إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. مَن يهده الله، فلا مضل له. ومَن يُضلل، فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، ولا نظير له، ولا مثال له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله، وصفوته من خلقه، وأمينه على وحيه، ونجيبه من عباده. صلى الله تعالى عليه، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته المباركين الميامين، وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.
عباد الله:
أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أحذركم وأحذر نفسي من عصيانه سبحانه ومخالفة أمره، لقوله جل من قائل مَّنْ عَمِلَ صَٰلِحًا فَلِنَفْسِهِۦ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّٰمٍۢ لِّلْعَبِيدِ *.
ثم أما بعد/
أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات/
يقول الله جل مجده في كتابه العزيز، بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم:
تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ * مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلاَّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ مَن جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ * وَمَا كُنتَ تَرْجُو أَن يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِّلْكَافِرِينَ * وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ *
صدق الله العظيم، وبلغ رسوله الكريم، ونحن على ذلكم من الشاهدين. اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط. آمين، اللهم آمين.
إخواني وأخواتي/
بعد أن اقتص الله تبارك وتعالى علينا طرفا صالحا من قصة مستكبر عال في الأرض، ذاهب بنفسه، مغرور، مُعجب، مُستكبر بما أوتي من نعمة المال، ألا وهو – كما تعلمون – قارون، عقب وذيل – سبحانه وتعالى من معقب -، فقال تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ *.
لا يخفاكم، إخوتي وأخواتي، أن الكبر والذهاب بالنفس والبأو – والعياذ بالله – من فواحش الذنوب، بل من أكبر الكبائر. الكبر ذنب عظيم فاحش، هو من أكبر الكبائر. ويدلكم على ذلك ما ثبت في الصحيح، من قوله – عليه الصلاة وأفضل السلام – لا يدخل الجنة مَن كان في قلبه مثقال حبة خردل من كبر – والعياذ بالله -.
وهذا الحديث يرويه الإمام مسلم من حديث ابن مسعود – رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم أجمعين -، أن النبي لما قال هذا القيل، قال له رجل يا رسول الله، فإن الرجل – وكأنه يعني نفسه – يحب أن يكون ثوبه حسنا، ونعله حسنة! فقال – عليه الصلاة وأفضل السلام – إن الله جميل يحب الجمال. كأنه يقول لا بأس، لا بأس بهذا، بل هذا داخل في جملة محبوبات الرب، لا إله إلا هو! أن يكون ثوبك حسنا، وأن تكون هيئتك حسنة، وأن يكونا نعلاك حسنتين أيضا! ولكن الكبر – وهنا يتجلى العطاء الإلهي على كثرة ما يقرأ المرء وما يقف عليه من تعريفات وتحديدات، لا يمكن أن يقف على مثل هذا التحديد المُعجز، ولا أقول المُعجب؛ لأنه لا يكون إلا من خزانة الصمد – بطر الحق، وغمط الناس، وفي رواية غمص الناس.
بطر الحق جحده وإنكاره – والعياذ بالله -. الكبر هو جحد الحق وإنكاره. فمَن يجحد الحق، ولا يجد من نفسه داعية استكانة وخشوع وتسليم للحق، فهو المتكبر على الحقيقة، وإن أظهر للناس غير ذلك، من التطامن في الهيئة والانكسار فيما يبدو منه، إلا أنه في باطنه هو المُستكبر حقاً.
ولذلك قال إمامنا الحجة الغزّالي – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه – الكبر نوعان؛ نوع يكون في القلب، وهو الكبر الباطن، خلق نفساني ردي – والعياذ بالله -. قال وهو المُسمى بالكبر. ونوع يكون بعمل الجوارح، كالنظر الشذر مثلا، وكالإطراق بالرأس، وتصعير الخد، وانتفاخ الهيئة، وما إلى ذلكم من الأحوال السخيفة، المعروفة للجميع. قال وهذا هو التكبر. الكبر والتكبر؛ الكبر في الباطن، والتكبر في الظاهر. ولا يكون التكبر إلا عن كبر – والعياذ بالله تبارك وتعالى -.
لكن ليس بالضرورة أن كل مُتكبر يظهر منه على الفور ما يشي بكبره، بل قد يفتعل التواضع والتطامن، على أنه المُتكبر عند التحقيق. متي يُعرف؟ بأي معيار يُعيّر؟ بأي مسبار يُسبر؟ كيف نختبره؟ كيف نقيسه؟ كيف نزنه؟ النبي – صلوات ربي وتسليماته عليه وعلى آله – أعطانا هذا المسبار والمعيار؛ بطر الحق! وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ *. في نهاية المطاف الحق من الله تبارك وتعالى، والحق سبيل الله، والحق قائد إلى الله. مَن بطر الحق، كأنما عاند الله، كأنما تنكر لله.
ولذلك يُعجبني قول بعض الغربيين في العصور الوسطى، حين فسر ما ورد في سفر يشوع، من أن الكبر رأس الخطايا، وأول ذنب عُصي به الله تبارك وتعالى – والعياذ بالله -، قال لأن الكبر هو أن تؤمن بنفسك أكثر مما تؤمن بربك. شيء عجيب! في مُنتهى الإبداع والجمال! هذا جوهر الكبر – والعياذ بالله -. في نهاية المطاف هو تربب، تأله، مُعاندة لله، تجاوز لخطة الله تبارك وتعالى الهدائية الإسعادية، تجاوز لخطة الله! قلب للقيم التي رتبها الله تبارك وتعالى وفق ترتيب مُعين دلت عليه الشرائع السماوية الإلهية، قلب! واعتماد خطة بديلة، هي خطة النفس بمشتهياتها ورغائبها وضعفها وهشاشتها وكل ما تريد من الأنحاء الخاطئة الزرية – والعياذ بالله تبارك وتعالى -.
يقول – عليه الصلاة وأفضل السلام وآله – ولكن الكبر بطر الحق، وغمط الناس، أو غمص الناس. غمطه وغمصه بمعنى أنه ازدراه، وانتقص به أو انتقصه – كلاهما فصيح -، ولم يره شيئا. هذا هو غمص الناس! ألا يرى الناس شيئا، يرى الناس هباء، يرى الناس ذبابا، يرى الناس خشبا وهو من ذهب، يرى حبته قبة وقبة الناس حبة، إن أحسن حبة، رآها قبة، وإن أحسن غيره قبة، رآها حبة – والعياذ بالله -. هذا هو المُتكبر على التحقيق – والعياذ بالله تبارك وتعالى -.
العجيب أن النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – أخبر عن ترتيب الرب الجليل، الرحمن الرحيم، الذي لا تُعرف رحمة، إلا وهي مُستمدة ومُتفرعة ونابعة، من فرع من فروع عيون رحمته، لا إله إلا هو! الرب الذي يقضي ربما عبده عمره بطوله في معصيته وجحده وكفرانه ونكرانه، إلا أنه لا يُغلق ولا يُوصد الباب أمامه بتوبة صادقة، ولو قبل أن يترحل بسويعة، رحمة عجيبة فيّاضة! لكن كيف يرتب هذا الرب هذا العقاب الغليظ القاسي الشديد – والعياذ بالله تبارك وتعالى – على مثقال حبة – مثقال حبة خردل، سمسمة – من الكبر؟ لا يدخل الجنة مَن كان في قلبه مثقال حبة خردل من كبر. شيء عجيب جدا! لماذا؟
إذن لا بد أن يكون الكبر في جوهره نوعا من الشرك، وربما أصل الشرك! ربما يكون هو أصل الكفر – والعياذ بالله -، هو هذا! القرآن كثيرا ما يذكر تعليلا لكفر الكفار وجحد الجاحدين وإنكار المُنكرين، بأنه ماذا؟ الاستكبار. أول مَن عصى الله تبارك وتعالى إبليس – عليه اللعائن -، بأي ذنب؟ بالاستكبار. مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ۖ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ *، إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ *. أَبَىٰ * وصف لفعله؛ لا، لن أسجد. وَاسْتَكْبَر * تعليل لفعله. وأما المآل، ف؛ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ *. جره هذا إلى الكفر!
يُذكّر هذا بما وقع للملك الغساني الشهير في زمن الفاروق عمر – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه – جبلة بن الأيهم، الذي حمله كبره على أن ينخلع من الإسلام! بعد أن أضاء الإسلام جنبات وحنايا نفسه، المسكين الشقي الردي انخلع من الإسلام؛ كبرا! لأنه أبى عليه كبره وكبرياء نفسه أن يُقتص منه، أن يُلطم كما لطم المسكين من السوقة. ليس في الإسلام سوقة وسادة، الكل عبد لله تبارك وتعالى.
يقول عبد الله بن عمر – رضيَ الله تعالى عنهما – خطب رسول الله – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – الناس يوم حجة الوداع، فقال أيها الناس إن الله قد أذهب عنكم عُبية – عُبية وعِبية، يُقال من العبي، وهو الضوء أو النور، كأنه يشير إلى الانتشار والانتفاخ. وقيل هو من العبء، وهو الثقل، أي الترزن والترسخ الزائد، إظهار فوق القدر من المنزلة والوزن للمرء وللآباء والأجداد – الجاهلية. وعُبية الجاهلية فسرها بقوله وفخرها، تفاخرها بالآباء. أي بالآباء والأجداد! الناس بنو آدم، وخلق آدم من تراب. ثم قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – تاليا قول الحق جل مجده يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ *.
كم هي الأحاديث الصحاح التي أنبأ فيها – عليه الصلاة وأفضل السلام – بأن الله تبارك وتعالى لا ينظر يوم القيامة إلى مَن جر إزاره خيلاء! فقط أن تجر ثوبك خيلاء وبطرا – والعياذ بالله – وانتفاخا وانتفاجا! الله لا ينظر إليك. وفي حديث الترمذي يُحشر المُتكبرون أمثال الذر – يوم القيامة – في صور الرجال يغشاهم الذل من كل مكان – والعياذ بالله -! مأواهم ومصيرهم ومحبسهم ما هو؟ يُقادون إلى سجن في جهنم، يُقال له بولس – والعياذ بالله -. بماذا؟ بالاستكبار والذهاب بالنفس.
الكبر لا يليق إلا بواحد، وهو الواحد الأحد! لأنه واحد، لا مثيل له! لا مجال لمقارنته، لا مجال لمقايسته، لا مجال لمُجاراته. كيف يستكبر وكيف ينتفخ مَن يُصلي في اليوم خمس مرات، وفي كل ركعة يقول الله أكبر؟ هذا ما عرف الصلاة، وما عرف ما الذي يفوه به. لو عرف معنى الله أكبر، لتواضع لجلال الربوبية، وأظهر حقيقة العبودية، وهي الخشوع والتطامن.
كلمة الخشوع في كتاب الله، في كل مواردها، من ضمن ما فُسرت به التواضع. وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ *، قالوا المتواضعين. بعض الناس إلى اليوم – من جهلاء العرب، من الجاهلية التي لا تزال ينبض عرقها، في بعض العرب والعُربان المُعاصرين – يأبون الصلاة، يرونها تزري بهم! يقول أحدهم كيف أفعل هذا؟ كيف أهوي إلى الأرض؟ تهوي لمَن أيها الجهول؟ تهوي لمَن يا مَن أوله نطفة مذرة، وآخره جيفة قذرة، وهو فيما بين ذلكم يحمل العذرة – والعياذ بالله -؟ تهوي لمَن؟ يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ *.
الكبر أوله غرور. والغرور ليس هو الانتفاخ، انتبهوا! الغرور في لسان الشرع كما أقول دائما هو الجهل، الغرور هو الجهل، عدم معرفة الحقائق، عدم التحقق بالحقائق، عدم معرفة وزن الأشياء بميزانها العتيد الحقيق أن تُوزن به، هذا هو الغرور! ثم ثانيه العُجب. والعُجب يمتاز من الغرور بأنه لا يقتضي اجتماعاً، لا يقتضي مَن تُظهر عُجبك عليه.
يقول أبو حامد الغزّالي – رحمة الله تعالى عليه – والمُعجب قد يُعجب بنفسه وعلمه وعمله وماله وولده، وإن كان وحده – وإن كان يعيش في جزيرة، روبنسون كروزو Robinson Crusoe، يكون مُعجبا -، أما المُتكبر، فلا يكون مُتكبِّراً إلا على مُتكبَّر عليه. ليس مَن به كبر داخلي، إنما المُتكبر كما قلنا! هذا خُلق ظاهري، بخلاف الكبر، الذي هو خُلق باطني – والعياذ بالله -. فالمُتكبر والمُستكبر يحتاج ويقتضي مَن يُظهر كبره عليه، مَن يتكبر عليه. والعجيب أن المُتكبر قد يتكبر على الله! وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ – والعياذ بالله – وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ *، نعم! وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ *. فرعون – يقول السادة العلماء – مِمَن استكبروا على الله، لا إله إلا هو! ورام أن يقضي على الله، الغبي! أن يبلغ الأسباب لكي يقضي على الله. استكبر على الله! كثير من الكفار، بل مُعظم الكفار، إن لم يكن كل الكفار، في زمن الرسالات والنبوات، استكبروا على أنبياء الله ورُسل الله، على أنبياء الله ورُسله!
ثم بعد ذلك – القسم الثالث والأخير – الكبر على عموم عباد الله. كبر على الله، كبر على رسل الله، كبر على عموم عباد الله! أوله الغرور، أي الجهل. الكبر يُمكن أن يُقال أيضا بكلمة إنه ضلال قيمي. خطة الله الهدائية، أيها الإخوة، ترتب القيم ترتيبا محددا معينا، وهو الذي أشار إليه – صلوات ربي وتسليماته عليه – بقوله تاليا قول الحق جل مجده إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ *.
كلنا أبناء تسعة، وكلنا أبناء التراب، وكلنا إلى التراب، من التراب وإلى التراب! وكلنا عبيد وعباد لله تبارك وتعالى. يبقى التفاوت بعد ذلك قرآنيا، وفق الخطة الهدائية الإلهية، بالتقوى؛ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ *. لا دخل للأحساب والأنساب ولا للعلوم والذكاء والفهوم ولا للأموال والأملاك ولا للأتباع والأنصار والأشياع ولا للنجاحات والإنجازات الدنيوية ولا للألوان ولا للأعراق ولا للغات، لا دخل لشيء من ذلك كله. الدخالة كلها لماذا؟ للتقوي؛ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ *. ورُب رفيع في نظر نفسه، وربما في نظر أشياعه، وهو عند الله وضيع! ورُب وضيع في نظر الناس، وهو عند الله جد رفيع!
لذلك الكبر مُعاندة لإرادة الله، ومُعاندة لحكمة الله، ومُعاندة لخطة الله، لخطة الله الهدائية التي ارتضت ترتيبا محددا للقيم. إذا وقع تنازع بين قيمة المال، بل بين قيمة العلم – حتى العلم والذكاء والفهم -، وبين قيمة الجمال، وقيمة القوة والبطش والنفوذ والسلطان، وقيمة الحسب والاعتزاء بالنسب العالي الرفيع الباذخ الماجد، و…و…و…إذا حصل نزاع وتعارض وتضاد، بين هذه القيم في مجموعها أو بين آحادها، وبين قيمة الإيمان والتقوى، لمَن الرجحان؟ قولا واحدا، وفق خطة الله تبارك وتعالى، للتقوى.
هذا الكلام قد يبدو بدهيا للمسلم، على أننا كمسلمين – وأسأل ألا يؤاخذني بهذه الكلمة – ربما نكون من أبعد الخلق عن التحقق به وفهمه! نفوه به ونرسله إرسال المسلمات، على أننا لا نعرف تقريبا التحقق به إلا في الحدود الدُنيا! أوضاعنا تشي بهذا – والعياذ بالله -. أما النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام -، فقد كان حريصا الحرص كله، وكان مُحرجا، يُحرج ويُشدد جدا، في أمثال هاته المواضع. لماذا؟ لأنه يعلم أن جوهر رسالته، أو بعض جواهر رسالته، يتمثل في ماذا؟ في حفظ الاعتبار لهذه المنظومة القيمية الإلهية! وإلا أُفرغ الدين من معناه، أُفرغ الدين وأصبح نظرية بلا قابلية حتى للتطبيق! أنه لا إله إلا الله، والإيمان بالله واليوم الآخر والرُسل، أين آثار هذا الدين في حياتنا الاجتماعية، في سلوكاتنا، في شبكات علاقاتنا؟ أين هذا؟
لذلك النبي كان يغضب غضبا لا يقوم له شيء، إذا انتُهكت هذه القيم، إذا انتُهك هذا السلم، هذه الأولويات! إنك امرؤ فيك جاهلية. طف الصاع يا أبا ذر. يقول له! قال هذا شيء لا يُسكت عنه. فقط حين سمعه – رضوان الله عليه – يقول الآتي، وهو حبيب رسول الله، وخليل رسول الله، القوي في الحق، الماضي في الحق على نور من ربه، أبو ذر الغفاري! ومَن مثله؟ ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء، من ذي لهجة أصدق من أبي ذر – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه -. أمة وحده! ولكن للأسف ليس بالمعصوم، قال لبلال يا ابن السوداء. وعقّب النبي مُباشرة في حالة من الغضب والهياج القيمي؛ طف الصاع. صف الصاع يا أبا ذر، إنك امرؤ فيك جاهلية. ليس لابن البيضاء على ابن السوداء فضل إلا بتقوى الله. ما هذا؟ ما هذا؟
وحين رأى الصحابة دقة ساقي عبد الله بن مسعود، في المدينة، بعد هجرتهم بقليل أو بيسير، تضاحكوا! تسلق نخلة يوما، يجتني ثمرها أو ثمرتها، فرأوا دقة ساقيه، فتضاحكوا، تضاحك بعض الصحابة! فغضب النبي، لماذا تضحكون من دقة ساقيه؟ إنهما عند الله تبارك وتعالى أثقل في الميزان من جبل أُحد. موازين الله تختلف، موازين النبوة تختلف، موازين الخُطة الإلهية الهدائية تختلف.
لكن انظروا إلى موازين الناس اليوم، انظروا إلى جوهر الكبر، كما قلت الذي هو قلب للخُطة الإلهية. جوهر الكبر يا إخواني ضلال قيمي، ضلال قيمي! المُستكبر قد يستكبر بعلمه. يقول إمامنا الغزّالي وما أسرع الكبر إلى العلماء! الجهلاء ليسوا كذلك، وهنيئا لهم! هنيئا لجاهل بتواضعه، بنفسه المخمومة، بنفسه البريئة الطاهرة! وتعسا لعالم لم يجتن من علمه إلا الكبر والعُجب والانتفاخ والبأو – والعياذ بالله -، الذي يحمله على الاستكبار، يحمله على الاستكبار على الحق، بل مُعاندة الحق، بل تزييف الحقائق – والعياذ بالله -! وكم تؤتى الأمم الملية من أمثال هؤلاء! فتعسا لهم! لا سلك الله بنا مسالكهم.
يقول أبو حامد وما أسرع الكبر إلى العلماء! عكس ما يتوقع الجهلاء، يقول لك أحدهم عالم ويستكبر؟ أكثر ناس تستكبر هم العلماء، وهذا من جهلهم، من عدم تحققهم بالعلم. كما قلت الكبر ضلال قيمي. يستكبر بالعلم! هو لا يعرف ما هو العلم، وإن نُسب إليه، وإن جُعل من أكبر العلماء، لم يعرف العلم. هو يستكبر بالمال! لم يعرف حقيقة المال. تستكبر هي – لأن هذا أكثر ما يكون في النساء – بالجمال! تستكبر بالجمال! لم تعرف حقيقة الجمال، جوهر الجمال. يستكبر بالأشياع، بالأنصار! يستكبر بالسلطان، بالنفوذ، بالقوة، بالبطش، بالعلاقات! أشياء كثيرة!
الإمام الغزّالي – على ما أذكر – ذكر سبعة أبواب، سبعة أنحاء، سبعة وجوه، من وجوه الاستكبار! الاستكبار بالعلم، الاستكبار بالمال، الاستكبار بالعبادة والعمل الصالح، الاستكبار بالجمال، الاستكبار بالقوة والبطش، الاستكبار بالحسب والنسب، الاستكبار بالأشياع والأنصار. نعم، هي سبعة. وكان يُمكن أن يذكر غيرها الكثير، وقد أجمل ما لم يذكره، بعبارة جامعة، حين قال وفي الجُملة كل ما كان نعمة، ويُمكن أن يكون كمالا، ويُمكن أن يُنظر إليه عليه على أنه كمال، وليس بكمال، هو مما يُمكن أن يقع به الكبر. كل ما يظنه الناس كمالا، وقد لا يكون كمالا، قد لا يكون كمالا! لكن يظنونه كمالا، يقع به الاستكبار – والعياذ بالله -.
أما العالم، الذي يستكبر بعلمه، فهذا لم يعرف أصلا معنى العلم، ولم يتحقق بالعلم، تعرفون لماذا؟ لأسباب كثيرة جدا، من أبسطها وأبدهها وأوضحها، أن العلم كما قيل من قديم – قاله محمد بن الحسن، وقاله ابن سينا، الشيخ الرئيس اللوذعي الكبير، وغيرهم كثير – أكثر من أي شيء! العلم أكثر من شيء! كيف لو عاشوا إلى عصرنا هذا؟ العلم أكثر من كل شيء! تقضي حياتك كلها، سبعين سنة، ليل نهار، في العلم، وفي نهاية المطاف، تُحصّل قطرة من بحر تخصص واحد، من ألوف التخصصات اليوم، ألوف! ألوف التخصصات.
أحد العلماء أخذ الدكتوراة في علم وظائف الأعضاء، حول ماذا؟ والله قد لا تُصدقون، قد لا تُصدقون! دكتوراة في علم وظائف الأعضاء، في الجهاز التناسلي للبقة. تعرفون البقة؟ ال Floh، ال !Flohmarktدكتوراة! ما الذي نعرفه عن البقة أصلا؟ دكتوراة! العلم أكثر من كل شيء.
ولذلك مَن سار في درب العلم بحق، انتهى إلى حكمة إمامنا الشافعي؛ زاده علمه علما بجهله. فقط هو سيعلم، كلما أمعن في العلم، كم هو جاهل! كم هو جاهل! والناس يقولون واو Wow! يا له من عالم! يا له من عالم ملأ الأرض علما! أبدا، هو يقول يا لي من جاهل! ويا لكم من مغرورين بي! أنتم لا تعرفون العلم أصلا. ما الذي حصّلته من العلم؟ لا شيء، لا شيء. لا أزال على الساحل، لم أخض البحر المُحيط. والعلم أوقيانوس، بحر مُحيط، ولا أزال حتى على شاطئه.
ولذلك إذا رأيت مَن يُنسب إلى العلم، وفيه بأو وكبر، فاعلم أنه عند التحقيق جاهل. اعلم هذا. بالعكس! هذا المبدأ يا إخواني، يا أحبتي، طبقوه على كل مُستكبر. علماء النفس ينظرون إلى الكبر – والعياذ بالله – والانتفاخ، على أنه اضطراب في الشخصية. كل مُستكبر، عند أي مُحلل نفسي، سينظر إليه على أنه مُضطرب الشخصية، يُعاني اضطرابا – أي Disorder – في شخصيته. ولذلك الكبر عنده بمثابة آلية ميكانيزم Mechanism، آلية لستر شيء مُعين. يُظهر من خلاله شيئا ما، لكن الحذاق والألباء، خاصة من علماء النفس والمُحللين، يعرفون من خلال هذا الشيء الظاهر، الباطن المستور، يستر به ماذا؟ شعوره بالعجز والنقص. يُسمونه Feeling of inferiority، شعور النقص، هو يشعر بالخواء، المسكين. عجيب هذا المعنى!
ولذلك يُستخدم الكبر والبأو والذهاب بالنفس وإظهار العُجب بالنفس والانتفاخ – والعياذ بالله – آلية ميكانيزم Mechanism، لستر هذا الشعور المُتعب بالعجز والضعف والخواء والهواء واللا قيمة واللا اعتبار، عجيب! أي ليس كما نظن؟ ليس كما تظن. هذا مسكين، هذا يحتاج، هذا فقير جدا على فكرة! هو أفقر إليك منك إليه، وإن كان ذا سلطان، وإن كان ذا مال، وإن كان ذا علم، وإن كان…وإن كان…وإن كان…هو أفقر إليك، هو يستجديك ماذا؟ النظرة المُعجبة! أن تُعجب به؛ واو Wow. يستجديك المسكين، يستجديك. هو يستجديك المدحة! أن تمدحه، ولا يشبع من هذا المسكين، ولا يشبع من هذا! لأن الذي لم يشبع باطنيا، لم يغتن باطنيا، لا يشبعه المدح.
ولذلك إذا ذهب في هذا الطريق – والعياذ بالله -، فقد يؤول به إلى التربب والتأله. لا يكفيه في يوم من الأيام أن يُقال معصوم! لا، المعصوم هذا شيء عادي، للأنبياء، نحن نختلف، الأنبياء مَن هؤلاء؟ نحن تجاوزنا هذه الحالة. فيدخل في البارانويا Paranoia. ولذلك هناك علاقة نوعية، بين الاضطهادية، البارانويا Paranoia هذه، وبين ماذا؟ الكبر. كثير جدا من المُتكبرين، هم شخ صيات اضطهادية. يرون أنهم أكثر أهمية بكثير مما يظن الناس، لكن الناس لم يُنزلوهم منازلهم التي يستحقونها، ويل للأمة! وويل للعالم! وقد أغفلوا ماذا؟ وقد أغفلوا قيمتنا ومُلاحظة اعتبارنا الحقيقي. ضاعت عليهم سُبل الهداية.
أضاعوني وأي فتى أضاعوا…….ليوم كريهة وسداد ثغر.
هكذا يقول لسان حال المسكين. شخصية اضطهادية! لذلك يقولون ماذا؟ هذه آلية تعويض وإحلال Compensation and replacement mechanism، آلية تعويض وإحلال! يُعوّض شعوره بالخوائية واللا قيمة، بماذا؟ بالانتفاخ الظاهري، برفع نفسه فوق الناس، بتحقير الناس، بتبخيس الناس أو بخس الناس قيمتهم وفضلهم. مسكين يحتاج إلى علاج، يحتاج إلى علاج!
وأُس وجذر هذا البلاء المُبين، المانع من رضا الله تبارك وتعالى، المُوجب المُحل لسخط الله، بمَن ابتُليَ به، تعرفون ما هو؟ ما اجتمع عليه من نوعي الفقر. كل مُستكبر هو فقير فقرين، لا فقرا واحدا. هو فقير فقرين، لا فقرا واحدا! فقر العقل، وفقر الدين. هكذا قال علماؤنا! كل مُستكبر عقله ناقص، ودينه ناقص. أما نقصان دينه، فلأنه لم يعد يرى أنه بحاجة إلى فضل الله. لو كان يرى أنه بحاجة إلى فضل الله، ما أعجبه ما عنده، سيبقى دائما ينظر إلى نفسه على أنه ماذا؟ على أنه فقير، ولو كان في مُلك سليمان! قَالَ هَٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ *. هذا ابتلاء، قد يزول عني في لحظة. وكم شهدنا ملوكا مملكين مسلطين في ليلة واحدة أُخذوا من جوف قصورهم إلى حبال المشانق! انتهى كل شيء، في ليلة واحدة. كل شيء يزول. كما قلت لكم المُستكبر لم يعرف لا طبيعة الدنيا، ولا طبيعة النفس، ولا طبيعة الخلق. لماذا ولا طبيعة الخلق؟ فضلا عن طبيعة العلم والمال والحسب والنسب والجمال والقوة والسُلطان؟ لماذا لم يعرف أيضا طبيعة الخلق؟ تعرفون لماذا؟
لأن الخلق لا يُحبون مَن يزهو عليهم، لا يُحبون مَن يستكبر، بالعكس! أنا هنا مُتواضع جدا! الخلق لا يُحبون مَن يُظهر امتيازه عليهم، ما رأيكم؟ أي قد تكون حاملا لجائزة نوبل Nobel، حلو، بارك الله لك، لكن لا تُظهر هذا أمامنا دائما، سنكرهك. الخلق فقرء، (غلابة)، مساكين. وأنت تأتي تُريد دائما أن تُظهر هذا البأو والفخار والتعالي على الناس؟ ستُصبح عبدا مقيتا ممقتا، كريها مكروها، لست بإلف ولا مألوف، لن يُحبوك.
ما أحلى أمثولة مولانا جلال الدين الرومي – قدس الله سره -! حين حكى في مثنويه العجيب، عن تاجر، وكان مُتمولا ثريا، وانعقد منه العزم ذات يوم، على أن يزور الهند، البلاد البعيدة الغنية بأشياء كثيرة، فقال لخدمه ومماليكه وحيواناته، الآتي. وكان من جُملة حيواناته ببغاء، حسن الصوت جدا، وجميل الريش والخلقة والمنظر. قال له وأنت أيها الببغاء، ماذا تُريد أن أجتلب لك من الهند، من طرائف الهدايا؟ قال لا أريد شيئا، لكن أخبر أهلي وأحبابي، عشيرة الببغاوات الهندية هناك، وأصلي من هناك، أن قلبي يكاد ينفطر، من وهم أن يُدركني أجلي، ولم يتصل حبلي بحبلهم، ولم أر أهلي وعشيرتي بعد. قال هذا الذي أريده، وأخبرهم بهذا.
المُهم، يقول مولانا الرومي فجاء هذا التاجر، وفعلا التقى بالببغاوات الهندية هناك، وأخبرها، وحدث حدث عجيب! لما عاد سأله الببغاء ما الذي حدث؟ قال له يا ليتك لم تفعل! يا ليتك لم تُوصني بتلك الوصاة! لما أخبرت الببغاوات هناك برسالتك، انشقت مرارة أحدهم، ومات من فوره؛ حزنا عليك، وتألما لحالك. قال ماذا؟ يا ليتني لم أفعل! وصرخ صرخة، فإذا هو سقط ميتا، فإذا هو وقد سقط ميتا!
فتح القفص المسكين، وجعل يبكي عليه، وإذا به يطير! فاستغرب التاجر! ما الذي يحصل؟ بالله عليك أيها الببغاء الخبيث، ما الذي فعلت؟ قال أبدا، أنا فهمت رسالة أخي، كنت أحمق، لم أفهم طبيعة الدنيا – ككل الحمقى المُتكبرين. كل مُتكبر أحمق. اللهم لا تجعلنا منهم -. قال ما هي الرسالة؟ قال الرسالة أن أخي الببغاء الهندي الحكيم، أخبرني أن البلاء الذي نزل بي، والحرمان الذي أكل كبدي، إنما هو بإدلائي بنفسي، وإظهار حُسن صوتي. يقول لي الخلق لا يُحبون هذا، أخف محاسنك، وتواضع في نفسك.
إذن المُستكبر حتى لم يفهم طبيعة الخلق! الخلق ليس فقط لا يُحبون مَن يستكبر عليهم، لا يُحبون مَن يتفوق عليهم. ولذلك أظهر دائما مزيدا من التواضع، ولو بالتكلف، حتى تُحب، وحتى يؤنس بك. ولا تظن أن الناس يفرحون بإظهارك المزايا والتفوق ووجوه التفرد، لا يُحبون هذا! حتى من أقرب الناس إليك. اللهم ارزقنا الحكمة، واجعلنا من العاملين بها، المُتحققين بها. فكانت رسالة من أعجب الرسائل! كانت رسالة من أعجب الرسائل!
فهذا الذي استكبر بالعلم، المسكين لم يعلم حقيقة العلم، ولم يعلم غاية العلم. غاية العلم دائما إن لم تكن التقريب من الخير، من الفضيلة، من محبة الله ومحبة خلقه، فبئس العلم هو! بئس العلم هو! كالعلم الآن، أو بعض العلم، الذي يتهدد البشرية الآن، ربما بإفنائها، وفي أقل من طرفة عين. كلما – كما تقول العامة – دق الكوز في الجرة، هددوا بحرب نووية. ألا تبا لهم وتبابا! إلا تبا لهم وتبابا! وتبا لقواتهم! وتبا لهذا العلم الأعور! العلم الأعور كما وصفه ألبرت أينشتاين Albert Einstein. علم بلا إيمان علم أعور – والعياذ بالله -. وإيمان بلا علم أعرج، يمشي مشية الأعرج. أو كما قال.
كذلكم يا إخواني الذي يستكبر بجامله، بقوته، بجسمه! ولماذا ثنيت بهذا؟ لأن ما نشهده اليوم – والعياذ بالله – من هذا الفشو الطاغي لعبودية البدن، شيء فظيع ومُريع ومُخيف! الأدلة عليه كثيرة جدا، لكن من أظهرها، أنك لا تكاد تجد مُزوّجة أو بكرا غير مُخدرة – لم يبق أحد في الخدور، لا مُزوّجة ولا بكر! غير مُخدرة -، لم تفعل، وهي قادرة أن تفعل! عنيت ماذا؟ عنيت أن تُغيّر خلقتها، فوق وتحت ووسط، بحشوات السيليكون Silicone وغير السيليكون Silicone، بما يُعرف بالعمليات الجراحية. ليس عملية واحدة، عدد من العمليات الجراحية المُستمرة، حتى تغدو غيرها، حتى تغدو شيئا آخر. ساخطة على قدر الله، غير راضية بما قسم الله، غير مؤمنة بروحها! واضح أنها مُنكرة ساخطة على روحها – والعياذ بالله -.
المُتكبر كما قلت لم يعد يرى نفسه مُفتقرا إلى رحمة الله تبارك وتعالى، وكأنه يقول ما حصّلته يكفيني، يكفيني في إظهار تفوقي وامتيازي، على أقراني، وربما على الناس في عصري أو في بلدي ومحلتي، يكفيني! هذا إعراق، أي عراقة، في الجهل – والعياذ بالله -؛ لأن الله تبارك وتعالى يقول يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ *. هناك قال وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ *، لكن هنا قال أَنتُمُ *. كأنه يقول وجودكم، من حيث هو هو، هو محض وصرف الفقر. لا إله إلا الله! وجود افتقاري، وجود احتياجي. هو صرف ومحض الفقر إلى الله. لا إله إلا الله!
واقعنا يؤيد هذا، من كل الزوايا. نحن نحتاج إلى مدد الله، مع كل نفس، مع كل نفس! في نهاية المطاف هذه الحياة، بكل دراميتها، بكل ملحميتها، هي أنفاس! أنفاس تتردد! كما تقول العامة نفس يدخل ونفس يخرج. لو توقفت هذه العملية، انتهى كل شيء! انتهت الحياة، وانتهى كل شيء! انتهى المجد، والجمال، والعظمة، والسُلطة، والنفوذ، والمال، والقوة، والسُلطة، والعلم، والفهم، والذكاء، والكبر، والتواضع. كل شيء انتهى! لذلك أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ *.
لكن بالله، لِمَ المُتكبر هذا المسكين، الذي أصبح عريقا في الغباوة – فالحكاية لم تقف عند حدود اضطراب نفسي، أصبحت اضطرابا عقلية أيضا، غباوة! عراقة في الغباوة -، لِمَ لَمْ يعد يرى نفسه مُفتقرا إلى الله تبارك وتعالى؟ وجمع إلى هذا كما قلت لكم مُعاندة الله في خُطته الهدائية؛ يُقدّم ما أخّره الله، ويؤخّر ما قدّمه الله. الله يقول له التقوى. وهو يقول المال. الله يقول له العمل الصالح. وهو يقول المجد والسُلطة. الله يقول له الآخرة. ويقول الأولى، الدنيا. هناك. لا، هنا. مُعاندة – والعياذ بالله -، مُعاندة! ما الفرق بين هذا الجوهر، وبين جوهر الكفر؟ الموضوع هو هو تقريبا، الموضوع هو هو – والعياذ بالله -. ولذلك لم يُتسامح مع مثقال ذرة من الكبر، كأنه هو الشرك نفسه، كأنه هو الكفر نفسه! كأنه هو الشرك نفسه، الكفر نفسه! و: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ *. من بابة واحدة، من بابة واحدة – والعياذ بالله -!
تعرفون لماذا؟ الفقر إلى الله، والفقر من الله. المُستكبر فقير من الله. ما معنى هذا؟ هذا بلُغة مولانا الرومي. هذا المُصطلح ليس لي، يا ليته كان لي! هذا لمولانا الرومي. يُحدثنا عن أناس فقراء إلى الله – اللهم اجعلنا منهم -، وأناس فقراء من الله. المُستكبر فقير من الله! هو لا يعيش بالله، ولا يعيش في الله. لا يعيش بالله، ولا يعيش في الله، فقير من الله! أي لم يعرف الله تبارك وتعالى. ما قدر الله بعض قدره، وليس حق قدره، هو ما قدر الله بعض قدره، المسكين!
لو قدر الله بعض قدره، لعلم ما ذكرت لكم من أنه هو وحده – لا إله إلا هو – مَن تليق وتجدر به ماذا؟ الكبرياء. وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ *. الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ *، فقط المُتكبر هو الله. وهذه حقيقة الحقائق، هذه حقيقة الحقائق! لماذا؟ لأنه لا أكبر من الله، لا أعظم من الله، لا في وجوده، لا في علمه، لا في إرادته، لا في قدرته، لا في نفوذ مشيئته، لا في عطائه، لا في رحمته، لا في جوده. في كل شيء، هو المُطلق، لا إله إلا هو! هو المُطلق، هو الكُلي، اللا مُتناهي، واجب الوجود من جميع الجهات، لا إله إلا هو! ولذلك هو الذي يليق به الكبرياء.
لأقرب لكم هذا المعنى، أقول لو فقه المُتكبر شيئا من هذا المعنى، لعلم أنه لم يجز له أن يتكبر أصلا، على أحد من الخلق. لماذا؟ لأن التفاوتات بين الخلق، ما مصدرها؟ التفاوتات بينه كمُتكبر، وبين سائر مَن يتكبر عليهم، أولا ما مصدرها؟ العطاء الإلهي. نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ *. الله هو الذي جعله أذكى قليلا، أقوى قليلا، أجمل قليلا. الله هو الذي يسّر له سبيل الغنى، سبيل التسلط والنفوذ، سبيل العلم والفهم، أليس كذلك؟
أليس الناس يُجنون في لحظة واحدة أيضا – كما ذكرت لكم هذا غير مرة -؟ وأنا أعرف اثنين أو ثلاثة، ثلاثة في الحقيقة، من إخواني وأحبابي، جُنوا في لحظة! واحد دخل يتوضأ – أبو أحمد يعرف القصة -، جُن في الحمام، في بيت أبي أحمد، هذا هو يجلس. وواحد آخر أيضا جُن في موقف قريب. وواحد ثالث هنا في فيينا، كان لدي يزورني، ودّعني، واتصل بي بعد زُهاء ربع ساعة، كان مجنونا. حين اتصل بي، كان مجنونا! شيء مُرعب مُخيف! أُقسم بالله العظيم. أي ليس العلم، وليس الفهم، فقط ما يُسلب، حتى العقل، الوعي، الإدراك، يُسلب، الإنسان يُسلبه في لحظة.
الله هو قاسم الأرزاق، كل الأرزاق، مادية ومعنوية. فالتفاوتات مصدرها ما هو؟ الله. والله تبارك وتعالى، إذا كان مصدرا للتفاوتات، فحتما وبالضرورة ولا شك ولا ريب ولا تردد، في أن حكمة بالغة وراء هذا القسم، في أن حكمة بالغة تقبع وراء هذا القسم. إن فهمت هذه الحكمة، سارعت في ماذا؟ فيما يُرام لك من وجوه الخير. واستفدت من هذه التفاوتات، بما يُساعدك على إكمال مسيرتك التكاملية. فتكدح الكدح التكاملي لله تبارك وتعالى، وتصير في كل يوم أجمل وأحسن وأفضل وأخير وأكمل وأرحم، كل يوم! وإن لم تفهم، عادت التفاوتات نكدا وتنغيصا، بل لعنة عليك وعلى مَن حولك مِمَن ابتُليَ بك مِن أهل وزوجة وولد وصديق وتلميذ وجار وحبيب ومعرفة – والعياذ بالله -.
فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ *، هذا الإنسان الكافر على فكرة، قيل هو أبو جهل، وقيل غيره، هذا الكافر عموما. وَأَمَّآ إِذَا مَا ٱبْتَلَىٰهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُۥ فَيَقُولُ رَبِّىٓ أَهَٰنَنِ *. الله يقول ليس التوسعة في المال أمارة إكرام، وليس التضييق في الرزق علامة إهانة. يقول أنت لم تفهم. الله يقول لهذا الكافر أنت بليد، لم تفهم. كَلاَّ بَل لّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ * وَلا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلا لَّمًّا * وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا *. لم نفهم! ما موقع هذه الجُمل مما تقدّم؟ فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ * كَلاَّ بَل *! الله يقول له كما قلت لكم ليس الإعطاء إكراما، وليس المنع والتضييق إهانة، ولكن التفاوت حاصل من أجل الابتلاء، لنبلو بعضكم ببعض، فنبلو الغني بالفقير؛ هل يُعطي أو يمنع؟ الغني، الذي أغناه الله من فضله، هل يُعطي؟ هل يعرف لذوي الحقوق حقهم، فلا يمنع ولا يشح، أم يفعل ويمنع؟ للأسف الكافر يمنع ويشح ويكز. والمؤمن المُهتدي لا يفعل، بل يُعطي ويرضخ ويُوسع مما أوسع الله عليه به ومنه، لا إله إلا هو! الله يقول هذه هي الخُطة.
وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ ۗ *، وَكَذَٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولُوا أَهَٰؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا ۗ أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ *، اللهم بلى. يقول هذه ابتلاءات. هذه التفاوتات المُقدّرة مُرادة لله ومفعولة لله ومجعولة بجعل الله، للابتلاء والامتحان، ليس للإكرام، لكي يأخذك الزهو والعُجب والفخر بها، وتفخر بها على غيرك، أبدا! وليس لكي تجمع وتمنع وتستكثر، أبدا! أنت هكذا رسبت في الامتحان، عاندت الخُطة الإلهية، لم تفهم الرسالة التكوينية لله، فضلا عن أنك أهدرت الرسالة التشريعية التكليفية، لا فهمت هنا، ولا أدركت هنا. عجيب هذا القرآن! عجيب هذا الدين!
ولذلك انتبهوا، عبودية المال مثلا، من أخطر العبوديات. قبل أن أدلف إلى هذا المعنى، لا بد أن أكمل المعنى الذي شرعت في تبيانه، وهو ماذا؟ هذه التفاوتات إذن أولا، أيها الإخوة، نلحظها بلحاظين: أولا مجعولة لله، مُقدّرة من الله؛ لما علمنا ولما ذكرنا. ثانيا علام تدل؟ تدل على أن الذي لا يليق أن يدخل في مُقايسة ومُقارنة، هو الواحد الأحد. مَن الغني غنى مُطلقا؟ مَن الذي لا يبيد ولا ينفد ما عنده؟ الواحد الأحد. مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ ۖ وَمَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ ۗ *. عجيب! مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ ۖ * ولو كان ثروة إيلون ماسك Elon Musk؛ ثلاثمائة مليار؟ ولو ثلاثة آلاف تريليون، ينفد، ولا يكفي، إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم. يقول – عليه الصلاة وأفضل السلام -. وقد تنفد بوسائل أخر. وإن لم تنفد في ملكك، نفدت أنت منها بالموت. انس! ولذلك هذه التفاوتات كما قلت لكم تبقى تفاوتات قابلة للمُقارنة والمُقايسة.
وما من يد، إلا يد الله فوقها…….وما من ظالم، إلا سيُبلى بأظلم.
ما من عالم، إلا وأعلم. ما من قوي، إلا وأقوى. ما من جميل، إلا وأجمل. ما من غني، إلا وأغنى. ولا يقف عند حد. أي هذا دائما يبقى صحيحا. أي هذا الأغنى – الذي جاء بصيغة الأفضلية؛ الأغنى -، لن يبقى الأغنى أبدا. ربما ليوم، ليومين، لسنة، لسنتين، لمُدة عمر واحد، ثم يأتي مَن هو أغنى. يأتي مَن هو أعلم، يأتي مَن هو أقوى، باستمرار! لكن الأغنى المُطلق، الأعلم المُطلق، الأقوى المُطلق، هو الواحد الأحد، لا إله إلا هو!
يخطر لي دائما يا إخواني، ولعلي لم أذكر هذا من قبل ، يخطر لي دائما – ويُعجبي أن يخطر لي هذا – أن التفاوتات كما ألمعت آنفا بين البشر، مهما فحشت، تبقى محدودة ونسبية. يتحدثون عن مقياس الذكاء الآي كيو IQ، جيد! الآي كيو IQ عند البشر الأذكياء العاديين، نقول ماذا؟ مئة وخمس عشرة، مئة وعشرون. جميل، كلنا تقريبا في هذه الحدود. وماذا عند العباقرة والمُتميزين؟ قال لك قريب من مئة وأربعين، مئة وخمسين. دافنشي Da Vinci قال لك كان أكثر من ذلك، يُقال مئتان وخمسون. يا سيدي ثلاثمائة، مثل ويليام جيمس سيديس William James Sidis – ليس ويليام جيمس William James مؤسس علم النفس التجريبي، لا! سيديس Sidis -، هذه العبقرية العجيبة الغريبة، يُقال تخطى الثلاثمائة. أي حتى لم يبلغ ثلاثة أضعاف ماذا؟ واحدنا. أي ذكاؤه لم يبلغ ثلاثة أضعاف واحدنا.
ولذلك لم يعرف تاريخ العبقرية البشرية، من أيام سقراط Socrates وأفلاطون Plato وأرسطو Aristotle، وقبل ذلك، إلى أيام ستيفن هوكينغ Stephen Hawking، وأمثال هؤلاء، لم يعرف تاريخ العبقرية البشرية عبقريا أتى بشيء، عز على نظرائه وأقرانه في المجال أن يفهموه، وقالوا ماذا يقول؟ لا نكاد نفهم! لم نفهم شيئا! وأوضح وبيّن وشرح، ولم يفهموا. لم يحدث، بالعكس! كل عبقرية، مهما أوفت على الغاية في بابها وحقلها ومجالها، يُستدرك عليها سريعا. تُريدون عبقرية أكبر من عبقرية إسحاق نيوتن Isaac Newton؟ استدرك عليها أينشتاين Einstein. تُريدون عبقرية أكبر من عبقرية أينشتاين Einstein؟ استدرك عليه فريق فيزياء الكم، وكم استدركوا عليه وأصابوا وأخطأ! وهكذا، والأمر لا يتوقف.
لكن انتبهوا، انتبهوا! ماذا لو أن عبقريا، قدّر القادر – لا إله إلا هو – بقدرته وحكمته، أن يجعله فائقا علينا، فائقا على الإنسان ال Standard، المعياري فينا، ليس بثلاثة أضعاف، بألف ضعف، بعشرة آلاف ضعف؟ ينقطع التواصل من جذره، لن نفهم ما يقول، وهو أعجز من أن يُفهمنا، أليس كذلك؟ تخيلوا بشرا أذكى من واحدنا بألف مرة، بألف ضعف! أذكى من أرسطو Aristotle بألف ضعف، من ألبرت أينشتاين Albert Einstein بألف ضعف! لن يُثبت له أحد أصلا هذا الذكاء. على الأرجح، بنسبة تسعة وتسعين في المئة، سيُتهم بأنه ماذا؟ مجنون. يقول ما لا يُفهم، يقول ما لا يُعقل. لذلك البشر، مهما تفاوتوا، تفاوتاتهم ماذا؟ قريبة، قريب من قريب من قريب. أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ *. يجمعهم عنوان ماذا؟ الفقر والاحتياج. كلهم مُتفقرون!
ولذلك العالم الذكي، العالم اللوذعي، كما قلت لكم، يكون سقراطي الروح، سقراطي المنزع! بمعنى ماذا؟ بمعنى أنه يقول دائما، ويؤكد على هذه القاعدة؛ كل ما استفدته من علمي وفلسفتي وخبرتي وفني وفكري ولوذعيتي وعبقريتي وإبداعي وإضافاتي، هو أنني ازددت علما بجهلي. عرفت أنني لا أعرف. هذه الروح السقراطية. حين كان يدّعي سقراط Socrates هذا، كان يعز هذا على تلامذته – وحدثتكم بقصة في موضع آخر -، إلى أن ثبت فعلا أنه هو الأحكم؛ لأنه الوحيد الذي كان يُدرك حدود معرفته، وأنه لا يعرف شيئاً. العلم لله جل جلاله، العلم الحقيقي! وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ *. هذه نُتف من العلم، مُحاولات! لذلك روح الفلسفة إلى اليوم سقراطية.
ما أجمل كلمة كارل ياسبرز Karl Jaspers! الفيلسوف الألماني العظيم المؤمن، كان مسيحيا مؤمنا، وفيلسوفا وجوديا، ومُحللا نفسانيا، كان عالما في التحليل النفسي! كارل ياسبرز Karl Jaspers، صاحب عظمة النفس، كان يعد الفلسفة خائنة لنفسها، متى؟ متى تخون الفلسفة ذاتها؟ متى يخون الفيلسوف الفلسفة؟ إذا ادّعى أنه امتلك ماذا؟ القول الفصل، والكلمة الأخيرة. هذه هي الخيانة! لأن الفلسفة سقراطية الروح. نسعى فقط؛ لكي نطرح مزيدا من الأسئلة، لكي نوسع تأكيد ماذا؟ دائرة علمنا بجهلنا، كما قال الإمام الشافعي. هذا هو العلم، هؤلاء هم الحاذقون، هم الفاهمون، وهؤلاء هم المُتواضعون، هؤلاء هم!
ولذلك التواضع الحقيقي، في العلماء الحقيقيين، وليس في الجهلاء الحقيقيين، الجهلاء! ولذلك ما أجمل ما يقول العلماء يقولون اليقين الصُلب أعم من دائرة ماذا؟ الجهل المُركب! ما معنى هذا؟ مَن الذي يدّعي اليقين؟ قد تقولون يدّعي اليقين عالم مُتحقق من علمه، فيلسوف بارع في فنه. كما قلت هذا خائن للفلسفة، لكن انتبهوا، بغض النظر عن هذين الاثنين، يدّعي اليقين أيضا الجاهل جهلا مُركبا، الذي يتكلم في غير فنه وبغير علم، ورأسه وستون سيفا كما تقول العامة، أنه ألقى بالقول الفصل، أنه أتى بما لم تأت به الأوائل وستنتهي إليه الأواخر. إذن اليقين أعم من أن يكون ماذا؟ جهلا مُركبا. قد يدّعيه أيضا عالم وفيلسوف بطرق الاستدلال والتجريب، لكن يعم الاثنين. إذن الجاهل المُركب يشرك حتى مَن يدّعون أنهم أوفوا على الغاية في فهم الحقائق. وهذه شركة غير مُشرفة.
نعود إلى المال، نعود الآن! نترك العلم، نعود إلى المال، المال يا إخواني الذي يُشكل تقريبا موردا عظيما من موارد استكبار البشر! ربما، ربما أكثر المُستكبرين، يستكبرون بسبب ماذا؟ بسبب المال والأملاك. ويتفاخرون بما ملّكهم الله وخوّلهم تبارك وتعالى. وهذه قضية خطيرة جدا! لماذا؟ ليست خطيرة فقط لأنه يتفاخر ويُسمّع ويُرائي! ومَن رآى، رآى الله به. ومَن سمّع، سمّع الله به. هذا يُوحي إلي بمفهوم الحديقة المسمومة، الحديقة المسمومة! حديقة كل أشجارها مسمومة وسامة، وكل ثمراتها قاتلة مُردية مُهلكة مُجهزة إجهازا كاملا؛ حديقة الكبر، وبنات عمه وأبناء عمه وخالاته وأصدقائه وأقربائه وأودائه. ما الأشجار الأخرى؟ الشجرة المركزية، وعنوان الحديقة؛ الكبر، هي حديقة الكبر. عندك ماذا؟ حُب الشُهرة، ال Fame يقولون، ال Fame! Famous، Fame! حُب الشُهرة، حُب الظهور. يتراسل ويتساعد ويتساند مع هذا ماذا؟ الرياء والتفاخر والتسميع. الرياء! فلوس تُدفع؛ من أجل أن ينشر فقط ماذا؟ مآثره ومحامده ومزاياه. شيء غريب يا إخواني! وصوره! هذا له علاقة بالتسميع، وله علاقة بعبودية البدن أيضا.
يقضون ساعات طويلة على مدار اليوم، في التقاط صور وسيلفيات Selfies لأنفسهم، تزحم وسائل التواصل الاجتماعي! لِمَ يا أخي؟ لِمَ؟ ما الذي نحتاجه من شكلك؟ يا رجل ألق كلمة خير، أفضل لك ولنا، بيتا من الشعر، حكمة، نصيحة، تجربة حياتية عميقة. ما هذه السذاجة والطفولية النفسية؟ ولذلك علماء التحليل النفسي يؤكدون أن الشخص المُستكبر، المهووس بالشُهرة، المُحب للظهور، الدائر حول نفسه، الواقف في غُرفة كلها مرايا، لا يرى إلا نفسه، أينما نظر، لا يرى إلا نفسه، المسكين! هذا الشخص، شخصية غير ناضجة، Immature personality، يقولونImmature ! شخصية غير ناضجة، شخصية فطيرة، بعمق مليين.
شخص بعمق الكون، كما قال محمد إقبال، فيه تتيه الأكوان. وشخص بعمق مليين، جلده أعمق منه! جلده أعمق منه المسكين! ويظن نفسه شيئا، وشاغلنا وشاغل العالم بصوره ومأتياته، (سخافاته) اليومية والساعاتية. ما الذي نُريد؟ مَن رآى، رآى الله به. النبي يقول! مَن سمّع، سمّع الله به. النبي – هذا النبي عليه الصلاة وأفضل السلام -، المُعلم الأكبر، المُداوي الأعظم، المُعالج الأول لأدواء النفوس، ما وجدنا مثله، ولا مَن يقترب منه، والله العظيم! ما وجدنا مثله، ولا حتى مَن يدنو من أن يكون قريبا منه – عليه الصلاة وأفضل السلام -. يعلم كم هي مُردية!
فقلت الحديقة المسمومة. والفخر – والعياذ بالله -، أليس كذلك؟ الفخر، الافتخار، يتفاخرون! والحسد، والغيرة، والخوف المرضي. ستقولون لي ما دخل هذا في هذا؟ الخوف المرضي؟ انتبهوا، علينا أن نتعمق، نعمّق فكرتنا. الشخص المُستكبر (العابد لذاته، العابد لوجوه امتيازه) عنده خوف مرضي، خوف شديد مُريع، من ماذا؟ من أن تُنتقض خُطته. ما هي خُطته؟ أن يبقى الأول، ودوماً! هل تدوم؟ هل تدوم لك الدنيا؟ هل دامت لغيرك؟ كيف ستدوم؟ لست الباقي، وحده الباقي، لا إله إلا هو! لذلك المُستكبر يخاف! وعلى فكرة، انتبهوا؛ حتى نفهم هذا جيدا. كنت أقرأه قبل سنوات، ولا أفهمه في عُمقه! رجل ملياردير، ملياردير بمعنى الكلمة، يمتلك مليارات، في أزمة ألفين وثمانية، خسر بعض قيمة الأسهم؛ عشرين في المئة، أو ثلاثين في المئة. أي أنت عندك ثلاثة مليارات، صار عندك ملياران، ألفا مليون يا رجل. ينتحر! وانتحر هو طبعا. أحدهم الذي كان يملك قيمة كبيرة في فولكسفاغن Volkswagen، شركة فولكسفاغن Volkswagen هذه، انتحر في ألفين وثمانية! لماذا؟ هل ذهب إلى القضاء؟ هل طالبوه بشيء؟ أبدا! بقي مليونيرا كبيرا! لكن فقد نسبة من قيمة أسهمه، انتحر!
كيف ستفهمون هذا؟ لأن الخوف المرضي في الحديقة المسمومة! وخذوا هذا التمثيل؛ الحديقة المسمومة، الحديقة الملعونة هذه. الخوف المرضي في الحديقة المسمومة؛ حديقة الكبر! عنوانها، بواباتها، ال Gate الخاص بها؛ الكبر. والشجرة الأكبر الفينانة التي تُظل على كل السموم هذه؛ هي الكبر. من ضمن الدوحات اللعينة هناك، ماذا؟ الخوف المرضي من انتقاض الخُطة، الخوف المرضي من الفقدان. ممنوع أفقد، لا زوجتي، ولا أولادي، ولا شركاتي، ولا جمالي، ولا قوتي، ولا سُلطاني، ولا بعض مالي. الله، الله، الله! ما القصة؟ هل أنت إله؟ هذا المسكين بدأ يعيش هذا الدور اللعين، أنه إله، والذي يُريده يكون!
ولذلك صدق الله العظيم في الحديث القدسي الجليل، المُخرّج في الصحيح، من حديث أبي سعيد وغيره. يقول الله تبارك وتعالى العز إزاري، والكبرياء ردائي، مَن نازعني شيئا منهما، ألقيته في النار، وفي رواية عذبته، وفي رواية قصمته، ولا أبالي. العزة لله، الكبرياء لله. ولذلك ما من مُستكبر، إلا وستُنقض عليه خُطته، ولو بالمرض، ولو بالسرطان، ولو بالموت، ولو بالفقدان. سيفقد! يفقد أحدا من أولاده، من أحبابه، من أزواجه. ستفقد، من أسهمك. لا يُمكن! الدنيا لا تدوم لأحد.
ولذلك هؤلاء المُستكبرون لا يفهمون هذا! كيف يُمكن أن أفقد؟ نعم، تفقد يا أخي، لماذا لا تفقد؟ أنت بشر، عبد. لا، لا يُريد أن يفقد، ولا يتحمل. وحين يفقد، ينتحر. بعضهم ينتحر، ويقول لك لن أبقى، لن أعيش هذا الدور. أي كأنه إذا انتحر، يكسب الجولة. أنت خسرت كل شيء الآن، خسرت كل شيء، دمرت كل شيء، صفرت كل شيء، على الزيرو Zero الآن، بالنسبة إليك على الأقل، على الزيرو Zero، رجعت كل شيء على الزيرو Zero، يا مسكين!
ولذلك كما قلت لكم الكبر في جوهره ضلال قيمي! ضلال قيمي، عمى قيمي، لمَن يفهمه في عُمقه. قضية الكبر والتواضع ليست قضية بسيطة وعادية وبعض الأشعار والنصوص! لا، قضية وجودية في العُمق، كلنا نحتاج أن نكون فلاسفة فقهاء فيها يا إخواني. أعظم وأعمق مما نظن! ولذلك انتبهوا، النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – في الحديث المُخرج في مُعظم دواوين السُنة، يقول – عليه الصلاة وأفضل السلام – اتقوا الشُح. الشُح بماذا يكون؟ بالمال. والشُح هو أشد البُخل. ليس بُخلا، هو بُخل مُضاعف، بُخل مُركب ومُربع ومُثمن ومُعشر! بُخل مُضاعف الشُح. اتقوا الشُح. وَأُحْضِرَتِ الْأَنفُسُ الشُّحَّ ۚ *، وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ *. اللهم اجعلنا منهم.
الله يقول كما قلت لكم هذه الخُطة الهدائية الإسعادية، الخُطة الهدائية الإلهية الإسعادية. تضع المال، حيث ينبغي أن يكون، وسيلة للخير والتراحم والتواصل. ليس للانتفاخ، ليس للجمع، ليس للافتخار، أبدا! لبذل الخير والمرحمة، واقتحام العقبة، فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ *، هذا المال! وهو في حد ذاته خير، إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ *، المال خير، وَإِنَّهُۥ لِحُبِّ ٱلْخَيْرِ لَشَدِيدٌ *، المال خير، لكن نحن نجعله لعنة، بضلالنا القيمي.
انظروا الآن؛ من أجمل ما مر بي في قراءاتي ومُطالعاتي يا إخواني على الإطلاق، بخصوص المال ولعنة المال وشُح المال وحرص المال! ولم أُكمل الحديث النبوي الجليل – صلى الله على محمد وآل محمد وسلم تسليما كثيرا -! إياكم والشُح، فإن الشُح أهلك مَن كان قبلكم، أمرهم بالقطيعة، فقطعوا. قطعوا ماذا؟ قطعوا الأرحام. لا إله إلا الله! قطع رحمه؛ أخته وعمته وخالته وأخاه، من أجل ألا يُعطي! من أجل ماذا؟ ألا يُعطي. يقول أعيش وحدي، أفضل لي، سيستهلكون مالي، سينقصونه، وأنا أُريد إثماره وإكثاره. وأمرهم بالفجور، ففجروا. والفجور هو ماذا هنا؟ العصيان – والعياذ بالله – والفسوق، ارتكاب المعاصي. أمرهم بالقطيعة، فقطعوا. وأمرهم بالفجور، ففجروا. فإياكم والشُح!
انظروا؛ ألا أقول لكم رسول الله مُعلم البشرية؟ لكنه يحتاج إلى واحد يكون فاهما. هذا النبي قاله من ألف وخمسمائة سنة تقريبا! انظروا الآن إلى شيء من أروع ما صادفني في مُطالعاتي؛ في القرن التاسع عشر، كان هناك ناشط نقابي، من المشاهير جدا، لدرجة أن جون ستيوارت مل John Stuart Mill، قد أشاد به في كتاباته، وهو الناشط النقابي العمالي الإنجليزي توماس دانينغ Thomas dunning.
توماس دانينغ Thomas Dunning قال الآتي في كُتيب له اسمه النقابات العمالية والإضرابات Trades’ Unions and Strikes، كُتيب صغير، اقتبس منه كارل ماركس Karl Marx في رأس المال، في أكثر من موضع! حتى أن بعض الناس، ظنوا أن هذه العبارة لكارل ماركس Marx، ليست لماركس Marx! ومن أجمل ما أورد ماركس Marx! هي لدانينغ Dunning في هذا الكُتيب الصغير؛ النقابات العمالية والإضرابات. ماذا قال؟ انتبهوا، المال، المال! عبودية المال، الكبر بالمال، الشر بالمال.
قال المال لا يتعفف عن الاستحواذ على أي فائدة Benefit. أي فائدة، أهلا وسهلا. فماذا لو عندي مليار؟ لو عندك ثلاثمائة مليار. يُمكن أن أستفيد دولارا، هاته، ائت به. دولار، وعندك ثلاثمائة مليار؟ نعم، هاته. قال على حد ما قيل الطبيعة لا تعرف الفراغ. يقول دانينغ Dunning على حد ما قيل الطبيعة لا تعرف الفراغ. أما نسبة عشرة في المئة، فيُمكن أن تجد توظيفا لها في أي مكان! في التهريب، في ال Drugs، في الدعارة، في الحروب، عشرة في المئة، حلوة كثيرا! وظّف، لا تُوجد مُشكلة!
أما نسبة عشرون في المئة، فتبعث على التوقان. يصير هناك نوع من التوقان، نوع من العشق، من ال Passion، أف! عشرون في المئة، شيء كبير هذا عند الرأسمالي، عابد المال. أما نسبة مئة في المئة – انتبهوا، سنذكر مئة في المئة وثلاثمائة في المئة الآن – فماذا عنها؟ يقول نسبة مئة في المئة – يقول دانينغ Dunning – كفيلة بأن تحمله – تحمل صاحب الرأسمال، الرأسمالي – على انتهاك ودوس كل القوانين البشرية. لا يحلل ولا يحرم، لا يُوجد ضمير، لا يُوجد قانون، ولا يُوجد شيء، أبدا! نسبة مئة في المئة؟ يُصبح المليار مليارين، والمليون مليونين. لا، كله مسموح. الله أكبر! كل القوانين تُنتهك هنا.
قال أما نسبة الثلاثمائة في المئة – ثلاثة أضعاف! المليون ثلاثة ملايين طبعا، والمليار ثلاثة ملايير! قال نسبة الثلاثمائة في المئة! هذا خبير، الرجل هذا ناشط جدا، ومفكر اقتصادي ونقابي، وفاهم كيف تكون اللعبة، ويرى ويعرف المرض الرأسمالي، مرض المال، والعياذ بالله! قال نسبة الثلاثمائة في المئة! -، فمعها لن تبقى خطيئة، حتى تُرتكب، ولن تبقى مُغامرة ومُخاطرة، حتى وإن تأدت بصاحبها إلى حبل المشنقة إلا وأُخذت! سيأخذ هذه ال Risk أو هذه المُخاطرة، سيأخذها، حتى وإن أدت به إلى الموت، ثلاثمائة في المئة! وأما النزاعات والاضطرابات – أي يُريد ماذا؟ الحروب. سواء حروب داخلية، سواء حروب بينية، كونية. قال أما النزاعات والاضطرابات ، ال Disturbancesالاضطرابات -، فحتما ستُشجّع بروح وثابة. شجّع، شجّع، احرق الأخضر واليابس، ائت بالفلوس!
ولذلك يا إخواني الآن بدأنا نفهم! انظر، هذا الاقتباس مُهم جدا جدا من توماس دانينغ Thomas Dunning، هذا الاقتباس أكثر من مُهم! لكي نفهم عُمق المقولة النبوية؛ إياكم والشُح، فإن الشُح أهلك مَن كان قبلكم. أمرهم بالقطيعة، فقطعوا. وأمرهم بالفجور، ففجروا. هذا تفصيل، مُجرد تفصيل، تنويع على كلام الرسول المحمد العدنان – صلوات ربي وتسليماته عليه -! لكن الرسالة ما هي؟
الرسالة أن الضلال القيمي مُهلك للمسيرة البشرية، مُهلك للمُجتمعات، ليس مُهلكا لصاحبه فقط، أنه قدّم المال وجعله القيمة المُطلقة قبل الإيمان وقبل الآخرة وقبل رضاء الله تبارك وتعالى وقبل كل شيء، المال، المال، المال، المال! واستكبر طبعا بلا شك، استكبر بهذا المال وبهذه الثروة! هذا ليس مُهلكا له فقط هو، هذا قد يكون مُهلكا للبشرية، مُهلكا للعالم، مُهلكا لهذا النوع الإنساني برمته، بحسب هذا الوصف الدانينغي المُخيف المُرعب!
وصف دانينغ Dunning هذا غير طبيعي بالمرة على كل حال! وقد دغدغ خيالات كبار الاشتراكيين والمُفكرين الاقتصاديين الإنسانيين؛ لأنه مُخيف مُرعب. فهذا يلفت إلى أشياء، قد لا يُلتفت إليها في عموم الحال، لكن هذا هو الوضع، هذا هو الوضع! ولذلك يا إخواني الضلال القيمي مسألة أخطر مما نظن!
عودا إلى عبودية الجسد، نفس الشيء! عبودية الجسد أخطر مما نظن! المفروض أن الإنسان حين يؤتى حسنا وجمالا وبهاء، ذكرا كان أو أنثى، أن يستثمره كيف؟ في إغواء البرآء؟ في أن يعيش دون جوان Don Juan؟ أن يُخرّب البيوت؟ أن يلعب بالعواطف؟ أن يعمل كمُنحل العقد ومُنحل السلوك؟ أبدا! أن يستثمر هذا في تكوين أسرة مُستقرة، يجتمع فيها الجمال الحسي مع الجمال الروحي والمعنوي، أليس كذلك؟
مَن آتاه الله نعمة من النعم، سواء كانت صحة وعافية سارية في البدن، جمالا في الهيئة والخِلقة، ذكاء وفهما، مالا ووفرة ونعيما، المفروض أن يستثمر ويستغل هذه النعمة في ماذا؟ في توفير حظ أكبر من الاستقامة والصحة النفسية لنفسه، أليس كذلك؟ لا يكون مدفوعا بعُقد. يقول لك ليس عندي عُقد والحمد لله، ليس عندي عُقد. مثلا فقط، أي على الأقل! لكن أن يجعل من هذه النعمة، عُقدة حقيقية لنفسه، وربما تعقيدا للآخرين، فهذا من الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ *.
فما بال الفتيات، وما بال النسوة، وما بال بعض الشباب والرجال، في هذا الزمان العجيب الغريب، ما بالهم كما قلت ناقمون على أبدانهم، ناقمون على خِلقهم، يُهرعون في كل حين إلى جراح التجميل؟ المُستفيد رقم واحد هم جرّاحو التجميل! ال Plastic surgery، جراحة التجميل، راجت بشكل غير طبيعي، غير طبيعي! وتقريبا لم يبق شيء، إلا أخذ مبضعهم السبيل إليه، في كل أنحاء البدن!
كما قلت لكم هذا لا يتأتى، إلا كردة فعل غير واعية، بماذا؟ بما يُعطيه ويُنتجه فقر الروح، وضحالة النفس، واحتقار الروح، واحتقار النفس. الذي يحتقر نفسه، ويحتقر ذاته، هو الذي يبدأ يُجمّل ظاهره بهذه العمليات التغييرية لما خلق الله تبارك وتعالى طبعا. ولن ندخل في قضية الفقه الآن؛ حلال أو حرام؟ حد الحلال والحرام أعتقد معروف! تجوز هذه العمليات وأمثالها وأشكالها، فقط في رد غير الطبيعي، إلى المسار الطبيعي. شكل الأذنين، شكل العينين، شكل الفم، الأسنان، الأنف، أي شيء! خارج عن الطبيعي، Abnormal، غير طبيعي، مُشوّه! نعم، هنا الفقيه الحاذق الفاهم المؤصل يقول لك لا بأس أن يتدخل الجرّاح بعمل جراحي؛ لرد غير الطبيعي، إلى جادة الطبيعي.
لن نخوض في الفقه! النبي، أحد الصحابة فقد أنفه في معركة، فأمره أن يتخذ أنفا من فضة، طبعا! ليس ارض بقضاء الله وفي سبيل الله وانتهى الأمر! فاتخذ أنفا من فضة، فأنتن عليه، فرخّص له، أو أرخص له، أن يتخذ أنفا من ذهب. اليوم لا، لا ذهب ولا فضة، سيليكون Silicone وأشياء، وتقريبا يرجع الشيء طبيعيا. الحمد لله، هذا من فتوحات العلم وبركات العلم الطيبة. في هذه الحدود، يا حيهلا. في هذه الحدود، يا حيهلا. أما ما جاوز هذا، إلى ما يُؤكد النقمة كما قلت لكم، فلا.
ولذلك الكبر يا إخواني، الكبر له علاقة! ستقول لي ما علاقة جراحات التجميل بالكبر؟ مَن قال لك إن هؤلاء الذين يتكثرون بهذه ويستكثرون من هذه العمليات، أنهم لا يُمارسون الكبر في اليوم مئة مرة؟ وصور تُلتقط على مدار الأربع والعشرين ساعة! نافخة الشفايف، ونافخة كذا، وصور، صور، صور، صور! وتتغاير! يتغايرن البنات والنسوة! شيء سخيف جدا جدا!
إذن عبودية المال، عبودية الجسد يا إخواني، عبودية العلم والفهم والذكاء والإنجاز، عبودية السُلطة والتحكم! وهذا داء من أدوى الأدواء، وأختم به، لا أريد أن أُفصل، أطلت على نفسي وعليكم. من أدوى الأدواء والعياذ بالله -، ولا يكاد ينجو منه إلا الصدّيقون. تقول عجيب! الناس تظن عكس هذا! انتبهوا، هذا الموضوع زلق كثيرا. يظنون أنه إذا ذُكرت السُلطة، فهي الرئيس أو الملك أو المُتنفذ الكبير؛ رئيس جهاز الأمن، رئيس جهاز المباحث والاستخبارات، لواء كبير في الجيش! هذه هي السُلطة، لكن نحن ليس لدينا سُلطة! لا، السُلطة لدينا، حتى على تلاميذك في الفصل الأول الابتدائي سُلطة، على زوجتك وأولادك سُلطة، انتبه! على زوجتك وأولادك سُلطة، بوّاب في مدرسة له سُلطة على الداخل والخارج. السُلط هذه لا تنتهي تنويعاتها! كثيرة جدا جدا جدا!
حُب التسلط بالسُلطة وإظهار الميزة على الآخرين كما قلت لكم آخر ما يخرج من قلوب الصدّيقين. الخُبراء رقم واحد في النفس البشرية ليسوا جماعة فرويد Freud وأدلر Adler وكارل جوستاف يونج Carl Gustav Jung، لا! بكل تواضع، الخُبراء رقم واحد بالنفس وما يتعلق بالنفس هم السادة العارفون بالله تبارك وتعالى، السادة العارفون بالله، الأولياء، العرفاء، الصوفيون الحقيقيون، الذين بنوا أمرهم كله، على ماذا؟ على معرفة الله، عبر معرفة غوائل النفس، غوائل النفس! لأن النفس لها فلسفة حاذقة وخفية وماهرة جدا، في الوصول إلى ماذا؟ إلى مُشتهياتها. بطريقة تُلبسها بالمُقدس، للأسف. وقد يعيش المرء حياته مُغترا، بحُسن ظن بنفسه، لا تؤكده بعد ذلك ماذا؟ مقبولية أعماله! وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا *.
مولانا الرومي أيضا، للمرة الثالثة اليوم، أو الثانية – قدس الله سره – كان يقول هذا الكلب ليس كلبا حقيقيا. لأن الكلب الحقيقي – أعزكم الله – تُلقى إليه، ماذا؟ العظام، وبعض اللحم والجلود. تُلقى إليه، المسكين فقير. لكن هذا الكلب يقف بالباب، ولا يُعطى! لماذا؟ لأن الله لا يُخدع، لأنه ليس كلبا حقيقيا، هو يُظهر الكلبية، أي يُظهر التواضع والخشوع والبخوع لله، فقط من أجل ماذا؟ من أجل محمدة الناس، من أجل مولانا وسيدنا، أهلا سيدي، ادع لي يا سيدي، ارقني يا سيدي، لا تنسنا من صالح دعائك. وهذا الذي يُريده! نوع من الامتياز على الناس، عجيب! شيء مُخيف مُرعب! قال هذا الكلب ليس كلبا حقيقيا! ولذلك لن تُلقى إليه العظام. وهذا الطير ليس طيرا حقيقيا! هذا طير من ورق، طير من معدن، شكل طير، ليس طيرا حقيقيا!
لا، هم يُريدون أن يتحققوا، أن يكونوا الشحاذين الحقيقيين على باب الله، العباد الحقيقيين لله، لا لأنفسهم. في نهاية المطاف يكتشف الإنسان أنه ماذا؟ أنه كان يبحث عن نفسه، وأنه كان يعبد نفسه، وأنه كان يُريد نفسه، ولا يُريد ربه – والعياذ بالله -. شيء مُخيف! وتذكرون قصة أبي يزيد البسطامي، قال ما سبحته، أنت سبحت نفسك. حين قال له تأخذ سلة، وتضع فيها الحجر، وتلبس المخرقة – خرق، مُرقعة فوق بعضها البعض -، وتمشي في السوق. بالحري يرميك الصبيان بالحجارة. قال نعم؟ قال ومهما رموك بالحجارة، رميتهم بالجوز الذي عندك – معك سلة فيها الجوز -. قال سبحان الله! لمثلي يُقال هذا؟ قال ما سبحته، والله ما سبحت إلا نفسك. الله! هذا شيء مُخيف!
الصوفية يُعلموننا أن نُترجم سلوكاتنا ورؤيتنا وعباراتنا. ترجم، ترجم Translate، ترجم. أترجم ماذا؟ ترجم! أي يقول لك أحدهم أنا يا أخي بصراحة غير مُرتاح مع وضعي. نعم، ترجم؛ أنا ساخط على قدر ربي. ترجم؛ أنا ساخط على ربي. نعم، أصبت الترجمة، هو هذا. يأتيك ويقول لك أنا غير مُرتاح في وضعي، وضعي غير مُريح، أنا غير مُرتاح يا أخي. ويبدأ يتكلم، تعلو النبرة، وأنت تشعر هنا برائحة خبيثة، بميراث إبليسي.
عودا على إبليس والضلال القيمي، إبليس كما قلنا الآن كان ذنبه ماذا؟ الكبر والاستكبار. لكن جوهره ماذا؟ ضلال قيمي. وواضح جدا، ضلال قيمي. كيف؟ كيف؟ هو حين استكبر، كيف فسر موقفه؟ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ ۖ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ *. أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ ۖ *. انتبه، إذن هو ظن ماذا؟ ظن أنه بأصله ومحتده ومعدنه؛ معدنه الناري، خير من آدم!
على فكرة، على فكرة كل البشر، ونحن أولهم، حتما سنبقى عميا وصُما وبُكما وضُلالا قيميا، ما لم نمتح عن منطق الخُطة الإلهية، حتما! تعرفون لماذا؟ بكل بساطة احذف الخُطة الإلهية من المُعادلة، اجعلها فقط بشرية، اجعل الأمر بشريا، أليست التفاوتات موجودة؟ بلى. أليس هذا أذكى من هذا؟ بلى. أليس هذا أقوى من هذا؟ بلى. أليس هذا أجمل من هذا؟ بلى. إذن لِمَ تُطالب الناس بأن يتخذوا مواقف ضد طبائع الأمور؟ واقع الحال أنه أذكى، فليُعترف بذلك، وليُناد هو على رؤوس الأشهاد بذلك، ولا حرج عليه في ذلك. صحيح، هذا صحيح!
ولذلك كل منطق الخُطبة اليوم وهذا الدرس، لا يروج، ولا يسوغ على، ولا يلقى قبولا، أدنى قبول، عند مَن؟ عند مُلحد أو كافر لا يعترف بالله تبارك وتعالى. يقول لك هذا الكلام كله كلام مُتدينين. نعم، هذا كلام مؤمنين طبعا، هذه رؤية إلهية، هذه رؤية كونية إلهية طبعا، رؤية قيمية أخلاقية إلهية، وهذا ما يُعطيه الدين، وهذا وعد الدين. احذف الجانب الإلهي من الرؤية كلها، تبقى ماذا؟ الواقعيات البشرية! أن هذا أقوى، وهذا أذكى، وهذا أفضل، طبيعي! وهذا أجمل، وهذا أقبح. لا يُوجد كلام! أليس كذلك؟ أدخل الله تبارك وتعالى، أدخل خُطة الله في المُعادلة، ينقلب كل شيء رأسا على عقب، أليس كذلك؟ تعتدل القيم بطريقة أخرى، وهي الطريقة الإلهية الهدائية، تماما!
ولذلك انتبهوا، إذا كان الله تبارك وتعالى، وهو كذلك دائما أبدا، حاضرا في المُعادلة، فلا مساغ، ولا مجال، ولا مُبرر، لماذا؟ لأنا بإزاء أنت يا رب! لا يُوجد الكلام هذا، أبدا! ووجهة نظري؟ أبدا! رأيي، فكري؟ أبدا! الله قال لك اسجد له، انتهى، سأسجد مُباشرة. لماذا؟ كما قلنا الحكمة الكُلية، الحكمة المُطلقة، العلم الكُلي، العلم المُطلق، القدرة المُطلقة، المشيئة النافذة، في جانب، وهي الله تبارك وتعالى. وأنت بكل نسبيتك وضعفك وتواضعك وفقرك واحتياجك، في جانب. هل يُمكن لهذا الضعف والاحتياج والفقر الأصيل الممحوض الصرف، أن يتنطع بالأنا أمام إرادة الله تبارك وتعالى؟ لا مجال، لا مجال، انتهى، لا مجال.
لكن إبليس فعلها – لعنة الله عليه -! من أين أوتي إبليس؟ من الضلال القيمي. قال أنا بالفكر وبالمُقايسة، أجد أن النار خير من الطين. لن نُناقش القياس نفسه، وإن كان قابلا للنقاش، في نهاية المطاف، قدحة النار أورثتنا الحضارة، هناك كتاب كامل اسمه قدحة النار، قدحة النار أورثتنا الحضارة، لكن انتبه، قبل ذلك ومع ذلك وبعد ذلك الطين والتراب لولاهما ما كان لا حضارة ولا إنسان أصلا، أليس كذلك؟ كل الحياة نشأت في بُحيرة طين، كل هذا الوجود الجميل بنباته، بحيوانه، بإنسانه، بشجره، ببشره، هو من ماذا؟ من مُنتجات الطين.
أي حتى بالقياس، قياسك غير مُسلّم لك، لكن لن ندخل في هذا! انتبهوا، من الخطأ أن تدخل في نقاش القياس؛ لأن الموضوع غير قابل للنقاش أصلا. النسبي بإزاء المُطلق، ليس له ماذا؟ مساغ ولا كلام ولا قياس. فقط عليه أن يقول سمعنا وأطعنا. نسبي مع نسبي، نعم، يُقايس ويُقارن، ليس عندنا مُشكلة، لكن مع مُطلق، لا! لكن هو دخل كما قلت لكم بسبب الضلال القيمي، وظن أن الموضوع مرهون بماذا؟ مرهون بمنظوره هو القيمي. وفي حين كان المفروض أن يفترض هو مُباشرة؛ بما أن الله أمر أن نسجد لآدم، فإذن ثمة ليس مبررا، مبررات كثيرة، تجعل هذا الأمر ماذا؟ الحكمة عينها، والخير عينه، والفضل عينه. فيُهرع إلى ماذا؟ إلى التلبية. لكنه لم يفعل؛ بسبب ضلاله القيمي وتحكمه.
تماما مثلما ابتُليَ مَن؟ قارون. إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي *. قال هذا بعلمي. ولذلك حتى الكبر أيضا في جوهره وهم الاستحقاق الذاتي، وهم الاستحقاق! أنني أستحق بذاتي. وكان على هذا الموهوم أو المُتوهم أن يسأل نفسه؛ وذاتك كذات، من حيث هي، مُعطاة مِن مَن؟ ممنوحة مِن مَن؟ لا يُوجد شيء ذاتي. لذلك لا يستطيع أحد أن يقول ماذا؟ استحقاق ذاتي. الذي عنده استحقاق ذاتي، هو رب العزة، لا إله إلا هو، فقط. هو المُستحق بذاته (على أنه حتى لا نقع في ضلالات فلسفية)، (على أن الله ليس له ماهية)، انتبهوا! وهذا هو الصحيح، هذا هو الرجيح.
التحقيق الفلسفي والكلامي الثيولوجي؛ الله ليس له ماهية، لماذا؟ ماهيته إنيته، ماهيته وجوده. لماذا؟ لأن كل ماهية، لا بد أن تكون مُركبة، من جنس وفصل، أليس كذلك؟ وما له جنس يا إخواني، يكون ماذا؟ يكون منتوجا وتابعا. هل لله جنس؟ هل هناك أكوان آلهة والله إله منها؟ أبدا. الله ليس له جنس، ليس عندنا جنس لآلهة والله فرد منها يُحصّل بالفصل! لأن الجنس مُبهم دائما، يُحصّله الفصل. الله ليس عنده جنس. وكل ما ليس له جنس، فليس له فصل. وما لا جنس له ولا فصل له، قولا واحدا لا ماهية له، Essence! No essence، لا تُوجد ماهية، واضح؟ نسأل الله أن نكون مِمَن يُقدره بعض قدره، لا إله إلا هو! وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ *.
ولذلك هناك وهم أيضا الاستحقاق الذاتي، ومع أنه أيضا هذا وهم كبير وفارغ وينفثئ بأول نقاش! أعتقد أن الموضوع يطول أكثر من هذا، نكتفي بهذا القدر.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه.
الحمد لله، الحمد لله الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ * وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ *. وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله تعالى عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا.
اللهم اهدنا فيمَن هديت، وعافنا فيمَن عافيت، وتولنا فيمَن توليت. علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما وفقها ورشدا في الدين.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا، وارحمهم كما ربونا صغارا. لا تدع لنا في هذا اليوم الكريم ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته، ولا كربا إلا نفسته، ولا ميتا إلا رحمته، ولا مريضا إلا شفيته، ولا غائبا إلا رددته، ولا أسيرا إلا أطلقته، ولا مدينا إلا قضيت عنه دينه وأذهبت همه وغمه، برحمتك يا أرحم الراحمين.
عباد الله/
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ *، وأقم الصلاة.
فيينا (17/12/2021)
أضف تعليق