلب العلم لغير وجه الله، فهل في العصر هذا نسمع عن أمثال هؤلاء؟ هذا الذي قتلوه، هذا الذي سفكوا دمه واغتبطوا بسفك دمه، هذا الذي قتلوه، وبعض الذين أنكروا – والحمد لله – كانوا من المُعارَضة، فحتى المُعارَضة استنكرت قتله واعتبرتها جريمة نكراء، الكل استنكر قتل هذا العلم الجليل والرمز الفارق في الأمة، ولكن بعضهم جعل يمزج بين الرثاء والتأبين وبين الشماتة، لكن ما هكذا تُساس الجُمل ما هكذا يُعبَّر!
على كل حال يُحدِّثنا أيضاً الشيخ البوطي – رحمة الله تعالى عليه – عن شيئ من كرامات والده العجيبة التي كان هو طرفاً فيها فيقول قبل وفاته بنحو سنة ونصف ذهب إلى بلودان ونزل ضيفاً على صديق من أصدقائه يطلب النقاهة من مرضٍ ألم به، لأنه – رضوان الله عليه – كان شيخاً تسعينياً كبيراً وكان يُعاني من مرضٍ ألم به، بل لعله كان في شرخ المائة لأن المُلا رمضان – رضوان الله عليه – جاوز المائة، ثم قال وكانت عادتنا منذ البداية – منذ بداية حياة الشيخ البوطي الابن الدكتور سعيد – أننا كل يوم بعد صلاة الفجر نجلس ما تيسر ونتلو ورداً – آيات قرآنية وأحاديث وأذكار -يومياً ولا نُفرِّط في هذا مُطلَقاً، فجلسنا في غرفة مُطِلة على شرفة تحتها للجيران ولأصحاب البيت وأنجزنا هذا الورد، وبعد أن طلعت الشمس وإذا بالباب يُطرَق، وإذا هن بنات الجيران، فقلن هناك أمرٌ عجيب، ألم تروا الطيور العجيبة التي رأيناها وهى لا تزال تخرج نحو ساعة؟ طيور كثيرة جداً تخرج وتذهب تشق أجواز الفضاء، ما رأيتموها؟ قال فقلنا نحن في الغرفة ما رأينا شيئاً ولكننا كنا في ذكر الله تبارك وتعالى، يا الله، ما هذه الكرامات العجيبة؟ كرامات لهم حتى يرى الناس ويعلموا أن هذه عائلة مُبارَكة وأن هذه عائلة يتقبَّل الله منها وعنها أحسن ما عملت، ونسأل الله أن يتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وإن شاء الله هم كذلك، لكن هل تعرفون لماذا؟ يقول شيخنا – الشيخ الشهيد السعيد – رمضان البوطي – رضوان الله عليه – قبل وفاة والدي بأربعة أيام دخلت عليه غرفته بعد صلاة الفجر لأطمئن على صحته لأنه كان في حالة حرجة فوجدت وجهه مُتهلِّلاً مُنيراً، فقلت له ما بك يا والدي؟ أراك مُتهلِّلاً، فقال يا بني لقد رأيت رؤية الليلة، لإن صحت وكانت حقاً كما رأيت فهى بالدنيا والآخرة، فقلت يا والدي حدَّثني بها، ماذا رأيت؟ فقال – يا له من أب ويا له من ابن رضوان الله عنهما – يا بني رأيت وكأني في عرسات القيامة وكأن القيامة قد قامت والناس موقوفون للحساب، وإذا بي أُوقَف بين يدي الله – تبارك وتعالى – وإذا به يُخاطِبني فيقول لي يا فلان قد كنت مُعظِّماً لي في الدنيا فاليوم أُكرِمك أنت وذريتك، إي والله، فهو يقول أن الله خاطبه قائلاً قد كنت مُعظِّماً لي في الدنيا فاليوم أُكرِمك أنت وذُريتكـ ورأس الذُرية هو مولانا الشيخ سعيد رمضان البوطي قدَّس الله سره الكريم، فرأس وتاج هذه الذُرية الشيخ رمضان البوطي أو الشيخ سعيد رمضان البوطي، وقد سمعته مرة هنا حين شرَّفنا في فيينا يُحدِّث أحدهم ونحن في الفندق قائلاً أين فلان؟ فقالت – كأنها ابنته أو زوجه لا أدري – ليس هناك، فقال لها قولي له سعيد اتصل، ثم قال سعيد رمضان البوطي، وكأنها سألته سعيد مَن؟ انظروا إلى هذا التواضع، لكن نحن الآن نرى – ما شاء الله – بعض الناس لا يتحدَّث عن نفسه إلا بالشيخ، يقول لك يقولون قال الشيخ وإذا تكلَّم الشيخ، هل أنت تُشيِّخ نفسك يا أخي؟ هو حتى يُشيِّخ نفسه ويُدكتِّر نفسه ويتحدَّث بالألقاب دائماً كأن يقول نفترض أن الدكتور عدنان – مثلاً – قال كذا أو الشيخ عدنان قال كذا، فما هذا؟ ما هذه الغطرسة؟ ما هذا الفراغ النفسي؟ ما هذا الصغار النفسي؟ البوطي لك يكن كذلك، ولذلك كان يقول لمُحدِّثته في الهاتف قولي له سعيد اتصل، فكأنها سألته سعيد مَن؟ فقال لها سعيد رمضان البوطي، ففهمت مَن هو، لكنه لا يقول لها الشيخ البوطي أو الدكتور محمد سعيد البوطي، يقول قولي له سعيد اتصل به، فانظروا إلى هذا التواضع، وفي تلكم الجلسة – والله – جرى بيني وبينه حديث علمي وجيز فذكرت له عبد الحي اللكنوي، فقال مَن هذا يا سيدي؟ قلت له ألا تعرفه؟ لأنني استغربت، هذا عالم هندي كبير، هو علَّامة وإمام من أئمة الحنفية وقد مات قبل أقل من مائة سنة عن أكثر من مائة وخمسين مُصنَّفاً، فعبد الحي اللكنوي عالم معروف، لكنه قال لي لا أعرفه، وهذا من تواضع البوطي وصدق البوطي، لا يدعي أنه يعرف كل شيئ أبداً، الشيئ الذي يعرفه يقول لك أعرفه، والشيئ الذي لا يعرفه يقول لك لا أعرفه، فهذا هو الصدق الصادق، لكن أنا تعجَّبت من هذا وكان درساً لي في الصدق والتواضع، لأن النبي يقول المُتَشَبِّع بِمَا لَمْ يُعْطَ كلابِسِ ثَوْبَي زُورٍ، فرأيت رجلاً لم يتشبَّع بشيئٍ لم يُعطه الله إياه، لا تُوجَد دعاوى ولا تُوجَد مزاعم ولا تُوجَد انتفاخات أبداً، فقط يُوجَد الصدق الصادق، رضوان الله تعالى عليه وأحله الله في أعلى مقامات جنات النعيم. اللهم آمين يا الله، اللهم آمين.
مَا تَرَكَ الْقَاتِلُ عَلَى الْمَقْتُولِ مِنْ ذَنْبٍ، حين تقتل مسلماً تبوء بآثامه جميعها ويلق الله أبيضاً – بفضل الله – مُصفّاً، فتعساً لك أيها القاتل وسُعداً له.
إِلَى الدَّيَّانِ يَوْمَ الدِّيْنِ نَمْضِي وعند الله تجتمعُ الخصومُ.
قال لما أتممت الثامنة عشرة من عمري ألحَّ أبي في تزويجي، فرغبت عن ذلك قائلاً يا أبتي ليس لي رغبة في الزواج، فقال لابد أن تتزوج يا بني، وجعل يتلو علىّ فصولاً من إحياء الغزالي – رضوان الله عليه – قائلاً الزواج مُهِم ومُفيد وطريق إلى الله وتحصينٌ للعين وللفرج والزواج كذا وكذا حتى اقنعني وأنا أعلم قلة ذات يده، فوالدي فقير مُتقلِّلأ، هذا الرجل ليس عنده أي شيئ، فكيف يُزوِّجني؟ ثم خطب لي أخت زوجته وكانت تكبرني ببضع سنين، ولكن ليس عنده ما يدفع مهراً وتجهيز، ليس عنده الباءة، فاضطُرَّ والدي أن يبيع بعض أعز ما يملك: الكتب، فهو اضطُرَّ أن يبيع بعض كتبه العلمية حتى يُزوِّج ابنه، ثم قال مُستتلياً ولكن أكثر ما أثلج صدري وأفرحني وأبهجني أنه دخل علىّ بعد أسبوع من زواجي وكان صلى الصبح جماعةً في المسجد فجاء يطرق الباب ويقول بصوت عالٍ هل أنت نائم؟ هل أنت نائم والبشائر تنهل عليك يا سعيد؟ هل أنت نائم؟ ففزعت من نومتي وفتحت له، ثم كرَّر هذه الجُملة قائلاً هل أنت نائم والبشائر تنهل عليك؟ فقلت أبشر خيراً رأيت يا أبتي، فقال رأيت قبل صلاة الفجر يا سعيد اليوم رسول الله – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – في لفيفٍ من أصحابه وهو يُخاطِبني ويقول لي جئنا لنُهنِّيء سعيداً بزواجه، فانظروا إلى هذه العائلة، رسول الله وأصحابه جاءوا ليُهنِّئوا الدكتور سعيد رمضان البوطي بزواجه، فوالده الرجل الصالح الولي العارف هو الذي حدَّثه بهذا!
قال البوطي لما تخرَّجت وكنت في أوائل العهدِ بالتدريس في الثانويات في الشام اشتريت مكتباً مُتواضِعاً لكي أضع عليه كتبي وأقلامي ولكي أكتب عليه، فإذا به يغضب غضباً شديداً ويعتب علىّ عتباً شديداً ويقول لماذا؟ هل هذه ثمرة تربيتي فيك يا سعيد؟ عالمٌ شرعي يُحِب الفخفخة والمظاهر والأُبهة؟ فقلت له لا يا والدي هذا مُجرَّد مكتب مُتواضِع – والله – يلزمني لكي أجلس وأكتب عليه، لكن كان لا يُحِب هذا، فوالده عاش ومات مُتواضِعاَ، وقد زوَّقوا مرة البيت بلون أرزق فغضب جداً وغادره، فاضطُرَّوا أن ينزعوا هذه التزاويق، هذا ممنوع لأن عنده زهد وتقلل من كل شيئ في الدنيا، فهو – كما قلت لكم – امتداد للسلف الصالحين، لكن عالم كهذا لا يحتمل عيل صغير – غُليِّم صغير – أن يختلف معه ويسبه ويلعنه، والآن سوف ترون هذه الخُطبة كم ستجر علىّ من أشياء، لكن أنا – والله – ما خطبتها إلا لله فلا يهمني هذا، آخر مَن أكترث بهم أمثال هؤلاء، سيُجَن جنونهم وسوف يقولون عدنان إبراهيم يُدافِع عن شيخه البوطي ويُدافِع عن مُفتي السُلطان ويُدافِع عن عالم بشار، لكن كل هذا لا يهمني، يهمني أن أُنصِف الشهيد السعيد وأن أقول كلمة لله تبارك وتعالى وعز وجل ، هذا الذي يهمني، على الأقل هذا ربما بعض ما تعلمناه منه ومن صدقه!
يقول ذات مرة ذهبت إلى تاجر يبيع الثريات – ثريات مُتواضِعة – فحجزت ثريا لكي أُقدِّمها إلى أحد إخواني في الله هديةً في زواجه لأن هذا الرجل سيتزوج، وأعطيت صاحب المحل عنوان أخي في الله هذا ليبعث له الثريا، لكن حدث خطأ حيث ظن العامل في المحل أن الثريا للدكتور سعيد رمضان البوطي، فأتى بها إلى بيته وعلَّقها في غرفة الضيوف، فدخل والده ورآها وكانت تلكم الغضبة المُنكَرة، قال ثريا؟ ثريا في بيت آل البوطي؟ تُريد دنيا؟ وهذه دنيا عريضة عنده، ثم قال وباللات والّلتيّا أفهمته وقلت له يا والدي هذه – والله – ليست لي، هذه هدية قصتها كذا وكذا وكذا، وظل يُحدِّثه حتى سكن غضبه، أرأيتم أين تربَّى البوطي؟ ليس البوطي الذي يبيع دينه من أجل أن يُرضي بشار وغير بشار وأبي بشار أبداً أبداً أبداً، البوطي يحكي قناعته، هذا شيئ اقتنع به، وطبعاً حتى أنا أُعبِّر عن بعض قناعاتي لأنني مُتألِّم أيضاً في الداخل، هل تظنون أن ما حدث ويحدث في سوريا هو شيئٌ محصور ومقصور من أوله إلى آخره – وقف تام – على الشعب السوري وإرادة الشعب السوري أم أن لإطراف خارجية منافع فيه ومُخطَّطات من ورائه ومقاصد وغايات أقل ما فيها أنه يُراد بها تذبيح الشعب السوري وتقسيم سوريا؟ هذا واضح، ولذلك قلت أنا العبد الفقير من أول يوم هذا نظام ملعون ونظام مُتوحِّش ونظام جبَّار عسكري مُخيف ولكن ليس الآن، فأنا قلت هكذا والآن بدأ الناس يفهمون بعض كلامي إن صح لكلامي وجهٌ، أنا قلت التوقيت خطأ – ليس الآن – لأنني أعلم التربص أيضاً بسوريا، الآن ماذا كسبنا؟ وإلى أين نحن ذاهبون أيضاً؟ حاولوا أن تُفكِّروا في النتيجة، سوف يسقط هذا النظام الملعون وبعد ذلك ماذا سيحدث في سوريا؟ ماذا سيحدث في سوريا؟ هل سوف تبقى مُوحَّدة؟ هل سوف تُحكَم بحكم ديمقراطي وحكم صالح وعادل؟ هل سوف تهدأ سوريا؟الله أعلم، نسأل الله لها الهدوء والوحدة والسلام والأمن والعز والرخاء ولسائر بلاد العُرب والمسلمين. اللهم آمين.
قصدي أن أقول لكم أن الرجل كان عنده ربما وجهة نظر في الموضوع، كان يُمكِن أن يُحتمَل، خالفوه ولا تقتلوه، لكنهم فعلوا هذا، فلا فائدة – والعياذ بالله – منهم، فعلوها والله أعلم مَن يقف وراءها، فالاحتمالات أيضاً مفتوحة لأشياء كثيرة، لأن البوطي – كما قلت لكم – ليس الشخص الذي يُمكِن أن يقع على هوى جهة مُعيَّنة بالكامل، البوطي في بدايات الثورة السورية التي نسأل الله أن تكون عقباها خيراً كما بشَّر هو سُئل سؤالاً وعلى موقعه كان الجواب، لكن هذا لا يُقال لنا، وأنا قرأت هذا – والله العظيم – بنفسي وقرأه إخواني لي كثيرون وهذا مذكور عنه، فقد سُئل هل يجوز لي أنا كفرد من أفراد الجيش السوري يأتيني الأمر من قيادتي – من الضابط مثلاً كضابط الفرقة – بقتل المُتظاهِرين وبإطلاق النار عليهم أن أفعل هذا؟ فهل تعرفون ماذا كان جواب الدكتور الشيخ البوطي – رحمة الله عليه – مُفتي السُلطان وعالم السُلطان وعالم بشار وعدو الشعب؟ قال لا يجوز لك ذلك أبداً ولا العدوان عليهم وإن أدى هذا إلى قتلك، فليست حياتك بأولى من حياة غيرك، هل مُفتي السُلطان يُفتي بهذا؟ الرجل ليست قضيته في أن يكون مُفتي السُلطان أو مُفتي الشعب وإنما قضيته أن يُفتي بما يرى أنه الحق وبما فيه رضاء الله عنه، أن يُفتي وفق ما تُمليه عليه مداركه ومفاهمه الشرعية، ولذا قال هذا ممنوع، طبعاً بالحري غضبت الحكومة وغضب حزب البعث، فهم غضبوا جداً عليه ورأينا موقعه بعد أيام قد ضُرِب – ضُرِب موقع الدكتور البوطي – بعد ذلك، فمَن الذي ضربه؟ هل الثورة لها مصلحة في أن تضربه؟ هذه فتوى في صالحها، وكأنه يقول – هو كان ضد التظاهر لكن كأنه يقول بهذا – للناس حق في أن تتظاهر، وهو لا يُحِب التظاهر وهو ضد هذا الشيئ من أول يوم ولكن الفتوى جاءت هكذا، فهى تصب في صالح التظاهر وفي صالح الثورة، وطبعاً غضبت جهة الحكومة وحزب البعث وهذا أمر معروف، ومن ثم ضربوا موقعه، ومن المُؤكَّد أنهم يتعجَّبون ويقولون ما هذا الرجل؟ هو من جهة هو معنا – واضح أنه معنا – ومن جهة أخرى يُطلِق هذه الفتوى التي تُؤيِّد الثورة، لكن الرجل – كما قلت لكم – ليس قصده أن يكون معك أو ضدك، قصده أن يكون مع الحق وأن يكون مع ضميره، فحين يلقى الله كما لقيه الآن – نسأل الله أن يُسعِده بلقائه – يقول له يا رب أنت كنت تعلم – بصرف النظر عن أصبت أو أخطأت – أن نيتي كانت وجهك الشريف، أنا نيتي أن ترضى عني أنت وإن سخط العالمون، وأنت تعلم هذا، وإن كان الله يعلم هذا حقاً فقد نجى الرجل وسعد – بإذن الله – وارتفع وارتقى، وإن شاء الله يكون الأمر كذلك بإذن الله تبارك وتعالى، لأن الأمور عليها أشباه، فحياة الرجل كلها في زهده وتقواه وعرفانه وتواضعه تُؤكِّد هذا، والرجل لم يكن يوماً دجَّالاً ولم يكن بيَّاعاً للفتاوى ولم يكن قصَّاصاَ مُفصِّلاً خيَّاطاً للفتاوى، لم يكن يوماً كذلك وإن اختلفنا معه، وقد اختلف الناس معه في أشياء كثيرة ثم عاد مُعظمهم بعد ذلك إلى رأيه، فما رأيكم؟ وأنتم تعرفون ماذا أعني، وهذا مُثبَت بالوثائق وبالاعترافات، قالوا له لقد كنت على حق لكن نحن لم نكن نفهم هذا الفهم فأخطأنا، وهذا حدث في أشياء كثيرة وليس في سوريا فقط، حتى في الجزائر كان له وجهة نظر والآن ثبت صدق وجهة نظره، ووقتها غضب عليه الإخوه في الجزائر غضباً شديداً، لكن الآن قالوا الرجل كان يفهم ما لا نفهم ويرى ما لا نرى، لذلك – لابد أن نُدير اختلافاتنا – وخاصة مع علمائنا ومع كبرائنا – بنوع من التواضع، نحن دائماً ندعو ونُؤيِّد أن نُدير كل الاختلافات بنوع من التواضع العلمي والتواضع الفكري، فلا يحق لأحد أبداً أن يزعم أنه يحتكر الحقيقة وأنه يتكلم بإسم المُطلَق وبإسم الرب، يُوجَد في اجتهاد كل واحد منا – كل واحد منا بلا استثناء – هامش للخطأ، أليس كذلك؟ يا أخي افترض أن هذا الإنسان الذي أفتيت بقتله أو قتلته أو ساهمت في قتله والتحريض عليه كان في نهاية المطاف هو المُصيب وأنت المُخطيء أو هو الصادق وأنت غير الصادق أين تذهب من الله تبارك وتعالى؟ ماذا تفعل؟ كيف تُجيب عن سفك دمه بين يدي الله تبارك وتعالى؟ والله العظيم ووالله الذي لا إله إلا هو – أنا أُقسِم بالله – أن مَن عرف الله حقاً – والله الذي لا إله إلا هو – إنه ليخاف خوفاً شديداً ليس من دم إنسان بريء وإنما من أموال أكلها على إنسان، يخاف من القليل من المال، أقسم بالله هذا شيئ مُرعِب مُخيف، لو كنت تعرف الله لعلمت – والله – أنه مُخيف، والنبي يقول مَن استدان ديناً من رجل وهو لا يُريد أن أن يُؤدِّيه – نصَّاب يقول لك أنا أُريد أن أخذ ديناً منك يصل إلى ألف يورو، ويقول عن الألف يورو أنها شيئ بسيط، الناس تقتل بعضها وتفجِّر المساجد لكن نحن أخذنا ألف يورو فقط – إلا كان حقاً على الله – أو كما قال – أن يُتلِفه، أي أن الله سوف يدمِّرك الله في الدنيا والآخرة فإياك وحقوق البشر، وهذا مع القليل من المال التافه فكيف بالدماء؟ كيف بالأعراض؟ كيف تقول عن رجل عارف بالله أنه عالم شيطاني وعالم إبليسي وعالم صهيوني وعالم ماسوني وأنه ضد الأمة وضد الإسلام وضد الرسول وضد كذا وكذا؟ كيف هذا؟ كيف تقول هذا في أعراض العلماء؟ أين أنت من الله؟ الذي لا يخشى الله عليك أن تخشى منه، والذي يخشى الله – والله العظيم – لا تخف منه، لأن مهما بلغت الخصومة بينك وبينه سوف يتقي الله فيك لأنه يخشى الله.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
(الخُطبة الثانية)
الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذاب شديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله تعالى عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسانٍ وسلم تسليماً كثيراً.
إن كان يُريد أن يعلم الذين قتلوا العلَّامة البوطي أو الذين حرَّضوهم على قتله أنهم أوجعونا وأحزنوننا فنحن نقول لهم لقد فعلتم هذا، مثلاً أنا العبد الفقير لست سورياً ولست بعثياً وأكره هذا الحزب الملعون ولا علاقة لي بالنظام السوري ولا برجال النظام السوري ولا بإيران ولا بأحد بفضل الله، وهذا معروف عني، ولو كان علىّ واحد في المليون غير هذا لافتُضِحَت في العالمين طبعاً، فهذا معروف عني بفضل الله، ولكن لماذا آخذ هذا الموقف؟ أنا أُدافع عن عالم رباني من علماء الأمة الكبار قلَّ نظيره، فوظيفتي أن أفعل هذا، هذه وظيفتي أمام الله، ولو سكت لكنت – والله – شيطاناً أخرس وأُقسِم بالله على هذا، وطبعاً السكوت بالحسابات الدنيوية الرخيصة أفضل لي، ولكن – إن شاء الله – ألا أكون من أصحاب الحسابات الدنيوية الرخيصة، ولذا هذه الخُطبة ستُغضِب كثيرين، لكن – كما قلت لكم – هذا لا يعنيني، أسأل الله أن يرضى الله بها فقط حسب نيتي، وأنا أعلم بنيتي إن شاء الله، لكن لا يعنيني فيما وراء هذا، ولذلك أنا أُدافِع عن هذا الرجل لأنه ملكٌ للأمة وثروة رمزية من ثروات الأمة أهدرناها وضيَّعناها، وعلى كل حال أقول لهؤلاء الذين قتلوا وحرَّضوا إن كنتم تُريدون أن تعرفوا أنكم أوجعتمونا فأنتم – والله – هددتم أركاننا وأوجعتمونا جداًوأقسم بالله على هذا، والله العظيم لقد أوجعتمونا وأحزنتمونا حزناً لا يعلمه إلا الله وحده لا إله إلا هو، ولكن مُغالِب الغلَّاب يُغلَب، تقول الآية الكريمة وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ۩، هل ترون علَّامتنا الشهيد السعيد قضى قبل آوانه وأجله بلحظة واحدة؟ لا والذي سمك السماوات بغير عمد، هو – والله العظيم – مات في وقته وأُقسِم بالله، ولكن الله شرَّفه وأبى إلا أن يُشرِّفه بأن يموت شهيداً، هو قتيل الظلم والظلامية والتكفير والتفجير والكره والبغضاء والتقسيم والتواطؤ، لأن لا يُمكِن لأي سوري شريف أن يفعل هذا، لا يفعل هذا إلا رجل مُتآمِر على شعبه وعلى دولته وعلى أمته وعلى هذا الدين وعلى رجالات هذا الدين، والعجيب أن البوطي في آخر خُطبة له – سبحان الله هذا في الخُطبة الأخيرة في آخر جمعة له في الأموي – دعا إلى المُصالَحة وقال هذا لهؤلاء جميعاً بما فيهم الثوار الصادقون والثوار المُنتفِعون والثوار المُندَّسون والثوار المُتآمِرون، فهذه خلطة فظيعة، يوم تحدَّثنا قبل شهر في حديث بعد صلاة الجمعة عن أن قتل الأسرى لا يجوز قال بعض الناس ولكن هناك كذا وكذا، فقلت لهم لا تُوجَد لكن وإنما تُوجَد أحكام شرعية، كيف تقتل الأسرى كجيش حر؟ كيف يجوز قتل الأسرى وتقطيع الرؤوس؟ أي دين هذا؟ كيف تطلب النصر من الله؟ والحمد لله قبل أسبوع الجيش الحر يلتزم ويعتذر عن قتل الأسرى، فهو اعترف بنفسه، فاجعلوا لكم ضميراً وعقلاً، لا يبع أحدكم نفسه لأحد، بمعنى إذا كنت مُقتنِع بشيئ قله وإن أغضب الناس، أما مع الشيئ الذي أنت غير مُقتنِع به وترى أنه يُخالِف شرع الله تبارك وتعالى – قل لا، أنا مع الثورة ولكن بصراحة قتل الأسرى هذا لا يُرضي الله ورسوله، هذا عمل إجرامي، كيف سنكون أفضل من بشار وجيش بشار إذن؟ هم يقتلون كل شيئ ويُدمِّرون كل شيئ فهل سوف نُصبِح مثلهم برابرة ووحوشاً؟ إذا أردنا نصر الله لابد أن نتقي الله، ولكن حين نتصرَّف بطريقة بحيث لا يُميِّز الشعب معها مَن الأظلم ومَن الألعن فهذه – والله – لعنة وأُقسِم بالله على هذا، ولكن – بفضل الله – الجيش الحر نفسه قبل أسبوع تقريباً أو عشرة أيام اعتذر وقال نحن نعتذر ونتعاهد من اليوم بعدم قتل الأسرى، فهل هذا يعني أن الأسرى كانت تُقتَل؟ طبعاً كانت تُقتَل، ولا تُحاوِل أن تقول لي هذا لم يحدث، فهى كانت تُقتَل، لكن الأسرى في دين محمد لا تُقتَل، فالأسرى لا يُقتَلون ومن ثم علينا أن نكون أرحم من هؤلاء، النبي لم يقتل هنداً بنت عتبة الني أكلت كبد حمزة، النبي قال اذهبوا فأنتم الطُلقاء، فترك هنداً وجوز هند وابن هند وترك الكل وقال اذهبوا فأنتم الطُلقاء، فهذا هو إذن، هل تعلَّمنا هذا من محمد أم أنه كلام فقط على المنابر؟ لم نتعلَّمه لأننا لا نتعلَّم هذه الرحمة.
البوطي في آخر خُطبة قال كلمة، وأنا مُتأكِّد من أن هذه الكلمة لا تُسعِد النظام بل بالحري أغضبت النظام، حيث قال أقول لهؤلاء أنتم اجتهدتم، اجتهدتم فخرجتم، واجتهدتم فتسلَّحتم، واجتهدتم ففعلتم ما فعلتم، والآن بيِّن الصبح لذي عينين ووضحت الحقيقة، عودوا إلى صفوف إخوانكم، عانقوا إخوانكم، تغافروا وتسامحوا، وقال كلاماً بهذا المعنى، لكن طبعاً السُلطة لا يُعجِبها هذا، فكيف تقول هذا لهؤلاء؟ كيف تقول لهم اجتهدتم فأخطأتم؟ لكنه لم يقل هذا فقط بل قال اجتهدتم فأخطأتم وربما أُثِبتُم، كل مُجتهَد مُثاب، ومثل هذا المنطق لا يُرضي النظام، هذا المنطق فيه محبة وفيه تسامح وفيه إغضاء وفيه كرم، وهم ليس عندهم هذه العقلية، هل فهمتم؟ ولذلك البوطي قضى بهذه الطريقة، والله أعلم مَن الذي يقف خلف اغتيال هذا الرجل، لأن إلى الآن ما من جهة تبنت الاغتيال، مَن الذي اغتاله؟ ولماذا؟ أياً كان فعليه لعائن الله مُتتابِعة إلى يوم الدين، ولكن الرجل – بفضل الله – ارتقى شهيداً سعيداً، أبى الله إلا أن يقضي البوطي شهيداً، وهو يعلم أن الآجال بيد الله.
أختم الآن الخُطبة، هل تعلمون لماذا يُقال هذا؟ لأن والده حين كان في العشرين – تقريباً ناهز العشرين – حدثت له حادثة عجيبة حدَّثها لابنه سعيد – رحمة الله على الرجلين الصالحين – حيث قال له يا بني حين كنت في نحو العشرين ألم بي مرض أشفيت منه على الموت – كاد يموت – والناس دائماً في الدار حولي من الأقارب والمعارف، وذات يوم كأنه غُمِّيَ علىّ فرأيت رجلين يدخلان علىّ الغرفة، رجلاً مهيباً – عليه الهيبة والجلال – وخلفه رجل آخر كأنه مُعاوِن أو خادم له، فتوسمت الصلاح في هذا الرجل المهيب – والآن ستعلمون مَن هو هذا الرجل المهيب – فدنوت منه – هذه ليست تعني أنه يتحرَّك طبعاً لأنه مريض ويُشفي على الموت – أُريد أن آخذ يده لكي أُقبِّلها اعتقاداً في صلاحه، فنظر إلىّ هكذا وقال ليس لنا غرضٌ بك، جئنا من أجل جارك ياسين وخرج، فسُرِّيَ عني وإذا بمَن حولي يسألونني ماذا الذي فعلت يا رمضان؟ لماذا أردت أن تُقبِّل الأرض؟ فقلت لهم لم أُرِد أن أُقبِّل الأرض ولكن حدث معي كذا وكذا وكذا، فقالوا هذا أمر عجيب، ثم سمعوا صوتاً فقالوا ما هذا الصوت؟ صوت الناعية يقول ياسين، لقد مات ياسين الجار، فهل الآن فهمتم مَن هذا الذي دخل؟ هذا ملك الموت، ولذلك ارتفعت الأصوات الناعية وهم يقولون ياسين، فهم قالوا ياسين قُبِض – مات – الآن، أي أن الرجل رأى ملك الموت وهو في الدنيا حيٌ يُرزَق، قال ثم غُمِّيَ علىّ – كل هذا في دقائق، في عشر دقائق أو ربع ساعة – فرأيت الرجلين ذاتيهما عينهما يعودان إلىّ، أي الرجل المهيب ومعه الخادم أو المُعين، وهذا الخادم يحمل هذه المرة شيئاً مثل جلد حيوان – الله أعلم هل هى النفس أم هل هى الروح، الله أعلم ما هذا – على ظهره وكأنه صاده، وفي هذه المرة تقدَّم هذا الرجل المهيب وأخذ بيدي، قبض علىّ بقبضته بقوة كأنه يُريد أن يأخذني، فخفت منه خوفاً عظيماً واستغثت بأبي قائلاً يا أبي، يا أبي، فأخذني أبي ثم استفقت وأنا أصرخ، وأبي في حالة من الهول، والزوار يقولون ما هناك يا رمضان؟ ما الذي يحدث؟ لماذا تصرخ؟ فقال قلت لهم حدث كذا وكذا، عاد هذا الرجل – الآن عرفوا أنه ملك الموت – وأراد أن يأخذني، فقال والده – أي جد الشيخ سعيد رمضان البوطي، لأن هذا المُلا رمضان وهذا والده رضوان الله عليه – يا بني حين استغثت بي – هو فهم أن هذا ملك الموت بعد أن رأى كيف مات ياسين، وهذا كله في لحظات، فسبحان الله هذه أسرة صالحة ولديها قلوب صالحة – نذرت في نفسي وفي ضميري لله نذراً، وقلت إن شفى الله ابني وأطلقه لي وأحياه لي سوف أتصدَّق بكذا وكذا رأس من الغنم، فذهب الرجل مُباشَرةً وتركه!
تخيَّلوا أن البوطي كان يسمع هذه القصص وهو صغير مع والده، فيعلم أنه لا يزيد في العمر إلا البر وأن الأعمار في نهاية المطاف بيد الله تبارك وتعالى، فماذا تُريد من هذه الأسرة ومن هذه الأصلاب الطاهرة ومن هذه القلوب النيِّرة ومن هذه النفوس الماجدة أن تُخرِّج وأن تُعلِّم؟ الآن علمنا أي عالم فقدته هذه الأمة وأي رباني فقدته هذه الأمة وأي عارف فقدته هذه الأمة!
نسأل الله – تبارك وتعالى – بأسمائه الحُسنى وصفاته العُلا أن يُبدِله دار خير من داره ومنزلةً خير من كل منازله في الدنيا وأهلين خيراً من أهليه وأن يُعلي مقامه في عليين مع النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً ۩.
اللهم إنا نسألك أن تُلهِم أهليه وأسرته وأحبابه وإخوانه ومعارفه وطلَّابه حول العالم الصبر والسلوان، اللهم أخلف علينا في مُصيبتنا بهذا العالم الجليل خيراً منها برحمتك يا أرحم الراحمين، ونسألك إلهنا ومولانا ونضرع إليك بأسمائك الحُسنى وصفاتك العُلا الجُلا أن تحفظ بلاد الشام، اللهم ألبسها العافية، اللهم ألبسها لباس الأمان ولباس الشبع ولباس الاستقرار والهدوء والطمأنينة والسلام والإسلام والأمن والأمان وسائر بلاد العرب والمسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم اغفر لنا ما قدَّمنا وما أخَرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أسرفنا وما أنتم أعلم به منا إلهنا ومولانا رب العالمين.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩، وأقم الصلاة.
(انتهت الخُطبة بحمد الله)
فيينا (22/3/2013)
أضف تعليق