إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا وَنَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيه، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:
أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:
مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩
ثم أما بعد:
أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – سُبحانه وتعالى – في كتابه العظيم بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:
رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ۩ ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُواْ أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ ۩ وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ۩ وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ ۩ وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ ۩ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ ۩ أَفَأَمِنُواْ أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِّنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ۩ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ۩
صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط، آمين اللهم آمين.
أيها الإخوة الأفاضل، أيتها الأخوات الفاضلات:
بين قوله – سُبحانه وتعالى – رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ ۩ – تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ ۩ أي تعبير الرؤي والمنامات – وبين قوله – جل من قائل – قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۩ مجالٌ وميدانٌ للقول وسيع، ومهيعٌ للتحقيق مُمتَد.
فمما تقرَّر أن مصادر التشريع محفوظة، ثم هي مُتفَق عليها في الجُملة، وفي كثير من التفاصيل، وحاضرة عتيدة، مرجوع إليها، ومردود إليها، حين يشتجر خلاف بين المُجتهِدين وبين أهل النظر يُرَد إليها بقوانينها ودساتيرها، وهذا هو المعنى الأول للمرجعية، حين نتحدَّث عن المرجعية، التي إن غابت صار الناس وصارت أقاويلهم وآراؤهم واجتهاداتهم – مَن يزعم الاجتهاد منهم – وحدوسهم وظنونهم، صارت هباءً، لا ميزان لها تُوزَن به، ولا مرجع لها يُرجَع إليه، لتمييز الغث من الثمين، والخمير من العجين، والخاثر من الزُباد كما يقولون، هكذا حالة عدمية، حالة عدمية فوضوية، تجعل الأمة تسير بلا عقل، بلا هُدى، بلا رُشد، وتتبع أهواءها، بل تتجارى بها الأهواء – والعياذ بالله تبارك وتعالى -، فتراهم تفرَّقوا أيدي سبأ وطرائق قدداً، كلٌ له شيخ وطريقة، كلٌ له سبيله وصراطه المُستقيم، فأصبحت صراطات مُستقيمة، ولم يعد صراطاً مُستقيماً واحداً كما أخبر المولى – تبارك وتعالى – في كتابه، هذا هو.
وإن من أكبر اشتجار الخلاف بين جماعات وطوائف وآحاد ربما هذه الأمة ومن أسوأ ما ضُرِبت به هذه الأمة ففرَّقها وشععها وأضعف مُنتها وأذهب قوتها اعتماد طوائف وأفراد من الأعيان الخواص ومن العامة الأغمار والطغام على المنامات والأحلام والرؤى، يظنونها – أو هكذا يسلكون – مصدراً تُشتَق منه الأحكام، وتُؤخَذ منه التشاريع، وتُؤيَّد به الآراء، وتُشيَّد به المذاهب، بل الدول والسياسات، وهذا عجب!
ولم تكف للأسف هذه الأمة عن أن ينبغ فيها مثل هؤلاء في كل حين وفترة من الزمان، حتى جعلوا أمرها عجباً، بل هزوءاً ومسخرةً للساخرين من عباد الله، وجعلوا هذه الأمة على ما قدَّمت قُبيل قليل تمشي على رأسها ولا تمشي على رجليها، أمة بلا عقل، وبلا هُدى، فهذا يزعم أنه على الصراط المُستقيم، وأن مَن خالف عن أمره وشذ عن هديه فهو ضال مُضِل أو كافر حلال الدم، بماذا؟ أبوحي من الله؟ أوحي بعد النبوة وقد خُتِمت بالخاتم – صلوات ربي وتسليماته عليه -؟ نعم يزعمون بوحي جديد، فبعضهم عُرِج به إلى ما فوق الطباق السبع وجاوز سدرة المُنتهى وكافح الله، الله أخبره بهذا، عجيب! نعم، بعض هؤلاء علماء، انتبهوا، ولهم نظائر في القديم والحديث.
فهذا هو حافظ الإسلام وأمير المُؤمِنين في الحديث ابن حجر العسقلاني في فتح الباري – رضيَ الله تعالى عنه، وأعلى الله مقامه في دار التهاني -، ابن حجر صاحب فتح الباري في الدُرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة يُترجِم لأحمد بن عبد الله المعروف بأبي العباس المُلثَّم، أحد فقهاء وصُلحاء الشافعية في وقته، أصله تركي، لكنه وُلِد بالقاهرة، كان مولده ونشأته وهلاكه أو موته – رحمه الله وغفر له، لأنه كان مجنوناً، يبدو أنه جُن واختل مِزاجه – بالقاهرة، بقاهرة المُعِز بمصر – حرسها الله وحفظها -.
هذا الرجل لازم شيخ الإسلام أبا الفتح محمد بن دقيق العيد – شيخ الإسلام والمُسلِمين، العلّامة، الإمام، مُفتي المالكية والشافعية، المُجتهِد، المُحقِّق، والمعروف بالصلاح ورسوخ القدم، ابن دقيق العيد – عشرين سنة، لازمه عشرين سنة في الفقه وسماع الحديث، وسمع عليه جُملةً من الكُتب الكبار في سائر الفنون والعلوم غير الفقه والحديث، ثم إنه عن له أن يعتزل للتعبد والتنسك.
يقول الحافظ فانحرف مِزاجه، فجعل يخرج على الناس بدعاوى، فكان من ذلكم ومن أعظمه أنه زعم أنه رأى الله – أستغفر الله – في المنام مرات كثيرة، وأنه عُرِج به كما عُرِج بمحمد بن عبد الله، صار محمد شخصاً عادياً، يُخبَر عنه كما يُخبَر عن أشخاص عاديين، ربما يتفوَّق عليه هؤلاء وأمثالهم، وبعضهم حكى تفوقه على رسول الله في أشياء كثيرة، نعم! وبعضهم قال بالعبارة خُضنا بحراً وقف الأنبياء بساحله، بل قال ابن سبعين الزنديق – والعياذ بالله – صاحب بُد العارف وغير بُد العارف، قال لقد حجَّر ابن آمنة واسعاً، أستغفر الله العظيم، يقول محمد هذا حجَّر واسعاً، وهو لا يقول محمد، يقول ابن آمنة، ثم نرى مَن تنشق عقيرته وينقطع نفسه ويلتاث لوثة المُخبَّلين الممسوسين في الدفاع عن هؤلاء، ويزعم أنه يُدافِع عن أولياء الله وأهل الأسرار الزكيات، أي أسرار؟ هل لنا عقل؟ إذا كان لنا عقل ودين وإذا كان لنا قلب سليم، فمن أولى وظائف هذا القلب وأول مهام ذلكم العقل أن يفرق وأن يُميِّز بين الحق والباطل، هل يختلط الباطل بالحق هذا الاختلاط حتى ما يُميَّز؟ إذن كلٌ له عُذره، حتى المُتزندِقون وحتى الكافرون إذن، فليدخل الجميع الجنة إذن.
قال هذا المُلتاث الخبيث ما ذكرت، ثم لا يعنينا أن يكون هذا ثبت عنه وأن الذي نقرأه أو نقترئه في كُتبه هو من قوله، نحن إنما نتكلَّم عن القول، ونتكلَّم عن صحابه باعتباره قائلاً، فإن كان غير ذلك فرحمة الله عليه، أمره إلى الله، انتبهوا! لأن بعض الناس يتلوَّن هذا التلوّن الحربائي، يقول وما أدراك أنه قال هذا؟ نحن نُحاسِب الأقوال، تعال معنا وحاسب الأقوال، حتى رسول الله كُذِب عليه، حتى رب العزة كُذِب عليه، فتحرَّف كتاب اليهود والنصارى، وغير كتاب اليهود والنصارى، كذبوا على الله – تبارك وتعالى -، الناس – والعياذ بالله – هذا شأنهم، وخاصة الذين هم من أهل التدين والتنسك في كل الأمم والشرائع والمِلل، وهذه مُقدَّمة على وضوحها وبداهيتها أرجو ألا تُغادِر فكركم البتة، وهي أن ما يُظهِره بعضٌ من التنسك والعبادة والتطامن والانكسار والخشوع وتسبيل الأجفان وذبول الوجه وصُفرة المُحيا، كل هذا ليس عصمةً وليس ضماناً أنه ينسلخ من دينه، أو أنه مُلتاث في عقله، أو أنه ألعوبة بيد الشيطان يُصرِّفها كيف شاء، انتبهوا.
انتبهوا وسأتلو عليكم نماذج للعقول التامة، فالفقه عند أهله – وهم أهل الله، اللهم اجعلنا منهم، ومن خاصة أهليك – ليس عقلاً، كما أنه ليس نُسكاً وحده، الفقه الاثنان على سواء جميعاً، الفقه ورع تام وعقل كامل، عقل كامل مع ورع حقيقي، هذا هو الفقيه، أما أن يكون لك ورع ولا عقل لك فلا نُريدك، أرِحنا منك، وأما أن يكون لك عقل ولا ورع فأنت المُرشَّح أن تكون كذّاباً، دجّالاً، نصّاباً، تكذب على الله وعلى رُسله وعلى أوليائه وعلى نفسك وعلى عينيك، تكذب على عينيك وعلى قلبك وعلى سمعك، وقد قال الهادي المهدي – صلى الله عليه وسلم – والصادق المصدوق إن أفرى الفرى أو من أفرى الفرى أن يُري المرء عينيه ما لم تريا، أكذب الكذب – والعياذ بالله – هذا، وهو مُخرَّج في الصحيح، وحذَّر من هذا لأن بعض الناس يكذب، يقول رأيت هذا في المنام، ورأيت هذا في اليقظة، وأُلهِمت كذا وكذا، تكذب على مَن؟ لكن شأنك صغير جداً، قضيتك ليست بالخطيرة، لأن الشريعة محفوظة عتيدة، يُرجَع إليها، لمَن أراد أن يرجع إليها.
والله يا إخواني وأخواتي كلما تفكَّرت وحزبني ويحزبني هذا الأمر وحزنني ويحزنني هذا الأمر ومررني ويُمررني بل يكبدني – يُصيبني بالكُباد كما يُصيب كل المُؤمِنين الصادقين والمُؤمِنات – رأيت أن مادة هذه العلة وأساس هذا الداء العياء أو الداء الوبيل أن هؤلاء وأشكالهم ونظراءهم لم يعودوا واثقين من كتاب ربهم، لأنهم لم يعودوا مُستمسِكين به، لا يُريدونه حُجةً، لا يحورون إليه، لا يعودون إلى معاقده، ولا يعقلون إلى معاقله، كيف؟ ومُنزِله هو القائل – جل ربي، سُبحانه وتعالى، له الثناء والمجد الحسن – مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۩، أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ ۩، إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ۩، ولكن يبدو أن القضية على حده قوله وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ۩، لقد جعلناه خلفنا، اتخذناه ظهرياً، وجعلناه كالشريعة المنسوخة، واعتضنا بكلام الأولياء والعُرفاء والأئمة والمُجتهِدين وعلان وزيدان وغضبان وسعدان عن هذا الكتاب الأجل، فمن هنا تخبطنا والله، ولا نزال نتخبَّط حتى نعود إليه ونُقيمه في مقامه ونُنزِله في منزلته، المنزلة الأُولى والأَوْلى والعُليا والأعلى والسنية والأسنى، حينئذٍ سنهتدي إلى الحق – بإذن الله تبارك وتعالى – وسيلتئم صفنا – إن أردنا -، ولكن ما كل الناس بفاعلين، لأنه ما كل المُؤمِنين أو مُدّعي الإيمان بطالبين، أي طالبين لهذا، يبدو أن منهم مَن يطلب مصلحته ومصلحة جماعته وحزبه ومُنظَّمته وفئته ومذهبه وألعوبته – الألهية التي يتلهون بها -، شيئ عجب، شيئ عجب أمر هذه الأمة والله العظيم.
فهذا المُعثَّر المُختَل يقول لقد حجَّر ابن آمنة واسعاً، بماذا يا ابن السبعين؟ قال بقوله لا نبي بعدي، قال كيف لا نبي بعدي؟ طبعاً هو يرى نفسه أعلى من النبي، فهذا – أبو العباس المُلثَّم – زعم أنه عُرِج به إلى السماوات السبع، ثم إلى سدرة المُنتهى، ومعه جبريل والأملاك أو والملائكة، ثم فارقوه، ثم كافح الله، خاطب الله، ورسول الله أخبره أنه من نسله، حتى الأنساب تُؤخَذ بالمرائي، ما شاء الله! أنا سيد شريف ومن أهل بيت النبوة، بماذا؟ الناس مُصدَّقون بأنسابهم، لكن أين الدليل؟ ثبِّت نسباً – القاعدة تقول هكذا – وطالب بميراث، ثبِّت العرش وانقش، لكن لا نقش قبل تثبيت العرش، لا مُطالَبة بميراث قبل تثبيت النسب، فالناس مُصدَّقون لكن وفق هذه القاعدة، لا بالرؤيا، النبي أخبره! ثم لم يجتزئ بهذا، حتى تمادى، فادّعى أن النبي أخبره أنه هو المهدي المُنتظَر، ولابد من اتباعه، مَن اتبعه فله كذا وكذا، ومَن خالف عن أمره فعليه كذا وكذا.
أقول هذا ما حصل للأسف، طبعاً يقول ابن حجر فسُجِن مرات مع المجانين، مجنون! لا تقل لي ابن دقيق العيد شيخي ولا فلان شيخي، وعنده كُتب، هو يحكي أحواله هذه – أي أحوال أبي العباس الملثَّام – في كتاب ضخم، ويحكي مرائي كثيرة، رآها الصالحون والعارفون له من تَلاميذه وأشياعه وأتباعه، ومرائيه هو، التي رآها هو، ورأى الرسول، ومَن رآني فقد رآني حقاً، فإن الشيطان لا يتمثَّل بي أو لا يتمثَّلني أو لا يتزايا بي، وكله في الصحيح، ألفاظ مُختلِفة وروايات مُتعدِّدة، وهذا حق، ولكن سيأتي القول فيه والقول في تأويله – إن شاء الله – على وجهه، على شرط العلماء الكبار الثقات أصحاب العقول الكاملة والورع التام، عقل كامل وورع تام! لا تغتروا أنه صالح وكثير العبادة، قد يكون مجنوناً، قد يكون كما أقول دائماً شخصية مفصومة، أي Schizophrenic، من الصعب حتى على مُحلِّل نفسي وعالم أن يحدس بماضيه من أول ضربة ولا حتى أحياناً من عشرين أو مائتي جلسة، وهو مفصوم، أي مجنون، باللُغة البسيطة وما إلى ذلك هو من المجانين، كثير من هؤلاء الذين ألَّفوا وهم شعراء وكُتّاب هم مجانين، وثبت أنهم مجانين، وبعضهم انتهى نهاية المجانين كنيتشه Nietzsche – مثلاً -، عادي! كثيرون جداً، لكن الناس لا يعرفون هذا، يقولون لكم هذا بليغ، فهمان، خطيب مصقع، مُبين، فطحل، نعم وهو مجنون، انتبهوا! ومجنون، كيف نُميِّز؟ استمسك بعروة كتاب الله، استمسك بمُحكَمات الدين، لا تلعب بدينك، لا تلعب ولا تُؤِّول أمثال هذه السخافات والمساخر، مَن هذا المحقور المرذول التاعس البائس العاثر الذي استهواه واستجره حتى ينعت رسول الله – صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، هو خير العالمين، وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ۩ – بأنه ابن آمنة؟ يقول تحجَّر ابن آمنة، ما هذا؟ ويُرهِبون الناس، هناك إرهاب فكري، إذا لم تُؤمِنوا بهذا فأنتم كفّار زنادقة وعليكم من الله كذا، الكل يلعب هذه اللُعبة، سئمنا هذه اللُعبة، أنا شخصياً تقرَّفت وتقزَّزت، أتقزَّز منها – والله العظيم – حين أقرأها للشيعة أو للسُنة أو للصوفية أو لمَن يُسمى إماماً أو لمَن يُسمى عارفاً، لمَن كان! بدأت أتقزَّز من هذا، لسنا مجانين، لسنا حمقى، يُريدون منا أن نُغلَب على عقولنا يا أخي باسم الدين، أي دين هذا؟
هؤلاء – والعياذ بالله – أنا أقول لكم يفتنون أصحاب العقول الكاملة، وحُقَّ لهم أن يقولوا إذا كان هذا الدين فهذا دين كذب، هذا كلام فارغ، لا نُريده، خليناه لكم، تركناه لكم، تخبَّلوا كيفما تُريدون، العبوا كيفما تشتهون، أما نحن فلنا عقول، وعندنا مبادئ، يا أخي العامة تقول الله بالعقل عُرِف، العامة تقول هذا! الله بالعقل عرفوه – يقولون -، عقل هذا، مرجع! لابد أن يكون مرجعاً، وإلى شوط بعيد، ليس إلى تحت القدم، إلى شوط بعيد هو مرجع، انتبهوا! إلى شوط بعيد، لأن الذين أسقطوا العقل عن رُتبته أرادوا أن يُحكِّموا ماذا؟ ما ليس يُعقَل، وإذا صار الأمر وانتهت النوبة إلى ما ليس يُعقَل إذن فالكل مُستوٍ، أليس كذلك؟ يأتيك الرجل بقولٍ ويأتيك عدوه بنقيضه، وهذا يُرهِبك أن هذا هو الحق، إن لم تُذعِن له وبه فأنت كافر، أنت من أهل جهنم، ولن تخرج منها، وستصلاها أبدية، والآخر يأتيك بالقول النقيض، بالقول النقيض!
تعرفون هذا مثل كذب مَن؟ مثل كذب مَن يدّعون أنهم أشياخ العارفين والصوفية والسالكين، ثم نرى تقريباً كل واحد منهم يَزعُم أو يُزعَم فيه من قبل تَلاميذه أنه خاتم الأولياء، انتهى! هذا خاتم الأولياء، وأنه قُطب الزمان، فنقرأ عن قُطبين أو ثلاثة أو عشرة أو عشرين في نفس الوقت يا أخي، مَن القُطب؟ هذا كذب إذن، هذه كلها لُعبة، كالمهدية أو المهدوية، هذا يزعم أنه المهدي، وقد زعم مِن قبل المهدوية مئات، مَن المهدي إذن؟ كله كذب، يكذبون على الناس، أصابوا الناس بالجنون، أرادوا من الناس أن ينسلخوا من دينهم بعدما انسلخوا هم من عقولهم.
والعجيب أن الأمر – والعياذ بالله – رذل وانحط وتسافل، حتى صاروا إلى هذه الحالة التي يُريدوننا معها على أن نُكذِّب بالمحسوس، نُكذِّب ما نراه وما نسمعه وما نلمسه وما أتت الأحكام والشرائع بتقريره والعمل به واعتماده واعتباره، يُريدون منا أن نكفر بهذا، وألا نعتمده، ثم في الوقت عينه يُريدوننا أن نعتمد ماذا؟ الأحلام والمنامات وحدَّثني قلبي عن ربي والحدوس والظنون والإلهامات، شيئ غريب جداً جداً، أترك كل هذا، وهذا عكس ما قال الشاعر:
خُذ ما تَراهُ وَدَع شَيئاً سَمِعتَ بِهِ في طَلعَةِ الشَمسِ ما يُغنيكَ عَن زُحَلِ.
الحكاية لا تتعلَّق لا بزُحل ولا بالشمس، الحكاية دخلت كلها بعضها في بعض، ومن هنا – مثلاً – يحكون قصة جماعة من تَلامذة أبي العباس المُرسي – رضوان الله عليه -، رأوا أحد إخوانهم وهو تَلميذ مُقرَّب للشيخ المُرسي، رأوه – والعياذ بالله – يفسق بامرأة، في حال زنا، تباً له، تباً له، المفروض أن يُؤخَذ من أُذنه هذا إذا كان في دولة تُقيم الحدود، فيُشهَد عليه، ويُقام الحد، أو يُستَر عليه، ونحن مع الستر، لكن مع الستر يُؤخَذ من أُذنه ويُعرَك ويُقال له يا أخي اتق الله، شوَّهت الإسلام، وشوَّهت شيخك، وشوَّهت الطريق، وشوَّهت الطريقة، الطريقة الدسوقية الإبراهيمية هذه، اتق الله، وتُب إلى الله يا رجل، وابك على نفسك، لا! القصة ليست هكذا يُخرِجونها.
قال لك فأرادوا ضبطه، فأعجزهم فراراً، فاشتدوا في أثره، فمشى على النيل، وإذا بماء النيل تحته جمد، يمشي على الماء، عجيب! القصة كاذبة، أُقسِم بالله أنه كذب هذا، أنا أقول لكم على المنبر – على منبر رسول الله – أُقسِم بالله أنه كذب، لسنا مجانين، هذا كذب ووقاح، كذب وقاح هذا يا جماعة، فذهبوا إلى الشيخ، يا شيخنا ما نبأ هذا؟ هذا التَلميذ المُريد العجيب رأيناه يفسق، يرتكب الزنا! ونحن جماعة عدول، غير مُتهَمين، ولا زنينين، ثم رأيناه يمشي على الماء، كرامة! فانظروا إلى ما افتُريَ على الشيخ، أنا أظن أن هذا من الافتراء على الشيخ أبي العباس، وإن قاله فنحن نُناقِشه، يجب أن نكون واضحين، المرجع كتاب الله وصحيح السُنة، وليس سيدي فلان وسيدي علان، يُوجَد كتاب الله، وتُوجَد عقول أيضاً هنا، إن قاله – ولا نظن أنه قاله – فنحن نُناقِشه، قال إن الكريم إذا وهب ما سلب، حتى العبارة ركيكة جداً جداً، لكي تأتي مسجوعة قال إذا وهب ما سلب، كلام فارغ! ما معنى إن الكريم إذت وهب ما سلب؟ كلام فارغ، غير صحيح، لأن الله يقول وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا ۩، بلعم أو بلعام بن باعوراء، أوتيَ الاسم الأعظم في قول جمهور المُفسِّرين، فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ ۩، إلى أن شبَّهه الله بالكلب، فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ ۩.
ما معنى الآيات الكثيرة المُتكاثِرة التي تُقرِّر أنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون؟ محمد – صلى الله عليه وسلم – كان لا يأمن مكر الله، لا تقل لي إذا وهب ما سلب، من أين الكلام هذا؟ ما معنى إذا وهب ما سلب؟ ما هذا؟ أنا أفهم أن هذا القول قد يكون له وجه حق، أي إذا وهب لم يسلب، لكن هل تعرف كيف؟ دون سبب منك، إذا أنت لم تنسلخ من حالك، لم تنسلخ من الطاعة، مُحال – هذا مُحال، لأن الله أخبر عن هذا، هذا لا يُحيله العقل، إنما يُحيله النص أو الشرع – أن الله هكذا بلا سبب يُعثِّرك ويُضِلك ليُدخِلك جهنم، حاشا لله! وما أرسل الرُسل إلا لرحمتك، وهو القائل – وجل من قائل راحم بل رحمن رحيم، لا إله إلا هو، عز مجده وجل ثناؤه – وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ ۩، هذا هو الله، ليس إن الكريم إذا وهب لم يسلب، لأن الأمر انتهى، هو صار ولياً، يزني ويسرق ويقتل ويبقى ولياً، لماذا؟ ليأخذ أموالي، ويأخذ بمقادتي، يقودني كالدابة باسم أنه ولي شيخ وأنا مُريد مسكين.
ويحكون قصة أُخرى في نفس السياق عن جماعة رأوا شيخهم يفعل الآتي، هكذا بدون حياء ولا تذمم، هذا شيخ مُعثَّر – والعياذ بالله -، تباً له يا أخي، تباً له ولمشيخته ولكل الشيوخ من أمثاله، قالوا أخذ امرأة أجنبية منه، فدخل بها وأغلق عليها، هل يجوز هذا في شرع الله؟ صح عن المعصوم ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما، هذا الدين، ليس أنا شيخ وأنا استثناء، رحمة الله على شيخ الإسلام، الإمام المُحقِّق المُدقِّق العبقري أبي إسحاق الشاطبي في المُوافَقات، حين يكتب فصلاً في بيان عمومة الشريعة والتكاليف، عامة! تعم النبي فمَن دونه، شرع الله للجميع، إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۩، قال جَمِيعًا ۩، كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ۩، ليس باستثناء العارفين وباستثناء المشايخ المُسلِّكين النصّابين الدجّالين، كلام لا يجوز، هذا فتنة للناس أصلاً، لا يُمكِن هذا حتى لو أردت اختبارنا، لماذا تُشوِّش قلوبنا عليك؟
الإمام عليّ – عليه السلام، هذا شرع – يقول مَن وقف مواقف التُهم فلا يلومن إلا نفسه، أنت وقفت في موقفة تُهمة، والناس أسأوا الظن بك، فأنت تستأهل، هذا لم يقف موقف تُهمة، وإنما اختلق تُهمة هكذا، أمامهم أخذها ودخل بها، ومكث طويلاً، فأسأوا الظن به، قالوا أعوذ بالله، ما هذا؟ هذا (الشايب العايب) – قالوا – أعوذ بالله منه، (اخس)، خُدِعنا به، والله صح، صح منهم وصح لهم، إلا – قال – واحداً منهم، قال بقيَ ينتظر، وقال نُسخِّن الماء، انظر إلى قلة الحياء، يُسخِّن له الماء، يُقال هذا الآن للمُسلِمين يا أخي، حسبنا الله ونعم الوكيل، أين هم من حديث البخاري وغير البخاري حين جاءت صفية بنت حُيي – زوج رسول الله، أم المُؤمِنين، رضوان الله عنهن جمعاوات – تزوره في العشر الأواخر في مُعتكَفه؟ النبي يعتكف، انظر إلى النزيه الطاهر الأبر الميمون، هذا هو! ليس هؤلاء الأنجاس يا أخي، نجاسات هذه في الدين – والعياذ بالله – والله العظيم، إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ۩ يا أخي، قال لك:
وكُلُّ النَّاسِ مَجنونٌ ولَكن عَلى قَدر الهَوى اختَلفَ الجنُونُ.
هذا هو، مجنون! فلما أرادت أن تنقلب قام معها ليقلبها، يعني ماذا؟ ليُوصِّلها، قام ليقلبها، فرآه رجلان من الأنصار فسعيا، فقال على رسلكما، انتظرا ولا تعجلا، إنها أمكما صفية، يا رسول الله أفيك نشك أو نرتاب؟ هما ذهبا، أي لا نُريد أن نرى هذا، وهو رسول الله، ليس مُبرَّراً هذا، نحن بشر، هو رسول، ولكن نحن بشر نشك، فكيف بك حين لا تكون رسولاً؟ لابد أن نشك فيك طبعاً وأن نشك فيمَن هو خير منك يا أخي، مَن أنت؟ قال على رسلكما، إنها أمكما صفية، يا رسول الله أفيك نشك أو نرتاب؟ فقال الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، فخشيت أن يقذف في قلوبكما شيئاً أو قال شراً، أي قد تظنا في نبيكما بعد ذلك أنه يختلي بالنساء ليلاً، وهو في الشارع، ليس في بيتاً وقد أغلق على نفسه كما قال، وانظر بعد ذلك إلى تتمة القصة الخُرافة، القصة التي لا خطام لها ولا زمام ولا أدب ولا ذمام، لا حياء ولا ذمام ولا خطام ولا زمام.
بعد ذلك خرج الشيخ فوجده، فقال لماذا لم تذهب أنت الآخر أيضاً؟ لماذا تقف وتنتظر؟ قال لا، بل سخنت لك الماء، لعلك تكون على جنابة، هو مُتأكَّد، حتى لو زنيت تبقى شيخي، لماذا يبقى شيخك؟ قال لأنني ما اتبعتك – هذا الكلام لا يزال وسطاً، ولكن هو إلى الباطل أقرب – على أنك معصوم، اتبعتك على أنك شيخ دال على الله، أنت تدل، صاحب طريق، تدل! أما إن وقعت منك معصية – وتقع، أنت لست معصوماً – فهذا بينك وبين الله، وليس علىّ منه شيئ، لا! عليك منه شيئ، وأول ما عليك منه أيها المُريد المُخبَّل – خبَّلوك – أن تأمر أو أن تنهى عن المُنكَر.
إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل كان الرجل يلقى الرجل فيقول يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض… الحديث! رواه أبو داود وغيره، لن أذكره، لأنكم تعرفونه – إن شاء الله – حتماً، في تفسير قوله – تعالى – لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ ۩ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ ۩، أول ما يجب عليك أن تنهاه عن هذا المُنكَر، وثاني ما يجب عليك – أنا أقول لك – أن تبحث لك عن شيخ خير منه ورعاً، وأقعد منه في طريق الله، شيخ يزني يدلك على الله يا أخي؟ سيدلك على طريقته – إن شاء الله – طبعاً، بمثل هذه الطريقة، نعم!
وقد رأينا من هؤلاء وسمعنا عنهم الكثير، منهم مَن يتواجدون هنا في أوروبا، لا يُصلون مع الناس الجُمع ولا الجماعات، وبعد ذلك هم يجلسون في الحضرة، فيدخل وقت الصلاة كالمغرب أو العشاء أو العصر، فيأمر الواحد منهم تَلاميذه ومُريديه أن يقوموا ويُصلوا، ويبقى هو جالساً، تُدلِّك له بعض المُريدات جسمه وأرجله، والمس جائز والاطلاع على بعض العورة جائز، وكله جائز! انظر إلى هذا، ما رأيك؟ هذا وقع هنا في أوروبا، ويعتقد مُريدوهم أنهم على الحق، يقولون لك أنت ترى أنها تُدلِّكه وما إلى ذلك، لكن هي لا تُدلِّكه، ربما تكون ملكاً هذه، ربما تكون جناً صالحاً، ويُمكِن أن تكون إبليساً الرجيم نفسه، ما لكم؟ كيف نعرف إذن؟ أتُريدون منا أن نكون مجانين؟ أكفرتم بهذا؟
الناس يعتقدون من قديم أن إنكار المحسوس مرور، يقولون المُكابَرة على المحسوس مرور، والمرور هو الجنون، يقولون لك الإنسان الممرور، أي المجنون، إنسان مجنون! مرور، شيئ تراه يا أخي، بهذا الذي نراه – أربعة يرون – يُمكِن أن يُقتَل إنسان، يرجمونه، يُقتَل قصاصاً باثنين، باثنين! تُقطَع يده باثنين، اثنان يريان ويُقسِمان وهما عدول، عدول! يُقتَل أو يُقطَع أو يُرجَم أو يُجلَد، لكن أنتم أسقطتم هذا، إذن أسقطتم الشريعة أنتم بالطريقة هذه، أسقطتم كل شيئ، وأردتم أن نُقيم أمورنا وسياسات حياتنا ومسالكنا في كل ميادينها وشؤوناتها على ماذا؟ على الرؤى والأحلام والمنامات وحدَّثني قلبي عن ربي، ما هذا يا جماعة؟ ثم بعد ذلك سربتم إلينا أمثال هذه الحكايا.
يأتي أحد هؤلاء ليقول إنه رأى الرسول في المنام، شيخ طريقة كبير، لن أذكر اسمه، لماذا؟ لأن له أتباعاً، لا أُريد أن أوحش قلوب أتباعه، أنا ليس هدفي أن أنال من الناس أبداً، ولا من هذه الجهة أو من تلك أبداً – إن شاء الله -، ويعلم الله أن هدفي هو أن أُحِق الحق كما أفهمه، وأنا مُحاسَب على هذا أمام الله – تبارك وتعالى -، وبعد ذلك مَن سمع فله عقل، وليُنزِل الكلام منازله، ثم ينظر، هل ينطبق هذا علىّ؟ لو انطبق عليه أن يقول إنه انطبق، هل ينطبق على شيخي وجماعتي وحزبي وطريقتي؟ ينطبق، إذن انتهى، سآخذ طريقاً جديداً وأتقي الله، لا ألعب بديني، ليس مُخاطِراً بدينه كآمن، ليس مُخاطِراً بدينه – دائماً أقول هذا – كآمن، اطلب الأمان لدينك، لا تلعب بدينك، خُذ دائماً العروة الوثقى، استعصم بالمُحكَم، لا تلعب، لا يُوجَد في الدين لعب، ولو لعب كل الناس لن نلعب، أليس كذلك؟ سنلقى الله فُراداً ونُحاسَب فُراداً، الله سيُحاسَبك بما فهمت، لا بما فُهِّمت وقيل لك ورددت كالببغاء، لا تقل هذا، لا تكن من هؤلاء الببغاوات والقرديين – أكرمكم الله وحاشاكم وحاشاكن -، وهكذا!
ولذلك لن أذكر اسمه، هذا الشيخ قال أنا رأيت الرسول – صلى الله عليه وسلم -، وله أتباع كُثر، قال أنا رأيت الرسول في المنام، فأخبرني أن مَن رآني ومَن رأى مَن رآني – أي مَن رآه ومَن رأى أصحابه – ومَن رأى مَن رأى مَن رآني إلى الخامس منهم – إلى الجيل الخامس – لم تمسه النار، الله أكبر! والله هذا حتى ليس لرسول الله، ليس هذا لرسول الله، الله لم يجعل له هذه المثابة، أن مَن رأى الرسول لم تمسه النار، كلام فارغ! والنبي قال لأقرب الناس وأمسهم به رُحْماً ورَحِماً – فاطمة عليها السلام، وعمته وكذا – اعملي لنفسك، لا أُغني عنك من الله شيئاً.
الله أخبرنا أن نوحاً هلك ابنه وهو في جهنم وهو ابنه الصُلبي، من صُلبه! وهو لم يره فقط، هو ابنه، يذهب إلى الجحيم ابنه، أبو لهب عم النبي، يذهب إلى الجحيم، تبت يداه في الجحيم مُخلَّداً، أليس كذلك؟ قال لا، هذا شيخ استثناء، غير محمد هذا، محمد حجَّر واسعاً، الرحمة الربانية على محمد ضئيلة جداً جداً، مع أن الله قال لِلْعَالَمِينَ ۩، نعم قال لِلْعَالَمِينَ ۩، لكن ربما يقصد عالمي زمانه، هذا مُمكِن، أو أتت العالمون بالمعنى المحدود المُحمَّدي، نحن عندنا العالمون بمعنى آخر كوني، أي إنه أكبر بكثير، هذا مُمكِن! عندهم من هذا الهبل الكثير يا جماعة.
قال مَن رآه ومَن رأى مَن رآه إلى الخامس لم تمسه النار، قال ثم رأيته يُنادي قائلاً يا رضوان – يقول هذا لخازن الجنة -، يا رضوان أعد النعيم وزخرفها وزينها لمحمد فلان الفلاني – اسمه محمد كذا، محمد فلان الفلاني، أي الشيخ هذا – ولمَن صحبه وتبعه، يا مالك، يا مالك – يقول هذا لخازن النار – سجِّر الجحيم لمَن كفر به، صار هو ديناً، ما معنى لمَن كفر به؟ أنا كفرت بك وبأمثالك من الدجاجلة والنصّابين، لست ديناً، الدين في كتاب الله وصحيح السُنة، لست ديناً يا أخي، يُريدون من الناس أن يتديَّنوا بدين جديد، وكل شيخ يُعلِّم أتباعه هكذا تُؤمِن بي وبجماعتي، تُؤمِن بي! شيئ عجيب جداً جداً، قال هذا لمَن كفر به.
مِن هؤلاء مهدي السودان، لكن هلك، وله أتباع، أرجو من الإخوة السودانيين ألا يغضبوا إن كانوا من أتباع مهدي السودان، مهدي السودان هذا ادّعى المهدوية، وجعل يُكفِّر مَن لم يُؤمِن بمهدويته، ويستحل دمه وحربه، وبعث إلى المهدي السنوسي، أي إلى محمد المهدي السنوسي ابن الإمام محمد بن عليّ السنوسي مُؤسِّس الطريقة – قدَّس الله سره – العالم العلّامة، هذه طريقة فيها مسحة تصوف، لكن تصوف مُشترِع أو مُتشرِّع، لماذا؟ لأن المُؤسِّس كان إماماً، من أئمة الشرع، علّامة كبير جداً بشهادة كل علماء عصره وعلماء حتى عصرنا، الشيخ المُؤسِّس – قدَّس الله سره – علّامة وإمام، إمام في الفقه والأصول والحديث، شيئ عجيب الرجل! وإمام في السلوك وصحة الطريق والمسلك، وحين سمى ابنه المهدي قال – هو مَن قال هذا – سميته لا على الاصطلاح – أي إنه المهدي المُنتظَر، لا – بل على الإطلاق اللُغوي العام، رجاء أن يهديه الله، لا أنه المهدي الموعود أبداً، وإن كان بعض أتباع المهدي السنوسي ادّعوا فيه المهدوية، لكن هو نفى هذا دائماً، كما قال ابنه الملك محمد إدريس – رحمة الله عليه -، فهذا حفيد المُؤسِّس، قال أبي لم يُؤمِن بهذا أبداً، قال أبداً، وحقه أن يقول قط طبعاً، لكنه قال أبداً، وكان ينهى عنه دائماً، رحمة الله عليهم أجمعين، رجل صالح!
بعث إليه في الخامس من رجب، سنة ثلاثمائة وألف، أي قبل زُهاء مائة وثلاثين سنة بالضبط، بعث مهدي السودان إلى المهدي السنوسي الليبي، ليُخبِره أنه كان يعتزم هو وجماعته وأنصاره على أن يلتحقوا به في ليبيا لنُصرته، حتى هجمت عليه – على حد تعبيره – من الله المهدية الكُبرى، قال هذا ليس بيدي، أنا كنت مُتواضِعاً جداً وأُريد أن أُصبِح من جُملة أنصارك وأن أنضوي تحت لوائك، فهجمت علىّ من الله المهدوية الكُبرى، من الله ورسوله! وخصني رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بخلافته وإجلاسي على كرسيه ومنصبه – أستغفر الله العظيم – في حضرة الخُلفاء الأربعة أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ والأقطاب والخضر، ليس حتى محل أبي بكر أو عليّ أو عمر أو عثمان، لا! محل الرسول – قال -، وهذا في حضرتهم، قال وخصني بأن أعطني سيف النصر، فلا يقوم أحد لحربي إلا قهره الله – تبارك وتعالى -، أُعلِمت بهذا، جيد! وماذا بعد؟ هذه دعاوى غريبة عجيبة.
وأخبرني أنني أنا المهدي المُنتظَر الموعود، وأن المسعود – أي السعادة – لمَن صدَّق بي، وأن مَن أنكر مهديتي فهو كافر، بل أشد كفراً، ورخَّص لي وحفزني حرَّضني على حربهم وقتالهم، قال ولذلك أنا أُقاتِل الترك الكفّار، الذين نصبوا لي العداء، وكفروا بمهديتي، ما معنى أنك مهدي؟ هل أنت ركن الإسلام السابع؟ ما الكذب هذا؟ وما اللعب هذا؟ وما الكلام الفارغ هذا؟ وبعد ذلك هو يُريد أن يستميل المهدي السنوسي الليبي – روَّح الله روحه ورحمة الله عليه -، يُوجَد فرق بين الرجلين، هذا نصّاب أو مجنون، هذا إما مجنون – قد يكون مجنوناً، أي مهدي السودان هذا – أو نصّاب كبير، والأقرب أن يكون… الله أعلم.
المُهِم أنه قال بعد ذلك – هو يُريد أن يستميله – وأخبرني رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن الله خلقني من نور عنان قلبه – صلى الله عليه وسلم -، ودلني على علامتين على المهدية، اتضح أن المهدي مُتعدِّد، هذا (شغل نصب) لكي يستميل مهدي ليبيا، قال له هناك علامة على مهديتك، أنت أيضاً مهدي – قال له – ولا تُوجَد مُشكِلة، أنت مهدي وأنا مهدي، المُهِم أن تدخل في وزارتي، أن تكون وزيراً عندي، قال النبي أخبرني – انظر إلى هذا، هل النبي يُخبِر بكل هذه الأكاذيب؟ أستغفر الله العظيم، قال النبي أخبرني، وهذه رسالة تنشرها الفرقة المهدية، فرقة المهدي في السودان، منشورة عندهم، هم ينشرنوها، هم يكتبون هذا، بتاريخ الخامس من رجب، سنة ألف وثلاثمائة، رسالة إمامنا المهدي، وأين عقولكم؟ أين دينكم؟ أين الميزان عندك؟ أين المرجعية؟ مَن أنتم؟ ما أنتم؟ ما الذي يحصل؟ وهذا غيض من فيض – بالآتي، قال الخال على خدك الأيمن، علامة المهدية، النبي – قال – قال لي هذا الكلام، أنا لم أرك، قال الخال على خدك الأيمن، وأما علامة مهديتي أنا فراية من نور، راية من نور يحملها في مُعترَك القتال عزرائيل، ليس اسمه عزرائيل، لا الله سماه عزرائيل – بنو إسرائيل سموه عزرائيل – ولا في السُنة الصحيحة والحسنة اسمه عزرائيل، اسمه ملك الموت، لكن هو يقول عزرائيل، لأنه مهدي، عنده علم غير الكتاب والسُنة، قال عزرائيل، هذا علم بني إسرائيل.
يحملها عزرائيل، راية من نور يحملها عزرائيل، وطبعاً بالمُناسَبة لُغته إلى حد بعيد جداً مُستقيمة، أي لُغة المهدي السوداني هذ، ليست مثل لُغة المهدي اليمني الأهبل هذا، تكلَّمنا عنه في درس السبت، بالمرة! ماسح هذا، لا يفهم شيئاً، لكن هذا ليس مثله، يتكلَّم هكذا بلُغة عربية جميلة ومُرتَّبة، وعنده كلام موزون، قال راية من نور يحملها عزرائيل، فيُثبِّت الله قلوب أوليائي وأنصاري – أي رجال جيشي وجُندي -، ويقذف الرعب في قلوب أعدائي، قال هذه علامة المهدوية الخاصة بي، فأنا دائماً منصور، أنا دائماً منصور!
بعض الناس قد يقول لي جيد يا عدنان، جيد يا أخانا، ألم ينصره الله؟ انتصر حتى على غوردون Gordon وقطع رأسه، مَن؟ مَن الذي يحتج بالحوادث إلا جاهل ممرور لا عقل له؟ ما هذا؟ هذا يعني إذن أنه يجوز لأبي سُفيان حين كان كافراً مُشرِكاً ولكفّار مكة أن يقولوا نعم نحن على حق، هُبل على حق، رب محمد على باطل، لأننا رفعناه رايةً لنا وعلماً ومُستغاثاً ومُستنَداً في أُحد وقلنا أعلوا هُبل، وبعد ذلك نحن انتصرنا، انتهى! ومحمد انهزم، هذا يعني أنهم كانوا على حق، ما هذا؟ الصليبيون انتصروا علينا في بيت المقدس، وقتَّلونا شر قِتلة، أعملوا فينا السيف، الكبار والصغار، وأجروا الدم أنهاراً، هل هذا يعني أن الصليبي على حق والهلالي على باطل؟ التتار غلبونا على أمرنا، دمَّروا بغداد وحواضر كثيرة، دمَّروا الدولة الخوارزمية كلها، أعظم مملكة في عصرها، أعظم بكثير من المملكة العباسية، دمَّروها من عند آخرها، هل كانوا على حق ونحن على باطل؟
الصهاينة اليوم، ها هم غلبونا على أمرنا وعلى مسجدنا وعلى أرضنا وعلى كل شيئ، هل هم على حق ونحن على باطل؟ مَن الذي يستدل بهذه الأشياء؟ القرامطة الزنادقة العُبيديون ذوو الأصل اليهودي – آل القداح اليهودي – أقاموا دولة عاشت ثلاثمائة سنة تقريباً في مصر والمغرب والحجاز والشام أيضاً – بعض أطراف الشام -، كانت هناك الدولة الفاطمية، بُناة الأزهر هم الفاطميون، وهم زنادقة، واستحلوا المُحرَّمات في كُتبهم، أنا عندي كثير من كُتبهم، مثل كُتب القاضي نُعمان وغيره، استحلوا المُحرَّمات، زنادقة! منهم الحاكم بأمر الله والآمر بأحكام الله، هذا حاكم وهذا واعظ، مُختلِفان! الآمر بأحكام الله والحاكم بأمر الله، الحاكم بأمر الله ادّعى الإلهية في الأخير، ادّعى مرة أنه المهدي وادّعى النبوة، ثم ادّعى بعد ذلك أنه الرب الإله – أستغفر الله العظيم -، وهؤلاء ثلاثمائة سنة يحكمون، هل هم على حق ونحن على باطل؟ مَن الذي يستدل بهذه الأشياء؟ النبي يقول يُبعَث النبي يوم القيامة ولا أحد معه، نبي يأتي برأسه هكذا، هكذا واحده! هل هذا يعني أنه كان على باطل وأن الذين كفروا به كانوا على حق؟ ما هذا الجنون؟ أين المنهج؟ أين المنهج؟ أين التفكير؟ يحتجون بالحوادث!
المهدي بن تومرت مُؤسِّس دولة المُوحِّدين، عالم ومُجاهِد وزاهد وناسك ونصّاب أيضاً، نصّاب ودجّال، دجَّل كثيراً ونصب كثيراً على الناس، عنده تاريخ في النصب الرجل، واضح جداً، لكن عنده هدف، وبلا شك عالم وناسك ومُجاهِد، واستفاد منه الإسلام كثيراً، وهو خير ألف مرة من العُبيديين، الحمد لله ورحمة الله عليه، لكن عنده نصب، ولا يعني أنه نصب وكذب أنه كان صادقاً وأنه مهدي، وهو ادّعى المهدوية، قال لك أنا المهدي، أنا المهدي المُنتظَر، كذب ونصب هذا، ويُحيلون على رسول الله في المنامات، يُحيلون على رسول الله في المنامات ويقولون إنه قال مَن رآني ومَن رأى مَن رآني إلى الخامس لم تمسه النار، يضحكون على الناس.
فقال له ماذا؟ قال له بعد ذلك – أي لمهدي ليبيا، للمهدي السنوسي – أنت مهدي، قال له أنت أيضاً مهدي وأنا مهدي، وأبلغني رسول الله – الرسول نفسه أبلغني – أنك من وزرائي، أعرف هذا – قال له -، والخبر قال الكلام هذا، أنت من وزرائي والحمد لله، أنت من أهل الجنة، أنت مسعودي معي، لأنك من وزرائي، واستخلف أصحابي بعد أصحابه، الخُلفاء الأربعة! فأجلس أحد أصحابي على كرسي أبي بكر، هذا خليفة الصدّيق، والآخر على كرسي عمر، والثالث على كرسي عليّ، وأما كرسي عثمان فقال لا، هذا محجوز – أي Reserviert هذا -، هذا لابن السنوسي، النبي – قال – قال الكلام هذا، أين قال لك هذا يا مهدي السودان؟ كيف؟ رأيته أين هذا؟ في الطريق أو في دومة مَن؟ أين؟ هل رأيته في المنام؟ سوف نرى، هو سوف يقول.
قال هذا لابن السنوسي، فأنت من وزرائي، ويُوجَد سؤال هنا ينطرح من ذاته، وأين هو؟ هو مكان النبي، وقد قال لكم أنا مكان النبي، والنبي أمام الخُلفاء الأربعة والأقطاب والخضر أجلسني مكانه عدة مرات، فهو أعظم من الخُلفاء الأربعة جميعاً، انتبهوا! كلام عجيب، ويُعطي الناس مقامات وأشياء.
وقال قال النبي لي أصحابك كأصحابي، وعوام أصحابك لهم منزلة عبد القادر الجيلاني، الله أكبر! قال عوام أصحاب المهدي السوداني – العوام هؤلاء، الفرط هؤلاء، الغُبار، والرذاذ – لهم مقام عبد القادر الجيلاني، الإمام العلم الشافعي الحنبلي، الذي كان يتكلَّم بتحقيق وتدقيق في أحد عشر علماً شرعياً، ليس شيخاً صوفياً هذا وما إلى ذلك، علّامة! علّامة كبير جداً جداً، وله كرامات مُتواتِرة – قدَّس الله سره -، الباز الأشهب هذا، طبعاً وكُذِب عليه كثيراً، أي على الشيخ عبد القادر، لكن هذا هو عبد القادر الأصلي، قال عوام مهدي السودان مثل عبد القادر الجيلاني، فكيف بالخواص؟ هم شيئ كبير، أي هؤلاء، شيئ عجيب.
المُهِم بلغت الرسالة، وبعد ذلك ماذا قال له؟ قال له ولا تظنن أن النبي أخبرني بهذا في المنام، قال له لا! لم يُخبِرني بهذا ولم يقل لي ذلك مناماً ولا جنوناً ولا جذباً ولا سُكراً، إنما قال لي ذلك في اليقظة، في حال الصحو التام والعقل الكامل، هكذا وأنا قاعد، كما أرى أصحابي، النبي أتى إلىّ وحكى لي عن كل شيئ، ما شاء الله! والله كان أحق أن يأتي النبي أصحابه يوم اختلفوا ويوم قاتل بعضهم بعضاً، أليس كذلك؟ لكي يقول لهم أين الحق وأين الباطل، وهناك صحابة كبار حتى اعتزلوا الفتنة ولم يعرفوا الحق، مثل عبد الله بن عمر، أليس كذلك؟ محمد بن مسلمة، وسعد بن أبي وقاص، كانوا هكذا واعتزلوا، وبعضهم ندم، لماذا لم ينصر عليّاً على مُعاوية – مثلاً -؟ لماذا لم يأتهم النبي يا حبيبي وهم أحق به منك ومن أمثالك وأمثالنا؟ ما هذا الكذب؟ وفي اليقظة – ما شاء الله – أتى إليك؟ في اليقظة؟
صرنا إلى هذا، هذا نوع من الإرهاب الفكري، وبعد ذلك انظروا – ما شاء الله – إلى المهدي السنوسي الليبي، ليس أهبل وليس إنساناً خفيفاً والحمد لله، وهو لا يُريد أن يذهب لكي يقول المهدي شهد لي بأنني الوزير، وأن النبي استوزرني وجعلني في مقام عثمان، لا! كتب أسطراً، قال له أنا – والله – لا أرى نفسي أعدل الغبار الذي سقط من عثمان في إحدى غزواته مع رسول الله، أنا أخلف عثمان؟ قال له، أنت تضعني مكان عثمان؟ وأنا دائماً أقول نحن نُحسِن الظن بعثمان رُغم هناته، وهذا ليس كلامي، النبي قال على هنات له، عثمان تُوجَد عنده بعض الأخطاء الصغيرة بلا شك، ولا يُوجَد كلام عكس هذا، والنبي قال في الصحيح – في الصحيح هذا – على هنات له، والله يغفر له، ولكن عثمان – أنا أقول لكم – وقى المُسلِمين بنفسه، أُريد على أن يدفع الثائرين، وعنده جيوش جرّارة، سواء في المدينة أو في غيرها، وعنده جيش مُعاوية، ومُعاوية عرض عليه التدخل، لكنه قال لهم لا، لا أُريد، وجاء إليه واحد يحمل سيفاً، فقال له ضع سيفك، فإنني ما أُريد إلا أن أقي المُسلِمين بنفسي، دعني أموت أنا، حتى لا تصير هناك فتنة عظيمة فيدخل الناس بعضهم في بعض، ضحى بنفسه! هذا عثمان، الورع الصادق، الذي لم ير أن الإسلام من غيره تنحل عُراه، ويكفر الناس، وينتهي كل شيئ، قال لك لا، دعني أموت، حتى لا تصير هناك حرب داخلية لدى الناس، هذا عثمان العظيم، ومن هنا عثمان نُحسِن الظن به جداً، لهذا الموقف بالذات، هذا طبعاً غير ما قدَّمه في الإسلام، أتحدَّث عن الفترة الأخيرة، هذا عثمان، قال مَن أنا؟ قال أنا تُشبِّهني بعثمان؟ ولا جواب عندي على هذا الكتاب – قال له -، هيا اذهب، ثم طرد الرسول، لا تقل لي لا هذا مهدي ولا تقل لي أي كلام فارغ، اذهب.
وكتب إلى أحد أتباعه وهو ملك من الملوك، وطبعاً حين كانوا يجدون أي وادٍ هكذا أو أي بلدة يقولون لك هذا ملك عليها، وهذا ملك وداي، فكتب إلى ملك وداي لا تُحرِّك مع مهدي السودان ساكناً، وإن حاربك فحاربه، حاربه! هذا شخص نصّاب – قال له -، تخيَّل! يُوجَد عنده علم، بماذا عصم الله المهدي السنوسي؟ بالعلم الشرعي، ورثه من أبيه ومن كتب العلم ومن المشايخ، يُوجَد عنده علم.
يحكي أبو إسحاق الشاطبي – قدَّس الله سره – في المُوافَقات عن عياض – عياض في المدارك، ترتيب المدارك -، يحكي عن الفقيه المالكي الورع الناسك أبي ميسرة المالكي، أبو ميسرة كان يُصلي ذات ليلة – يقوم الليل – وحدث معه الآتي، انظر إلى العقل، هنا العقل الكامل والورع التام، لا يضحك على نفسه ولا يسمح للشيطان أن يضحك عليه، فضلاً عن أن يخدع الناس ويضحك عليهم لحاجة في نفس الضاحك قضاها، لا! المُهِم كان يُصلي، فأخذته رقة، فجعل يبكي، فبين هو في محرابه – انظر إلىهذا، قصة عجب – إذ انفلق المحراب، انفلق بالنور، ثم تشعشع نور عجيب باهر، يخطف الأبصار ويأسرها، وإذا بوجه قمري – وجه مثل القمر – يقول له تملأ من وجه ربك أبا ميسرة، فبصق فيه، انظر إلى هذا، انظر إلى العقل، بصق فيه وقال له لعنة الله عليك إلى أبد الأبدين، بصق فيه فانكشف كل شيئ، عرف أنه الشيطان، نور ماذا؟ وكذب ماذا؟ هذا كلام فارغ – قال لك -، هل الله يظهر في حائط للناس وبوجه هكذا مثل وجه ولد حلو أمرد؟ نعم وجدنا في بعض المجانين مَن قال لك أنا رأيت ربي، وكيف رأيته؟ قال رأيته بلا لحية، وكان جميلاً جداً وأبيض، مجنون أنت يا أخي؟ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۩، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ۩، جل الله يا أخي عن هذا التجسيم وعن هذا الكفر، هذا أبو ميسرة، فقيه ناسك عابد، له ورع وله نور في عقله، رأى نوراً ورأى كل شيئ، ووجد مَن قال له تملأ مني يا أبا ميسرة فإني أنا ربك، فبصق عليه، مُباشَرةً بصق في وجهه، كم أعجبتني هذه! من غير تردد، هذا نور الورع، يغلب ظُلمة إبليس، هذا نور العقل الكامل التام، يغلب تدجيل إبليس وتدليس إبليس وتلبيسه، بصق فيه، ابصقوا على كل الخُرافات والمُخرِّفين، يُخرِّفون علينا، هكذا!
قال المَروزي – ليس المِروزي وإنما المَروزي – أتيت أبا عبد الله بإبراهيم الحُصْري – بتسكين الصاد، كان أحد الصالحين، ومن أحباب الإمام أبي عبد الله أحمد بن حنبل، قدَّس الله سره، الصدّيق الثاني -، وقلت له يا أبا عبد الله هذا أخونا إبراهيم الحُصْري، وله أم ترى مرائي حسنة، أمه صالحة هكذا وترى رؤى طيبة جداً جداً، وقد رأت لك رؤيا – انظر إلى هذا -، قال فقصها إبراهيم الحُصْري على الإمام أحمد، فلم يفرح بها، وقد ذكر فيها الجنة، كانت هناك بُشرى بالجنة للإمام أحمد وبمقام عالٍ وما إلى ذلك، فلم يغتر بها أحمد – قدَّس الله سره – وقال يا أخي هذا سهل بن أسامة، كان يُرى له ويُخبَر بأمثال هذه الرؤى، الكثير من الناس كانوا يقولون له رأينا لك كذا ورأينا لك كذا، مرائي مُمتازة جداً جداً، ثم خرج في دماء الناس، سفك الدم، والرؤيا يا أخي تسر المُؤمِن ولا تغره، أي لا تغرني عن نفسي، أنا أعرف حالي، رؤيا ماذا؟ انظر إلى هذا، هذا العقل، أنت أمام إنسان عاقل، نُحِب هؤلاء العقلاء نحن، اللهم اجعلنا منهم، عقلاء مع ورع، ليس نصباً.
قيل لوهيب بن الورد – قدَّس الله سره – الآتي، وهو العارف الكبير الخطير جليل الشأن وهيب، ومعروف مَن هو وهيب، الذي سُئل – انتبهوا إلى قصة إذا وهب ما سلب، وكان يُسخِّن له الماء، انظروا الآن إلى هذا الصوفي العارف، من الأوائل هذا، أي وهيب بن الورد، من المُتقدِّمين – يا وهيب هل يجد لذة العبادة مَن عصى الله؟ قال لا، ولا مَن هم، حين تهم بالمعصية وتُحدِّث نفسك بها تفقد لذة العبادة، ليس أن تزني وتُسخِّن لك الماء وتبقى تدل على الله، كذب ماذا هذا؟ كذب ومين هذا وقلة عقل وذمام وحياء، لا! قال لا، ولا مَن هم، الله أكبر، لله دره ودر منطقه، هذا منطق رباني، قال لا، ولا مَن هم.
قيل له الآتي، أحدهم قال له يا وهيب رأيتك كذا وكذا، ورأيتك في الجنة، فبكى، وقال لقد خشيت أن يكون هذا من تلاعب الشيطان بنا، قال لا تفرحوا، وأنا لن أفرح – قال -، لعل تكون هذه لُعبة، وقيل لصالح آخر نفس الشيئ، قال له قائل رأيتك في مقعد صدق عند مليك مُقتدِر، قال له اسكت، لا تُحدِّث الناس بتلاعب الشيطان بك وبي، يتلاعب بنا – قال له -، دع الكلام الفارغ، أنا أعرفي حالي، ما معنى عند مقعد صدق وما إلى ذلك؟ والحي لا تُؤمَن عليه الفتنة، أليس كذلك؟ الحي لا تُؤمَن عليه الفتنة، ما الذي قطَّه نياط قلوب أولياء الله والعارفين؟
حدَّثناكم مرة عن انطراح الإمام – ابن رسول الله – زين العابدين يا جماعة، زين العابدين عليّ بن الحُسين، ابن رسول الله، ابن فاطمة وابن عليّ – عليهم السلام أجمعين -، الشعبي – عامر بن شراحيل الشعبي، إمام الكوفة – رآه مُنطرِحاً حول الكعبة الشريفة، وجهه تعفَّر بالتراب واختلط بدمعه، يشكو إلى الله ذنبه، يشكو إلى الله فظائعه وقبائحه، وظنه أحد العُصاة، فإذا به ابن بنت رسول الله، فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ۩، الحي لا تُؤمَن علية الفتنة، لابد من التواضع، أين التواضع يا جماعة؟ أين الصدق مع الله ومع النفس ومع رسوله؟ أين؟ أين الخوف من مكر الله؟ أين؟ ما الدعاوى العريضة هذه؟ ولذلك ثرَّب أحد الصالحين من أسلافنا على هؤلاء الذين ادّعوا هذه الدعاوى، أطلقوا دعاوى على أنفسهم، نحن ونحن، واحد يقول لك أنا قسيم الله بالجنة والنار، واحد قال لك أنا أطفأت النار، انتهى! واحد قال لك أنا عندي عهد من رب العالمين، كل مَن أحبني وصدَّق بي لا يدخل النار، لا هو ولا ولده ولا ذريته، الله! ما هذا؟ ولماذا؟ ومن أجل ماذا يا حبيبي؟ كما قلنا هذا ليس لرسول الله، لماذا أنت لك هذا؟ لماذا؟ أي هل أنت أتيتنا بدين جديد خير من دين محمد وأعمق وأرسخ من دين محمد؟ شيئ غريب جداً جداً، أكاذيب! أكاذيب كثيرة، فلا تُحدِّثوا بهذا.
في صحيح مُسلِم عن جابر بن عبد الله، قال أتى أعرابي الرسول – صلى الله عليه وسلم -، فقال يا رسول الله رأيت في المنام – أي رأيتني في المنام – وكأن رأسي قد قُطِعت فُخرِجت، أي ادحدرت هكذا، قال فاشتددت في أثرها، أي في أثر رأسي، فماذا قال النبي؟ لا تُحدِّثوا بتلاعب الشيطان بكم في المنام، قال له هذا كلام فارغ، وهذا واضح أنه أضغاث، ما معنى أن رأسك قُطِعت وأنت تجري وراءها؟ مَن تُقطَع رأسه يموت، قال له دع الكلام الفارغ، واترك هذا، هو تلاعب من الشيطان بك، فالرؤيا ثلاث، رؤيا حق من الرحمن، ورؤيا تحزين من الشيطان، أهاويل كما في حديث قتادة وغيره، أهاويل من الشيطان، وما يُحدِّث به المرء نفسه يراه في منامه، حديث النفس، فرويد Freud هنا، أي سيغموند فرويد Sigmund Freud، دخلنا في فرويد Freud هذا، والنبي قال لا، هناك رؤيا حق من الله، وهي شيئ ثانٍ، وهناك ماذا؟ وهناك أهاويل من الشيطان، فقال له دع هذا.
اسمعوا الآن الآتي عن جماعة إسلامية كُبرى الآن في المغرب العربي، لن أذكر اسمها، حتى لا أُحزِن أتباعها، ولكن ليعلموا الحقيقة، هؤلاء يعتمدون على الرؤى والمرائي والأحلام بشكل عجيب، تقريباً غير مسبوق، وألَّفوا في هذا كُتباً وتنظيرات، وتحت عنوان لَهُمُ الْبُشْرَىٰ ۩، من ضمن هذه المساخر وأهاويل الشيطان وتلاعبه بهم ما حكاه بعضهم، وهم يُقرِونه على هذا ويذكرونه في مواقعهم وفي كُتيباتهم وفي نشراتهم، ويأثر بعضهم بعضاً حكي هذه الأشياء، قال إنه رأى الرسول بلا رأس، أستغفر الله العظيم! فمَن أدراك أنه الرسول إذن؟ وما إدراك؟ انتهى! بلا رأس، هل الشيطان الآن ممنوع من أن يتمثَّل بجسم بلا رأس وأن يقول لك أنا رسول الله؟ والله العظيم غير ممنوع عند كل العلماء، أنت ما رأيت الرسول يا أخي، رأيت شيئاً أو فيلماً من أفلام الرعب، أي Horror، أنت ترى أشياء وتُفلِّم في المنام، مهبول! قال رأيت النبي بلا رأس، قال ويبحث عن رأس في الرؤوس في ساحة معركة، ثم أتى إلى رأس الشيخ – شيخ الجماعة طبعاً، أي المُرشِد، يُسمي نفسه المُرشِد الآن، عفا الله عنا وعنه وعن أتباعه -، قال فأخذه ووضعه على بدنه مقطوع الرأس، ثم صار يمشي به، ما معنى هذا إذن؟ أن شيخهم تقريباً يعدل الرسول، طريقة شيخهم تماماً تنطبق على طريقة الرسول.
ولذلك يروي هؤلاء التَلاميذ أيضاً والمُريدون أن الإمام البخاري أتى أحدهم في المنام – ويذكرون هذا أيضاً ولا يستحيون – وتنازل للشيخ ولطريقه ولكتابه المنهاج عن أصحية كتابه، فقال كتاب الشيخ أصح كتاب بعد كتاب الله، انتهى! تنازل، أي البخاري تنازل عن أصحية صحيحه، قال لا، هذا أصح، وما كتابه – ما شاء الله – هذا؟ هل في كتابه أحاديث مروية بالأسانيد؟ لا، كتاب فكري، مثل كل الكُتب الفكرية التي ألَّفها سعيد حوى والشيخ الغزّالي، كتاب فكري، وفيه بعض الأحاديث التي تخريجها ركيك جداً جداً جداً، رجل ليس مُحدِّثاً ولا حافظاً ولا يروي حديثاً واحداً بالإسناد، ما وجه المُقارَنة بين كتابك الفكري هذا – هذا كتاب فكر – وبين صحيح البخاري؟ هذا صحيح الإمام أبي عبد الله البخاري، ما هذا؟ هكذا يضحكون على الناس.
للأسف أدركنا الوقت، والله ما بلغنا حتى أن نتحدَّث في محور الموضوع بشكل رئيس، لكن حتى لا يختلط عليكم الأمر نذكر محور الموضوع بجُملة واحدة، لا يُؤخَذ شرع الله ولا الأحكام ولا الحُكم على الناس ولا تصنيف الناس ولا المواقف السياسية والاجتماعية حتى بالمرائي والأحلام، فاتقوا الله، انتبهوا!
قد يقول لي أحدهم يا شيخنا ولكن النبي قال مَن رآني فقد رآني حقاً، سأقول جُملتين في جواب هذا، أولاً هناك ألوف مِمَن رأوه وهو يُخبِرهم بأشياء مُتناقِضة، فهل يكونون فعلاً رأوه جميعاً حقاً؟ يُخبِر بأشياء مُتناقِضة، ثم يُخبِر بأشياء كذَّبها الواقع، فالآن – مثلاً – المهدي السنوسي الليبي مُتأكِّد جداً هو وأتباعه من أن مهدي السودان إما نصّاب يكذب أو مجنون دُخِل في عقله وأنه مُصاب بهلاوس سمعية وبصرية، أليس كذلك؟ نعم هلاوس، يُسمونها في علم النفس الهلاوس، هذه أوهام Illusions، هلاوس سمعية وبصرية، من المُمكِن أن يحدث هذا لأي واحد، أما أن يكون الرسول محمد أخبر بهذا فهذا كذب، لماذا؟ لأن المهدي السنوسي لم يُصبِح من وزراء المهدي السوداني، ولم يدخل في إمرته، إذن يُوجَد كذب هنا، مَن الذي كذب: الرسول أم أنت؟ ويُوجَد خطأ هنا، فمَن الذي أخطأ: الرسول أم أنت؟ دعنا نقول الأمر يتراوح بين كذب وخطأ، هذا إما كذب أو خطأ يكون بحُكم الجنون أو بحُكم الهلاوس لدى هذا المسكين، غُلِب على مِزاجه، انحرف مِزاجه، استزله الشيطان، شبَّه عليه، انتبهوا! شبَّه عليه، لو كان عنده علم حقيقي لنجا بإذن الله وبتوفيق الله، نسأل الله أن يعصمنا وأن يحفظنا من هذه المزالق والمتالف والمهالك والمساخر، لأنها تجعل صاحبها مسخرةً بين الناس بعد ذلك، كما نسخر نحن الآن، وهذا رجل مُجاهِد، وكان له أتباع بعشرات الألوف، ولكن أصبح مسخرةً، بمثل هذه المساخر، لأن هذه مساخر، هذه واحدة.
نأتي إلى الثانية وأختم بها – إن شاء الله -، النبي قال مَن رآني، لم يقل مَن ظن أنه رآني، لم يقل مَن رأى شخصاً وأخبره أنني أنا رسول الله، لا! قال مَن رآني، قال الحافظ ابن حجر وغيره كثيرون كالشاطبي وابن رشد الجد – صاحب المُقدِّمات المُمهِّدات والبيان والتحصيل، كثيرون قالوا هذا -، قالوا ولذلك قال بعضهم محل ذلك أن يكون رآه على صفته التي هي صفته، لابد أن تقرأ في كُتب السير أو السيرة والشمائل صفة رسول الله بتدقيق تام وبحذق كامل، ثم تنظر، إن رأيته تماماً كما تصفه الكتب فنحن نرجو لك أن تكون رأيته، ثم يُشترَط وفي صحة هذه الرؤيا وفي الحُكم عليها بالصحية أو بالصحة ألا يكون أمرك أو نهاك أو أتى بشيئ ينسخ شرعه، مُحال أن ينسخ شرعه في المنام، وقد أتمه الله وأكمله في اليقظة، أليس كذلك؟ مُحال! وإلا تكون هذه الرؤيا غير صحيحة، كاذبة أيضاً، من الشيطان أو من النفس أو هذا مرض عقلي وما إلى ذلك، لا نعرف! هلاوس ربما وتخيلات، فيجب أن يكون هذا معروف.
ولذلك يُروى عن أيوب السختياني – قدَّس الله سره – أنه قال كان محمد – يعني أبا سيرين – إذا جاءه رجل وقال يا إمام رأيت الرسول يقول صف لي الذي رأيت، فيصفه، فإن ذكر له صفةً لا يعرفها – أي ليست صفة الرسول – يقول له ما رأيته، هذا ابن سيرين، إمام المُعبِّرين، لم يقل أي شيئ تراه أو أي واحد هو الرسول، سواء رأيته قصيراً أو رأيته طويلاً جداً أو رأيته أسود أو رأيته أحمر أو رأيته أشهب، لا! يجب أن تراه على وصفه كما هو، ولا تكذب، ومَن تحلَّم بحلم لم يره كُلِّف يوم القيامة أن يعقد بين شُعيرتين، وما هو بعاقد، مُستحيل! لابد أن تعقد بين شُعيريتين، وإلا تدخل جهنم، هذا في البخاري، هذا هو، لا تكذب، لأن الرؤيا جُزء من ستة وأربعين جُزءاً أو من سبعين في الحديث الصحيح الآخر من النبوة، فكأنك تدّعي شيئاً من النبوة، انتبه! لا تكذب على الله، ولا تتنبأ، فتُصبِح من الُمتنبئين الكذبة الدجاجلة.
ويعضد هذا ما أخرجه الحاكم أبو عبد الله في المُستدرَك عن عاصم بن كُليب عن أبيه كُليب، قال أبوه رأيت الرسول – صلى الله عليه وسلم – في المنام، فقلت لابن عباس يا أبا العباس رأيت الرسول، فقال صفه لي، قال فذكرت الحسن – أي ابن عليّ -، قال نفس الشكل الذي رأيته، مثل الحسن! قال فذكرت الحسن، فشبَّهته به، فقال نعم، قد رأيته، هذا الفقه، هذا هو الفقه! ولذلك الآن بعضكم – أنا مُتأكِّد من هذا – سيكون مُحبَطاً، يقول نعم، وأنا رأيته في مرات كثيرة، ولكن فعلاً رأيته في أوضاع عجيبة وأشكال عجيبة، ولم أُصدِّق نفسي، هل أنا لم أره؟ طبعاً أنت لم تره، أنت رأيت شيئاً آخر، الشيطان غير ممنوع من أن يتمثَّل بشكلك وأن يقول لي أنا رسول الله، غير ممنوع! هو غير ممنوع من أن يقول أنا رسول الله، ممنوع من ماذا؟ من أن يتصوَّر بصورة رسول الله، لا يقدر على أن يأخذ الصورة هذه – بإذن الله تعالى -، لكنه ليس ممنوعاً من أن يقول لك أنا ربك الأعلى، ها هو قد قالها لأبي ميسرة، أليس كذلك؟ وقالها لعبد القادر الجيلاني، نزل له في شكل ظُلة من نور، ثُريا كبيرة، أي Kronleuchter، وقال له عبد القادر، قال له لبيك، قال له أبحت لك المعاصي، وأسقطت عنك من فرائضي، فقال له اخسأ، لعنة الله عليك، قال فانكشف النور، فإذا هو ظُلمة، قال نجوت يا عبد القادر، ولقد أضللت بهذه الحيلة سبعين من أولياء الله، أتعلم بِمَ نجوت مني؟ قال أعلم، بالعلم – قال له – نجوت، بالعلم! لا يُوجَد إنسان تُباح له المعاصي، لا يُوجَد إنسان تُسقَط عنه الفروض، قال تعالى لمحمد – خير عباد الله وخير العابدين والعارفين – وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ۩.
نسأل الله أن يُتمِّم علينا عقولنا، وأن يحفظ علينا ديننا وإيماننا وورعنا، ونسأله – تبارك وتعالى – أن يختم لنا بأسعد خاتمة وأحسنها، حتى نلقاه مُؤمِنين مُوحِّدين، قد شحَّرنا ومحضناه توحيده – لا إله إلا هو -، اللهم لا تردنا على أعقابنا بعد إذ هديتنا.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، فيا فوز المُستغفِرين!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديدٌ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، صَلَىَ الله – تعالى – عليه وعلى آله الطيبين وصحابته المُبارَكين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
اللهم اهدِنا فيمَن هديت، وعافنا فيمَن عافيت، وتولنا فيمَن توليت، اللهم افتح مسامع قلوبنا لذكرك، وارزقنا عملاً بكتابك وطاعةً لنبيك واتباعاً لسُنته، اللهم أحينا على سُنته، وأمتنا على مِلته، واحشرنا يوم القيامة في زُمرته وتحت لوائه، اللهم وأسعدنا بشفاعته، واسقنا بيده الشريفة شربةً لا نظمأ بعدها أبداً برحمتك يا أرحم الراحمين.
اجعلنا نخشاك حتى كأنا نراك، وأسعِدنا بتقواك، ولا تُشقِنا بمعصيتك، وخِر لنا في قضائك، وبارك لنا في قدرتك، حتى لا نُحِب تأخير ما عجَّلت ولا تعجيل ما أخَّرت، واجعل اللهم غنانا في أنفسنا، ومتِّعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا أبداً ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على مَن ظلمنا، وأقِر بذلك عيوننا.
اللهم إنا نسألك أن تنصر الإسلام، وأن تُعِز المُسلِمين، وأن تُعلي بفضلك كلمتي الحق والدين، اللهم أصلِح ذات بين المُسلِمين، اللهم ألِّف بين قلوبهم، اللهم اجمع صفوفهم وكلمتهم على ما يُرضيك يا رب العالمين.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩.
____________
فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ۩، قوموا إلى صلاتكم يرحمني ويرحمكم الله.
(16/10/2009)
http://www.facebook.com/Dr.Ibrahimadnan
[…] إبراهيم في إحدى خطبه المنبرية كان قد وسمها سنة 2012 بــ: الرؤى والأحلام، هل هي من مصادر التشريع؟ ذكر فيها كلمة نسبها بعض المؤرخين إلى عبد الحق بن سبعين […]