تخيل نفسك أنك مدرس للغة اللاتينية أو الرومانية وأنك حريص على نقل حماستك إلى العالم القديم . وتروي لطلابك كتابات أرسطو أو قصائد رومي . وتروي لهم كذلك براعات قيصر الروم في القتال . هذه المهمة تستغرق جهد ووقت وتركيز كثير جدا . وتخيل معي أنك تحاول إقناع تلاميذك أن اللغات الإسبانية ,الإيطالية , الفرنسية , البرتغالية والكاتالانية واللهجات المكونة لها أتت عفويا وبشكل منفصل في حيز الوجود . وليس لها سلف من اللغة اللاتينية , اذا كنت ترفض هذا المبدأ فهل تتوقع صحة نظرية الخلق المستقل ووجود الإنسان من لاشيء كذلك ؟ أم هنالك تفسير علمي ودقيق أكثر من ذلك ؟
وكما يعرف دارس النظرية النسبية للعالم انشتاين التي تفيد ب” أنه ليس هنالك حقيقة مطلقة في العالم ” فلماذا يصر المؤمنون بنظرية الخلق المستقل بإنكار نظرية التطور مطلقا واثبات الخلق المستقل بنسبة مئة في المئة ؟ّ!
ومحنة العديد من معلمي الأحياء في العالم الإسلامي والعربي خاصة هي إيمانهم بنظرية التطور . فعند شرحهم للنظرية إلى الأجيال القادمة وشرحهم لطبيعة الحياة نفسها يضعهم في وضع حرج جدا . حيث أنهم يتعرضون للتخويف والإستخفاف وحتى أنهم يهددون لفقدان وظائفهم بل يتم طباعة الكتب الدراسية خالية من وجود نظرية التطور بعد الموافقة من الجهة المسؤولة في الدولة . فلماذا هذا الجهل والهجوم على النظرية ؟ هل لأنها لم تتناسب متعتقداتهم الخاطئة ؟ أو فهمهم السطحي الغير سليم ؟
وفي كثير من الأحيان فإن كبار العلماء ورجال الدين الإسلامي كذلك من أمثال الدكتور / عدنان إبراهيم ليس لديهم مشكلة مع نظرية التطور بل ودعمو هذه النظرية بنشاطاتهم في هذا الصدد . وكما يعتقد أكثر علماء الأحياء في العصر الحديث أن التطور أصبح حقيقة علمية بل أقوى مبدأ في علم الأحياء حاليا كما يعرف علماء الأحياء .
وأحب أن أشير هنا بأن ديننا الحنيف لا يعارض نظرية داروين بشكل كلي بل يؤيد هذه النظرية في مواضع كثيرة بالقران مثل قوله تعالى ” وقد خلقكم أطوارا ” – سورة نوح . وقد تذهل هذه الاية كل من يقرءها حيث أنها تشير بأن الله عز وجل قد خلق الإنسان بالتطور ( كما يفسرها العلامة الدكتور / عدنان إبراهيم ) . ونحب أن نشير أننا لم نعارض وجود ادم وحواء في الوجود قبلنا ولكن ايات خلقهما تعتبر من المتشابهات وليس ايات تفصل كيفية الخلق كما في الأديان الأخرى مثل النصرانية .
دعونا نتحدث عن معنى كلمة “نظرية” بالنسبة لترجمة اكسفورد الانجليزية .
النظرية : نظام من الأفكار أو الجمل الذي يشرح ظاهرة أو حقيقة وهي فرضية مؤكدة عن طريق الملاحظة أو التجربة .
من أبسط الأمثلة للنظرية هي نظرية دوران الأرض حول الشمس في مدارات دائرية أو شبه دائرية . وكذلك نظرية فيثاغورس للمثلث قائم الزاوية . اذا فنظرية داروين هي مجموعة فرضيات قد أكدها العلماء عن طريق الملاحظة والتجربة .
والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا تأخر علماء الأحياء في الإعتراف بصحة نظرية داروين ولم يتأخرو في الإعتراف بظريات نيوتن مثلا ؟ الجواب على هذا السؤال واضح وجلي وهو من الرغم من أن فكرة داروين فكرة بسيطة وسهلة الفهم إلا أنها لا توافق دين اليهود والنصارى بل تخالفه تخالفا واضحا . والصراع بين نظرية داروين والخلق المستقل سيظل مستمرا إلى أمد طويل غير معلوم .
دعونا الان نتحدث عن موضوعنا الرئيسي وهو التطور الكبير أو ما يسمى ب macroevolution .
التطور الصغير هو تطور يحدث في نفس نوع الكائن الحي كما ذكرنا سابقا أما التطور الكبير هو الذي ينتج نوعا جديدا من الكائن الحي في فترة زمنية طويلة . وسبب هذا التطور هو التغيرات التاريخية والإنتخاب الطبيعي ويمكن كذلك تسمية التهجين بالتطور الكبير بتدخل الإنسان . مثال : تزاوج الفرس مع الحمار لإنتاج البغل وهذا مثال على التطور الكبير بتدخل الإنسان .
وهنالك الكثير من الحفريات التي تؤكد تطور الإنسان من أسلاف مشتركة مع القرد وهي :
Pantroglodytes
Australopithecus africanus
Homo Habilis
Homo rudolfensis
Homo erectus
Homo ergaster
Homo heidelbergensis
Homo spiens neanderthalensis
Homo sapiens sapiens, Cro-Magnon
Home sapiens sapiens, modern
Pezosiren portelli
ولكن للأسف فهذا النوع من التطور يفتقر للأمثلة الداعمة على صحته ليس مثل التطور الصغير الذي تدعمه الأمثلة الكثيرة . والغريب في الأمر أن عدد كروموسومات الشمبانزي هو 48 كروموسوم , أما الإنسان 46 كروموسوم ولكن الكروموسوم الثاني في الإنسان نجده مرتبط به كروموسومين ليصبح إجمالي عدد كروموسومات الإنسان هو 48 كروموسوم متطابقا بعدد كروموسومات الشمبازي , وهذا يؤكد أننا أبناء عمومة الشمبانزي .ويوضح الشكل التالي الزوج الواحد للكروموسوم الثاني للإنسان ليأكد صحة نظرية التطور :
أضف تعليق