إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين وصحابته المُبارَكين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:
أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه ومُخالَفة أمره لقوله سُبحانه من قائل:
مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩
ثم أما بعد، أيها الإخوة المسلمون الأفاضل، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات:
خطر لي قبل وقت يسير البحث في معنى قوله – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – مَن لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه، وذلكم في حديثه عن الصوم، صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم، لماذا خصَّ الزور قولاً وعملاً بالذكر – عليه الصلاة وأفضل السلام -؟ هل يكون من مقاصد الصوم ومن غاياته السامية العُليا أن يتحقَّق المُسلِم بخُلق العدل الذي يُنافيه الزور والعياذ بالله؟ الشاهد بالزور، القائل بالزور، والعامل به بريء من العدل والعدل بريء منه، وهذا خُلق لا تصلح الأمم ولا تستقيم حال الجماعات ولا حتى حال الأفراد بغيره، وبه قامت السماوات والأراضون، بالعدل قامت السماوات والأراضون!
وهو الضمانة – العدل هو الضمانة – الأولى لرحمة الله – سُبحانه وتعالى – وتوالي نعمه وتأخير نقمه، حتى وإن أشرك به العباد، فهو – سُبحانه وتعالى، عز اسمه، وجل مجده – لفرط رحمته ولعظم حكمته وإطلاق عدله لا يُعاجِل خلقه وعباده بالعقوبة، وإن أشركوا به وقصَّروا في حقوقه، لأن حقوقه – كما قرَّر السادة العلماء – مبنية على المُسامَحة، أما حقوق العباد فشاء هو – سُبحانه وتعالى من شاءٍ – أن يبنيها على المُشاحة، على الشُح والتضييق! الله ضيَّق جداً في حقوق العباد، لكنه تسامح ووسَّع وأمهد في حقوقه، فسُبحانه من إله، لا إله إلا هو! على عكس ما يتوقَّع ربما جهلة بعض العامة من الأغمار والطغام من الناس.
كيف لا وهو القائل – سُبحانه وتعالى – وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ۩؟ وهذه آية عجيبة جداً، دارت أقوال المُفسِّرين في تأويلها على قولين اثنين، حكاهما ابن جرير – رحمة الله عليه – واكتفى بهما، القول الأول أن المعنى كالآتي، وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ ۩، الباء هنا للمُلابَسة، وهي في موضع النصب على الحالية، أي وما كان ربك ليُهلِك القرى ظالماً لها ولأهلها، ظالماً لهم! وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ۩، فاقتضى الأمر هنا أن يُفسَّر الصلاح بالمعنى الأعم، صلاح الاعتقاد بالتوحيد والبراءة من الشرك، وصلاح الأعمال والعلاقات بالقيام بالحقوق وأدائها وعدم التظالم والاعتساف، هكذا فُسِّرت الآية بالقول الأول، وهذا هو قول المُعتزِلة، هذا هو اتجاه المُعتزِلة، وإن بدأ به ابن جرير قدَّس الله سره.
أما القول الثاني – ولم يُعلِّق عليه شيئاً، فكأنه ارتضاه رحمة الله تعالى عليه، لم يُعلِّق عليه حتى بكلمة، وهو للحق كما سيتقرَّر لدى المُفسِّرين المُتأخِّرين عنه مذهب أهل السُنة والجماعة من جهة عقدية أو كلامية – فهو كالآتي، وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ ۩، الباء هنا للسببية، أي بسبب ظلم احتقبوه وارتكبوه، وفُسِّر الظلم هنا بالشرك، أي وما كان ربك ليُهلِك القرى بسبب شركهم وكفرهم، قال – تبارك وتعالى من قائل – إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ۩، والنُكتة هنا أنه نكَّره، لم يقل بالظلم، قال بِظُلْمٍ ۩، لأنه بلا شك ظلم عظيم، فالتنكير هنا لتهويل أمره وتعظيم خطره والعياذ بالله، إذن الباء هنا للسببية، وفُسِّر الظلم بماذا؟ بالشرك، قال وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ۩، فُسِّر الصلاح هنا بالمعنى الأخص، وليس بالمعنى الأعم، أي أهلها مُصلِحون في مُعامَلاتهم، يقومون بالحق ولا يتظالمون، ولا يبغي بعضهم على بعض، وإن كانوا مُشرِكين.
وهذا مذهب أهل السُنة والجماعة وطريقة أهل السُنة والجماعة، حياهم الله وبياهم، لأن مثل هذه الطريقة في فهم هذه الآية الفريدة – وهي فريدة بلا شك – تُؤكِّد أن هذه الأمة كان لها – وهكذا كان – أن تُؤسِّس وعياً حضارياً ووعياً اجتماعياً من أرقى ما يكون، لم تجعل حتى في العقيدة وصحة العقيدة المثابة المُطلَقة وإن كانت العقيدة حين تصح تأتي أولاً وقبل كل شيئ ويصح بها وبعدها كل شيئ، ولا يعني أنها إن لم تصح لا يصح أي شيئ، هذا خُلف، هذا خطأ منطقياً، قد تفسد العقيدة ولا تصح وتصح أشياء، بدليل هذه الآية، وبدليل ما نعيشه الآن في عصرنا، نرى في هذه البلاد الأوروبية والأمريكية وغيرها من العدل ما لا نرى بُعيشيره في بلاد العرب والمُسلِمين للأسف، نقول هكذا ونحن مُتمرِّرون ومكبودون للأسف الشديد، ومن هنا نرى ما هم فيه من هناء ومن دعة ومن أمان وحتى من سعة في الأرزاق، لأن الله – تبارك وتعالى – يمد ويبسط إذا قام عمود العدل بين الناس، أكثر ما يُبغِضه الله – تبارك وتعالى – ويُعاجِل عليه بالعقوبة الظلم، الظلم والبغي! هذا معروف، والنصوص في كتاب الله وسُنة المُصطفى المُطهَّر – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – مُتضافِرة مُتواتِرة ومُتسارِعة على تقرير هذا المعنى الكُلي، وهو معنى حضاري كما ترون، معنى يصح أن يكون أُساً لقيام أي حضارة تُريد الامتداد والاستقرار.
ما أحسن ما قاله علماؤنا من قديم! من ألف ومائتي سنة وثلاثمائة سنة كانوا يقولون المُلك مع الكفر قد يدوم، يُريدون والعدل، الكفر مع العدل مُمكِن، ولكنه – أي المُلك – مع الظلم لا يدوم، يُريدون ولو جامعه الإيمان، حُكم مُؤمِنين أو حُكم مُسلِمين – حتى ولو كان حُكم أحفاد رسول الله وأبناء رسول الله – إن جامعه الظلم ولابسه لا يدوم، المُلك لا يدوم مع الظلم، وإن كان باسم الإسلام وباسم النبوة وباسم الخلافة، لا يدوم! لكنه قد يدوم مع الكفر، والرعية والناس أمثالنا لا يُمكِن أن يبخعوا ويخشعوا لحاكم ما لم يكن عادلاً، يُحسِون عدله ويتلمَّسونه في كل شيئ.
قال كسرى أنو شروان – وبه كان يُضرَب المثل في العدل – لا مُلك إلا بالجُند، ولا جُند إلا بالمال، ولا مال إلا بالبلاد، ولا بلاد إلا بالرعية، ولا رعية إلا بالعدل، ما أحسن هذه النظرية! وبالمُناسَبة مَن قرأ مُقدِّمة العلّامة ابن خلدون – رحمة الله عليه – علم أنه أخذ هذه العبارة – لا أظن أنه نسبها إلى أنو شروان – وأقام عليها شبه نظرية كاملة، وحلَّل لنا كيف تنحل الدول وكيف تدول الممالك والسلطنات بنفس الطريقة، لكن باتجاه مُعاكِس، إذا حل هذا ينحل هذا وهكذا، وهكذا يُديل الله من الأمم، يُديل الله من الأمم وتأتي عليها الدبرة كما يُقال، في نهاية المطاف لا رعية إلا بعدل.
لما وُليَ الراشد الخامس ابن عبد العزيز – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه – ماذا حدث؟ الآن يتكلَّمون عن حال الأمة البئيس القابض القاتم، لِمَ؟ لِمَ أمتنا – وهي مُوحِّدة، مُخلِصة في توحيدها بحمد الله تبارك وتعالى، أمة لا إله إلا الله، الأمة الذاكرة العابدة الصائمة المُتوضئة الطهور والمُبارَكة – تعيش هذا الذل، هذا الخسف، وهذا الهوان على نفسها وعلى الناس؟ لِمَ؟ ينبغي أن نضع في مُقدِّمة الأسباب أنها أمة كفرت بالعدل، لم تُقِم ميزان العدل في نفسها وبين أبنائها، بين الرعية والراعي، وبين الرعية أو بين آحاد الرعية فيما بين بعضهم البعض، وسوف نرى كيف أن هذا الميزان عامل وفاعل في كل المُستويات والطبقات، أبعد بكثير وأوسع وأكثر اندياحاً مما يظن بعض الناس.
حتى لا نسترسل نعود، لما وُليَ الراشد الخامس – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه – شرع في رد المظالم، مُباشَرةً! الإصلاح يبدأ من أعلى أيضاً، شرع في رد المظالم، وأول مظالم شرع في ردها مظالم قومه بني أُمية، وكم كان لهم من مظالم! كم تخوَّضوا في أموال الناس ودمائهم وأعراضهم! شرع في ردها فغاظ هذا مَن؟ فغاظ هذا أبناء عمومته وقراباته جميعاً من بني أُمية، اغتاظوا! كيف هذا؟ أيُريد أن يُسوينا بالناس وأن يُعيد الحقوق التي انتهبناها واستلبناها عنوةً وقهراً وتجبراً إلى عباد الله من الرعاع؟ لم يُعجِبهم! فكلَّموا فيه عمته، فجاءت وقالت يا ابن أخي إنهم غاضبون عليك، وهذا الأمر لا يستقيم لك، قال يا عمتاه لقد سلك رسول الله – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – طريقاً، فلما ذهب إلى ربه حميداً سلكه أصحابه من بعده، يعني أبا بكر وعمر وعثمان وعليّاً رضيَ الله تعالى عنهم وقدَّس الله أسرارهم الكريمة وأورواحهم الطاهرة، سلك أصحابه من بعده طريقه، فلما قُضيَ الأمر إلى مُعاوية جره يميناً وشمالاً، هذه شهادة عمر بن عبد العزيز في قريبه الخليفة مُعاوية أو الملك مُعاوية، قال جر الأمر، لم يستقم به على الجادة كما فعل الرسول والصحابه من بعده، أي الخلفاء الأربعة المهديون، وإنما جره يميناً وشمالاً، تلاعب بالأمة وبأمرها وبقيادتها، فوالله الذي لا إله إلا هو لئن مد الله في فُسحتي لأردنه إلى الطريق الأول، قالت يا ابن أخي فإني أخافهم عليك، سيقتلونك! مَن؟ تعني بني أُمية، أبناء عمومته وقراباته، وبالمُناسَبة هكذا فعلوه، سمَّموه! هم الذين دسوا له السُم فمات قبل أن يُكمِل سنتين، رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه، قال يا عمتاه كل خوف قبل يوم القيامة لا أمننيه ربي، أنا لا أخاف من أي شيئ إلا ما يكون بين يدي الديّان غداً، في الدنيا لا أخاف، لا أخاف أن أُقتَل أو أُغتال، هذا لا يهمني! كل خوف دون يوم القيامة – أي خفته – فلا أمننيه ربي، رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه.
ولذلك انظروا إلى الآتي، كان الخراج وحده في سواد العراق! البصرة والكوفة وما حولها، ما يُعرَف بالسواد، وهو الذي فُتِح أيام الراشد الثاني عمر، يا له من راشد! رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه، عمر! فاروق هذه الأمة، مُلهَم هذه الأمة، عبقري هذه الأمة، رضوان الله تعالى عليه إلى يوم الدين، كان خراج سواد العراق هل تعرفون كم؟ مائة وسبعة وثلاثين مليوناً، فقط من سواد العراق، بالعدل! فلم يزل يتناقص مع الظلم الذي طرأ بعد ذلك، حتى صار أيام الحجّاج بن يوسف حين وُليَ على العراق ثمانية عشر مليوناً، رُغم الظلم والسجون والقتل والعذابات وحتى فرض الجزية على مَن أسلم، يُسلِمون ويأخذ منهم الجزية! أي الحجّاج، ولكن الخراج تناقص، من مائة وسبعة وثلاثين مليوناً إلى ثمانية عشر مليوناً، واقرأوا كُتب الخراج وكُتب التاريخ، حتى نفهم ما الذي حصل لهذه الأمة!
فلما وُليَ ابن عبد العزيز – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه – ارتفع في السنة الأولى مُباشَرةً إلى ثلاثين مليوناً، من غير سجون، من غير تعذيب، ومن غير جزية! وقد كتب إلى حيان – واليه على مصر قبَّحك الله، قال إذا جاءك كتابي هذا فضع عنهم الجزية، وليس ضع عليهم الجزية، فإن الله بعث محمداً هادياً لا جابياً، قال هؤلاء يتتابعون في الإسلام، والجزية – قال – تخرَّبت، قبَّحك الله قال، قبَّح الله هذه المقالة، هذه طريقة بني أُمية، يُدفِّعون المُسلِمين الجزية، يُدفِّعون مَن أسلم مِن اليهود أو النصارى، قال فإن الله بعث محمداً هادياً لا جابياً، لا نُريد أموال الناس، نُريد الهداية لهم، نُريد صلاح آخرتهم وعُمران آخرتهم، تعمر الدنيا من تلقائها بإذن الله تبارك وتعالى.
عمر بن عبد العزيز وقف الفتوحات، لم يُفتَح في مُدته بلدٌ، قال لا، لا نُريد فتوحات، فتوحات لماذا والأمة جائعة؟ الأمة جوعى! لكن الله – تبارك وتعالى – بعدله أشبعها، وبعدله روّاها، وبعدله كفاها، ارتفع خراج السواد من سبعة عشر مليوناً إلى ثلاثين مليوناً في السنة الأولى، ليرتفع في الثانية إلى ستين مليوناً، وقال – قدَّس الله سره – لئن حييت لأبلغن به ما كان أيام أمير المُؤمِنين عمر بن الخطاب، رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه، عمر أصبح الغاية، عمر هو السقف، عمر هو الغاية الأبعد، رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه، هذا ابن عبد العزيز!
يبكي مرة فتراه زوجه فاطمة بنت عبد الملك رضيَ الله عنها، فتقول له يا أمير المُؤمِنين جُعِلت فداك، ما الذي أبكاك؟ يبكي بحُرقة! فقال يا فاطمة لقد وُليت هذا الأمر – وُليت أمر هذه الأمة، صغيرها وكبيرها، أسودها وأحمرها، دانيها وقاصيها – ثم تذكَّرت العاجز الفقير، والمسكين المُحتاج، والأسير البعيد، والغريب الضائع، وعلمت أن الله – تبارك وتعالى – سائلي عنهم، وأن محمداً – صلى الله عليه وسلم – حجيجي فيهم، فخفت ألا تثبت لي أمام الله حُجة، فهذا الذي أبكاني، طبعاً! هذه هي الحقيقة، هذه حقيقة مَن وُليَ شيئاً من أمر المُسلِمين، ستُسأل عنهم جميعاً، ستُسأل عن كل المُولى عليهم، ستُسأل عن كل مَن هم في ولايتك لا محالة! أما أن تتخوَّض في أموالهم وفي أعراضهم وفي دمائهم ثم تظن أنك ستنجو فلا يُمكِن، لا أنجاه الله البعيد، كما يفعل كل هؤلاء الظلمة، لا نجاة، لا احتمال للنجاة أصلاً، كان يبكي مع عدله، رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه، يبكي مع عدله! وهذه الأمة – صدِّقوني – حتى أيام ما كان لها عز ونصف عز ورُبع عز كان فيها رُبع عدل ونصف عدل، ولذلك استمر عزها على قدر ما تحقَّقت بالعدل، فظلمتها لم يخلوا من عدل ولو نسبي، ليس كاليوم، عم الظلم، شيئ فظيع!
لذلك قال لي أحدهم أمس – بارك الله فيه – وقد سمع قصة يُشتَم منها رائحة الظلم وعدم العدالة، قال نحتاج رحمة، قلت لا، لا نحتاج رحمة، نحتاج عدالة، ثم ليأت بعد ذلك حديث الرحمة، دعني من هذه الرحمة، الكل يدّعي أنه رحيم وأنه رؤوف وأن قلبه مع الأمة، لا! لا نُريد هذه الرأفة، نُريد عدالة تنطبق على الجميع، على الكبير والصغير، وليأت حديث الرحمة بعد ذلك، إذن أيهما أولى؟ العدالة قبل الرحمة.
عمر بن الخطاب رأى قاتل أخيه زيد بن الخطاب، قُتِل في الجاهلية، هذا ثأر جاهلي، وعمر الآن أمير المُؤمِنين المهيب الجليل، فرآه! فبادره عمر بقوله لن أُحِبك حتى تُحِب الأرض الدم، عمر كان صادقاً مع نفسه، كلما رآه تذكَّر أخاه الذي قُتِل هكذا ظلماً في الجاهلية، قال أنا أُبغِضك، ولن أُحِبك، والرجل كان داهية، وكان فصيحاً مُبيناً، قال يا أمير المُؤمِنين هل يحملك هذا على ظلمي أو منعي حقي؟ قال لا، حاشا لله، قال فلا يأسى على الحب إلا النساء، إذا كنت لا تُحِبني فهذه ليست قضية، إذا كنت لا تُريد أن ترحمني ليست قضية، المُهِم أن تعدل معي، أعطني حقي، وعمر هو أبو العدالة.
ذكَّرني هذا بقصة رجل من أصدقائنا درس القانون في مصر، وكان الذي يُدرِّسه مادة أصول التشريع وتاريخه الشيخ الإمام العلّامة محمد أبو زُهرة، رحمة الله عليه رحمة واسعة، كان مثلاً في العلم والعمل والقوة في الحق، لا يخشى في الله لومة لائم، أي الشيخ أبو زُهرة! وكان بينه وبين عبد الناصر خصومات، حتى أنه وُضِع في الإقامة الجبرية، وحرَّض عبد الناصر شباب الثورة لكي ينتفوا لحيته، ولم يجرؤ أحد أن يفعل هذا، ولم يجرؤ عبد الناصر أن يأمر بسجن أبي زُهرة، العالم الرباني! قدَّس الله سره، قد مضيا كلاهما إلى الله!
إِلَى دَيَّانِ يَوْمِ الدِّينِ نَمْضِي وَعِنْدَ اللَّهِ تَجْتَمِعُ الْخُصُومُ.
وأبو زُهرة لم يكن إخوانياً ولا غير إخواني، كان عالماً أزهرياً بغير لافتة حزبية، ومع ذلك – لأنه كان يقول الحق – لم يُعجِب، لم يُعجِب عبد الناصر ولا غيره، ليس لأنه حزبي، لا! لأنه قوّال بالحق، قدَّس الله سره، المُهِم قال مُحدِّثي – وهو رجل مُعجَب بعبد الناصر حتى العشق والتتيم – فأخذ أبو زُهرة يتحدَّث عن عبد الناصر ويتنقَّصه، قال فقمت له أمام الطلّاب – وأنا أعلم كم هو مهيب وكم هو غضوب! كان يغضب كالأسد الهصور إذا ديس عرينه – وقلت له يا مولانا هذا الكلام غير صحيح، وعبد الناصر على الرأس والعين، قال اجلس لعنة الله تعالى عليك، قال فلعنني، غضب غضباً شديداً وخرج عن حده، قال اجلس لعنة الله تعالى عليك، قال فخفت وقلت هلكت ورسبت هذه السنة، قال فلما جاء وقت الامتحان امتُحِنت عنده وكنت مُوقِناً أنني سأرسب، انتهى! الخصومة بلغت حد اللعن، شيخ جليل يلعنني على رؤوس الطلّاب والطالبات، قال وإذا بالعلامة من أرفع الدرجات، قلت لعله نسيَ، لكن هل أبو زُهرة ينسى؟ أبو زُهرة لم يكن له مُفكِّرة، رحمة الله عليه، كل رقم أو اسم أو عنوان سمعه هو مُسجَّل في دماغه، لا ينساه أبداً، لذلك ليس عنده مُفكِّري، أي رقم تليفون مُسجَّل في دماغه، رحمة الله عليه، قال هذا لا يُمكِن، قال فذهبت إليه وقلت يا مولانا حدث كذا وكذا، قال نعم، أنا أعرف، أنت صاحب عبد الناصر، وأعرف كل شيئ، قلت يا مولانا أنا ظننت أنني سأرسب، قال لماذا يا ابني؟ قلت لأنني قلت كذا وكذا، قال لا يا ابني، هذا شيئ وهذا شيئ، العدل يا بُني! أختلف معك وتختلف معي – نعم – لكن العدل يا بُني، وإلا بئس علماء الدين نحن، قال فعلمت أن الرجل عالم حقاً، قال وأحببته مُذ ذاك، لم يُحِبه لعلمه، إنما أحبه لتحقَّقه بالمعنى الإلهي، معنى العدل والعدالة التي قامت بها السماوات والأرض، حتى وإن اختلفت معك لا أظلمك، لأن محمداً سيده ومُعلِّمه الأول والأكبر علَّمه أن يقول اللهم إني أسألك كلمة الحق في الرضا والغضب، حتى حين أرضى وحتى حين أغضب يجب أن أكون عادلاً، حين أغضب وأصرم وأقطع يجب أن أكون عادلاً، هكذا يُتوسَّل إلى الله ويُزدلَف إليه بالعدل سُبحانه وتعالى.
من عدلهم على ظلمهم ما يُحكى أن المنصور لما مات سلمة بن سعيد كتب لعامله الآتي، وكان للمنصور عليه ديون طائلة وللناس من العامة عليه ديون كثيرة، فكتب المنصور – أبو جعفر، الخليفة العباسي الكبير – إلى عامله، يقول له إذا جاءك كتابي هذا فخُذ لي بحقي وديني من تركة سلمة بن سعيد، فجاء الكتاب وكان الوالي من أهل العدل والتقوى، فلم يعبأ به، ألقى بالكتاب، ثم أتى بالتركة ووزَّعها أسهماً وقسَّمها في الغُرماء، أي لكل إنسان ما يكون له، وهذه القسمة الشرعية، وضرب للمنصور بسهم واحد كغريم من الغُرماء، ثم كتب إليه، وطبعاً هذا قد يُكلِّفه عُنقه، وأقل شيئ قد يُكلِّفه منصبه، لا يهمه لا عُنقه ولا منصبه، هذا الإيمان، انتبهوا! هذا الإيمان، لا أن نبيع إيماننا ومواقفنا ورجولتنا وقناعاتنا حتى قبل أن نشتم رائحة منصب أو رائحة مصلحة والعياذ بالله، هذا هو! وأنتم تفهمون حقاً معنى هذا الكلام وكيف تقع مُخالَفته بالطمع وبالتشمم، لكن رضيَ الله عنهم، وأين نحن منهم؟ كتب إليه يا أمير المُؤمِنين قد وصلني كتابك وليس يخفى علىّ ما فيه، لكنتني جعلتك كغريم من الغُرماء، وضربت لك بسهم، وهذا ما أمر به شرع الله والسلام، فبعث إليه المنصور – رحمة الله عليه – الأرض بك مُلئت عدلاً، وثبَّته! لأنه كان رجلاً، لم ير في الوفاء للمبدأ انتقاصاً من حُرمة شخصه، كما يرى الصغراء، أصحاب الصغار النفسي والعقلي يرون في مثل هذا التصرف انتقاصاً لهيبتهم، لأنهم صغار، الكبار يستمدون عظمتهم وخصبهم وغناهم وقوة شخصياتهم من الوفاء للمبادئ، من التحالف مع المبادئ، وليس من البراءة والكفر من المبادئ والقيم والأخلاق العُليا، لذلك كان رائدهم قول الفاروق رحم الله امرأً أهدى إلينا عيوبنا، بالعكس! هذا سنُحِبه، سنُقدِّره، سنضعه فوق رؤوسنا من فوق، ولن نرى فيه هدماً وتحدياً لشخصياتنا الضعيفة، لأنها ضعيفة فعلاً حين تكون ضعيفة، والقوي يتصرَّف بقوة وبسلاسة حين يكون قوياً، هؤلاء كانوا أقوياء!
وعلى ذكر المنصور خطرت لي الآن قصة مُؤثِّرة، جاءه رجل مرة وقد ظلمه أحد ولاة المنصور ضيعته، أخذ أرضه بما فيها من أبنية وأشياء، الضيعة أخذها! فجاء الرجل واستأذن فأُذِن له، فدخل على أبي جعفر وقال أصلح الله أمير المُؤمِنين، أأذكر شكاتي أم أضرب قبلها مثلاً؟ قال بل اضرب مثلاً، هذا حُسن التوسل! كيف يُترجِمون عن شكاواهم وعن مطالبهم؟ أصلح الله أمير المُؤمِنين، أأذكر شكاتي أم أضرب قبلها مثلاً؟ قال بل اضرب مثلاً، قال يا أمير المُؤمِنين إن الطفل – عافاك الله – إذا أراد أن يشتكي اشتكى إلى أمه، ظناً منه أنه لا ناصر له إلا هي، فإذا اشتد وترعرع تركها وصار يشكو إلى أبيه، لأنه يراه أقوى منها وأمنع، حتى إذا بلغ مبلغ الرجال رأى أن الوالي أحق بأن يُشتكى إليه، لأنه أقوى وأنفذ من أبيه، حتى إذا استحكم عقله وعلا مقامه توسَّل في الوصول إلى السُلطان، لأن السُلطان هو السُلطان، فيا أمير المُؤمِنين فإن لم يُنصِفه ويُشكه – شكى فأشكاه، أي أزال شكاته، رد مظلمته، فإن لم يُنصِفه أي السُلطان، ويُشكِه، أي يُزيل شكواه ومظلمته – عاد بشكواه إلى الديّان، لعلمه أنه فوق كل ذي سُلطان، ويا أمير المُؤمِنين قد ظُلِمت، فإما أنصفتني وإلا فأنا مُتوجِّه إلى بيت الله الحرام الموسم، فداعٍ هناك، قال لا يا عبد الله، والله شيئ تقشعر له الأبدان! ما هذا الفقه؟ ما هذه العقول الربانية؟ ولذلك أنا أقول لكل مظلوم لماذا نُظلَم ولا يُنتصَر لنا؟ هل تعرفون لماذا؟ لأننا لا نعرف كيف ننتصر، لا نعرف كيف ننتصر! ننتصر بالسباب، بالشتائم، بالقذف، بالنكات، بالكلام الفارغ، وبالإرهاب أحياناً وقتل الأبرياء، يشكو ظلم الحاكم ثم يقتل أطفال المدارس والسوّاح – أي السائحين – والناس في الشوارع، ما هذا الجنون المُنفلِت؟ ليس هكذا! فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ ۩.
قد يقول مظلوم يا مولانا هل تُعطيني طريقةً أو أسلوباً أنني إذا ظُلِمت لُبيت دعوتي وحصلت غلبتي وانتصاري مِمَن ظلمني؟ وأقول له أنت مسكين، أنت جاهل يا مسكين! في الصحيحين لما بعث – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً – مُعاذاً إلى اليمن في الحديث الصحيح المشهور جداً قال له يا مُعاذ واتق دعوة المظلوم، إياك والظلم، إياك أن تظلم أحداً، في عرضٍ أو مالٍ أو بدنٍ، واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب، هل يُريد المظلوم بُشرى أعظم من هذه البُشرى؟ كل مظلوم الخط مفتوح أمامه تماماً إلى رب السماوات والأراضين، فقط قم في الليل يا رجل، مَن الذي يحول بينك وبين الماء؟ توضأ بهذا الطهور المُبارَك واستقبل قبلة ربك وادع أن ينتصر لك، دون أن تُكثِر الكلام والسباب والإقذاع والنكات، اسكت! والله لن يُضيِّع الله هذه الدعوات الواجفات، وسينتصر من هؤلاء الظلمة مُباشَرةً، لكننا أمة حتى جهلت دينها، هل تعرفون لماذا؟ لأننا شركاؤهم في الظلم، نحن شركاؤهم! كل واحد منا لو تسلَّط أو تهيمن يظلم مَن تحته دون أن يشعر، يظلم دون أن يشعر، اسألوا الرجال كم ذا يظلمون أزواجهم! اسألوا الرجال كم ذا يظلمون أبناءهم وبناتهم! اسألوا الناس كم يتظالمون! اسألوا المُدرِّسين والمسؤولين في الإدارات والمُديريات كم يظلمون مرؤوسيهم! اسألوا، لأننا شركاؤهم في الظلم، ولذلك لا نعرف طريق الانتصاف من هذا الظلم، والظلم يعم ويطم كل يوم ويزيد، يخنقنا ويُمرِّر حياتنا ويُسوِّد عيشنا، الظلم – والعياذ بالله – أحال حيتنا إلى حياة أشبه بحياة الحشرات والديدان، لا معنى لها!
فرحت جداً بكلمة أخي أمس، وأنا مُعجَب بخصال كثيرة في هذا الرجل، سُبحان الله! وهو من الناس الأخفياء، هكذا هو من الأتقياء الأخفياء، والله! شيئ عجيب هذا، مثالي في نظري الرجل، قال لي – وهو من الذين يتحدَّثون قليلاً، لكن يفعلون كثيراً – لي أمنية واحدة في الحياة، قلت ما هي يا أخي؟ قال أن أبقى أقول بما أعتقد – أي بكلمة الحق – دون أن أخاف من أحد إلا الله، قلت ما شاء الله، أعظم أمنية! هي ما تجعلك إنساناً، رجلاً، حراً، وأبياً، كما أرادك الله! الله لم يجعل لأحد سُلطاناً على قلبك، فلِمَ يكون لأحد سُلطاناً على لسانك؟ لتقل قناعتك ولتُضح مصلحتك ولتُضح صداقتك ولتُضح مصالح الناس ورضاهم، قل ما أنت مُقتنِع به، قل ما يشهد لك عند الله تبارك وتعالى، ولا تحقرن نفسك، هكذا تتحقَّق إنسانيتك.
ونعود إلى الظلم والظلمة، كما قلت كم ذا نتظالم نحن! أقول هذا للذي لا يعدل بين أزواجه أو بين أبنائه، تلونا عليكم في خُطبة العيد المُبارَك حديث النُعمان بن بشير الذي أعطاه والده هديةً أو صدقةَ من ماله تصدَّق بها عليه، فأمه – رضيَ الله عنها وأرضاها – قالت له لا، عمرة بنت رواحة قالت لا، حتى تُشهِد الرسول يا أخي، ما أعظم هذه المرأة! ما أعظمها! هل نحظى بأمثال هؤلاء النسوة الآن؟ أنا أتساءل وأتمنى، هل نحظى إن شاء الله؟ إن شاء الله، كثَّر الله أمثالها، فجاء الرجل – وسمعتم الحديث – إلى النبي، فقال لا، فإني لا أشهد على جور، لا تُشهِدني على جور، أي على ظلم! قال ما لم تُعط بقية أبنائك مثله فأنا لا أشهد، انتبه أيها الأب ولا تُفرِّق، والنبي قال في حديث آخر أو في رواية أُخرى في نفس القصة والسياق – وهي مُخرَّجة أيضاً في الصحيحين – اتقوا الله أيها الناس واعدلوا في أولادكم، اعدلوا! العدل ليس أمام القاضي في المحكمة فقط، العدل دائماً في كل الساحات، كل ساحات التعامل هي ساحات قضاء ومحاكم ربانية، فانتبه واعدل، اعدل في حُكمك، في كلامك، في نقدك، وفي نظرك.
أنا الآن – والله شيئ مُخيف هذا، لم أكن ألتفت إليه كثيراً، وأُحاوِل أن أُطبِّقه – حتى في نظري إليكم سأُسأل، سأُحاسَب على هذا يوم القيامة، ما ظنكم؟ أنتم الآن جموع تستمعون، يجب أن أُوزِّع نظري بالتساوي وإلا سأُحاسَب على هذا، هل سمعتم مثل هذه العدالة في دين من الأديان وفي شرع من الشرائع؟ أبداً، شيئ عجيب، دين! ولها طابعها القدسي الدياني، وليس القضائي.
قال الحسن البِصري إن المُعلِّم إذا قُوطِع على الأجرة فلم يعدل بينهم كُتِب من الظلمة، المُعلِّم أو المُلا أو الشيخ في الكتّاب وفي المسجد إذا قُوطِع على الأجرة – إذا كان يأخذ أجره – وكان لا يعدل بين المُتعلِّمين جاء ظالماً يوم القيامة، ومثله رُويَ عن مُجاهِد بن جبر تَلميذ ابن عباس، وسأحكي لكم قصة تُبكي قلوب الخاشع، قصة قال فيها الشيخ الإمام – شيخ وزينة القرّاء من عصره إلى عصرنا هذا – ابن الجزري قدَّس الله سره – محمد بن محمد بن محمد بن الجزري، صاحب الكُتب الماتعة الحفيلة في القراءات، قال في غاية النهاية الآتي – وهذا على ما نعلم أشرف ما وقع لشيوخ هذه الطائفة، بل لا نعلم وقع مثله في الدنيا كلها، أي والله ما وقع مثله في الدنيا كلها، وربما في تاريخ الدنيا! عن ماذا يتحدَّث؟ استمعوا.
هناك قصة عن الشيخ المُقرئ الضرير الإمام الشاطبي، ليس الشاطبي الأصولي النحرير صاحب المُوافَقات والاعتصام، كلا! هذا مُتأخِّر جداً، ذاك مُتقدِّم، الشاطبي المُقرئ، والشاطبية منسوبة إليه، قدَّس إليه سره، وكان ضريراً، وكان يُدرِّس علم القراءات – قراءات كتاب ربه سُبحانه وتعالى – في المدرسة الفاضلية بالقاهرة، تحديداً بدرب الملوخية، وبناها القاضي العادل أحمد بن عبد الرحيم البيساني، بدرب الملوخية بالقاهرة، وسماها الفاضلية، نسبة إلى القاضي الفاضل، أحد قُضاة صلاح الدين، أعظم قُضاة وخُطباء صلاح الدين القاضي الفاضل، معروف! أحمد بن عبد الرحيم البيساني، وجعل شيخها الإمام الشاطبي المُقرئ، شيخ القراءات! قدَّس الله أسرارهم أجمعين، وكان هذا الشيخ الضرير – قدَّس الله سره – يُصلي الصُبح بغلس، أي في أول وقته، اختلاط الظُلمة بشيئ من النور! أي يُبكِّر، ليس بسفر وإنما بغلس، ويقعد – قدَّس الله سره – ليأخذ عليهم، أي ليستمع ويُصحِّح القراءات، فيتسابق الناس السُرى إليه، يسيرون عامة الليل من كل أنحاء مصر، حتى يأتي كل واحد أولاً، فيقرأ على الشيخ أولاً والشيخ في همته ونشاطه، يسيرون في الليل، الحرص على العلم! ليس الكفر بالعلم والتكبر على العلم والاستهتار بالعلم، يسيرون الليل عند هذا الشيخ الصالح، قدَّس الله سره، ولم يكن يزيد إذا قعد أو استوى قاعداً – قدَّس الله سره، وكان قليل الكلام جداً، هذه صفة الصالحين الكبار – عن قوله مَن أتى أولاً فليقرأ أولاً، بالدور! هذا عدل، مَن يأتي في الأول يقرأ في الأول، وليس عنده هذا صاحبي أو ابني أو قريبي، هذا كله ليس عنده، الذي يأتي أولاً – أياً كان – يقرأ أولاً، هكذا! هذا عدل، وهذه كانت طريقة مشايخنا في التعليم، العدل! ويُسوِّون – كما قلت لكم – بين تَلامذتهم في النظر، مَن الذي أدَّبهم هذا الأدب العالي الرائق؟ محمد، صلى الله عليه وسلم، الذي أدَّبه ربه فأحسن تأديبه.
يقول الإمام عليّ في الحديث الشهير في صفة النبي والذي أخرجه الترمذي في الشمائل، يقول الإمام عليّ حتى كان جليسه يظن ألا أحد أكرم عليه منه، كل واحد من الجُلساء يظن أنه أكرم واحد على الرسول، لماذا؟ لما يُوليه من رعيه واهتمامه ونظره، ينظر إليه ويبتسم له، ثم ينظر إلى هذا وإلى هذا وإلى هذا، ويُوزِّع على الجميع، بالعدل! هذه صفة المُعلِّم الرباني، وَلَٰكِن كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ ۩، كل واحد يظن أنه أكرم واحد عند رسول الله، وهو ليس كذلك، كلهم كرماء، ثم يتفاضلون بأشياء أُخرى، وهكذا الشيخ الشاطبي!
اسمعوا العجيبة، كرامة من كرامات الله لهذه الأمة الوسط العدل، فجاء يوماً أحد أصحابه – أصحاب الشيخ، صديق للشيخ شخصي، ليس فقط هو طالب عنده، هو طالب وصديق، بينهما علاقة – مُبكِّراً، بكَّر فجاء أولاً وجلس، فلما استوشكه قاعداً – وطبعاً جاء آخرون – قال – قدَّس الله روحه الكريمة – مَن أتى ثانياً فليقرأ، فذُهِل الأول – أي صاحبه – ولم يدر حاله، لِمَ؟ طريقة الشيخ من سنين طويلة مَن أتى أولاً فليقرأ، ما الذي عدا مما بدا؟ وجعل يفتكر، أي يتفكَّر، حتى عرف العلة، قال ما الذي وقعت فيه مُذ فارقت الشيخ ليلة أمس – يُفارِقون ساعات ثم يعودون إليه، وهكذا! علم مُتواصِل – مما أوجب حرمانه لي؟ حرمني هكذا وكسر بخاطري، لماذا؟ فيها علة وفيها سر، فتذكَّر أنه أجنب في الليل، مسه الشيطان بجنابة، ولفرط حرصه على النوبة – أن يكون الأول وأن يتبرَّك بأن يكون الأول بين يدي شيخه – نسيَ ونسيَ أن يغتسل، تذكَّر فانسل خجلاً، والشيخ أعمى، أستغفر الله، كلا! والله ما هو بأعمى، والله! الأعمى هو مَن عميَ عن ربه، وليس مثل الشاطبي قدَّس الله سره، لا! أستغفر الله، والشيخ قاعد ضريراً، لم يدر به، فانسل إلى حمام بجوار الفاضلية واغتسل وعاد، ولما يفرغ الثاني، كان يقرأ! فلما فرغ والشيخ لم يشعر به – دخل وخرج على ما نعلم – إذا به يقول مَن أتى أولاً فليقرأ، قال ابن الجزري لا نعلم مثل هذا وقع في الدنيا، كيف طُولِع الشيخ وكُوشِف بجنابة الرجل؟ هذا هو العلم، نسأل الله أن يُعلِّمنا مثل هذا العلم وأن يُحقِّقنا بمثل هذه الأحوال، وإلا فلا كان العلم ولا كان التعليم، العلم الحنظل والعلم المُر! علم النفاق والرياء والمِراء، علم الفُرقة بين الأمة، هذا هو العلم الرباني، هذا هو العلم النافع، هكذا! رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه.
العدل يا إخواني في كل شيئ، ليس فقط في الأموال وما إلى ذلك، في كل شيئ! يجب أن نُراعي جانب الله – تبارك وتعالى – وأن نعدل.
نسأل الله – تبارك وتعالى – أن يُعيننا على ذلك وأن يُخلِّقنا به، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، فيا فوز المُستغفِرين!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(الخُطبة الثانية)
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديدٌ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، القائل وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ۩، والقائل – سُبحانه من قائل – كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ ۩، ولو أدى أن تشهد على نفسك بالحق، قل نعم، أنا كنت الأظلم، أنا كنت البادئ، أنا كنت المُخطئ، أنت أدِن نفسك، أنت أدِن نفسك وجرِّم نفسك، هذه وصية الله إليك، انتبه! هذه وصية الله إلينا إذا أردنا أن نكون من رجال الله وأن يُعرِّفنا الله به وأن يصل حبلنا بحبله، هذه وصيته! علينا أن نُطيل الاستماع والبخوع والخضوع لها، قال وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُوا ۩، وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله، صَلَىَ الله – تعالى – عليه وآله وأصحابه وسَلَّم، القائل مَن اقتطع حق مُسلِم بيمينه أوجب الله له النار وحرَّم عليه الجنة، انتبه! الحديث في صحيح مُسلِم، أوجب الله له النار وحرَّم عليه الجنة، تقول لي حتى لو كان بسيطاً؟ حتى لو كان عشرة يورو أو خمسة يورو، انتبه! إياك أن تقتطع وتتغوَّل حقاً لمُسلِم بيمينك، لا تقول والله كاذباً، إياك! إياك من هذا الحلفان ومن كثرة الحلف بالله كذباً خاصة لكي تأكل حقوق الناس، وإذا شككت هل هذا حقي أو حقه فقل لا يا أخي، هو حقه، هو حقه!
هذا الرجل الفاضل حدَّثني حديثاً عن خاله، كم أنا أُحِب هذه الأحاديث! هل تعرفون لماذا؟ لأنها تُؤكِّد أن هذه الأمة لا تزال أمة محمد، هكذا تكون أمة محمد، لا كما تُريد أن تكون هي أمة محمد، لا! ليست بالدعاوى، هكذا إن شاء الله، لا تزال بخير، لا يزال فيها أهل الخير، لا يزال فيها بعض السُبّق، أي بعض السابقين، قليل فيها السابقون، لكن فيها السابقون، اللهم اجعلنا منهم بفضلك ومنّك، عمل خاله مُحامياً لرجل من أصحاب الملايين – لن أذكر اسمه، كلاهما أيضاً ترحَّل إلى الله تبارك وتعالى، رحمة الله عليهما – سنوات خمس، وكان مُحامياً مدرهاً ذكياً وحاذقاً، وكان الاتفاق أنه إذا كسب القضية وأعاد لهذا المليونير الكبير أمواله وهي بالملايين أن يأخذ منها – لا أدري بالضبط المبلغ، هو حاضر فاسألوه – عشرة أو عشرين في المائة، وخمس سنوات يعمل ليل نهار، وكسب القضية وأعاد الحق إلى صاحبه المليونير والمُحسِن الكبير كما يُترجَم عنه في الكُتب التي طبعها على نفقته للأسف وباسمه، رياء كبير! غفر الله للجميع، ليس هكذا الإحسان، الإحسان كما يفعل إخواننا هنا بحمد الله تعالى، أنا فخور بهم، وحُقَّ لي أن أفتخر بهم، عشرات الآلاف تأتي – والله – دون أن يكتب واحد اسمه، ما رأيكم؟ بعد ذلك صارت تأتي مظاريف فيها الآلاف وعشرات الآلاف وأكثر من ذلك – والله – دون أن يُكتَب فيها شيئ، لأنهم عرفوا أن عدنان – مثلاً – عرف أن هذا الظرف من هذا الرجل لأنه بنفس الخط، فتورَّع صاحبه أن يكتب بخطه، قلت ما هذا؟ أنا أسألهم الدعاء بظهر الغيب، أُقسِم بالله! هؤلاء هم الصُلحاء، هم العُرفاء، هؤلاء رجال الله، هؤلاء المُتاجِرون مع الله!
بعض الناس غير مُستعِد أن يتبرَّع حتى بعشرة يورو، هل تعرفون لماذا؟ حين يتبرَّع هنا مَن الذي يعرف؟ لا أحد، الله فقط! لذا لا يُريد، هو يتبرَّع لأهل بلده، وهم يعرفون أنه هو الذي تبرَّع، يُعطي لأمه أو لأخته ويقول ضعي هذا للفقراء، ثم تقول هذا من فلان الفلاني، وهو يعرف هذا، مسكين هذا! انتبه وإياك أن تكون أُضحوكة ولُعبة بيد الشيطان، اعرف كيف تُتاجِر مع الله، إذا أردت أن تُتاجِر فلتفعل مثل هؤلاء الأماجد، ما شاء الله! شيئ عجيب، فهذا الرجل كان من هذا الطِرز، وكان عالماً من علماء الدين، أي هذا المُحامي، كان عالماً وكان من أهل الله، رحمة الله عليه رحمة واسعة، طبعاً هو أعطاه بعض الأتعاب البسيطة، على الحساب كما يُقال، أشياء بسيطة جداً جداً، لا تأتي ربما واحد من عشرة آلاف مما اتفقوا عليه، أقل بكثير، ولا شيئ! ثم بعد ذلك قال له ها نحن قد كسبنا القضية والحمد لله، فالآن الوفاء بما كان بيننا من شرط، قال شرط ماذا يا رجل؟ قال الشرط أنك قلت تُعطيني عشرة أو عشرين في المائة، قال يا أخي هل أنت مجنون؟ قال هذا مال كثير، قال لكن أنت أخذت على نفسك هذا وعلى هذا تواعدنا وتعاقدنا، قال لا، هذا لا يكون أبداً، قال أنت حر، قلت له عجيب، أهكذا؟ وطبعاً المسألة تأخذ في الملايين ربما أو قريب من هذا، من المُفترَض أن يعود له هذا المال في حسابه، فقال له أبناؤه يا أبتِ أو يا أبانا ارفعه إلى القاضي، ارفع عليه قضية، قال يا أبنائي الدنيا أعجل من هذا، قدَّس الله روحه، قلت هل بقيَ في الناس مَن يُفكِّر بهذه العقلية؟ رجل رباني هذا ومُتصِل بالله، رحمة الله عليه رحمة واسعة، قال يا أبنائي الدنيا أعجل من هذا، ليس لدينا وقت نقضيه في المحاكم ونُضيِّع أعمارنا، لا! لنحتفظ بأعمارنا ونجعلها خزانة للعمل الصالح والذكر والعبادة، وتركه! قالوا فادع عليه، قال لا أدعو عليه، ولكن أُوكِّل أمره إلى الله، كيف أدعو عليه؟ لماذا أدعو عليه؟ رحمة الله عليه رحمة واسعة، هذا هو المُحسِن، وليس ذاكم المُرائي الذي يكتب على صفحات الكُتب الأولى طُبِع على نفقة المُحسِن الكبير فلان الفلاني، غفر الله له ولوالديه وللمُسلِمين أجمعين، كلام فارغ! كله كذب هذا، والله العظيم! كذب على أنفسهم وليس على الله، على أنفسهم وعلى المُحسِنين، المُحسِن هو هذا، هذا الذي يعرف الله، هذا الذي يُعامِل الله، لكن أين العدالة؟ وأين العدالة؟
ألم يسمع المُحسِن الكبير الذي كان يطبع كُتب التفسير وكُتب السُنة المُحمَّدية بهذا الحديث الجليل من صحيح مُسلِم: مَن اقتطع مال مُسلِم بيمينه أوجب الله له النار وحرَّم عليه الجنة؟ المسألة يا أحبابي – يا إخواني ويا أخواتي – ليست بالشطارة ولا بالفهلوة، المسألة ابتلاء، والله العظيم! والله كل واحد منا يُبتلى، والله يُبتلى بطريقة وبأُخرى، فانتبه! دائماً أنت تُبتلى، فاحرص أن تكون من الناجحين في الابتلاء، إياك أن ترسب، إن رسبت فأنت الخسران في الدنيا والآخرة، وبعد ذلك هناك أشياء لا تُعوَّض.
سأختم بوصية لنفسي وإياكم، أهواؤنا، سيئاتنا، ونقائصنا الباطنية والنفسانية هي مثل العُشب الصغير الأخضر الغض الطري، تعرفونه! أنا رأيت هذا بعيني وعشته، عشته تجربة واعتبرت، والمُؤمِن لابد أن يكون له في كل شيئ فكرة، ليستخرج من كل شيئ عبرة، العُشب الصغير هذا الطري الرطب الغض إذا تركته شهرين أو ثلاثة وحاولت بعد ذلك أن تقصه بكل هذه الآلات – أي الماشينات Machines كما يُقال – لن تستطيع وسيُعطِبها، لأن هذا العشب سُقيَ وتُرِك، فترعرع، شب، وبدأ يخشوشب، قال لي أحدهم أنت لا تدري يا شيخ أنك إذا تركته خمسة أو ستة أشهر يُصبِح صلباً ويُصبِح خشباً حقيقياً، شهواتنا هكذا، انتبهوا! نقائصنا هكذا، إذا تركناها ولم نهتم بها ولم نُعالِجها حقيقةً ولم نُواجِهها حقيقةً وعلمنا أنها مُهلِكات – يجب أن نعرف أنها مُهلِكات مُرديات – ستُدمِّرنا، ستُدمِّر دنيانا وآخرتنا، فيجب أن نجتزها أولاً بأول، انتبهوا! وهي تعود تنبت مثل هذا العُشب، هذا العُشب في آية، لابد أن نقوم بحنجها وجزها أولاً بأول، دون أن نتساهل فيها ودون أن نقول هي أشياء بسيطة يا أخي، ليس فيها شيئ، شيئ بسيط هذا، كذبة من هنا، نظرة من هنا، تدليس من هنا، هذا نوع من الخداع والشطارة، نعم نأخذ به حقوق الناس لكن ليس بطريق النهب أو السلب أو السرقة، لأن هذا نوع من الفهلوة، إياك يا رجل، إياك والله! ستؤول سرّاقاً كبيراً، وتؤول كذّاباً دجّالاً، وتؤول آكلاً لأموال اليتامى والمساكين وحقوق المُسلِمين دون أن تدري، ستؤول زنديقاً دون أن تعرف، وهذه خُطوات الشيطان التي نُهينا عن أن نتبعها، لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۩، لم يقل مشوار الشيطان أو حتى لم يقل طريق الشيطان، قال خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۩، لأن الشيطان يستخطيك خُطوة خُطوة، تزل خُطوة فيستخطيك ثانية، حتى نرى نفسك وقد هلكت، أسأل الله لي ولكم العصمة والسداد.
اللهم إني أسألك بأسمائك الحُسنى وصفاتك العُلا أن تمنّ علينا من لدنك برحمة تهدي بها قلوبنا، وتجمع بها أمورنا، وتلم بها شعثنا، وتُزكي بها عملنا، وتحفظ بها غائبنا، وترفع بها شاهدنا، وترد بها ألفتنا، وتعصمنا بها من كل سوء، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم اهدنا فيمَن هديت، وعافنا فيمَن عافيت، ولا تبتلنا فيمَن ابتليت، وإن ابتليتنا فثبِّتنا وصبِّرنا وأنجِحنا ووفِّقنا، برحمتك يا أرحم الراحمين.
نسألك فعل الخيرات، وترك المُنكَرات، وحُب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك منها غير مفتونين ولا مُبدِّلين ولا مُغيِّرين، ولا تبعثنا خزايا ولا نادمين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم اغفر لنا ما كان منا، اللهم أحسِن إلينا فيما بقيَ من أعمالنا، كما أحسنت إلينا فيما مضى من أسناننا، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم إنا نسألك أن تجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أعمارنا أواخرها، وخير أيامنا يوم نلقاك يا رب العالمين، أحينا على شهادة أن لا إله إلا الله، محمد رسول الله، اللهم اجعلها حليفنا في ليلنا ونهارنا، في سرنا وظاهرنا وباطننا، في يُسرنا وعُسرنا ومنشطنا ومكرهنا، وفي كل حالنا، اللهم اخلطها بدمائنا وعروقنا وأبشارنا وعظامنا وشعرنا، يا رب العالمين، أحينا عليها وعليها أمتنا، وابعثنا عليها يوم نلقاك غير خزايا ولا مكسورين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩.
_________
فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ۩، قوموا إلى صلاتكم يرحمني ويرحمكم الله.
(12/10/2007)
أضف تعليق