إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، و أَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المباركين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.

عباد الله:

أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سُبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:

مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩

ثم أما بعد:

أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – سبحانه وتعالى   -في كتابه العظيم بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ  :

ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ  ۩  بَلْ عَجِبُوا أَن جَاءَهُمْ مُنذِرٌ مِّنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ ۩  أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ ۩ قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ  ۩  بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَّرِيجٍ ۩  أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ ۩ وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ۩ تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ ۩  وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء مُّبَارَكًا فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ ۩  وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ ۩  رِزْقًا لِّلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ

صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق ، القائمين بالقسط ، آمين اللهم آمين .

إخواني وأخواتي :

أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا أي ليس لها  – مِن فُرُوجٍ وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ  بَهِيجٍ ۩

يُشيعُ البهجة في البصرِ وفي النفسِ جميعاً، إلى آخر السياق الكريم، لوحة، هذه لوحة – أيها الإخوة – مُصوَّرة بطريقة بارعة ومُثيرة، وهى إحدى اللوحات المنثورة بكثرة على مدى كتاب الله – تبارك وتعالى – الذي يحتفلُ احتفالاً خاصاً بالجمال ومظاهره وتمثيلاته في الوجودِ كلهِ عُلويه – السماء – وسُفليه، في الأنفس – أيها الإخوة – وفي الآفاق، فالإنسان كائن مُتزيِّن، كائن جمالي، كائن مُفتَن أو فنان، والزينة التي يتزيَّن بها البشر مذكورة في كتاب الله في مواضع كثيرة وخاصة زينة النساء وأيضاً زينة الرجال مذكورة :

خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ ۩  أي عند كل صلاة، عند كل موضع سجودٍ لله تبارك وتعالى .

أحبتي في الله إخواني وأخواتي :

البرهان الآيوي – كما أشرنا إليه مراتٍ جمة – جوهره ماذا ؟!

جوهره أن الله – تبارك وتعالى – ليس قوةً من قوى العالم، الله ليس قوة كقوة الجاذبية والقوة الكهرومغناطيسية أو النووية الضعيفة أو القوية، ليس كذلك – مُستحيل -، الله – تبارك وتعالى – ليس مظهراً من مظاهر الوجود كما يعتقد الوَحدويون والحلوليون، الله ليس مظهراً من مظاهر الوجود وبالتالي المنطقي والمفهوم الآن تأسيساً على هذه المُقدَّمة أنه لا يُمكِن أن نعثر على الله في العالم – مُستحيل – ، أن تعثر على الله في العالم مُستحيل ، تبحث عنه لتعثر عليه ثم لتُقنِّنه بعد ذلك كما تُقنِّن أي ظاهرة طبيعية، أي قوة من قوى الطبيعة مُستحيل لأنه ليس من أجزاء الطبيعة، ليس من تمثيلاتها، ليس من مظاهراها، ليس من قواها، وليس هو أيضاً – وهذا الأهم – مجموع الطبيعة بقواها المُختلِفة، ليس كذلك، هذا لا يحُل شيئا، هذا يُورِّطنا مزيد توّريط .

ولذلك – أيها الإخوة – إذا وضح هذا يضح به أن ليس للعلماء اشتغال بهذه المسألة، وأعني بالعلماء العلماء الطبيعيين الكونيين، العالم لا يُمكِن أن ينبس – ينبغي ألا ينبس – ببنت شفة عن قضية الله – تبارك وتعالى – لأن العالم يشتغل بماذا؟!

بالطبيعة، بالعالم الطبيعي، بالعالم المادي بكل مظاهره المُختلِفة، أهلاً وسهلاً وهذا ميدان وسيع ومندح رحيب للاشتغال العلمي، لكنه لن يعثر – ولا أمل في أن يعثر يوماً – على الله في العالم، يتحدَّث عن كل شيئ آخر من أشياء الطبيعة مما يدخل في تخصّصه ومهنته ومجاله – نعم – لكن لا يُمكِن أن يتحدَّث عن الله، وهذا صحيح، لكن الوحي الإلهي أفهمنا أمراً أبعد من هذا وأعمق من هذا ويتجاوز هذا الموقف، أفهمنا أن كل ما في العالم، العالم بكل ما فيه إن هو إلا آيات دالات على الله – تبارك وتعالى – ، تمثيلات ومظاهر – أيها الإخوة – لأسمائه وصفاته، لعمل يديه. لا إله إلا هو – مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا – وبالتالي يُمكِن أن يُتوسَّل بهذه التمثيلات، بهذه المظاهر، بهذه الآي أو الآيات لماذا؟!

يُتوسَّل بها لمزيد معرفة بالله – تبارك وتعالى-، لنعرف أولاً أنه موجود ثم لمزيد معرفة بعد ذلك كيف هو، بمعنى ما يتعلَّق بأسمائه وصفاته :

هل هو حكيم ؟!

هل هو قدير ؟!

هل هو مُتقِن ؟!

لا إله إلا هو !
هل هو مُقدِّر للأشياء تقديراً مضبوطاً دقيقاً بالحق ؟!

هذا التعبير إلهي “بالحق”، كل شيئ مضبوط، مخلوق بالحق، أم ليس كذلك ؟!

هذا هو جوهر البُرهان الآيوي، وجوهر البُرهان الآيوي – نسبة إلى الآية أيها الإخوة والأخوات – هو الذي أعطى العلم أصلاً روحه وإمكانية أن يعمل، أعتقد أنني فصَّلت بعض التفصيل وأسهبت شيئاً من إسهاب في تجلية وتوضيح هذه النُقطة أو المسألة في الخُطب السابقة .

سي. إس. لويس
سي. إس. لويس

سي. إس. لويس –  C. S. Lewis  مرة أُخرى نقتبسه، من أذكى الكتّاب والمُفكِّرين بلا شك في القرن المُنصرِم – يقول بتكثيف وتركيز جميل جداً :

لقد أصبح البشر عِلميين – يُفكِّرون بالطريقة العِلمية – لما أدركوا أن الكون محكومٌ بقوانين.

هناك قوانين، وهذه المسألة ربما عند مَن نشأ نشأة عِلمية أو حتى نشأة دينية توحيدية تنتمي إلى الأديان التوحيدية مسألة شبه بدهية. فالكون ليس مخلوقاً هكذا عبثاً، ولا يُسيِّر نفسه بحكم المُصادَفة والاتفاق، هو محكوم بقوانين.

جوزيف نيدهام
جوزيف نيدهام

لا، هذه المسألة ليست بدهية وليست واضحة – أيها الإخوة- ، وحين يضح بعضها يغبى ويعمى آخرون عن البعض الآخر .
يُحدِّثنا مُؤرِّخ الصين الكبير جوزيف نيدهام  Joseph Needham أن الصينيين في القرن الثامن عشر أُصيبوا بصدمة – كانوا مصدومين – لما بلغهم عبر المُبشِّرين الغربيين أن هناك شيئاً تفوَّقت به أوروبا على سائر العالم وسخَّرت به ما في البر والبحر والجو وارتفقت الطبيعة وما فيها من كظائم وقوىً وفكت الكثير من مغالقها وأسرارها إسمه العلم.

ما هو العلم؟!

قالوا :

العلم يقوم على مبدأ أن الكون مُسيَّر بقوانين دقيقة مضبوطة .

الصينيون لم يفهموا هذا واستغربوه جداً، ثقافتهم لا تتقبَّل هذا .
غير صحيح – قالوا- ، ما القوانين؟!

هل الكون تُسيِّره قوانين؟!

ألفرد نورث وايتهيد
ألفرد نورث وايتهيد

وانتبهوا، هذه ليست مسألة بدهية أو تتشارك فيها كل الثقافات، هذا غير صحيح لأن الأديان التوحيدية ساهمت في إرساء هذا المنظور، وهذا ما فصَّل فيه بطريقة ذكية جداً الفيلسوف والرياضياتي الكبير والعالم الموسوعي ألفريد نورث وايتهيد Alfred North Whitehead ، قال :

الأديان التوحيدية ساهمت في تركيز هذا المنظور، هيا اذهب دونك الكون، اذهب إليه وإن أردت أن ترتفقه ادرسه أولاً، فك مغاليقه، استخرج كظائمه، ثم ارتفقه كيف شئت فهو مُسخَّر لك، الدين يقول هذا !

وهذا اختصار رهيب لسعي الإنسان، توصيلة كما يُقال في لغة المُواصَلات ، توصيلة هذه ولكن لها قدرها، بغير هذه التوصيلة ربما كان على الإنسان أن يتأخَّر مئات وربما ألوف السنين حتى يدرس الكون بهذا المنطق !

ونعود إلى لويس :Lewis

سي. إس. لويس C. S. Lewis :يقول :

لقد أصبح البشر عِلميين لما – أو لأنهم – أدركوا أن الكون محكومٌ بقوانين، وهم لم يُدرِكوا أن الكون محكوم بقوانين مضبوطة إلا بعد أن أدركوا أن هذه القوانين هناك مَن أوجدها، هناك مَن قنَّنها .

وكما أقول دائماً وهذا لابد  أن نقوله مرة وثانية وثالثة ومائة مرة لأن كل الضلال والتضليل الذي يُمارِسه الملاحدة بإسم العلم يتكئ على الإغماض في هذه الناحية :

الكون محكوم بالقوانين إذن ما الحاجة إلى الله ؟!

وهنا يتورَّط كبار العلماء الملاحدة كما أقول في كل خُطبة، فهذه المسألة في غاية الأهمية ولن نمل أن نُبدئ فيها ونُعيد مرة ومرتين ومائة مرة، حيث أن مسألة تقنين القوانين مسألة في غاية الأهمية على الإطلاق !

كارل فريدريش فون فايتسكر
كارل فريدريش فون فايتسكر

الفيزيائي والفيلسوف والباحث في السلام Friedensforscher – – كارل فريدريش فون فايتسكر Carl Friedrich von Weizsäcker  يكتب يقول في أحد كتبه عن الاقتصاد في التفكير المُتعلِّق بـــ Occam’s Razor  أي موسى أو نصل أوكام Occam ، وهو مبدأ أننا ينبغي أن نسلك أقصر طريق مُتاحة ومُمكِنة لتفسير الظاهرة، فالاقتصاد في التفكير روح العلم ومن ثم هذا مبدأ اقتصادي. فايتسكر Weizsäcker يقول :

الاقتصاد في التفكير أو نصل أوكام Occam الذي يتردَّد كثيراً على ألسنة العلماء في هذه الأيام يُفسِّر لنا سبب بحثنا عن قوانين بسيطة وجميلة دقيقة في الكون .

هو هذا، فهو أصلاً إسمه الاقتصاد في التفكير بأبسط شئ، لم تُفسِّر بخُطوتين إن أمكن أن تُنجِز التفسير بخُطوة واحدة؟!

معناها هذا المبدأ مُؤسَّس على ماذا؟!

على أن الكون ذاته – الكون نفسه – مُقوّنَن بقوانين- محكوم بقوانين – ماذا ؟!

دقيقة.. ولكنها بسيطة، والبساطة جمال، البساطة هى روح الجمال بلا شك .
ثم يقول فايتسكر  : Weizsäcker

ولكن هذا المبدأ لا يُفسِّر لنا لم نعثر عليها؟!

كيف نُوفَّق ونعثر على هذه القوانين؟!

كأنه يقول :

مبدأ أوكام Occam أو مبدأ الاقتصاد في التفكير العلمي لا يُفسِّر لنا لم كان الكون محكوماً بقوانين بسيطة، غير مُعقَّدة، غير صُدفية، غير مُختلَطة، قوانين بسيطة يُمكِن أن تُفهَم، وبالفعل نحن نفهمها ونُعبِّر عنها أيضاً بطريقة جميلة وبسيطة .
ولذلك – انتبهوا – العلم الطبيعي هذا إسمه العلم الصُلب، حيث أن أكثر العلوم صلابة الفيزياء، أما الرياضيات فهذه نظام منطقي في الحقيقة ومن الصعب أن نقول إنها علم طبيعي، هى لغة العلم الطبيعي ولكنها نظام منطقي على كل حال، أما كعلم طبيعي نجد أن الفيزياء هى أصلب العلوم على الإطلاق، لأنها علم صُلب – Solid – مُؤسَّس ومن ثم من الصعب أن تُناكِفه كثيراً، ولكن علماء الفيزياء في القرن العشرين على الضد أو ضداً على نُظرائهم في القرون السابقة وخاصة ربما التاسع عشر – أيها الإخوة – يُؤكِّدون العلاقة الوشيجة، العلاقة الحميمة بين ماذا ؟!

بين الحقيقة والجمال .

عجيب، كيف أفضى بنا الحديث إلى هذه النُقطة؟!

أنا أتحدَّث عن البراهين الآيوية وقدَّمنا لها بمُقدَّمات حتى نُفكِّكها، حتى نفهمها، وقد يفهم أي واحد منا كمُوحِّد، كمُؤمِن، كمُؤلِّه أن مِن الآيات على الله – تبارك وتعالى – مظاهر القدرة، مظاهر الإتقان، مظاهر الضبط الدقيق ، فهذه كلها براهين ولكن كيف يتسنّى للجمال أن يكون برهاناً على الله؟!

وهذا هو موضوع الخُطبة اليوم حيث أنه سيكون عن الجمال بالذات، فهذا الشيء يبدو أنه الشيء مُراوِغ و غامض وصعب تعريفه أصلاً !

أناتول فرانس
أناتول فرانس

أناتول فرانس Anatole France  الأديب والروائي الفرنسي العظيم – هو أديب يشتغل بالجماليات، لُب عمله الجمال – يقول :

أعتقد أننا لن نُفلِح يوماً وإلى الأبد في معرفة ما هو الجمال .
بالضبط ما هو الجمال؟!

ولكن هذا لا يُعتبَر إقراراً منه – أيها الإخوة – بماذا؟!

بنفي الجمال ، فهو يتحدَّث عن الجمال ويقول :

تعريفه هو المُشكِلة .
ونحن نقول هنا في هذه المرحلة على الأقل من النقاش – من الحديث – ما مِن مُشكِلة ، ليس ثمة مُشكِلة.

لماذا ؟!

لا نُريد أن نتورَّط في تعريفات الجمال في الدراسات الفلسفية المُعقَّدة جداً للجمال عبر العصور، ولكن نُؤكِّد – أيها الإخوة – أننا نعرف الجمال جيداً، هذه المعرفة هى معرفة ماذا ؟!

معرفة الخبرة، نحن نخبره تماماً، نعيشه ونمتلئ به، نتملاه في الخارج ونمتلئ به في الداخل، فخبراتنا الجمالية كسائر خبراتنا الحدسية تماماً، وتحدَّثنا مرة عن خبرة اللون لدى الإنسان، صحيح ؟!

أنت تخبر اللون، فهناك خبرة اللون الأخضر والأصفر والبنفسجي والأزرق والأبيض وهلم جرا، لكنك لا تستطيع أن تُعرِّف الأصفر، و لنفترض أن أمامك رجلاً أكمه، وُلِدَ أعمى لا يُبصِر ولا يعرف الألوان، هيا اذهب وعرِّف له اللون الأصفر تعريفاً جامعاً مانعاً ليس تعريفاً بالمثال، فإذا قلت له ” أصفر مثل دوّار الشمس ، أصفر مثل فلنة هذا الأخ” ، سيقول لك:

أخ ماذا ودوّار شمس ماذا ؟!

أنا لم أر هذا، أنا لا أرى !

إذن كيف تُعبِّر له عن اللون الأصفر؟!
صعب جداً أن تُعرِّف اللون الأصفر، ما رأيك؟!

يُقال هذا هو الحس العادي، فماذا عن المزاج العلمي إذن؟!

أكثر إغماضاً، العالم ليس بين يديه – أيها الإخوة – لكي يُحدِّثنا عن الألوان إلا حديثاً تكميمياً، سيُحدِّثك عن موجات وطول الموجات – أيها الإخوة – وصفات الموجات.

نحن أوغلنا هنا في الرمال المُتحرِّكةومن هنا أستغلها فرصة لكي أُسجِّل :

ليس لدى العلماء وليس لدى العلم أصلاً الكثير – بل هو أقل القليل – ليُحدِّثنا به عن ماذا؟!

عن الجمال أصلاً .

ماذا بوسع أكبر عالم أن يُحدِّثني عن لوحة رامبرانت Rembrandt  أو دافنشي Da Vinci أو مايكل أنجلو Michelangelo مثلاً؟!

لطخات هذه، لطخات من ألوان .
ما هى الألوان؟!

موجات تتعاطى مع العين ضمن الطيف المرئي ” الأحمر والبنفسجي” ، أما تحت الأحمر وفوق البنفسجي الله عز وجل – كما يُقال – يفتح ، لا يُوجَد.

إذن موجات، لطخات من الألوان، والألوان موجات وانتهينا، فما هذا ؟!

هذا ليس الفن!

ذات مرة في معرض كبير أتوا بلوحة مُلطَّخة تلطيخاً غريباً وقالوا أنها – كما تعلمون – من هذه الفنون الحديثة المُعاصِرة – الصرعات الفنية – وبدأ النقّاد يتكلَّمون عن عمق هذا الفنان وعن إحساس هذا الفنان، وفي النهاية قيل لهم :

مَن رسم هذه اللوحة قرد، مُجرَّد قرد حكَّمناه في أصباغ وألوان وفي قطعة قماش فأوجد لنا كل هذه الفوضى Chaos ،فعلى مَن تتفلسفون وتلعبون ؟!

على كل حال هناك فرق بين لوحة قام بها ببغاء – وقد حصل – أو صبي أو قرد وإلى آخره وبين لوحة دافنشي Da Vinci  – مثلاً – حيث أن هناك فرق كبير، ومن ثم العلم هنا يعجز تماماً .

ستقول لي “هذا أحد أوجه قصور العلم” ، بالضبط فالعلم قاصر جداً جداً جداً جداً إزاء الجمال، ومن ثم ستقول لي  “أنت مُتناقِض يا رجل لأنك قبل قلت لي  العلماء – علماء الفيزياء، علماء الطبيعة – تقريباً أدركوا الوشيجة بين الحقيقة والجمال، أوشك أن يُماهوا بين الحقيقة والجمال، ولهم عبارات كثيرة جداً جداً جداً في هذا الصدد”

لويس دي بروي
لويس دي بروي

لويس دي بروي Louis de Broglie العرب يسمونه برويلي وهو فرنسي وهو أحد علماء الكم الكبار ومن ثم هو مشهور جداً وطبعاً حاز على نوبل Nobel في ألف وتسعمائة وتسعة وعشرين عندما صدم العالم وكشف لنا من بعد أينشتاين Einstein وبلانك Planck أن الإلكترونات أيضاً – أي الكهارب –  ذات طبيعة موجية .

أليست هى جُسيمات  Particles ؟!

وتسلك سلوكاً موجياً أيضاً، وليس فقط ال Photons – أي الفوتونات – علماً بأن الفوتونات Photons  هذه كانت بمثابة مُصيبة وأينشتايتن   Einstein  خلَّصنا منها وفهِّمنا الأمر ولكننا ظللنا حتى الآن عالقين في هذه الطبيعة المُزدوَجة للضوء !

قال لك ”  ليس فقط الضوء وحده، حتى الإلكترونات Electronsأيضاً “.
ثم كبرت الحكاية وقال لك  “الذرات والجُزيئات أيضاً تسلك سلوكاً موجياً”.

وهذا لويس دي بروي Louis de Broglie وأخذ نوبل Nobel بسببها – يقول:

 “لم يزل الجمال عبر الأزمان هادياً للعلماء في تلمّس الحقيقة .”

كيف يكون الجمال هكذا علماً بأن هذا العالم من علماء الكم العظام جداً وحائز على نوبلNobel ؟!

فيرنر هايزنبيرغ
فيرنر هايزنبيرغ

فيرنر هايزنبيرغ Werner Heisenberg الألماني أحد علماء الكم العظام وحائز على نوبل Nobel أيضاً، هاينزبيرج Heisenberg   يقول :

لقد أدركت أن نظرية الكم نظرية صحيحة من فوري لما تتمتع به من جمال .
اليوم نظرية الأوتار التي تسمعون عنها – نظرية الأوتار الفائقة – Superstring Theory  مرفوضة لدى كثيرين من العلماء فضلاً عن أن بعض كبار العلماء النوبليين يسخرون منها سخرية مُرة، وكتب أحدهم – وهو أيضاً حائز على نوبل Nobel لأنه من أكبر علماء الفيزياء المُعاصِرين وحي إلى اليوم – يقول :

هذه النظرية مثلها بالضبط مثل الذي ذهب إلى حائط الرماية وجعل يرمي، فوقعت الأسهم هنا وهناك بشكل عشوائي، ثم أتى بعد ذلك إلى هذه المواضع وعلَّم عليها بالدوائر قائلاً” هذا هو، أنا فوزت”.
طريقة معكوسة في التفسير، ولكن هذا وجه من أوجه قصور النظرية، ولكن أكبر وجه جعل كثير من العلماء ينفرون منها هو ماذا ؟!

بشاعتها، ليست نظرية جميلة، فالأوتار الفائقة نظرية بشعة، مُعادَلاتها بشعة، استخلاصاتها بشعة جداً، وهذا يجعل العلماء ينفرون منها !

ريتشارد فاينمان
موري جيلمان
موري جيلمان

وفي المُقابِل طلع على العالم – العالم العلمي والمُجتمَع العلمي -ريتشارد فاينمان Richard Feynman، وزميله موري جيلمان  Murray Gell-Mann   – في الستينيات بنظرية تُفسِّر التفاعلات الضعيفة، علماً بأن هناك تسع تجارب مُصمَمة دقيقة زيَّفت هذه النظرية ولكن جيلمان  Gell-mann  وفيانمان Feynman كليهما أكَّدا أن النظرية صحيحة وإن خالفتها كل هذه التجارب ينبغي أن تكون التجارب خاطئة .

لماذا؟!

قالا “لأنها نظرية مُتناسِقة مُتماثِلة وجميلة” .

فإذا كانت النظرية جميلة والمُعادَلات جميلة ينبغي أن تكون صحيحة !

إريك فايل Éric Weil
إريك فايل

الفيلسوف والفيزيائي أيضاً الألماني إريك فايل Éric Weil حين وضع نظريته في القياس – نظرية رياضية في القياس – كان واضحاً له كما لغيره أنها تتعارض مع الجاذبية. ولكنه تمسَّك بها حتى آخر نفس، وعندما سُئل ” لماذا تتمسَّك بها وأنت تُدرِك هذه المُعاَرضة ؟! ” أجاب قائلاً :

لأنها جميلة، تتصف بالجمال .

إذا كانت جميلة لابد أن تكون صحيحة !

وبعد زمن – والرجل مات في الخمسة والخمسين  – ثبت أن حدسه كان في محله علماً بأن هذه النظرية – نظرية فايل Weil  – ساهمت مُساهَمة كبيرة في علم الديناميكا الكمية الكهربائية .

إذن هو قال “النظرية جميلة ، وبما أنها جميلة فانتهى لابد أن تكون صحيحة”.

إرفين شرودنغر
إرفين شرودنغر

النمساوي – إرفين شرودنغر –  Erwin Schrödinger –  علَّق على نسبية أينشتاين Einstein  طبعاً في الجاذبية بالذات – وقال :

ما كان لهذه النظرية أن يُحرِز شرف وضعها واكتشافها إلا عبقري كبير يُدرِك ما في الوجود من جمال وتماثل .
هذه النظرية جميلة، جميلة جداً !
والنسبية من أجمل النظريات  بل هى أجمل نظرية علمية على الإطلاق، فهى نظرية معروفة وهذا تقريباً شبه إجماع من العلماء  ومن ثم أجمل من الكم طبعاً .

وهكذا كلمات هؤلاء العلماء الطبيعيين كثيرة جداً !
ستقول لي “أنت مُتناقِض ، ها هم علماء الطبيعة الكبار في القرن العشرين – أشهر العلماء وأكبرهم على الإطلاق، نوبليون تقريباً كلهم  –  يُؤكِّدون أن للعلم صلة وأن له تواصلاً مع الجمال إذن فما معنى هذا ؟!

العلماء بشر، يعيشون الجمال، عندهم خبرة الجمال، وإذا كان العلماء يفعلون هذا لا يعني هذا بأي حال من الأحوال أن ثمة أُسساً علمية للجمال ، مُستحيل ، ثمة مظاهر جمالية للعمل العلمي .

وحتى أُوضِّح هذا أيضاً سأهتبل الفرصة وأقتبس ألبرت أينشتاين Albert Einstein بطريقة مُمتازة – أيها الإخوة – بصدد المسألة هذه ضمن ثالوث آخر :

جون سوليفان
جون سوليفان

ألف وتسعمائة وثلاثين في ألمانيا يُقابل جون سوليفان – J. W. N. Sullivan ورجل آخر هو مورفي Murphy ألبرت أينشتاين Albert Einstein  في شقته – أعتقد في برلين – ومن ثم يسألانه عن مسائل تتعلَّق بالدين كعلاقة الدين والله والأديان بالعلم، وكان لقاءً جميلاً جداً جداً حين تقرأه، ثم يسأل سوليفان Sullivan العالم الكبير سؤالاً فيرد عليه مُتحدِّثاً عن إحساسنا الجمالي – مسألة الجمال – وأحكامنا الأخلاقية – وهذه هى المسألة الثانية، مسألة الجمال والأخلاق – وغرائزنا الدينية حيث أن  أينشتاين Einstein رجل ذكي جداً وعالم ولكنه أيضاً هنا كأنه كان فيلسوفاً حيث أنه تكشَّف عن فيلسوف عميق مُكثِّف للمسائل .

إذن تحدَّث عن كم مسألة ؟!

ثلاث مسائل :الدين والجمال والأخلاق .
وكل هذه مسائل غير علمية والعلم قاصر إزاءها وعاجز تماماً، ولا يوجد عنده شيئ يُقدِّمه أبداً !

أضاف قائلاً “هذه الثلاث تُعتبَر وسائل مُساعِدة تُبلِّغنا أبعد الغايات وتُعيننا على إنجاز أعظم المُنجَزات” .

عجيب، أيشتغل هذا في العلم؟ !
الإحساس الجمالي ، الغريزة الدينية ، الأحكام الأخلاقية !

Albert Einstein ألبرت أينشتاين
ألبرت أينشتاين

يقول ألبرت أينشتاين Albert Einstein مُخاطِباً سوليفان :Sullivan
صحيحٌ ما قلت أن هناك جانباً أخلاقياً في العمل العلمي – في النشاط العلمي طبعاً كصدق العالم ونزاهته وحُبه للحقيقة فضلاً عن طموحه للفهم  وأشياء مثل هذه بلا شك، وكل هذه جوانب أخلاقية مُرحَّب بها – ولكنك لا يُمكِن أن تعكس المسألة لتقول إن هناك أُسساً علمية للمسألة الأخلاقية .

ثم قال العالم الكبير الواعي والفيلسوف الفاهم على عكس الملاحدة الجُدد الذين يتورَّطون في غباوات منطقية من أبشع ما يكون فأينشتاين Einstein   هذا ليس مُجرَّد بروفيسور Professor في البيولوجي Biology فهو عالم كبير – عالم حقيقي عبقري – وأحد الذين غيَّرو المسار البشري مُكثِّفاً :

كل مُحاوَلة لاختزال الأخلاق في صيغ علمية حتماً ستفشل . Must Fail

ستفشل لأنه هذا ليس من مباحث العلم، الأخلاق والجمال والدين مسأئل مُختلِفة تماماً !

احفظوا- يا إخواني – هذه الطريقة في المُحاجَة:

يتحدَّثون عن الأخلاق والإلحاد قائلين أن هذا مُلحِد وأحسن من أحسن شيخ من هؤلاء المشائخ القتلة الكذا والكذا، وهذا عادي طبيعي جداً طبعاً ، فمِن المُمكِن أن تجد ألوف الملاحدة خلوقين جداً، أي أنه عادي أن تجد مُلحِداً خلوقاً وأن تجد مُتديناً ولكنه غير خلوق، غير مُتخلِّق، هذه مسألة ومسألة أنه يُمكِن تأسيس الأخلاق على الإلحاد مسألة أُخرى وهى مسأل مُستحيلة.
هل فهمتم ؟!

هذا شيئ مُختلِف تماماً، أي أن هناك مُلحِدون أخلاقيون ولكن ليس هناك ماذا ؟!

إلحاد أخلاقي .

يستحيل أن تجد إلحاداً أخلاقياً، وهذه إحدى أكبر المُعضِلات أمام الملاحدة، أن يُؤسِّسوا الأخلاق على الإلحاد، ولذلك هم الآن بدأوا يتهافتون ويُصرِّحون لأنهم كُشِفوا منطقياً من خلال النقاشات والمُناظَرات في التلفاز وغيره حيث أن بعضهم صار لا يتردَّد أن يقول :

نعم، عادي، زنا المحارم عادي، فليس هناك ثمة مُشكِلة إذا وقع بالتراضي – والعياذ بالله – وكذلك عادي أن يُواقِع الأب ابنه أو ابنته أو الأم ابنتها بالتراضي، فلا مُشكِلة في ذلك.

أوه ، ما هذا ؟!

هذه أخلاق الإلحاد   -انتبهوا  هذه أخلاق الإلحاد – ،فماذ إذن عن زنا الحيوانات – والعياذ بالله – أي العلاقة الجنسية مع الحيوانات ؟!

فيكتور شتينجر
فيكتور شتينجر

فيكتور شتينجر Victor John Stenger صاحب ” الله الفرضية الفاشلة ” وهو كتاب يُعادي به الله قال :

إن كان يُحدِث إمتاعاً فعادي، وما المُشكِلة في ذلك؟!

واذهبوا إلى اليوتيوب YouTube لكي تروا ردة فعل كل مَن كان معه على المنصة نساءً ورجالاً، شيئ مُقرِف!

ولذلك الملاحدة اليوم أساتذة – والله يا إخواني ولا أتجنى عليهم – في تحقير الإنسان، ومن ثم لابد أن أعمل خُطبة وأسميها الإلحاد وتحقير الإنسان، فهم يُفهِمونك دائماً وبالفم الملآن أنك لا شيء وأنك حشرة في الكون ، مُجرَّد صفر فقد انتهى العهد الذي ترى نفسك فيه صورة من الله وأنك سيد الكون وسيد الوجود وخليفة الله، لأنهم يسخرون من هذا الكلام فأنت كومة تراب عفنة حسبما يقولون، محلولات غروية حدث لها تطوَر، ومن ثم فأنت لا شيء، أنت في أصلك حيوان، في جوهرك حيوان .

سام هاريس
سام هاريس

وهكذا يُحقِّرون الإنسان فلا يوجد أي قدر – أيها الإخوة – من إرادة التسامى  أو الوعد به ، بل على العكس هناك وعد بالانحطاط الحقير، علماً بأن منهم إإرهابيون منهم  مثل سام هاريس –  Sam Harris وهو مشهور وتأثَّر به بعض الشباب العربي – الذي قال :

ليس لدي مانع أن يُباد المسلمون بالقنبلة الذرية .

تفضَّل !

وهذا مُفكِّر وعالم في الأعصاب ومُلحِد إنساني، يُريد هذا الجاهل أن يُبيد ثُلث البشرية، ولابد أن أقولها بالفم الملآن أنه  جاهل فهو حتماً جاهل ولا يُمكِنني أنا أتكئ أو أقتبس سام هاريس Sam Harris هذا في أي شيء يتعلَّق بالإسلام أو تاريخ الإسلام، في حين أنني أقتبس باحترام مُؤرِّخين عظاماً أوربيين وغربيين، بعضهم أعظم من مُؤرِّخي المسلمين لأنهم أنصفوا الحضارة الإسلامية وأنصفوا إسهام المسلمين وقالوا بالفم الملآن مرة أُخرى وبالضرس القاطع :

لولا الإسلام والمسلمون ما كنا هنا، هذا مُستحيل فنحن نتكيء ونستند إلى إرث عظيم هو إرث الحضارة الإسلامية .
هؤلاء أحترمهم، هؤلاء مُؤرِّخون يعلمون ماذا يقولون ، قرأوا عشرات آلاف إن لم يكن مئات آلاف الصحائف في تاريخ الحضارة الإسلامية، ولكن هذا الجهول الحاقد – أيها الإخوة – حقداً غريب جداً على الإسلام وأهله ليس عنده مانع أن يُبيد المسلمين بالقنبلة الذرية، ثم يتحدَّثون عن الإلحاد !

ويا ويح شبابنا حين يقتبسون هؤلاء ويُجلون هؤلاء، يجعلون يتخذون هؤلاء مرجعيات لهم، ألا فافرح بهذه المرجعية، هنيأً لك بهذه المرجعية – بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً -، فهو على الأقل لم يذهب ليقتبس بعض الغربيين الذين لديهم إنسانية حقيقية وفكر عميق وفلسفة عميقة كالتي سنرى بعض وجوهها بُعيد قليل !
أما وأننا نُطوِّل دائماً بالتفريعات علينا أن نعود إلى محور الحديث:

كيف يُمكِن أن يُتخَذ الجمال دليلاً على الله تبارك وتعالى ؟!

والمسألة – كما قلنا – صعبة في بادئ النظر لأن الجمال روّاغ، ومن ثم سنتملص ونتفصى من هذا الإشكال فقط بالاكتفاء في هذه المرحلة بالقول بأننا نخبر الجمال، فنحن نعرفه ونعيشه، وهو الذي يجعلنا نبكي أحياناً، تقشعر أبداننا، نشعر بالتسامي والرُقي حين نسمع قطعة موسيقية – أيها الإخوة – ونرى لوحة فنية أو منظراً طبيعياً، حين ننظر إلى الطبيعة نفسها فالجمال موجود في كل مكان – أيها الإخوة – ،ولكن الآن سيتدخَّل لك المادي والطبيعي أو الطبيعاني –  – Naturalisticبطريقة طبيعانية قائلاً ” لا لا لا لا لا لا لا، هذه مُجرَّد صُدف أو ضرورة أملتها قوانين الطبيعة” علماً بأنها لا ضرورة ولا صُدف، ما رأيكم ؟!

والآن سنُثبِت وبطريقة بسيطة جداً ومفهومة أن الجمال ليس ضرورة ولا صُدفة، فبقيَ أن يكون ماذا ؟!

سوف نرى بطريقة استنتاجية، خُطوة بخُطوة.

أول شيئ الجمال ليس ضرورة، حتماً ليس ضرورة خاصة إذا اعتمدنا منظور الانتخاب الطبيعي، فالانتخاب الطبيعي لا علاقة له بماذا؟!

بالجمال .

واضح أم غير واضح ؟!

واضح طبعاً، فالانتخاب الطبيعي الأعمي كما يقولون نعم ليس عشوائياً ولكنه ليس لديه غاية، ليس لديه مُخطَّط ولا هدف ولا أي شيئ ، علماً بأن الانتخاب الطبيعي ليس قوة مُبدِعة و لا يُضيف شيئاً في الطبيعة أبداً أبداً ولكنه يشتغل على الإضافات، فمِن أين تأتي إذن؟!

قال لك ” من الطفرات مثلاً، حيث أن أهم شيء الطفرات Mutations “.

تحدث طفرات والانتخاب الطبيعي الآن يبدأ يشتغل بالتشذيب والحذف فيحذف ما لا يصلح وما لا يتلاءم أي ما لا يصلح للتكيف، ويستبقي ما يصلح، ولكنه لا يُضيف شيئاً، وهذه هى مسألة التشذيب بحذف ما لا يلزم  Weeding Out Process.

Weeding Out تشذيب بحذف ما لا يلزم، وهذا ما يُعرَف بمسألة التهذيب أو التشذيب Weeding Out Process.

ولكن قبل أن أمضي انتبهوا فهذه المسألة مُهِمة جداً :

بعض الناس لديهم استعداد وثني للإيمان بالأوثان، بمعني أن الإنسان في يوم من الأيام عبد هُبل، عبد اللات، عبد الشمس، عبد القمر، هو إنسان مثلنا بكل لياقات الإنسانية ولكنه عبد حَجراً، والآن هناك أُناس لديهم استعداد أن يعبدوا الانتخاب الطبيعي وأن يُعامِلوه كإله ومِن هنا لكي تُناقِشونهم قولوا لهم :

هل للانتخاب الطبيعي كيان؟!
أي هل هو Entity كيان ؟!

هل هناك في الخارج شيئ إسمه انتخاب طبيعي ؟!

سيقولون لك ” لأ ، لا يُوجَد  شيئ في الخارج – خارج أدمغتنا ، خارج أذهاننا ، خارج اللغة الإنسانية العلمية هنا في هذا السياق – إسمه انتخاب طبيعي .

جميل جداً، إذن ما الذي يحدث ؟!

يقول لك” هذا مُجرَّد إسم على عملية تحدث في الطبيعة من خلال وقوع طفرة وهذه الطفرة – مثلاً – يزداد بها الكائن – الحيوان مثلاً كالغزال ، الأيل أو أي شيئ – ساقاً جديداً، فيُصبِح لديه خمسة سيقان.

واضح ؟!

الآن هذه الساق الجديدة إما أن تحفزه مزيد حفز على الحركة بإعطائه قوة فيُصبِح أسرع – وهذا مُستبعَد جداً جداً جداً أيها الإخوة – وبالتالي الانتخاب يُبقيها لأنه سيفوز في سباق – Race – الطبيعة، في سباق البقاء للأصلح، حيث أن الأكثر تكيفاً سيفوز، ومن ثم ستموت أفراد أعجز.
وإما أن يكون العكس حيث أن الساق الجديدة سوف تُثقِله وتعوقه وتُبهِظه، وبالتالي الذي سيحصل هو أن الكائن سيفنى.
قال لك “وهذه العملية نحن نُطلِق عليها الانتخاب الطبيعي.

إين هذا يعني أنه لا يُوجَد كيان – Entity   إسمه انتخاب طبيعي لكي أعبده من دون الله؟!

لا يُوجَد.

انتبهوا ويا ليت الآن تركِّزوا معي – إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ – لكي تُطمئنوا أنكم الآن لا تُهدِرون أوقاتكم فنحن لا نتفلسف فالمسألة مُهِمة جداً !

الله يقول لك :

يُمكِن لإنسان أُمي لا يفك الخط أن يستدل علىّ بطريقته، ويُمكِن لعالم وكبير أو فيلسوف أيضاً أن يستدل علىّ .

السؤال إذن: أيهما أقرب إلى الله؟!

الثاني طبعاً.

لماذا ؟!

لأن الثاني هذا لا يأتي بأشياء من لدُنه فهو لا يخلق أشياءً إنما فقط يٌحاوِل أن يستخدم هذه الجوهرة – العقل – التي وهبها الله – عز وجل – له لكي يفك رسائل الله، حيث أن هناك رسائل كثيرة فالكون ملغوم بالرسائل، هو أصلاً مجموعة رسائل – يا إخواني – ولكنك لن تستطيع أن تقرأ هذه الرسائل ولا أن تفك شيفرتها إلا وفق المنظور الذي تصدر عنه، فإن صدرت مُنذ البداية عن منظور مادي طبيعي أو طبيعاني لن تفك الرسالة.

سأُعطيكم مثالاً – والله – ستفرحون به بقدر ما فرحت به أنا:

هناك فيلسوف ألماني – أعتقد أنه حي إلى اليوم – إسمه روبرت شومان Robert Schumann :

روبرت شومان Robert Schumann  فيلسوف مشهور جداً وهو أكبر فيلسوف كاثوليكي الآن في ألمانيا ويُقال في العالم كله  !

يوهان سباستيان باخ
يوهان سباستيان باخ

شومان  Schumann يُحدِّثنا عن عمل قامت به موسيقية ألمانية إسمها هيلجا ثوني Helga Thoene حينما اكتشفت في إحدى سوناتات Sonatas باخ Bach – وهى سوناتا Sonata  إسمها Violin Sonata أي سوناتا الكمان ،  In G Flat في الشقة G – ما يُعرَف بال Double Coding أي الترميز المُضاعَف، حيث أن باخ Bach عمل ترميزاً مُضاعَفاً من خلال كتابة لحن مُعيَّن بطريقة مُعيَّنة إذا أبدلنا فيها الأرقام بالحروف – عوَّضنا الأرقام بالحروف – ستخرج لك رسالة أُخرى غير الموسيقى، علماً بأن الموسيقى موجودة وهى بإجماع الموسيقيين المُختَصين موسيقى رائعة مثل سائر موسيقى باخ Bach  فالموسيقى في السوناتا  Sonata  هذه رائعة جداً ولكن هناك رسالة مخفية هيلجا Helga اكتشفتها لأول مرة في التاريخ ، حيث أن باخ Bach أودعها ثم مضى الرجل إلى سبيله ، وهو ما اكتشفته هيلجا Helga حين عوَّضت عن الأرقام بالحروف، فماذا تقول هذه الرسالة؟!

هى رسالة باللاتينية تقول:

(Ex Deo Nascimur, In Christo Morimur, Per Spiritum Sanctum Reviviscimus)
أي تينا من الله، نموت في المسيح، وبالروح القدس نُبعَث من جديد!

:Ex Deo من الله.

:nascimur أتينا.

Ex Deo nascimur : أتينا من الله.
In Christo morimur: ونموت في المسيح.
Per Spiritum Sanctum reviviscimus: وبالروح القدس نُبعَث من جديد.

وهذه كانت الرسالة – رسالة دينية طبعاً – التي أودعها باخ Bach !

ماذا نستفيد من هذا ؟!
هنا نجد طريقة عظيمة جداً ورائعة لشومان  Schumann الذي قال:

يُمكِنك أن تدرس الطبيعة، أن تصف ما يقع في الطبيعة من تطوّر، من ترقٍ، من عمليات حيوية بمُصطلَحات مادية بحتة  Naturalistic Terms، يُمكِن أن تفعل هذا بدون أي مُشكِلة، كما يُمكِنك أن تصف ما يحدث وتقبله، ولكنك حين تُواجِه إنساناً جميلاً، حيواناً جميلاً، زهرة جميلة، منظراً طبيعياً جميلاً ، هنا يأتي النص – Text – فلن تستطيع أن تقرأ هذا النص إلا بشيفرة جديدة .

ولكن أنت لا تمتلك هذه الشيفرة لأنك استخدمت شيفرة ماذا؟!

طبيعية ، طبيعانية ومن ثم فهمت ماذا يحدث تماماً مثلما فهم داروين Darwin والملاحدة كيف يعمل الانتخاب الطبيعي.

واضح ؟!
والآن أنا وصلت إلى نُقطتي ولكن لابد مِن أن نُنبِّه على أن لا داروين Darwin ولا الملاحدة ولا كل هؤلاء فهموا – أيها الإخوة – الجواب أو حاولوا أن يُناجِزوا السؤال الكبير :

لم تفعل الطبيعة ما تفعل؟!

لماذا من مُنتَجات عمل الانتخاب الطبيعي ليس فقط كائنات صالحة أن تعيش بل كائنات أيضاً جميلة، كائنات فيها جمال عجيب، جمال أخّاذ ؟!

هل فهمتم؟!

لماذا يُوجَد هذا الجمال الأخّاذ؟!
وطبعاً يُمكِن أن تضرب مليون مثل لمظاهر هذا الجمال ومن أبرزها الصوت الإنساني، واليوم من أغنى الناس على وجه البسيطة المُغنون والمُغنيات – الفنانون – فهم يحصلون على مئات الملايين، لماذا ؟!

لأن البشر مُستهامون بهذا الجمال الإنساني الذي تُبرِزه الحنجرة، جهاز التصويت عند الإنسان!

تشارلز داروين
تشارلز داروين

وتشارلز داروين Charles Darwin نفسه بنزاهة علمية في أصل الأنواع قال “ما مِن مناص أن تُصنَّف القدرة التصويتية الموسيقية عند الإنسان ضمن أكثر الملكات غموضاً” مشيراً إلى أنه لا يستطيع أن يفهم السبب حيث أنه قال في بداية الفقرة” ما مِن شك أن استمتاع الإنسان بالنغم وقدرته على توليد هذا النغم لا يعود على الإنسان بأدنى فائدة في حياته اليومية المُعتادة”

وطبعاً كل صوت بشري جميل ولكن هناك أُناس أصواتهم أجمل لأن عندهم أصوات جميلة جداً جداً، بل يُوجَد بعض البشر صوته أجمل من صوت الآلة بشكل غير معقول، إذن جمال الصوت ليس له علاقة بمسألة ماذا ؟!

البقاء، النجاة، ال Survival.

فمسألة الجمال ليس له علاقة بمسألة البقاء فهى مسألة مُختلِفة تماماً، إذن لم كانت ؟!

علماً بأن جهاز التصويت ليس وحده كذلك بل والأُذن أيضاً فأنت عندك جُزء في الأُذن مُكوَّن من أقواس يصل عددها إلى زُهاء أربعة آلاف قوس معمولة بطريقة دقيقة ومُعقَّدة جداً جداً جداً، إذن ما الفائدة من وجود أربعة آلاف قوس دقيق مُنحنٍ في أُذنك؟!

لكي تُميِّز هذه الأُذن بين هزيم الريح وقصف الرعود وبين حفيف ورق الشجر وخرير الماء، ولكي يحدث أيضاً الاستمتاع بالموسيقى والأصوات الحسنة والنغمات، ومن هنا كم يُعجِبني المصريين فنحن دائماً ما نقول “الإخوة المصريون عندهم أُذن موسيقية عجيبة” فأنا حين أستمع إليهم وهم يستمعون إلى فنان أو فنانة مثل السيدة كوكب الشرق – مثلاً – وهى تبعث برسالة تستثير بها المواجيد والمشاعر – أيها الإخوة – بالملكة الموسيقية التي تجعلني أنفعل من فوري أحياناً حينما تنطق حرف بطريقة مُعيَّنة بل وأحياناً نبكي ونتساءل كيف عملت هذا وإذا بالجمهور المصري كله يصرخ لأنه أدرك ووصلته الرسالة، إذن كيف أدرك هذا؟!

هنا تفشل المادية تماماً، هنا ليس للعلم ولا للانتخاب الطبيعي شيئ ليقوله ويُدلي به!

السؤال الآن: ما مصدر هذا الشيئ؟!

لماذا زُوِّدنا بهذه الحاسة الجمالية، بهذه القدرة على إدراك الجمال والتفاعل معه والانبهار به، بل والذوبان فيه في لحظات تُوصَف بالتسامي في فلسفة الفن؟!

لماذا؟!

داروين Darwin يقول “هذه المسألة غامضة جداً جداً جداً “.

كيف غامضة؟!

هذه المسألة ليست غامضة لدينا بفضل الله عز وجل.

السؤال الآن: لم الانتخاب الطبيعي يُزوِّدنا – أيها الإخوة – بمُخرَجات، بمُنتَجات ليست فقط صالحة للبقاء ولكنها جميلة وجميلة جداً؟!

لأن باعتراف داروين Darwin -وينبغي أن يعترف أي مادي وأي تطوّري بهذا – هذه المسألة لا تُمليها الضرورة فأنا سأعيش بغيرها، وهناك أُناس ليس لديهم حُنجرة ويعيشون بشكل عادي، وقد يعيش أنجح من إنسان لديه حُنجرة ويستطيع أن يُكوِّن ثروات ويجمِّع شهادات ويفعل ما يحلو له، أي أنه ليس من الضروري أن يكون لدي صوت جميل جداً لكي أعيش، ليست ضرورة البتة، وليست ضرورة أن نكون بكل هذا الجمال الذي نحن عليه وبكل هذه السيمترية، وهذا لا ينطبق علينا نحن فقط بل وعلى الحيوانات والطيور فهذه المسألة قصة كبيرة!

أدولف بورتمان Adolf Portmann،
أدولف بورتمان

وجميل – يا إخواني – أن نعود إلى المُتخصِّصين في هذه المجالات وليس إلى المُدّعين الذين يتسلَّقون على كل علم ويتسوَّرون على كل موضوع لكي يخدموا قضية أيدولوجية في نفي الله ونفي الدين وسبه فلابد من الرجوع إلى المُتخصِّصين كالعالم المُتخصِّص الكبير أدولف بورتمان Adolf Portmann، بورتمان  Portmann مُتخصِّص في أشكال الحيوانات وزينتها ، ولديه كتاب إسمه New Paths in Biology أي مسالك جديدة في علم الأحياء ولم يكتف فقط بالحيوانات بل تحدَّث عن النبات أيضاً قائلاً:

التمثيل الكلوروفيلي – Photosynthesis  – يُفسِّر لنا لم كان للأشجار أوراق ، فالأوراق مُهِمة جداً لتحصيل الغذاء للنبات، ولكنه لا يُفسِّر لنا هذا التنوّع المُذهِل وهذا الجمال المُحيِّر في شكل أوراق الأشجار، حيث يُوجَد أشكال عجيبة وغريبة جداً جداً جداً، إذن المسألة ليست مسألة ضرورة إذن، ليست مسألة ضرورة بالمرة لأن كان من المُمكِن لأي شكل ورقة أن يقوم بهذه الوظيفة ،ولكن يُوجَد أشكال كثيرة فلم هذه الأشكال؟!

لم هذا الجمال كله ؟!

ومن ثم لا يُفسِّر لنا لم كانت أوراق الشجرة الفلانية تختلف عن أوراق الشجرة العلانية، وهذه جميلة وهذه أجمل، فلم ؟!
قال :

لقد دأب العلماء لفترة طويلة جداً على تفسير الريش لدى الطيور – ريش الطائر – على أنه يُيسِّر عملية التعديل الحراري والطيران وهما
وظيفتان رئيستان الريش ولكنهم لم يتطرَّقوا لمسألة لا تقل أهمية وتردداً لأنها موجودة باستمرار – وهى مسألة ماذا ؟!

مسألة الزخرفة، زخرفة الريش!
ما هذا الجمال ؟!

وانظر أنت إلى الخلفيات – Wallpapers – التي تُوضَع  في أجهزة الكمبيوتر- Computers – فالأمر ليس قاصراً على الطاووس فقط بل يُوجَد أنواع كثيرة من الطيور بشكل لا يكاد يُصدَّق، أليس كذلك ؟!
أدولف بورتمان Adolf Portmann  المُتخصِّص في هذا العلم بالذات قال بعدما عجزوا عن الإجابة عن هذا السؤال:

من منظوري أنا – من نُقطتي أنا كمُتخصِّص – أرى أن هذا الموضوع لا يمت للضرورة ولا للبقاء بصلة، إنه محض تصوير ذاتي .

أي أن هناك رسّام رسم كل هذا، أرأيتم ؟!

شيئ يقشعر له البدن!

والآن سأُعطيكم تُحفة وإن شاء الله ستدعون لي بسببها، سائلاً الله أن ينفعكم بها كما انتفعت بها فهى شيئ – والله – رائع وسنضع الرابط تحت لأن كل كلامي سيُفسِد عليكم مُتعتكم بهذه التُحفة وهى تُحفة فنية مَن قام بتسميتها هو أحد كبار علماء الأحياء الملاحدة المُعمَّرين وهو السير ديفد أتينبارا  Sir David Attenborough، ومن ثم سترون هذه التُحفة في مقطع من حلقة للسير Sir ديفد أتينبارا David Attenborough، وهذه التُحفة إسمها:
Japanese Puffer Fish Masterpiece!

التُحفة الفنية لسمكة البخّاخ أو سمكة البخّاخ اليابانية!
ما قصة ال Puffer Fish  هذه ؟!

وماذا عن تُحفتها ؟!

أولاً طبعاً ستدخلون على هذا الرابط إن شاء الله  وسوف ترون هذا الشيئ بعد الصلاة، شيئ يُبكي – والله العظيم -، مُمكِن تجلس نصف ساعة تبكي من خشية الله!

ما حدث باختصار – يا إخواني – أنه في ألفين وثلاثة عشر  كان هناك مُصوِّراً يابانياً شهيراً للكائنات المائية  – أعتقد له أكثر من ثلاثين سنة في هذه المهنة – وذات مرة فُوجيء وهو يغوص في الأعماق على بُعد ثمانين قدماً – على عمق ثمانين قدماً – بلوحة فنية مُخيفة  في جمالها، مُذهِلة، بماذا رُسِمَت هذه اللوحة ؟!

بأي أصباغ رُسِمَت؟!
a9038fe1256e7f69425c5c8fb88f9b23 (1)رُسِمَت بالرمال، دوائر مُتداخِلة في الرمال تُشكِّل بروزات مُختلِفة النتوء ولكنها محكومة بالسيمترية أيضاً، محكومة بالتناظر، بالتماثل .

شيئ لا يكاد يُصدَّق !

الرجل فُوجيء وأصابته الصدمة لأنه لأول مرة يرى هذا الشيئ وأدرك أنه ما مِن أحد رأى هذا من قبل، وهو ظن طبعاً أن مَن فعل هذا ربما استخبارات عالمية تُريد غزو المياه اليابانية لأنه كانت تحفة فنية عجيبة، ومن ثم خرج من فوره مُباشَرةً وأتى عمل من بعض العلماء المُتخصِّصين الزملاء له وأيضاً بفريق تلفزيوني من قناة يابانية يُقدِّمون فيها برنامج علمي إسمه الطبيعة ، وغاصوا فعلاً لكي يروا هذه الدواير الغامضة والجميلة جداً التي سوف ترونها بُعيد قليل على محمولاتكم، ثم نصبوا هناك كاميرات المُراقَبة وغادروا المكان، ثم عادوا بعد حين ليُفاجاءوا بالفاعل:

من أين استخبارات ؟!

من أي دولة ؟!

سمكة البخّاخ – ال Puffer Fish  – الصغيرة التي لا يزيد طولها عن بضع بوصات  .

كيف تفعل هذا ؟!

كيف تُنجِز هذا ؟!

شيئ لا يكاد يُصدَّق !
تُنجِز هذا وعندها أدوات Tools-  – مثل زعانفها – Its Fins  – وفي بعض التقارير استمعت إليها بالإنجليزية تفعل ذلك بالإتكاء على زعنفة واحدة، و طبعاً قُطر هذه الدائرة – أيها الإخوة – تقريباً متران، أي مساحة كبيرة تُشكِّل لوحة فنية ، كما أنها تشتغل أربع وعشرين ساعة على أربع وعشرين ساعة في الأسبوع، وليس هذا فقط بل أنها كما سوف ترونها في مقطع السير ديفد أتينبارا Sir David Attenborough وفي مقاطع غيره تقوم بتنظيف الحيز، ولا تكتفي بكل هذه التُحفة – تُحفة فنية رائعة جداً Masterpiece حقيقية ،  – بل تأتي ببعض الأصداف وتُكسِّرها وتُزيِّن بها بعض الحواف.
ما هذا الفنان – Artist – الرهيب؟!

لا إله إلا الله !

هل هذا له علاقة بالبقاء؟!

أي هل هذا ضروري للبقاء؟!

ويُكتشَف بعد ذلك أنها تفعل هذا لكي تجذب الإناث ، لتضع سعيدة الحظ بيوضها في مركز هذه الدائرة .

إذن لم كانت ؟!

سيقول لي أحدهم ” أنت يا عدنان مُتأخِّر جداً، يبدو إنك أنت مُتأخِّر في قرائاتك ودراساتك لأن داروين Darwin تكلَّم في مئات الصفحات – يعني تقريباً ثُلثا كتابه – عن تحدّر الإنسان – أيها الإخوة – و الانتقاء الجنسي .

نعرف هذا وذكرناه في مُحاضَراتنا ولكن داروين Darwin لم يقل بهذا الصدد شيئاً، هو فقط قال لنا” الإناث ينجذبن إلى مثل هذه المظاهر الجمالية في الذكر أو التي يصنعها الذكر”، ولكنه لم يُجِب عن سبب فعلهن هذا، فلماذا تفعل الأُنثى هذا مع أن هذا يُعرِّضها لماذا ؟!

لمهلكة، للهلاك .

بمعنى الطاووس الذي يستعرض جمال ريشه وجمال بدنه ألا يُعرِّض نفسه للهلاك ؟!

فبدل أن يكون هناك كاموفلاج Camouflage ويتخفى يُصبِح ظاهراً رأي العين ويُمكِن صيده، وداورين Darwin نفسه قال” كلما نظرت إلى الطاووس أصابني الغثيان” لأنه بهذا الفعل يُعارِض نظريتي، فلماذا يفعل ذلك؟!

قال لك ” انتخاب جنسي” ولكنه  لم يسأل نفسه – ولابد أن نكون صادقين – لماذا الأُنثى تُفضِّل هذا ؟!

هذا هو السؤال!

السؤال:  لماذا الأُنثى تُفضِّل هذا ؟!

لماذا أُنثى ال Puffer Fish تفعل هذا ؟!

وبالمُناسَبة بعت هذا المقطع – الخاص بال Puffer Fish  – لزميل لي جرّاح كبير وعالم في الطب – والله – قال لي ” لا يُمكِن لو وُضِعت هذه السمكة أن آكلها “، قلت له ” وأنا معك، مُستحيل”.

هى حين تفعل هذا ويتفق لك أن ترى هذا كأنها تقول لك “مثلي مثلك، كلنا عبيده – لا إله إلا هو، الواحد – وندل عليه ، أنا أدل عليه وأُؤدّي وظيفتي وأقوم وأدل عليه بطريقة مُعيِّنة”، وربما هى ليست واعية بهذه الطريقة ولكنها تفعل!

الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى  ۩  

 لا إله إلا هو!
ولكن الله – عز وجل – يعلم أنك ستأتي وترى هذا لأنه أخبرك أنه سخَّر لك كل ما في السماوات وما في الأرض، ويعلم أنك في يوم من الأيام سوف تكتشف هذا، فهل ستفك الرسالة؟!

هل قرأت الترميز المُضاعَف أم لا لم تقرأ؟!

بالكود – Code  – الإلهي ستقرأ الرسالة، أما بالكود – Code – الطبيعي لن تقرأ الرسالة ولن تفهم، ستنتحر مرة أُخرى الآن ليس عقلياً وإنما وذوقياً  أيضاً، ما رأيكم؟!

المُلحِد ينتحر عقلياً – وأثبتناها في الحلقات السابقة – وينتحر ذوقياً أيضاً أمام كل هذا الجمال الأخّاذ الفتّان.
ال Snowflakes نُدف الثلج ، أكيد كل واحد فيكم في يوم من الأيام شاف في النت ،  في كذا أو في الكتب الجمال المرسوم في نُدف الثلج يا إخواني :

ويلسون بنتلي Wilson Bentley
ويلسون بنتلي

1024px-SnowflakesWilsonBentleyأشهر عالم في موضوع نُدف الثلج ويلسون بنتلي Wilson Bentley وعنده كتاب إسمه Snow Crystals – أي كريستالات أو بلورات الثلج أو الثلجية – أودع فيه أكثر من ألفي شكل لنُدف الثلج، مُصمِّمو الأزياء – أيها الإخوة – إلى اليوم يعتمدون على كتاب ويلسون بنتلي Wilson Bentley في تصميم تُحفهم وأعمالهم الفنية، كتب أحد كبار العلماء الذي قدَّم لكتاب بنتلي Bentley يقول :

نعم يفعلون هذا ويستمدون من زخائر معرض الطبيعة الدائم للفنون التوشيعية .

ولكي تفهم كيف يحدث هذا التوشيع شوف بعض أشكال بنتلي Bentley اذهب على موقعه snowflakebentley.com مُباشَرةً ستجد خمسين ألف صفحة تتحدَّث عن هذا، حيث أن هناك جمال لا يكاد يُصدَّق فبنتلي Bentley مكث خمسين سنة يُنجِز هذا الكتاب لكي تطلع على ألفين مشهد إلهي جميل، أمضى خمسين سنة من عمره في هذا فجزاه الله خيراً أياً كان هذا الرجل .  [button color=”red” size=”small” link=”http://www.amazon.com/Snow-Crystals-Dover-Pictorial-Archive/dp/0486202879″ icon=”” target=”true”]للوصول إلى الكتاب[/button]

واضح ؟!

رالف والدو إمرسون
رالف والدو إمرسون

فلا تُضِع الفرصة هذه، رالف والدو إمرسون Ralph Waldo Emerson مرة قال:

“إياك أن تُفوِّت فُرصة واحدة للتمتع بشيئ جميل”

لماذا؟!

لأن الجمال خطته يد الله .
الجمال ليس مادياً – وهنا تماماً يعجز الإلحاد – ، الجمال شيئ إلهي:

الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ۖ   ۩

لا إله إلا هو !

فهذا شيئ إلهي ومن ثم يُذكِّر بالله!

توماس مان
توماس مان

توماس مان Thomas Mann الأديب الألماني العظيم وعدو النازية – وتعرفون أنتم توماس مان Thomas Mann – كتب يقول مرة:

الجمال وحده إلهي ومرئي في وقتٍ واحد .

Marco Polo ماركو بولو
ماركو بولو

وربما تسمعون عن ماركو بولو Marco Polo علم الأعصاب والمُخ الآن في العالم – وتعرفون ماركو بولو Marco Polo الرحالة في القرن الثالث عشر  – الذي يُعَد أكبر خبير في تضاريس المُخ البشري وهو العالم الأمريكي من أصل هندي راماشاندران Ramachandran، راماشاندران Ramachandran يقول ” في الآونة الأخيرة تزايد اهتمامي بمسألة الجمال والفن، ودرسته كثيراً وفكَّرت فيه كثيراً وسألت ما هو الجميل؟!

ما هو الجمال الجمال ؟!

وبالتالي ما هو الفن؟!

أجاب قائلاً:

 فيلاينور راماشاندران
فيلاينور راماشاندران

لم أجد أفضل مِن كلمة سنسكريتية – لأنه هندي – إسمها Rasa، ومن الصعب أن أُوضِّح ما المقصود بطريقة دقيقة بال Rasa هذه ولكن باختصار هى كلمة سنسكريتية تُشير إلى ماذا ؟!

إلى الوصول وإصابة جوهر الشيئ ثم القدرة على التعبير عنه، فالجمال هو الجوهر، جوهر الوجود!

وهذا يقودني الآن إلى مسألة ثانية مُهِمة جداً:

أنا أثبت الآن بإثبات العلماء الكبار المُختَصين أن الجمال لا تُفسِّره الضرورة، فهو شيئ غير ضروري ولا تُمليه الضرورة!

جان بول سارتر
جان بول سارتر

ستقول لي ” ولكن جان بول سارتر Jean-Paul SARTRE في كتابه (ما الأدب؟) قال بالضرورة “، وأنا سأقول لك” كان سطحياً كثيراً جان بول كل سارتر Jean-Paul SARTRE هنا، كان سطحياً جداً وعالج المسألة بسطحية وباستخفاف ومن ثم ليس لكلمته أي قيمة هنا، هذا لا تُفسِّره الضرورة، وداروين Darwin نفسه قال “لا تٌفسِّره الضرورة “، لا تُفسِّره الضرورة أبداً، إذن هل تُفسِّره الصُدفة؟!

هل تُؤمِن بأن هذه الرسالة وُضِعَت في عمل باخ Bach صُدفة؟!

مُستحيل، إذن هل هذه الرسالة وُضِعَت في الطبيعة صُدفة ؟!

مُمكِن أُؤمِن بهذا ولكن متى ؟!

لو كان هناك رسالة أو رسالتين أو ثلاثة في الكون، ولكن هناك مليارات الرسائل فماذا عنها؟!

إذن لا يُوجَد  شيئ تقريباً في العالم إلا وله وجه ماذا ؟!

جمالي Aesthetically.

هل يُمكِن للصُدفة أن تُفسِّر الكثير جداً جداً جداً، أم أن شأن الصُدفة أن تُفسِّر النادر جداً؟!

أجيبوني لأن هنا المنطق يشتغل، ال Reason، العقل .

إذا أردت أن تُفسِّر بالصُدفة فسِّر ماذا ؟!

الشيئ النادر ، ظاهرة مثل ال Puffer Fish تكون صُدفة وكل شيئ في العالم قبيح وغليظ وخشن ولا يُوجَد فيه السيمتري Symmetry والهَرموني Harmony وبالتالي عادي أن تكون صُدفة، ولكن ما حدث العكس لأن كل شيئ تقريباً محكوم بقانون التماثل والسيمترية والتناظر والجمال بشكل عام والتناسب والتناسق، وهذا الأمر لا تُفسِّره الصُدفة!

ستقول لي:

إذن ما الذي يُفسِّره؟!

هل تُريد إحرجنا نحن الملاحدة الكفّار الماديين العِلميين أوالعِلمويين؟!
إفما الذي بيُفسِّره إذن ؟!

أنا أقول لك:

أنت يُمكِن أن تكتب بالقلم رسالتك الخاصة بك اللي ترفض طبعاً أن تُنسَب إلى الصُدفة وخاصة إذا كانت قصيدة شعر ولا مقالة فلسفية، أو تكتب رسالتك هذه الفلسفية في الإلحاد –  وأُخاطِب المُلحِد وأرجو له الهداية ولي طبعاً من قبل – بقلم من ذوات العشرة سنت، حيث يُوجَد أقلام بعشرة حلوة، مُمتازة وتكتب، ولكن هناك أقلام بخمسمائة يورو، بألف يورو، بألفين يورو، لأن مادتها وخامتها مُختلِفة فهى ثمينة وتكون مُزيِّنة أحياناًبنوع من الأحجار الكريمة.

السؤال الآن: المُصمِّم – Designer – الذي صمَّم هذا القلم – وطبعاً كل شيئ مُصمَّم من المرسيدس Mercedes إلى القلم فهؤلاء دارسون للتصميم – بهذه الزينة وبهذا الزُخرف – وفي آلاف الأقلام طبعاً لمئات المُصمِّمين – هل كان أمامه بدائل حين صمَّمه؟!

مئات البدائل إذا لم يكن آلاف بحسب خصوبة ذهنه التصميمي وقدرته على تخيل التصاميم الزُخرفية التزينية لهذا القلم، ولكنه لأسباب ما هو يعلمها أكثرها من غيره اختار ماذا؟!

زخرفةً مُعيَّنة، تصميماً واحداً!

إذن الخلاصة هى أن الجمال، الزينة، الزخرفة، التزيين عمل بطبيعته يقوم على ماذا؟!

على البدائل، على وجود بدائل مُتاحة لوجود وجود وعيٌ حرٌ في اختياره يُفسِّر هذا، إذن هما مسألتان: الوعي والحرية!

إذن بوجود الوعي انتفت ماذا ؟!

المُصادَفة فهى لم تأت مِن تلقاء نفسها.
وبوجود الحرية ثم اختيار بديلاً من بين خمسين بديلاً – مثلاً – فانتفت ماذا ؟!

الضرورة .
فلا ضرورة، لو كان هناك ضرورة لكان لها طريق واحد ميكانيكي ولأصبحت المسألة آلية لأن الضرورة دائماً آلية، ولكن هذه المسألة ليست آلية!

لا إله إلا الله!

وإذا فكَّرت في الطبيعة والكون سيظهر لك هذا أيضاً بألف وجه ووجه، انظر – مثلاً – أنواع الطيور، ما مُصنَّفات الطيور؟!

Geodes
Geodes

ستجد أن لدى الطيور من الريش والجمال والألوان الشيئ الذي لا يُنتهى منه، وانظر إلى النباتات ستجد الشيئ نفسه، انظر إلى حجارة البهت أو النسر كما يسميها العرب أو ال Geodes، وهى حجارة هكذا ( كما في الصورة ) يكون باطنها مُجوَّفاً ومُزيَّناً هذا الباطن ببلورات جميلة أو بأشياء معدنية طبيعياً خلقياً وكريستالات، فهى شيئ في مُنتهى الجمال، وأيضاً نفس الشيئ فقط ادخل على النت واكتب Geodes ، Geodes وسوف تجد حجارة البهت هذه كما يُسميها العرب أوحجارة النسر ، ويُوجَد منها عشرات ألوف المُصنَّفات منها فهى جميلة جداً جداً جداً وغالية، فلم كل هذا التنويع؟!

لأنه وبديع ووسيع. لا إله إلا هو!

بديع ووسيع، يُريد أن يبعث لك ليس فقط برسالة واحدة كالتي بعثها باخ Bach في السوناتا Sonata وإنما بمليارات الرسائل !

وسبق وأن تكلَّمنا عن نُدف الثلج، أتعرفون ماذا قال هذا العالم الذي قدَّم ؟!

قال” ينزل الثلج من أعلى إلى أسفل وبه مليارات النُدف وتقريباً كل واحدة طارز خاص في الجمال”.

ما هذا؟!
كل هذا – أيها الإخوة كما قلت لكم – لا يُوجَد مجال له بأن يُفسَّر بالضرورة، هذا كذب لأنه واضح عدم وجود أي ضرورة، كما أنه أيضاً لا تُفسِّره الصُدفة، إذن لم يبق إلا أن يُفسِّره ماذا ؟!

وعيٌ مُختارٌ مُريد ، سُبحانه – لا إله إلا هو – ما عبدناه حق عبادته !

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم .


(الخُطبة الثانية)

الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديد، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمداً عبده ورسوله. صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليماً كثيراً.

إخواني وأخواتي:

هل يُمكِن لتُرس في آلة أن يُدرِك وضعه وموضعه في الآلة؟!

بداهةً كلا، لا يُمكِن.

فضلاً عن أن يُدرِك الآلة ككل ووظيفتها ثم فضلاً فضلاً فضلاً أُس مليون أن يُدرِك مُصمِّم الآلة والذكاء والإرادة التي حرَّكت هذا المُصمِّم ليُصمِّمه ضمن هذه الآلة؟!

مُستحيل طبعاً، كلا.

لماذا نفعل إذن ؟!
انتبهوا فإن ما أُريد أن أقوله بهذه المُحاجَة القصيرة أن الملاحدة يقوون لك أنت ليس فقط تُرس فحسب بل أنت بصقة هكذا في الكون ليس لك أي قيمة – والله عندهم كلمات عجيبة في تحقيرنا – ، فأنت لا شيء، وحينما ينفجر نجم قريب من الأرض كل آمالك وأحزانك ودموعك ستضيع إلى الأبد مرة واحدة وينتهي كل شيئ فلا تعتقد أنك شيء.

لا لا لا لا لا لا، أنا شيء وشيء كبير وأعلم هذا، كإنسان أعلم هذا، لماذا ؟!

أتعلمون لماذا؟!
لو كنت تُرساً، لو كنت ابن الطبيعة، لو كنت تُرساً في ماكينة الطبيعة ومظروفاً مشمولاً بقوانين الطبيعة وشروط الطبيعة وآلية الطبيعة ما كان لي مُطلَقاً أن أُفكِّر في وضعي ضمن هذه الماكينة الكونية فضلاً عن أن أُحاوِل أن أُلقي نظرة كُلية على الماكينة كلها ، فضلاً فضلاً فضلاً أُس جوجل Google مرة أن أُفكِّر في ماذا أو في مَن؟!

في مَن يُحتمَل أن يكون أبدع آلة الكون هذه، الطبيعة كلها .
كيف يُمكِن لي أن أتجاوز نفسي وأتجاوز ظرفي – ظرفي الطبيعي وشروطي – تماماً، أتعالى على كل هذا وأقفز وأُفكِّر؟!

كيف؟!

قل لي كيف؟!

فقط هناك جواب واحد ولا جواب سواه:

لأن فيك جُزءً ليس من الطبيعة، فيك جُزء خارج الطبيعة، هل فهمتم ؟!

هذا الجُزء هو الذي ينزع بك إلى ما وراء الطبيعة، الجُزء الذي يهفو إلى الله ويبحث عن الله ويُؤمِن بالله، وهو يتنفَّس إيماناً شئت أم أبيت، علماً بأن ما مِن أحد إلا وهو مُؤمِن طوعاً أو كرهاً فالله قال هذا، فهذا المُلحِد مسكين لأن طريقته في التفكير والبحث العلمي والمُحاجَة مُؤسَّسة على منطق وهو في النهاية يدعم الإيمان دون أن يدري، ويا سلام على أفلاطون Plato وما أحلاه ؟!

أفلاطون
أفلاطون

أفلاطون Plato فيلسوف عميق جداً جداً جداً ومثالي، في الجمهورية يقول

يقول” وحده مَن يملك نظرة كُلية يُدعى فيلسوفاً”.

هل تعلم ما مسألة هؤلاء المُحتارين المُتشكِّكين اللاأدريين والملاحدة ؟!

مُشكِلتهم أنهم يضيعون في التفاصيل ويعجزون عن ماذا؟!

عن الارتقاء لكي يُلقوا نظرة كُلية على المشهد.

صدِّقني يُمكِن أن تقرأ عشرة آلاف صفحة عن الانتخاب الطبيعي وماذا يفعل – وطبعاً لم يقل أحد أنه يُبدِع، فالانتخاب الطبيعي لا يُبدِع، فقط يقولون ماذا يفعل، ماذا يُهذِّب وماذا يُشذِّب – وأيضاً لن تفهم الرسالة، فقط حين يستثيرك سؤال عنيد ومُهِم جداً – أهم من كل ما قرأت  – يقول لك:

لم كان الأمر على هذا النحو؟!

لم يعمل الانتخاب الطبيعي بحيث يستبقي الأجمل أيضاً، والأجمل ليس من مسألة الضرورة ولا يُمكِن أن يكون مسألة صُدفة لأنه موجود في كل مكان؟!

ديفيد بوم
ديفيد بوم

ديفيد بوم David Bohm أحد كبار علماء ميكانيكا الكم وله تفصيل خاص غير مدرسة كوبنهاجن Copenhagen – له مدرسة خاصة في تفسير الظواهر الكمية – يقول وقد صدق:

أينما التفتنا أو تلفّتنا وجدنا الجمال في العالم.

فالجمال كثير جداً جداً جداً، والطبيعة زاخرة به، فما مِن شيئ إلا له وجه جمالي، ما رأيكم ؟!

ما مِن شيئ إلا له وجهٌ جمالي كما قال إليوت Elliott .

جميل جداً!

يقول ديفيد بوم  David Bohmعن هذا الجمال:

يُدرَك بادئ النظر أو بعد تحليل الفكر.

لأن من مُمكِن أن يكون هناك شيئ لا تراه جميلاً ولكن بعد أن تُفكِّر بعمق تقول ” أف، يُوجَد فيه جمال بردو” فالجمال في كل مكان!

الجمال في مكان إلهي ومرئي معاً كما قال أيه ؟!

مان  Mann.

فلا تُفوِّتوا الفرصة أن تستدلوا به على مَن خطه ورسمه. لا إله إلا هو!
نحن نقدر على أن نُدرِك هذه المسائل – الأحكام الأخلاقية والمسائل الجمالية والروح الدينية – بفضل النفخة الإلهية – وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي – التي نُفِخَت فينا .

وطبعاً السمكة هذه – ال Puffer Fish – نعم تعمل عملاً جميلاً جداً جداً جداً جداً ولكن هل تُدرِك هى مدى الفنية في هذا العمل ومدى دلالة هذا العمل ؟!

لا ندري، والأرجح أنها لا تفعل، وطبعاً يُوجَد طيور كثيرة تفعل أشياءً مُشابِهة وأن كانت أقل روعة، ونحن بدورنا نُدرِك ثم نتجاوز هذا إلى تقليد هذه الصنعة الإلهية ومن هنا كنا فنانين، فوُجِدَت الفنون السمعية والبصرية والتشكيلية وفنون الرقص وما إلى هنالك، فنحن نُحاوِل أن نُقلِّد هذه الصنائع الإلهية ونذوب فيها بفضل أيضاً :

وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ۩

 

 (انتهت الخُطبة بحمد الله)

فيينا ( 6 / 5 /2016 ) – ( 29 / 7 / 1437 )

 

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

تعليقات 4

اترك رد

  • تعلم دينك من هذا الرجل
    كثيراً ماكنت اتساءل أين جمال الدين وسماحته وسعة رحمته من تصرفاتنا ؟
    تقربت كثيراً من بعض من ينتسبون الي خدمة الدين ولكني كنت اشم منهم راءحة العجب والترفع عن غيرهم
    كنت أقول في نفسي لماذا هذا الشيخ عندما يجلس للتدريس او يصعد المنبر يغير طريقة كلامه وحركاته وكأنه يمثل!!!!
    وهكذا كانت تقف امامى علامات الاستفهام وكأنها السنة من اللهب.
    وفي ساعة صفت سماءها وطاب هواءها ورق ماءها وفقني الله بان استمع الي خطبة هذا الشيخ د عدنان ابراهيم حفظه الله وهو يتحدث عن الحسد. فوجدت نفسي وكأني قزم يقف امام عملاق يناطح الجوزاء ويزاحم الشمس في الجلاء
    فنزلت كلماته في قلبي كما تنزل قطرات الندى على الزهرة الظماى.
    رءيت رجلاً لا يمثل ، يخطب وكأنه يتحدث مع اخوانه وأخواته
    رءيته بحراً يتدفق بأمواج من العلم فبدءت أعكف علي دروسه وخطبه، وماهي الا ايام قلائل حتى سرى حبه في دمى وكياني. ولن أنسى تلك الليلة المباركة بعدما صليت ماكتب الله لي من صلاة الليل ووضعت جنبي على الارض حتي استريح
    وإذا بي ارى رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو لابس بلباس الإحرام فسلمت عليه وعانقته وقبلت يده الشريفة
    فقال لي ياعبدالقادر تعلم دينك من هذا الرجل فالتفت لأرى من هو فإذا بجانبي اليمنى ارى الشيخ د عدنان ابراهيم وهو يلبس جلباباً اصفر وهز راْسه وأخذ كتفي بحنان وضمني الي صدره المبارك
    ومنذ ذلك الوقت عكفت علي دروسه ليلاً ونهاراً كل يوم حامداً الله ان وفقني بهذا العالم الجليل واسال الله ان يحييني تلميذاً لهذا الرجل المبارك ويبارك لنا في عمره كما اساله ان يحشرني معه في زمرة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.

  • On April 12, 1930, the Berlin Philharmonic Orchestra, conducted
    by Bruno Walter, gave a concert in Berlin. The program
    was Bach, Beethoven, and Brahms, and the soloist
    was Yehudi Menuhin. At the end of the recital, the audience
    burst into wild applause, and Einstein rushed over to
    Menuhin, embraced him, and exclaimed, “Now I know
    there is a God in heaven!”

  • { و لئن أؤسلنا ريحاً فرأوه مصفراً } { ثم يهيج فتراه مصفراً } الصفرة تعني الوضوح الشديد بأن هذه الريح من ناحية رسول الله .. بارك الله لأمة الإسلام بشيخها الفاضل فريد عصره …

%d مدونون معجبون بهذه: