إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. مَن يهده الله، فلا مضل له. ومَن يُضلل، فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، ولا نظير له، ولا مثال له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله، وصفوته من خلقه، وأمينه على وحيه، ونجيبه من عباده. صلى الله تعالى عليه، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته المباركين الميامين، وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.
عباد الله:
أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أحذركم وأحذر نفسي من عصيانه سُبحانه ومخالفة أمره، لقوله جل من قائل مَّنْ عَمِلَ صَٰلِحًا فَلِنَفْسِهِۦ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّٰمٍۢ لِّلْعَبِيدِ *.
ثم أما بعد/
أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات/
يقول الله جل مجده في كتابه العزيز، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم:
قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ * أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ * أَمَّن جَعَلَ الأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ * أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلا مَّا تَذَكَّرُونَ * أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ * أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * قُل لّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ * بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا بَلْ هُم مِّنْهَا عَمُونَ *
صدق الله العظيم، وبلغ رسوله الكريم، ونحن على ذلكم من الشاهدين. اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط. آمين، اللهم آمين.
إخوتي وأخواتي/
هذا السياق الجليل المُزلزل من سورة النمل، يُمكن أن يتناوله المؤمن من زوايا عدة! كل منها تصلح أن تكون زاوية مركزية وأساسية لفهم هذا السياق الجليل الكريم.
إحدى هذه الزوايا؛ مثل هذه الآيات تبعث برسالة صادعة زاعقة واضحة، لكل مَن استعلن بالإيمان والإسلام لله تبارك وتعالى! رسالة لكل مَن استعلن بالإيمان والإسلام؛ أسلم وجهه لله تبارك وتعالى.
هذه الرسالة مزيدا – أي تُطالب وتدعو مزيدا -؛ مزيدا من العرفان، مزيدا من التفكر، مزيدا من التأمل. هذه الآيات تبغي وتقصد إلى أن تُخرجنا من حالة الغفلة، ومن حالة الاعتياد البليدة، التي تتبلد معها حواس الإنسان، بل تخمل معها وبها وبسببها ملكات الإنسان العقلية! بسبب حالة الاعتياد.
هذه الآيات – أيها الإخوة – تُريد أن تبعث فينا حالة مُقابلة، حالة مُعارضة، وحالة مُختلفة عن حالة الاعتياد هذه، أَمَّنْ *… أَمَّنْ *… أَمَّنْ *… أَمَّنْ *… أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ *…، ولم يقل تبارك وتعالى أرب مع الله! وسوف نرى العبرة، أو شيئا من العبرة، والحكمة في ذلك، في هذا العدول عن نعت الربانية إلى وصف الإلهية.
ولذلك – إخوتي وأخواتي – الأمة المسلمة اليوم، نحن معاشر المسلمين، أجدر وأقمن الناس أن نستجيب لهذه الرسالة الإلهية؛ لأننا تقريبا عديمو المعرفة فيما يتعلق بالعلوم الطبيعية والكونية. لا نكاد نُساهم بشيء، لا نكاد نعرف شيئا!
مَن يعرف منا، إنما يُردد نزرا يسيرا، مما كشف عنه غيرنا، بالجهود والعرق والأموال والسهر والتعب وتطويل الفكرة! عيب، خزي والله، شيء مُحزن، أن أمة هذه الآيات، أمة هذا الكتاب العزيز، لا تكاد تعي شيئا من آيات الله في الآفاق، لا تكاد تعي شيئا! لا تكاد تفهم شيئا من هذه الآيات. ولذلك تجد المسلم عرفانه بالله ضعيف جدا، ضعيف جدا!
حدثتكم ربما في الأسبوع الماضي عن مسلمة صالحة، فيما يبدو وفيما يظهر لها عند نفسها من نفسها، بل كانت تكتب القصائد والمكتوبات، تُوجهها إلى رب العزة، لا إله إلا هو! تكشف فيها وتُبين عن مدى حُبها وتعشقها لله، هكذا تقول!
ومع أول محنة بسيطة – لا بُد أن يُمتحن بأعظم وأجسم منها كل واحد منا، لا استثناء -؛ فقدت صديقتها، بدأت تُجدف على الله تبارك وتعالى! حتى أنها فقدت إيمانها في ساعة! قالت له لست بإله، الذي يفعل هذا!
عجيب! أين المحبة؟ وأين العشق؟ وأين المعرفة؟ يبدو أنها أوهام! أوهام محبة، وأوهام عشق، وأوهام ادعاء. يبدو أن الله في صدرها ليس أكبر من جبل! ليس حتى أكبر من حائط! لماذا؟ ما سر هذا التعبير الجريء مني – وأستغفر الله، اللهم غفرا، إن زل اللسان أو زلق الجنان -؟
لأنها لو كانت تمشي بعربتها، بسيارتها، بدراجتها، وصدمت بحائط أو صدمت بجبل، فإنها لن تقف تُجدف في حق هذا الجبل أو الحائط وتلعنه وتُحاول أن تُزيله من مكانه. تعرف أنها لا تستطيع؛ لأنه حائط.
بالعامية يقولون اضرب رأسك في الحائط! هكذا يقولون! فكيف لو كان هذا الحائط خرسانيا مُسلحا أو كان جبلا؟ يبدو أن الله عندها أضعف من جبل، أقل من جبل! لذلك هي تُجدف عليه.
مثل هذه الامتحانات الصعبة جدا، المُزلزلة، تكشفنا، تفضحنا أمام حقيقة دعاوى الإيمان فينا. ولذلك لا تستغربوا ولا تعجبوا من مسلم يُصلي ويصوم ويختلف إلى بيوت الله، ويسمع الخُطب والمواعظ – أيها الإخوة -، ثم هو يتغول أموال الناس، ثم هو يحلف باسم الله كاذبا، ثم هو يجترئ على انتهاك محارم الله، الكبائر والفواحش، عجيب!
ثم لا يزال عند نفسه، في حُسبانه وظنه، المؤمن الصالح الرائع! الرائع! ربما خاطب ربه، كما خاطبه ذلك الموهوم المُشتبه؛ قدير يا رب أنك خلقت هذا الإنسان الرائع! يُشير إلى نفسه، هو عند نفسه رائع استثنائي، هو استثنائي وليس اعتياديا. كل هذا من قلة المعرفة!
مثل هذه الآيات تفتح لنا كوة، نافذة، تشق وتنهج لنا طريقا، إلى معرفة الله تبارك وتعالى، هو من أعظم وألحب وأضمن الطرق لمعرفته تبارك وتعالى! طريق يجعلك تُدرك تماما، تماما، حجمك بإزاء طرف يسير، يكاد يكون قطرة في مُحيط قدرة الله، من قدرة الله! تُدرك طرفا يسيرا من قدرة الله، من جلال الله، من عظمة الله! قطرة من مُحيط عظمة الله! التأمل في الأكوان، التأمل فيما خلق الله تبارك وتعالى.
وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى *، المُصطفون هم المُرسلون والنبيون، الذين لم يُجدفوا في حق الله تبارك وتعالى، ولم يتخونهم انهزام، أو بلاء عظيم حل بساحتهم أو أصابهم، لم يتخون إيمانهم، فضلا عن أن يجتافه ويجتثه من جذوره، أبدا!
لذلك لهم السلام، هم دُعاة السلام ولهم السلام، قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى *، سلك الله بي وبكم وبكل إخواننا من المسلمين والمسلمات طريق المُرسلين؛ ليكونوا قدوتنا وأسوتنا ورادتنا.
آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ * أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ *، السَّمَاوَاتِ *؟ السَّمَاوَاتِ *! وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ *، هل أفلح وهل يُفلح البشر في أن يخلقوا مُجرد بذرة؛ Seed، بذرة واحدة؟
حتى لو جاءوا بالبرنامج الوراثي، واستنسخوه كما هو، وصنعوا بذرة، لن يكونوا فعلوا أكثر من أنهم قلدوا، هم قلدوا! لكنهم لم يخلقوا، لم يُبدعوا، لم يُنشئوا، هم قلدوا! على أنهم لم يُقلدوا إلى الآن.
لم يُقلدوا إلى الآن! لم يخلقوا بذرة، تنبت وتُصبح دوحة فينانة! لم يحدث هذا، ولو حدث، لكان محض تقليد، ليس إلا! على أن هناك التبجح البشري، وهذا التبجح يعظم نصيب المرء منه بقدر جهله بالله، بقدر بُعده من الله، بُعده من الله تبارك وتعالى!
وللأسف الشديد يقف المرء على نماذج كثيرة من هذا التبجح الفظيع الغليظ، لأُناس في الغرب هنا، يدّعون المعرفة والعلم، من العلمويين الذين ألّهوا السُلطان البشري، سُلطان العقل والعلم البشريين، و: نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ ۚ *، يتبجحون بطريقة غريبة جدا، تُثير الاشمئزاز.
اللورد جيفري Lord Jeffrey – وتبحث عنه؛ اللورد جيفري Lord Jeffrey هذا! مَن هو هذا؟ ليس حتى فيلسوفا، وليس عالما كبيرا، ولا مُخترعا، مُجرد كاتب، صحفي! مُجرد كاتب، صحفي، في القرن التاسع عشر – يقول تبا لهذا النظام الكوني! نجومه بعيدة جدا، وكواكبه شبه مُعتمة، كنت أستطيع أن أصنع واحدا أفضل!
ما شاء الله، ما شاء الله! انتبه، عجيب! هذا لم يدخل موسوعة مشاهير المجانين، أبدا! لورد جيفري Lord Jeffrey! ويتبجح! ويتبجح الجهلة من أمثاله بأمثال هذه المقولات. تستطيع أن تصنع نظاما كونيا أفضل؟ اصنع بذرة، اصنع بروتونا Proton، اصنع كواركا Quark! الكوارك Quark!
وهو طبعا لم يكن يعلم، لا إلكترونا Electron ولا بروتونا Proton ولا كواركا Quark! في القرن التاسع عشر هذا. نحن الآن بلُغة العصر نقول له اصنع كواركا Quark واحدا، أقل بنية، ميونا Muon واحدا، ميزونا Meson واحدا. غفلة غريبة!
هرمان هلمهولتز Hermann Helmholtz؛ عالم الأحياء، وعالم الفيزياء، وعالم البصريات؛ الـ Optics، الألماني الشهير، بتبجح فظ، وصبياني، من وجهة نظري، يقول لو أتى أحدهم وقدّم لي عينا، كهاته العين التي نمتلك، صنعها هو، لرددتها إليه، ولعبت عليه مثل هذه الأخطاء الفظيعة، كنت أستطيع أن أصنع أفضل منها!
ما شاء الله! إلى اليوم لم يستطيعوا يا هرمان هلمهولتز Hermann Helmholtz، لم يستطيعوا! إلى الآن يُحاولون بكل هذه التقنيات النانوية، التي لم يكن يحلم بها هلمهولتز Helmholtz، ولا كل مجُايليه، ولا كل مُعاصريه!
لم يستطيعوا أن يصنعوا عصبا بصريا حقيقيا، بكفاءة عصب بصري، فضلا عن أن يصنعوا العين الكاملة، بهذه الدقة. وعلى كل حال، لو فعلوا، يُقلدون. أنتم مُجرد مُقلدين!
يُعجبني مقالة كاتب أمريكي، لديه فلسفة رائعة وفهم عميق في هذه المسائل، أجرى مثل هذا الحوار بين مُلحد مُجدف، وبين رب العزة، لا إله إلا هو!
يبدو أن هذا المُلحد المُجدف ينتمي إلى عصر لا يزال قابعا في المُستقبل، عصر مُتقدم جدا! يقول لربه حتى أنا أستطيع أن أصنع بشرا، كما صنعت! ربوتات Robots مُتقدمة جدا جدا، ربما! فقال له الله تبارك وتعالى لكن عليك أن تأتي بالطين. قال الطين موجود. قال لا، هذا طيني أنا، اصنع طينك أنت. لا إله إلا الله! إفحام شديد!
لذلك أعظم سؤال في الفكر البشري، أعظم سؤال في الفلسفة، كما وصفه مارتن هايدغر Martin Heidegger المُلحد؛ لماذا يُوجد شيء عوضا من لا شيء؟ Why is there something rather than nothing?، هكذا يقولون!
لماذا يُوجد شيء بدلا من لا شيء؟ أي لماذا يُوجد أي شيء؟ ليس فقط البيج بانج Big Bang والـ Singularity، لا! أي شيء وُجد، لماذا وُجد؟ كيف وُجد؟ كيف انوجد؟ أصعب سؤال على الإطلاق! وليس له حل، إلى الآن لا يُوجد حل!
الحل الصحيح الذي يقبل به العقلاء؛ لا بُد أن تكون هناك قوة أكبر من هذا الشيء الذي وُجد وخُلق، هي التي أوجدته وقدّرته وصممته وكونته. عجيب! الله تبارك وتعالى.
آلن سانديغ Allan Sandage – سانديغ Sandage يُعتبر أحد مؤسسي علم الفلك الحديث؛ الـ Modern astronomy، الأمريكي! وهو مُكتشف أشباه النجوم؛ الكويزارس Quasars. الكويزارس Quasars سانديغ Sandage اكتشفها، عالم كبير – يقول أرى أن من المُستبعد للغاية أن ينشأ مثل هذا النظام في الكون – في الـ Universe-، من الفوضى – الـ Chaos، الكيوس! يُسمونها الكاوس بالألماني، من الكيوس! من المُستبعد جدا -. نعم إن الرب بالنسبة إلي سر غامض!
طبعا! مَن يقول إن الله ليس غامضا؟ غامض وغامض جدا، لا إله إلا هو! كيف لا يكون غامضا وليس له مثيل؟ واحد أحد، لا إله إلا هو! نحن نعرفه بمقدار ما تعرف إلينا فقط. أما هو – كما نقول دائما، هو في نفسه، في ذاته، لا إله إلا هو -، فما علمه حق العلم، إلا هو، لا إله إلا هو! بلا شك هو غامض، لكنه موجود، رُغما عنا.
يقول الله بالنسبة لي غامض، ولكنه الجواب عن مُعجزة هذا الوجود. كيف وُجد هذا الوجود؟ كيف وُجد هذا العالم؟ كيف وُجدنا نحن، الكائنات الحية العاقلة، التي تطرح هذه الموضوعات العلمية والميتافيزيقية، شديدة التجريد وبالغة الصعوبة؟ الله. يقول سانديغ Sandage!
هذا الرجل مُتواضع، ليس مُتبجحا، فاهم! هذا فاهم، مُحترم، يستطيع أن يستخدم ملكاته العقلية بطريقة صراطية مُستقيمة، ليس مُشوشا، هو ليس مُشوشا! التشويش أضل ناسا كثيرين. ليس ربما دائما في كل مرة النية السيئة! التشويش، التشوش! التشوش!
على فكرة، حين كنت صغيرا، كنت أسمع عن أُناس في بلادنا، قرأوا الكثير! يقرأون كل شيء، حتى مجلة طبيبك ومجلة سيدتي، كل شيء يقرأونه! أُصيبوا بالجنون! تعرفون لماذا؟ ليست المسألة أن تقرأ كثيرا، وأن تحفظ كثيرا، وأن تطلع على معلومات كثيرة!
صدقني، أن تقرأ قليلا وفق نموذج، وفق خُطة، وفق مُسلمات، وفق مُنطلقات، أفضل مليون مرة من أن تقرأ الكثير وفق لا خُطة. لا تُوجد خُطة إرشادية، لا يُوجد منهج، أبدا! قد تُجن. المسألة ليست علما، واكتشف، وهات، وراكم معلومات، لا! لا بُد أن يكون لديك نماذج تفسيرية دقيقة، تقيك من التشوش، والضياع، والجنون، باسم العلم والفلسفة، وهو جنون!
يقول ولكنه – الله الغامض، لا إله إلا هو – جواب عن مُعجزة – سماها مُعجزة! Miracle؛ مُعجزة – الوجود، وعن سؤال – هذا كلام آلن سانديغ Allan Sandage – لماذا يُوجد شيء عوض لا شيء؟ قال أصعب سؤال جوابه الله! جوابه الله!
ولذلك يُعجبني – هذا في هامش، في خانة المُتواضعين – مقولة لشاعر أمريكي مُعاصر، وكاتب أيضا، وأستاذ جامعي، وكاتب مقالات، صحفي! ماذا قال هذا؟ عبارة عظيمة جدا!
قال مَن كان ليؤمن بالآتي؟ طبعا اقتبسها حقيقة، وأنا وصلت إليها عن طريق الراحل ستيفن جاي جولد Stephen Jay Gould، العالم التطوري الشهير الأمريكي! وفي الحقيقة، هو عالم Paleontology، أي عالم إحاثي، يدرس الحفريات القديمة! علم الحياة القديمة، بالينتولوجيا.
ستيفن جاي جولد Stephen Jay Gould في كتابه مُنذ زمن داروين، اقتبس هذا! أي في بداية فصل من فصول الكتاب الشهير هذا. فيقول هذا الشاعر والكاتب الأمريكي؛ شياردي Ciardi، يقول مَن كان سيؤمن بنملة، وهي لا تزال نظرية؟ مَن كان سيؤمن بزرافة، وهي لا تزال في طور التخطيط؟ إن عشرة آلاف من أساتذة المُمكن قادرون على محو نصف الغابة! يا سلام! من أروع ما يكون! فكر عجيب نافذ مصقول!
كأنه يقول قليلا من التواضع، خففوا من تبجحكم، تخففوا من غلوائكم، أيها العلماء والمُفكرون! تدّعون أن هذا لا يُعجبكم، وهذا ليس مُناسبا! مع أنكم، على الرُغم منكم، تنطلقون مما هو موجود!
إذا افترضتم أن هذا، أو سلّمتم اعتباطا، أن هذا صنعة الله – صُنع الله؛ هَٰذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ ۚ * -، فأنتم حتى معايير الكمال الموهومة لديكم، مأخوذة من ماذا؟ مما طُرح في الوجود، مما يحفل به معرض الوجود!
قال لو سألناكم؛ مَن منكم، وكم منكم، كان سيؤمن بفكرة نملة، قبل أن تُخلق النملة، وهي في إطار نظرية؟ تقريبا لا أحد. مَن كان ستُعجبه فكرة زرافة، وهي لا تزال في طور التخطيط، بعُنق طويل؟ لا أحد.
قال أمثالكم لو وُكل الأمر إليهم، لمحوا نصف المُحيط الحيوي، نصف الغابة! أنا أقول تقريبا لمحوا كل شيء. في تقدير مُتواضع جدا؛ تسعة أعشار! كل الأنواع سيمحونها، لن تُعجبهم هؤلاء المُتبجحين! لكن الحمد لله، الله لم يجعل تدبير الكون إليهم، ولم يجعل خُطة الخلق لهم، أبدا!
الله تبارك وتعالى أخبرنا أنه لو كان له شريك آخر، وقد يكون أكثر قدرة وعلما من هؤلاء المُتبجحين الصغار، على هذا الكوكب الصغير المُتواضع، لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ * طبعا، طبعا!
الله يقول لا، أنا الخالق، أنا الرب. وإذا سلمت وفهمت واقتنعت أنني خالق ورب، فسيقودك هذا حتما، وبخُطوة واحدة، من غير تردد، إلى ماذا؟ إلي التسليم بأنني إله، يستحق العبادة والشُكر.
لا من أجله، لا لأن هذا يزيده، أبدا! الله لا ينقصه، إِن تَكْفُرُوٓاْ أَنتُمْ وَمَن فِى ٱلْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِىٌّ حَمِيدٌ *، وإنما من أجلك أنت، حتى تتزن، وتُصبح إنسانا محكوما بالوفاء والولاء للحقائق، ومُدركا لحجمه وقيمته، في هذا الكون، بإزاء الرب الجليل، لا إله إلا هو! فنسأل الله أن يشفينا من مرض التبجح، ومن الأوهام، ومن صنوف الغرور والغباوات.
إذن زاوية أُخرى – أيها الإخوة -، لا أدري هل سيتسع الوقت لها؟ لكن أسأل الله أن يتسع الوقت. زاوية أُخرى، ننظر من خلالها، إلى هذه الآيات العجيبة! إلى هذا السياق المُعجب المُذهل؛ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ *… أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ *… أَمَّنْ *… أَمَّنْ *… أَمَّنْ *… أَمَّنْ *…! في كل مرة أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ *، ثم التعقيب والتذييل، السبب! السبب!
وعلي كل حال، في حالات كثيرة لا يخلو الأمر، بما أننا تحدثنا للتو عن العجرفة، من ماذا؟ من الاستكبار! إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ ۙ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ ۚ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۖ *، نعوذ بالله من الشيطان الرجيم، نعوذ بالله من شرور أنفسنا. كبر، نوع من الكبر! كنت أستطيع أن أصنع واحدا أفضل! لأعدت إليه العين! ما شاء الله، شيء عجيب!
أحد هؤلاء المُتبجحين أيضا قال الآتي! وذكرتها لكم قبل حوالي رُبع قرن؛ لأنها هزتني! وهو عالم في الأحياء المائية، أي الـMarine ، الأحياء المائية! وكانوا في رحلة إلى القُطب الشمالي، من فريق، خمسة أعضاء في هذا الفريق، في الليل البهيم وهو نائم، هذا المُتخصص في علم الأحياء المائية، اصطادوا سمكة أفعوانية عجيبة! ذات لون غريب! لم يُر مثله!
أيقظوه من النوم، وقالوا يا سيد، يا أستاذ، تفضل. قال لا، هذه السمكة غير موجودة. هو لم يدرسها من قبل، إذن هي ليست مُصنفة Classified، لم تُصنف! لا يعرف هو تنتمي لأي نوع، لأي جنس، لأي رُتبة، لأي فصيلة، لأي كذا، لأي Phylum؛ شُعبة! لا يعرف! ولذلك هو ألغاها من الوجود! قال هذه السمكة غير مخلوقة، غير موجودة. ثم عاد في غفوته. تبجح رهيب، تبجح رهيب! نعوذ بالله من شرور أنفسنا، نعوذ بالله من هذه النفسية.
لذلك انتبه، هذه أقولها؛ لأن بعضكم قد يسألني ماذا تُريد من هذا؟ أُريد أن أقول لكم شيئا، ربما لم تسمعوه من قبل! انتبهوا، علينا ألا نغتر بأي شيء يُلقيه عالم كبير، حتى حامل جائزة نوبل Nobel، بالذات في الغرب، الذي نتعلم منه الكثير، ولا نزال؛ لأن لديهم طريقة ونموذج في علاج هذه المشاكل، أحيانا يكون مُخيفا وفظيعا جدا وكريها!
مثل هذا التبجح لا يليق ببشر! حتى بين البشر أنفسهم، حتى من جيل لجيل، من دورة لدورة، لا يليق هذا التبجح! فكيف بإزاء رب العالمين؟ موجود هذا التبجح، موجود! هذا الاغترار، هذا الإعجاب، هذا الانتفاخ الرهيب، عند بعض هؤلاء – ليس الكل طبعا – موجود. ويُوجد في المُقابل، كما قلنا، تواضع عجيب! شياردي Ciardi هذا عنده تواضع عجيب! قال ستمحون نصف الغابة، بعقليتكم المُتبجحة هذه!
تفضيلات! اليوم ستسمعون شيئا، عن مُستشار الملكة الراحلة قبل أيام إليزابيث Elizabeth، الفلكي – من أعظم علماء الفلك في المملكة المُتحدة! وهو حائز على لقب سير Sir، الذي لا يحوزه إلا كبار العلماء؛ سير إسحاق نيوتن Sir Isaac Newton! رفضه ستيفن هوكينج Stephen Hawking؛ لأسباب – سير مارتن ريس Sir Martin Rees!
مارتن ريس Martin Rees صاحب Just Six Numbers؟ هو هذا! Just Six Numbers، فقط ستة أرقام! طبعا استُدعيَ مارتن ريسMartin Rees ؛ بسبب كتاب له تنبأ فيه عن ضربات الكورونا Corona في ألفين وعشرين، وهذا صحيح! هو عالم كبير، من كبار علماء الفلك.
هذا الرجل هو صاحب الكتاب الأشهر في هذا الباب؛ فقط ستة أرقام! ويتحدث عن ستة أرقام من عشرات الأرقام؛ لأن هذه الأرقام ليست فقط عشرين أو أربعة وعشرين ثابتا، كما كنا نظن، الآن ارتفعت القائمة! ثخنت، بدنت، سمنت القائمة، وأصبح فيها أزيد من مئة وخمسين عاملا وثابتا وشرطا!
لماذا؟ شروط لماذا؟ لكي نكون هنا، لكي يُوجد الكون والحياة والأرض والحياة العاقلة والذكاء والبشر؛ نحن. أكثر من مئة وخمسين عاملا! كل عامل من هذه العوامل له Range؛ له مدى! كان يُمكن أن يأخذ فيه قيما تطيفية.
أخذ قيمة مُحددة، التحرك عنها يسارا أو يمينا، بقدر أحيانا بالغ الضآلة، بطريقة لن تتخيلوها، يغير الكون! وسأذكر هذا بعد قليل، غير مُمكن أن تُتصور! خارجة عن كل الخيال والشطح البشري! لو تحرك يمينا أو يسارا، بهذه النسبة، بالغة الضآلة – شبيه بالانعدام، بالعدم -، يتغير الكون كله، ولن نكون هنا! الله أكبر! مَن يقول هذا؟ أي صوفي؟ مُحيي الدين بن عربي؟ الغزّالي؟ الرومي؟ سنائي الغزنوي؟ مَن؟ لا، العلماء والملاحدة.
مارتن ريس Martin Rees مُلحد تقريبا! مارتن ريس Martin Rees صاحب كتاب فقط ستة أرقام، والذي يُعطي هذه المعلومات بدقة عجيبة، وهو كتاب جميل، وأنصح به! لكنه في نهاية المطاف يقول الآتي عن هذا الضبط الدقيق لهذه الشروط وهذه الثوابت!
لأنهم يُنظمونها ضمن ثلاث فئات؛ فئة الشروط البدئية للكون Initial conditions، الشروط البدئية للكون! ثم فئة الثوابت الكونية Cosmic constants، ثم فئة القوانين الطبيعية. تترتب هذه الشروط وهذه الثوابت وهذه العوامل، ضمن الثلاث الفئات!
جيد! هو يقول أنا أعترف بهذا! فيما يُعرف طبعا بالضبط الدقيق؛ الأمور مولفة! كيف تضبط أنت جهازا ما؟ مثلا نفترض جهاز الرادار Radar، التلفزيون Television القديم؛ لكي يلتقط الموجة، الراديو Radio؛ لكي يلتقط الموجة، جهازا موسيقيا، جهاز صوت!
طبعا تحتاج إلى دقة. لا! هنا الضبط الدقيق أو التوليف أو التوافق؛ الـ Tuning، شيء فوق ما تتخيل الـ Tuning هذا! اسمه Fine، دقيق جدا! Fine-tuning.
يقول أنا أُسلّم أن الـ Fine-tuningفي الكون. والكون كله محكوم بهذا الضبط الدقيق. لولا هذا الضبط الدقيق، لما وُجد كون! لما وُجد كون، ولما وُجدت حياة! نحن لن نكون موجودين؛ لكي نُناقش هذه المسائل ونعرضها ونتجادل حولها أخذا وردا، لن نكون!
جميل! يقول أنا أُسلّم أنه بلا شك دليل قوي جدا على وجود الخالق، لكن أنا من جهتي لا أُفضل هذا. عجيب! لا تُفضل؟ المسألة أصبحت تفضيلا؟ يعترف، عنده صدقية الرجل، لا يُفضل! أنا لا أُريد تفضيلا، أُريد البُرهان، أُريد الحُجة. هل لديك حُجة مُقابلة، أقوى من حُجة الضبط الدقيق، وهي حُجة علمية؟
تسمع اليوم شبابا – لن نقول أكثر من هذا؛ شبابا – يعملون مقاطع: ضد الضبط الدقيق، أوهام الضبط الدقيق! ويقول لك أحدهم يدّعي المؤمنون! لا والله، اقشعر بدني، والله ما ادّعينا، ولا نعرف هذه الأشياء.
هذه لم يدّعها إلا العلماء والملاحدة، أكثرهم ملاحدة! هذه لم يقلها مؤمن. لا يُوجد مؤمن اكتشف ثابتا من ثوابت الكون في هذا العصر، ولا مؤمن! ولا شيخ ولا رابي يهودي ولا قسيس مسيحي!
كل الذين اكتشفوها علماء في الكونيات والرياضيات والفيزياء والفيزياء الفلكية، إلى آخره! وعلم الحياة وعلم الجيولوجيا وعلوم كذا! كثيرة جدا! جيد! وخاصة علم الفيزياء طبعا، والفيزياء النظرية أو الذرية. ومُعظمهم ملاحدة، للأسف مُعظمهم! يُوجد منهم، نسبة لا بأس بها، مؤمنون، لكن مُعظمهم ملاحدة.
قال لك يدّعي المؤمنون. لا، لم ندّع، إياك! لا تكذب على نفسك. أنا أحزن جدا، أشعر بالأسى، والله العظيم؛ لأنني أشعر أن هؤلاء الشباب يُحبون أن يُضللوا أنفسهم! واضح أنه يُضلل نفسه! بدءا من هنا، يكذب على الحقائق. نحن ادّعينا هذا؟ العلماء. وطبعا حين تقول له العلم الطبيعي المُحايد، يسكت!
العلم على فكرة، لا مؤمن ولا كافر. العلم لا يكون لا مؤمنا ولا كافرا، مللت وأنا أقول هذا، من ناحية فلسفية، أبدا! أنت تأخذ حقائق العلم، تضعها كـ Premises، أو مُقدمات، ضمن ماذا؟ ضمن استنتاجات، ضمن قياسات منطقية! وتخرج بالنتيجة التي أنت ترى أنها الأحق بالحق وبالاتباع. ويختلف الناس هنا.
هذا هو العلم، فقط! العلم ليس مؤمنا، ليس كافرا. يُعطيك موادا خاما للقياس. القياس في ملعبك أنت، اذهب وقس؛ حتى نرى! هذا الذي نفعله نحن! لذلك حين نتجادل في هذه المسائل، لا بُد في النهاية أن ينتهي الجدال إلى ماذا؟ إلى أُفق ماذا؟ منطقي وفلسفي! رُغما عنا وعنهم! لا تقل لي العلم.
لا، العلم لا يقول شيئا، في حكاية وجود الله وعدم وجود الله، لا يقول شيئا. العلم يُقدم حقائق كونية طبيعية، من كل الرُتب، أنت تضعها مُقدمات، في قياسات، أقيسة منطقية، ثم تصل إلى نتائج. هنا النقاش يبدأ! وهذا معروف طبعا، يعرف هذا كل العقلاء، كل الذين يتكلمون بعلم. فلا تقل لي يدّعي المؤمنون. لم يدّع مؤمن ذلك، ادّعى العلماء الملاحدة، أكثرهم ملاحدة!
فمارتن ريس Martin Rees يقول لك لكن أنا أُفضل الخيار الثاني! أي خيار؟ أي خيار؟ الآن ستسمعون، بالضبط الدقيق، شبه من المُستحيل أن تقول غير موجود إله، لا تستطيع أن ترفض، رُغما عنك، لكنهم رفضوا! لا إله إلا الله! الله قال وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ *. الله قال لا، هناك ناس سيرفضون، ولو رأوا هذا.
تعرف، والله الذي لا إله إلا هو – وهم يذكرون هذا، وأنا أُقسم على منبر رسول الله -، والله لو كشف الله حجاب السماء، وظهر لهم بالخط الكبير، يقرأه الناس، ليس عبر الأرض، وإنما عبر الأكوان: أنا الله الذي لا إله إلا أنا! لاحتالوا في تأويلها!
يقول لك ظاهرة كونية، وتحدث! تحدث كيف؟ تحدث باحتمال واحد على عشرة أس خمسمائة. عشرة أس خمسمائة؟ أنت تضع من عندك أرقاما؟ لأنها مجانية! الأرقام والأصفار مجانية! فيضعها!
ستقول لي لكن هم لم يعملوا هذا. لا، عملوا هذا! وقال لك هناك أكوان مُتعددة، وMultiverse! الكون الخاص بنا بلا شك مضبوط بدقة، Fine-tuned هذا الكون، مضبوط بدقة، أي Very very! ولكن – يقول لك هو – مَن قال لك إنه الكون الوحيد؟ ربما تكون هناك أكوان، لا نهاية لها!
ونقول له لا نهاية لها؟ أنت عالم طبيعة أو كونيات، تتكلم بمُصطلح لا نهاية لها؟ يتراجع طبعا! لأن من المعروف، أن أي حلول فيزيائية، حلول مُعادلاتية رياضية، تنتهي إلى ما لا نهاية، عليك أن تكبها في الزبالة! Rubbish!
يعرف هذا كل مَن درس الرياضيات، عليك أن تكبها في الزبالة! لماذا؟ لا يُوجد شيء في العلم قابل لأن يُدرس، ويُختبر، ويدخل في اختبار، حتى من أي نوع من الاختبارات العلمية، إلا وهو ماذا؟ محدود ومحصور. العلم لا يتعامل مع اللا نهاية! كيف ما لا نهاية؟ فيقول لك ليست أكوانا لا نهائية، بمعنى لا نهائية، وإنما كثيرة جدا! كم؟
أجاب الراحل ستيفن واينبرج Steven Weinberg، قال عشرة أس خمسمائة. عشرة أس ماذا؟ أحدهم يقول لي عادي، تحدث! تحدث؛ لأنك لا تفهم. الذي يقول هذا، لا يفهم. هناك ناس عوام، لم يدرسوا حتى في الثانويات! لا يفهم ما معنى عشرة أس مئة، وعشرة أس خمسمائة، ويقول لك هذه أرقام! أنا أقول عشرة أس خمسة آلاف!
قل؛ لأنها مجانية، نحن لا ندفع شيئا! لكن سألفت نظرك، وضروري أن أفعل هذا! رغم أن من العيب أن نعمل هذا، لكن هناك ناس لا يعرفون! أنا قبل أيام كنت أتناقش مع واحد، واتضح أنه لا يعرف! قلت له إذن يا أخي هل تعلم ما معنى عشرة أس خمسين وما إلى ذلك؟ قال لي معناها كذا وكذا! قلت له لا، أنت تأخذها هكذا!
الكون – قلت له – عمره ثلاثة عشر ألف مليون سنة! انظر، عمرك أنت أربعون سنة، خمسون سنة! الكون عُمره ثلاثة عشر… مليون؟ لا، ثلاثة عشر ألف مليون، أي ثلاثة عشر مليارا، هناك يُسمونها البليون Billion، ثلاثة عشر مليار سنة وسبعمائة مليون، أي تقريبا أربعة عشر مليار سنة.
قال لي نعم. قلت له كم ثانية فيه؟ نحول هذه العُمر؛ أربعة عشر مليار سنة – ليس ساعة، سنة -، إلى ثوان. قال لي لا يعلم هذا إلا الله. قلت له لا، تعلمه أنت. أنا الآن أحسب لك إياها، أحضر Calculator، في لحظة! اكتب أربعة عشر ألف مليون – سنة هذه -، ضرب ثلاثمائة وخمسة وستين! طلع عندنا ماذا؟ أيام السنة! أربع وعشرون، في ستين، في ستين! فقط!
قال لي ماذا يخرج؟ قلت له يخرج عشرة أس عشرين. قال لي ماذا؟ قلت له عشرة أس عشرين. بدأ يتراجع، قلت له الكون كله، أربعة عشر مليار سنة، عُمره – إذا أردنا بالقوى والأسس هذه – عشرة أس عشرين.
هنا ستبدأ تفهم ما معنى أن احتمال الشيء الفلاني أن ينشأ بالصُدفة، أن يأتي بالصُدفة، واحد على عشرة أس عشرين. شيء مُخيف مُرعب! شيء فوق ما تتخيل!
إذن هل تعرف ما معناها؟ أي شيء، هناك احتمال لأن يحدث، لكنه احتمال ضعيف! كم هو ضعيف؟ إلى أي حد ضعيف؟ واحد على عشرة أس عشرين! اختصارا يُسمونها ماذا هم؟ عشرة مرفوعة لناقص عشرين. هي هذه! Hoch minus-، أي Minus! عشرة أس ناقص عشرين، معناها واحد على عشرة أس عشرين، هذه هي!
جميل! ما معنى هذا؟ معنى هذا أن هذا الشيء، لو حدث في كل ثانية مرة – عملنا التجربة، عملنا التوليفة، في كل ثانية مرة -، واستمر هذا الحدوث والتجريب، كم؟ عُمر الكون؛ أربعة عشر مليار سنة! فمن المُمكن أن يتفق وقوعه مرة واحدة! في أربعة عشر مليارا!
ستقول لي فهمت، جزاك الله خيرا. وإياك يا حبيبي. لماذا؟ لأن بعد قليل حين أقول لك عشرة أس ناقص ستة وثلاثين، سوف تفهم أنت! مسألة مُخيفة مُرعبة! ستة وثلاثون؟ ستة وثلاثون. عشرة أس ناقص خمسة وخمسين! موجود؟ موجود. عشرة أس ناقص مئة وعشرين! ماذا؟ نعم! هذا علم، علم العلماء الملاحدة، ليس علم المشايخ والرابيين والقسس، هذا علمهم هم.
قال لك هذا لا يحدث، إلا باحتمال واحد على عشرة أس مئة وعشرين. Oh! تقول لي شيء غير طبيعي! أنا أُعطيك مثالا بسيطا، ونعود إلى ما كنا فيه.
والله أنا أتكلم، أُقسم بالله، قلبي هكذا ينبض، وجسمي يهتز! المُهم، نسأل الله أن يُثبت علينا عقولنا، وأن يُعطينا من الاتساق العاطفي والعقلي، والطهارة النفسية والعقلية؛ لكي نُسلم بالحقائق، ولا نُكابر.
والقضية ليست لعبا يا إخواني! وأنا أقول هذا، ويعلمه الله، والله هي ليست لعبا، ولا استعراض عضلات على المنابر، على فكرة، لا! القضية جد أكثر مما تتخيل! لا تلعب بدينك، لا تلعب بإيمانك.
بكرة تتوفى في أي لحظة، صدقني، هل جوابك مُعد بين يدي الله؟ تقول له يا رب كنت أعمل مقاطع على اليوتيوب YouTube، كنت أُناكف المشايخ، كنت أغيظ عدنان إبراهيم ومَن هم مثله، الذين لهم علاقة الإيمان، هؤلاء المُغفلين! لكن أنا كنت شاكا. شاكا؟ فاتك الأمر. لا تلعب، لا يُوجد فيها لعب، لا يُوجد فيها لعب! هؤلاء الكبار لا يلعبون مثلك على فكرة.
يُعجبني في مارتن ريسMartin Rees ، ومايكل شارمر Michael Shermer – وهذا ليس عالما، ولكن هذا الرجل هو المُتخصص رقم واحد ضد الخُرافة وضد الأديان وضد التفكير الغيبي وضد التفكير الميتافيزيقي -، أن عندهم من الصدقية، أن يعترفوا بالحد الذي لا يُمكن إلا أن يُعترف به!
ما هو؟ أن هناك ضبطا دقيقا! وهو دقيق جدا جدا جدا، ويدل على الله بطريقة أقوى مما تتخيل، وليس من السهل أن تتجاوزه، وتقول حصل! هو هكذا الذي حصل!
سأقول هذه، سأقولها! المبدأ الإنساني الضعيف؛ الـ Weak anthropic principle، سأرد عليها. اليوم الخُطبة تقريبا الذي بعثني على أن أعقدها هو الرد على الاحتجاج بالـ Weak anthropic principle هذا؛ المبدأ الإنساني الضعيف، ضد بُرهان التوليف الدقيق أو الضبط الدقيق، ضد الإيمان بالله عز وجل.
اليوم سأُجيب عن هذا الشيء – بإذن الله تبارك وتعالى -، انتبه! لأنه غاص، اليوتيوب Youtube غاص، أوهام الضبط الدقيق وما إلى ذلك! جواب؟ تظن أنك أجبت؟ تظن أنك أتيت بحُجة حقيقية؟ سوف نرى فلسفيا، فلسفيا وعلميا طبعا، فالقضية أخطر مما تتخيل!
مارتن ريسMartin Rees يقول نعم، أنا أعترف، الضبط الدقيق بُرهان قوي جدا على وجود الخالق، لكن أنا أُفضل الأكوان المُتعددة! كيف يا مارتن ريسMartin Rees ؟ قال – ذكي هو – مع علمي أنها مسألة Speculative – أي تكهنية، تخمينية -! لا تخلو من كثير من الشك، ولا تستند على أُسس علمية راسخة.
Oh! جيد جدا، حسن جدا! تعترف أنها تكهنات؟ هذه ليست نظرية علمية على فكرة، Multiverse ليست نظرية علمية، هذه فرضية هكذا! هل هي قابلة للاختبار؟ مُستحيل، لا يُمكن أن تُختبر! اختبار ماذا؟ أنت تتحدث عن أكوان خارج كوننا، وتختلف عن قوانين كوننا وعن طبيعة كوننا قليلا أو كثيرا!
نحن في الكون نفسه، كما قلنا، إلى الآن يُوجد عندنا حدود مادية طبيعية، تجعل من سابع المُستحيلات أن نرى آخره وأقصاه، شرحتها في الخُطبة السابقة، أليس كذلك؟ مُستحيل! إلى الآن تُوجد حدود طبيعية هكذا! طبيعة الضوء، طبيعة انتقال الضوء، لن نستطيع! مع التوسع؛ الـ Expansion، مع توسع الكون، مُستحيل أن نرى آخر الكون.
كيف سنرى أكوانا ثانية؟ كيف سندرسها؟ كيف سنختبرها؟ قال لك لا، هي غير قابلة للاختبار. غير قابلة للاختبار؟ بالمرة. أي فقدت أهم شرط في النظرية العلمية! فكيف إذن وهي غير قابلة للاختبار، وتقول لي فرضية، وتقول لي ذات طبيعة تكهنية أو تخمينية، غير مُستندة على أُسس قوية؟
وأكثر من هذا؛ ما فعله في ألفين وتسعة عشر، أستاذ الفيزياء فافا Vafa، في هارفارد Harvard! هارفارد Harvard أرقى جامعة في العالم! البروفيسور فافا Professor Vafa لا أعرف ما أصله هذا، لكنه الآن أمريكي، مُتجنس، علّامة كبير! أخذ جائزة قبلها، في ألفين وثمانية عشر أو سبعة عشر، أخذ جائزة كبيرة في أمريكا، عالم كبير!
قال دعونا يا جماعة نؤدي خدمة بسيطة لنظرية الـ Inflation- التي لها علاقة بآلان غوث Alan Guth، التضخم – ونظرية الأوتار الفائقة Superstring theory. نعمل لهما خدمة، لأنهما تُعانيان مشاكل كبيرة، وغير قابلتين للاختبار. دعونا نُحاول، ربما نجد زاوية مُعينة تجعل النظريتين قابلتين للاختبار.
ستقول لي ما علاقة هاتين بالقصة؟ لأن هاتين النظريتين هما مَن ولدا لنا فكرة ماذا؟ الأكوان المُتعددة. أي بغير الـ Inflation theoryوالـ Superstring theory، لا تُوجد نظرية أو فرضية الأكوان المُتعددة، هذه هي!
فالبروفيسور فافا Professor Vafa قال لك دعونا نختبر القضية هذه. ذهب وعمل دراسة مع فريق! النتائج كانت صادمة له هو، وللمُجتمع العلمي! قال الآتي عن نظرية التضخم! لكن طبعا ماذا كان المعيار؟ المعيار دراسة حقيقة كونية – أصبحت حقيقة من سنة ألف وتسعمائة وثماني وتسعين -، وهي تسارع التوسع الكوني.
الكون ليس فقط يتوسع، ويتسارع! وسُبحان الله، هذا أعاد الاعتبار، ألف وتسعمائة وثماني وتسعين، لألبرت أينشتاين Albert Einstein، الذي في النسبية العامة أقحم ما عُرف بالثابت الكوني الـ Cosmological constant! الثابت لامدا Lambda λ.
لامدا Lambda λ – يُرمز لها بالإغريقي باللامدا Lambda λ -، أقحمها في مُعادلاته في النسبية العامة، من أجل ماذا؟ من أجل أن يُقر الكون. النسبية العامة مُهمة! المُعادلات، الرياضيات! وهذا سأتكلم عنه اليوم، مُهم جدا جدا، من أهم محاور خُطبة اليوم.
الله أعطانا نظاما في العقل، ونظاما في الوجود، يدلنا عليه، من خلال دلالتنا على ماذا؟ على كيف يسير الوجود! على عقل الوجود، على روح الوجود! لِمَ كان الأمر كذلك؟ الله أراد ذلك. الحكاية ليست لعبة! والله، أشياء فوق ما تتخيلون، دعونا فقط نرى!
أُريد أن أوصل هذه الرسالة لأولادنا الصغار الملاحدة، الذين لا يفهمون ما الذي يحصل! المسألة أخطر مما تتخيل! تقول لا، عدنان إبراهيم! لا، ليس عدنان إبراهيم، ألبرت أينشتاين Albert Einstein. أينشتاين Einstein كان يفهم القضية هذه.
أنا قلت في الخُطبة السابقة لولا الدين والإيمان بإله واحد وحّد الكون ومخلوقاته، لما وُجد علم أصلا. أينشتاين Einstein كان أكبر مَن يرفع الراية هذه! ما رأيك؟ كان يقول لا أجد وصفا خيرا من وصف Religious؛ ديني!
لماذا يا ألبرت أينشتاين Albert Einstein؟ ديني ماذا؟ تتحدث عن الدين! ديني ماذا؟ قال لهذه الحقيقة. حقيقة ماذا؟ أن الكون محكوم بقوانين قابلة لأن نعقلها ونفهمها. الكون ليس فوضويا!
كتب الآتي في رسالته، قبل أن يُتوفى بثلاث سنوات؛ ألف وتسعمائة وثنتين وخمسين! وهناك كتاب بالإنجليزية، موجود حتى على النت Net، موجود مجانا، اسمه رسائل إلى سولوفين Solovine.
موريس سولوفين Maurice Solovine فرنسي، صديق ألبرت أينشتاين Albert Einstein. أينشتاين Einstein ظل يُراسله من سنة ألف وتسعمائة وست، إلى ألف وتسعمائة وخمس وخمسين! السنة التي تُوفيَ فيها أينشتاين Einstein؛ خمس وخمسين!
في ألف وتسعمائة وثنتين وخمسين هناك رسالة، تجدها في الكتاب هذا طبعا. قال له قد تجد يا مستر سولوفين Mr Solovine، قد تجد أن من الغريب أن أصف أنا بالإعجازي – هناك قضية إعجازية! Miraculous؛ إعجازية! قال له. ما هذا؟ ما الإعجازية؟ – نظام الطبيعة! نظام الكون!
وسماه أيضا السر الأبدي! Eternal mystery؛ اللُغز الأبدي، السر الأبدي! لماذا؟ أنت – قال له – يُمكن أن تستغرب مني؛ لأنني أتكلم باللُغة الدينية هذه. هذا دين! تقول لي مُعجزة، ومُعجز، وإعجازي، وخارق!
لا يُحبون، العلماء الطبيعيون لا يُحبون هذه اللُغة بالمرة، إياك أن تُدخل شيئا اسمه خالق للطبيعة وإعجازي! ويقولون لك هذا كلام فارغ، كله كلام دين! لا، ليس كلاما فارغا، هذه روح الوجود، رُغما عنا وعنكم.
قال له فأنا أقول لك – إذا أنت استغربت من هذا الشيء، فأنا أقول لك – من المفروض أن نتوقع كونا فوضويا. إذا لم يكن هناك إله، فلن يكون هناك مبدأ مُنظم، لن يكون هناك مبدأ مُخطط! إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ *، وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا *، لا إله إلا الله! خلق فهدى؛ أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ *، لا إله إلا الله! هذا الله، هذا الله!
إذا لم يكن هناك هذا الإله، ولم يكن هناك المبدأ المُوجد المُنظم المُخطط المُهيمن الحاكم – لا إله إلا هو -، فالمفروض أن يكون الوجود ماذا؟ فوضويا! غير محكوم بقوانين، وغير معقول، وغير قابل للتعقل أصلا! لكن الكون ليس كذلك، مُنظم ومضبوط! وهناك مسألة يُسمونها تماثيلة الكون؛ Uniformity of the universe.
ما معنى تماثيلة الكون؟ كما قلنا في الخُطبة السابقة تفاحة نيوتن Newton تسقط بالجاذبية، القمر يدور في مداره بالجاذبية، الأرض حول الشمس بالجاذبية، الشمس في موقعها بالجاذبية، نفس القانون! نفس القانون يحكم كل هذه الظواهر! Uniformity of the universe، هو هذا! تماثلية، تساوقية، انتظامية؛ أحسن ربما من تماثيلية! انتظامية.
على فكرة، كلمة Uniformity هذه لها أكثر من ست وعشرين ترجمة عربية! من مآسي الترجمة العربية، Uniformity! المُهم – وهي مُصطلح في علم الجيولوجيا أيضا! الانتظامية هذه، ضد ماذا؟ الكوارثية – نرجع إلى ما كنا فيه:
قال له كان من المفروض أن نتوقع ماذا؟ كونا فوضويا. ما وجدناه ليس فقط كونا مُنظما – يقول أينشتاين Einstein لموريس سولوفين Maurice Solovine – ومحكوما بالقوانين، بل وجدنا كونا محكوما بقوانين قابلة أن يعقلها البشر، الإنسان!
العجيب أنه قال له قد تقول نعم؛ لأن هذه قوانين العقل البشري! انتبه إذن، هذه ربما جوهرة خُطبة اليوم، هذا المعنى! وكما قلنا من أجله كانت خُطبة اليوم، لكننا نُريد أن نُوسعه، ويحتاج إلى مُحاضرة له وحده هذا، انتبه! هذه النُقطة بالذات!
يُمكن أن يقول لك أحدهم نعم طبعا، طبيعي يا أخي، هناك كون وعنده قوانين، وأنت بشر، عندك نوع من الذكاء ونوع من الوعي، طبيعي أنك تُعيد ترتيب فهم الكون، بطريقة مُستمدة من عمل الكون! كيف يسير الكون؟ كيف يجري الكون؟ يقول أينشتاين Einstein نوع من إعادة ترتيب الكلمات!
لا، الذكي – أينشتاين Einstein هذا! ليس لعبة – يقول له الحالة ليست هذه، إياك أن تُفكر هكذا! الملاحدة هكذا يُفكرون على فكرة، الملاحدة! كل مَن يحتج بالمبدأ الإنساني الضعيف يُفكر على هذا النحو!
أينشتاين Einstein أجابهم قبل سبعين سنة، في رسالته إلى موريس سولوفين Maurice Solovine، ثنتين وخمسين! قال له الأمر ليس على هذا النحو. هو ليس هكذا، ليس صحيحا كلامك هكذا، إياك أن تفهم هذا! لماذا إذن؟
والله العظيم أنا كنت أفهم هذا وأنا في الإعدادية، أُقسم بالله! حين قرأت العلم. وطبعا خلال تلك الأيام قرأت في فلسفة العلم، وقرأت للكاتب الكبير جون سوليفان John Sullivan، لكن ليس موريس سولوفين Maurice Solovine، صاحب كتاب Limitations of Science، وأنا صغير! أمس حتى عُدت إلى الكتاب. الكتاب يقع في حوالي ثلاثمائة وست وثلاثين صفحة بالإنجليزية.
فهمت هذا، لكنني لم أكن قادرا على أن أُعبر بطريقة فلسفية هكذا! لكن أدهشني هذا! وأدركت أن الله موجود. أينشتاين Einstein أدرك هذا في ثنتين وخمسين! طبعا لم أكن قرأت هذا، ولا سمعت به.
ما هو؟ ما هو؟ كيف يُمكن للعقل البشري أن يضع نموذجا تفسيريا رياضيا – بالرياضيات، مُعادلات – وهو قاعد في البيت؟ ألبرت أينشتاين Albert Einstein درس الكون وهو قاعد في البيت! أنت تسمع اليوم عن الـ Expansionالخاص بالكون! أينشتاين Einstein أول مَن اكتشف هذا! أين؟ في مُعادلاته.
وقبل هذا؟ لا، رفضه. كما قلنا الثابتة الكونية! ورُد له الاعتبار في الثمانية والتسعين. أينشتاين Einstein وهو قاعد أيضا، يكتب على ورق قديم، وقد يكون مُزيتا، سيئا؛ لأن حالته المادية لم تكن جيدة!
أينشتاين Einstein – تقول زوجته – كان يدرس الكون وهو قاعد هناك. أخذوها مرة على مرصد بالومار Palomar، الذي كان فيه إدوين هابل Edwin Hubble، فرأت طبعا خمسة أمتار؛ القُطر الخاص بالعدسة خمسة أمتار! ومسألة عجيبة! وتلسكوب Telescope عجيب! ونظرت من فوق الجبل، شيء عجيب!
ماذا تفعلون؟ قالوا نقرأ الكون، ندرس الكون، نتجسس على الكون. قالت زوجي يزعم أنه يفعل هذا، لكن في البيت، مع أوراق بيضاء! قالوا نحن ندرس الكون على هُدى نظريات زوجك. لولا نظرياته وهو قاعد، مُغلق عليه أربعة جُدران – بين أربعة جُدران، مُغلق عليه باب بيته -، ما كنا لنفهم الكون.
لا إله إلا الله! هذا أينشتاين Einstein، والله خلقه؛ لكي يفهم هذا، وفهّمنا. قال غير طبيعي بالمرة – ليست هذه هي الحالة – أنك وأنت قاعد تضع لي نموذجا تفسيريا، وتبنيه بناء رياضيا، ويكون قادرا على ماذا؟ على التنبؤ! يعرف إلى أين الأمور ستذهب؟ ما الذي سيحصل؟ متى سيحصل؟ كيف بدأ الكون؟ كيف يُمكن أن ينتهي الكون؟ ما وضعه الآن؛ الكون؟
ليس هذا فحسب، أيام أينشتاين Einstein لم يسمع أحد بالثقوب السوداء. سمعتم بالثقوب السوداء؟ أول مَن أعطاها هذا الاسم جون ويلر John Wheeler، أستاذ فاينمان Feynman، هو أول مَن أعطاها: Black holes، ولم يتكلم أحد عنها!
النسبية العامة تكلمت عن الثقوب السوداء! لا بُد أن يكون في الكون أجرام بصفة كذا وكذا، وتفعل كذا وكذا! أينشتاين Einstein قال لك ما الهبل هذا؟ ما هذه الأشياء التي تخرج معي وهي غريبة؟ الرياضيات! ولذلك انتبهوا.
حين تُفكر في الرياضيات، تعلم أن الرياضيات ليست أشياء نُسلمها هكذا، ونشتغل عليها، وانتهى الأمر. لا! أعمق من هذا. الرياضيات فيها سر إلهي، الرياضيات شيء إلهي، ما رأيكم؟ إلهية!
والله أفلاطون Plato – طيب الذكر بلاتو – كان من قديم فاهما! كان يقول لهم الرياضيات من عالم المُثل، من رب العزة. من الله! قال لهم. الرياضيات ليست شيئا أنتم ألفتموه، الخالق أعطانا إياه؛ لكي نقدر على أن نفهم الوجود.
هناك السير روجر بنروز Sir Roger Penrose! تقول لي أعرفه. هذا بمثابة أستاذ، وصديق العُمر طبعا، لستيفن هوكينج Stephen Hawking، وها هو يعيش، وهو سير Sir! مثل أيزاك نيوتن Isaac Newton، سير Sir، اسمه السير Sir!
سير روجر بنروز Sir Roger Penrose، من أكبر علماء الرياضيات في العالم، عقل مُذهل! ماذا يقول؟ من الصعب جدا علي أن أُسلّم بأن الرياضيات، وتفكيرنا الرياضياتي، مُجرد أفكار سعيدة، نجت بسبب الانتخاب الطبيعي!
يستهزئ مِن مَن؟ مِن التطوريين الداروينيين! الذين يُريدون أن يُفسروا كل الدنيا بالانتخاب الطبيعي! كأنه يقول لهم كفى هبلا! كفى هبلا – قال له -، لا للهبل! انتخاب طبيعي؟ قال لا أستطيع أن أُصدّق أن الرياضيات الرائعة، التي يُمكن أن نبني بها مثل هذه النُظم الرائعة، مُجرد أفكار سعيدة، نشأت عشوائيا، وتم استبقاؤها وانتخابها بالانتخاب الطبيعي! قال هذا غير صحيح، الأمر أبعد وأعمق من هذا بكثير.
ولذلك هناك النوبلي؛ العالم الفيزيائي الذي أخذ جائزة نوبل Nobel – بنروز Penrose لم يأخذها، إن شاء الله يأخذها -، وهو مَن؟ يوجين ويغنر Eugene Wigner.
ويغنر Wigner ماذا قال؟ قال إن الهدايا الثمينة التي تُقدمها الرياضيات للعلوم الطبيعية، لا يُمكن أن تُفسر على أنها أشياء من عالم الطبيعة، أو من عالم المادة.
قل لي لماذا؟ إذن ماذا تراها أنت يا ويغنر Wigner – أخذ نوبل Nobel هذا، أخذ نوبل Nobel -؟ قال أنا أراها مسألة إيمانية. مسألة إيمانية! لا بُد أن تُسلّم. شيء مُعطى لنا! مُعطى مِن مَن؟ أنا – قال – لن أتدخل، ستقولون عني مُتدين، وبعد ذلك تسبونني وتلعنوني، يا ملاحدة!
حاصل على نوبل Nobel! قال لك المؤمنون! يدّعي المؤمنون! نحن ندّعي؟ والله نتعلم من الملاحدة – الحمد لله – كيف نُدافع عن الإيمان! نسأل الله أن يُثبتنا وأن يُنورنا. نحن نتعلم من الملاحدة كيف نُدافع عن الإيمان، كفى حُجة عليهم وحُجة لنا – بفضل الله تبارك وتعالى -! قال هذه مسألة إيمان. أنا سأقول لك لماذا هي مسألة إيمان!
هناك جون بولكينغهورن John Polkinghorne! وهذا أيضا من أروع مَن تقرأ له على الإطلاق، مات – رحمه الله – قبل ربما أقل من سنة. هذا أستاذ ستيفن هوكينج Stephen Hawking، واكتشف بعض الجُسيمات دون الذرية؛ الـ Subatomic particles، اكتشفها هو، وسُجلت باسمه؛ جون بولكينغهورن John Polkinghorne!
وكان قسيسا هذا الرجل، تخيل! قسيس، ومن كبار علماء الفيزياء في العالم، أستاذ ستيفن هوكينج Stephen Hawking، وعنده نقد لأفكاره، لكن هو كان مؤدبا جدا جدا، رجل من أروع ما يكون! لكن نقده مشحوذ كالموس، كالـ Razor، كالشفرة! عقل جبار!
ماذا يقول؟ يقول لا يُمكن للعلم؛ العلم أعجز من أن يُفسر لِمَ كانت الرياضيات هي الأنجح في فهم الكون؟ إذن لماذا يا بولكينغهورن Polkinghorne؟ انتبهوا معي، لماذا؟ لماذا لا يقدر على أن يُفسر؟ قال لأن العلم الطبيعي نفسه مبني على الرياضيات.
طبعا العلم الذي يعتبرونه الآن Perfect؛ هو الفيزياء. هذا أكمل العلوم، مع أنه ليس Perfect بمعنى الكلمة، لكنه قريب من الكمال! أكثر اكتمالا بمراحل من الكيمياء، والكيمياء أكثر اكتمالا بمراحل من الـ Biology! معروف! الـ Biology أقل شيء، بعد ذلك الـ Chemistry، بعد ذلك الـ Physics.
قال لأن العلم الطبيعي نفسه، الفيزياء بالذات، مبنية على الرياضيات، أساسها! فلا تستطيع أن تُفسره. ستقول لي لم أفهم! لماذا؟ سهلة! كيف لم تفهم – هداك الله -؟ لأن العلم الطبيعي أساسه ماذا؟ الرياضيات. بالرياضيات نُفسر الظاهرات! إذن أُفسر الرياضيات بماذا؟ لا أقدر! هذه آخر مهاد عندي، آخر Level عندي، آخر مُستوى بنيت عليه! هل فهمت؟
أنت الآن تؤسس العمارة على أساس. ستقول لي والأساس أؤسسه على ماذا؟ وسأقول لك لا، انتهى! الأساس أساس، انتهى! Foundation، انتهى! Bye-bye.
فانظر إلى الذكي بولكينغهورن Polkinghorne، قال لا يقدر العلم على هذا! العلم أعجز من أن يُفسر لِمَ كانت الرياضيات قادرة على أن تفهم، تستوعب الظاهرة الطبيعية؟ لماذا؟ قال لأن الرياضيات أساس العلم.
بالأساس أُفسر! وأُفسر الأساس بماذا؟ قال لك لا أعرف! نحن نعرف؛ الله. الله أعطانا هذا، الله أعطانا نوعا من العقل العجيب، ليس مُتطورا بالانتخاب الطبيعي كما يقولون، غير صحيح! وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي *، أعطانا عقلا مُفارقا، عقلا مُجاوزا، نفحة من روح الله، نفحة ونفخة! نفحة ونفخة من روح الله تبارك وتعالى، هيمنا بها.
هذا الذي هز أينشتاين Einstein! قال لك هذا يبعث في شعورا روحيا، شعورا دينيا، ولا أجد أحسن من وصف ديني لوصف هذه الحقيقة. وعنده عبارة مشهورة، كلكم تعرفونها! أكثر شيء غير مفهوم في الكون، أو بصدد الكون – About the universe. قال هو! بصدد، فيما يتعلق بالعالم. قال! بالكون، About the universe -، أن الكون قابل للفهم. الله! يا عيني على العباقرة!
قال أكثر شيء غير مفهوم – Incomprehensible، قال إنه غير مفهوم – أنه هو قابل للفهم. إذن لماذا قابل للفهم؟ المادي ليس عنده جواب، الإلهي عنده جواب؛ الله خلقه كذلك. لما الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم، وحتى في الـ Bibel، يأمرنا أن ننظر في آيات السماوات وفي آيات الأرض، هو يعلم أن هذه الطريقة تقودك إلى ماذا؟ إلى الإيمان به.
بها تستطيع أن تعرف أنه موجود، وأنه حكيم، وأنه صانع، أي خالق، لا إله إلا هو! مُوجد، مُبدع، كذا! قدير، إلى آخره، إلى آخره! هو يعرف ذلك، لماذا؟ لأنه وضع فيك الاستعداد واللياقة، أعطاك الطريقة المنطقية. والمنطق أساس ماذا هو؟ الرياضيات.
الرياضيات كلها ماذا في الأخير؟ منطق. ولذلك من أعظم الدراسات في هذا الباب أيضا دراسات المُلحد برتراند راسل Bertrand Russell! الرياضيات والمنطق أو المنطق والرياضيات. أساس كل الرياضيات منطق. مَن أعطانا المنطق؟ من أين أتت أُسس المنطق؟ من رب العزة، لا إله إلا هو!
لذلك قلت لإخواني، في مُحاضرة ما بعد الجُمعة السابقة، قلت لهم أحد الأساتذة، وهو أستاذ رياضيات فرنسي، سُبحان الله، شارف الموت – أي مات، يقولون هم اقترب من الموت، ثم عاد -، ورأى أرواحاً.
هناك روح كريمة صحبته في رحلته الأُخروية هذه. وكلما حكى عن هذا، يبكي. قال فقال لي الملك أنت الآن ستعود إلى الدنيا. أنت لم تمت، سنرجعك. ولم يسمح لي – قال – أن أراه. الملك يقوده! ويُخاطبه، ولكن ليس باللسان، كله بالروح، فقط! ويسمع، لكن ليس بالأذن أيضا، شيء عجيب! المُهم، هذه تجارب الاقتراب من الموت!
ستعود إلى الدنيا. قال أنا كنت أُحب ألا أعود، العالم هناك أجمل بكثير، ومُسالم ومُحب أكثر بكثير، ومُحتضن، ودافئ أكثر! قال ستعود! هل لديك أسئلة؟ قال فقلت له نعم، لدي بعض الأسئلة. سأله سؤالا اعتراضيا، قال ومن قبلها، كنت مُلحدا. لا يؤمن بالله، هذا الفرنسي، الأستاذ في الرياضيات.
قال فسألته سؤالا ذا طابع اعتراضي، يتعلق بالكون. حاسبها بطريقة غلط هو! قال فقال لي الملك أنا عاتب عليك، أنت أستاذ رياضيات، لقد أخطأت في حساباتك. وبالفعل – قال – اتضح أن حساباتي خاطئة. ما الذي أعلمه؟ طبعا يعلم!
هو يعلم – هذا الملك الكريم، أو الروح الطاهرة، في العالم الآخر، يعلم – أن الرياضيات وسيلة إلهية، ممنوحة لنا؛ لكي نعي ونُدرك ونفهم ونبني استدلالات صحيحة. هذه الروح سطت بأينشتاين Einstein، استبدت به، جعلته يصف الأمر بأنه لُغز أبدي، وبأنه مُعجز!
وكان فاهما أن هناك إلها حكيما – لا إله إلا هو -، هو الذي زود الكون بهذه الخصائص! وهو الذي، في المُقابل، زودنا بخصائص عقلية مُعينة، قادرة على أن تتلقى الكون، وأن تستوعبه، وأن تعقله، وأن تدرسه دراسة مُحترمة جدا.
يُذكّرني هذا بتعريف فلاسفة المسلمين؛ الفارابي وابن سينا وابن رُشد – تعريفات تختلف لفظيا، والمعنى واحد في الأخير -، أن القصد من الفكر – وهم يُسمونه الفلسفة؛ القصد من الفلسفة -، أن تجعل تطابقا بين العالم العياني والعالم الذهني.
كأن ما بالعيان، ما بالخارج، يصير في الذهن، وفي حالة تطابق. الرياضيات تفعل هذا بنجاح باهر! مُعجز بلُغة ألبرت أينشتاين Albert Einstein!
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
(الخُطبة الثانية)
الحمد لله، الحمد لله الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ * وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ *. وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله تعالى عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه، وسلم تسليما كثيرا.
إخوتي وأخواتي/
للأسف سنُضطر أن نختزل الآن، وأن نُنهي الخُطبة، لكن – إن شاء الله – بعد صلاة الجُمعة نُكمل، وعسى ألا نُطيل! فقط أقول الآتي؛ حتى لا أحرم مَن استمع إلى الخُطبة الأولى، من بعض الأشياء التي وعدت بعرضها سريعا:
قلت لكم هناك رقم مُعين مُهم! لن أذكر الأرقام الأُخرى – بعد الخُطبة -، ولكن هناك رقم، لا يُمكن للخيال البشري، أن يتخيله أصلا أو يتصوره! سأُمهد له برقم أقل منه بكثير، وقد فهمتم ما معنى عشرة أس عشرين! عدد الثواني في عُمر الكون كله، عشرة أس عشرين فقط! يا الله! شيء غريب!
إذن ما الذي يحصل يا إخواني؟ الآن حصل الانفجار العظيم، البيج بانج Big Bang هذا! وهناك زمن بلانك Planck! ما زمن بلانك Planck هذا؟ زمن بلانك Planck عشرة أس سالب ثلاثة وأربعين. الله أكبر! أي واحد على كم؟ كذا تريليون تريليون تريليون تريليون تريليون، عشرة أس اثني عشر.
عشرة أس اثني عشر! انظر، لو قلنا ثلاثة! سيكون هناك ستة وثلاثون! يبقى عندنا كم هناك؟ ستة. أي جُزء واحد من مليون تريليون تريليون تريليون تريليون جُزء من الثانية. معقول؟ الثانية لو قسمناها إلى مليون أربع مرات تريليون، جُزء منها اسمه زمن بلانك Planck؟ اسمه زمن بلانك Planck.
ما الزمن هذا؟ شيء لا يُتخيل! جيد! ماذا؟ ما له هذا؟ قال لك في زمن بلانك Planck – At Planck time! هكذا يقولون، على زمن بلانك Planck، في زمن بلانك Planck معناها، على الزمن هذا – حصل الآتي!
الكون طبعا لما انفجر، ما الذي حصل؟ Expansion! جعل يتمدد، بسرعة رهيبة! وطبعا هناك قوى تجعله ينكمش! Contraction! هناك Expansion، وهناك Contraction، أكيد! ما الذي كان يجمعه في الداخل؟ أليست قوى تجاذب مُعينة؟ قصة هذه! هناك الجاذبية، وهناك الكهربية، والكهرومغناطيسية، والقوى النووية القوية، وقصة! قصة كبيرة يعرفها كل مَن درس الفيزياء الحديثة والمُعاصرة!
جيد! قال لك الآن هناك توازن! أكيد حصل هذا، بنسبة مُعينة؛ لكي يتمدد! كان يُمكن أن يتمدد إلى ما لا نهاية، ولا تتكون النجوم والمجرات، بسرعة رهيبة! لا يتكون شيء، لن نكون هنا ونعمل الخُطبة هذه، إن شاء الله لا تكون ثقيلة على قلوبكم وعقولكم. وكان يُمكن العكس! لو قل، يُعاود الانهيار! يصير Recollapse – أي يعود! هناك Collapsing، وهناك Recollapsing، يرجع وينهار على حاله، يرجع -!
كم دقة هذا التناسب – Proportion، لا بُد وأن يكون هناك تناسب بين هذا وهذا -؟ قال لك وحدة واحدة من عشرة أس خمسة وخمسين! وأنتم فهمتم عشرة أس عشرين ما معناها، عشرة أس خمسة وخمسين!
أي هذه التناسبية بين الانكماش وبين التمدد، لو اختلفت بالزيادة أو النقص، ولنقل زاد توسعه، بمقدار واحد على عشرة أس خمسة وخمسين، فسيظل يتوسع إلى ما لا نهاية، ولن تتكون لا مجرات ولا غير ذلك، وانتهى كل شيء! ولو نقصت بالمقدار نفسه، فسيرجع ويحصل له انهيار.
يا ربي! معقول؟ هذا كلام مَن؟ كما قلنا كلام مَن؟ مَن الصوفي الذي حكى هذا؟ مَن المُدروش؟ لا والله، علماء وملاحدة. قال لك هذا الموجود، هو هكذا! حساباتنا تقول هذا، الرياضيات. الله أكبر! لا إله إلا الله! هكذا انظر إلى دقة الخلق.
الآن تعالوا إلى الرقم الأكبر من هذا تريليونات تريليونات المرات! ستقول لي كيف؟ سوف ترى. ونختم به – إن شاء الله – الخُطبة الثانية:
هذا الرقم لروجر بنروز Roger Penrose! السير روجر بنروز Sir Roger Penrose، ها هو ما زال حيا، أعطته الملكة لقب سيرSir ، مثل إسحاق نيوتن Isaac Newton، علّامة كبير!
ماذا قال؟ ونحن سنتكلم بلُغة غير فنية. هو يتكلم عن فضاء الطور، الـ Phase space اسمه! في علم الأحياء موجود، في الرياضيات موجود، في الفيزياء موجود! الـ Phase space! لكن باختصار – هو اصطلاح فني علمي هكذا – يُقصد به حصر كل المُتغيرات المُمكنة في نظام، باختصار من غير تعقيد! لا نُريد أن نتكلم كثيرا.
ويحكي عن الإنتروبيا Entropy. أكيد أنكم تسمعون بالإنتروبيا Entropy، لا أُريد أن نتحدث عنها! باختصار الإنتروبيا Entropy ما هي؟ باختصار – باختصار، بسيط جدا؛ لأن أيضا الموضوع مُعقد وطويل في الفيزياء – الإنتروبيا Entropy لها علاقة بالطاقة طبعا، القانون الثاني للحرارة الديناميكية! Thermodynamics، القانون الثاني هو ماذا؟ قانون الإنتروبيا Entropy.
لكن باختصار الحرارة دائما تنتقل من الأعلى حراريا إلى الأدنى حراريا. واضح؟ لماذا؟ ولماذا؟ قصة ثانية، لها علاقة بالروابط الذرية، وبالكمان، الـ Quanta، قصة! المُهم أنها تحدث هكذا.
وهذا القانون غير عكوس، أبدا! اترك الطبيعة تعمل. وهذا الذي يُفسر لك حين تترك حديقتك، وتأتي إليها بعد ستة شهور، أنك تجدها وقد صارت غابة. اترك بيتك، وعُد إليه بعد خمس سنوات، وسوف تجده شبه Ruin، أي خرابة! أليس كذلك؟ اترك قطعة حديد، وسوف تجد أنها صدأت وانتخرت. الجبال تتآكل، النجوم تموت!
ستقول لي الفناء والموت هذا كله بسبب الإنتروبيا Entropy؟ بسبب الإنتروبيا Entropy. وكلما كانت الإنتروبيا Entropy عالية، عني هذا أن الأمور تسير إلى فناء وتموت وخراب! خراب بيت، يخرب الآن.
إذن معناها – ستقول لي أنا فهمت – ربنا عز وجل أول ما خلق الكون، الإنتروبيا – أي الـ Entropy – الخاصة بالكون كانت عالية، ولا مُنخفضة جدا؟ مُنخفضة جدا. لا بُد أن تكون مُنخفضة جدا. المُشكلة في الفيزياء، وفي الـ Thermodynamics، لكي تكون الإنتروبيا Entropy مُنخفضة جدا، لا بُد أن يكون هناك كنز واكتناز للطاقة، في أضيق حيز!
كلما كبر الـ Space، كلمات كانت هناك إنتروبيا Entropy عالية. قصة! ليست صعبة، لكننا لا نُريد أن نُضيع الوقت في شرحها. جميل جدا! وأنتم تعرفون أن الكون بدأ بماذا؟ بمُتفردة. مسألة لا تزال أصغر من البروتون Proton مليارات المرات! من البروتون Proton، ليس من الذرة، من البروتون Proton!
اسمها ماذا؟ Singularity. ماذا كان فيها؟ فيها كل الكون الموجود حاليا! Oh! في شكل آخر طبعا، لم يكن هناك نيوترونات Neutrons وما إلى ذلك. قصة! قصة مُخيفة مُرعبة، مُرعبة! شيء مُرعب! عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ *، لا إله إلا هو، لا إله إلا هو!
إذن كله كان مُكتنزا فيها! معناها الكون بدأ بإنتروبيا Entropy ماذا؟ مُنخفضة جدا طبعا. وأول ما حدث البيج بانج Big Bang، في ماذا بدأت الإنتروبيا Entropy؟ في أن تزيد! تظل Higher, Higher, Higher! دائما أعلى، أعلى، أعلى! وهي الآن أعلى، ولا تزال تزداد، لا تزال!
وهذه التي ستُفني الكون! التي ستُدمر الكون والحياة في الأخير، هي الإنتروبيا Entropy! ستُدمر كل شيء في الأخير! ولا تقدر على أن تعكس عملها إلا صناعيا. أنت الآن تأتي بماء، تُحوله إلى ثلج، أين الإنتروبيا Entropy أعلى؛ في الماء أم في الثلج؟ في الماء، الماء حرارته أعلى من الثلجة. الثلجة حرارتها أقل، معناها هناك إنتروبيا Entropy أقل.
تقول لي ها أنا أُحول الماء إلى ثلج! لكن ماذا تعمل أنت؟ تعمل طاقة وتحويلات طاقوية، وانظر إلى الثلاجة، ماذا ستفعل؟ تنفث نارا! وتزيد الإنتروبيا Entropy في الـ Space، في الغُرفة الخاصة بك، رُغما عنك! الإنتروبيا Entropy ستظل أعلى دائما، رُغما عنا، لا نقدر على أن نعكس عملها، واضح؟
جيد! ها نحن أخذنا فكرة عامة عن الإنتروبيا Entropy بسرعة. يقول السير روجر بنروز Sir Roger Penrose في فضاء الطور – البداية هذا – حصل الآتي!
تخيله أنت هكذا! أي هذه إمكانية تخيلية هكذا! ماذا لو تخيلنا الرب – لا إله إلا هو – وبيده دبوس Pin؟ دبوس! أينما وضع هذا الدبوس في فضاء الطور، فسيُوجد كون، ومُختلف! لو وضعه هنا؛ كون! يظهر كون! وضعه هنا؛ كون ثان، غير كل الكون هذا؛ الـ Cosmos!
أكوان لا يعلمها إلا الله! فالله يُريد أن يختار ماذا الآن؛ كونا بإنتروبيا Entropy عالية أم بإنتروبيا Entropy واطئة؟ لا، بإنتروبيا Entropy واطئة طبعا، مُنخفضة. جيد! لكي يختار كونا بإنتروبيا Entropy واطئة مُنخفضة – أي Low؛ نازلة –، لا بُد أن المساحة التي يتم فيها وضع الخيار؛ الدبوس، تكون صغيرة جدا جدا جدا.
قال بكم إذن؟ بكم؟ مضبوطة كيف؟ يُمكن أن نتلاعب في كم؟ هامش التلاعب كم إذن؟ قال لك هامش التلاعب – أمسك قلبك، وصل على النبي، عليه السلام. هذا كلامي طبعا، ليس كلام بنروز Penrose – يُساوي كم؟
واعذروني – قال -، هذه الرياضيات، ماذا أعمل؟ الرياضيات! وهو مُلحد، أو لا أدري! الآن تقريبا صار Agnostic هو، إن شاء الله، يا رب، ينتهي بالإيمان، يا رب! ليس مثل تلميذه هوكينج Hawking.
قال يُساوي واحدا على عشرة مرفوعة للأس عشرة مرفوعة للأس… ستقول لي نعم، عرفت! دخلنا في الهبل هنا! دخلنا في شيء عجيب! أنا شعر رأسي وقف الآن، والله العظيم! أُقسم بالله وأنا أحكيها، شعر رأسي هكذا وقف!
ليس واحدا على عشرة أس مئة وثلاثة وعشرين! ستقول لي مئة وثلاثة وعشرين؟ لا، يا ليت هكذا! يا ليت! تسمعون أنتم بالجوجل Google؟ ستقول لي كيف لم نسمع به؟ هناك أداة البحث هذه! نعم؛ لأن هذا من قبل، لماذا سموها جوجل Google؟
لماذا سموها جوجل Google؟ قديما كان هناك عالم رياضيات كبير أمريكي، وعنده ابن أخته، كان خاله هو، قال له أُريد أن أُفكر في رقم رهيب غير موجود في الكون! أي عدد ذرات الكون أقل من هذا بكثير، عدد جُسيمات الكون أقل من هذا بكثير! قال له ما هو يا خال؟ قال له هكذا نقول مثلا عشرة أس مئة. أي واحد وقدامه مئة صفر! ماذا نُسميه؟ الطفل الصغير قال له جوجل Google.
قال له جوجل Google؟ قال له جوجل Google. جوجلة! صار اسمه جوحل Google، جيد! اتضح أن عنده قصة هذا الجوجل Google! فعشرة أس مئة اسمها ماذا؟ جوجل Google. رقم رهيب! مُخيف مُرعب الجوجل Google هذا! يُوجد ما هو أكبر منه في الرياضيات؟ يُوجد، جوجل بلكس Googolplex. ما هو جوجل بلكس Googolplex؟
جوجل بلكس Googolplex عشرة أس جوجل Google. أي الجوجل Google واحد قدامه مئة صفر، والجوجل بلكس Googolplex واحد قدامه جوجل Google أصفار. لا إله إلا الله! ستقول لي أنا لو عشت عُمر الكون، فلن أنتهي من كتابته. وهذا صحيح طبعا!
الآن فهمتوها، أرأيتم؟ لو عشت أنت أربعة عشر مليار سنة، في كل ثانية تكتب صفرا؛ تك تك تك تك… فهل تعرف كم صفرا سوف تكتب؟ سوف تكتب عشرة أس عشرين صفرا فقط! ليس عشرين صفرا، عشرة أس عشرين، مئة كوادريليون Quadrillion! لأن عشرة أس ثمانية عشر، هذا ماذا؟ كوادريليون Quadrillion.
مئة كوادريليون Quadrillion فقط! متى سأكتب جوجل Google؟ لن تكتبها طيلة حياتك. إذن وجوجل بلكس Googolplex؟ لا أحد سيكتبها، إلا رب العزة، لا إله إلا هو! إلا رب العزة. مَن يكتبها؟ عدد الأصفار هذه؛ جوجل بلكس Googolplex صفر!
رقم بنروز Penrose أكبر من هذا، يا الله! أكبر من هذا بكثير! قال الضبط الذي بدأ به الرب أو الخالق صناعة هذا الكون، إيجاد هذا الكون، كان من الدقة بحيث أنه حساس لـ، يتأثر بـ – سيختلف الـ Outcome، النتيجة، المُحصلة ستختلف، لو حصل الآتي – في حدود ماذا؟ في حدود واحد على عشرة مرفوعة لأس عشرة مرفوعة لأس مئة وثلاثة وعشرين!
أي ليس عشرة أس جوجل Google! يكون ماذا هذا؟ جوجل بلكس Googolplex. قال لا، عشرة أس مئة وثلاثة وعشرين! أكثر من جوجل بلكس Googolplex! رقم لا يكاد يُصدق! أي هل كان مُمكنا هذا؟
السؤال الآن؛ بالله عليكم، وهل هذا جاء بالصُدفة إذن؟ والصُدفة السعيدة كونتنا نحن البشر، وجاء أينتشاين Einstein والسير روجر بنروز Sir Roger Penrose وموسى وعيسى وسعيد وحميد وحميدة؟ جاءت كلها صُدفة الحكاية هذه؟
وبعد ذلك أين؟ انتبهوا، في كون، أين هي قوانينه حينها؟ أين القوانين؟ كانت هناك قوانين؟ كان هناك ثوابت؟ كان هناك شيء؟ مَن الحاكم على القصة كلها؟ أنت ألق لي نظرة بالروح هكذا، بالروح الخاصة بك، ليس بالعقل، بالروح!
طف بروحك هكذا على المشهد هذا تخيليا، وقل لي ما الحضور – الـ Presence – الذي كان هناك، وحكم القصة هذه كلها؟ لا أقدر على أن أفهم إلا أنه حضور الرب، لا إله إلا هو! الـDivine presence ؛ الحضور الإلهي! الله، لا إله إلا هو!
والله يقول عنا نحن الآن – نحن الآن قاعدون -: هو معنا! قال فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ *. حاضر! حضور مُطلق أبدي أزلي! الحاضر هناك كان الرب، لا إله إلا هو! اللهم عرفنا بك، ودلنا عليك، وزدنا إيمانا بك وتوقيرا لك ومعرفة بك ودلالة عليك.
اللهم رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ *. اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما وفقها ورشدا. اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أسرفنا وما جنينا على أنفسنا وما أنت أعلم به منا.
اللهم حبب إلينا وإلى أزواجنا وأولادنا؛ أبنائنا وبناتنا، وإخواننا وصديقنا فيك وكل مَن له حق علينا، حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين.
اللهم لا ترفع يدك عنا، اللهم لا تخذلنا، اللهم لا تخذلنا، اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك، برحمتك يا أرحم الراحمين.
عباد الله/
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْق ُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ *، فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ *، وأقم الصلاة.
انتهت الخُطبة بحمد الله
(16/9/2022)
أضف تعليق