أزمات و مشاكل العالم اليوم سببها أن إعداد الوالدين ليكونا والدين معدوم .
تخيل معي لو أن هنالك نظام معين لتأهيل الناس ليكونو آباء و أمهات يقومون بدورهم و وظيفتهم في تربية أبنائهم بوعي و تخطيط مسبقين، نظام كامل متكامل للتدريب يبدأ من مراحل مبكرة في الحياة مدعومآ ببرامج و ورش عمل و منظومة من القيم تناسب كل مجتمع حسب دينه و قيمه و مبادئه السامية.
نسمع كثيرآ في هذه الأيام من المصلحين الإجتماعيين و علماء الدين بأن أزمتنا هي أزمة أخلاق، نعم! ممتاز! لقد وضعنا أيدينا على الجرح النازف، الم تكن كل مصائب الدنيا و التاريخ البشري منذ عهد أولاد آدم، أزمة أخلاق؟، ألم يحن الوقت كي نبدأ ورشة عمل من نوع خاص للتعامل مع هذه المشكلة البشرية و نتفرغ لها تفرغآ حقيقيآ بلا إلهاءات؟!
لا يمكنك أن تزرع القيم متأخرآ في نفوس و عقول البشر، لا بد لتضمن نجاحآ معقولآ أن تربيهم عليها منذ الصغر، لا بد أن يرضعوها مع غذائهم من نعومة أظفارهم لتأتي طبيعية و حقيقية و فاعلة، لست أنكر أن المشكلة و الأزمة لا يمكن استئصالها جذريآ فمن السذاجة الإعتقاد بذلك و لكن يمكن تقليلها و زيادة عدد الصالحين في هذا العالم من خلال التربية البيتية و المجتمعية و القيام بذلك على أعلى المستويات من التخطيط الممنهج المدروس.
لست أسأل سؤالآ فحسب، أحمل في جعبتي بعض الأفكار التي قد تسهم إلى حد ما في إيجاد بعض الحلول العملية للتعامل مع هذه الأزمة الإنسانية التي يكاد الجميع يجمع على وجودها في العالم اليوم.
لقد كثرت الحروب و القتل و الظلم، لقد ضجت القنوات الفضائية بالإحصائيات التي تتكلم عن أعداد المشردين و المقتولين و الجياع و الفقراء، إنك لا تملك أن تحبس دموعك عندما تشاهد نشرات الأخبار التي تضج بما يفزع له قلبك من اخبار و مشاهد، و قد تنقل المحطة لأنك لا تستطيع النظر إلى مشاهد معاناة الضعفاء من البشر الذين يذوقون الويلات بسبب أن من يقوم بالتسبب بمعاناتهم لم تتم تربيته بطريقة سليمة، إن منظومة قيمه جعلته يرى تبريرآ منطقيآ لما يقوم به من ظلم و استبداد و قتل، هو متصالح مع نفسه و يعطي تبريرآ منطقيآ يقبله ضميره لأنه مبني على منظومة من القيم تسوغ له ما يفعل، إنك لن تستطيع أن تقنعه بغير ذلك لأنه يقوم بما تملي عليه قيمه و بما كان قد علمه أبوه.
هذا التغيير لا يمكن أن يأتي فجأة على الأغلب، لا بد أن تكون له جذور ضاربة في العمق و في حكم كل فرد على نفسه و إيمانه بأن ما يقوم به هو محفوظ و أنه سيحاسب عليه و أن الناقد خبير، نعم أنت لك حرية الإختيار و لكنك ستتحمل نتائج اختياراتك و مواقفك و أفكارك، هل كنت رقيبآ على نفسك، هل اتفقت مع الظالم أم كان لك قول و اطلعت بمسئولياتك تجاه وجودك في عالم لا بد أن يكون لك فيه رأي و موقف مهما صغر دورك أو تأثيرك فأنت مهما صغرت تصنع فرقآ بعون الله حتى ولو بالدعاء و قول الحق كلما أتيحت لك الفرصة.
نعم … إن الكثير من الويلات يمكن تجنبها لو تم إصلاح منظومة القيم، و ميكانيكية التفاعل بين أفراد المجتمع الواحد و المجتمعات بعضها ببعض.
لا بد أن نزرع مفهوم الآخرين و كيفية التعامل مع الإختلافات و الخلافات. فن تقبل الرأي الآخر و التأثر به، فن البحث عن الحق والحكمة بدلآ من السعي وراء إثبات رأيك، فن تجنب المغالاة و التطرف و عملية تصحيح المسار و إعادة التقييم من فترة لأخرى مع الحفاظ على الثوابت و القيم العظيمة التي علمنا إياها ربنا و من اصطفى من عباده الصالحين.
تتزاحم في رأسي الكثير من الأمور التي يمكن إدراجها في برنامج إعداد الآباء و الأمهات.
لا يجب أن يكون العمل على برنامج كهذا متناثرآ، بل يجب أن يكون جهدآ جمعيآ من خيرة علماء و مربي كل بلد حسب قيمه و أولوياته، لا بد أن يشتمل أيضآ على بعض المتميزين الذين يمكن اكتشافهم من خلال مسابقات و مقابلات فإن الموهبة ليست حكرآ على العلماء، و كم من الناس المغمورين يحملون من الأفكار ما لا يعلمه إلا الله سبحانه و تعالى.
إنني من خلال هذا المنبر المحترم لأدعو (من له قلب أو ألقى السمع و هو شهيد) أن يأخذ كلامي المتواضع هذا على محمل الجد و يسهم في لبنة صالحة في هذا الوجود الذي أنعم علينا الله بالوجود فيه بدون أن نختار، ثم أمرنا بأن نختار طريقنا فيه إما إلى النعيم أو إلى الجحيم بملء إرادتنا.
إجتمعو يا عقلاء العالم على كلمة سواء يكون لكم فيها يد في الإصلاح و الإنقاذ، و اعلمو أن الصمت و عدم عمل شيء مع الإستطاعة هو بمثابة المشاركة بما لا تحمد عقباه.
مناقشة هذا الموضوع يمس ما يحتاجه مجتمعنا و عالمنا الاسلامي… اذا تم استئصال المشكلة من الجذور عندها سيكون التغيير الحقيقي… منظومة الاخلاق هي القاعدة الاساسية لمجتمع صالح و له مستقبل باهر… كما قال رسولنا “و ما بعثت إلا لأتمم مكارم الاخلاق” صدق عليه اشرف الصلاة و اتم التسليم.