كتب المستشار عبد الجواد ياسين في كتابه”السلطة في الاسلام : العقل الفقهي السلفي بين النص و التاريخ” يقول :(لقد فعلت السلطة كثيرا في التاريخ . و فعل التاريخ كثيرا في العقل . و بشكل مباشر،وغير مباشر صار العقل المسلم أسيرا للفعلين كليهما ؛ لفعل السلطة في التاريخ اي ” لتاريخ السلطة ” و لفعل التاريخ في العقل اي ” لسلطة التاريخ “فأما تاريخ السلطة فقد أورث هذا العقل خضوعا شبه كلي” للحكومة ” بالمعنى المطلق، و أما سلطة التاريخ فقد أورثته خضوعا شبه كلي للماضي بالمعنى المطلق كذلك).
و يؤكد الاستاذ الدكتور محمد بن المختار الشنقيطي في كتابه “الخلافات السياسية بين الصحابة : رسالة في مكانة الأشخاص وقدسية المبادئ “. على ما يلي :(لقد نشأ الفقه السياسي الاسلامي متكيفا مع واقع القهر و الاستبداد الذي خلّفته حرب “صفين” ولم يقتصر هذا التكيف على تفسير التاريخ السياسي الاسلامي ؛ بل تجاوزها الى النظرية السياسية الاسلامية، و هو ما يجعل المهمة اليوم عسيرة و لا بد للدارس للفقه السياسي و التاريخ الاسلامي من الانتباه لهذه الظاهرة و الاجتهاد في البحث و التنقيب لبناء صورة دقيقة لما حدث في صدر الاسلام من فتن و خلافات سياسية لا تزال تلقي بظلالها على الامة حتى اليوم،فالبحث في هذا المجال أقرب الى عمل علماء الاثار الذين يدرسون أطلالا دراسة عبثت بها أيدي الزمان. و مما يزيد في عسرالمهمة الخلط الضمني بين الوحي و التاريخ في المرجعية ، وهو أمر سائد في الفكر الإسلامي اليوم جراء نقص في الوعي بالتاريخ لا يميزصورته وعبرته(،ثم يضيف:) إن الإنفعال السائد في الدفاع عن السلف قد أهدرقدسية المبادئ حرصا على مكانة الأشخاص واستحال ردا للغلو بغلو مع تعميم وتهويل يساوي بين عثمان وكاتبه مروان،وبين عمار وقاتله أبي الغادية)ويزيد الأمر وضوحا:(لكن كشف فضائح المستبدين المعاصرين غير ممكن ما دام الحديث عن الإنحرافات السياسية التي بدأت في عصر الصحابة مطبوع بطابع التبريروالدفاع لا بطابع الدراسة المجردة الهادفة إلى الإعتبار،وما دام الحديث عن تلك الفتن والخلافات السياسية يتحكم فيه فقط فقه التحفظ لا فقه التقويم،ذلك أن من طبيعة المبدا الأخلاقي العموم والأطراد؛ فليس من الممكن تحريم الظلم السياسي على الخلف وإباحته للسلف دون الوقوع في تناقض فكري وأخلاقي) .
وبنفس التشريح المنهجي والفهم الألمعي تزيدنا إسهامات الشيخ الدكتور حسن بن فرحان المالكي تدقيقا؛فيقول في كتابه”الصحبة والصحابة”:(وكانت الساسية تلعب ايضا الدورالأكبر في توسيع الفجوة بين علماء المسلمين وعوامهم ولم يكن الساسة يشتهون الفرقة بين المسلمين لمجرد الإفساد بينهم؛ولكن كانت لهم مصالح في تأييد هذه الجماعة أو تلك ومنها إظهار الحاكم نفسه بمظهر الحريص على سلامة العقيدة والحامي لها من الطوائف الأخرى؛فلذلك شكل مغفلو الصالحين والعوام الساعد الأيمن لكل سلطة تستغل هذه القضية على مر التاريخ….وقضية الصحابة من القضايا المستثمرة في تصفية الخصوم أوكبتهم أو التضييق عليهم أو التشكيك في عقائدهم وتنفير الناس عنهم ومن علمهم دون النظر إلى حججهم وأدلتهم( ف) التاريخ الإسلامي مبتلى ببعض العلماء الذين يجازفون بإصدار الأحكام المستعجلة حول الأحداث والمواقف والشخصيات والنتائج متناسين الطريقية الصحيحة والمثلى في البحث عن الحقيقة؛ذلك البحث الذي يحترم العلم ،ويلتزم النقل الصحيح ،ويحترم العقل،ولايهمل الاستيفاء في جمع شتات المادة العلمية من مختلف المصادر،ثم يتبع ذلك بتصنيف هذه المادة من حيث القبول أو الرد…)يوجه الشيخ المالكي في كتابه”نحوانقاذالتاريخ الإسلامي”.
مع كل ما سبق يأتينا صوت الشيخ عدنان ابراهيم بشكل إجرائي ونحن وسط محميات الفكر النمطي التي أقامتها السلطة “والإكليروس”المحسوب عليها ليخاطب فينا مفارقات تصوراتنا،وتناقضات ما انطوت عليه أفهامنا ورفعناه إلى رتبة المسلمات على الرغم مما تثيره في داخلنا من قلق وحرج بحكم تعارضها مع أساسيات الشرع والمعلوم منه بالفهم البسيط؛لكننا كنا نمنع أنفسنا حتى من مجرد التفكيرفيها تحرجا من الشرود عن حياض الشريعة،والتولي عن سبيل المؤمنين،فجاءنا صوت الشيخ عدنان ابراهيم ليخرجنا من الخضوع لأقوال الرجال إلى الخضوع لأقوال رب الرجال،ومن ضيق الفهم ونمطيته إلى سعة التدبر ورحابة التفكر،ومن فعل التاريخ “المؤدلج”فينا إلى الفعل والحركة المتحررين إلا من توجيهات الشرع وهديه،إنه صوت لا يتنكر للأصيل ولكنه يرجع البصر فيه كرات ليكشف دعائمه وركائزه،ويزيل عنه تفطراته وسقماته.
إن أهمية الشيخ عدنان بسعة علمه،وغزارة منهله،واندياح تفننه في علوم شتى مع القدر الكبير على الجمع والترتيب والتأليف والتنسيق والربط في سلك محبوك،وعقد مسبوك؛أنه يعيد إلينا حاسة الفكروالتدبر،ويرجع إلينا ذواتنا التي سلبت؛فأسلمنا قيادنا إلى غيرنا ،يقول ابن الجوزي:(اعلم أن المقلد ليس على يقين فيما قلد؛لأن في التقليد إبطالا لمنفعة العقل وهو خلق للتدبروالتأمل،وقبيح لمن أعطي شمعة أن يطفئها ويمشي في الظلمة)،إنه أي الشيخ عدنان يداوينا من داء “الاغتراب الزماني”حيث نحيى حاضرنا بأجسادنا وأزيائنا ولكن بأفهام من سبقونا،إنه صوت ربعي بن عامر من جديد حينما تستمع إليه وهو يحيلك بغزارة إلى المصادر والمراجع تستنتج أنه لا يجعل من نفسه ما انتقد فيه غيره؛إنه لا يفكر لنا ،وإنما يدعونا إلى أن نفكر معه.
أضف تعليق