إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:
أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:
مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩
ثم أما بعد:
أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – جل مجده – في كتابه العظيم بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:
وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ۩ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ۩ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ ۩ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ ۩ وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ۩
صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط، آمين اللهم آمين.
إخواني وأخواتي:
وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ ۩ ولا موضع هنا للبِغضة والكراهة، إنما هو ترتيبُ الأولويات، أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ ۩، أي أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ ۩ من حبهم لوالديهم وأولادهم وأزواجهم وإخوانهم وعشيرتهم وأموالهم وتجاراتهم ومساكنهم وأهوائهم وأغراضهم وحتى أنفسهم، قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ – إذن موضوع المُفاضَلة وترتيب الأولويات مرعيٌ ومأخوذٌ به في كل باب – إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ ۩.
السيد المسيح – عليه وعلى أنبياء الله جميعاً الصلوات والتسليمات – فيما يرويه لوقا في إنجيله يقولُ لحواريه مرةً “مَن جاء منكم إلىّ وهو لا يُبغِضُ أمه وأباه وزوجته – أو قال امرأته – وإخوانه وأخواته وحتى نفسه لا يقدرُ أن يكون لي تلميذاً”. هكذا يروي لوقا.
الأديب النوبلي فرانسوا مورياك François Mauriac في مشهدٍ أكثر من مُوحٍ وأكثر من مُلهِم يُصوِّر الحواريين – في عملٍ أدبي طبعاً له – مُتحيّرين بل مصعوقين أمام هذه الوصية أو إزاء هذه الوصية باستثناء يهوذا الإسخريوطي الذي تقبَّلها بسماحة وبسهولة وبيسر، وهنا يُفلِح الأديب في مُلاحَظة ما يفشل ويُخفِق كهنة الأديان في مُلاحَظته.
إخواني وأخواتي:
أولئكم الأنفار من الناس الذين يفهمون الدين على أنه يُمكِن أن يُسوِّغ كراهية ما تُوجِب الطبيعةُ محبته وما تُلزِم الفطرةُ بمودته كالأب والأم والأولاد والوالدين فإن مثلُ هذا الفهم للدين ومثلُ هذا التسويغ يأتي على الدين من أصوله ومن أساسه، وإذا كانت المُهِمة المعقودة بالدين والوظيفة المُسنَدة إليه أن يُثمِّر ويُخصِّب أو يُخصِب إنسانيتنا وأن يُعظِّمها وأن يزيدها فمثلُ هذا الفهم ومثلُ هذا التأويل كفيلٌ أن يجعل الدين وسيلة إلى مسخنا شياطين طاغية ومردة عاتية، ومن هنا كان الحواريون من منظور مورياك Mauriac مصعوقين إزاء هذه الوصية، لكن ليت شعري، ماذا تعني هذه الوصية؟ لماذا يتعارض حبي لأبي وأمي ولزوجتي ولأولادي ولإخواني ولنفسي مع حبي لله ومع حبي للحق ومع حبي للحقيقة؟ لماذا تتعارض؟ هل بالضرورة أن تتعارض أم الأصل فيها أن تتطاول ولا تتعارض، أي أن يقع بعضها في طول في بعض، بل أن يُشغِّل بعضها بعضاً وأن يتجلى بعضها عبر بعضٍ؟ هيا مَن – وهذا أشبه بتحدٍ – الذي يستطيع أن يُثبِت أنه يُحِب الله – تبارك وتعالى – ولا تتجلى محبته بالضرورة في محبة شيئ من خلق الله؟ هذا كذب وهذا ادّعاء باطل، أي أن تزعم أنك تُحِب الله – تبارك وتعالى – حباً ليس بالضرورة أن يتجلى في محبة خلقه، بل بالعكس هو يتصادق ويتآزر ويتعاون مع بُغض الخلق ومع كراهية الخلق حتى إن كان هؤلاء الخلق هم أبي وأمي، قال الله أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ۩، وقال رسول الله لا يشكر الله مَن لا يشكر الناس، وفي رأس هؤلاء الناس الأب والأم.
لماذا قدَّمت بهذه المُقدِّمة أو المُقدَّمة أحبتي، إخواني وأخواتي؟ في الحقيقة سأكون صادقاً معكم وأنا أخَّرت هذه الخُطبة لأنني لم أستطع أن أضبط عواطفي وانفعالاتي وهذا الجيشان الذي يمور به باطني بعد الحدث الجلل الذي راقبت وبتأمل ردود أفعال الناس، أي ردود أفعالنا عليه كأمة، وباستثناء قلة قليلة موجودة بفضل الله – تبارك وتعالى وجدت أننا لم نُعلِّق على الحدث بالشكل الصحيح.
إن الذي خَلَقَ الحقيـقـةَ علقمـاً لم يُخل من أهلِ الحقيقـةِ جيـلا
فباستثناء قلة نادرة منزورة من الأبصار الأيقاظ النابهين المُستبصِرين – ذوي البصر الحقيقي – وجدتُ أننا لم نُعلِّق على الحدث، وكل التعليقات والدمدمات والتثريبات والصيحات لغوٌ مُتداخِل أشبه بثغاء أو خوار أو رُغاء، ولا أدري ماذا، لكن هو لا علاقة له بإنسانية الإنسان، الإنسانية الناطقة والإنسانية الدرّاكة والإنسانية المُتجاوِزة للمادة وحدود المادة والمُتجاوِزة للظرف والشرط، فهى تجد نفسها في القدرة على هذا التجاوز في كل مرة وفي كل اختبار، لكن ماذا أعني؟ أعني كارثة وفاجعة ذبح الولد لأبويه انتصاراً للدين، لأنهما نالا من أهل الله – كما يظن – ونالا من دولة الإسلام.
حدث جلل، هذا الحدث لا يُمكِن أن يُفهَم – على الأقل من منظوري المُتواضِع – إلا على أنه رمزية قدرية، القدر الأليم الفاجع المهول المُفظِع الذي سمح بإبرازه في فضاء وفي دنيا العرب والمُسلِمين بعث به ومن خلاله رسالة فشلنا أن نقرأها، يبدو أننا لم نستيقظ لكي نقرأها، كل ما هنالك هو أننا قلنا “ويله، ويحه، لعنة الله عليه، كيف فعل هذا؟ كيف تسنى؟ كيف غُسِلَ دماغه؟ مَن الذي أوحى إليه بهذا الشيئ؟ جدَّد الله على روحه العذاب، حرق الله عظامه بنار جهنم”، فقط سبٌ ولعنٌ وما إلى ذلك، ولم نُفكِّك ولم نُحلِّل ولم نفهم شيئاً، فليس هذا ما ينبغي أن يُعلَّق به، ولا أُحِب أن أكون قاسياً ولا أُريد الإهانة – قطعاً لا أُريد الإهانة، معاذ الله – من خلال هذا التنظير الذي أتلوه عليكم، ولا أدري لماذا خطر لي أن هذا المشهد العام في التفاعل مع الفاجعة ومع الكارثة معنىً أذكرني وذكَّرني بمشهد مجموعة نراها دائماً في قنوات الطبيعة مثل ناشيونال جيوجرافيك National Geographic وأمثالها من قردة البابون Baboon أو حتى الشِمْبانزِي Chimpanzee أحياناً، حيث يختطف الفهد أو السبع أحد صغارها على حين غِرة ويفتك به في لحظة، وتكون ردة الفعل أنها تلوذ بالأغصان وبقمم الأشجار مُرتاعة، فتنظر هاهنا وهاهناك وتُطلِق صيحاتها وصرخاتها اللاغية، ثم يمضي كل شيئ ويعود مُنقلِباً إلى ما كان عليه، ونحن منظرنا أشبه بهذا المنظر، كما قلت قاسٍ – تنظير قاسٍ – ولا أُريد الإهانة لكن هذه هى الحقيقة، ومادمنا لم نفقه جيداً ولم نُحلِّل ولم نضرب في العمق ولم ننبش تحت الأُسس نحن موعودون – وهذا معنى رسالة القدر هذه – أن يزداد المشهد فاجعية وأن تتكرَّر هذه الحوادث وربما على نحوٍ أبشع وأفظع.
الأنبياء حين يُرسَلون يحتاجون إلى معاجز، والكهنة – أنا سأُسمي رجال الدين كلهم كهنة لأننا الآن أشبه ما نكون في عصر الكهنوت، نحن ليس في عصر العلم الحقيقي وإنما في عصر الكهانة، لأن ما يُمارَس علينا أشبه بالكهانة، ليس بالعلم الواعي الناقد البصير المُتحرِّر الصادق وإنما بالكهانة – يحتاجون إلى ماذا؟ ستسغربون من الجواب، وهو أنهم يحتاجون إلى كوارث، لكن كيف؟ لم نفهم، كيف يحتاج الكهنة إلى كوارث؟ نعم يحتاجون إلى كوارث، فالرسول النبي – عليهم جميعاً الصلوات والتسليمات – حين يأتي والأمور مُشتبِهة مُشتبِكة – إيمانٌ وكفرانٌ، توحيدٌ ووثنيةٌ، يقينٌ وإلحادٌ – يكون الإنطلاق إذن من الأُسس – هذه مُنطلَقات – ومن ثم يحتاج إلى مُعجِزة، فيكون هذا حق وهذا باطل، مُعجِزة تبذل الهداية للناس وتنهج السبيل، ومَن هلك بعد ذلك فلا يهلكُ إلا على نفسه، رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ۚ ۩، فهو ينهج السبيل ويبذل الهداية فلا يهلك بعدها على الله إلا هالك، أي إلا مَن أراد لنفسه التهلكة، وهذا دور المُعجِزة، والهداية مبذولة، والهداية الخاتمة محفوظة، وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ۩، إذن ما الذي يحتاجه كهنة الدين مع هداية محفوظة حين يلعبون بها ويعبثون بها عبث الوليد بجانب القرطاسِ على ما قال الأول؟ كلٌ على هواه يمشون تفاريق وكلٌ في طريق وكلٌ يحتكر النبوة – يحتكر وراثة النبوة زعم – بل صدِّقوني يحتكر – أستغفر الله العظيم – الأجدرية بالله، ولن أقول الله وإنما الأجدرية بالله، فيقول الواحد منهم: نحن أجدر بالله، نحن أحق بالله، نحن أهل الله، نحن الدعاء إلى الله ضداً على هؤلاء الكذبة والمُنافِقين والزنادقة والمدسوسين والمُبتدئين و و و وإلى آخر القاموس المُمِل المُحيِّر الذي يُمضَغ وتُمضَغ كلماته صباح مساء.
الذي يحصل أن هؤلاء الكهنة نحتاج معهم إلى كارثة، كارثة لكي تقول لنا هذه الاحتكارية وهذا التأويل للدين مُجرِم، ليس غالطاً فقط وإنما مُجرِم، فتقول هذا التأويل مُجرِم وهذا الفهم مُجرِم، فكيف نفهم أنه فهمٌ مُجرِم وأنه تأويل غالط؟ بالكارثة، ألم تفهموا وقد كُرِثتم؟ إذن لا فهمتم إن فهمتم يوماً، هل نحتاج إلى مزيد من الكوارث حتى نفهم؟ والله – يا إخواني – أمرٌ عجب، أُقسِم بالله أمر هذه الأمة عجب، عجبٌ عجب، لا يُقضى منه العجب، ما الذي نحتاجه حتى نستيقظ وحتى نُدرِك أن أقدس وأجل وأكمل وأهم وأخطر ما في حياتنا هو الدين لأنه هو العمد؟ لكن تتقوَّض عمدان الحياة وأُسس وجودنا يومياً، وطبعاً عامود الأعمدة ما هو؟ الدين، الهداية الإلهية، الميراث المحمدي، لكنه يتقوَّض أمام أعيننا حين يُصبِح سبيلاً ليس فقط إلى التكفير والكره والقتل والبغضاء والتناحر والتآمر بل إلى ذبح الوالدين، مَن يذبح أباه وأمه يُرسِل إلينا جميعاً رسالة يقول فيها لم تبق بعدُ حُرمةٌ لأحد، لم تبق بعدُ عصمةٌ لأحد، أمي وأبي قد قتلت، مَن أنتَ؟ مَن أنتِ؟ إنه يُشير إلينا جميعاً ويقول أنتم مهتوكون أمامي، أنتم أهدافٌ لي، أنتم أهداف مرصودة، انحلت العصم، ارتفعت الحُرم، هُتِكَ ستارُ كل مُقدَّس وكل جميل وكل جليل، هذه هى رسالة القدر، وهذه هى رمزية الفاجعة لمَن يفهم كيف شيفرة رمزية الفاجعة، لمَن يفهم فقط، أما مَن لم يفهم فلا، فهذا لو كانت لهم عقول.
إذن الرسل يحتاجون إلى معاجز وقد كانت المعاجز، والكهنة نحتاج معهم إلى كوارث لكي نفهم أنهم أجرموا في حق الله وفي حق محمد وفي حق النص وفي حق الأمة وفي حق القيم، لكن – كما قلت لكم – الأعمدة تتقوَّض ويتلاشى كل جميل وكل جليل في حياتنا، مثل الدين والأبوة والبنوة والأخوة والصداقة والجيرة والأستاذية والحقوق والزوجية، فكل المعاني هذه تتقوَّض ويُمكِنكم أن تختبروا هذا، اختبروا أي معنى، اختبروا – مثلاً – معنى الصداقة، ولستُ أُبالِغ الآن وإن كنت مُنفعِلاً لأنني أعني ما أقول، فاختبروا معنى الصداقة وكيف هى اليوم وقسوها بالصداقة التي تعرفونها أيام الآباء والأجداد، يُوجَد فرقٌ شاسع، واختبروا معنى الوالدية وقداسة الأب والأم وحقوق الأب والأم، اختبروا هذا المعنى إذن، واختبروا الوالدية اليوم كيف صارت، وهكذا إلى آخر القائمة، وعليكم أن تنتبهوا إلى أن ذلك ينطبق حتى على الدين رغم كل ما يُقال عن الصحوة وعن العودة إلى الإسلام، فأي عودة؟ وأي صحوة؟ الناس قبل زمن يسير كانوا أكثر وفاءً وأكثر صدقاً وأكثر طبيعيةً وأكثر أمانةً وأكثر نزاهةً وأكثر عفةً وأكثر استقامة على أنهم كانوا أقل رطانة بالدين، قال الله وقال رسوله وقال الشاعر، أقل بكثير من اليوم، علماؤهم وعامتهم كانوا أقل، وكانوا لا يقتاتون صباح بالمساء على القول بالدين أو القول في الدين – أربع وعشرون ساعة القول في الدين – أبداً، فهم لم يكونوا كذلك، بل كانوا يعيشون الدين، والدين يُلهِمهم، فيستهلمونه كما يُلهَمون النفس بشكل طبيعي طوعي بسيط.
فكَّرت في أنفار من الناس عرفتهم واتصل سببي بأسبابهم لسنين ورمقتُ ولاحظتُ من مسالكهم العجب، والله شهيدٌ على ما أقول، فكيف يُمكِن لمُسلِم وكيف يُمكِن لمُؤمِن – هو عند نفسه مُؤمِن وعند الناس كذلك فيما يبدو من ظاهر حاله – أن يسلك هذه المسالك؟ كيف يُمكِن أن يتأوَّل الدين بما يجعله شرعةً لتغول الحقوق والاستطالة في الأعراض والتدجيل والمُتاجَرة؟ فكَّرت كثيراً، ومهما حاولت أن أُقنِع نفسي أن هؤلاء ربما كانوا في بواطنهم كفرة بالله لم اقتنع، أنا أعلم أنهم يُؤمِنون بأنه موجود وأنه مُطلِع عليهم، أعلم هذا وهذا واضح، فليسوا أولئكم الملاحدة النُفاة بتعبير المعري، هم ليسوا أولئكم النُفاة لأنهم يُؤمِنون، وطبعاً يصلون ويصومون ويرتادون المساجد، لكنهم يستطيلون جداً في الأعراض كأنما يشربون الماء القراح بشكل عادي جداً جداً جداً، فالواحد منهم يطعنك في عِرضك بالمعنى الأخص للعِرض وبالمعنى الأعم للعِرض أيضاً، فيطعنك في دينك وفي أمانتك وفي عِرضك وفي عِرض أهلك بسهولة، ويشهد الزور كأنما يتنسم نسمة هواء عليل بشكل عادي، وهو يعلم أنه يشهد شهادة زور ويتغول ما ليس له ويأخذ ما ليس له، وهذا شيئ مُفظِع.
نعود إلى يهوذا الإسخريوطي، يهوذا الإسخريوطي الذي تقبَّل وصية المسيح – عليه السلام – بصدر رحب، أي أن نأتيه وقد أبغضنا آباءنا وأمهاتنا وإلى آخره، وطبعاً أنا أقول إن كان هذا صدر من المسيح – عليه السلام – فلابد أن له تأويلاً صحيحاً طبعاً، وبالحري لم يكن المسيح ليقول هذا المعنى بهذه الصياغة، ولا أحسب أنه تحدَّث عن البِغضة، بالحري أنه تحدَّث حديثاً كحديث القرآن، أي حديث المُفاضَلة، فإذا وقع التعارض بين محبة الله وما تقتضيه ومحبة الأب والأم والزوجة والأخ والعشيرة والمال وحتى الذات تكون محبة الله قبل كل شيئ، فأكيد المسيح قال هذا، لكنه لم يدع ولم يُعلِّق محبته واتباع والأهلية للتلمذ عليه بأن نُبغِض آباءنا وأمهاتنا وإلى آخره، مُستحيل أن يكون قال هذا، لكن الجميل هو أن يهوذا الإسخريوطي الذي تقبَّل هذه الوصية اليسوعية بكل صدر مُنشرِح ورحب – طبعاً لماذا؟ لأنه أجدر بالحق، فيهوذا الإسخريوطي يرى أنه الأجدر بالحق – هو بالذات الذي باع المسيح بأربع فضيات، فابحثوا عن يهوذا فيكم، هؤلاء الذين يدّعون أن إيمانهم بلغ درجة ومحبتهم لله بلغت إلى حيث يُضحون آباءهم وأمهاتهم هم يهوذا الإسخريوطي، وهؤلاء كذبة، فهؤلاء يبيعون جُبة محمد، ولن أقول يبيعون محمداً – أستغفر الله العظيم – فلابد أن نكون مُؤدَّبين، فهم يبيعون جُبة محمد – جُبة النبي عليه الصلاة وأفضل السلام – ليس بأربع فضيات وإنما بربع فضية، فاحذروا من هؤلاء، احذروا من الذين يشطبون على الطبيعة ويتجهمون ويجفون ويتنكَّرون للفطرة بإسم الشرع، فماذا يبقى في الشرعِ مِن الشرع إذا تنكَّر للفطرة؟ الفطرة مَن الذي فطرها؟ الطبيعة مَن الذي طبعها؟ فعيلة بمعنى مفعولة، الله – تبارك وتعالى – هو الذي فعل هذا، الله خالق الإنسان وخالق الأكوان ومُنزِّل القرآن، أليس كذلك؟ هو نفسه لا إله إلا هو، مُحال أن يأتي في شرعه بشيئٍ ضداً على الطبيعة والفطرة، هذا مُحال، لذا الذين لم يفهموا هذه القاعدة البدهية البسيطة في سُنن الله وفي شرع الله ظلوا يتخبَّطون، وإلى اليوم هناك أديان وشرائع ومِلل ونِحل لم تفرغ بعدُ من حسمِ موقفها إزاء مسألة أو قضية النفس والبدن، فهذا البدن المسكين دأب أُناسٌ على أن يُصوِّروه بأنه مباءة وينبوع وبحيرة الشر والنتن والقذر والدنس، وأنه كيس روث بتعبير أحد الرهبان المسيحيين، كيس روث مآله أن يأكله الدود، أي دود الأرض، فما هذا البدن؟ وبعضٌ آخرون –
حتى من رجال الدين – قدَّسوه ومجدوه وجعلوا المُتعة والشهوات طريقاً إلى ترقي الروح والعياذ بالله، وهذا نوع من الزندقة العجيبة الغريبة، وما أمثولة راسبوتين Rasputin منا ببعيد، فراسبوتين Rasputin كان أحد الرهبان الأرثوذوكس الذين انطلقوا من هذه الفلسفة الزنديقة، هذه فلسفة زنديقة طبعاً، وفي المُقابِل هناك مَن توسَّط، ومن هنا يُوجَد تعبير جميل قد راقني في الحقيقة للقديس فرنسيس الأسيزي Francis of Assisi وذلك حين قال “البدن له هذا وله هذا، هو أخ الحمار”، وهذا تعبير جميل وفي مُنتهى الروعة، فهو قال البدن هو أخ الحمار، تَوجَد أخوة مُعيَّنة، فتَوجَد الروح ويُوجَد البدن، وهو أخ الحمار، لكن لماذا الحمار بالذات؟ لماذا ليس الحصان مثلاً؟ لماذا الحمار بالذات؟ لماذا ليس الغزال؟ قال هو أخ الحمار لأن الحمار يجمع بين الجمال وبين ما يبعث على الضحك بصورة تُثير الإشفاق، ففعلاً الحمار فيه جمال وفيه ما يُضحِك، والحمار كائن قوي – حيوان قوي – وصبور، ومن ثم يُقال “أصبر من حمار”، لعدم وجود ما هو أصبر من الحمار، فهو كائن صبور جداً وقوي وجلد ونافع، وأيضاً الحمار يحتاج إلى مُراقَبات دائمة وإلى سياسة تُراوِح بين الشدةِ واللين وبين الإعطاء والمنع، أي بين الجزرة
والعصا، هذا هو الحمار، فالحمار يُساس بالجزرة مرة وبالعصا مرة، وهذا هو البدن أيضاً، فهو ليس مُقدَّساً وليس مُمجَّداً، ولكنه أيضاً ليس مُدنَّساً، والدين لم يأت لكي يبعث على أن نتنكر لهذا البدن، لماذا نفعل هذا؟ الله هو الذي بنى خُطته في الابتلاء في هذه الخليقة على أن يكون الإنسان روحاً أو نفساً وبدناً، فكيف نتنكر لهذا البدن؟ كيف نشطبه؟ كيف نُعاديه على طول الخط ونطوق إلى أن ننفيه كأنما غير موجود؟ هذا غير صحيح، هذا غير صحيح بالمرة، ولذا هو يفشل دائماً، وعلينا أن ننتبه إلى أنه يفشل باستمرار، وإن نجح مرة أو مرات معدودات مع مجموعة من القديسين والأولياء والعُرفاء والرُهبان فإنه يفشل مع الملايير من الناس، وهذا الأمر يجب أن ننتبه إليه، فهو يفشل مع الملايير وشرع الله لم يأت للأفراد وإنما جاء للملايير، أي أنه جاء للمجموع، فشرع الله – تبارك وتعالى – جاء للكل على كل حال.
ثم بعد ذلك بان لي ووضح أن أمثال هؤلاء الأنفار من الناس مع إيمانهم بالله من حيث الأصل وبأن هناك إلهاً هو الله موجود ومُطلِع ومُراقِب وإليه المرجعُ والمُنقلَبُ والمصير عندهم مُشكِلة، فالمُشكِلة ليست هنا، لكن المُشكِلة عندهم وهى أنهم لم يُحقِّقوا إحصاء أسماء الله، إنا لله تسعة وتسعين إسماً مَن أحصاها دخل الجنة، فلا يكفي أن تقول لي الله وفقط ثم بعد ذلك تُعيد إنتاج صورة الله بما يتناسب مع أهوائهم، وأستغفر الله مِن كل تعبير، أعوذ بالله من زلات اللسان وزلقات الجنان ومن كل تعبير لا يُرضي الله – تبارك وتعالى – قد أجور فيه أو أُخطيء أو أغلط، فأستغفر الله إذن، إنما هو من نفسي ومن الشيطان، اللهم غفراً غفراً غفراً.
إذن هؤلاء يُعيدون – كما قلت غير مرة في أكثر من خُطبة – صورة الله – تبارك وتعالى – بما يتكيَّف مع ويُناسِب ويُلائم ويلتئم بأهوائهم وشهواتهم وأغراضهم، فيبطل هنا هذا الإله المُصوَّر وليس الإله الواقعي – لا إله إلا هو – وهو الواقع الحقيق المُطلَق أن يكون إلهاً للعالمين ورباً للعالمين، إذا كان رباً وإلهاً للعالمين وأنت تعبده وتُوقِن به على أنه كذلك يستحيل أن تفهمه وتفهم شرعه بما يُسوِّغ لك ظلم الناس وهضم الناس والاستطالة في أعراضهم وتغول حقوقهم، وإلا لماذا إذن؟ أليسوا عبيده مثلك؟ أليسوا خلقه مثلك؟ أليس لهم كرامة الآدمية حيث قال الله وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ۩؟ أليس لهم الحُرم والعصم موفورة تماماً؟ لكن بطل هذا الإله المُعاد اختزاله واخترامه وإنتاجه إله العالمين وصار إلهاً شخصياً له، لكن كلا، هذا ليس الله الذي تعرَّف إلينا عبر عشرات وعشرات الأسماء والصفات، ففي كتاب الله زُهاء مائة وسبعين إسماً من أسماء الله، وليس فقط التسعة والتسعين هذه في حديث الترمذي وفي السُنة وما إلى ذلك، فالمجموع تقريباً أكثر من مائتين في الكتاب والسُنة، وأكيد هى أكثر من ذلك في الواقع طبعاً، لكي لا نقع في خطيئة اخترام واختزال صورة الله تبارك وتعالى، فلست في حِل أن تُنتِج تصوراً كما تُريد لله، أنت مُتعبَّد بأن تتقرَّب وتتعرَّف إلى الله كما تعرَّف هو إلينا – لا إله إلا هو – في شرائعه عبر أسمائه وصفاته وعبر أقواله وعبر وحيه، جل مجده في عُلاه، فهذا هو المطلوب، إلا تفعل تكن ماذا؟ لن أخوض في قضية التكفير والإقرار بالإيمان على طريقة التقليد وطريقة المُقلِّدين، فليس هذا من هدفي وليس هذا همي ولا من همي، همي هنا فقط أن أُشير بطريقة يفهمها الكل إلى أن الله – تبارك وتعالى – كلما قال في كتابه يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ۩ فإنما يُخاطِب عموم المُؤمِنين، فلا يخرج مُؤمِن ولا حتى رسول الله من هذا الخطاب، لكن ما يحصل مع هؤلاء المُؤوِّلين المُجرِمين في تأويلهم أنهم يُخرِجون أنفسهم ويقول الواحد منهم “هذا ليس لنا، هذا لهؤلاء، أنا عبدٌ خاص، أنا عبدٌ مخصوص،” لأن الجنون الديني يلعب هنا، حيث تُوجَد مساحة يلعب فيها الجنون الديني الآن، وفعلاً حين تتلبس الإنسان روح شيطانية يحدث هذا، وعلينا أن ننتبه إلى أن النبي قال للشيطان لمةٌ بابن آدم، وطبعاً هذا يحدث في لحظات مُعيَّنة، علماً بأنني لا أتحدَّث عن اللبس بالمعنى الذي حتى نُنكِره، أنه يسكن فيك ويستأجر شقة مفروشة، لا ليس هذا لكن النبي قال يُلِم، أي تُلِم هذه الروح الإبليسية والروح الشيطانية بك – والعياذ بالله – وتُصبِح فيك انبعاثات شيطانية إبليسية، ولكن قد تقول لي كيف أعرف؟ كل ما خالف شرع الله فهو إبليسي شيطاني طبعاً، ولا يُوجَد مجال للتخصيص بالهوى وبالعُرف وبالإرادة وبالوهم كأن تقول أنني عبدٌ مخصوص، فهذه زندقة، هذه هى الزندقة وهذا معنى الزندقة تماماً، بمعنى أنك تُحِل لنفسك ما حرَّم الله على عموم المُكلَّفين وتترخَّص فيما لم تأذن به الشريعة ولم تُعطِه رُخصةً، ولكن أنت من عندك تقول “لا هذه رُخصة لي، أنا أفعل هذا، حرامٌ عليهم وحلالٌ لي، الله أدرى بي”، فأنت هنا ببساطة أخرجت نفسك من عموم ماذا؟ المُنادَين المُخاطَبين بقوله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ۩، فلم تعد منهم يا أحمق، يا شقي لم تعد منهم، هل أنت تلعب بنفسك وتلعب بدينك؟
هو يظن أنه يفعل هذا لكي يجعل نفسه عبداً مخصوصاً في رُتبة خاصة عند الله، وفي الحقيقة هو حط رُتبته وأخسها بحيث خرج عن أُفق الذين آمنوا، فإذن صار من الذين كفروا أو من الذين ألحدوا أو من الذين نافقوا أو من الذين تزندقوا، هذا لا يعنينا لكن المُهِم هو أنه ليس من جُملة الذين خاطبهم الله بـ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ۩، فحذاري حذاري حذاري من العبث بدين الله ومن العبث بشرع الله بهذه التأويلات المُجرِمة، والتي – كما قلت – تأتي الكارثة لتقوم دليلاً على إجراميتها.
إلى الآن لا أزال في المُقدِّمة – في مُقدِّمة حديثي – طبعاً، فماذا أُحِب أن أقول إذن؟ قد يقول لي بعضكم كيف قرأت أنت هذا الحادث؟ كيف قرأت الفاجعة؟ كيف قرأت الكارثة؟ هل فكَّكتها؟ هل حلَّلتها؟ أكيد حاولت كما حاول غيري وإن كانوا – كما قلت – نُدرة وقلة منزورة، فقد حاولت وسأُحاوِل معكم الآن مُجدَّداً، أنا أحدس واقترح أن هؤلاء المُجرِمين والذين لا يكفي في فهم مسالكهم وتفكيك إجرامهم أن ننعتهم بالمُجرِمين – هذا ليس كافياً، هذا مثل صيحات البابون Baboon والشِمْبانزِي Chimpanzee – والقتلة والكفّار – لا يكفي هذا، ولكنهم يُجرِمون بلا شك، فبلا مثنوية هم مُجرِمون وعُتاة وطُغاة – أن المسألة تجد جذرها ليس فقط في المعرفة وليس فقط في تأويل النص – وهذا جذر مُهِم ولكن أيضاً في التربية – لكن يبدو أن حياتنا بشكل عام كمُجتمَعات ينقصها الكثير من الحب، وطبعاً واضح جداً أن لدينا فائضاً من ماذا؟ من البُغض والكره ومشاعر الحسد والغيرة والحقد والرغبة في تدمير الآخر والرغبة في القضاء عليه بالشُبهات بل إثارة شُبهات بل اختلاق الشُبهات فأصبحنا قوماً بُهتاً باهتين مُفترين والعياذ بالله، وهذا شيئ مُروِّع في عالم العرب الآن والمُسلِمين، وبالذات في عالم العرب، فهو شيئ مُروِّع ومُؤذِن من أول الطريق بأننا نفتقر إلى كم هائل من الحب، فنحن لا نعرف الحب، ونبدأ من الأسرة لكي أوضِّح المعنى، والمعاني كلها مُتداخِلة ومُتآزِرة، فالطفل الذي يقضي طفولته ويقضي مُعظَم أوقاته يتشهى كعكة لن يقنع أبداً طيلة حياته، ولا ندري هل هو من أسرة فقيرة أم لعله من أسرة بخيلة، فأنا أعرف طفلاً أبوه يمتلك مئات الألوف – لست على يقين من أنه يمتلك الملايين ولكن على يقين بقوله لي أنه يمتلك مئات الألوف – من اليوروات، وهذا الطفل ضُبِطَ في المدرسة يسرق، علماً بأنه كان مُتفوِقاً في دراسته وجميلاً في خلقته المسكين، وهذا شيئ يُبكي، وأعتقد أنني ذكرت هذه الأمثولة مرة، فأُرسِل إلى أبيه وأبوه المسكين هو الذي حدَّثنا بهذا وهو لا يفهمُ شيئاً، وهنا سأقول متى يُدرِك الأب الفاشل فشله وقد تهدَّمت الأسرة؟ فالزوجة طُلِّقَت والأولاد والبنات طاروا وفروا – كل واحد فر، هذه فرت مع عشيقها، وهذا فر مع صديقه – وتركوه وحيداً، ولايزال يصرخ ويلعن، فهو يلعن الزمان والشروط والظروف والغُربة و و و و و و وإلى آخره، ولم يُدرِك بعدَ أنه هو الفاشل وأن هذا غير طبيعي، فالقاسم المُشترَك هو أنك مبعث الفرار، فالزوجة فرت منك، والبنت فرت منك، والابن فر منك، ولو فتَّش سوف يرى أن أصدقاءه أيضاً يطيرون عنه، ولكنه لم يفهم بعد أنه إنسانٌ فاشل وأبٌ فاشل تماماً كما لم نفهم بعدُ أننا كهنة فاشلون، فرغم كل الكوارث التي حلت على أمهات أدمغتنا لم نفهم أننا كهنة دين فاشلون إلى الآن، ومع ذلك نقول العصر هو الفاشل والزمان هو الفاشل وكل شيئ في العالم فشل ولكن نحن الناجحون، غلِّطوا الكون كله ولن تكونوا غالطين، ما شاء الله، لكن السُنن لا ترحم وستتوالى الفواجع، فهذا الأب الفاشل المجنون سينتهي به الأمر إما مُجرِماً في زنزانة – Zelle – لأنه سيقتل مُطلَّقته وربما قتل ابنه أو ابنته – وقد حصل هذا، وهناك عشرات الحوادث هنا في النمسا وفي ألمانيا وفي كل مكان تقع، ومن مسلمين طبعاً عرب وأتراك وغير عرب وغير أتراك – أو ينتهي به الأمر في مصحة أمراض عقلية، لكن هكذا لم يفهم المسكين، وهذا الولد المسكين يبعث مُدير المدرسة إلى أبيه، فيأتي أبوه ويُقال له هذا الولد المسكين يسرق من زملائه، فهو يسرق كلما تاحت له فرصة السرقة، لماذا يسرق وأبوه عنده مئات الألوف؟ لكن هل تعرفون لماذا؟ لأن أباه ذات مرة جلس يتغدى في حضرة صديق وأمامه عدد من قطع اللحم، تحديداً ستة قطع، فقال “هذا جميل، سآخذ ثلاثة وأترك لزوجتي واحدة ولابني واحدة ولابنتي واحدة”، فقال جالسه “حسن، قسمة ليست بالضيزى” على اعتبار أن النصف له لأنه رجل وسبع كما يُقال، فأكل الثلاثة ثم ابتسم وقال “ما للزوجة وللحم؟ سآكل نصيبها – أُقسِم بالله أُحدِّثكم عن ما حصل – أيضاً”، فأكله ثم قال “حتى الأولاد ما لهم وللحم؟ أنا أحوج إليه”، وأكله أيضاً، وهذا أب ما شاء الله.
بعض الآباء قد يلبس حذاءً بمائتي يورو أو ثلاثمائة يورو إن لم يكن أكثر، وبعض الأمهات تُعنقِّل – أي تُعلِّق – في يدها حقيبة – Tasche – من جلد لا أدري ماذا، أهو جلد خنزير أم غير ذلك، وهذه الحقيبة تكون بألف يورو، لكن حين يطلب الابن المُراهِق الشاب الذي يُحِب أن يشعر باستقلاله مائة يورو يُقيمون الدنيا ويُقعِدونها على رأسه، كيف يطلب مائة يورو؟ هذه مُصيبة، أو كيف تطلب البنت ذلك؟ فإذن ما بال هذه الـ Tasche بألف يورو؟ وما بال هذا الحذاء الذي يُداس به الأرض بثلاثمائة يورور؟ أين الأبوة؟ وأين الأمومة؟ أين الحب؟ فهو يقول لك أنا أُحِبك وهو لا يعرف ما هو الحب أصلاً، فهذا الأب وهذه الأم … ماذا أقول عنهم؟ اعذروني فالموضوع – كما قلت لكم – مُعمَّق ومُعقَّد، وأنا أُحاوِل أن أُبسِّط لكن دائماً الوقت يُحرِجني، فأنا مُحرَج لأنني أُطيل عليكم، لكن أرجو ألا أكون مُزعِجاً.
في لحظات الصفاء الروحاني التي تنتابني – وأرجو الله أن يمن عليكم وعلىّ بها دائماً – انبعث في مُناجاة ربي – لا إله إلا هو – بــ ياربي، يا إلهي، يا سيدي، يا خالقي، يا رازقي، يا مالك ناصيتي، يا مالك زمامي، يا يا يا يا يا ثم أجد نفسي لم اشتف، فانحدر نزولاً وأعلم أنني انحدر وأقول له يا أبي، يا أمي، يا صديقي، يا حبيبي، يا يا يا يا وأمثال هذه العبارات، فوقفت مع نفسي وقلت ما الذي يحدث؟ المفروض أن الإنسان يرقى بدل أن ينحدر، فليس معقولاً أن يحدث هذا، ولكن هذا ما يحدث معي، وأنا لا أُمثِّل دوراً هنا لأنني لست مُمثِلاً Actor، لكن مُشكِلتنا هى أننا نُمثِّل، ومُشكِلة الكهنة بالذات أنهم مُمثِّلون، ولا أود أن أكون كاهناً ولا أُحِب أن أكون مُمثِّلاً أصلاً وإن كنت غير كاهن، فهل تعرفون ما معنى أننا مُمثِّلون؟ كل واحد فينا لا يقول حقيقته ولا يُعبِّر عن خبرته وعن تجربته وعن مشاعره أبداً، بل يقول ويفوه ويدّعي ما يتوقَّعه منه الآخرون، فهل فهمتم إذن؟ هناك دور – Role – مُعيَّن مطلوب منه أن يُؤديه وهو يُحاوِل أن يلعبه، لكن أنا لا أُحِب هذه الطريقة، فما رأيكم؟ ولذلك حتى أسلوبنا على المنبر ليس أسلوب خطيب وليس أسلوب عالم دين، هو أي شيئ آخر ولكنه ليس أسلوب كاهن، هو شيئ آخر، وعلى كل حال هذا ما أستطيعه ولا أستطيع غير هذا، فأنا عُدت إلى نفسي وقُلت ما الذي تفعله يا رجل؟ بدل أن ترقى أنت تهبط وتتدلى، لو بدأت وقلت العكس لكن أصح، وهذا إن جاز، وطبعاً سيأتيك ألف كاهن لكي يقول لك ما هذا الزنديق الذي يُخاطِب ربه بيا صديقي؟ هذا الزنديق يُخاطِب ربه بكذا وكذا، لكن أنا أقول له هذا ما يحدث معي يا حبيبي، نحن رضينا بهذه الزندقة يا كاهن فكفى، كفى العبث بالناس وبعقول الناس، أقول لك هذا ما يحدث معي، ولا أشتفي حين أقول يا الله ويا رب وأبكي، فانحدر وأقول يا أبي، يا أمي، يا صديقي، يا حبيبي، يا كذا ويا كذا، وأشعر براحة قليلاً.
من هنا فكَّرت طويلاً فيما يحدث معي، علماً بأن هذه الحالة قد تحدث مع آخرين كثيرين، لكنني وجدت أن هناك سبباً معقولاً مفهوماً لحالتي هذه، فهل تعرفون ما هو؟ هو أننا لم نفرغ بعدُ من استنفاذ معاني الأبوة والأمومة والصداقة والزوجية والمحبة الأخوية، فما رأيكم؟ لم نعش أبناء حقيقيين ولم نعش آباء حقيقيين وأمهات حقيقيات وأصدقاء حقيقيين وأزواجاً وزوجاتٍ حقيقيين وحقيقيات، لم نعش هذا ولم نستنفذ هذه المعاني، بل عشنا الزيف، فعشنا الأبوةَ والبنوةَ والزوجيةَ والصداقةَ والأخوةَ زيفاً في زيفٍ في زيفٍ، فقط كلمات ومانشيتات وعناوين ومُلصَقات – Labels – مُفرَغة مِن كل معنىً، ما رأيكم؟ أي وفق ما يطلبه المُنتظِرون والمُتوقِّعون فقط، فلم نعش حقيقة تجربة الأبوة، وكم أُحدِّثكم عن بنات وعن شباب يشكون لي بالدموع – والله – ويقول لي الواحد منهم يا عم أو يا سيدي أو يا أستاذي أو يا والدي – والله يُقال لي هذا – ما أشتهيه هو أن يضمني والدي”، فهكذا تقول لي البنت ويقول لي الشاب، فأقول هل هو لا يفعل؟ فيقول هو لا يفعل وأنا لا أستطيع أن أفعل، فليس لدي الجرأة أن أذهب
إليه وأضمه، يُوجَد حاجز رهيب هو الذي بناه، علماً بأن هذه عائلات عربية ومُسلِمة، فهؤلاء مُسلِمون، وهذا يحدث مع غير المُسلِمين طبعاً، وقد حدَّثتكم مرة عن الدكتور بينجامين سبوك Benjamin Spock وهو خبير عالمي في تربية الأولاد المُراهِقين وطبيب عالمي أيضاً، المُراهِقين، وقد ألَّف كتباً وبيع منها الملايين، وصُدِمَ الناس بعد ذلك بابن الدكتور سبوك Spock وهو دكتور أيضاً وطبيب وهو يقول “أبي الذي يُوصي بهذه الأشياء التي أُقدِّرها له وأُوافِق عليها فشل أن يُعطيني في حياتي كلها عناقاً واحداً”، ولكم أن تتخيَّلوا هذا، ولذلك يقول بمرارة ابن الدكتور سبوك Spock “وأنا للأسف يبدو أنني أفشل أن أُعطي هذا لأبنائي”، فاللعنة تتسلسل واللعنة تتناسل.
إذن لا الأب فهم ولا الابن يفهم، يُوجَد فقر روحي رهيب، يُوجَد فقر حبي، يُوجَد فقر في هذا الشعور العجيب الذي إسمه الحب، وطبعاً حدِّثني عن أب يُحِب أولاده وأم تُحِب أولادها حباً حقيقياً ليس كحب الحيوانات الأليفة Pets، فعلينا أن ننتبه إلى أن هناك ظاهرة الآن بدأت تنتشر بين المُسلِمين أيضاً وبدأوا يطلبون الفتاوى حتى أنني كِدت أن أُزَل وأعمل خُطبة أُضيِّع بها عليكم ساعة أو ساعة ونصف الساعة عن حكم الكلاب، وكنت سأستشهد طبعاً بالمرزبان وتفضيل الكلاب على كثير مِمَن لبس الثياب ووفاء الكلاب وأحاديث الكلاب ومذهب الإمام مالك، ثم بعد ذلك رأيت أنها حذلقة في غير جدوى وفي غير غناء، فليس هذا هو الموضوع، حيث تُوجَد موضوعات أهم، هنا في الغرب الآن بدأوا يتنبَّهون – بالأحرى بدأ بعضهم يتنبَّه – إلى أن تربية الحيوانات الأليفة يُمثِّل خطراً، لغاية أن بعضهم وبطريقة عُصابية – Neurotic – فعلاً وعن وعي يُفضِّلُ حيواناً أليفاً – وخاصة الكلاب أكرمكم الله بشكل أكثر من القطط ومعروف لماذا – على الولد، فهو يقول لك “هذا أحسن لي خاصة لو كان كلباً، لماذا أخلف أنا؟ الحيوان أحسن لي”، وبعضهم يقول لي “جرَّبت وأنجبت الولد الأول لكن الحيوان أفضل من أن أُنجِب ولداً ثانياً”، فهل تعرفون لماذا؟ الآن بدأوا يفهمون أنهم لا يفعلون هذا لفائض العاطفة لديهم بل لوجود فقر وإجداب عاطفي لديهم، فهم ليس لديهم قدرة على الحب، لكن سوف تقول لي كيف هذا؟ يا أخي هذا يُحِب كلباً ويُحِب حيواناً كل هذه المحبة ويعتني به ويخدمه، فكيف يُوجَد عند هذا الشخص إجداب عاطفي؟ لأن الحب الحقيقي هو حب يعمل في اتجاهين، والمحبة عموماً هى محبة منح ومحبة احتياج،ولو فكَّرنا في محبة الله – لا إله إلا هو – لخلقه لوجدنا هذا، والعجيب أن الله طمئننا وأخبرنا وأفرح قلوبنا بأنه يُحِب، فالله يُحِب – يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ۩ – لا إله إلا هو، علماً بأن هذه النُقطة تحتاج طبعاً إلى خُطب كاملة، ولكن حين يُحِب الله هل يُحِب محبة احتياج؟ هذا مُستحيل وإنما يُحِب محبة منح، ومنح مُطلَق من غير ضرورة ومن غير احتياج أبداً، فهذه هى محبة المنح في أعلى درجات إطلاقيتها، أي بالمُطلَق وفي الإطلاق وعلى الإطلاق، ولكن الله بعلمه المُطلَق – لا إله إلا هو – يعلم قصور الإنسان ونسبية الإنسان وأن الحُب الذي يعرفه الإنسان ويحتاجه حب يعمل في اتجاهين، حيث يُوجَد حب المنح وحب الأخذ، أي حب الاحتياج وحب التلقي، فالله بالمجاز دغدغ عواطفنا وربت على هذه الحاجة التي في قعر فطرتنا وأوهمنا أنه يتلقى منا، وقال لا تُوجَد أي مُشكِلة، فأنا أُعطيكم وأنا آخذ منكم، لكن كيف يأخذ مننا؟ الله غنيٌ عن العالمين، وهذا مُحكَم القرآن الكريم، تقول الآية الكريمة أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ۩، فهذا مُحكَم، لكن تُوجَد آيات مُتشابِهة ولابد من تأويلها تأويل المجاز – هذا مجاز – قال الله فيها مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا ۩، أي أنه قال أقرضوني يا عبادي وأنا أرد إليكم هذا القرض أضعافاً مُضاعَفة وأضعافاً كثيرة، فكيف يطلب الله قرضاً؟ هل الله يحتاجنا وهو خالقنا وما نملك؟ قال لكي أُهدّيء فيك هذه الحاجة الفطرية، فهذا تدليل وتدليع إلهي، الله يدلعك ويقول لك افرح لأنك تُعطي، ومن هنا قال إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ ۩، كأنه يقول سوف نُجري صفقة – أي نعمل Deal – الآن، فهذا الثمن وهذا المُثمَّن، لكن عن أي صفقة يتحدَّث الله وهو مالكي وما أملك؟ هو مالك الدنيا والآخرة ومالك الجنة والنار ومالك العباد والرقاب ومالك كل شيئ، لكنه قال هذا من أجل أن تفرح يا أهبل، فأنت أهبل وإنسان غلبان، ولكن عليك أن تنتبه إلى أنه يُعلِّمك أيضاً ألا تتأله على الناس لما تستغني، قال الله كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى ۩ أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى ۩، فربما لا يفطن كثيرٌ من أهل الاستغناء أنهم قد يكونوا أحب الناس إلى الناس وقد يُخاطِرون بأن يكونوا أبغض الناس إلى الناس، لكن متى يحدث هذا؟ متى يكون الغني أبغض الناس إلى الناس؟ حين يُؤكِّد غناه بالقول وبالفعل ومن ثم يكون شخصاً مُبغَّضاً، لـن هذا الغني يمنعك فرصة أن يُشعِرك بفرحته إن قدَّمت إليه شيئاً، وإلا ماذا تُقدِّم له؟ كيف تُقدِّم شيئاً لواحد عنده مليارات؟ ماذا تُقدِّم له يا مسكين؟ هل تُقدِّم سيارة بخمسين ألف؟ ما قيمة الخمسين ألف يورو بالنسبة له؟ هذا كلام فارغ، فهى عنده مثل الخمسين سنتاً عندك، فأنت لا ترفع بها رأسك، ولا تنحني لكي تأخذها الخمسين سنتاً، هذا مُستحيل لكن هو عنده المليارات، فما قيمة الخمسين سنتاً أو قيمة أن تُعطيه سيارة؟ بل قد تقول لي من أين لي أن أحضر له سيارة؟ أنا بالكاد أعطيه زجاجة – Flasche – عطر بمائة يورو أو مائتين يورو، فهذا مُستحيل إذن، لأنه يُعدِمك فرصة أن يُشعِرك بفرحته بما تُقدِّمه إليه، ولذا هذا شخص بغيض مُبغَّض، وقد يكون العكس، فق يتقبَّل منك هذه الزجاجة – Flasche – التي هى بمائة يورو ويقول لك “أوه Oh، أي ماركة Marke؟ أي نوعية؟ أف، ما أجملها، هيا نفتحها، يا سلام، هذا شيئ طيب جداً، هذه احتفظوا بها” ومن ثم تفرح أنت يا مسكين، وفعلاً قد تقع أسير وهم أنه فرح بها، لكن هذا لم يحدث وإنما هو من عمقه الإنساني، علماً بأنه يُوجَد أغنياء كذلك ويفعلون هذا، فمثل هذا الغني هو إنسان عميق، فهذا الغنى زاده غنىً روحياً وإنسانياً، ومن ثم فهم هذا، لكن إياك أن تفعل العكس، ومن هنا أحدهم كتب ذات مرة يقول “تكف المحبة أن تكون شيطاناً فقط حين تكف أن تكون إلهاً”، لكن ما هذا الكلام العجيب؟ كلام عجيب لكنه كلام عميق طبعاً، فحين تُحِبني محبة وتُحاوِل أن تُفهِمني بها أنها محبة من نوع المحبة الإلهية فهذا أمر بغيض، أي حين تكون محبة منح مُطلَق، كأن تقول لي أنا أُعطيك ما لا تستحق ومن غير ضرورة ومن غير استحقاق فقط لأنني قادر على المنح وأنت مُؤهَّل للتلقي، فهل تُحِب هذا أنت؟ أنت تكره هذا جداً، ولكن قد يقول لي أحدكم لم نفهم، فكثيرٌ منا بالعكس يحتاج محبة الاحتياج ويُحِب أن يتلقى، وهذا صحيح لكن علينا أن ننتبه إلى أنه يُحِب أن يتلقى باستحقاق، أي وفق معاييره هو، بمعنى ماذا؟ سوف نُبسِّط المعنى، قد يُوجَد شخص عنده بعض الشهادات وبعض العلم ويعتقد أنه يفهم شيئاً – مثلما نفعل فكلنا كذلك طبعاً، لكن الإنسان غلبان، والعلم عند ربي لا إله إلا هو، ولكنه يرى نفسه كذلك، وقد يحدث هذا حتى مع الذي عنده مال، لكن المال عند الله والغنى عند الله، لأن الله هو الغني، أما نحن فغلابة، والبشر كلهم غلابة لو أدركوا – فإذا وُقِّر وإذا قُدِّم وإذا أُجِل وإذا قُوبِل باحترام يفرح، فهو يُحِب هذا، لأنه يحتاج أن يتلقى ماذا؟ التوقير والاحترام وأن يُقال له تفضَّل يا أستاذ وأهلاً ومائة أهلاً يا دكتور وأوسِعوا للدكتور، فهو يُحِب هذا ولكن عن استحقاق وكذلك أنت، أي وفق معاييرك، فتقول “نعم، أنا بعلمي أستحق هذا، لو كنت جاهلاً كهو – كفلان – لما استحققت” ومن ثم ترضى.
هناك مسألة أُخرى لابد أن أذكرها مادام هذا أصبح واضحاً، أليس في كل واحد فينا ما يُكرَه لأجله؟ طبعاً يُوجَد هذا، فلا يُوجَد أبداً شخص كامل Perfect، كل واحد منا – على الأقل لبعض الناس ولأنفار من الناس – فيه خصال مكروهة لبعض الناس، وهذه الخصال قد يظنها مزايا لكنها مكروهة لبعض الناس وإن أحبها آخرون، أليس كذلك؟ المُهِم هو أن جميعنا لدينا أشياء تُكرَه، لكن هل يُحِب الواحد منا أن يُعامَل بمُقتضى ما فيه؟ لا يُحِب هذا، فإذن عُدنا الآن إلى محبة الاحتياج، يُوجَد فيك جزء فطري إلهي هنا، فأنت مضروب عليك بالعبودية ومضروب عليك بالفقر الإنساني، بمعنى أنك تُحِب أيضاً أن تتلقى من غير استحقاق – هذا موجود طبعاً – ولكن لا تُحِب المُقابِل من هذا المانح أن يُمثِّل دور مانح مُطلَق كما لو كان إلهاً، لا تُحِب هذا طبعاً، وأنا حين فهمت هذا بعمق لأول مرة فهمت لماذا هنا بالذات في الغرب كلما حاولت أن أُساعِد – مثلاً – مُقعَداً في كرسي مُدوّلَب ينفر وأحياناً بطريق تُعبِّر عن الامتعاض، فيقول “شكراً، شكراً، لا أحتاج” بتجهم، ولا يقول مثلاً “شكراً، شكراً” بابتسامة وإنما يتجهَّم في وجهك، ويقول لك “شكراً، شكراً، لا أحتاج”، فهل تعرف لماذا؟ لأن هذا أيضاً في الإنسان، أي فيّ وفيك، فالإنسان لا يُحِب محبة الإحسان هذه، لا يُحِب المحبة التي – كما قلت – تشي بماذا؟ بالتفوق، بالعلوية، كأن يُقال له أنا أمنح وأنت تتلقى لضعفك لا لاستحقاقك، فنحن نُحِب محبة الاحتياج عن استحقاق، وانس أن تقول بالاستحقاق مع الله، فالأديان والرسل والأنبياء والنبي – عليه السلام – فهَّمنا هذا بشكل واضح، وقال والذي نفسي بيده لن يدخل أحدكم الجنة – وفي رواية لن يُدخِل أحدكم الجنة – عمله، لو جلست تعبد الله مليون سنة وتُصلي في اليوم عشرة آلاف ركعة وتحج البيت كل سنة لن تدخل الجنة بهذا العمل وحده، وإنما تدخل فقط بفضل الله، فالذي خلقك مِن عِدم وأمدك مِن عُدم وسوَّاك وصوَّرك في أحسن صورة ما شاء ركَّبك هو الله، وهو الذي هداك نوَّرك ويسَّر لك الهداية وأعانك على الهداية.
إِذَا لم يَكُنْ عَونٌ مِنَ اللهِ لِلفَتى فَأَوَّلُ مَا يَجنِي عَلَيهِ اجتِهَادُهُ.
فانس هذا إذن، ولكن – كما قلت لكم عوداً على بدء – الله – عز وجل – يُناغينا ويُدلِّعنا ويُحاوِل فقط بالمجاز أن يُناغي هذه الحاجة فينا، فيقول “وأنا أيضاً أتلقى منكم، هيا أعطوني وأقرضوني وتاجروا معي وسوف تربحون”، فمَن عامل الله ربح، والمُعامَلة الحقيقية تكون مع الله، وإلا الله – عز وجل – المُحِب المُطلَق الحقيقي – لا إله إلا هو – محبة مُطلَقة من كل قيد، ولذلك يُعطي بغير حساب، وأيضاً لأول مرة أفهم أن العطاء بغير حساب ليس عنوان الكرم فقط وليس تجلياً للكرم فقط – وهو كذلك طبعاً، فهو تجلي للكرم لكنه ليس تجلياً للكرم فقط – بل هو أحد تجليات ماذا؟ المحبة، فكيف هذا إذن؟ حين يقع الحساب بين المُتحابين لا يقع إلا على واقع انفصال واقع أو مُتوقَّع، أي إما يُوجَد انفصال واقع وإما يُوجَد انفصال مُتوقَّع، فالزوجان – مثلاً – إذا كانا مُتحابين تماماً لكن يأبى كل منهما إلا أن يكون له حساباته فيقول الواحد منهما هذا ما لي وهذا ما لك وهذا عندي وهذا عندك وهذا حقي وهذا حقك فإن زوجيتهما سوف تكون مُهدَّدة، فصدِّقوني كل زوجية يتكرَّر فيها هذا المشهد هى زوجية مُهدَّدة بانفصال، وهى زوجية الانفصال مطروحة كاحتمال في فضاء الزوجين، أي عنده وعندها، وفي يوم من الأيام سوف يحصل الانفصال، فلماذا إذن؟ لأن الواحد منهما يقول هذا حقي وهذا مالي وأنا أُريد أن أُؤمِّن مُستقبَلي، فالكل يقول هذا، أما إذا تمازج الروحان والتئمت النفسان تماماً وصارتا كروحٍ واحدة يستحيل أن يقع الحساب، فالحساب لا يقع إلا على واقع انفصال واقع أو مُتوقَّع مُتوهَّم ومُنتظَر ومفروض، لكن الله – تبارك وتعالى – يُعطي عباده الطيبين – اللهم اجعلنا منهم – بغير حساب، وما معنى أنه يُعطيك بغير حساب؟ ليس فقط كرم فائض وهو كذلك وإنما محبة فائضة مُطلَقة أيضاً، فهو يقول لك انتبه لأنك سوف تكون في جواري إلى أبد الآبدين دون انفصال، فهذا الا نفصال مرفوع، هذا انتهى ومن ثم ستكون في جواري، فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ۩ وستُعطى الأجر غير المنون وغير المقطوع وبغير حساب، لأن هنا لا يُوجَد انفصال”، لكن لماذا كانت الدنيا دار حساب، والله – تبارك وتعالى – يُعطي فيها بحساب؟ لأنها ليست دار الحضرة وليست دار الجوار، فطبعاً يحدث فيها الحساب، ومن هنا قول الله وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ ۩، ولذلك يُعطي بحساب – لا إله إلا هو – ويُنزِّل بحساب، فإذن الحساب لا يقع بين مُتحابين حقيقيين.
على كل حال أعود إلى حالتي، فأنا – كما قلت لكم – أدركت أنني أنزل بدل أن أرقى، وأدركت أنني أنزل لأننا لم نستنفذ هذه المعاني، فأدركت بالتالي أننا لكي نعرف الله حقاً ولكي نُحِب الله حقاً لابد أن نستنفذ أولاً ماذا؟ محبة أنفسنا ومحبة آبائنا وأمهاتنا وأولادنا وأزواجنا وجيراننا ومشائخنا وأساتيذنا وأصدقائنا وإخواننا والناس أجمعين، والعجيب في المحبة أن عين القلب هذه – القلب هو الذي يُحِب وهو الذي يعشق ويغرم ويتولّه – إما أن تعمى وإما أن تُبصِر، فهى مثل عين الرأس إما أن تعمى وإما أن تُبصِر ولا يُوجَد شيئ وسط، وقد تقول لي قد يُبصر أحدهم سلهوت Silhouette بشكل ضعيف ولكنه يُبصِر، فهو يُبصِر وليس أعمى بالكُلية، والعين حين تُبصِر فإنها تُبصِر كل ما مِن شأنه أن يُبصَر، ولا تُبصِر هذا دون هذا وهذا دون هذا، فهذا يحدث كقاعدة عامة ولا تُحدِّثني عن عمى الألوان لأنني أتحدَّث عن قاعدة عامة، وكذلك القلب، ولذلك أنا ضربت مثلاً ولم أُكمِله، فائتني بأبٍ يُحِب أولاده حقاً وأنا سأُحاجِج وأُرهِن وأُجادِل بأنه مُحِب للعالمين، فهو يُحِب جيرانه ويُحِب إخوانه ويُحِب أصدقاءه ويُحِب الناس كلهم، فالقلب كالعين تماماً، وبالتالي إما أن يُحِب وإما ألا يُحِب، وقد تقول لي بعض الناس ليس كذلك، فهو يُحِب امرأة – مثلاً – أو تُحِب رجلاً لكنه شديد البُغض لمَن سواها، لكن أنا أقول لك هذا غير صحيح، فهذا لا يُحِب وهذا ليس الحب الذي نتحدَّث عنه، بل بالعكس هذه حاجة بدنية وحاجة بيولوجية، ولذلك إذا أردنا أن نتعمَّق هذا المعنى علينا أن نتعمَّق فلسفة الحب في مراتبه، فأدنى مرتبة لا تُميِّزنا من البهائم، وهى المعروفة بالحب العاطفي وهى ترجمة غير دقيقة بالمرة إغريقية، ولكننا نقول الحب العاطفي كترجمة للمُصطلَح اليوناني Storage، فهذا المُصطلَح باليونانية إسمه Storage، وهو معناه الحب الذي مبعثه الفطرة، أي الحيوانية في الإنسان كما الحيوان، فالإنسان يُحِب أولاده ويحنو عليهم ويُدافِع عنهم تماماً كما تفعل اللبؤة وكما تفعل الضبع – قد تقول لي كما تفعل الضبعة وليس كما تفعل الضبع لكن هذا غير صحيح، فلا يُوجَد شيئ إسمه الضبعة، لذا نقول كما تفعل الضبع، فالضبع هى الأنثى، أما الذكر فهو الذيخ، أي أن الذكر إسمه الذيخ والأُنثى إسمها الضبع، لذا نقول كما تفعل الضبع – طبعاً، فحتى هذه الضبع الغدّارة والخبيثة تُحِب أولادها وتُناضِل وتُقاتِل عنهم، والإنسان كذلك أيضاً، وهذه الحالة يسمونها الـ Storage، فهذه محبة فطرية حيوانية وموجودة في كل الحيوانات، وإليها الإشارة بحديث أبي هريرة في الصحيحين، حيث قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – إن الله تبارك وتعالى جعل – أي قسَّم – الرحمة مائة جزءاً، ووأرسل منها في الأرضِ جزءاً واحداً، وأمسك عنده تسعة وتسعين جزءاً، يا الله، فهذا هو الجزء المُرسَل في الخلق أو في العالم أو في العوالم، ثم قال فبهذا الجزء تتراحم الخلائق، لكن ماذا عن التسعة والتسعين رحمة هذه؟ قال أنه – لا إله إلا الله – ادخرها ليوم الدينونة يرحم بها عباده، فاللهم لا تضيق رحمتك عنا، اللهم لا يتضيق رحمتك عنا في يوم الدين، يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ ۩ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ۩.
إذن هذه محبة فطرية حيوانية بسيطة لا تُميِّزنا كثيراً من الحيوانات،وهى مبنية على محبة أُخرى وهى المحبة الغرامية أو المحبة الجنسية – Sexuality – التي يُسمونها الـ Eros، فمحبة الغرام إسمها الـ Eros، ومحبة العاطفة إسمها Storage، وكلها رُتب دقيقة لابد أن نُميِّز بها وأن نفهمها، علماً بأننا يوم نترقى في هذه الرُتب سوف نفهم بعد ذلك أننا نجوزها إلى ما وراء العوالم وإلى رب العوالم لا إله إلا هو، فيوم تسنتفذها سوف تستطيع أن تبدأ في مُلاحَظة وجه محبة ذي الجلال والإكرام لا إله إلا هو، وهذا معناه أنه شيئ مُهِم جداً، ومن ثم لو لم يكن من نتيجة إلا هذه النتيجة لكفت في هذه الخُطبة كما أعتقد، بمعنى أن الذي يفشل في أن يكون مُحِباً للخلق هو أفشل من أن يكون مُحِباً للخالق لا إله إلا هو، وعلينا أن ننتبه إلى أن هذا يُعَد أمراً مُقرَّراً، وهذه قاعدة في التأويل وقاعدة في السلوك، أي قاعدة في تأويل النص وفي الفهم الديني وقاعدة في تأويل السلوك ومعرفة السلوك وهدي السلوك بهذا المعيار.
فالـ Storage هذا بسببه أتينا، ولولا الـ Eros ما وُلِدَ منا مولود، ولولا الـ Storage ما رُبيَّ منا أحدٌ، فلو لم يُوجَد هذا الشيئ قد يتركك أبوك حتى تموت، ومن المُمكِن أن تقول أمك ليس لي علاقة به وسوف أتركه يصيح في الليل حتى يموت وتفقع مرارته، وبالتالي كنت ستموت مُذ كنت طفلاً وعمرك يومين، لكن هذا لا يحدث بسبب الـ Storage، حيث تأتي الـ Storage هنا وتتدخَّل، فتلك محبة وتلك محبة، وطبعاً المحبة الغرامية أوسع فقط من الـ Eros، فهى ليست الـ Eros وحده، بل هى أوسع من أوسع لكننا سوف ندخل في موضوعات ثانية إن ذكرنا كل شيئ، وعلى كل حال هذا موجود.
بعد ذلك تترقى هذه المحبات وتأتي محبة الأخ، فيُقال لك الأخ في الله، وعندهم هذه إسمها محبة الصديق، وأعتقد أن البيئة العربية بسبب الثارات والروح القبلية العجيبة جداً – شرف الإنسان من شرف القبيلة وأن شرف الدم يُعَد أمراً له اعتبار فقد يلحقك عار الدم أيضاً أيضاً لو كففت عن النُصرة والثأر لأهل دمك وقُرباك – قدَّموا الأخوة على الصداقة، مع أن في الصداقة معنىً ليس في الإخوة، فحب الأخ في الدم ينتمي إلى ماذا؟ إلى الحب العاطفي، أي إلى الـ Storage، فكل شيئ تُمليه الطبيعة والفطرة وضرورة الدم هو ماذا؟ Storage، مثل ما يتعلَّق بالأب والأم والاخ والعم وما إلى ذلك، فهذا كله Storage، لكن حب الصديق يُعَد شيئاً مُختلِفاً، وللأسف هنا في الآداب الأوروبية من القرن التاسع عشر إلى الآن تقريباً تتنكر الفكرة العامة للصداقة، فهم لا يُحِبون الصداقة كثيراً وهذا أمر عجيب، فلماذا إذن؟ لأنهم يعتبرون الصداقة بوابة للحب الجنسي والجنسانية Sexuality، وهذا غير صحيح، فما علاقة هذا؟ بالعكس الصداقة إذا فهمناها حقاً سوف نجد أنها أبعد شيئ عن البيولوجيا، فما رأيكم؟ الصداقة ليست من الصفات البقائية، لكن الغرام الـ Eros والـ Storage من الصفات البقائية، فالصداقة ليست من الصفات البقائية بالمرة ومن ثم يستطيع الفرد أن يعيش حياته كلها بلا صديق، ولكن الصداقة معنىً يجعل للبقاء معنى.
الآن سوف نأتي ونُطالِع الفروق بسرعة بين المُغرَمين وبين الصديقين، فالحبان من حب الغرام سواء كانوا للأسف رجالاً ونساءً أو رجال مع رجال أو نساء مع نساء ومثل هذه الشذوذات المعروفة، وسوف نرى ما يجري بين الصديقين أيضاً، ومن ثم سوف ترون أن هذا المعنى صحيحاً تماماً، فالمُغرَمان ينظران في وجوه بعضهما البعض، كل ينظر في عيني الآخر ويقرأه، يقرأ قلبه من خلال أعينه، ويبحث فيه عن ما في باطنه، فهذا هو الغرام، أما الصديقان لا ينظر أحدهما في وجه صاحبه، لماذا؟ لأنهما يمشيان دائماً مُتجانِبين – جنباً إلى جنب – وينظران إلى الموضوع المُشترَك الذي جمعهما الاهتمام به، سواء كان موضوعاً مادياً أو موضوعاً أدبياً وعلمياً، وهذه هى الصداقة على كل حال، ولذلك الصداقة خلاف الزمالة في العمل وخلاف الرفقة في السفر، فالزمالة في العمل مُشترَك يجمع الناس بمُشترَكات عامة في ذاتها زكذلك السفر، أما الصداقة مُشترَكات ذات طابع خصوصي انعزالي فرداني، فيُوجَد مُشترَك بيني وبينك قد اكتشفته، والصداقة أبعد من البيولوجيا وأبعد من صفات البقاء، لماذا؟ لأنها وباستمرار لا تعرف الغيرة، فهى أبعد شيئ عن الغيرة، ولكن قد تقول لي أنا أعرف مَن عنده صديق ويغار عليه، وأنا بدوري أقول لك قل له هذه ليست صداقة، هذه أي شيئ آخر غير الصداقة، فما رأيكم؟ وأنا أجد هذا في نفسي دائماً، فحين أجتمع مع أصدقائي المُقرَّبين يُحزِنني جداً أن يغيب أحدهم، وأشعر بنوع من الحزن والأسى، لأنني أُريد المجموعة – الشلة – كاملة، أُريد أن يجتمع – مثلاً – الخمسة أو الستة معاً، وإذا نقص أحد منهم فإن هذا يُؤذيني، بخلاف المُغرَمين طبعاً، فهما لا يُحِبان ماذا؟ العزول كما يُقال، ولا يُحِبان الرقيب ولا يُحِبان الاشتراك، لكن الصديقان يُحِبان أن يجتمع إليهما ثالث، والثلاثة يُحِبون أن يجتمع إليهما رابع بشرط أن يكون صديقاً، فهو يعرف ما هى الصداقة ومن ثم تتسع الدائرة لكنها تبقى في النهاية انعزالية، فالصداقة ليست روحاً اجتماعياً وهذا ما يجب أن ننتبه إليه، هى ضد المُجتمَع وضد النمط وضد القطيع، ولذلك السُلط – سواء السُلط الدينية أو السُلط التعليمية التربوية أو السُلط الكهنوتية أو السُلط السياسية وهكذا – دائماً يتوجَّسون خيفةً من ماذا؟ من الشلل – أي شلل الصداقة – طبعاً، وهذا أمر معروف في الجيوش وفي السفن وفي المُعسكَرت وما إلى ذلك، وحتى المُعلِّمون الأساتذة لا يُحِبون الشلل، لكن لماذا؟ لأنهم حريصون على تنمية وتربية روح القطيع، والصداقة ضد روح القطيع، فهى محبة عجيبة جداً لأن الصداقة هى شخصيات مُجرَّدة تلتقي – ولك أن تتخيَّل هذا – ولا تعرف الغيرة – الصداقة لا تعرف الغيرة – أبداً، وانظروا ماذا يقول لامب Lamb عن هذا، وتأملوا هذاالاستبصار العجيب الذي سوف أقوله بلغتي العربية: يُوجَد لدينا سعد وسعيد ومسعود، لكن مات سعد، فإذا مات سعدٌ فإن سعيداً لا يفقد سعداً فقط، بل يفقد حظ سعدٍ في مسعود، كما أن مسعوداً لا يفقد سعداً فقط، بل يفقد حظ سعد في سعيد.
فهذا هو ما يقوله لامب Lamb، وهذا شيئ عجيب، لكن ما معنى هذا؟ سوف نُبسِّط الآن: حين يموت سعد أنا سأفتقد تفاعل مسعود معه، أي سأفتقد الضرب الخاص من التفاعل مع نكات وطرائف سعد الذي لدى مسعود بالذات بطريقة تُعطي المحفل والشلة بهجة خاصة، فأنا فقدت هذا كله بموته، ولذلك يقولون لا تستطيع وحدك أن تستثير كل ما في الصديق مِن قوة كامنة، فأنت تحتاج مَن يُعينك على هذا، ومن ثم ثلاثة أحسن من اثنين، وأربعة أحسن من ثلاثة، وهذا شيئ جميل، لكن تبقى الصداقة في النهاية ماذا؟ انحصارية وانعزالية، فهى ذات طابع فردي، بمعنى أننا لو طوَّرنا وارتقينا من حب الأبوة والأمومة والبنوة إلى حب الصديق لأصبحنا أرفع في مدارج الإنسانية وأقرب إلى الروحانية، ومِن هنا تأتي آيات الأنفال هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ ۩ وَأَلَّفَ بَيْنَ – ليس بين سواعدهم – قُلُوبِهِمْ ۚ – فالحب هو المُهِم – لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ۩، وهذا أمر عجيب وغريب، فالله يقول هذا مُهِم جداً وهذا طريق النصر، والنبي قال أن المحبة هى شرط الإيمان، والإيمان شرط دخول الجنة، وأقسم بالله أنك لن تدخل الجنة حتى تُؤمِن، ولن تُؤمِن حتى تحاب – النبي يقول حتى تحابوا – طبعاً، فهل فهمتم الآن هذا الحديث الآن؟ أنا لأول مرة في حياتي من خلال شرحي هذا أفهمه في ضوءٍ جديد، فأصبح حب الصديق الذي يُسمونه الأخ في الله درجة عالية في مدرجة الصعود في حب الله لا إله إلا هو، وإذا لم تخبر هذا ولم تستنفذه ولم تعتصره حقاً فأنت أعجز مِن أن تعرف الله وأن تُحِب الله حقاً.
بعد ذلك يأتي حب الله، وأعتقد أن هذا يحتاج – إن شاء الله – إلى فُرصة بحيالها وخُطب بمفردها.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
(الخُطبة الثانية)
الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صَلَىَ الله – تعالى – عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليماً كثيراً.
إخواني وأخواتي:
قلت لكم أن الطفل الذي يعيش مُعظَم حياته وهو يتلمظ ويتشوق إلى كعكة بعد أن يكبر وإن سالت عليه الأموال مجاري لا تنقطع لن يشبع ولن يرتوي، سيظل ذلك الإنسان الطمّاع الكريه الذي يتغول على حقوق الآخرين، لماذا؟ لأنه عاش طفولته محروماً، والعامة فهمت هذا بالخبرة فأوصوا أن يقترب الإنسان من غنيٍ افتقر وألا يقترب من فقيرٍ اغتنى، وهذا صحيح، فالغني الذي افتقر – سبحان الله – بعد أن نشأ في الغنى يبقى كريم النفس وعفيف النفس وباسط اليدِ بالعطية حتى وإن كان ما لديه هو شيئٌ يسير، بخلاف الفقير الذي يغتني – الله أكبر- لأنه يبقى كزازاً ويبقى طمّاعاً، وقد خبرنا هؤلاء طبعاً، فالواحد منهم لديه الملايين لكنه – والله – يطمع في ملاليمك، لأنه نشأ فقيراً، لكن ماذا أُحِب أن أقول؟ أُحِب أن أقول أن الذي ينشأ محروماً من الحب أيضاً لا يستطيع بعد أن يكبر أن يُعطي حباً ولا أن ينطلق كمُحِب، ومن هنا أعتقد أن هناك حالات ترين وتحيق بالجماعات فعلاً تُمثِّل حالات استعصاء حقيقية لا علاج لها إلا بانتظار النهاية، فهى حالة استعصاء لا يُوجَد لها حل، مثل قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ ۛ أَرْبَعِينَ سَنَةً ۛ يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ ۚ ۩، فلماذا أربعون سنة بالذات؟ هذه نهاية هذا الجيل المشؤوم أو الجيل الخبيث بلفظ كتابهم، أي حتى ينتهي هذا الجيل الخبيث ويأتي جيل آخر رُبيَ في وسط آخر بعقلية أُخرى، فهل فهمتم إذن؟ فأنا أقول لكم ذلك لأننا أجيال مُحبَطة إنسانياً، ومن هنا خوفي وتحليلي، فاللهم لطفك ورحمتك وغوثك وغياثك، نحن أجيال فاشلة روحياً وفاشلة عاطفياً وبالتالي فاشلة أخلاقياً، ولذلك علينا أن ننتظر لطف الله وأن نُحاوِل فقط أن نُوقِف عجلات الكارثة قدر ما نستطيع، على الأقل بألا نُشارِك فيها، فهل فهمتم إذن؟ لكن المُعظَم يُشارِك فيها، والذي لا يقدر على أن يُشارِك فيها بيده فإنه يُشارِك بلسانه من خلال كم كبير من الحقد والتحريض، وهذا لا ينبغي أن يحصل، فانتبه يا رجل وانتبه إلى فشلك، متى تُدرِك أنك الفاشل وأنك أنت المحروم؟ نعم هذا ليس ذنبك وحدك، وإنما هو ذنب أشياء كثيرة، لكن يُوجَد قسط كبير من الذنب أيضاً معصوب بجبينك، ومن ثم عليك أن تنتبه فأنت في النهاية كائن مُختار.
من هنا أهمية أن نُعطي تجربة الحب هذه ما تستحقه من الاعتبار، ومن المُهِم جداً أن نتفلسف وأن نُبديء ونُعيد في فهم هذه المعاني، وليس فقط أن نعقد الدورات والخُطب، بل ينبغي أن نُصبِح فلاسفة فيها حتى ننجح في أن نكون آباءً وأمهاتٍ ناجحين ومُرَبين حقيقيين، وحتى نُورِّث هذه الأمة والبشرية جيلاً من البشر المُستقيمي السوية، أي الأسوياء الفطرة والطبيعة، لكي يكونوا مُتدينيين حقيقيين وليسوا عاراً على الدين، لذا هذا مُهِم جداً.
أختم باللفتِ والإشارةِ إلى أن الحب – كما قلت لكم – من حيث هو حين يشتغل فإنه يشتغل عمومياً شمولياً كالبص، والعجيب أيضاً أن أهل الدراما وأهل السينما Cinema والتلفزيون Television من صانعي الأفلام وأهل الأدب والشعر كلهم فهموا هذا المعنى الذي لا نفهمه نحن، وفي الدراما نرى أن المُحِب حين يحظى بلحظة وصال حقيقية مع مَن يُحِب فإنه يعود ينضح بالبهجة وبالسرور ويُعانِق العشب، فقد ينام على بطنه ويُعانِق الأعشاب، وإذا رأى شجرة أو لوحة قد يُعانِقها، وربما عانق عمود التليفون Telephone، ونحن رأينا هذا في عشرات الأفلام، ورأينا الفنان المصري الشهير عبد الحليم – رحمة الله – وهو عائد في فيلم مع شادية على الدراجة Bicycle وقد حظيَ بهذه اللحظة التي لم يكن يتوقعها، فيُنادي بصوت رخيم ويقول “يا أصحابي، يا أهلي، يا جيراني أنا عايز آخدكم بأحضاني”، أي أنني أُريد أن أحضن كل العالم، فهذا فن وهؤلاء أُناس يفهمون العمق، وهذا يعني أنك حين تنجح في أن تُحِب أحداً فإنك لا تستطيع إلا أن تُحِب الكل، فهل فهمتم يا إخواني؟ إذن إما أن تُحِب وإما ألا تُحِب ولا خيار لك، إما أن تكون كائناً مُحِباً وإما أن تكون كائناً بغيضاً مُبغَّضاً، وديننا رسالة حب، بل أن الدين الإلهي كله من حيث هو – دين موسى، دين عيسى، دين محمد – هو دين حب، فهو دين رحمة وحب، والرحمة أوسع حتى من الحب، والحب في ذاته شيئ له خصوصية، ولكن دائرة الرحمة أوسع، علماً بأنني فصَّلت هذا من قبل.
إذن لكي نتعمَّق هذا المعنى الأخير علينا أن نتأمَّل وأن نتنبه إلى أن أن لولا سر وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ۩ ما قدرنا على أن نُحِب أحداً غير ذواتنا، وقد يقول لي أحدكم وهل هذا ينطبق على محبتك لابنك؟ وبدوري أقول له أنه ينطبق على أيضاً على محبتي لابني، فلولا هذا السر ما أحببت أحداً ولو كان هذا الشخص هو ابني، ولولا سر وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ۩ ما كنا مُؤهَّلين أن نُجاوِز المادة لنتساءل عن ما وراء العالم والمادة، فنحن نبحث عن الله – لا إله إلا هو – بسر وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ۩، وبسر وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ۩ الله الذي وسع كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا ۩ خرج كل شيئ من نبع رحمته ومحبته، فبهذا السر المنفوخ فينا صرنا لائقين ولدينا الأهلية والاستعداد أن نُحِب العالمين وأن نُحِب كل شيئ مثل الشمس والقمر والنجوم والكواكب، وهذا شيئ غريب لكنه يحدث بسر وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ۩، ولا يحدث لولاه، بمعنى آخر – خُذوها حُجة جديدة وجادلوا بها الملاحدة ولكن تعمَّقوها أولاً لأنها تحتاج إلى تعميق وتحتاج أيضاً إلى مُحاضَرة بحيالها فتعمَّقوها إذن – أن الحب نفسه هو دليل على أن الله موجود، ولو لم تفترض الله موجوداً فإنني أقول لك يستحيل أن تُبرهِن أو تُفسِّر أو تُسوِّغ عاطفة الحب في الإنسان، فلماذا الإنسان يقدر على أن يُحِب سوى ذاته غيره من الخلائق؟ لماذا هو كذلك؟ هذا يحدث بسر وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ۩ فقط، فالله المُحِب محبة المنح المُطلَقة والمُستغني الذي لا يفعل بإملاء ولا ضرورة هو الذي يُعطي بغير مُقابِل، وهذا هوجوهر الحب، ومعنى وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ۩ أن فيك من هذه الروح الإلهية ومن هذا المعنى الإلهي فصرت قادراً على أن تُعطي بغير مُقابِل وعلى أن تعتنق وعلى أن تمنح، وطبعاً هنا تفشل كل التفسيرات الإلحادية والتطورية لأنهم يقولون أننا نفعل هذا من أجل البقاء Survival، وهذا غير صحيح فالمُؤمِن والمُسلِم والرجل والمرأة يُعطون هنا لأُناس يعيشون في آخر أسقاع المعمور، ولا يعلم الواحد منهم أسماءهم ولا أعراقهم ولا علاقة له بهم أصلاً، ولا يُعطيهم الفضلات – انتبهوا لأن بعض الناس يُعطي الفضلات وهذا أمر معروف ومفهوم، فهو يُريد أن يتخلَّص من هذه الفضلات من الناحية الاقتصادية – بل يُعطيهم من حُر ماله ومن كد يمينه وعرق جبينه مئات وألوف اليوروات، أي أنه يُعطي أناساً لا يعرفهم، ولعله لن يعرف أحداً منهم يوماً، فبأي دافع يُعطيهم إذن؟ بالحب، هذا هو الحب الإنساني، بل إن بعض الناس يُناضِل من أجل إخوته في الأنسانية في بلاد أُخرى وأعراق أُخرى وأديان أُخرى وقد يموت من أجلهم، يُطلَق عليه الرصاص ويُسفَك دمه من أجل إخوانه، فما هذه المحبة؟ هذا كله يحدث بسبب وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ۩.
اللهم إنا نسألك الهُدى والتُقى والعفاف والغنى، اهدنا لما اختُلِفَ فيه من لحق بإذنك إنك تهدي مَن تشاء إلى صراطٍ مُستقيم، اللهم إنا نسألك علماً نافعاً وقلباً خاشعاً وعيناً دامعة ورزقاً واسعاً وعملاً مُتقبَّلاً، ونعوذ بك من علمٍ لا ينفع ومن عملٍ لا يُرفَع ومن عينٍ لا تدمع ومن قلبٍ لا يخشع، ونعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع ومن الخيانة فإنها بئست البطانة، نعوذ بك من الحسرات والندامة إلهنا ومولانا رب العالمين، جنِّبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن برحمتك يا أرحم الراحمين، املأ قلوبنا وأفِض علينا من رحماتك ومن محبتكم واجعلنا مُحِبين مُتآلِفين في جلالك وبنورك واحشرنا يوم القيامةِ واجعلنا من الذين لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ۩ إلهنا ومولانا رب العالمين.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩، وأقِم الصلاة.
(انتهت الخُطبة بحمد الله)
في اخر الخطبة كان حديث للأمام علي عليه السلام عجبتُ لك لماذا لم تذكرهُ وانت قلتُ كل شخص من يعرف الحكمة والاصول والشجاعة والرجولة … الخ من معنى ولم يعرف الامام علي ، قد قال ( أطلبوا المال من بطوناً شبعت ثم جاعت ، لان الخير فيها اصيل ولا تطلبوا المال من بطوناً جاعت ثم شبعت لان الخير فيها دخيل ) دمت بخير وحب وسلام يا استاذي الفاضل معك مظفر خيري من العراق
الاستاذ ماشاء الله عليك يتذكر كل شي بدون اوراق او شي يذكرة بالخطبة ولكن ليس لدرجة انه يذكر كل حرف قاله فلان فيكفي انه اوصل الفكرة لنا
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
حمدا لله عى سلامتك، العالم من دونك بائس يؤلم القلب، شكرا لك على الأقل تشعرنا بالراحة في قلوبنا لأن أدمغتنا عاجزة عن استيعاب و إدراك خطبة عمرها ساعة ونصف لكن قرن من العلم الا أنني و أنا أسمعها كعادتي السيئة أعترض و أشرد و أبحث عن مواطن الزلات في طرحك و هذا لأني أحب أن أفهم الخطبة على هواي لا كما خلقها الله …. بصراحة كنت أسمعها و النوم يغلبني لكن بعدما ذهب النوم انتهت الخطبة و أعتقد أنني فهمت شيئا ما …..
….. الله سبحانه و تعالى خلقنا كي نعيش بكرامة و ما نفعله و يفعل بنا هو أننا نعيش أذلاء طوال أعمارنا …. غير مسموح لنا بالتعبير أو الشكوى أو حتى إضهار الألم و ألوم أولا سوء إستعمال العلم لأن التعبير عن انسانية الانسان لا يمكن أن يحجز في أسلوب معين أو يقولب في تعبيرات معينة …. بل و مفاهيم و فلسفات تخنق غريزة الانسان الدفاعية و المتطلعة للإنطلاق ….في مجتمعاتنا العربية نغالي جدا في تقديس العواطف و العلاقات الأسرية و نمجد الماضي و كأنه خلف لنا السلم كله و نتجنب الحديث عن حرية الفرد …. الحب شيء و احترام و تقدير الوالدين شيء، الوالدين لا يمكن لو جمعنا تعابير الكون كلها لن نتمكن من وصف قدسية دورهما و في جهة مقابلة أعتبر دورهما دورا كباقي الأدوار لكن هنا يبدأ السؤال و كل الاجوبة ما يكون الأبوان و كيف يكونان …. إن اعتبرنا أن المجتمع المتخلف يلد مجتمعا متخلفا فسندور في حلقة مفرغة نعجز فيها عن تحديد مفهوم الفرد نفسه و لهذا فإن اللعنة هي دمار المعايير التي تبني المجتمعات و فناء الكلمات التي تصف الأحداث ………. ما هي المعايير التي يجب أن تجتمع في شخص كي يكون أبا أو أما ….. لا ويمكن أن يمنع الزواج للفاشلين و الحمقى و المجرمين و الجهلاء و الرجعيين …..ووووو وو و الزواج لا يفشل عاطفيا بقدر ما يفشل لأنه محطة تضع فيها الانفس أقنعتها لتضهر الوحوش بأشكالها المخيفة لتنجب للأسف نباتا من عالم آخر لا يدري شيئا عن السم المنتظر فيلوث من أول لحظة ينزل فيها على الأرض لتفترسه أنياب والدين لا يعرفان شيئا الا تغيير الأقنعة و يعتقدان أنهما يربيان خلف القناع، الا ان الطفل بفطرته و بقدرته المحدودة على تمييز المعاني يشعر بما تحت الباطن و إن كان الوالدان مهستران فمصير الطفل هو أن يصير لعبة في أيديهما لينمو وحشا بعد ذلك …ليصبح البيت عبارة عن حلبة يغشاها جهل بطبيعة الانسان في الحرية و حب الانطلاق ليتسلط الوالدان على أولادهم بدعوى الطاعة ليصبح الولد عاقا لوالديه في أول إعتراض على شيء تافه ، فيصبح عاقا أو عبدا (لا خيار ثالث) …….. الحياة الطبيعية للإنسان تشبه طبيعته و هو حيوان أصرخ عندما أشعر بالألم أبكي خين أعحز أهرب حين أخاف أمارس حياتي بطبيعتي لكن لا شيء من هذا يحدث …. اليون بالذات فكرت في اية و لوم في القصاص حياة يا أولي الالباب …. لم أنظر في حرف من تفسيرها لكن تذكرتها حين استشعرت فاعلية (الانتقام) …إن صح تعبيري فالمكبوتات التي تجتمع في لا وعي الانسات و خصوصا الظلم لا يمكن أن يسمح لصاحبه بالعيش الا إذا (عبر ) يبدو أن الظلم ظلمة فعلا تنسي المظلوم نفسه أنه مظلوم ليصبح بدوره ظالما بتقمصه صورة الظالم القابعة في عمق لا وعيه و لهذا وجب الافصاح عن الظلم و تسميته بإسمه و معاقبة الظالم كي لا نمحو دابر التكرار…………………. فكرت البارحة في خظبة التسامح لم أفهما لأنها غير قابلة للتموضع مع هذه الفكرة .
كي نمحو دابر التكرار
مزقت لتوي ورقة حاولت فيها لملمة شمل بعض ما كتبته في التعليق الاول لكن لم أفلح من الحرف الاول ….. سأبدأ من سؤالك شيخ عدنان لماذا قتل الشاب والديه ؟ ذبحهم إنتقاما لسوء التربية . هذا جواب مختصر و يبدو شريرا و سطحيا …. من السهل أن لا نكون مسؤولين عن ما نتلفضه- لكننا جزء من مجتمع لم ننل القسط الكافي من التربية الصحيحة و من نفى هذا فهو كذاب، أعتمد على ما علق بدهني منذ سماعي للخطبة في الليلة الظلماء المليئة بالنوم و هذا لأني أثق بخطبك التي تأرقني الأسبوع كله متسربة إلى أعماق مخيلتي لتشغل أزمانها البعيدة ….. تعريف الحب مهمة صعبة و شبه مستحيلة لأرتباطه بالله … …. الحب هو طريق و سراط الله المستقيم نبدأ حياتنا بنصيب من الحب نأتي به معنا من العالم الآخر لكنه ينفد في اللحظة التي نتلفظ الحرف الأول منادين لوالدينا و يبدأ تخبطنا في هذه الحياة نعيش الزيف و الخداع و التمثيل مع والدينا و مع المحيط نعيش و نحن نحاول تعويض الرصيد المفقود باحثين عنه في كل مكان دون جدوى لأنه غير موجود أصلا بين الناس لأنها مجرد مسميات نستعملها لاغير ……………………. كل ما هنالك و أعتقد أن الله خلقنا به و خلقنا من رحم أم كي نعرف أننا لسنا أبناء هذه الأرض الحب هو نعيشه فقط في السنتين الأولى من أعمارنا على هذه الأرض في المرحلة التي لا نعرف فيها اللغة و المنطق دنيانا دنيا البشر كلها مجرد محاولة لأيجاد الحب الذي ربطنا يوما ما بمصدرنا الحقيقي رغم تواهننا في هذا العالم و سط الحروب و الانجازات الظخمة العلمية و التكنولوجية و التقنية الا أنها كلها خطوات في (سراط الله المستقيم بما في ذلك الحرب فكل شيء يدخل في سنن الله حتى الشاب الذي قتل والديه كان يبحث عن الحب ) .
كلمة الانتقام بشعة لكن هذا ما يحدث شئنا أم كرهنا لا نملك لأنفسنا ضرا و لا نفعا الا أننا نفهم مكنزمات النفس و ندرسها و نتعامل معها كما يريد الله وويشاء الله و رسوله …. حياتنا كلها و سنة الله معتمدة على دورات و سنن .مجموع .. حساب…يمكن للإنسان أن يشاهده في حياته .بعينيه … كل منا يجني ما كسبت يداه و من أسماء الله الحسنى المنتقم الجبار …. و هذه الاسم بالذات أحبه حبا جما لأني كثيرا ما أراه و أعرف أن لا ينسى و هذه خصلة بشرية نكتسبها لأننا نظيع حقنا و نمنح الآخرين فرصة ظلمنا بعدم ايقافهم عند حدهم بدعوى العفو و التسامح و المسامحة الا أن مكنزمات النفس تبقى مشتغلة لا تتوقف في الأعماق ….. تلزمنا فلسفة تتغلغل الى مكنزماتنا و تتخاطبها وجها لوجه
غالبا ما تصبح الفلسفة و المبادئ و الأخلاق بلا جدوى حين تكبت الحقيقة في أعماق الماضي
نحن كأفراد نحمل تاريخ الكون بين أضلاعنا رغما عنا و لهذا من الصعب أن يكون للمواعظ تأثير على مستوانا الخارجي الا إذا تحولنا الى أشباح و هذا ما يحدث،، نخاطب صورة الانسان الشكلية و نترك تاريخه و عمقه و عالمه يتفاعل في فوضى بلا ضوابط و لا تدخل حقيقي من وعي و ادراك مسلط على العشوائية و الصدفة و السنة الكونية …. و لهذا نحن حيوانات لأننا لم نمسك زمام الانسان بين أيدينا لا زلنا نعبث مع الاقدار لا زلنا لم نفهم حقيقة الانسان الذي وضعه الله خليفته في الأرض …. اذا اطمئننا بفهم طبيعة الموت و الحياة أعتقد أن حسرتنا و حزننا و ألمنا سيتلاشا شيئا فشثئا الآخرة ليست بعيدة ….لأنها في أعماق كل واحد منا ……
من عمل صالحا فلنفسه و من أساء فعليها و ما ربك بظلام للعبيد، رأيت أن هذه الآية تعبر عن أشياء كثيرة تدور برأسي لكن لم أستطع بلورة الجملة فبدأت تدور في فلك واسع المدى دون أن أتمكن من إمساك خيط و ذهبت أقرأ السورة كاملة لأفهم لكنني صدمت حقا … سورة كبيرة و لها أبعاد كثيرة كلام رب يخاطب عباده، في اخر السورة و كأنها اشارة الى مفهوم النفس البشرية … لا أدري هل هناك تفسير لهذه ااسورة أم أنها بحاجة الى تحليل و تفكيك حقيقي . لكنني اطمئننت حقا … ليس عندي شك بأنه كلام الله لكن كان عندي شك في دماغي ….. لا أدري ربما أقرأ سورة اافاتحة و تبدو لي غريبة أو أية سورة أخرى المهم أنه ليس قول أشكك دماغي بعده.
حين نعبر نعبر كي يسمعنا الآخر و هذا لأننا كتلة من الشك نحب أن نتيقن من وجودنا و نطمئن على هويتنا البشرية لكن حين نقرأ القرآن نجدنا هناك في التعبير الالاهي نجد الله يحكي عنا و عن قصصنا و رواياتنا و تاريخنا تصاب بالاطمئنان ..{ الله يعرف … هو يقول الحق و هذا صحيح …} تدرك تماما أنك الإنسان الذي يحكي عنه الله في قصة الكون هذه …جميل كلام الله … يتناغم مع ألحان الأزمنة الغابرة في الأعماق ليخاطب كل الألحان القديمة و يبعثها من جديد لتعزف لحنا اخر … كنت أتسائل هل عدنان يتعمد تلحين خطبه أم أنه موسيقار عالمي أو خبير في الدماغ و الأعصاب لكن تبين لي أن الله أيضا عنده أسلوب يعتمد على الموسيقى و اللحن و الايقاع لتلعب أعماق خلايا الدماغ لحنها و هي تتذكر مسار سلم الالحان …. الانسان كتلة نسيان يذكرنا الله بالقرآن …. كي لا تحرقنا نيران التغرب عن ذواتنا الحقيقية العجوزة القديمة العتيقة الممتدة عبر الزمن … نفس الانسان خالدة لا تموت …. الا إذا فقدت بوصلتها و لم تدرك حقيقتها .
شيخ عدنان إبراهيم أشكرك لأنك تعطي الفصول طعما آخر، نخرج من البارحة لندخل في غد بأنفاس مختلفة و نسمات الجو من حولنا لها لون آخر ،،،
القدرة على الحب تتطلب رصيدا معرفيا و الله أعلم ،،، لأن الحب هو تجاوز الذات و الخروج من أطوار البهيمية و الترقي في درجات الانسنة و لا يتأتى هذا بالصدفة و عن جهل بل بالفهم …. الحب علم …. من الممكن أن بنيات كثيرة في المجتمع المسلم العربي تهدمت و لم تعد صالحة للإستعمال بفعل الركود و التكرار و عدم تلقحها بالعلم المعاصر …. لا يمكننا حقن الناس بالحب بل يمكن أن تنشأ من جديد قاعدة معرفية لتصبح ثقافة و عادة كالأكل و الشرب فلا مناص للإنسان من التعلم …. إذا كان الحب عملا قلبيا فالجهل عمل عقلي و الجاهل لا قلب له ….. الحب ثمرة( لمعرفة) و لهذا لن يشفي الانسان غليله من الحب لأن العلم عند الله و الحب استدراج للانسان ليسلك به الطريق التي توصله الى الله و حب الخلق من معرفة الله و حبه أما حب الوالدين فهو منفذ الشعور بالله …و الاتصال المباشر به عقليا و قلبيا منفذ الذاكرة و التاريخ نقطة البداية و النهاية .
ألا نفهم من الآية { و الذين آمنوا أشد حباً لله } أن الإيمان الحقيقي لا بد أن يقترن بالحب و كلمة { لله } هنا تعني حب الآخرين لوجه الله لأن الإنسان لا يمكنه أن يعبّر عن حبه لله إلا من خلال حبه لما يحب الله و من هنا جاء حديث النبي : [ لا تكتمل عرى الإيمان عند المؤمن حتى يحب لله و يكره لله ] و إذا سُئِل ماذا يكره ما دام قلبه كله مشغول بالحب ؟ الجواب : يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يُقذَفَ في النار .. أو يكره الظلم و الظالمين الطاغين فإذا اختلطت عنده الصور و راح يكره أقرب المقربين إليه معتقداً أنه يكره لله فهذا أكبر دليل على قلة الإيمان و ضعفه حيث أن علامة الإيمان الصحيح أن يحب للناس ما يحب لنفسه و التماس الأعذار للناس كما هو يحب أن يعذره الله و يعفو عنه { فاعفوا و اصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم } هذه الجملة قيلت للصدّيق عندما آذاه مسطح في ابنته عائشة فنزلت تحثه على العفو عنه مقابل أن يعفو الله عنه [ التمس لأخيك و لو سبعين عذراً ] … نعم و كما قالت نجاة : ( إن المحبَّ بطبعهِ مكسورُ ) فإن كانوا كذلك في حق البشر أمثالهم فكم يستحق حبُ ربنا الشكور الوهاب أن ننكسر له ؟؟؟ …
الكره و المحبة ليست قرارات تتخد في لحظة و المحبة شيء في منتهى الصعوبة لا ينال الا بمجاهدة النفس و بلوغ الرشد و العفو في قوله تعالى و لا يلقاها الا ذو حظ عظيم هذا يبين أنها ليست بالمسألة السهلة و المتاحة و يجب أن نعلم أولا ما هو الحظ.
﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ * وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ *ولاتَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾
تباركت هذه الأنفاس يكفي انني حين أستمع لكلمات ربي تجلى في نفحاتك أشعر براحة في نفسي و أحس بفرحة و سرور تفوح بعطر الأبدي سلام لقلبك الجميل…
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شكرا للأستاذ الجليل والدكتور النبيل عدنان إبراهيم على كل خطبكم الرائعة والممتعة في نفس الوقت .
ولا يسعني داءما وراء كل خطبة اسمعها إلا ورفعت يدي راجية المولى عز وجل ان يرزكم السعادة في الدارين وان ينفع بكم الإسلام والمسلمين .
وسبحان الله كلما انشغلت قليلا بعملي وأبناءي وجدت شوقا في قلبي ولهفة في قرار نفسي أن استمع لتجديد خطبكم وجميل خطابكم ،،،بارك الله فيكم وحفظكم داءما ابدا
بلغوا سلامنا لأهل بيتكم الطيبين
ويسعدني أن أقول أيضا للا خت beerra dii رغم أنني لا أفهم كل كلامك ههههه لكني اسعد عند قراءته وانتظره داءما هههه
شكرا لك والأخت صبا بارك الله لكما واسعدكما داءما كما تسعداني بكلامكم الراقي والمبدع
ابنتكم ام ريان
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته أختي أم ريان شكرا لطيبة قلبك و كلامك الجميل فقط لو كنت مكانك لأمطرت صاحب كل تلك الأسطر بوابل من الأسئلة و أعتذر لأنه فعلا مليئ بالمطبات و الأخطاء التي يتعذر معها الفهم … لكن أفتح لك المجال لتسألي أي سؤال خطر ببالك …هههه و أنا ممتنة فعلا لكلامك الجميل .شكرا
كان بودي أن أسألك مالذي يسعدك في ما سميته كلامي أنا شخصيا لا أحبه الا أن موبايلي عاق لا يسمع الكلام و يتصرف على هواه، يستغل غيابي و يفعل ما يحلو له .
السلام عليكم اختي beerra dii
لقد اسعدني ردك واحب قراءة مقالاتك المليئة بالمطبات على قولك هههههه ولكنها جميلة وممتعة وتنم عن عقل واع منفتح وأحاسيس راقية
ولا ادري لمذا كلما قرأت كلماتك شعرت وكأنني اقرأ لاستاذة في مادة الفلسفة هههه
فكلامك برغم جماله وسلاسته إلا أنه أحيانا محير ويجعلني افكر فيه واقراه عدة مرات علني افهم ما وراء السطور ،
وأعتقد أن هذا هو سر إعجابي بكلماتك لأنها السهل الممتنع ولأنها تجعلني افكر ههههه
وكم هو جميل بل رائع أن نجد أناس في هذه الحياه تنير لنا درب المعرفة وتمدك بالجديد وكأنك تحيا حياة مضاعفة وعمرا آخر فوق عمرك ،هنا يكمن سر جمال وحلاوة الكون كله في اختلاف بعضنا وتميز كل شيء عن كل شيء
تحياتي واحترامي
لك
بالمناسبة
كلامك هو انت ويدل عليك فأحبيه كي تبدعي أكثر
ولأن الحب علم ههههه
هل تعلمين أختي أم ريان أني أعجز عن كتابة مثل كلماتك؟ … على كل حال جبر الله بخاطرك ….. و كنت أقول الحقيقة لست أنا من يكتب إنه موبايلي هههههه أحيانا لا أفهم قصده و أضطر لمحاورته لساعات …. .. أنا سعيدة حقا لأنك تجدين فيها ما يجعلك تفكرين و تعبيرك … أنت إنسانة نبيلة فعلا … و لهذا سأخبرك بأن خطب الدكتور عدنان لا يمكن تجاهلها مطلقا ليس كدرس في أي مادة بل ضرورة ملحة تفوق ظرورة الأكل و الشرب …. لماذا؟ لست فيلسوفة و يؤسفني أن أقول لك أن مبايلي يفضح مستوايا الحقيقي رغم أني لا أهتم لهذا كثيرا بل أهتم للمسارات التي أعثر عليها بسبب خطب عدنان ابراهيم و ما هذه الكلمات الا بمثابة وضع إشارة أو علامة حتى لا تضيع الطريق و لأكون واضحة و صريحة و لا تنخدعي بي …زيارة محلل نفسي مكلفة ههههه و الاستماع لخطب عدنان ابراهيم و التجاوب معها له مفعول مشابه خصوصا و أن عدنان عنده خاصيات كثيرة في أسلوبه الرباني ااذي يتجاوز عقباتي العقلية و النفسية لينفذ الى أعماق دماغي و مخيلتي مما يسهل علي ربط العوالم ببعضها عالم الواقع و الخيال و عوالم أخرى ….. لأخرج بنتيجة و لو بسيطة ربما تساعدني على إيجاد جرعة من الأكسجين للبقاء على هذا الكوكب الأزرق. ….. أشكرك لآهتمامك أسعدتني حقا
عندما حاولت فهم أسلوب الشيخ عدنان و تشغيل مخي في فهم كلامه من عدة زوايا بدأت تتضح لي أشياء كثيرة ك حقيقة اللأقدار و معنى أن تفهم بأنك إنسان خلقه الله و تستوعب بأن الله يخاطبنا بمفهوماتنا البشرية بأسلوبه هو لنجد المعنى الاجمالي للحياة و الوجود في كل شيء رأته أعيننا على مدار اليوم و الليلة حتى تنعدم الكلمات و ننعدم بدورنا في حكمة و سنته .
السلام عليك اختي beerra dii
حفظك الله وحفظ لك عقلك ،وأدام عليك نعمته ونبوغه .
وانا اقرا كلامك اليوم وطبعا لمرات هههه
شعرت للحظة انه يمكن أن يكون د عدنان إبراهيم هو الذي يكتب تعليقاتك هههه
وسرعان ما فهمت انه من تربى في المدرسة العدنانية صار عدنانيا ولو بنسبة ضئيلة ههه
ومن جالس العطار أصابه من ريحة الورد والزهر وان لم يمسسهما.
لا أجد ما أقوله لك أيتها الحالمة الرقيقة والفيلسوفة المبدعة سوى أن أدعو العلي القدير أن يسعد قلبك وروحك الشفافة
ويمطر عليك بكل خير وعلم وحب
و عليكم السلام أختي الكريمة أم ريان
أشكرك على دعواتك المباركة و على رهافة حسك أسأل الله أن يبارك فيك و يسعدك و يعينك على تربية أولادك و يحفظك و يهبك خير الدنيا و الاخرة ….
كم جميلة تلك الجملة …
شعرت للحظة انه يمكن أن يكون د. عدنان إبراهيم هو الذي يكتب تعليقاتك ….
……
لا يمكن أن تسمع لشيخنا و لا يملأ حيزا كبيرا في حياتك خصوصا اذا كنت ممتلأ بالفراغ …
حفظ الله شيخنا و أمده بالصحة و العافية و طول العمر .
اللهم امين ولك بالمثل اختي،
لا يمكن لإنسان مثلك أن يشعر بالفراغ ،وروحك تحمل كل هذا الرقي والإبداع …….
لو كنت مكانك وبثقافتك وبعمق نظرتك ،،لجعلت لي منبرا أو موقعا ،وأطلقت فيه العنان لكتاباتي اسعد بها الآخرين فاسعد بسعادتهم
وسأكون انا اول متابعيك بإذن الله ههه
ههههه لا اللغة و لا الكلمات ديدني لا مجال لتتبع الاحرف و الا فسأتحول الى كذاااااابة …. و أفقد السلم الذي أبحث عنه …. و الفراغ الذي قصدته هو الفضاء المعتم الذي كنت أقطنه و على فكرة أنا لا أبالغ .. لست مثقفة،كل ما هنالك أستعير بعض العبارات لأبني بها كما قلت قبلا جسورا تصلني بهذا العالم الذي لا أنتمي اليه كي أتمكن من الدخول و الخروج وقتما شئت دون أضرار وخيمة ….. أشكرك على نصيحتك و تشجيعك لي و سآخد بنصيحتك و أتخد لي منبرا في جوفي أطلق فيه العنان للصمت و هذا ما كنت أفكر به و هذا ما يريحني ….شيء واحد فيا هو العميق الحزن و الألم . شكرا
أختي العزيزة أم ريان رحم الله عبدا عرف قدره و من لم يعرف قدره سيأتي اليوم الذي يفضح على رؤوس الأشهاد عالمنا لا يخلو من دجالين كذبة من ااسهل أن تعثر على ألقاب في زمن تاهت فيه المعايير .. بكل بساطة لست شيئا و الحمد لله.
يسعدني بل يشرفني أن اتعرف إليك أكثر أيتها الفيلسوفة الحالمة
هههههه
انت لست شيئا …..انت كل الأشياء الحلوة والجميلة
ياربي كل الناس تشوفني كما ترينني أنت لأصبح دجالة كبيرة هههههه خلص سأغير مبايلي و أنشئ لي منبرا لأصبح دجالة ههههه
سأعود بعد أيام هههههه [أمزح]
نسأل الله العفو و العافية و الستر في الدنيا و الآخرة.
الحمد لله أعرف تماما إمكاناتي و ما أنا مخدوعة فيه هو نصيب القدر الذي أحاول دراسته في أعماقي …
ليس عندي فايسبوك و تلك الأشياء الأخرى ….{ كنترول بارونتال } مانعني مبايلي هههه لسايتو يتحكم فيا ههههه .
أشكرك عزيزتي و أنا من يتشرف بمعرفتك
هههههه والله كلك ذوق اختي الغالية
ولا يهمك رؤية الناس لك ،مادامت رؤيتك لنفسك صادقة ،،
ورؤية الله تبارك وتعالى، فكم من وضيع عند الناس ولكنه في الميزان الرباني عالي جدا ..
وانت اعلم مني اختي الغالية أن رضى الناس غاية لا تدرك ،
فكم من الأنبياء… والشرفاء …والصالحين …ظلموا ونبذوا واستهزء بهم من أقرب الناس إليهم.
وبالعامية ((ولا يهمك بكلام الناس ))
بل ا بدعي ما دام ابداعك فيما يرضي الله تعالى ….وعبري ….وأطلقي العنان لأفكارك …..ودواخلك…. ولا يهمك حتى وإن قرأت لك فقط أم ريان هههه
لكن أخشى أنه بدل أن أدخل للموقع لاقرا للدكتور عدنان سابحث عن مقالاتك انت لاقراها ههههه
اسعدك الله اختي الغالية وحقق أمانيك وأدام عليك نعمة العقل والحكمة ….
صار لي مدة لم أشعر بقلبي يبتسم حتى بدأت اتواصل معك اختي والله على ما أقول شهيد
بارك الله فيك أختي و حفظك الله و أمدك بالسعادة الدائمة في الدنيا و الآخرة …
الإستمرارية هي معيار الحقيقة ربما يبدو أسلوبي فيه شيء مما يقرأ لأن القصة و ما فيها أني أتحدث عن أشياء رأيتها بعيني أما من جهة العلم و الثقافة فهذا ليس بيد من عاش في عالم آخر أنا هنا لا أمزح تعرفين؟ هذه الأحرف التي أستعملها كم تعبت كي أتمكن من بناء مكنزم خاص كي أستعملها ههههههه أنا سعيدة لأنني كنت سببا في ابتسامة قلبك أسأل الله أن يديم فرحتك …. تعرفين؟ …. عندما كنت في بادئ الامر أسمع لعدنان إبراهيم لم أكن أسمع مطلقا للجمل بمفرداتها بل كنت أسمعها كأغنية …. أسرح معها حتى يمل السرحان و أمنح دماغي الوقت الكافي للإبحار الى أقدم زمن في التاريخ إذا تمكنت من بعث كلامه الى أبعد مدى فستتبنين قاعدة فهم واسعة في دماغك و في قلبك أيضا، تعلمت من عدنان إبراهيم الأدب و أعدت مسار تربيتي من جديد رغم أن الأمر صعب ههههه أصعب من الخيال … المهم انا سعادتي كلها ربطتها في تتبع أفكار عدنان ابراهيم و ما لم أفهمه اليوم أدخره للقرون الجاية لدي كل الوقت و لست مستعجلة العمر طويل و الزمن لا ينقضي (بيس اند لوف) .
سبحان الله لقد كنت لتوي ابحث عن موقعك الخاص لأكتب لك لكنهم في الكنترول طلبو مني كلمة السر والمشكلة أنني نسيتها هههههههههه
ولا ادري ماذا أفعل ؟؟
هههههه
أشعر أن الساحة صارت فارغة من التعليقات سوى انا وانت
ههههه
على ما اعتقد ان الكل صار ينتظر تعليقاتنا نحن الاثنين
ههههه
سامحيني اختي الغالية ضحكت من قلبي ونسيت أن الموقع جاد جدا هههه
اسفة بكل اللغات
لما التأسف ؟ الجدية لا تعني العبوس و على العموم لست صاحبة الموقع
beerraddii@gmail.com
هذا بريدي الالكتروني يمكنك مراسلتي
شكرا هذا لطف منك
سيدي العزيز / سيدتي، “قرض في أسرع وقت ممكن ضمن 2DAYS. تايلور صندوق مالي مايكرو بي التجارية والشخصية”، X-ماس القرض، “البيت قرض في٪ الفائدة 2 rate.Interested الأشخاص يجب أن اتصل ضابط القرض عن طريق البريد الإلكتروني مع أقل من المعلومات: “الاسم: ….. اسم العائلة: …… البلد: ……. رقم الهاتف: ….. الاحتلال: …… العمر :. ………… الجنس: …… الحالة الاجتماعية: …… مبلغ القرض المطلوب: …… الدخل الشهري …… قرض المدة: …… موظف اسم: قرض العرض استثمار البريد الإلكتروني: Taylorwilsonloancompany@gmail.com، الشكر وبارك الله فيكم، التحيات
تايلور
[…] الدكتور عدنان ابراهيم l بائع النبي […]