الجبرية بين الفلسفة والإلحاد: قراءة في خطبة “جبرية الملاحدة” للدكتور عدنان إبراهيم
الجبرية، وهي فكرة أن الأفعال البشرية محددة مسبقًا ولا خيار للفرد فيها، كانت محط جدل فلسفي وديني لقرون. في خطبة “جبرية الملاحدة” التي ألقاها الدكتور عدنان إبراهيم بتاريخ 24/2/2017، يناقش هذا الموضوع من زوايا متعددة، مجادلًا ضد التفسيرات المادية التي تنكر حرية الإرادة. في هذا المقال، نستعرض أبرز الأفكار التي تناولتها الخطبة، ونفصلها تحت عناوين رئيسية، مع استعراض الاقتباسات الداعمة لكل فكرة.
الفكرة المحورية: هل الإنسان مجبور أم مختار؟
افتتح الدكتور عدنان إبراهيم خطبته بالتساؤل الجوهري: هل الإنسان يتمتع بحرية الإرادة أم أنه مجرد آلة محكومة بالحتمية المادية؟ ويُبرز أهمية هذا السؤال من خلال ربطه بالسلوك البشري:
“الحس المشترك أو منطق البداهة يقضي بأن الإنسان مختار ومسؤول عن أفعاله… ولكن إذا قلنا إن الإنسان مجبر في كل ما يأتيه، يصبح القول بعدم جدوى النصح والإرشاد والتذكير منطقيًا”.
يرى الدكتور عدنان أن الإلحاد العلمي الحديث، من خلال تبنيه الجبرية المادية، يتناقض مع الفهم الفطري للبشرية حول المسؤولية الأخلاقية.
التجارب العلمية: عندما تتحدى النصوص العلمية حرية الإرادة
أحد المحاور التي ناقشها الدكتور عدنان هو استخدام الملحدين نتائج التجارب العلمية لدعم الحتمية. استشهد بتجربة العالِمَيْن كاثلين فوهس وجوناثان سكولر:
“قاما بتقسيم الطلاب إلى مجموعتين: قرأت الأولى نصوصًا تؤكد وهم الإرادة الحرة، بينما قرأت الأخرى نصوصًا عن الوعي. كانت النتيجة أن المجموعة الأولى غشت بنسبة أكبر”.
يُظهر الدكتور عدنان أن التلاعب بالقناعات يؤثر بشكل مباشر على السلوك، مما يبرز أهمية الاعتقاد بحرية الإرادة.
النقد الفلسفي للحتمية المادية
ينتقد الدكتور عدنان النظرة المادية الاختزالية التي تختصر الإنسان في تفاعلات بيولوجية وكيميائية، قائلًا:
“لا تُوجَد عندنا مُشكِلة أن يُفسَّر البدن وعملياته الحيوية تفسيرات طبيعية… لكن لا تضع الإنسان كله في هذا القفص الحديدي”.
ويُشير إلى قصور هذه النظرة في تفسير الظواهر الإنسانية كالإبداع والتضحية والوفاء.
حرية الإرادة في المنظور الديني
يُبرز الدكتور عدنان دور النصوص الدينية في ترسيخ مفهوم المسؤولية الأخلاقية، مستشهدًا بالقرآن الكريم:
“القرآن فيه مئات الآيات التي تؤكد أيلولة أفعالنا إلينا… يقول الله: ‘فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ’ (الكهف: 29)”.
ويُشير إلى أن الإيمان بحرية الإرادة يمنح الإنسان حافزًا داخليًا لضبط النفس، وهو ما يُفتقد في المنظور الجبري المادي.
أهمية الوازع الأخلاقي مقابل الرادع القانوني
يرى الدكتور عدنان أن المنظور المادي يعتمد على الرادع الخارجي لضبط السلوك، بينما يركز الدين على الوازع الداخلي:
“المقارَبة المادية تفشل فشلًا غير محدود… بينما يُؤكد الإسلام على وجود حساب داخلي وخارجي: ‘فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ’ (الزلزلة: 7)”.
النقد الموجه إلى الملحدين الجدد
في جزء آخر من الخطبة، يُوجه الدكتور عدنان انتقادًا لاذعًا لبعض رموز الإلحاد العلمي الحديث مثل سام هارس، مشيرًا إلى افتقارهم للياقة الفلسفية:
“هؤلاء الناس ليس لديهم أدنى لياقة فلسفية… يضعون الحاجات والمشاعر والأحاسيس في سلة واحدة ويُصدِرون عليها حُكمًا واحدًا”.
الخاتمة: الإنسان بين المادة والروح
اختتم الدكتور عدنان خطبته بالتأكيد على أن الإنسان مزيج من المادة والروح، وأن اختزال وجوده في المادة يفرغه من معناه:
“المنظور الديني يقول لك: أنت قبضة من تراب الأرض ونفحة من روح الله. بينما يقول المنظور المادي: أنت ابن غبار النجوم، وعند موتك ينتهي كل شيء”.
الخلاصة
تُبرز خطبة “جبرية الملاحدة” أهمية النقاش حول حرية الإرادة، لا فقط كموضوع فلسفي، بل كقضية تؤثر على القيم والمجتمعات. الدكتور عدنان إبراهيم يدعو إلى تجاوز النظرة المادية الاختزالية، واستعادة الإيمان بحرية الإنسان ومسؤوليته الأخلاقية، استنادًا إلى النصوص الدينية والعقل الفطري.
أضف تعليق