نظرا لخطورة موضوع خطبة الجمعة “محمد صلى الله عليه وسلم مشرّع أم متبع؟” وضيق الوقت في تناوله من كل جوانبه، ورفعا للبس في الكثير من النقاط التي تناولها فضيلة الدكتور عدنان إبراهيم حفظه الله في خطبته هذه، فقد ألقى فضيلة الشيخ الدكتور عدنان ابراهيم محاضرة مطولة مساء السبت 31/01/2015 الموافق 10/04/1436. وضح فيها موقفه الشخصي من السنة بعامة ومنهجه في التعامل معها وشرح بتوسع مقامي الثبوت والإثبات وحجية السنة.
المحاضرة يمكن أن تعتمد مرجعا في هذا الموضوع لتناولها إياه من جوانب متعددة، وهي ترد على الكثير من المستعجلين في إصدار الأحكام على علاقة الدكتور بالسنة.
مقاما الثبوت والإثبات في السنة النبوية وعلاقتهما بحجيتها
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن ولاه، سبحانك لا علم لنا إلا ما علَّمتنا إنك أنت العليم الحكيم، علِّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علَّمتنا وزدنا علماً، رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَ يَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي ۩ ، أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واهدنا لما اختُلِفَ فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراطٍ مستقيم، أما بعد إخواني وأخواتي:
في الحقيقة هذه المُحاضَرة أو هذا الدرس سيكون بمثابة تهميش وتتميم لخطبة أمس عن رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام – وهل كان مُبلِغاً أم كان مُشرِعاً – عليه الصلاة وأفضل السلام -، ولكن لماذا آثرت أن أصل كلام أمس بكلام اليوم؟!
لأن في الحقيقة الموضوع طويل الذيول كما يُقال، مُعقَد وفيه مواضع كثيرة للاختلاف وللنظر، فبلا شك لا تكفي فيه حلقة أو حلقتان أو خطبة أو خطبتان أو سلسلة، ولكن أنا أريد فقط أن ألفت إلى بعض النقاط الحسّاسة في الموضوع والتي قد تُوجِب عند بعض الناس لبَساً وسوء فهم، فأبدأ بشئ أشبه بالخُطة العامة للموضوع، وكما أشرت أمس في الخطبة بعض الناس يسأل: ما هو مِنهاجك؟!
هل لك مِنهاج أو منهج أو طريقة تسير عليها، تسلكها في التعاطي مع السنة النبوية .على صاحبها أفضل الصلوات والتسليمات وآله؟!
هل أنت من القرآنيين مُنكري السنة تقريباً جملةً وتفصيلاً؟!
ما القضية؟!
لماذا تأخذ أحياناً بأحاديث وترد أحياناً أحاديث أخرى؟!
ما هو الضابط؟!
ما هو المعيار؟!
أم هو محض الهوى والتشاهي، فإذا وافق الحديث أو الخبر هواك ومال مع ميلك أكَّدته واعتبرته، وإذا لم يوافق هواك ولم يواطئ ميلك رددته ونبذته؟!
حاشا لله، أعوذ بالله، فهذا مركب عثور – مركب الهوى مركب عثور – وأسأل الله – تبارك وتعالى – أن يجنبني وإياكم أن نركب متن هذا المركب العثور، فالقضية ليست كذلك بالمرة، وأعتقد أن كل مسلم – لا أتحدث عن نفسي فقط – معني بأمر دينه وبنجاته في آخرته وسعادته في الدارين سيكون حريصاً الحرص كله على أن يتبع الحق وخاصة في مثل هذه المسائل الكبار الضخام، فمسألة السُنة المُحمَّدية مسألة كبيرة، مسألة الأخبار والأحاديث عن رسول الله وما يؤخذ منها وما يُترك والضابط والمنهاج في هذا مسألة كبيرة من كُبريات المسائل على الإطلاق، فالدين كله كما تسالم عليه المسلمون عبر الأعصاركتاب وسنة – الأصل فيه أنه كتاب وسنة -، فكيف يُقال أننا نُنكِر السنة، نتنكر للسنة؟!
هذا شئ فظيع ولا يُقال بهذه الطريقة أبداً أو البتة، فالحاصل أنني أحب أن أتكلم عن مسألة السُنة وحُجية السنة لكن بعد التنبيه على مسألة في غاية الأهمية وهى مسألة مقامي الثبوت والإثبات، فما معنى هذا الكلام؟
ما معنى مقامي الثبوت والإثبات؟!
أولاً إذا أردنا أن أتكلم عن حُجية السنة – طبعاً لا كلام في حُجية الكتاب، لا يُوجَد مسلم على الإطلاق من أهل السُنة، من الشيعة، من الخوارج، من المُعتزِلة له كلام على حُجية الكتاب إلا الباطنية ربما، فهناك طوائف من الباطنية الذين اسقطوا حتى الاحتجاج بظواهر الكتاب وزعموا أنهم يحتجون ببطون الكتاب، وفي الحقيقة انتهوا إلى لا شئ، انتهوا إلى أهواء مُدلهِمة والعياذ بالله وطلاسم وأسرار وألغاز لا يفهمها إلا هم، لا يمكن أن يتمسك منها المرء بشيئ، فنحن نبرأ إلى الله من مثل هذه الخُطة الباطنية، لكن فيما عدا ذلك لا تجد مسلماً يمكن أن يرتاب أو يتردد في حُجية الكتاب وهذا لا كلام فيه، ولكن الكلام الآن في حُجية السُنة – فنحن ننطلق أصالةً وأساساً من ماذا؟!
من مقام الثبوت، بمعنى أننا نُقِر أن هناك سُنةً، فحتماً لا يستطيع أحد عاقل من العقلاء أن يُنكِر أن النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – حين عاش بين أصحابه وأتباعه كان يتكلَّم، كان له أقوال في الدين، وكان له أفعال، وكانت له إقرارات فيُقِر أصحابه وأتباعه ذكورهم وإناثهم على أشياء أو ينكر عليهم أشياء أخرى، وهذه الأشياء نحن نُقِر ولا نرتاب ولا نتردد في أنها صدرت من رسول الله، إذن هذه هى السُنة في مقام الثبوت، وطبعاً تتوزع وتنقسم إلى أقسام وأنواع ويُنظَر إليها من وجوه كثيرة، وتعلمون مسألة الأفعال الجبلية لرسول الله، أي أن الرسول مثلاً كان يأكل وكان يشرب وكان ينام ويضطجع ويستريح ويأتي أهله، فهذه أشياء جبلية يفعلها الرسول وغير الرسول والمسلم وغير المسلم، وهذه من حيث الأصل ليست مُلزِمة لنا – من حيث الأصل – لأنها أشياء مُشترَكة بين كل أفراد النوع الإنساني، وعلى كل حال هناك أشياء ليست على هذا النحو فالنبي كان يفعلها ولها جنبة – كما يُقال – أو وجه ديني، وجه شرعي إن جاز التعبير، فالآن حين نتكلم عن حُجية السُنة نتكلم عن السُنة في مقام ثبوتها، بعد ذلك سيأتي كلام – وهذا مُهِم جداً – يتناول السُنة لا من حيثية الثبوت، لكن من حيثية الإثبات، ومن هنا يأتي التصحيح والتضعيف، يعني لا يسوغ لأحد غير مُتخصِص وغير مُتمرِس بطريقة الجدال العلمي وبأساليب العلماء أن يرد عليك أو على غيرك لأنك أنكرت حديثاً ما بناءً – مثلاً – على أن هذا الحديث لم يصح عندك وإن صح عند بعضٍ أخرين سواك ، فيقول عنك ” انظروا إلى الزنديق، هذا الكافر الزنديق يرد على النبي”، فيا أخي لا يمكن لمسلم يعرف حق رسول الله – عليه الصلاة والسلام – من الطاعة والتبجيل والتوقير والنُصرة والتعزيز أن يرد حديثه فيما لو ثبت عنده مُطلقاً، لكن النزاع هل ثبت أم لم يثبت، فهذا هو مقام الإثبات – إسمه مقام الإثبات – ومن هنا اختلف العلماء حيث أن لهم معايير كثيرة لا يتفقون دائماً عليها في التصحيح والتضعيف وفي القبول والرد، وهذه مسألة أخرى وسنحتاجها طبعاً لكي نعرب عن موقفنا من السُنة النبوية لأننا سنحتاج أن نتكلَّم عن السنة بلحاظ الإثبات، لكن لو تكلَّمنا الآن فقط بلحاظ الثبوت يعني السُنة التي فعلاً ثبت أن رسول الله – عليه الصلاة والسلام – سنها قولاً أو فعلاً أو إقراراً دون أن نعين شيئاً بحياله أو برأسه – هذه السُنة في مقام ثبوتها – هل لها حُجية؟!
طبعاً، فالجماهير من أهل الإسلام اعترفوا بحُجية السُنة طبعاً، ولا تستمعوا إلى من يقول لكم ” لا، فنحن لا نحتاج السُنة”، لأن هذا بالمنطق ليس فقط الحديثي أو العلمي الشرعي بل بالمنطق العام هكذا يُعتبَر عقوقاً، عقوقاً معرفياً، عقوقاً ملياً دينياً، وهذا شئ غريب يا أخي، بمعنى أن الأمم – كل الأمم – لها عظماء ولها قادة ولها رادة وشخصيات مُميزة يؤثر عنهم أشياء من سيرهم، من أقوالهم، من أفعالهم، فكيف تريدونا نحن أن نُحرَم نحن من هذا التراث المُحمَّدي يا أخي بحُجة أن السُنة لا تلزمنا وأن الكتاب كافٍ وفيه كل شئ وانتهينا؟!
فهذا شئ غريب يا أخي، شئ غريب جداً، فلماذا نُحرَم من هذا؟!
هذا عقوق ، قبل أن يكون تحقيقاً علمياً هو نوع من العقوق والجحود لفضل رسول الله، ثم هو بطريقةٍ أو بأخرى تصوير لرسول الله على أنه مُجرَد ساعي بريد – أي Postman -، أي أن هناك شيئ أوحى إليه فجاء بلَّغه كما هو تماماً ثم مضى، وهذا إفك وباطل من القول لا يُمترى في في بطلانه، فأنت تعطي نفسك الآن في القرن الخامس عشر الهجري الحق أن تنظر في آي الكتاب وتجتهد وتستنبط وتستثمر معانيه وتستخرج أحكاماً لا يعطيها الكتاب لكل أحد ثم تريد أن نعتقد وأن نُواطئك على دعواك وزعمك أو أزعومتك أن النبي ليس له هذا الشئ؟!
هل فهمتم مُرادي؟!
فهذا عجيب، يعني هل هذا حق لك، ولكن النبي لم يمارس هذا الحق، كأن لم يُفكِر في كتاب الله الذي نزل على قلبه ولم يكن له فيه فهوم وأنظار وآراء؟!
بالحري كان له، قطعاً كان له، فلماذا تريد أن تهدر هذا بإسم أننا لا نحتاج إلى السُنة؟!
أي عقوق هذا؟!
وأي خلل وخبط منهجي هذا؟!
وأي غرور علمي هذا؟!
تعطي نفسك أنت الحق وتحرم رسول الله من هذا الحق وتريد أن تحرم أمته من ورائه جمعاء من أن تستفيد من تراث محمد. صلى الله على محمد وآل محمد.
هل هذا واضح يا إخواني؟!
هذه مُقدِّمات أعتقد بديهية ويجب أن تكون واضحة، لكن انتبهوا الآن ففي رأي جماعة من مُحقِقي العلماء – ندخل الآن في متين العلم، في عمق المسألة لأن المسألة ليست هينة، لكنها ليست مستحيلة – أنك حين تتكلم عن حُجية السُنة أو حُجية الإجماع أو حُجية القياس أو حُجية أي مصدر من مصادر التشريع لابد أن تستند إلى أدلة قطعية في كلا المستويين: قطعية الورود، قطعية الدلالة.
ومن هنا انتبه فأنت لا تستدل على حكم شرعي عملي، أنت تستدل على حُجية مصدر كامل، أن السُنة لها حُجية كما أن للكتاب حُجية، لابد أن تأتيني بأدلة قطعية، ليست أدلة مظنونة، ولذلك – انتبهوا – منهجياً – أي من ناحية منهجية – لا يسوغ أن نبدأ مباشرةً بأحاديث آحاد ونقول “النبي أثبت هذا وقال ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه” وأحاديث مثل هذه، لأن هذه الأحاديث آحاد أي ظنية الورود وإن تكن قطعية الدلالة، فهى لا تصلح للاحتجاج في هذا المقام وإلا يكون خطأ، ثم إنها بطريقةٍ أخرى تستلزِم الدور، يعني أنت تحتج لحُجية السُنة بأحاديث من السُنة، وهذا الدور مستحيل منطقياً ولا يصلح، لذلك هذه ليست بالطريقة الصحيحة علماً بأن طبعاً هناك أساليب للسادة العلماء من مُحقِّقي الأصول في التدليل والإحتجاج لحُجية السُنة ومنها أيضاً العقل – دليل العقل -، فأهم الأدلة كمُشترِعين، كمسلمين، كمُوحِدين هو دليل الكتاب، لأن القرآن قطعي الورود وهذا لا كلام فيه فهو ليس مثل السُنة الآحادية، إذن القرآن قطعي الورود، فحتى السنة المتواترة والمشهورة إذا تستدل بها على السُنة على أنها حُجة هذا يُعَد دوراً، ومن ثم أنت وقعت في الدور، ولكن نحن نتكلم أصلاً في حُجية السُنة من حيث هى، هل تؤخذ أو لا تؤخذ؟!
تُلزِمنا أو لا تُلزِمنا؟!
فينبغي أن نحتج الآن بالكتاب، ومن هنا أنا وقفت وقفة وإن لم تكن ربما بالطويلة في خطبة أمس مع أدلة الكتاب، مع أشهر وأظهر ما يُستدَل بهمن أدلة الكتاب على حُجية السُنة، فمن حيث الورود كل آيات القرآن قطعية الورود، لكن الآن السؤال: هل هناك آيات قرآنية قطعية الدلالة على حُجية السُنة؟!
هذا الشيئ مُهِم جداً، ومن أشهر ما يحتجون به قول الله – تعالى – في سورة النحل وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ۩، وقد أثبت أنا بالأمس”محمد صلى الله عليه وسلم مشرّع أم متبع؟“على الأقل – وهذا لا ينبغي أن يُجادَل فيه كثيراً – قرآنياً أن هذه الآية ليست نصاً فيما ذهبوا إليه، فالآية لا تقول هذا بطريق النص، ولكن هل تعرفون ما معنى النص؟!
باللغة الأصولية يعني طريقة قطعية أيضاً، أي أن الآية لا يُفهَم منها إلا معنى واحد فقط هو أنه نزَّلنا إليك الذكر لكي تشرحه وتفسره للناس، ولكن هذا غير صحيح، فيُمكن أن يُفهَم منها – وهى طريقة أقوى كما أعتقد إلى الآن على الأقل وقد أكون مُخطئاً – أن معنى التبيين هنا هو الإظهار وعدم الكتم، والعجيب أن الآيات التي تدل على هذا كثيرة – الآيات تدل على أن معنى التبيين الإظهار أي ألا يُكتَم و أن يُتلى -، وذكرت لكم مثلاً قول الله – تعالى – في سورة المائدة مُخاطِباً أهل الكتاب وليس نحن
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ۚ ۩، فجعل التبيين بإزاء الإخفاء، ولذلك قال بعضهم في تفسير آية النحل – لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ۩ – أن المقصود ببيانه تلاوته، أي لا تدسه وتُخفه، وإنم بلِّغه،
يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ ۩، فصار التبيين هنا بإزاء الإخفاء، فالمقصود ببيانه تلاوته، فضلاً عن أن الله يقول لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ ۩رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً ۩، فما هى الْبَيِّنَةُ ۩؟!
التلاوة.
هل هذا واضح؟!
أرأيتم كيف يكون القرآن كيف؟!
هذا هو الدرس الموضوعي للقرآن الكريم، تأتي بأي لفظة تُريد أن تدرسها في كل الكتاب وترى كيف القرآن نفسه يفسرها، إذن هذا هو البيان، أي أن يُتلى، أن يُظهَر ولا يُخفى ولا يُدس ولا يُخبأ أو يُخبّأ، هذا هو، هذا مُحتمَل، ولكن قد يقول لي أحدهم “هذا مُجرَّد رأي”، لكن هذا الرأي بمُجرَد أنه موجود والقرآن يشهد له فارقت به الآية النصية المزعومة فلا يُقال إن آية النحل نص في أن النبي له صلوحية أن يُفسِر وأن يشرح وإلى آخره، وقد يقول لي أحدهم أيضاً ” عجيب يا أخي فهذا يتناقض مع ما قلته قُبيل قليل – طبعاً أنا من أكثر الناس ربما الذين يُتهَمون بالتناقض، ودائماً أقرأ هذا في التعليقات وأضحك طبعاً فليس من السهل أن تتهم أحداً بالتناقض قبل أن تحاوره في مُعظم الوقت ولن أقول قبل أن تُحاوِره دائماً حتى أكون مُتواضِعاً، علماً بأنني لو وقعت على شئ سأعود عنه على المنبر أيضاً – فأنت تناقضت يا دكتور مع نفسك”، غير صحيح، لم أتناقض ولكن نت لم تفهمني، لم تستوعب النظرية، فماذا أفعل؟!
إن كنت تُريد أن تتهمني بالتناقض فأنت حر ولكن أنت لم تفهم!
فيقول لي “هذا فيه تناقض لأن أنت قُبيل قليل قلت هل يسوغ أن يُحرَم رسول الله من النظر في الكتاب والفهم، والآن أنت الآن تقول ليس هذا محل للنزاع، هذا مضمون لي ولك، فكل مسلم مأمور بأن يتدبر في كتاب الله وأن ينظر في كتاب الله، فكيف برسول الله وعليه أُنزِل ؟!”، وأنا أقول له: ليس هذا محل نزاع، محل النزاع أننا نُريد دليلاً من كتاب الله أن رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام – حين ينظر في كتاب الله ويفهم ويستخرج وإلى آخره يكون مُلزِماً لنا، فيكون كلامه حُجة وفهمه حُجة، أي عُدنا إلى حُجية السُنة مرة أخرى، فهل هذا واضح؟!
فأين هذا؟!
نُريد الدليل القطعي في دلالته، علماً بأننا نتحدَّث الآن على مُستوى الكتاب، فكل آية قرآنية هى قطعية الورود ولا كلام في هذا، ولكن المحك هو الدلالة، فنحن نريد دلالة قطعية، وهذه ليست دلالة قطعية لأن التبيين هنا – لِتُبَيِّنَ ۩ – ليس بالضرورة أن يكون بمعنى الشرح والتفسير وتخصيص العام وتقييد المُطلَق وتفصيل المُجمَل – ليس بالضرورة -، بل أن ظواهر الكتاب دالة على أن التبيين بمعنى عدم الإخفاء، وهذا ما شرحته أمس فلا نُريد أن نُطوِّل هنا، ولكن يضح الأمر أكثر بضميمة أن القرآن ذكر في آي كثيرات أنه كتاب بيّن، أنه كتاب مُبين، أنه آيات بينات، أنه آيات مُبينات، أنه نزل تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ۩، فمثل هذا الكتاب بحسب هذه الآيات يبدو أنه غير مُحتاج إلى الشرح والتفسير بالمعنى الذي فهموا به وعليه كلمة لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ۩، هو لا يحتاج لهذا لأنه يقول بيقول لك “أنا بيّن، أنا بيّن ، أنا مُفسَّر، أنا مشروح”، وهذا أمرٌ غريب ولكن كما قلت في خطبة أمس هذا لا يقضي حق الموضوع، فكل واحد أيضاً مُضطَر أن يُذعِن وأن يُسلِم – وأنا أول الناس – أننا لا نجد على الأقل بشكل مفهوم وواضح أعداد الصلوات، كيفيات الصلوات، كيفيات تفصيلية للحج والاعتمار، ما يختص بالزكاة وأنصباء الزكاة وما يتعلق بهذه الموضوعات، وهكذا في سائر شئون التشريع في الكتاب، ومن يزعم عكس هذا يكون مُكابِراً، فقطعاً هذا يدخل في عمل النبي، في مُهِمة النبي، فالنبي لم يكن ساعي بريد، الكتاب نزل على قلبه الشريف أكيد، ولكن أين الدليل؟!
الآن يستدل بعضهم بنحو قوله – تبارك وتعالى – يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ۩، ولكن أين وجه الدليل هنا؟!
أين وجه الاستدلال في هذه الآية من سورة النساء؟!
ولكن المقصود الطاعة المُستقِلة المدلول عليها بإعادة العامل، فالله لم يقل يا أيها الذين آمنوا أطيعو الله والرسول، وإنما قال يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ۩، ولم يقل أيضاً وأطيعوا أولي الأمر منكم، ففُهِمَ من إعادة العامل وهو الفعل أَطِيعُواْ ۩الذي نُسِبَ به الرسول – وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ۩ – حيث أنها منصوبة بالعطف أن النبي يُطاع استقلالاً، وهذا الدليل أقوى من لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ۩، لأن هذا يخدمنا أكثر، لأن وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ ۩ تدل على أن الطاعة مُستقِلة بإعادة العامل، فلو كانت طاعة مقرونة غير مُستقِلة – طاعة تبعية – لقال وأطيعوا الله والرسول، وهناك آيات كثيرة تقول هذا كقول الله في موضع آخر وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ ۩ وكقوله أيضاً وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۩، ولكن هنا الآية واضحة، حيث قال الله أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ۩بمعنى أن هذه الطاعة المُستقِلة ليست مُشرَطة أو مشروطة بالرد إلى الكتاب، فلا يقول مؤمن أو مؤمنة” نعم يارب، لبيك، نحن نطيع رسولك فيما وافقك من كتابك، فننظر إلى الشيئ الذي يأمرنا به أو ينهانا عنه أو يشرحه لنا ونُعيد إلى الكتاب، فإن واطأ الكتاب أخذنا به، لأنها طاعة تبعية، أي تبعاُ للكتاب”، ولكن الله سيقول لنا إذا قلنا هذا” لأ، أنتم الآن افتريتم وكذبتم ولم تفهموا كلامي، أنا قلت أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ۩، بمعنى أن الرسول تجب طاعته – عليه الصلاة وأفضل السلام – دون شرط الرد إلى الكتاب، فلا تصدع دماغك بقولك ” لحظة يا رسول الله نُريد أن نرى مدى اتفاق كلامك هذا مع القرآن”، فهذا لا يُقال إلى رسول الله وإنما تقوله لعالم، لمُجتهِد، لصحابي، لأبي بكر، لعمر، لفلان، ولكن لا يُقال لمحمد .عليه الصلاة وأفضل السلام.
قد يقول لي أحدهم “لأ، هنا لم نفهم – انتبهوا لأن هذه أشياء دقيقة وعميقة ولكن القرآن أعمق بفضل الله، فالقرآن هو الهداية والأضواء الهادية – فهذا يتناقض يا أخي مع بعضه، فالصحابة أنفسهم لم يفهموا هذا الفهم”، ومن ثم سأسأله لماذا؟!
سيقول لي: لأن الحباب بن المُنذِر في بدر قال للرسول يا رسول الله هذا المنزل الذي نزلته منزل أنزلك الله إياه فليس لنا أن نجاوزه, أو منزل نزلته للحرب والمكيدة؟!
علماً بأن هذا ورد في الأثرعندما سأله السعدان ابن معاذ وابن عبادة سيدا الأنصار الأوس والخزرج: يا رسول الله أمرًا تحبه فنصنعه، أم شيئًا أمرك الله به لا بد لنا من العمل به، أم شيئا تصنعه لنا ؟!
وهو أن نُجري هذه المفاوضة مع غطفان بأن نعطيهم ثلث ثمار المدينة على أن يعودوا ولا يُشرِكوا المُشرِكين الأحزاب في الحرب علينا والإلب، ومن هنا قالوا: يا رسول الله أمرًا تحبه فنصنعه، أم شيئًا أمرك الله به لا بد لنا من العمل به، أم شيئا تصنعه لنا؟!
قال “بل هو شيء أصنعه لكم”، أي لأنني رأيت الناس قد تألبوا عليكم فأردت أن أخفف عنكم، فقالوا”والله لا نعطيهم إلا السيف”، إلى أخر الخبر.
إذن قد يقول لي أحدهم أن ما حدث مع الصحابة عكس كلامي، ولكن بالعكس هذه المواقف وهى كثيرة من الصحابة الكِرام – عليهم الرضوان والرحمة – تُؤيِّد كلامنا، أي تُؤيِّد أن طاعة الرسول استقلالية، ولكن لماذا يا إخواني؟!
عليكم أن تعودوا إلى خُطبة أمس، فحين نقول (الرسول) وليس (النبي) مباشرةً يُفهِم ماذا ويحيل على ماذا؟!
على الجنبة أو الجهة التشريعية لرسول الله، ولكن ما معنى الجهة الشتريعية؟!
الجنبة التبليغية، أي محمد كمُبلِّغ شرع، مُبلِغ عن الله – تبارك وتعالى -، فالنبي يبلِّغ عن الله، ولكن في الشئون الدنيوية وفي الشئون غير التبليغية المفروض أن يُخبَر بماذا؟!
(النبي)، وليس في كتاب الله آية واحدة تقول “أطيعوا النبي”، بمعنى الآن محمد – صلى الله على محمد وآل محمد – حين نزل ذلك المنزل في بدر هل نزله كرسول أو كنبي؟!
كنبي.
إذن هل تلزم طاعته الصحابة؟!
لا تلزم، بل هم أحبوا أن يعرفوا هل هو نزله كنبي أم كرسول، والحقيقة أنه نزله كنبي، كقائد أمة، قائد عسكري، إمام، ومن هنا قالوا “إذا كان هذا اجتهاد من عندك فلا تلزمنا لأن لنا وجهة نظر أُخرى، هذا المنزل ليس هذا بمنزل بمنزل، أما إن نزلته كرسول تُبلِغ عن الله نحن سنُسلِم مباشرةً دون كلام لأننا نعلم أن الخير كله في اتباعك”.
فالآن الله قال أطيعوا الله وأطيعوا النبي أم أطيعوا الله وأطيعوا الرسول؟!
قال وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ۩ – عليه الصلاة وأفضل السلام -، ولكن هذا حلَّ شيئاً وعقَّد شيئاً آخر، فقد تقول لي: بما أن الرسول – عليه الصلاة والسلام – ليس له في موضوع التشريع إلا البلاغ لقوله تعالى إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ ۗ ۩ فما هى الفائدة التي استفدناها وما هى الجدوى التي أجداها تكرير العامل وإفادة أنه يُطاع مُستقِلاً، فالمفروض أن الطاعة المُستقِلة كالطاعة التبعية ، فسواء أقال الله أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ۩ أو قال أطيعوا الله والرسول فالأمر سواء لأن النبي لا يُشرِع من لدن نفسه، إنما هو مُبلِغ تشريع ؟!
هذا غير صحيح، ولي في هذا طريقة – بفضل الله – في الاستدلال على حُجية السنة لم أُسبق إليها، فهذا الكلام أنا لم أقرأه في كتاب من قبل، قد يكون أحد العلماء أكيد سبقني إليه ففضل الله واسع، ولكن إن لم تجدوه فهذه هى طريقتي أنا – بفضل الله تبارك وتعالى – فإن تكن صواباً فمِن الله وتوفيقه، وإلا من نفسي ومن الشيطان، وهذه طريقة عجيبة ودقيقة قرآنياً، فالطاعة المُستقِلة هنا حقها أن تفيد شيئاً جديداً لأن لا يُوجَد في القرآن الكريم حشو ومن ثم هناك فرق كبير بين ” وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ ۩ ” و “أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ ۩“، علماً بأن الله قال وَأُولِي الْأَمْرِ ۩، أي طاعة تبعية فولي الأمر يُطاع ما أطاع الله والرسول، فلا يُمكِن أن يُطاع على غير هُدى لمُجرَّد أنه ولي أمر بصرف النظر عن ما يقوله، فهذا غير صحيح، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
ذات مرة خاطب أحد أمراء بنى أمية أحد علماء التابعين – عالم تابع مُعارِض وينتقد عليهم أخطاءهم وتجاوزاتهم وطغيانهم – فقال له هذا الأمير الأموي: يا فلان أنسيت أن الله – تبارك وتعالى – أوجب عليكم طاعتنا حين قال وَأُولِي الْأَمْرِ ۩ ؟!
وطبعاً هذا غير صحيح وتلاعب بالدين من قبل السلاطين، فرد عليه التابعي الجليل بقوله: وهل نسيت أن الله تبارك وتعالى نزعها منكم؟!
فقال: أين؟!
فهى تُنزَع أحياناً طبعاً بشروط في ظل حالات معينة، فقال: في قول الله – تبارك وتعالى – فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ۩.
ثم استتلى قائلاً: والنزاع حاصل، فيُوجَد خلاف بينا وبينكم، أنتم لم تعدلوا بل طغوتهم وتعديتم وبغيتم فليس لكم طاعة مُطلَقة، لذلك يقع النزاع بيننا وبينكم ، والرد لا يكون إليكم، وإنما يكون الرد إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ۩ وليس إليكم.
فهل هذا واضح؟!
وبالمُناسَبة هذه الآية أحد أقوى الأدلة على أن الأئمة – أئمة أهل البيت، أي عليّ عليه السلام والآخرين – ليسوا معصومين، خلافاً لإخواننا الشيعة، لأن الشيعة يؤكِّدون أن ولي الأمر بعد رسول الله هو عليّ، ولكننا نقول لهم: مرحباً بالوفاق، سنُسلِم بهذا ولكن هذا يدل على أنه غير معصوم، وهذا ما سيسقط أشياء كثيرة في نظريتكم، لماذا ؟!
لأ الله يقول: ولي الأمر يقع معه الخلاف والنزاع، والرد لا يكون إليه، فلو كان معصوماً لكان الرد إليه، لأنه دائماً في أي خلاف ونزاع يكون مُصيباً وأنتم تكونون المُخطئين، لكن الله قال “ولي الأمر” ولم يستثن الإمام عليّ ولا أي أحد من أهل البيت، فكل ما يصح أن يُقال أنه ولي أمر حين ينشب معه نزاع ويثور خلاف الرد لا يكون إليه، وإنما يكون إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ۩، فدل هذاعلى عدم عصمة ولي الأمر، ومن ثم هذا من أقوى الأدلة على عدم عصمة الأئمة علماً بأن هناك طبعاً أدلة أُخرى ولكن هذا دليل مُهِم.
نعود إذن إلى محور حديثنا، إذن هذه الآية دلت على أن لرسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام – طاعةً واجبة علينا تتعدى موضوع تبليغ التشريع، لكنها مُرتبِطة به ودائرة على التشريع – على قضية التشريع – لأن الرسول – كما قلت لكم – حين يُذكَر يكون له علاقة بالتشريع، وهذا جميل جداً ولكن ما هو الموضوع الذي يتعدى تبليغ التشريع ويدور على التشريع وله علاقة به؟!
الفهم في التشريع عن طريق غلغلة النظر والاستنباط والاستثمار، ومن هنا كل الفهوم المُحمَّدية المُصطفوية – على صاحبها الصلوات والتسليمات وآله – من تخصيص عام وتقييد مُطلَق وتفصيل مُجمَل وقياس وما إلى ذلك على المذكور في الكتاب وإلحاق الشئ بشبهه ونظيره تُعتبَر سُنة لرسول الله ومُلزِمة لنا ولها حُجية بقوله تعالى وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ۩ لأن هذه طاعة استقلالية، ومن ثم لا يُقال “فهم رسول الله في النص وفي التشريع لابد أن نُعايره وأن نزنه وأن نقارنه بفهمنا نحن في الكتاب”، لأن الحكاية ليست فهم الرسول والكتاب، وإنما فهم الرسول في الكتاب، فإذا كان هذا فهم في الكتاب فبماذا سيُعايَر ويُقاس ويُقارَن إذن؟!
بفهم آخر وليس بالكتاب، وهذا غير صحيح، فحاشا لأحد مسلم يعرف ماذا يخرج من رأسه أن يقول فهمه يُعايَر بفهمنا نحن أياً نكن صحابة ولا غير صحابة، هذا مستحيل ، فهو أجودنا فهماً وأسدنا وأحسننا وأعمقنا، والأصل أن فهمه يكون صائباً صحيحاً ، أي أن يكون معصوماً في فهمه .
قد يقول لي أحدهم “ولكن النبي يقع في الخطأ”، ومن هنا لابد أن تنتبه إلى أنه إذا وقع في خطأ أوجب عليه العتب من الله لا يكون هذا في فهم في النص وإنما في ماذا في التطبيق وفي العمل، أي ليس في شئ له علاقة بالتشريع – بأصل التشريع – وإنما في العمل والتطبيق .
أنا أُسلِم وأوافق -وهذا يحصل به ثلج الصدر – على أن هذه الآية أقوى بكثير من آية النحل في حُجية السُنة – أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ۩– لكن ليس هذا مُنتهى المسألة أصلاً، فالجزء الأهم في المسألة هو الذي أشرنا إليه أمس وهو: هل لرسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام – أن ينسخ بهذا الفهم ؟!
فقد يقول لي أحدهم ” أنت الآن قرمطت الكلام في المسألة، فالنبي لا يقتصر دوره فقط على الفهم في الكتاب، بل النبي يأتي بأحكام جديدة زائدة مُستقِلة” ، وأنا أقول له” هذه ليست مسألة وفاقية”، فما رأيكم؟!
ليست مسألة وفاقية، وهذا ليس اجتهاد من عدنان إبراهيم، ولكن الآن ستسمعون اجتهاد مَن، فهذا اجتهاد جماعة من كبار العلماء ومُحقِّقي أهل الإسلام كالإمام أبي إسحاق الشاطبي – رحمة الله تعالى عليه -، فمَن يُشكِك في هذا العالم؟!
في عصره طبعاً سُبَ ورُميَ بالزندقة والبدعة، وطبعاً لا يُوجَد عالم إلا وهو محسود من علماء عصره، ولكن الآن مًن يتكلم في الشاطبي؟!
الشاطبي الآن العلماء يفتخرون أنهم يقرأون كلامه ويحتجون به لأنهم يفهمونه، أي أنه شيئ جيد أنتفهم كلامه، فأصبح حُجة هذا الإمام خاصة في علم أصول الفقه – رحمة الله تعالى عليه – لأنه إمام كبير ومُحقِّق، علماً بأنه صاحب المُوافقَات.
سأصور لكم المسألة ببساطة ولنبدأ بالإمام الشافعي من أجل أن نُبسِط المسألة، فالإمام الشافعي وضح بطريقة جميلة وجيدة في كتابه الرسالة – تقريباً في المشهور هو أول كتاب صُنِفَ في علم أصول الفقه – أن السُنة مع الكتاب على أنحاء ثلاثة، اثنين لم يقع فيهما خلاف، والثالث طرقه الخلاف، النحو الأول هو أن تأتي السُنة مُواطئة ومُوافِقة لما أتى به الكتاب، فلدينا أحاديث كثيرة ولكنها ليست الأكثر تُحرِّم ما حرَّم الكتاب وتُحِل ما ما أحل الكتاب وتدعو إلى ما دعى إليه الكتاب وهكذا، أي أن أي أحاديث مثلاً في حُرمة الفواحش، في حُرمة الكذب، في حُرمة الغيبة والنميمة توافق الكتاب، أي أحاديث تُرغِّب في الصلاة، توجِب إقام الصلاة وإتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت وإلى آخره توافق ما في الكتاب، فلا يُوجَد شيئ زائد وهذا ليس فيه خلاف، أما النحو الثاني يتعلَّق بأحاديث جاءت كالتفصيل لعزائم وفروض الكتاب، فالله – مثلاً – قال وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ ۩ ، إذن كيف نقيم الصلاة؟!
بأي كيفية وعلى أي هيئة وبأي شروط نُقيم الصلاة؟!
يُوجَد شروط وجوب، يُوجَد شروط صحة، ومن هنا جاءت السنة وبيَّنَت هذا كله، ومن ثم تواتر هذا عملياً عن صاحب الرسالة .عليه الصلاة وأفضل السلام.
الله قال وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا ۩ ولكن هل لو سرق من حِرز يستوي مع مَن سرق من غير حِرز؟!
لو من غير حِرز النبي قال لا تُقطَع يده مع أنه سارق لأن لغةً هذا سارق، الذي يسرق من غير حِرز كالذي يسرق من حِرز، لكن السُنة بيَّنَت أن الذي يسرق مالاً غير مُحرَز لا تُقطَع يده، ثم أنه لو سرق درهماً هل تُقطع يده؟!
السُنة قالت: لا.
واختلفوا في نصاب القطع – أي نصاب السرقة – فتساءلوا حول الحد الأدنى، والمشهور هو أنه ربع دينار، فليس في ما دونه قطع!
وبعدين الله قال :
وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا ۩، ولكن مِن أين تُقطَع؟!
هل تُقطَع من الرُسغ أم من المرفق أم من مجمع الكتف حتى يكون القطع تطبيقاً للآية؟!
فلو قُطِعَت من مجمع الكتف ستكون مصيبة طبعاً هذا لأنك ستكون دمرت هذا الشخص بالكامل، أما من المرفق فالأمر أخف، ومن الرُسغ هو الأمر الأيسر، وبالتالي جاءت السُنة وبيَّنَت أن القطع من الرُسغ لا من المرفق ولا من مجمع الكتف العضد، فنحتاج إلى السُنة هنا، فهذا ليس فيه ما ينسخ الكتاب ولا ما يُعتبَر زيادة عليه، بل ما ما يشرح ويُفصِّل، فالمفروض ألا يقع خلاف في هذا، والشافعي قال لم وقع فيه خلاف، ولكن للأسف الآن هناك بعض المُعاصِرين يُخالِف حتى في هذا، وطبعاً هؤلاء ليسوا من علماء الدين، وإنما مِمَن يُسمون بالمُثقَّفين والمُفكِّرين من الذين لديهم حظهم قليل من اللغة، وحظ شبه مُنعدِم من أصول الفقه، ومع ذلك يظنون أنهم فهموا الأصول وأنهم يجتهدون وبالتالي وسمون أنفسهم مُجتهِدين، فلا علينا منهم.
أما النحو الثالث – القسم الثالث – فهو الذي وقع فيه الخلاف حسبما قال الشافعي، وهو أن تستقل السنة بأحكام شرعية جديدة ليست في الكتاب، ثم بيَّن الإمام الشافعي – رحمة الله تعالى عليه – أن هذا موجود ، وانحاز إليه وأيَّده قائلاً “تأتي السنة بأحكام ليست في الكتاب”، أما أبو إسحاق الشاطبي في المُجلَد الرابع من المُوافَقات – رحمة الله تعالى عليه – نقل هذا الكلام مع تصرّف فيه ووافق على وجود النوع الثالث، أي أن لدينا هذا النوع فعلاً، يُوجَد عندنا أحكام ثبتت بالسنة زائدة على أحكام الكتاب، فيها زيادة في المشروع – زيادة في التشريع -، ولكن الشاطبي بيَّن أن الخلاف ليس في الوجود إنما في الاستمداد والمنشأ – أي في المخرج -، ولكن كيف؟!
ما معنى الكلام هذا لأنه هو المُهِم الآن؟!
هل النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – حين أتى بهذه الأحكام الشرعية الزائدة أتى بها من لدن نفسه – طبعاً يأتي بها عن إذن من الله، وقد يكون عن وحي أيضاً من الله فلا بأس، سواء وحي غير متلو وغير مُعجِز وغير مُتواتِر كالقرآن الكريم – أم – يقول الشاطبي – أنه استمد هذه الأحكام الزائدة على ما في الكتاب من الكتاب نفسه؟!
يعني في نهاية المطاف تقريباً لن تكون زائدة تماماً من كل وجه، وستكون أشبه بفهم أعمق في الكتاب، علماً بأننا سنضرب على هذا أمثلة الآن.
أبو إسحاق الشاطبي أيد الوجهة الثانية فقال “النبي لا يأتي بأي حكم ليس له أصل في الكتاب – أي حكم زائد زائد يعني تماماً من كل وجه – ولكن كل حكم يأتي به النبي يكون عن فهمٍ منه في الكتاب، ولابد أن يكون له أصل في الكتاب”، وهذا هو كلامي خُطبة أمس وهذا إعتقادي، ولذلك أبو إسحاق الشاطبي يعبر عن أن زيادة هذه الأحكام على ما في الكتاب هى من باب أو من قبيل زيادة الشرح على المشروح – زيادة مُتعلِقة بمشروح -، ولولا المشروح ما كانت الزيادة أبداً، فهى ليست زيادة بالمعنى التام للزيادة، ليست أحكاماً مُستقِلة فعلاً بمعنى تمام الاستقلال.
هذا الصنف الثالث وقع فيه الخلاف ولكن نحن لا نستروح إلى رأي إمامنا الشافعي وهو إمامي وإنما إلى رأي إمامنا أبي إسحاق الشاطبي وهو مالكي وليس شافعياً، لأن رأيه أمتن وأدق وعنده أدلة جميلة، ولكن يقول أحدكم “نوِّر لنا المقام بأمثلة، فنحن لم نفهم كيف”، ولذا سأضرب لكم مثلاُ أشرت إليه بالأمس واتُهمت فيه بالتناقض فالناس لم تفهم عني، وأنا طبعاً – كما قلت بالأمس – بيني وبين الله لابد أن أحكي ضميري، أنا لست رجلاً أتى لكي يستعرض من باب خالف تُعرَف فأقول أنا عندي نظرية جديدة وخالفت الإجماع، فأنا لست هذا الرجل – أعوذ بالله – ولا ألعب بديني، فلا يُوجَد إنسان عاقل يلعب بدينه، أنا أريد رضا ربي – تبارك وتعالى – حين أحاول أن أفهم وأن أجتهد وأن أفكر، أنا أريد أن أتقرب إلى الله – تبارك وتعالى – ولا أُريد أن أستغضبه أبداً، ولذلك أقول دائماً أنا أحكي ضميري، وهذا ما حدث حين ضربت مثلاً بالحديث المشهور طبعاً عند العامة والخاصة الناهي عن نكاح المرأة على عمتها أو خالتها، حيث بيّن – عليه الصلاة وأفضل السلام – وجه النهي الذي سيكون هو في الحقيقة وجه القياس وهو “إنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم”، فهذا يُضرَب مثلاً في هذا الباب، فكيف هذا ممكن عند الشاطبي أن يكون من باب الفهم في الكتاب؟!
وهو فعلاً فهم في الكتاب بطريقةٍ ما، ولكن قبل أن أقول كيف لابد أن ننتبه إلى شئ مُهِم وأن نأصله بالسؤال التالي: هل يزعم أحد – خاصة من جماعة القرآنيين – أن الكتاب الشريف الأعز الأغر قد اشتمل وضم بين دفتيه كل الأحكام على الإطلاق تفصيلاً، وكل ما تمس إليه الحاجة في كل زمن وسُقع وآن وأين موجود في الكتاب؟!
مستحيل، فلا أحد يُجازِف بهذه الدعوى العارية عن الصحة، هذا مستحيل لأن أصلاً آيات التشريع في الكتاب في المشهور زُهاء مائتي آية وتدور على مسائل مُعينة يُمكن إحصاؤها، وهناك كتب مُتخصِصة في تفسير آيات الأحكام قديماً وحديثاً كأحكام الكيا الهراسي وأحكام أبي بكر الرازي الجصاص وأحكام أبي بكر بن العربي، فهذه الكتب فقط عن آيات الأحكام ولا تتحدث في غيرها، ومن المُعاصِرين العلّامة الأزهري الشيخ السالوس وزملائه حيث هناك كتاب من أجود الكتب، وحتى الشيخ الصابوني عنده كتاب عن روائع آيات الأحكام، على كل حال آيات الأحكام محدودة عدداً ومحصورة، يمكن أن تُحصَر مع قابلية النقاش في آيات أخرى، وبالتالي الأحكام المنصوص عليها والمُفصَلة أيضاً محصورة معدودة، لكن الوقائع الحياتية والنوازل أكثر من أن تُحصَر وتُعَد، وبالحري لا تتوقف، فما دامت الحياة موجودة وما دام الناس معائش فهناك مشاكل وقضايا ونوازل، ومن هنا لابد دائماً أن تستجد أحكام، فهل تُفتجَر هذه الأحكام بعيداً عن الكتاب وروحه ومقاصده والفهم العميق فيه، أم تستند إلى ذلك كله؟!
طبعاً بالحري إذا كانت أحكاماً شرعية أو تريد أن تكون أحكاماً شرعية بمعنى ما من معاني الشرعية لابد أن تستند إلى الكتاب وبعد ذلك إلى السُنة – أي فهم رسول الله في الكتاب أيضاً فهو الذي علمنا -، ويُوجَد في الصحيح حديث جميل جداً حول الحُمر”وَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْحُمُرِ”، حيث قالوا “يا رسول الله، الله قال وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا ۩ وكذا، وأنت عندك أحاديث كثيرة، فماذا عن الحمير؟!
واحد عنده حمار، هل ممكن هذا الحمار يُكسَب به أجراً عند الله – تبارك وتعالى – ويكون باباً من أبواب الخير لأن الحمارغير مذكور في هذه الأشياء التي ذُكِرَت سلفاً؟!
فقال النبي “لَمْ يُنْزَلْ عَلَيَّ فِيهَا شَيْءٌ – أي في الحمير بالذات على وجه الخصوص – إِلَّا هَذِهِ الْآيَةُ الْجَامِعَةُ الْفَاذَّةُ – أي المُفرَدة الجامعة، وهو ما يدل على طريقة النبي في الفهم والاستنباط – فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ۩”
فالنبي أفهمنا بهذه الطريقة في الاستدلال والاستنباط إنك من المُمكِن حتى في مسألة مثل هذه لا تكاد تخطر على بال أكثر الناس أن تجد ما يدل على حكمها في كتاب الله، فحكمها موجود، ليس تنصيصاً وليس برأسها، ولكن من جهة أُخرى، ومن هنا قال له فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ۩، فأنت عندك حمار ومن المُمكِن أن تذهب به إلى الجهاد، وهو ما ذكرناه أمس عندنا تحدَّثنا عن أن الصحابة ذهبوا إلى خيبر وكانت أكثر ركوباتهم الحمير، وأيضاً عندك أجر إذا أمكن لك أن تُركِب عليه من يحتاج، تمنحه مثل منيحة اللبن ومنيحة المعز والكذا منيحة حمار لعائلة مسكينة ليركبوا عليه ويقضوا أشغالهم، ومن ثم يكون لك أجر، وهذا تعلَّمناه من النبي.
الله – تبارك وتعالى – عَدَد المُحرَمات من النساء فقال وَلَا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ۚ ۩، وقال أيضاً حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ ۩، فضلاً عن أنه قال
وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ۩، فالنبي نهى عن الجمع أيضاً بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها، ولكن قد تتساءل: وماذا عن الجمع بين المرأة وجدتها؟!
يحرم الجميع بين المرأة وجدتها – لأبيها أو لأمها – أيضاً.
ولكن لكي نعرف ما الحالات الأُخرى التي يحرم فيها الجمع هناك قاعدة – أنا أشرت إليها أمس – وذكرتها وفصلتها في دروس الأحوال الشخصية، وقاعدة سهلة وجميلة جداً “يَحرُم الجمع بين كل أثنتين لو فُرِضت إحداهما ذكراً لن يحل له نكاح الأخرى”، هذا هو فقط، فإذا سألتني الآن عن الجمع بين المرأة وعمتها سأقول لك أن لدينا الآن أن امرأة وعندنا عمتها وسنفترض هذه المرأة ذكراً، هل يحل للذكر أن ينكح عمته؟!
لا يحل، إذن الجمع بينهما حرام.
وكذلك هو الحال في المرأة وخالتها، نفترض أن المرأة الأولى هذه صارت ذكراً، هل يجوز للذكر أن ينكح خالته؟!
لا يجوز، وكذلك إذا افترضنا أن الخالة هذه أصبحت ذكراً، هل يجوز للذكر أن ينكح ابنة أخته؟!
لا يجوز، حرام .
ولكن ماذا عن المرأة وبنت عمها؟!
هذه بنت عم وهذه مرأة، وهذه المرأة نفترضها ذكراً، هل يجوز للذكر أن ينكح بنت عمه؟!
نعم يجوز طبعاً، إذن يجوز أن تجمع بين المرأة وبنت عمها.
فماذا إذن عن المرأة وبنت عمتها؟!
هل يجوز للذكر أن ينكح بنت عمته؟!
يجوز، إذن يجوز أن تنكح امرأة وبنت عمتها.
قاعدة سهلة وجميلة، علماً بأن الأحناف هم مَن قعَّدوها، إذن ليس فقط الأمر مُقتصِراً على الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها، فهناك أشياء كثيرة يُمكِن أن نُميِّز بينها من خلال هذه الطريقة السهلة وهى “لا يصلح أن تجمع بين اثنتين لو فُرِضَت إحداهما ذكراً لن يحل له شرعاً أن ينكح الاخرى”، فممنوع الجمع بينهما، أما في ماعدا ذلك يكون الجمع حلالاً، وهذا أمرٌ جميل، فالقرآن الكريم نص على حُرمة الجمع بين الأختين – طبعاً هذا يعم الأخت الشقيقة والأخت لأب أو لأم لأنها تظل أُختاً وبالتالي كله حرام -، ولكن هل هذا يعم حالة الجمع بين أختين حُرتين أو أمتين أو إحداهما حُرة والأخرى أمة؟!
فيه خلاف، وهذا عن سيدنا عثمان، فإذا كانت إحداهما حُرة والأخرى أمة فالأمر فيه خلاف، على كل حال هذه مسائل ثانية، لكن العلماء رأوا أن النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – لم يأت بحكم مُستقِل عن الكتاب، لذلك أنا قلت لكم بالأمس بيني وبين الله لا أستطيع أن أكذب على الله أوأن أكذب على ضميري، فأنا أرى أن هناك وجاهة حتى بحكم العقل المُجرَد بعيداً عن النص حول تحريم الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها، فلو قيل لنا: هل ترون أن هناك مقبولية أو سائغية ووجاهة في منطق تحريم الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة خالتها؟!
سنقول “اللهم نعم، نرى هذا بصراحة”، لأن هذه عمتها وخالتها، والخالة بمنزلة الأم، فطبعاً يحرم تماماً أن يتزوج الإنسان المرأة وأمها، وهذا ليس فيه كلام فضلاً عن أن ذلك ثابت بنص الآية – وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ ۩ -، ولكن الخالة بمنزلة الأم أيضاً فالنبي يقول “الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ ، وَالْعَمَّةُ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ”، فأنت حينما تجمع بين المرأة وخالتها كأنك – كما قلت أمس – تُعبِّد طريقاً وتُطرِق طريقاً لنشوب البغضاء بينهما، وأي بغضاء أبغض من بغض ضرة لضرتها؟!
الضرة مُرة، والضرة من الضرر والضُر، ولذلك إسمها ضرة من الضرر والضُر، فلا فتجمع بين المرأة وخالتها والمرأة وعمتها، ولكن قد يقول لي أحدهم “ولكن هناك فارق”، أي كأن النبي فعل هذا بطريقة قياس فعلاً وهو ما قاله العلماء، وأنا قلت هذا الأمس ووجدت علماء أيضاً قالوا مثل ما قلت حيث سبقوني إلى هذا بقولهم”كأن النبي أخذ هذا بطريق قياس”، فالله ينص على حُرمة الجمع بين الأختين
النبي رأى أن العلة التي لأجلها حصل التحريم هى تقطيع الأرحام، وهذه العلة موجودة أيضاً في الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها والمرأة وجدتها طبعاً وهكذا، فلماذا يبقي مباحاً هذا؟!
فجدير أن يُحرَّم أيضاً، ولكن إذا طلقت الأولى أو ماتت تستطيع أن تتزوج الثانية فلا يُوجَد مشكلة هنا حتى في الأختين، لكن الجمع بينهما لا، والشريعة لم تأت لتقطيع مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ ۩، الشريعة جاءت رحمة ومودة ومحبة، ومن ثم جاءت سهلة ورفعت الحرج عن الناس، فلا تخلق لهم حرجاً ولا تخلق ضُراً، فهى شريعة معقولة، ولذلك أنا قلت لكم اللهم نعم أن هذا مقبول وسائغ، ولكن الآن هل ترون أنه فعلاً زائد عن الكتاب، أم أنه كالبسط والمد لحكم الكتاب؟!
هو أقرب إلى هذا – أي أقرب إلى البسط والمد لأحكام الكتاب -، ولكن إن أخذته هكذا بمنطق صوري جاف بعيداً عن مُلاحَظة أحكام الشريعة وحِكَم الشريعة ومقاصدها ستقول “لا، هذه زيادة، لأن الله قال وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ ۩” و(ما) من ألفاظ العموم، والنبي قال هذا حرام أيضاً، فإذن هذه زيادة”، ولكن هذه النظرة فيها شيئ من التسرع والجمود، لكن إن نظرت بعمق – كما قلت – وراعيت ولاحظت وألتفت إلى مقاصد الشريعة وروح الكتاب ستعلم أن هذا الحكم من رسول الله، والحمد لله هذا الحكم – كما قلت لكم – اتفق عليه أهل السنة والجماعة وطوائف الشيعة، وأنكره الخوارج – بعض طوائف الخوارج أنكروه – وقالوا “لا، بل ويحل الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها” وفسَّروا ذلك قائلين “هذا حديث آحاد وحديث ظني لا يُزاد به على الكتاب الكريم”، وهذه هى وجهتهم – وجهة نظر – فلا نكفرهم طبعاً بها – أعوذ بالله – فهذه وجهة نظر واجتهاد نحترمه وإن لم نقبله فهذا شئ ثانٍ، لكن نحن مُرتاحون إلى أن النبي هنا – كما قلت لكم – نوَّع على ما في الكتاب، بسطَ حكم الكتاب، ولكن هل هذا من صلاحياته؟!
واضح أن هذا من صلاحياته، ولكن هناكمسألة مُهمِة الآن يجب أن تنتبهوا إليها وسأعود إليها بعد أن أفرغ من كل هذه الأشياء وهى مسألة هل ثبت هذا عنه؟!
فنحن الآن سنترك مقام الثبوت، لو افترضنا أن هذا ثابت – هذا تعليقنا – سنتساءل: هل ثبت فعلاً؟!
سنتحدَّث الآن في مقام الإثبات، كيف ثبت هذا عن رسول الله؟!
ما هى الأسانيد والطرق؟!
هل هو آحادي أو كما زُعِمَ في حديث مشهور وبعضهم قال متواتر؟!
سنعود إلى هذا فهذا جزء من المنهج الذي أسير عليه وهو جزء مُهِم ، وطبعاً نحن لا نفترض ولا نشرط أو نشترط شروطاً مُعينة في الأسانيد، فهذه ليست شروطنا نحن وإنما شروط العلماء أصلاً ولكن عندنا اجتهادات في بعض الأشياء ومُلاحَظات، علماً بأننا لا نفعل هذا لنرد السُنة – لنعتل فنرد السُنة – أبداً -والله – وإنما نفعل هذا بنفس الروح التي فعل وفقاً لها العلماء من قديم، فما هى الروح هذه؟!
روح الحرص على السُنة والمُحاذرة أن يُكذَب على رسول الله طبعاً، ولذلك لما قيل ليحيى بن سعيد القطان: أما تخشى أن يكون هؤلاء الذين تتحدث فيهم وتثلبهم طبعاً – أي الجرح والتعديل، فيقول هذا كذّاب وهذا لا يؤتمَن وهذا لا أدري، وهذا كذا وهذا كذا – خصمك يوم القيامة ؟!
قال: لأن يكون هؤلاء خصمي يوم القيامة خيرٌ من أن يكون رسول الله خصمي، يقول لي: لِمَ لَمْ تَذُبَّ الكذِبَ عن سنتي؟!
أي أن نحن مأمورون أصلاً أن نتحوَط للسُنة، وعندنا مُبرِرات منهجية سبق أن شرحتها قبل ذلك ، وسأعيد اليوم التذكير بها، وعندي مُبرِرات شرعية منهجية مأخوذة بلسان الشرع أيضاً ومذكورة على لسانه تقول لي “حاول أن تتحوَّط قدر ما تستطيع لأن هذا تشريع مُلزِم للأمة – كل الأمة – إلى أخر الزمان، والنبي قال إن كذبا علي ليس ككذب على أحد من كذب علي – وفي روايات متعمداً – فليتبوأ مقعده من النار”، فنحن لا نريد أن نشارك الكذّابين كذبهم على رسول الله، فماذا نفعل؟!
نتحوط في القبول ونشترط شروطاً، قدر ما تكون هذه الشروط دقيقة ومنهجية يحصل معها الثلج إن شاء الله، وإذا أدى الأمر إلى يقين سيكون أفضل، فنصل إلى اليقين بأننا ابتعدنا عن المُخاطرَة والمُجازفة وأن لدينا ما يشبه اليقين – إن شاء الله – أو يقاربه أن هذا من قول رسول الله أو فعله، فيكون هذا مطلوباً ومحبوباً لله ورسوله، لكن التساهل والحطب في كل حبل وخذ هذا وخذ هذا حتى لا نترك السُنة هذا لا يرضي الله ورسوله، بل بالعكس هذا الذي يفتح باب شر على الأمة ويُمزِّقها ويُعمّي عليها سبيل الحق في دينها وشرعها، ومن ثم يختلط الحق بالباطل ويختلط الكذب على رسول الله بما ثبت عنه، فلم نعد نعرف ونُميِّز، ومن هنا مست وحقت الحاجة إلى وضع الشروط والضوابط المنهجية لقبول ما يؤثر عن رسول الله ويُضاف إليه. صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً.
فهذا الحكم بسط ومد وليس زيادة حقيقية وهو ما فهمه الشاطبي فقال “هذه ليست زيادة حقيقية، بالعكس هذا حكم أتى به رسول الله يراعي به روح الكتاب ومقصده، وليس زيادة مُستقِلة “،أي ليس زيادة مُستقِلة من كل وجه، ونحن نؤيد هذا ومُرتاحون لهذا، فالنبي ليس عنده صلاحية أن يزيد زيادة فعلاً مُستقِلة من كل وجه عن كتاب الله، ولكن قد يتساءل أحدكم: لماذا تحرمه هذا الحق وهذا الشرف؟!
أنا أقول لك :
ليست نفاسة على سيدي وتاج رأسي – فأنا عبد ترابه الذي يمشي عليه – أبداً، وإنما توقيراً لربي وكتاب ربي الذي قال مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ۩ والذي قال أيضاً تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ ۩ فضلاً عن أنه قال الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ۩ ، وهو ما قلناه أمس، فهذا كتاب غير ناقص وشرع غير ناقص، فالأحكام التي نأتي بها كلها أحكام تعود إلى ما في الكتاب وتمتح وتستمد منه، لكن لو كانت زائدة من كل وجه حقاً لكان هذا فيه ما يورث شبهة أن الكتاب ناقص وغير كامل وأنه خلو من أحكام ينبغي ألا يخلو منها، وحاشا لله أن يكون هذا نعت ووصف كتابه، فكتاب الله لا يكون هكذا، وإنما يكون نعت كتابه أفضل نعت، على كل حال من ذلكم أيضاً أن النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – سُئل – مثلاً – سُئل عن ماء البحر حيث قالوا له: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ – وليس معنا كثير ماء – وَنَحْمِلُ مَعَنَا الْقَلِيلَ مِنَ الْمَاءِ، فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا – نحتاج أن نأكل ونشرب وكذا ولكن إن فعلنا هذا سينتهي الماء الذي نحمله – أَفَنَتَوَضَّأُ بِمَاءِ الْبَحْرِ؟!
فقال في الحديث المشهور “هو الطَّهُورُ مَاؤُهُ، الحِلُّ مَيْتَتُهُ” مع أن الله حرم الميتة – كل ميتة – بقوله حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ ۩، ولكن النبي هنا يستثني ميتة البحر – هذا من باب الاستثناء – فاعتبر أن هذه الميتة حلال، وفي الحديث المشهور “أحلت لنا ميتتان ودمان، أما الميتتان فالسمك والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال”، ولنا مُلاحَظة هنا حول الكبد والطحال، إن ثبت هذا وقاله المعصوم -عليه الصلاة وأفضل السلام – فسيكون على سبيل المجاز لأن الأصل في الأشياء البراءة الأصلية، وما لم يُنَص على حُرمة شئ يبقى على أصل الإباحة، فالله – تبارك وتعالى – لم يُحرِّم كل دم، وإنما جاء القرآن واضحاً بقوله أو دَمًا مَسْفُوحًا ۩، فالمُحرَّم هو الدم السائل الذي يخرج من العروق، ولكن هل الكبد دم سائل؟!
دم مُتجمِد.
وهل الطحال دم أصلاً؟!
هو ليس دماً أصلاً، ولكن هو مقبرة الدم، فليس دماً سائلاً.
أي أن هذا لا يتعارض مع الكتاب أصلاً، فحقيق أن يكون الكبد والطحال أصالةً من ضمن المُباحات، فهذه مُلاحَظة لابد أن تكون واضحة، فلا تقل لي أن هذا استثناء، لأن هذا ليس دَمًا مَسْفُوحًا ۩، فالمُحرَّم هو الدم المسفوح وليس مُطلَق الدم، وإنما الدم المسفوح.
وبالنسبة لقوله “أما الميتتان فالسمك والجراد” فالله – تبارك وتعالى – قال في السمك أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا ۩، أي أنه يقول صيد البحر وطعامه متاع لكم، فلم يُقيِّد صيد البحر هنا بأن يُزكى، فيُمكِن أن تصيده على أي نحوٍ سواء مات بعد ذلك أو كان ميتاً أصلاً، فكأن الآية نفسها تقول كل ما استخرجته من البحر هو حلال، وكأن النبي جاء ليؤكِّد لك هذا ويقول لك “لا بأس لو صدت وتبين لك أنها كانت نافقة – ميتة – فهذا حلال”، وهذا ظاهر الآية فالآية لم تشترط تزكية، فقالت لك “ما تصيده هو حلال”، إذن فالنبي هنا وافق ظاهر الكتاب ولم يزد عليه، لكن هذه المظنون أنها زيادة هل أجدت الأمة شيئاً؟!
نعم أجدت، لأن ربما لولا هذا البيان من رسول الله والإيضاح لظن بعض الناس أن ما يكون ميتاً – نافقاً من قبل – لا يجو ، فلابد أن يُصاد حياً ثم ينفق بعد ذلك، فالنبي قطع الطريق وقال لك ليس هناك ثمة مُشكِلة، يُمكِن أن تصيده حياً أو ميتاً فهو حلال، لأن ميتة البحر حلال، وطبعاً في خلاف في بعض المسائل – هذا شيئ آخر – ولكن لا ندخل فيها وهى موجودة في الفقه ومعروفة، فماذا عن الجراد إذن؟!
الآن السؤال: بما أن الجراد نوع من الحشرات – فهو ليس من الدواب والبهائم والأنعام – هل الحشرات أصلاً إذا حل أكلها – قلنا الأصل في الأشياء الإباحة الأصلية – يُشترَط فيها التزكية؟!
أي هل نأخذ الجرادة نذبحها ونُكَبِر عليها؟!
فكأن النبي – لأن من عادة العرب أنهم يأكلون الجراد، يأخذونه على النار ويستلذونه، لا يستقبحونه – أراد أيضاً أن يدفع حرجاً مُتوهَماً، قائلاً في حال توهم هذا لا بأس، فالجراد يسقط ميتاً ثم يُمكِن لك أن تأخذه تشويه لتأكله، وهنا لم يأت بشيئ جديد وإنما – كما قلت لكم – دار مع ظاهر النصوص وأكَّد أشياء ودفع أوهاماً يمكن أن تثور، والأمثلة على هذا النوع كثيرة، فيمكن بهذه الطريقة الشاطبية – طريقة أبي إسحاق الشاطبي هذه – أن نثبت أن كل حكم أتى به النبي مما يُظَن أنه زيادة على النص هو فهم في روح النص، تنويع على النص، قياس على النص بطريقةٍ أو بأخرى، وهذا الأمر جميل ففي نهاية المطاف هذا يؤكد شمولية القرآن أو جامعية القرآن، وأنه جمع كل شئ إن لم يكن تفصيلاً فبطريق الإجمال وبطريق التقعيد لقواعد عامة وبطريق المقاصد، تقصيد المقاصد الشرعية المفهومة عند أولي الذكر والفكر.
حتى لا يفوتني الإشارة إلى موضوع مُهِم أُريد أن أشير فقط إلى موضوع ابن عبد البر لأنني رجعت إلى نفسي أمس – سبحان الله – فوجدتني أخطأت في جزئية ولابد أن أذكر خطئي فيها، حين حاولت أن أرد على الإمام ابن عبد البر – رحمة الله تعالى عليه وجزاه الله خيراً – قلت المُحرَمات الأربعة المُصرَح بها في سورة الأنعام في آية الأنعام تتحدث عن أشياء مُحرَمة لذاتها، أما حُرمة متروك التسمية فهى حُرمة لا لذات الحيوان إنما لأمر عرض له من خارج وهو ترك التسمية عليه عند تزكيته، لكن في خطأ بسيط في اجتهادي هذا، فما هو؟!
أنا حين اكتشفت هذا أمس في الليل كان صعباً جداً علىّ أن أنام، وكنت أنتظر هذه اللحظة حتى آتي هنا أُصحِح نفسي لأن الله سائلي، على الرغم من أن الإسلام لن يُدمَّر بكلامي فمَن أنا أصلاً، ولكن لا يُمكِن إلا أن أُصحِّح ما قلت فهذه أمانة، هذا الدين أمانة وليس لعباً، ومن ثم إذا أخطأت في شئ عليك أن تأتي تُخطّيء نفسك وتقول “أنا أخطأت، نعم لم ينتبه أحد ولكن أنا انتبهت فيجب أن أُخطّيء نفسي”.
الله قال قُل لَّا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ۚ ۩، فليس من شرط هذا الذي أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ۚ ۩ أن يكون ميتةً أو خنزيراً، بالعكس من المُمكِن أن يكون حيواناً حلال الطُعمة – حلال أن يؤكل – ولكن طرأت عليه الحُرمة لسبب خارج وهو ماذا؟!
أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ۚ ۩، أي أنه ذُبِح على إسم مناة أو على إسم العُزى أو على إسم هُبل، وإلى أخره، فيصبِح مُحرَّماً – ممنوع أن تأكل من هذا – مع أنه في حد ذاته قد يكون جدياً أو شاةً أو جملاً أو بقرةً، فهذا ضد كلامي وعكسه، لكن خطر لي شيئ مُهِم عوَّضني الله به، فما هو أيضاً؟َ
هو كالتالي: الله – تبارك وتعالى – حين تحدَّث عن هذه المُحرَّمات كانت فعلاً القاعدة فيها أنها مُحرَمة لذواتها ولا يمكن أن تحل لك أن تُسمي عليها ، فلا يُمكِن لأحد أن يأتي ويُسمي على خنزير، وقد وقع لي سؤال قبل حوالي عشرين سنة حيث سأل أحدهم: أيجوز أن يُضحي المسلم بخنزير؟!
شئ غريب وفظيع، فلا يُمكِن أن يفعل مُسلم، فقيل له: يا عبد الله اتق الله، ما هذا السؤال العبيط ؟!
فقال “على الأقل نتخلَّص منهم” ، كأن الهدف من التضحية هو أن التخلّص بذبح الحيوان، فطبعاً لو ذبحت خنزيراً – والعياذ بالله – لا يمكن أن يُصبِح حلالاً، فهو حرام من حيث ذاته، ممنوع أصلاً، على الأقل لحمه لأن هناك نقاش في غير لحمه يدول حول إمكانية الانتفاع – مثلاً – بشحمه وبوبره وبغير ذلك، أي أن المسألة فيها خلاف وفيها نظر لأن القرآن دائماً لا تجد فيه آية عن هذا الموضوع إلا وتقول “لحم خنزير” -على ما أذكر -، فلماذا يُذكَر اللحم دائماً؟!
على كل حال هذه فيها خلاف فعلاً بين العلماء قديماً وحديثاً، والشوكاني عنده رأي جرئ فيها – رحمة الله تعالى عليه – وفتواه معروفة.
إذن هذه الأصل فيها أنها مُحرَّمة فعلاً لذاتها، ومع ذلك :
حِل سائر المطعومات ما عدا هذه الثلاثة – وهى الميتة والدم المسفوح طبعاً ولحم الخنزير – بما فيها من حيوانات – انبتهوا – مشروط بشرط، والشرط من طبيعته أن يكون خارجاً عن حقيقة المشروط، ففي تعريف الأصوليين ما هو الشرط؟!
الشرط هو الذي يلزم من عدمه العدم لكن لا يلزم من وجوده وجود أو عدم لذاته،ويكون خارجاً عن حقيقة المشروط.
فمثلاً من شروط صحة الصلاة الطهارة، فلا يجوز لأحد أن يُصلي من غير طهارة، إذن فالطهارة شرط في الصلاة – أي في صحة الصلاة -، ولكن هل لو أنا ذهبت لأتطهَّر الآن هل تجب علىّ الصلاة؟!
لا تجب أبداً.
هل تمتنع الصلاة؟!
لا تمتنع.
فلا تجب ولا تمتنع بالطهارة بحد ذاتها، إنما الصلاة تجب بأسباب أخرى، فهذا هو، فالشرط لا يلزم من وجوده وجود أو عدم لذاته، لكن يلزم من عدمه العدم، فإذا دخل وقت الصلاة يجب أن أصلي الآن – إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا ۩– لأن إن دخل وقتها أصبحت واجبة، فهى مفروضة الآن ومن ثم يجب أن أصلي في وقتها المُقدَر لها شرعاً لكن ليس عندي طهارة فهل يصح أن أصلي؟!
هل صلاتي صحيحة في هذه الحالة؟!
ليست صحيحة، فيلزم من عدم الشرط عدم المشروط، فالصلاة تكون كالمعدومة، فلو صليت بغير طهارة كأنك لم تُصل وأنت آثم طبعاً إن تعمدت هذا أنت لأن في هذا مُكابَرة للشريعة ومُعانَدة، فلا يجوز هذا، فهذا هو الشرط.
فإذن حِل سائر المطعومات مشروط بشرط وهو ماذا؟!
التسمية في الذبائح طبعاً لأن المقصود هنا التسمية في الذبائح، ولذلك فُسِّر قوله وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ ۩ بمعنى ذبائحهم، فالخبز والطبيخ والأرزوالسلطة والتبولة أكيد حلال، فلا كلام في هذا، ولكن المقصود بقوله وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ ۩ ذبائحهم – ذبائح أهل الكتاب – وليس الخبز والتبولة والسحاب والمهلبية وكذا، فهذا كله حلال طبعاً، طبعاً حلال يعني، فلا كلام في هذا، إنما المقصود هنا الذبائح وهى ما نتحدَّث عنها، فحِل هذه الذبائح مشروط بتزكيتها، أن تُزكَّى ويُذكَرعليها اسم الله، علماً بأنني ذكرت لكم الخلاف في مسألة متروك التسمية أمس – فلا نعيده – في الخُطبة الثانية بعد العصر، فهذا هو إذن، فالله – تبارك وتعالى – حين حرَّم هذه الثلاثة الأشياء ثم حرم ما أُهِلَّ لغير الله به نجد أن هذا الذي أُهِلَّ لغير الله به يلتقي مع تحريم متروك التسمية، فمتروك التسمية حرام والذي أُهِلَّ لغير الله به أشد حُرمة، لماذا؟!
لأنه تُرِكَ عليه إسم الله – أن يُسمى عليه إسم الله – وذُكِرَ – والعياذ بالله – إسم طاغوت، إسم وثن، وطبعاً هذا لا يجوز، فهذا يلتقي مع هذا، وطبعاً في علاقة منطقية بينهما، فليس من شرط متروك التسمية أن يُذكَر عليه إسم الوثن – ليس شرطاً بالمرة – لكن كل مَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ ۩ تُرِكَ عليه إسم الله، فيُوجَد عموم وخصوص ومُطلَق، كل ما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ متروك إسم الله عليه وعليه اسم الوثن يُعَد حراماً، لكن هناك أشياء متروك عليها إسم الله ولم يُهَل بها وأيضاً هى حرام، فكأن الموضوع كله عاد إلى ماذا؟!
إلى هذين الأمرين، فالقرآن العزيز يُحدِّثك عن الأشياء المُحرَمة لذاتها والأشياء التي يطرأ عليها التحريم من خارج، هو هذا، فلم يعد هناك خلافاً ولا زيادة، ومع ذلك – كما قلنا – لا بأس أن يزيد الكتاب على الكتاب – وزيادة حتى مُستقِلة تماماً فليس عندنا أي مُشكِلة -، فإلى الحين الفلاني الله كان حرَّم – مثلاً -ثلاثة أشياء، في حين أخر تالٍ زاد الله حُرمة شيئين، فله ذلك – وليس عندنا أي مُشكِلة – من باب التدريج في التشريع حتى لا تُحرَج الأمة إذا حرَّم عليها سبعة أشياء مرة واحدة – مثلاً -ولكن الآن يُحرِّم ثلاثة أو أربعة ثم بعد ذلك يُحِّرم اثنين وهكذا، فيجوز هذا وهو ليس من باب النسخ، ولكن هل هو من باب الزيادة؟!
طبعاً زيادة، زيادة شرع على شرع في كتاب الله من لدن الله، فليس عندنا أي مُشكِلة هنا، ولكن محل النزاع أن يزيد الرسول على شرع الله، ولكن لماذا كان محلاً للنزاع ومحلاً للبحث؟!
لأن الكتاب كامل، فنعود دائماً لنُذكِّر بأنه كامل، فلا نريد أن نُكذِّب الكتاب، لا نريد أن نتغافل عن حقائق نعت الكتاب نفسه بها، فقد نعت نفسه بأنه كامل وأنه مُفصَل ومُحكَم – تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ ۩ -، ولم يُفرَّط فيه في شيئ من أمر التشريع على الأقل في أضعف الإيمان، وهذا الذي يجعلنا نتحيَّز لموقف الشاطبي وأمثاله ونقول”كل ما يُظَن أنه زيادة من رسول الله هى في نهاية المطاف فهم له ومن باب التنويع على كتاب الله ومراعاة للمقاصد للروح القرآنية العامة”، فهذا الكلام دقيق وهذا يحفظ لنا قضية جامعية الكتاب، ولكن ذكِّروني بمقام الإثبات فهو المُهِم بعد ذلك، فالمُهِم أن أثبت أن هذا فعله الرسول فعلاً وشرعه وقاله، لأننا نقبل بأي شيئ ونُكثِّر الأحكام ونقول زيادات وتنويع، وهذا غير صحيح.
المسألة الثانية التي أحببت أن أشير إليها هى مسألة الحِكْمَة، فقد يُقال لي “لأ يا أخي، القرآن دل على حُجية السُنة بأحسن مما ذكرت وأظهر وأكثر عمداً ومباشرة وذلك عن طريق الحِكْمَة، وقد ذهب إمامك الشافعي – رضوان الله تعالى عليه – في الرسالة – وفعلاً هو ذهب إلى ذلك – إلى أن الحِكْمَة المذكورة في القرآن الكريم هى السُنة”، الشافعي قال هو هذا لأن الله قال وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ۩، وأمهات المؤمنين خُطبنا بقول الحق – جل مجده – وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ ۚ ۩، كما قال الله وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ۩، فهناك آيات كثيرة كنحو قوله رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ ۩، وإلى أخره، لكن هنا أني وجهة نظر خاصة في هذا الموضوع – طبعاً لا أعني بهذه الوجهة أنها خاصة بي وحدي، فأنا لست مُتسقِلاً بها، ولكن عندي ترجيحات فيها وأشياء بعضها لم أُسبَق إليه – علماً بأن أكثر العلماء لم يقولوا الحِكْمَة هى السُنة حتى نكون واضحين، فلا يأتي لي أحد مُستعجِل ومُتحمِّس ويقول لي: أين أنت من الحِكْمَة؟!
ومن هنا سأقول له “عرفت شيئاً وغابت عنك أشياء، اذهب ادرس وتعلَّم أكثر” لأن الأقل من العلماء هم الذين وافقوا الشافعي في أن الحِكْمَة هى السُنة النبوية من أقوال الرسول وأفعاله وتقريراته – الأقل – ولكن الأكثر لم يذهبوا هذا المذهب والحق معهم، فالحِكْمَة ليست هى السُنة، إذن من أين لإمامنا الشافعي – رضوان الله عليه – أبي عبد الله أن الحِكْمَة هى السُنة؟!
الشافعي – رضوان الله تعالى عليه – قال – وهذا دليله ولا يُوجَد غيره علماً بأنك يُمكِن أن تقرأه في الرسالة -” الله – تبارك وتعالى – عطف الحكمة على الكتاب، والأصل في العطف التغاير، المُغايرة”، فنحن – مثلاً – عندما نستعمل الواو ونقول “جاء محمد وسعيد” هذا يدل على أن محمد غير سعيد، فواضح أنهما شخصان مُختلِفان، فالأصل في العطف التغاير، ثم استتلى الشافعي قائلاً ” والله يقول وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ۩، ويقول وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ۩، ويقول أيضاً وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ ۚ ۩، إذن الحِكْمَة غير الكتاب”، فما هى إذا لم تكن الكتاب؟!
بما أن الحِكْمَة ليست الكتاب فما عساها تكون وهى مُنزَّلة من السماء على رسول الله؟!
قال الشافعي ” هى السُنة، فلا يُوجَد لدينا شيئ ثانٍ غيرها، فنحن لدينا فقط الكتاب والسُنة، فهى السُنة إذن” ، ومِن هنا قال مَن قال بأن السُنة مُوحىً بها وأنها ذِكر كالقرآن وأنها مُنزَّلة فالله قال وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ۩، ولكننا لسنا مع هذا الرأي بل ونختلف معه تماماً، فهذا من أضعف الاستدلالات، وأنا قلت لكم لكي تحتج على حُجية مصدر شرعي لابد من القطعية” قطعية الورود وقطعية الدلالة”، ولكن هنا هذا أبعد ما يكون عن قطعية الدلالة، فأن تقول لي إن الحِكْمَة هى السُنة أمر بعيد جداً جداً، ولكن كيف؟!
من أين لي هذا الكلام؟!
من عدة وجوه، أولاً العطف ليس بالضرورة أن يعني المُغايرة من كل وجهٍ، مثلاً قال الله – تبارك وتعالى – فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ ۩، ولكن هل جبريل ملك أم ليس ملكاً؟!
هو سيد الملائكة، فليس معنى أن جبريل عُطِفَ عليه الملائكة أن الملائكة غير جبريل أو جبريل ليس من الملائكة، بل هو منهم طبعاً، علماً بأنه مازال هناك ما هو أصعب من هذا، ففي أول الحجر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ ۩، هل الكتاب غير القرآن أم هما شيئ واحد؟!
فهنا يُوجَد عطف، إلا على طريقة الدكتور المُهندِس محمد شحرور سيكون الكتاب شيئ والقرآن شيئ حسبما قال، فهو لديه قصة وتفصيلات عجيبة غريبة، ولكن على كال حال هنا القرآن قال الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ۩، فهل القرآن شيئ والكتاب شيئ آخر؟!
لم يقل أحد قبل الدكتور شحرور بالشيئ هذا، كل الأمة تعلم أن القرآن هو الكتاب والكتاب هو القرآن، ولذلك في أول النمل طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ۩، أي أن في الحجر وَقُرْآنٍ مُبِينٍ۩، ولكن هنا وَكِتَابٍ مُّبِينٍ۩ ، ففي الموضع الأول قال الله تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ۩، وفي الموضع الثاني قال تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ۩، إذن هل الكتاب هو القرآن أم لا؟!
الكتاب هو القرآن، ولكن ما شأن هذه الواو العجيبة هنا؟!
عندما يقول لك “كتاب” يريدك فقط أن تلحظ محفوظيته بطريق الكتابة، ولكن حين يقول لك “قرآن” يريدك أن تلتفت إلى محفوظيته بالحفظ والقراْءة وهكذا.
وهناك ما هو أكثر من هذا أيضاً، فالله – تبارك وتعالى – يقول وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِّلْمُتَّقِينَ ۩، والفرقان والضياء والذِكر هو التوراة نفسها ومع ذلك الله ذكر ثلاثة أشياء بقوله وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِّلْمُتَّقِينَ ۩، فهنا ذكر ثلاثة أشياء مثلما قال في الحديد لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ ۩ إلى آخره، فالشاهد هنا أنه قال الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ ۩ والميزان ليس إلا الكتاب،فالميزان في القرآن ليس شيئاً آخراً وإنما هو الكتاب، وإلا قل لي أن محمد معه شيئ آخر غير السُنة إسمه الميزان، ففسِّر لي ما هو الميزان إذن إذا كان هذا للتغاير، فلا يُمكِن أن تقول لي أن الميزان غير الكتاب، ولكن الصحيح أن الميزان هو الكتاب هو الحِكْمَة، هذه الأشياء الثلاثة شيئ واحد، فالحكمة هى الميزان هى الكتاب، مثل قوله الْفُرْقَانَ وَضِيَاء وَذِكْراً لِّلْمُتَّقِينَ۩، ومثل الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ ۩ ومثل الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ ۩، فجميعهم ينطبق عليهم الشيئ نفسه، وعليك أن تلحظ أشياء كأن الله يلفتك إلى جوانب في الكتاب نفسه، جوانب فيها ميزان يُحقِّق العدل، جوانب فيها الحكمة، علماً بأننا سوف نرى اليوم ما هو رأيي الخاص في الحِكْمَة – سبحان الله -، فهناك شيئ عجيب، والحمد لله هذا أيضاً لم أُسبَق إليه – بفضل الله تبارك وتعالى – وسوف ترون كيف هذا، وعلى كل نفس الشيئ في سورة الشورى اللَّهُ الَّذِي أَنزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ ۩ فالميزان في الكتاب وهو من الكتاب، فهذا هو أول شيئ، إذن لا يصح لإمامنا الشافعي ولا لمَن تابعه أن يقول لي “الواو للتغاير وهما مُتغايران” لأن هذا غير صحيح، القرآن يؤكد في كل هذه الأشياء أن هناك واو ومع ذلك كل هذه الأشياء التي يُظَن أنها مُتغايرة هى شيئ واحد وليست أشياء مُتغايرة، إنما وجوه للشيئ الواحد، علماً بأن العرب تقول هكذا حين تصف أحدهم فتقول”السيد القُرم والهمام والكذا” وهو رجل واحد واحد وليس ثلاثة رجال، مثلما يصف لك أحدهم رجلاً واحداً فيقول لك “الفارس والسيد والكريم والكذا” وهو يصف رجلاً واحداً، ولكنه يريد أن يلفتك إلى جوانب في عظمة شخصيته، فهو فارس وسيد قرم كريم، وهو سيد جواد مفضال وكذا ولكن هو شخص واحد على الرغم من أنه يستعمل الواو دائماً، وإن حذفت الواو أيضاً جاز فليس هناك ثمة مُشكِلة ولكن العرب تعطف بالواو أيضاً وتريد شيئاً واحداً، فهذه طريقة عربية فصيحة قبل القرآن الكريم ومن ثم أين نذهب عنها؟!
أما الشيئ الثاني هو أن الله – تبارك وتعالى – يُخاطِب أمهات المؤمنين – رضوان الله عليهن – قائلاً وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ ۚ ۩، والشاهد هنا أنه قال مَا يُتْلَىٰ ۩، ومعروف في كتاب الله أن التلاوة هى لآيات الله المُنزَّلة مثل قوله اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ ۩ ومثل قوله يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ ۩ وهكذا، فالتلاوة تكون لآيات الله المُنزَلة، ومع ذلك أنتم تقولون الحِكْمَة هى السُنة، فبالله عليكم واصدقونا فيما بيننا – أما ما بينكم وبين الله هذا شيئ آخر فأنتم أحرار فيه – هل كانت السُنة – أحاديث رسول الله – تُرتَل أو تُتلى كما يُتلى الكتاب العزيز؟!
اللهم لا، ولم يقل أحد بهذا بل بدَّع العلماء مَن يفعل هذا مِن خُطباء زمانه، في بعض الخطباء هكذا يخطبون، فيقولون وقال الله تعالى كذا كذا، وفي الحديث الصحيح يقولون قال كذا بنفس الطريقة التي يتحدَّثون بها عن القرآن، ومن هنا العلماء قالوا “هذه بدعة، لا يُتلى الحديث كما يُتلى القرآن الكريم”، لأن هذه ميزة لكتاب الله، فإذا ذكر الله – تبارك وتعالى – أن هذه الحِكْمَة المذكورة متلوة وتُتلى علمنا أنها الكتاب نفسه، فالحِكْمَة هى الكتاب نفسه، هى آيات من آيات الكتاب.
ثالثاً إذا كانت الحِكْمَة هى السُنة النبوية فهذا يلزم منه القول بأن هذه السُنة أوتيها كل الأنبياء، وأوتيها طبعاً بطريقة خاصة القرآن ذكرها بحيالها داود – عليه السلام – وعيسى – عليه السلام – وآل إبراهيم – عليهم السلام – ويؤتاها خلق كثيرون فقال الله يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ۩، ولكن هذه الحكمة أُنزِلَت على أمة محمد أيضاً فالله قال وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ ۩، إذن هذه أُنزِلَت على أمة محمد أيضاً، وأما في شأن داود فقال الله وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ ۩ كما قال أيضاً وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ ۩، وقال عن آل إبراهيم فَقَدْ آتَيْنَا آل إِبْرَاهِيم الْكِتَاب وَالْحِكْمَة وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ ۩، وإلى أخره، فهذه حِكْمَة وهذه حِكْمَة وهذه حِكْمَة، فضلاً عن أن الله قال عن عيسى طبعاً وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ ۩، إذن عيسى عنده الحِكْمَة، فهل المقصود بالحِكْمَة هنا السُنة بمعنى السُنة النبوية فكل هؤلاء عندهم سُنة أم أن الحِكْمَة هى شيئ آخر له علاقة فعلاً بالكتاب الإلهي، كأن تكون جزء من الكتاب أو أشياء مُعينة في الكتاب؟!
في الزخرف يقول عيسى لبني اسرائيل قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ ۩، فهنا أيضاً نجد الحِكْمَة، كما نجدها في المائدة وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ۩، وإلى أخره فالأمثلة كثيرة، وكما قلت النبيون عموماً قال الله عنهم في آل عمران وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ ۩، إذن أوتوا الحِكْمَة، فهل الحِكْمَة هى السُنن ومن ثم كلها مثل سُنن رسول الله؟!
هناك شخص أُوتيَ الحِكْمَة أيضاً والأرجح أنه ليس بنبي عند جماهير العلماء وهو لقمان فقال الله عنه وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ ۩، فهل هذه الحِكْمَة أيضاً هى السُنة؟!
أي هل هناك سُنة للقمان؟!
إذن ما هى هذه الحِكْمَة؟!
سوف نرى، فالذي انتهيت إليه في هذه المسألة أن الحِكْمَة التي أُنزِلَت على محمد طبعاً أساساً وأصالة وعلى أمته تبعاً – طبعاً لأن كل ما أُنزِل عليه أُنزِل علينا وإلينا – الأرجح والأغلب فيها هى أنها القرآن نفسه، علماً بأن هناك قصة طويلة وجميلة تتعلَّق بالفرق بين أُنزِلَ على وأُنزِلَ إلى، فحين ترى حرف الاستعلاء “على” فالمقصود انتهاء جهة الإنزال إلى العلو، فهى إشارة إلى أنه نزل من لدن عليّ حكيم – لا إله إلا هو – وحين ترى حرف الجر “إلى” – مثل قول الله أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ ۩ – فالمقصود هو مُجرَّد الانتهاء إلينا والوصول إلينا من سائر الجهات بغض النظر جاء من أي جهة فهذا ليس مُهِماً، ولكن المُهِم أنه انتهى إلينا، ومن هنا بعض العلماء لاحظ أن الإيمان والإقرار بأن الآي الكريمات أو الكتاب أُنزِلَ علينا فيه تصديق للربوبية المانحة، فمَن الذي أنزل ومنح هذا الفضل؟!
الله، إذن هنا يُوجَد تصديق للربوبية.
أما أُنزِلَ إِلَيْنَا ۩ المقصود بها انتهى إلينا، ولكن عن طريق مَن انتهى؟!
عن طريق المُبلِغ المعصوم، ففيه إشارة إلى تصديق النبوة.
وهذا كلام جميل عن الفرق بين أُنزِلَ علينا وقول الله أُنزِلَ إِلَيْنَا ۩، ومن هنا أمة محمد أُنزِل عليها أيضاً الكتاب والحِكمَة اللذين علَّمهما الرسول لهم – عليه الصلاة والسلام – حيث قال الله وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ أُنزِلَ إِلَيْنَا ۩ ، فهناك آيات كثيرة في آل عمران وفي البقرة وفي الجمعة في الآية الثانية وهكذا، ولكن ما أُريد أن أقوله هو أن الحِكمَة المُنزَّلة أو المُنزَلة على محمد أصالة وعلى أمتهِ تبعاً في الأرجح والأغلب – ولن أقول قطعاً – هى القرآن نفسه، ولكن بلحاظ آيات خاصة فيه يدور مُعظَمها أو تدور في مُعظَمها على النواهي، على الموانع، ولكن كيف؟!
ولماذا أقول هذا أنا ومن أين لي؟!
نعود إلى الأصل اللغوي، فمادة الحِكْمَة كما قال الإمام فارس حَكَمَ، هذه المادة – حَكَمَ – تدل على المنع، فحَكَمَ تعني مَنَعَ، ومنه اللجام الذي يُوضَع في فم الدابة ومن هنا يُسمى الحَكَمة، أي حَكَمة الدابة، ومن هنا نقول حَكَمتها وأحَكَمتًها إذا وضعت اللجام في فمها، لذا يُسمى هذا اللجام بالحَكَمة، يقول الشاعر:
أَبَني حَنيفَةَ أَحكِموا سُفَهاءَكُم إِنّي أَخافُ عَلَيكُمُ أَن أَغضَبا.
فما معنى أَحكِموا سُفَهاءَكُم؟!
امنعوهم من السفه والتطاول على الناس والعدوان وإلا سنغضب، فهذا هو معنى أَحكِموا سُفَهاءَكُم، فالأصل في الحِكْمَة ما هو إذن؟!
المنع، ومن هنا قولنا ذم النفس، أي ذمها ومنعها.
وهذا جميل، معنى هذا أن الحِكْمَة تكون ماذا؟!
تكون نواهٍ ومواعظ حتى بأشياء الأساس فيها الامتناع عن خرق القانون، عن خرق المحدود، ومن هنا أنا آثرت أن أصلي بكم الليلة العشاء بآيات الحِكمَة من سورة الإسراء، فالآن سنستذكرناها ونتلوها سريعاً لنرى ما خُتِمَت به من قول الله – تبارك وتعالى -، فالله – تبارك وتعالى – يقول “ لَا تَجْعَل مَعَ اللَّه إِلَهًا – أي بدأها بالنهي باستخدام لَا۩ – آخَر فَتَقْعُد مَذْمُومًا مَخْذُولًا ۩ وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ – استخدم هنا أيضاً أَلاَّ ۩وكان قادراً على أن يقول وقضى ربك أن تعبدوه، ولكنه قال أَلاَّ تَعْبُدُواْ ۩أي بطريقة النهي أيضاً – إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا ۩ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ۩ رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا ۩ وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا ۩ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ۩ وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاء رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُورًا ۩
وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا ۩ إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا ۩ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْءًا كَبِيرًا ۩ وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً ۩ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا ۩ وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً ۩ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ۩ وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ۩ وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا – أرأيت كم مرة قال الله وَلاَ وَلاَ وَلاَ وَلاَ وَلاَ وَلاَ ؟! – إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً ۩ كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِندَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا ۩ ذَلِكَ – والإشارة بذَلِكَ ۩ هى إلى كل ما سُرِد من هذه النواهي والمواعظ الحكيمة – مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ – ومع ذلك يقولون لك أن الحِكُمَة هى السُنة، الله أكبر يا أخي، هذا غير صحيح، فالقرآن واضح و الله قال لك كل هذه النواهي والمواعظ هى مِنَ الْحِكْمَةِ۩ ، فالحِكمَة هى القرآن وآيات القرآن، وهذا بمثابة نموذج طويل عريض جميل، ومن هنا قال ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى ۩ فالقرآن مُوحى – وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا ۩، كأنه يقول لك أن مفتاح الحِكُمَة الذم والمنع والنهي، وهذا الأصل في الحِكْمَة – الأصل في الحِكْمَة المنع -، فحَكَمَه وأحكَمَه تعني منعه، هذا هو، فمِن أين يُقال لنا أن الحِكْمَة هى السُنة؟!
هذا تفسير ضعيف!
إذن هذه الحِكمَة – انتبهوا – التي أوتيها محمد مُوحاةً وأُنزِلت عليه هى حِكْمَة الكتاب إذن، ولكن هل وراء هذه الحِكْمَة مِن حِكْمَة؟!
طبعاً، ولكن جوهر الحِكمَة، ذوب الحِكمَة – أي الـ Essence، الجوهر، الذوب – في كتاب الله، فأنا مُتأكِّد أنه ما من حِكْمَة غادرها الكتاب ولو بالإشارة البعيدة ، لكن النبي أقر – ونحن من ورائه نُقر أيضاً – أن هناك حِكْمَةً كثيرة وحِكْمَة بالغة في العالمين عند الكافر وعند المؤمن، فالنبي قال “الحِكْمَة ضالة المؤمن أينما وجدها التقطها” وفي رواية “الحِكْمَة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أولى الناس بها”، ومن هنا إن نطق كافر، مسلم، بوذي، مجوسي، يهودي، مسيحي – أياً كان – بحِكمَة أنا آخذها وليس لدي مُشكِلة في هذا، فالنبي حين سمع شعراً عربياً جاهلياً قال “إن من الشعر لحِكْمَة”، إذن هناك حِكْمَة، ولكن نحن نتحدَّث عن الحِكْمَة المُوحاة، الحِكْمَة المُنزَّلة على رسول الله وهى القرآن الكريم، آيات القرآن الكريم، ولكن ليس كل الآيات وإنما آيات الحِكْمَة في كتاب الله، فما مفتاحها إذن؟!
النهي وما كان سبيل فهمه الامتناع أكثر منه الإيجاب والعطاء، ولك أن تتخيَّل هذا، فمثلاً الله يقول وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً ۩ فالمُهِم في قضايا العهود دائماً ألا تُخرَق، كأنه يقول ولا تخفروا بالعهود والذمم والمواثيق، هو هذا، فحتى الأشياء اللي فيها إيجاب روحها في ماذا؟!
في السلب والامتناع، ومن هنا قال وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ ۩، ولذلك أيضاً في كتاب الله ولا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ ۩ فهنا الآية بصيغة النهي، وفي آية أُخرى يقول وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ ۩ أي كأنه يقول ولا تَبْخَسُوا النَّاسَ ۩، فالله يقول فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ ۩ أي لا تبخسوا الكيل والميزان على نحو قوله وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ ۩، فهنا أمر بالإيجاب ولكن جوهره في ماذا؟!
في الامتناع ومُلازَمة حدود الحق والعدل، مُلازمة حدود الحق بعدم الجور عيلها، فمفتاح الحِكْمَة هو هذا – أي النهي – ولأن هذا هو الأصل في الوضع اللغوي للكلمة – سبحان الله – نجدأن آيات الإسراء هى الوحيدة التي قال الله فيها ذَٰلِكَ مِمَّا أَوْحَىٰ إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ ۗ ۩، فكل هذا من الحِكْمَة، فمُعظَمها نواهي وصوادع، وهذا شيئ جميل ولكن – كما قلت لكم الآن – هناك أنبياء آخرون أوتوا الحِكْمَة طبعاً والأرجح أن تكون ضمن كتابهم المُقدَّس وهذا شيئ جميل، فضلاً عن أن هناك بشرعاديون يؤتون الحِكمَة، فالله قال يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۩ ولقمان أوتى الحِكمَة، وواضح أن هذا هو الحد الأدنى في تعريف هذه الحِكْمَة الأخرى المؤتاة للبشر – لحكماء البشر – وهى إصابة شاكلة الحق في قضايا الأخلاق والقيم والسلوك، فتعرف ما ينبغي وما لا ينبغي، ما يليق وما لا يليق، فهذه هى الحِكْمَة ، لذلك بعضهم قال “الحِكْمَة هى الصواب في القول والعمل”، فجمع الصواب في العمل إلى الصواب في القول، وطبعاً القول يعكس الصواب في الرؤية والفهم، فيكون هناك رؤية فاقهة وقول صائب وعمل سديد، هذه هى الحِكْمَة وهذا كلام جميل ولكن هذه ليست في محل النزاع، فمحل النزاع في الحِكْمَة المُنزَّلة المتلوة، علماً بأن الله أعطاك مفاتيح حين قال لك أنها مُنزَّلة، فالله قال لك أنها مُوحاة ومتلوة ومع ذلك أنت تتهوَّك، فما هو الشيئ الوحيد الذي أُوحيَ به ونزل بطريق الوحي ويُتلى؟!
القرآن الكريم، أي كأنه يقول لك أينما ترى الحِكْمَة معطوفة على الكتاب فهى من الكتاب، من مشمولات الكتاب، ولكن لماذاعطفتها يارب عطف تغاير؟!
قال لك هذا ليس تغايراً من كل وجه، وإنما هو تغاير فقط في النعت والتسمية، فهذا كتاب وهذه حِكْمَة لكي ألفتك إلى أهميتها فتنتبه لها لأنها من أهم الأشياء.
اليوم هذه الأمة المرحومة – نسأل الله أن يرحمها والله وأن يهديها رشدها وسبيلها -عندها الكتاب، لكن أنا أشهد بالله على نفسي وعلى هذه الأمة – إلا ما رحم ربي – أن ليس لديها حِكْمَة، فهى أمة تقتل نفسها، تذبح نفسها، تُفجِّر نفسها، تفهم دينها بشكل غالط، تكرِّه العالمين في هذا الدين، تُدافِع عنه بشكل مغلوط تماماً – إلا ما رحم ربي – ومن ثم ليس عندها حِكْمَة هذه المسكينة ، فجدير وحري بهذه الأمة أن تلتفت إلى ماذا؟َ
إلى حكمة الكتاب، لذلك قال الله ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۩، فأي حِكْمَة مقصودة الآن؟!
كما قُلنا بما أن المُخاطَب محمد فالمقصود هنا هو حِكْمَة الكتاب، ولذلك مَن يُريد أن يتكلَّم عن الدعوة – دعوة غير المسلمين – حقيق به أن يؤسِّس فلسفة دعوته على أُسس قرآنية – أُسس الحِكْمَة القرآنية – فيبحث عن الحِكْمَة في كتاب الله تماماً بحثاً علمياً موضوعياً، وبعد ذلك يؤسِّس دعوة غير المسلمين على هذه الأُسس، ولكنك قد تتساءل قائلاً: كيف يُمكِن هذا؟!
من حكمة الدعوة – مثلاً – أنك تبحث عن المُشترَك بينك وبين من تدعوه إلى دين الله وليس عن المُختلِف، لذلك – سبحان الله – أنا في قلبي كنت لا أستسيغ طريقة بعض العلماء الأفاضل – وهم علماء في تخصصاتهم بلا شك بل هم علماء عباقرة – مثل العلّامة المرحوم ديدات فهو عالم عبقري كبير لا يُشَق له غبار في علم مُقارنة الأديان وخاصة الإسلام مع النصرانية ، لكن لم أكن مُنذ غزارة شبابي وإلى اليوم – بفضل الله – وأنا في مُنتهى كهولتي أستسغ ولا أستسيغ هذه الطريقة بأن تسبهم في دينهم وفي عقائدهم وإن كان ما تقوله حقاً، فقد يصفهم – العلّامة ديدات – أحياناً بأنهم لا يفقهون، فيقول لهم ” أنتم لا تفهمون” ويصفهم بالغباء، وهذا شئ عجيب واستفزاز رهيب جداً، كأنه يقول لهم “اكرهونا، اكرهوا ديننا، نحن أعداؤكم، نحن الذين بعثنا الله لكي نطلعكم على فساد دينكم ونَحلتكم ومُعتقَدكم، وأنكم من أهل النار”، فما هذا؟!
هذه ليست دعوة، هذا تكريه في الإسلام وتكريه في المسلمين، ولكن القرآن الكريم يقول وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ۩، فضلاً عن الآية واضحة التي قال فيها وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۩، ولكن أي آية أبلغ هذه الآية في العنكبوت أم آية النحل – ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۩-،وأيهما فيه تشديد أكثر ومن ثم تكون أبلغ في المعنى؟!
آية العنكبوت وانظر إلى الصيغة المُستخدَمة – وَلَا ۩-، فيقول لك هذا ممنوع، ممنوع أن تفتح أصلاً باب الجدال مع أهل الكتاب – إِلَّا ۩ – بهذه الطريقة، فإن كان لديك اللياقة المزاجية والعقلية والفكرية أن تجادلهم فيكون ذلك بأحسن طريقة مُمكِنة، ولكن لماذا يا رب؟!
لأن ليس الهدف أن تُفحمِه، ليس الهدف أن تقول له أنت على ضلال، هذا ليس الهدف، فليس من وراء هذا فائدة ومن ثم هذا لا يكون هدفاً، ولكن الهدف هوأن تقوده إلى الرشاد، إلى الصراط المستقي ، أن تفتح عين بصره وبصيرته على الحق الذي أسعدك الله به، فالهدف هو أن تنقذه، أن تُسعِده في الدنيا والآخرة، وليس أن تُحطِّمه وتُدمِّره وأن تقيم عليه الحُجة لتُدخِله النار وتكون فرحاناً بهذا، ولذلك يكثر في دعائنا وفي منابرنا “اللهم افعل وافعل بهم يا الله”، فلماذا يا أخي هذا الحقد على العالم؟!
من قال لك هذا؟!
أنت تدعو فقط على مَن بغى عليك، على مَن حاربك وقتلك وظلمك، ادع عليه لكي ينتصر الله لك منه وينتقم لك منه، لكن لا تدع على أُناس مُسالِمين في أنحاء الأرض لأنهم فقط نصارى أو يهود أو مجوس أو بوذيين، فلماذا تقول اللهم عليك باليهود والنصارى؟!
ادع فقط على البغاة لظالمين مِن الذين اعتدوا عليك، وهنا لن يكون مُدخَلية كبيرة لكونه يهودياً أو نصرانياً، فليس هذا هو المُهِم، وإنما المُهِم هو العدوان، فأنت مُمكِن أن تدعو على مسلم إذا اعتدى عليك بأن الله ينتصر لك منه وهو مسلم مُوحِّد لأن الله لا يحب الظلم، وقد قرر علماؤنا – كما قلنا مائة مرة وعملنا عليها خطبة – أن لدولة الكافرة الله يقيمها ويبقيها إذا كانت عادلة، ويقوِّض أركان الدولة المُسلِمة المُوحِدة إذا كانت ظالمة، وهذا هو الفكر الصحيح، هذا هو القرآن وهذه هى روح الدين، وليست روح الخُطباء اليوم والوعاظ الذين خرَّبوا لنا كل شيئ – سبحان الله – وخرَّبوا علينا كل شئ – خرَّبوا لنا وخرَّبوا علينا والله -، فسدوا الطرق علينا بهذه الطريقة العجيبة العوجاء، ومن هنا نسأل الله أن يهديهم ويهدينا معهم.
فإذن البحث عن المُشترَكات مِن الحِكْمَة في الدعوة، فتدعو إلى الله بحِكْمَة، لأن هذه هى الحِكْمَة، ولذلك أيضاً كنت مُستاءً أنا ، كنت مُستاءاً – وإخواني المُقرَبون يعرفون هذا – من حوالي عشر سنوات من بعض القنوات الإسلامية التي نحترمها والتي لا أدري لماذا فتحت قنوات الباب لمُهاجَمة النصارى العرب – وخاصة الأقباط في مصر بالذات -، فقدَّموا حلقات عن النصارى والنصرانية وأن الأناجيل منحولة ومُزوَرة، وتحدَّثوا عن الثالوت والصليب وإلى ما هنالك في حلقات كثيرة جداً، وهذا شئ غريب حيث تم خلط العلم ومُقارَنة الأديان بالسياسة فتحدَّثوا عن أمور غريبة تتعلَق بالكولورادو Colorado والمُؤامَرات التي تُحاك لتنصير العالم الإسلامي وتنصير المسلمين، فضلاً عن تطرَّقهم لموضوعات تتعلَّق بتسلح الأقباط في مصر ووجود أسلحة في كنائسهم مُسلَحة، فما هذا؟!
إذا كان هذا موجوداً فهذه ليست وظيفتك أنت، هذه وظيفة الدولة، وكل دولة تُحِب أن تحتكر العنف وحدها فلا تسمح بوجود طوائف وفرق مُسلَّحة لديها، فأصلاً الدولة من حيث هى كما قال ماكس فيبر Max Weber أبو علم الاجتماع الألماني وظيفتها الرئيسة أن تحتكر العنف، فلا يُوجَد دولة كدولة تحب أنه يكون هناك طوائف وفرق وأُناس وتنظيمات عندهم سلاح ومن ثم يُمكِن أن يقوموا بحركات عنفية، فقطعاً وبالحري تأخذ على أيديهم، فما دخلك أنت كداعية وعالم ومُفكِّر مسلم وأكاديمي بهذا عندما تفتح مثل هذه الأبواب فتُثير عجاجات الله أعلم بها؟!
هل عندك أدلة وبيانات على هذا؟!
ولو هناك أدلة وبينات فكيف غبيت وخفيت على أجهزة الدولة المُتخصِّصة التي تُراقِبهم على مدار الأربع والعشرين ساعة؟!
ومن ثم أنا كنت استاء من هذا وأعلم أنه نذير شر وسوء – والله العظيم -، فطبيعي طبعاً لكي نكون واضحين – ونحن لا نُبرِّر هذا ولكن هذا أمر طبيعي – عندما يفوز الإسلاميون في مصر وغير مصر أن يتشاءم نصارى مصر فهم غير مبسوطين، ومن ثم عندما يحدث تآمر على التجربة الإسلامية وكذا طبيعي أن يكونوا مِن أوائل المُتآمِرين بأموالهم وبجاههم وسلطانهم طبعاً، لأنك أنت في قنواتك – ما شاء الله – من عشر سنين تُحرِّض عليهم وتُحاوِل أن تطعن في دينهم وتُفهِمهم أنهم مُشرِكون كفار مُثلِّثون، فما علاقتك بهذا؟!
ليس هكذا تكون الدعوة، ومع ذلك سيُقال لي” قطع الله لسانك يا زنديق، يا مُتملِق للنصارى – فأنا مُتملِق لكل العالم سبحان الله، شئ غريب يا أخي – لأن الله قال لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ۩ ولكن أنا أقول له: في أي سياق قال هذا؟!
ولماذا أنت ذكرت هذه الآية فقط ولم تفهمها في سياقها ولم تذكر آية وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۩؟!
ألم تقرأ هذه الآية وتفهمها؟!
اقرأ هذه الآية وفي ضوئها ستفهم كيف تُسيّق – إن جاز التعبير – الآيات، ففعلاً الله قال لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ۩، ولكن لماذا الله – تبارك وتعالى – قال هذا؟!
هذا هو، وهذا شيئ غريب جداً يا أخي، لكن على كل حال هذا كان تعليقاً على موضوع الحِكْمَة، فلا يُقال لنا أن الحِكْمَة هى السُنة وانتهى الأمر، ولا يُقال أيضاً أن السُنة عندها حُجية كاملة من غير أي كلام بهذا الكلام.
تعبت قليلاً ومن هنا سأختِم – إن شاء الله بما وعدتكم به – فإلى الآن الكلام عن حُجية السُنة وفقاً لجوانب مُعيَّنة لها علاقة بالخطبة وليس عن حُجية السُنة ككل، فإذا أردنا أن نتكلَّم في هذا الموضوع بشكل كامل سنحتاج أقل شيئ إلى ثلاثين أو أربعين حلقة دون مُبالَغة فأنا أعلم ماذا أقول لكي نتكلَّم لكم عن حُجية السُنة وما قيل فيها والأدلة على ذلك، وهذا ما يُعَد شيئاً عجيباً جداً لأن علماء الكلام لدينا جعلوا أول الأدلة على حُجية السُنة العصمة – دليل العصمة -، ولكن لكي نتكلَّم عن العصمة والخلاف في العصمة سنحتاج إلى سبع أو ثماني حلقات لنتحدَّث بهدوء، ولكن هذا ليس قصدي وإنما كان قصدي فقط أن أُعلِّق على بعض النقاط التي تمس خُطبة أمس لأنها لم تُسَد ربما ومن ثم لم تُفهَمم بشكلٍ جيد ولم تُفهَم على وجهها، فأردت أن أضع الأمور في نصابها وإلا الأمر مُتسِع أكثر بكثير من أن يوفى حقه في مجلسٍ واحد، والآن أختم بما وعدتكم به بأن ننتقل إلى السُنة في مقام الإثبات، وهذا له علاقة طبعاً بعد ذلك بحُجية السُنة، ولكن كيف؟!
إذا أردنا أن نحتج بالسُنة في قضايا العقائد وأصول الدين هذا لا يثبت لدينا أو لا يسوغ إلا بما ثبت بطريق التواتر لأن العقائد كفر وإيمان، علماً بأن طريقتي ومذهبي أنه ليس في السُنة شيئ يؤسِّس لأصل جديد من أصول الإيمان – أبداً حاشا لله – طبعاً، فهذا بالذات مما ينبغي أن يُنزَّه عنه الكتاب فلا يُقال لك أصول الإيمان ليست كاملة في كتاب الله – أستغفر الله العظيم -، فهذا شيئ عجب، ومن هنا نحن نُحاوِل أن نُنِّزه الكتاب عن أن يُقال أنه يحتاج إلى زيادة في التشريعات العملية في الفروع، فنحن أخذنا برأي الشاطبي وشرحنا لكم كيف، ومن ثم لا يُمكِن أن تأتي وتقول لي أن القرآن ناقص في أصل الإيمان وأصل الهداية وما يتعلَّق بهما من جنة ونار ومن ثم يجب أن نُلحِق به ضميمة مما ثبت بالأحاديث عن رسول الله، فهذا الكلام غير صحيح، علماً بأن هذه الأحاديث أحاديث آحاد طبعاً للأسف الشديد، مثل قضايا الإيمان بالمهدي وباثني عشر إمام معصوم عند إخواننا الشيعة وبالدجّال – المسيح الدجّال – وبعودة عيسى وبالأشياء هذه، أعوذ بالله، ما هذا؟!
هذا ليس له علاقة بأصول الإيمان، ومن ثم قد يسألني أحدهم: هل تُكذِّب مثل هذه الموضوعات؟!
أنا وضحت رأيي في هذا أيضاً في خُطب، ولكن بصراحة وبوضوح أقول أنه من حق أي مُسلِم ومُسلِمة أن يُصدِّق ما شاء من هذه الأحاديث، فأنت – مثلاً – مُستريح إلى أن هناك دجّال سيأتي وسيفعل ويفعل، فأنا ليس لدي مُشكِلة معك في هذا، ولكن عليك أن تنتبه إلى أنه ليس من حقك البتة – فأنت تخاطر بدينك هنا – أن تعتقد أن هذا من مُهِمات الإيمان ومن أصول الإعتقاد وأنه لا يسع المرء جهله، بالعكس يسع المُؤمِن جهله إلى أن يلقى الله، فلو عاش المُؤمِن ألف سنة دون أن يسمع شيئاً عن الدجّال أو عن المهدي أوعن الأئمة المعصومة الاثني عشر أو عن عودة عيسى في أخر الزمان ومات على هذا فليس عنده أي مُشكِلة – بإذن الله تبارك وتعالى – لأن هذا ليس من أركان الإيمان، فأركان الإيمان مذكورة بشكل واضح في كتاب الله – تبارك وتعالى -، ولكن أن تقول لي “بحسب نظري وبحسب قناعتي بمنهج علماء الجرح والتعديل وعلماء النقل وعلماء الرواية أن هذا يترجَّح عندي أن النبي قاله ” ليس لدي مُشكِلة في هذا فقد يكون قاله، فعلينا أن ننتبه إلى أن الباب ليس مسدوداً أمام النبي طبعاً لكي يُخبِر عن غيوب وأشياء ستقع في أمته أو تقع لأمته أو أشياء تقع في الأخرة في الجنة أو النار، فعادي أن يفعل هذا لأنه نبي ويُوحى إليه، ومن ثم هذه الأشياء قد تكون مُوحاة إليه، فإن ثبت أنه قال هذه الأشياء صدقناها لكن لا نجعلها أصولاً في الإيمان، أي لا تكون قضية إيمان وكفر وأنه لا يسع المرء جهلها وينبغي أن يعلم بها، هذا غير صحيح، فلا ينبغي أن يعلم بها.
هو هذا، وهذا هو التحقيق بكلمة واحدة سهلة، لكن الذي ندين الله ونتعبده به الله – تبارك وتعالى – هو أن قضايا الإيمان والاعتقاد لا يُقبَل فيها إلا المُتواتِر، وهذه القضايا أغلق بابها الكتاب العزيز وانتهى الأمر، ولذلك أنت لو ذهبت الآن في مقام الإثبات لتبحث عملياً عن أمور عقدية ثبتت عن رسول الله بالتواتر لن تجدها – وأنا أقول لك هذا الآن بدون مُجازفَة لأنني أعرف ماذا حتى وإن اتهمتني بأنني أُكذِّب العلماء-، علماً بأنني أثبت هذا لأن وفقاً لتعريف المُتواتِر لن تجدها، مُحال أن تجدها، فليس هناك سُنة قولية تحدَّث فيها النبي عن أشياء ما وتواترت قولياً – مُستحيل – سواء لفظياً أومعنوياً، ومع ذلك قد تتهمني بأن هذا كذب أيضاً لأنه خلاف أقاويل جماهير العلماء أهل السُنة – مثلاً – وغير أهل السُنة، فمثلاً أهل السُنة يقولون عن رؤية الله في الأخرة أنها مُتواتِرة عن رسول الله، ولكن بالله عليكم أيكون هذا فعلاً تواتر بشرط التواتر على الرغم من كل طوائف الأمة تُخالِفه إلا أهل السُنة والجماعة؟!
فالشيعة الزيدية يُنكِرون رؤية الله في الآخرة ولا يأخذون بأي حديث من هذه الأحاديث التي أتت عن طريق واحد وعشرين صحابي ويقولون أن هذا كلام فارغ ومن ثم لا نُصدِق بشئ من هذا، والشيعة الإمامية لا يأخذون بهذه الأحاديث بالمرة ويُنكِرونها، المُعتزِلة بكل طوائفها يُنكرِونها، الخوارج بكل فرقهم يُنكِرونها، إخوتنا الإباضية الآن في عمان وفي الجزائر وليبيا وفي غير ذلك يُنكرِونها، فلا يقول برؤية الله في الآخرة إلا أهل السُنة والجماعة، أما كل فرق الأمة فتُنكرِها، فما رأيكم؟!
إذن هل هذا مُتواتِر؟!
هذا المتواتر أشبه بتواتر صلب المسيح، فعندما تُناقِش النصارى يقولون لك “تواترعندنا صلب يسوع”، والمؤمن يرى أن هذا كفر طبعاً لأنه مُخالِف لكتاب الله –وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ ۩، ولكن المسيحي يقول لك أنه تواتر، فالكل يحتج بالتواتر، أما التواتر بشرطه هو غير موجود لا هنا ولا هنا، فلا تقل لي تواترت رؤية الله لأنها ليست مُتواتِرة، وسنشرح هذا على الرغم من أنني سبق وأن شرحته مما قد يُؤدي إلى شيئ من المُمِل عندما نعيد ونزيد في مثل هذه الملفات، ولكن هناك للأسف مَن يأتي ليسمع جُزء من الخُطبة ويبدأ يُجهِّل وينتقد، فعليك أن تذهب لتسمع كل ما تكلَّمنا عنه، فليس من المعقول أن نُعيد كل شيئ كل مرة لأن هذا مُتعِب هذا – والله – ومُضني، فإذن هذا الباب مسدود – بفضل الله – علماً بأننا سنُعرَّف التواتر بعد قليل، ولكن الآن سنأتي الباب الثاني فالكلام في مقام الإثبات وليس في الحُجية بشكل عام على فرض الثبوت، وإنما الكلام الآن في الإثبات، فنتحدَّث عن الأحكام الشرعية والحلال والحرام وخاصة الأحكام العقابية الجزائية مثل أحكام الرجم التي فيها قتل، فالقرآن يقول لك أن هناك الجلد، ومع ذلك تجد مَن يقول لك بل القتل بالحجر وهو ما يُعَد شيئاً مُخيفاً، وغيرها من هذه الأحكام الشرعية عموماً والأحكام الجزائية خصوصاً، فالسؤال الآن: كيف نقبل هذه الأحكام؟!
هل نقبلها بأحاديث آحاد فقط؟!
نحن اشترطنا شرطاً – فصَّلت مرةفيه في خطبة بحيالها – قرآنياً، فما هو هذا الشرط القرآني لكي نُثبِت صحة هذه الأخبار التي تتعلَّق بالحلال والحرام وافعل ولا تفعل، فهذا شرع تُلزَم به الأمة إلى يوم الدين؟!
اشترطنا في هذه الأخبار أن تكون عزيزة، فأضعف الإيمان أن تكون أخباراً عزيزة، ولكن ما معنى الأخبار العزيزة ومن ثم لماذا اشترطنا شرط العزة؟!
العزيز هو الذي يرويه عن رسول الله اثنان – إذا رواه أكثر سيكون أحسن وأحسن وإن لم يتواتر – ثم يرويه عن كل من الاثنين اثنان، ومن ثم لكي يحدث لدي شبه راحة وترجيح أن هذا الحديث رواه – مثلاً – أبو هريرة وابن عباس عن رسول الله أشترط أن يكون الخبر عزيزاً بأن يرويه اثنان عن رسول الله مثلما اشترطت أن يكون الراوي صحابياً لكي أُصدِّق أن الراوي هو أبو هريرة فعلاً، فالصحابة هم أفضل الأمة بعد نبينا في الجُملة، فإذن أنا أُريد من الصحابة اثنين، فأحرى حين تكون الرواية عن أبي هريرة وأنه حدث بهذا عن رسول الله أن يرويها عنه اثنان، فأنا لن أُصدِّق شخصاً واحداً بمفرده، وكذلك الحال إذا قيل لي أن ابن عباس قال خبراً ما، فأنا أريد اثنين عن ابن عباس، فإذن يُوجَد في الطبقة الأولى اثنان – فالعزيز أثنان – وأصبح لدي في الطبقة الثانية أربعة، ولكن لكي أعرف أنا أن هذا التابعي روى هذا عن أبي هريرة في الطبقة الثالثة أُريد أيضاً اثنين، فعن هذا اثنان وعن هذا اثنان، إذن سيكون في الطبقة الثالثة ثمانية، وهكذا إلى أن ينتهي إلى البخاري أو إلى مسلم أو إلى غيرهما، فهذا إسمه العزيز، ومن هنا أبو عبد الله الحاكم في كتابه الإكليل – وأعتقد أيضاً في معرفة علوم الحديث – رحمة الله عليه – قال “هذا أصح طبقات الصحيح “، وزعم تقريباً على ما أذكر – لأنني لم أُراجِع هذا من سنين – أن ما في البخاري ومسلم من هذا هو الأكثر، ولكن الحق عكس كلامه تماماً، فما في البخاري ومسلم هو الأقل، ولكن لكن كلامه صحيح من زاوية أن هذا أعلى الطبقات، فهذا الحديث يرتاح إليه الإنسان، ولكن لماذا اشترطنا نحن شرط العزة؟!
لأن نصاب الشهادة في الجُملة اثنان، وبالمُناسَبة نعم هذا إسمه الحديث العزيز ولكنك إذا إذا أردت العزة قرآنياً لابد من وجود ثلاثة، فالقرآن قال فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ ۩، وهذا هو الصحيح صراحةً، ولكننا سنقول بالعزة معنوياً، أي أن واحد جاء ليُعزِّز آخر على الرغم من أن القرآن قال التعزيز يكون بثالث وليس باثنين، ولكن لا بأس، فنحن قلنا بالاثنين لأن نصاب الشهادة في الجُملة اثنان، فالله يقول يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ ۩، ويقول في موضع آخر وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ ۩، كما يقول أيضاً فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ ، فهكذا هو نصاب الشهادة في الأمور دنيوية وحقوق العباد، فأحرى أن نتمسَّك بهذا النصاب في الشهادة على صاحب الشرع لأن هذا أخطر بكثير، وبالمُناسَبة وجدت في كل كتب الأصول جواباً عن هذه المسألة لم يقنعني البتة – قط لم يقنعني – وفعلاً هو جواب تطبيقي – نوع من التطبيق – ولكنهم قعَّدوا قاعدة لهذا الجواب دون تسويغ حقيقي لها ودون تبرير علمي منهجي، وبعد أن قعَّدوها وسلِّموها وأحبوها وأنِسوا بها – سبحان الله – جاءوا ليطبِّقوا الأشياء وفقاً لها فاخطأوا في المرتين، حيث أنهم قالوا أن هناك فرق بين الرواية والشهادة – وهذا أمر نعلمه ودرسنا الفروق هذه كلها وهى عشرون فرقاً، فإذا أردت أن تقف عليها كلها بتفصيلها ارجع إلى تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي للإمام السيوطي حيث ذكر عشرين فرقاً بين الشهادة والرواية – ولكنهم طبَّقوا هذا بشكل خاطيء بدون تسويغ أو تبرير منهجي ومن ثم هذا لا يحل المُشكِلة بل يُعقِّدها لأنه على الضد منها، لأنهم قالوا “باب الرواية مبني على التسامح، وباب الشهادة مبني على التشديد” وهذا غلط – هذا التقعيد غلط – فالمفروض أن العكس هو الصحيح، فإذا أن نتسامح وأن نتساهل فالمفروض أنه يُتساهَل في الشهادة ما لا يُتساهَل في الرواية، لأن في نهاية المطاف الرواية شهادة – من باب الشهادة – ولكنها على مَن؟!
على صاحب الشرع، فيشهد الإنسان أن النبي – صاحب الشرع – قال هذا أو فعل أو قرر هذا، وهذا أخطر مائة ألف مرة من الشهادة على أن هذا أخذ من هذا عشرة دراهم، لأننا إذا كنا كاذبين في الشهادة لن يخسر العالم شيئاً بل الخاسر هو صاحب العشرة الدراهم فقط ، لكن لو كذبنا على صاحب الشرع وكناغير دقيقين في الشهادة على ستحرَج الأمة بمزيد تشريعات وتحريماتومن ثم تبقى مُلزَمة به إلى يوم الدين، فهذا شيئ خطير جداَ لأنه يتعلَّق بالتشريع المنقول عن رسول الله الذي قال لك “إِنَّ كذِبًا عليّ ليس ككذِبٍ على أحدٍ”، إذن الكذب في الرواية ليس كالكذب في الشهادة، ولذلك بعض العلماء كَفَرَ مَن يتعمد الكذب في الرواية، ولكن هل تُكفِّر مَن يتعمد الكذب في الشهادة علماً بأن مُعظَم الناس يكذبون في الشهادات؟!
لا نُكفِّر مَن يتعمد الكذب في الشهادة يا سيدي.
فإذن واضح أن باب الرواية أخطر بكثير من باب الشهادة، ومع ذلك هم يُصدِّقون أنفسهم ويقولون بأن باب الشهادة يُتشدِد فيه على عكس باب الرواية الذي يُتسامَح فيه، ولديهم تبرير غالط أيضاً فيقولون “نتسامح في الرواية حتى لا تضيع علينا السُنن”، وهذا غلط أيضاً – منهجياً غلط – لأن الأصل هو البراءة الأصلية وليس التحريم والتحليل والتشريع، وإنما الأصل هو البراءة الأصلية، وأنتم بهذه الطريقة جُورتم على مبدأ البراءة الأصلية، علماً بأن النبي كان مُنحازاً – صلوات ربي وتسليماته عليه وآله – كل الانحياز إلى مبدأ البراءة الأصلية وكان يحبه، فمبدأ البراءة الأصلية لا تحرج معه الأمة، بالعكس ستكون أمورها ميسورة وسيكون عندها دائرة تسامح وعفو وبحث كبيرة مرنة تجعل حتى الفقه مرناً ، ومن ثم يُستفاد من عبقرية وقرائح كبار الفقهاء والمُجتهِدين، ومن هنا أشار النبي إلى هذا بل صرَّح به في الحديث الصحيح الثابت في مسلم، ولكن قد يقول لي أحدهم أنني مُتناقِض لأنني أحتج الآن بحديث آحادي واحد، وأنا أفهم هذا ولكنني أحتج بهذه الأحاديث لأنها تُواطيء وتتماشى مع روح الكتاب ورح الشرع وأحكام العقل، فأنا أفهم ماذا آخذ وماذا أترك، ومع ذلك قد يتهمنا أحد المساكين بأننا نتبع الهوى على الرغم من أن الرسول قال إِنَّ أَعْظَمَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَحُرِّمَ عَلَيْهِمْ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ، فهذا المسلم – والعياذ بالله -أعظم المسلمين جريمة وهو ليس بقاتل أو سارق أو زانٍ ولكنه يُعَد مُجرِماً بل هو أكبر مُجرِم، ومن ثم هذا يُفهِم أن النبي لم يكن حريصاً على أن يزيد مزيد تشريعات ولكنه كان يقف عند حدود ما شُرِع، ولذلك قال بالفم الملآن – صلوات ربي وتسليماته عليه، وجزاه الله عنا خير الجزاء- ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فلا ينبغي أن تسألوا عن هذا، ومن ثم فهم الصحابة هذه الخُطة الهدائية النبوية التي عكسها الفقهاء والأصوليون – عكسوها تماماً – حينما قالوا نحن تسامح حتى لا تذهب علينا السُنن، وهذا غير صحيح لأنهم سيأتون بأشياء كثيرة ستزيد من الأحكام بدعوى أن النبي قال هذا، ولكن نحن خُطتنا على العكس تماماً وهى خطة رسول الله، فنحن نتشدَّد تماماً ونطلب الحديث العزيز في الأحكام على عكس ما ذهبوا إليه، ومن هنا مرتاح إلى أنه يسعكم مُخالَفة أي أحكام شرعية لم تثبت بأحاديث عزيزة فأنتم لن تُحرِّموا ما أحله الله، فأصول المُحرّمات موجودة في كتاب الله، كما أنك لن ترتكب فواحش ففواحش الذنوب مذكورة في كتاب الله، ويُوجَد مسائل يتسع لها الاجتهاد مثل التي تتعلَّق ببيعتان في بيعة وبيع وشرط ومثل هذه الأشياء، فلنترك المجال للاجتهاد الاقتصادي والفقه الاقتصادي لكي يتحرَّك فيها حتى نُوسِّع على الأمة، ولكن إذا الحديث ليس عزيزاً وأحب أحدهم أن يأخذ به لأنه مُقتنِع به هذا شأنه، ولكن هذا لا يُلزِمني لأنه ليس عزيزاً، في الشرع وما يتعلَّق به من حلال وحرام أُريد حديثاً عزيزاً على الأقل، والحديث الذي عندك يا أخي ليس عزيزاً وإنما آحاد وبالتالي فلا تُلزِمني به، وهكذا تقل – سبحان الله – مساحة النزاع، تقل كثيراً جداً جداً جداً، فلن نتحرَّك في إطار خمسة آلاف حديث أو في إطار ألفين حديث، وإنما ستُصبِح الحركة في إطار مائة حديث أو مائة وخمسين حديث فقط، وهذا شيئ بسيط جداً، وهذا في حال إن ثبت لهذه الأحاديث العزة، فالعزيز موجود ولكنه قليل جداً، فهو في تقديرات بعض العلماء من الذين بعجوا هذا الأمر واهتموا به كثيراً يتراوح ما بين ثلاثة إلى خمسة في المائة – أي Maximum – فقط من جُملة أحاديث البخاري ومسلم، ولك أن تتخيَّل هذاعلماً بأن هذه النسبة تتعلَّق بكل الأبواب وليست مُتعلِّقة فقط بأبواب التشريع، فهذه هى نسبة كل الأحاديث العزيزة وقد لا تبلغها أصلاً، وهذا عكس ما ظنه الحاكم حين قال إن أكثر ما في الصحيحين عزيز، فهذا غير صحيح ومن هنا خطّأه ابن حجر العسقلاني في هذا، حيث قال له ” هذا غلط وكلامك غير صحيح، فالعزيز هو الأقل”، وهذا هو الصحيح لأن فعلاً الأقل هو العزيز، ولكن لابد منه حتى نرتاح إلى أن النبي قال هذا، فليس هدفنا أن نرد على النبي، وإنما أن نتحوّط له وأن نسير – كما قلت لكم – في خُطته الهدائية النافية للحرج والباغية لليسر، فهى خُطة مُبتغية لليسر والتنفيس عن الأمة، ولذا قال النبي – عليه السلام – ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَخُذُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَانْتَهُوا، إذن النبي يقول من أسباب هلاك الأمم السالفة السابقة أنها كانت تُكثِر السؤالات، فتسأل كثيراً عن حُكم هذا وهذا وهذا، وهذا ليس أمراً محموداً علماً بأن النبي لا يحب هذا أبداً، ولذلك – عليه السلام – صلى بالناس أول ليلة قيام رمضان وأتم به صفوف من الناس وفي الليلة الثانية زادت الصفوف وامتلأ المسجد، ولكن في الليلة الثالثة راث عليهم وجعلوا ينتظرون خروجه حتى خرج لهم قُبيل الفجر فقال لهم ” أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ لَمْ يَخْفَ عَلَىَّ مَكَانُكُمْ – أي أنا أراكم وأُلاحِظكم – لَكِنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ فَتَعْجِزُوا عَنْهَا”، فلم يُرد أن يُصلي بهم صلاة قيام الليل جماعة في المرة الثالثة، ومن ثم مَن أراد أن يفعل هذا فليفعله بمُفرَده في بيته، أما هو فلا يُحِب أن يفعل هذا جماعةً حتى لا يُصبِح قيام رمضان فرضاً ونحن لدينا مفروضات فلا ينبغي أن يُفرَض هذا أيضاً لأن هناك مَن لا يستطيع ومَن لديه أعمال، فالنبي لا يُريد أن يُحرِج أمته، ولكن هذا الحديث من مُعضِلات تقريباً أو مُشكِلات الصحيح، وأحسن مَن وجدته أجاب عنه إمام تونس وشيخ الإسلام الطاهر بن عاشور – روَّح الله روحه الشريفة – في النظر الفسيح عند مضائق الأنظار في الجامع الصحيح، فأجاب عن هذا الحديث بجواب ذكي لم يسبقه أحد إليه الذكي – سبحان الله -، لأن قد يتساءل أحدهم : وهل رب العالمين إذا أراد أن يُفرِض قيام رمضان على الناس جماعة ينتظر أن تكثر أعداد الناس، فإذا أراد أن يفرض هذا سيفرضه؟!
الجواب هو أن الأمر يقوم على المُحاذَرة، علماً بأنك إذا أردت أن تسأل عن ما عند رب العالمين فما عند رب العالمين معلوم لرب العالمين – قولاً واحداً ولا جدال أو كلام في هذا -، فالله يعلم إن كان سيفرض هذا أو لن يفرض، والنبي ما لم يُوح إليه – أي قبل أن يُوحى إليه – بالفرضية سواء بأنها ستُفرَض أو لن تفرَض – ومن هنا قد يقول الله له أُمهم ولن نفرضها – أمره على المحاذرة، فالنبي يحذر من هذا، ولكن كيف يحذر الآن وهو يعلم كما قال ابن عاشور أن الله – تبارك وتعالى – أمَّنه أن يشق على أمته وأمَّنه أنه لن يُحرِج هذه الأمة فالله قال له أن العنت ليس من مقاصده بقوله مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ ۩، كما أن الله قال يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ۩، وقال أيضاً وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۩، ومن ثم فالنبي يعلم أن كل ما تُحرَج به ومعه الأمة لن يُفرَض عليها فهو يفهم هذا بعقله الكبير وهو أذكى الخلق أجمعين – عليه السلام – فما وجه المُحاذَرة هنا؟!
الأمر لا يتعلَّق بالأمة هنا وإنما بطبيعة الإنسان من حيث هو، فإذا تعوَّد الشاق مرةً فمرة سيسهل عليه الأمر، فالآن الأمة ما لم تتعوَّد على صلاة القيام جماعةً ستبقى هذه الجماعة شاقة عليها، فمن الصعب أن تُصلي بعد العشاء هذا العدد في وقت مُتأخِر قليلاً وفيهم الصائم المريض ومَن لديه أشغال ومن ثم سيكون هذا شاقاً، ولكن إن تعوَّدته يوماً فيوماً سترتفع علامة الأمان هنا، فمن المُمكِن أن يسهل عليها الأمر وبالتالي يأتي التكليف لأن الله يعلم أنه لم يعد حرجاً، فالنبي لا يُحِب أن يصل إلى هذه الغاية، أرأيتم رحمة النبي؟!
يا سلام يا رسول الله، ما أحلاك يا حبيبي يا رسول الله؟!
هذا حبيبنا، هذا رسولنا الذي فعلاً نعتقد أنه رحمة للعالمين، فهو ليس كبعض الفقهاء وبعض المشائخ من الذين لا يُوجَد شيئ على قلوبهم من – سبحان الله – أن يتلقطوا التشديدات والتحريمات والتابوهات Taboos، فلا يُحِبون الرُخص ولا يُحِبون التسهيل، ففي كل مسألة فيها قولان أو ثلاثة أو أربعة للعلماء يأخذون بالأشق، فأصبح الدين أشقيات وأحوطيات، فيقولون نأخذ بالرأي الأشق احتياطاً، فنتحوّط لهذا ونتحوّط لذاك، فأصبح الدين أشقيات وأحوطيات، ومن ثم أصبح دين حرج لا دين يسر، وفي عصر مثل هذا تُفتَح أبواب الفتن وأبواب المُثيرات والمُغريات والشهوات على مصارعها مُتبرِّجة مُتزينة مُتزخرِفة ويُعرَض دين بمثل هذه الأحوطيات والأشقيات ستكون النتيجة مضمونة وهى أن ينصرف عنه معظم أهله، فالخيارات صعبة جداً جداً، فمع كل هذا البراح يُوجَد كل هذا التضييق، فماذا نصنع؟!
فكل شيئ أصبح حراماً، فالموسيقى حرام والغناء حرام والتي لا ترتدي النقاب تُسَب – والعياذ بالله – هى وزوجها الذي أصبح ديوثاً، واللحية أصبحت واجبة فضلاً عن أن اللباس هذا الذي أرتديه هو لباس خاص بالفرنجة ومن ثم لا يجوز، وهذا طبعاً شيئ فظيع وعجيب ومع ذلك يدّعون أن هذا دين الله، ومن ثم سينصرف الشباب عن هذا الدين وسيتركونه لهؤلاء المشائخ الذين نفَّروا الناس من دين الله وسيجزيهم الله بعد ذلك بسوء ما عملوا، ولكن الرسول – عليه الصلاة وأفضل السلام – لم يكن عنده هذا الإحراج وهذا التعسير.
إذن نحن في الأحكام – خاصة الأحكام الجزائية الجنائية العقابية طبعاً – نطلب ماذا؟!
نطلب الحديث العزيز.
ولكن قد تقول لي أنني بطلبي لهذا العزيز أُشدِّد عليك، وهذا غير صحيح لأنني لا أُشدِّد عليك، فإن أردت أن تأخذ أحكاماً من أحاديث آحاد لم تعز فلا بأس ليس لدي مُشكِلة في هذا ولكن لا تُلزِمني بها، لأن هذا أنا مرتاح له وسيرتاح معه مَن يقتنع بوجهتي، برأيي، فإذا لم يكن الحديث عزيزاً أستطيع أن أُخالِفه، فلم لا ؟!
فأنا بوسعي أن أفعل هذا خاصة إذا خالفته إلى شيئ يشهد له الكتاب، يتماشى مع مقاصد الشرع، يُحقِّق مصالح الناس، يدفع عنهم بلاءً عظيماً، يدفع عنهم فتنة أو غير ذلك، أهلاً وسهلاً، فأنا على الأقل بمنهج التشريع نفسه ومنهج القرآن ومنهج الرسول تحوطاً لرسول الله – عليه الصلاة والسلام وآله – أنا أطلب أيه لعزيز في حديثه.
يبقى الشيئ الثالث والأخير وهو يتعلَّق بفضائل الأعمال، المحاب، الكمالات، تحسينيات الشريعة، البر، بذل المعروف، فهذا أقبل فيه بصدق حتى الحديث الضعيف، فحتى لو قال لي أحدهم لقد رفضه البخاري والشيخ الألباني وابن عربي وغيرهم أنا أقبل به وهذا لا يتعارض مع كونهم أئمتنا، فهم شيوخنا وعلى الرأس والعين، لكن أنا في هذه الفضائل والمحاب والكمالات أقبل سقراط Socrates وأرسطو Aristotle يا أخي، فلماذا لا أقبل محمد – عليه الصلاة والسلام – وإن ضعفالحديث إليه، هذا لن يضرني في شيئ، كأن يكون هناك حديث فيه حِكْمَة، فالنبي قال “إن من الشعر لحكمة”، أي أن النبي رأى الحِكْمَة التي من المُمكِن أن تُؤخَذ ويُتنوَّر بها في الشعر الجاهلي، فهل أنا لا أرى في كلام يُنسَب للنبي وإن ضعف إسناده ولكن فيه حِكْمَة – الحمد لله – وخير إمكانية أن يُؤخَذ؟!
أنا آخذه طبعاً وأتساهل فيه، علماً بأن هذا لن يضير الأمة، بالعكس سينفعها ويحفزها على العمل والكمالات.
فلا يُقال بعد ذلك “عدنان إبراهيم أو فلان وعلان رافض للسُنة ومُحارِب لها”، حاشا لله، علم الله إن شاء الله أننا لسنا كذلك أبداً، وإن شاء الله نكون من الحرّاس – لن أقول من أحرس الناس وإنما سأقول فقط من الحرّاس – على سُنة رسول الله لكن بفقه وفهم ودين ودراسة ومُقارَنة، لا بعاطفة مُنفلِتة غير مُمنهَجة غير دقيقة.
هذه خُطتنا بشكل عام دون الدخول في تفاصيل كثيرة، والتفاصيل – كما قلت لكم – أكثر مما تظنون – كثيرة جداً جداً – لكن هذه معالم المنهج الذي ارتضيته إلى الآن، وقد أكون مُخطئاً في بعض ما ارتضيت، ولكن متى لاح لي خطئي أنا راجع عنه – والله – من وقته – بإذن الله تبارك وتعالى – فليس هدفي أن يُقال عدنان إبراهيم أصاب أو أخطأ – لا والله – فهذا آخر شيئ يُمكِن أن يهمني، فقط أسعد فعلاً إن أصبت في الحق ودعا لي إخواني وأحبابي، فأنا أسعد كثيراً بالدعاء – والله أسعد كثيراً جداً – حين يُقال لي “وأدعو لك يا فلان بكذا” من إنسان لا أعرفه في نيوزيلندا، في أستراليا، في السويد، في الكويت، في مصر، في السعودية، أو في أي مكان آخر عندما يدعو لي أحدهم بظاهر الغيب فأفرح بهذا جداً وأنا أعتقد أن الله يستجيب لهذا، هذا أكثر ما يفرحني إن شاء الله، ومن هنا فرحي بالصواب إن شاء الله، فضلاً عن طلبي للأجر أيضاً، لكن ليس همي أن يمتدحني الناس بأن يُقال أنه أصاب وأنه كذا، ولكن همي – كما قلت لكم – أن أُصيب الحق لأُرضي الله – تبارك وتعالى – ويرضى عني وأُساهم في نهضة أمتي – إن شاء الله – وإنعاش الدين وإنعاش الحق، فهذا الذي يرضيني وهذا الذي أطلبه من الله – تبارك وتعالى – فلا تهمني نفسي ولا يهمني شخصي الضعيف الزائل، فمَن أنا؟!
طبعاً أنا سبيلي سبيل كل البشر، فأنا أُخطيء وأسهو وأجهل وأغلط، هذا طبيعي لأنني بشر، فأنا لست ملكاً ولست نبياً، أنا إنسان ضعيف وقد أكون من أسوأ عباد الله، فما يدريني؟!
لكن أسأل الله – تبارك وتعالى – أن يُصلِح ظاهري وأن يُصلِح باطني، علماً بأن باطني أهم من ظاهري، فهذا الذي يهمني ومن ثم متى لاح لي الحق بدليله الذي يحصل معه الثلج وبرد اليقين – إن شاء الله – مباشرةً أنا عائد إليه، ولن يُؤخِّرني ولن يُثنيني أن يُقال أنني مُتناقِض وأنني أعود كل يوم عن رأيي، فأنا أعود – والله – كل ساعة وليس فقط كل يوم – بإذن الله تعالى – لو ظهر لي الحق، والحمد لله أنا أعرف نفسي في نقاشي مع إخواني في قضايا دنيوية عادية – مثلاً – وليس فقط في قضايا دينية، فأنا أقول الرأي ثم يحصل بعد ذلك مُجادَلة سريعة ومن ثم أعود عنه بعد دقائق وأقول أن الرأي الآخر أحسن وأصح فأنا أنا أعتقد أن هذا من الحِكْمَة، لأن الإنسان الذي الله أعطاه شيئاً من الحِكمَة دائماً يبغي الخير لنفسه، فلا أحسب أن أحداً يُقال له خُذ مائة يورو Euro ويرفض، ولكنه سيأخذ المبلغ مُباشَرة، وإذا قيل له بعد ذلك خُذ خمسة يوروEuro أو نصف يورو Euro لن يرفض بل سيأخذ المال أيضاً، ففي المال لا يقف أحد عند حد، فلماذا إذن في الحق نقف عند حد؟!
ففي الحق سيكون نفس الشيئ، كلما ظهر لي الحق في أي أمر ديني أو دنيوي سآخذه مُباشَرةً، لأن هذا لي وهذا سيُثري روحي ويثُري عقلي ويُمتِّن موقفي عند نفسي وعند الناس والأهم عند رب الناس. لا إله إلا هو.
أسأل الله لي ولكم الصلاح والقبول وصدق النية وخلوص القصد – إن شاء الله – وقبول العمل والقول، والحمد لله رب العالمين، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى.
(انتهت المُحاضَرة بحمد الله)
The best lecture I heard so far in hadith. May Allah Bless you
أحسن الله إليك يا دكتور عدنان، أرى أن الأمة في أمس الحاجة لهذه التوضيحات بخصوص سنة المصطفى صلى الله عليه و سلم، و أتفق معك تماما و أرى أنك موفّق في هذا الطرح النافع جدا، و أحييك على غلق ملفات الفتن الماضية التي لا تصلح لعامة الناس. نفعك الله بعلمك و نفعنا بك و زادك الله نورا على نور. عندي تعليق على قضية رؤية الله عز و جل في الآخرة . ما معنى قوله تعلى { وجوه يوميذ ناضرة إلى ربها ناظرة } أليس معنى ناظرة من النظر ؟ حفظك الله و رعاك .
سلام الله عليك . .
استمعت لدرسكم الكريم ، ولي ملحوظه ارجو ان يتسع صدركم لمناقشتها ، والوقت للرد عليها ، تقولون ، اكرمكم الله ، في معرض حجية السنة المشرفة ان الآية الكريمة ٤٤ في سورة النحل ” بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ ۗ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ” ، ان التبيان هنا يحمل معني الاظهار وعدم الكتم وايضا التلاوة والابلاغ ، وهذا جميل ومقبول . .
ولكني اعتقد ان الآية الكريمة ٦٤ من نفس السورة ” وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ ۙ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ” ، هي اوضح آية في كتاب الله في ان الرسول صلي الله عليه وسلم المبلغ عن رب العزة رسالته ” أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ ” ، و ” ما ” السببية ، تبعها ” إلا ” لتوضح القصد والسبب من تنزيل الكتاب علي رسوله صلي الله عليه وسلم ” لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ ” ، اي تشرحه وتفسره وتستنبط منه الاحكام فيما تختلف عليه فهوم امتك . .
انا يا سيدي لست فقيها ، ولكني كنت احتج بهذه الاية الكريمة لأُبين ان استنباط الاحكام من القرآن الكريم يحتاج لعالم دين معتبر ، وليس لعوام المسلمين ، بدليل ان حتي فهوم السادة الصحابة رضي الله تعالي عنهم وارضاهم ، قد اختلفت في مقاصد الحق في كتابه ، ولذلك كانت مهمة او وظيفة الرسول صلي الله عليه وسلم بيان مقاصد الله في كتابه الكريم . .
اعزك الله ونور بصيرتكم لما فيه خير العباد . .
لماذا النص غير قابل للنسخ؟