الإسراء والمعراج – الجزء الأول: المقدمات

إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا وَنَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيه، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين المُجاهِدين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ.
عباد الله:

 أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه ومُخالَفة أمره لقوله سُبحانه وتعالى:

مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩

ثم أما بعد: 

أيها الإخوة المسلمون الأفاضل، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – سُبحانه وتعالى – في كتابه العزيز بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: 

وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ۩ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى ۩ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى ۩ إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ۩ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ۩ ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى ۩ وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى ۩ ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى ۩ فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى ۩ فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ۩ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ۩ أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى ۩ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى ۩ عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَى ۩ عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى ۩ إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى ۩ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى ۩ لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ۩

صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط، آمين اللهم آمين.

أيها الإخوة الأحباب، أيتها الأخوات الفاضلات:

على عادة المُسلِمين في مثل هذه الأيام المُبارَكة نتكلَّم – إن شاء الله تبارك وتعالى – عن التكرمة الإلهية الشريفة، عن هذه الآية الكبيرة والمُعجِزة الجليلة، مُعجِزة الإسراء والمعراج، تكرمة الإسراء والمعراج، آية الإسراء والمعراج، والتي لم يُؤت مولانا وسيدنا رسول الله – صلوات ربي وتسليماته عليه – بعد الآية الأعظم – أعني كتاب الله تبارك وتعالى – آية أجل وأخطر وأشرف منها، هي أشرف وأجل وأخطر وأرفع آية بعد كتاب الله، الإسراء والمعراج!

وسنجعل الحديث – بعون الله تبارك وتعالى – في هذه الآية الجليلة على مرحلتين، في هذه المرحلة في هذا اليوم – إن شاء الله تبارك وتعالى – نتحدَّث عن المُقدِّمات وعن المُمهِّدات، التي ربما لأجلها أكرم الله نبيه – عليه الصلاة وأفضل السلام – بهذه الآية العجيبة، ليعود مسيح الآلام، فسيح الآمال – عليه الصلاة وأفضل السلام -.

وهذه المُقدِّمات – أيها الإخوة والأخوات – تتلخَّص في شؤون أربعة، أول هذه الشؤون ذلكم وذلكن الحصار القاسي الشديد، الذي عانى منه رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام – وقومه من بني المُطلب أو من بني عبد المطلب ومن بني هاشم، إذ أن سدنة الكفر وأحلاس الشرك من قريش – والعياذ بالله تبارك وتعالى – قد أرادوا قوم رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام -، أرادوا قوم بني عبد المُطلب على أن يُسلِموه إليهم للقتل، وبداهةً أنهم أبوا ذلك، هذا مُستحيل، حتى وإن ماتوا من عند آخرهم، ليس لأنهم كانوا تبعاً له، وإنما لأن النخوة والكرامة والمروءة والنجدة العربية تأبى ذلك أصلاً، كيف يُسلِمون ابنهم؟ كيف يُسلِمون رجلهم؟ مُستحيل.

فانحط أمر قريش – والعياذ بالله تبارك وتعالى – على أن كتبوا كتاباً، تعاقدوا وتعاهدوا وتواثقوا على ما فيه، ألا يُناكِحوا هؤلاء، أي قوم الرسول، لا يُزوِّجوهم ولا يتزوَّجوا منهم، ألا يُناكِحوهم، ولا يُبايعوهم، لا أخذاً ولا إعطاء، ولا يدعوا سبباً – أي وعلى ألا يدعوا – سبباً من أسباب الرزق يصل إليهم، حتى يُسلِم بني عبد المُطلب الرسول إليهم للقتل، ولا صلح ولا حل وسطاً كما يُقال، هكذا!

وكتبوا هذا الفجور والظلم وقطيعة الرحم في صحيفة، وبلغ من جراءتهم على الله وشعائره أنهم علَّقوها في جوف الكعبة، فانحاز بنو عبد المُطلب وبنو هاشم إلى أبي طالب، سيد بني عبد المُطلب، وسيد قريش في وقته، وخليفة أبيه في سيادة بني عبد مناف وبني هاشم، انحازوا إليه في شِعبه، كان له شِعب بين جبلين، فانحازوا إليه، وهكذا حوصِروا بأجمعهم، ليمتد الحصار ثلاث سنوات عجاف قاسيات مريرات، ذاقوا فيها المرائر، ولاقوا فيها الألاقي، حتى كان صبيانهم يُسمَع بُكاؤهم من بعيد، من شدة الجوع، وحتى جهدوا جهداً شديداً، كلهم! الكبار والصغار، فأكلوا ورق الشجر، ولم يكن يصلهم شيئ إلا ما يوصِله بعض مَن يصل الرحم من قريش سراً إليهم، يُريد صلتهم بذلك، ثلاث سنوات! حتى إذا كان يوم من الأيام أخبر النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – عمه أبا طالب، قال له يا عم لقد سلَّط الله – تبارك وتعالى – الأرضة – هذه الدويبة الصغيرة والحشرة الحقيرة المُسماة الأرضة – على صحيفتهم، على الصحيفة الفاجرة الظالمة، فأتت على ما فيها من جور وظلم وقطيعة رحم، ولم تترك إلا باسمك اللهم، هذه الكلمة! لأن فيها اسم الله – تبارك وتعالى -، الذي لا يعلوه شيئ، فقال يا ابن أخي أربك أخبرك بذلك؟ قال نعم، فخرج أبو طالب في عصابة من قومه إلى هؤلاء الملأ المُجرِمين وقطّاع الرحم من قريش، وقال لهم أيها الناس إن ابن أخي قد أخبرني ولم يكذبني قط أن الله – تبارك وتعالى – قد سلَّط الأرضة على صحيفتكم، المُعلَّقة بجوف الكعبة، فأتت على ما فيها من جور وقطيعة رحم، فروا رأيكم وانظروا، فإن كان ما قاله حقاً فأفيقوا وارجعوا عن سوء رأيكم، وإن كان كاذباً فيما قال دفعناه إليكم، ففعلتم به ما تشاءون، تحدٍ! هو مُدرِك أنه صادق – عليه الصلاة وأفضل السلام – وأنه لا يكذب وأنه مُؤيَّد وأنه رسول من عند الله، كان يُوقِن بذلك قلبياً، لكنه لا يقول ذلك بلسانه استكباراً – والعياذ بالله -، استكباراً ومخافة الشنآن ومخافة أن يُحَط عليه وهو سيد قريش للأسف، إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ۩، هكذا!

فذهبوا، قالوا نعم، ووجدوا الصحيفة فعلاً قد أكلت الأرضة كل ما فيها، إلا باسمك اللهم، وما زادهم ذلكم إلا غياً وفجوراً ونفوراً، قالوا هذا سحر ابن أخيك، هذا سحر! قالوا هذا سحر ابن أخيك، إلا أن الله – تبارك وتعالى – ألهم خمسةً من فضلائهم، فيهم بقية خير، بقية مروءة ورجولة، فانبعثوا وتعاقدوا خمستهم على نقض هذه الصحيفة الظالمة الفاجرة، وهكذا كان، وانتهى الحصار – بحمد الله تبارك وتعالى -، كان من بينهم مُطعِم بن عدي، كان من بينهم رجل يُقال له مُطعِم بن عدي، كان من بين هؤلاء الخمسة!

ولما خرج الرسول – عليه الصلاة وأفضل السلام – وقومه وكان قد لاقى كما سمعتم الألاقي الشدائد دعا الله – تبارك وتعالى -، قال اللهم أعني على قريش بسبع كسبع يوسف – عليه الصلاة وأفضل السلام -، أي بسبع سنين، قال بسبع كسبع يوسف، فسلَّط الله عليهم السنة، الجدب، القحط، أمسكت السماء غيثها والأرض نبتها، لم تُنبِت شيئاً، لم تُخرِج شيئاً يتبلَّغ به ذو كبد رطبة، فجهدوا جهداً شديداً – أي قريش والعياذ بالله -، حتى أكلوا الجيف والميتات، أكلوها! وكان الرجل منهم يمشي ويرى ما بينه وبين السماء كعمود من دخان أسود، من شدة الجوع ومن شدة الجدب.

فجاء أبو سُفيان في يوم من الأيام في جماعة من الملأ إلى رسول الله، وقالوا يا محمد إنك تزعم انك رسول ابتعثك الله – تبارك وتعالى -، فإن كنت صادقاً فيما تقول فقد هلك قومك، فادع الله لهم، أرِنا آية، فدعا لهم الرؤوف الرحيم، فسقوا وأطبقت عليهم سبعاً غدقاً مغزاراً مكثاراً مدراراً، سبع ليال وثمانية أيام، فأطبقت عليهم سبعاً، حتى كادوا يغرقون، فقالوا يا محمد كدنا نغرق، فقال اللهم حوالينا ولا علينا، فأمسكت السماء، لكنهم عادوا في غيهم، رجعوا إلى حافرتهم أو في حافرتهم – والعياذ بالله -، وفي ذلكم أنزل الله – تبارك وتعالى – فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ ۩، هذه قصة الدخان! بِدُخَانٍ مُّبِينٍ ۩ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ۩ رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ ۩ أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ ۩ ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ ۩ إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ ۩، القرآن يعلم أنهم سيعودون ويكفرون ويُبالِغون ويُغالون في طغيانهم وعدوانهم، فأوعدهم الله – تبارك وتعالى – الانتقام الأكبر، يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنتَقِمُونَ ۩، أوعدهم الانتقام الأكبر، قيل كان ذلكم ما وقع لهم في بدر، وقيل بل هو ما سينزل بساحتهم ويحل بهم يوم القيامة، والله – تبارك وتعالى – أعلم على كلٍ.

وهكذا لم يلبث أن خرج بنو عبد المُطلب وبنو هاشم من هذا الشِعب ومن هذا الحصار الظالم حتى امتحن الله نبيه وصفيه وحبيبه – عليه الصلاة وأفضل السلام – بخديجة، ومن قبلها بعمه أبي طالب، بزوجه مأنس فؤاده ومُطمأنه، وبعمه ناصره وحاميه، الذي يدره ويذب عنه، أبو طالب كما تعلمون كان عماً شقيقاً لرسول الله، بمعنى أنه عم شقيق أبيه، شقيق لعبد الله أبي رسول الله، وكان سيد قومه، سيد بني عبد المُطلب، بني هاشم، بني عبد مناف، كان سيدهم، وكان وصي أبيه عبد المُطلب على كفالة رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام -، وقد تُوفيَ عبد المُطلب ولرسول الله ثماني سنين، فجعله في كفالته، وأحسن إليه، وأحبه حُباً جماً، لم يُحِب مثله واحداً من أبنائه، أبو طالب! حتى من أبنائه، وصُب به صبابةً شديدةً، فكان لا يُفارِقه، في حله ولا ترحاله، في غدوه أو رواحه، في سفره أو إقامته، في نومه أو في يقظته، دائماً! على مدار الأربع والعشرين ساعة كما يُقال هو معه، كلف به كلفاً شديداً، وصُب به صبابةً هائلةً، يُحِبه حُبه جماً، ويصحبه في أسفاره كما تعلمون من تفاصيل السيرة.

حتى إذا ابتعث الله – تبارك وتعالى – رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام – بكلمة السماء الأخيرة وعادته قريش ما شانت أن تُعادي وتألَّب عليه أحلاس الشرك وسدنة الوثنية والكفر عن آخرهم – والعياذ بالله تبارك وتعالى – قام أبو طالب في نُصرته خير قيام، ولم يأله نُصرةً وحمايةً وذباً عنه في ليله ونهاره، حتى أن قريشاً لم تستطع أن تنال من رسول الله وأبو طالب حي، لم تستطع! قام في نُصرته خير قيام، أعظم مُحامٍ، أعظم مدره، كان يُحامي عن رسول الله، وله في ذلك القصائد الغُر، هي من غُرر القصيد العربي في أزهى عصوره، كلاميته المشهورة التي يقول فيها:

كذَبْتُمْ وبيتِ اللَّهِ نَتْركَ مكَّة ً                                                                   ونظعَنَ إلاَّ أمرُكُم في بَلابلِ.

كَذَبْتُم وبيتِ اللَّهِ نُبَزى محمدا                                                                 ولمّا نُطاعِنُ دونَهُ ونُناضِلِ.

ونُسْلِمَه حتى نُصَرَّعَ حَوْلَهُ                                                                 ونَذْهُلَ عن أبنائِنا والحَلائلِ.

إذن قال كذَبْتُمْ وبيتِ اللَّهِ نَتْركَ مكَّة، وهذه للضرورة طبعاً، ونظعَنَ إلاَّ أمرُكُم في بَلابلِ، ثم قال كَذَبْتُم وبيتِ اللَّهِ نُبَزى محمدا، بزى الرجلُ الرجلَ أي قهره وبطش به، ولمّا نُطاعِنُ دونَهُ ونُناضِلِ، ونُسْلِمَه حتى نُصَرَّعَ حَوْلَهُ، ونَذْهُلَ عن أبنائِنا والحَلائلِ.

حتى قال أبو طالب – لله دره، وقد أحسن ما شاء، يتمدَّح برسول الله -، قال:

وأبيضَ يُسْتَسْقَى الغَمامُ بوجههِ                                                         ثِمالُ اليتامى عِصْمة ٌ للأراملِ.

يلوذُ به الهُلاّكُ من آلِ هاشمٍ                                                                   فهُم عندَهُ في نِعمةٍ وفَواضلِ. 

لَقَدْ كُلِّفْتُ وَجْدًا بِأَحْمَدَ                                                                         وَإِخْوَتِهِ دَأْبَ الْمُحِبِّ الْمُوَاصِلِ.

إذن قال وأبيضَ يُسْتَسْقَى الغَمامُ بوجههِ، وقد علمتم شأن هذا الشطر من البيت، لقد سقاهم الله بهذا الأبيض الكريم الغُر المُبارَك الميمون النقيبة – صلوات ربي وتسليماته عليه حتى يرضى -، ثِمالُ اليتامى عِصْمة ٌ للأراملِ، ثم قال يلوذُ به الهُلاّكُ – أي الهلكى، الفقراء، المُعدمون، المُعوزون، والمحاويج – من آلِ هاشمٍ، فهُم عندَهُ في نِعمةٍ وفَواضلِ، لَقَدْ كُلِّفْتُ وَجْدًا بِأَحْمَدَ، وَإِخْوَتِهِ دَأْبَ الْمُحِبِّ الْمُوَاصِلِ.

وهو القائل في بيته الشهير:

واللهِ لن يَصلوا إليكَ بجمعِهمْ                                                                    حتى أُوَسَّدَ في الترابِ دَفينا.

ولما حضرت الوفاة أبا طالب جمع إليه قومه ورؤوسهم وعليتهم، فقال لهم قد حضرني ما قد ترون، أي من الموت، وأنتم صفوة الله من خلقه، وقلب العرب، وفيكم السيد المُطاع، وفيكم المُقدَّم الشجاع، وفيكم الواسع الباع، ألا وإني أوصيكم بمحمد خيراً، فإنه أمين قريش، وصدّيق العرب، وقد أتى بأمر، صدَّقه الجنان، وأنكره اللسان، مخافة الشنآن، ألا وإني وكأني أرى العرب ضعفاءهم وأهل البر في الأطراف ومساكين الناس قد اتبعوه عن آخرهم وصدَّقوا أمره وعظَّموا شأنه، فخاض بهم الغمرات، فإذا بقريش أربابها  وقد صاروا أذناباً وبيوتها وقد آلت خراباً وضعفاؤها وقد صاروا أسياداً، ألا فاتبعوه، ألا وإنه مَن يسلك منكم سبيله فقد رشد، ومَن يأخذ بهديه فقد سعد، ولو أن في الأجل بقية، وفي العمر مُدة، لكففت عنه الهزاهز، ودفعت عنه الدواهي، ثم هلك أبو طالب.

وبعد أن هلك نالت قريش من رسول الله، حتى عرض له سفيه من حقرائهم وسفهائهم، فنثر عليه التراب، نثر على رأسه – عليه الصلاة وأفضل السلام – التراب، فدخل النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – بيته، وقال ما نالت قريش مني شيئاً أكرهه إلا بعد وفاة أبي طالب، لأول مرة! أُصيب مُصاباً عظيماً بوفاة عمه وحاميه والذائد عنه والذاب عنه – عليه الصلاة وأفضل السلام -، وفي رواية البيهقي في الدلائل دخل بيته – عليه الصلاة وأفضل السلام – فقالت له إحدى بناته ويح أبتاه، وجعلت تندب، فقال يا بُنية إن الله ناصر أباكِ، لا تهتمي، هذه أشياء في الطريق، سيزول كل ذلك، إن الله ناصر أباكِ – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم -.

وبعد وفاة وهلاك أبي طالب بأيام معدودات – قيل أيام معدودات، وقيل شهر، وقيل عشرة أيام، وقيل شهر وعشرة أيام، وهذا أكثر ما قرأناه، أي شهر وعدة أيام – قضى القضاء بأمر حتم، قضى الله قضاءه، فلبت خديجة – سيدة نساء عالميها – نداء ربها حميدةً راضيةً مرضيةً، ليُفجَع بها ثانيةً رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام -، وخديجة ومَن خديجة؟! تعلمون أيها الإخوة مَن هي، هي أول مَن لبت نداءه – عليه الصلاة وأفضل السلام – وأسلمت معه لله رب العالمين من النساء دونما تردد لأول وهلة، كما فعل الصدّيق – رضوان الله تعالى عليه -، لأول وهلة دونما تردد، وواسته بنفسها ومالها، ولم تأله جهداً ولا مُواساةً – عليه الصلاة وأفضل السلام، ورضوان الله تعالى عليها -.

عاش معها وأقامت معه خمساً وعشرين سنة كاملةً، صحبته فيها أحسن صُحبة، وكانت له خير مُعين وخير وزير، كانت خير وزير صدق له على دعوته كما قال إبن إسحاق – رضيَ الله تعالى عنهم وأرضاهم أجمعين -، وهو من طرفه وفاءً لها ومُجازاةً لها بحُسن صنيعها وصُحبتها – عليه الصلاة وأفضل السلام – أفنى واستهلك معها شرخ شبابه وميعة كهولته، دون أن يُدخِل عليها ضرةً، جبراً لخاطرها، ومُحاذَرةً من أن يُكدِّر هذا الخاطر الجليل، هذا الخاطر الشريف العليّ، عليه الصلاة وأفضل السلام.

ولما دخل الشِعب كانت معه فيمَن دخل الشِعب، وعانت معهم ثلاث سنوات كاملة، فلا جرم – أيها الإخوة والأخوات – أنها كانت سيدة نساء عالميها، وأنها كانت سيدةً كاملةً، وبُشِّرت في فترة مُتقدِّمة من عمر الرسالة والنبوة بأنها من أهل النعيم المُقيم، فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ ۩، في الحديث الذي تعرفونه جميعاً، وقد خرَّجاه في الصحيحين من رواية أبي هُريرة، قال قال – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – أقبلت خديجة يوماً، وبيدها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب – باختلاف الروايات -، فنزل جبريل – عليه الصلاة وأفضل السلام – وقال يا محمد هذه خديجة وقد أقبلت وفي يدها إناء فيه إدام، فإذا هي أقبلت فاقرأ عليها السلام من الله – تبارك وتعالى -، وقل لها السلام يُقرئك السلام، ومني، أي مني أنا جبريل أيضاً، سلام خاص، فجاءت خديجة – عليها السلام -، وقرأ النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – عليها سلام السلام – لا إله إلا هو – وسلام جبريل، فماذا كانت مرجعوتها؟ بماذا أجابت؟ قالت هو السلام، ومنه السلام، وعلى جبريل السلام، وهذا يدل على وفور فهمها واكتمال عقلها.

الصحابة من قبل كثيرٌ منهم كانوا يقولون في الصلاة السلام على الله، فنهاهم النبي وقال الله هو السلام، أي هل أنتم تقولون تقول الله على الله؟ كيف تقولون السلام على السلام؟ هذا خطأ، كانوا يقولون في الصلاة السلام على الله، فنهاهم وقال قولوا التحيات لله، أما خديجة – عليها السلام – فكانت أفقه، كانت أوفر فقهاً وأكمل عقلاً، هكذا كانت مرجعوتها، قالت هو السلام، ومنه السلام، وعلى جبريل السلام، وعلى خديجة السلام في العالمين، رضيَ الله تعالى عنها وأرضاها.

تقول خولة بنت الحكيم قلت يا رسول الله كأني بك وقد دخلتك خلة لفقد خديجة، الخلة هي الفراغ، كأني أحس أنك تستشعر الفراغ والوحشة، تُريد أن تقول هذا، استوحشت أو دخلتك وحشة، كأني بك وقد دخلتك خلة لفقد خديجة، فقال أجل، كانت أم العيال وربة البيت، شعرت فراغاً كبيراً.

ومن هنا عُرِف هذا العام بعام الحُزن، وكان العام العاشر للنبوة، هم دخلوا الشِعب في العام السابع، مكثوا ثلاث سنين، ما لبثوا أو ما نشبوا أن خرجوا حتى ضرب القضاء ضربته، وحُم القضاء بوفاة أبي طالب وخديجة – رضيَ الله تعالى عنها وأرضاها -، سنة عشر أو عام عشرة من النبوة، سُمي ودُعي بماذا؟ بعام الحُزن، بعض الناس يقول أهذا لحُزنه – عليه الصلاة وأفضل السلام  – على عمه وعلى زوجه؟ أيها الإخوة لا ريب ولا جرم أنه حزن حُزناً كبيراً على عمه وعلى زوجه، وهذا من دواعي البشرية، وهذا يزيده ولا ينقصه، وقد قال في حُزنه على إبراهيم ابنه – عليه الصلاة وأفضل السلام -، قال إنها رحمة، ومَن لا يَرحم لا يُرحَم، أحزن وتبكي العين ويحزن القلب، لكن لا نقول إلا ما يُرضي الرب – تبارك وتعالى -، هذا – بالعكس – مما يزيده شرفاً، ولكن – والله تبارك وتعالى أعلم – الأرجح أنه لم يُدع ذلكم العام بعام الحُزن لأجل هذا الحُزن البالغ أو الكبير على خديجة وعلى أبي طالب من قبل، وإنما لماذا؟ لما رأى النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – من استعصاء قلوب القرشيين، لقد غُلِّقت منافذ وأبواب الدعوة أمامه أبداً، حيل بينه وبين هذا الأمر بالتمام والكمال، والدليل على ذلك أنكم لو استقريتم موارد هذه الكلمة – أي الحُزن – فيما يُنسَب إلى رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام – في كتاب الله لما وجدتم ولا في أي موضع واحد – ولا في موضع واحد فرد – أنه – تبارك وتعالى – ينعته أو ينسب إليه الحُزن لعارض دنيوي، وإنما فقط لسبب واحد، في كل الموارد في كتاب الله! لماذا؟ لإعراض الكفّار، لأنهم لا يُؤمِنون، لأنهم لا يستجيبون، يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ ۩، فَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ ۩، قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ۩، في كل المواضع هو يحزن دائماً لإعراضهم، وهنا قد تم إعراضهم على الوجه، أعرضوا بالكُلية بعد موت أبي طالب، وزادوا في طغيانهم وعدوانهم وغيهم وفجورهم وانبعاثهم في الشر بكل وجوهه – والعياذ بالله تبارك وتعالى -، فماذا كان من رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام -؟

كان منه – أيها الإخوة والأخوات – أن يمَّم وجهه شطر الطائف وثقيف، هذه القبيلة العربية الأيّدة القوية الكثيرة والمشهورة، من أعظم القبائل العربية، هي كانت في الطائف، وكانت سادة هذه البلدة، وليس بينه وبينهم عدواة، بالعكس! كانوا أخواله، أخوال رسول الله في المدينة، وأخواله في الطائف، فقال نذهب إلى الطائف، يمَّم وجهه الكريم شطر الطائف، ليدعو إلى الله – تبارك وتعالى – على بصيرة، ليُبلِّغ كلمة الله – تبارك وتعالى -، ليسألهم المنعة حتى يُبلِّغ كلمات الله، ومكث هناك شهراً.

ابن سعد يقول كان معه غُلامه وحِبه ومُتبناه في ذلكم الوقت زيد بن حارثة، ابن إسحاق يقول كان وحده، بحياله! أكثر الروايات على أنه كان معه زيد بن حارثة، مكث شهراً كاملاً، ولم يُجِبه واحد منهم إلى ما دعا إليهمن هذا الحق وإلى طريق مُستقيم، لم يُجِبه واحد منهم، حتى كان في آخر أيامه قصد ثلاثة من كبرائهم وساداتهم، أبناء عمرو بن عبد كلال، إلى عبد يا ليل بن عمرو، إلى مسعود بن عمرو، إلى حبيب بن عمرو، كلهم أبناء عمرو بن عبد كلال، قصد إليهم وكلَّمهم وبلَّغهم كلمة الله – تبارك وتعالى -، فكان جوابهم أسوأ جواب وألأمه وأخسه وأنذله.

قال الأول هو يمرط – والعياذ بالله -، هكذا يُسَن لنا بصيغة الغائب، لا تقل أنا، قال أنا أمرط، أي أُمزِّق وأُلقي، من مرط يمرط، ولكن قل هو، قال هو يمرط، حتى لا تنسب الكفر إلى نفسك والتجديف إلى نفسك، هكذا! سُنة أن نقول هذا الكلام، قال الأول والعياذ بالله هو يمرط – ثياب الكعبة – أي يُمزِّق أثوابها ويُلقي بها في الأرض – إن كان الله قد أرسلك، هكذا قال للنبي، وقال الآخر أما وجد الله مَن يُرسِله غيرك؟ أنت؟! وقال الثالث – والعياذ بالله – أنا لا أُكلِّمك أبداً، لأنك إن كنت نبياً ورسولاً حقاً من عند الله فلأنت أجل من أن أرد عليك، وإن كنت كاذباً على الله فلا أتكلَّم مع كاذب يكذب مع الله، ما هذا؟ لؤم وخسة ونذالة – والعياذ بالله تبارك وتعالى -.

طبعاً لا بأس أن نُلقي نظرة سريعة على الطائف، الطائف كما تعلمون في الجنوب الشرقي من مكة، وهي بلدة اشتُهِرت بطيب هوائها وعذوبة مائها واعتدال جوها، كانت مصيفاً للقرشيين، كبار القرشيين كانوا يتخذون فيها القصور، ويقضون فيها فصل الصيف بشهوره القائظة الهاجرة، أي في الطائف، وكانوا أهل قوة ومنعة وثراء، كما قلنا ثقيف كانت هي القبيلة المُتسيِّدة أو السائدة في الطائف، فلأجل هذا الثراء – انتشر فيهم الترف – وبسبب الترف عُرِفوا – والعياذ بالله – بأنهم أهل زنا وربا وخنا وفجور وخمر، هكذا! أهل الطائف كانوا معروفين بذلك، أهل الترف – والعياذ بالله -، فلذلك لم يُجِب رسول الله واحد منهم، ولو واحد بحياله! لم يُجِب – والعياذ بالله تبارك وتعالى -، مع أنه ليس بينه وبينهم عداوة – عليه الصلاة وأفضل السلام -.

وكان سيدهم آنذاك عُروة بن مسعود، تسمعون بعُروة بن مسعود الثقفي، وفيه قال المُفسِّرون حكايةً عن قول المُشرِكين من أهل قريش الآتي، قالوا وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ – يعنون عُروة بن مسعود الثقفي – مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ۩، القريتان ما هما؟ مكة والطائف، لأن الطائف كانت تلو مكة – أي تليها، تلي مكة – في سعة عُمرانها واستبحار المدنية فيها، هكذا! عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ۩، يعنون مكة أو الطائف، ويعنون بهذا الرجل العظيم مَن؟ قيل هو أبو جهل، وقيل هو عُروة بن مسعود الثقفي، وكان مُتزوِّجاً ببنت أبي سُفيان بن حرب، ولذلك قال النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – قريش والأنصار حلفاء، وبنو أمية وثقيف حلفاء، سُبحان الله! كانوا حلفاء الجاهلية، وكانوا حلفاء حتى بعد ذلك، بينهم علاقات، يطلبون الجاه دائماً، ويطلبون الثراء من وجوه الاتساع في التجارات، نفس الشيئ! بنو أمية وثقيف في الطائف، لكن من باب الإنصاف أن ثقيفاً بعد أن ارتدت العرب عن آخرها بموت رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام – لم ترتد، وثبتت على دين الله هي وقريش فقط، هذا للإنصاف! ثقيف لم ترتد، وأيضاً اشتُهِروا بالفروسية، كان فيها رجال أيّدون أشداء، من أهل الفروسية وأهل العرب، أي ثقيف، شُهِروا بذلك، وهذا نقوله للإنصاف.

فقال النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – لهم فإذ لم تقبلوا أمري فاكتموا علىّ، لماذا؟ يخشى النبي أن يبلغ هذا الأمر أو هذا الشأن قريشاً فتزداد عتواً ونفوراً، وتشمت فيه – عليه الصلاة وأفضل السلام -، فكانوا في هذه أخس منهم في الأولى – والعياذ بالله -، أفشوا الأمر وقالوا جاءنا وقلنا له كذا وكذا وقال لنا كذا وكذا، مما أحزن النبي وأدخل عليه الهم والغم – عليه الصلاة وأفضل السلام -.

بل بلغ من دعارتهم – أكرمكم الله – وخستهم أنهم قالوا له بأخرة يا محمد – وقد خافوا على أحداثهم، خافوا على الشباب الصغار السن، وقد خافوا على أحداثهم منه – اترك أرضنا والحق بمحابك من الأرض، اذهب إلى أي أرض تُحِب، لكن اترك بلدن، والحق بمحابك من الأرض، فخرج النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – ومعه غُلامه زيد بن حارثة، بلغ من خستهم ودعارتهم – والعياذ بالله – أنهم أوقفوا لهم الغوغاء منهم والسُفهاء والصبيان والدعّار سماطين، أي صفين، وقف صف هنا ووقف صف هناك، ومعهم الحجارة الكبيرة والصغيرة، فكان – عليه الصلاة وأفضل السلام – لا يرفع رجلاً أو يضع الأُخرى حتى رضخوه بالحجارة، كانوا يرضخونه بالحجارة، حتى سالت قدماه دماً زكياً على أرض الطائف – عليه الصلاة وأفضل السلام -، وحبيبه أو حِبه وغُلامه ومُتبناه زيد بن حارثة يُدافِع عنه بسحره ونحره، بوجهه ورأسه، حتى أُصيب في ذلك في وجهه الشريف بشجاج، أي زيد بن حارثة – رضيَ الله تعالى عنهم وأرضاه – .

بل بلغ أيضاً من نذالتهم أن النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – كان إذا أزلقته الحجارة جلس ليتنسَّم شيئاً من الرَوْح والراحة، ماذا؟ يأتونه ويأخذون بضبعيه – الضبع ما بين الإبط ومُنتصَف العضد، من هنا، يأخذون بضبعيه، وهما ضبعان -، يُقيمونه، حتى إذا قام عادوا إلى التضاحك عليه ورجمه ورضخه بالحجارة – عليه الصلاة وأفضل السلام -، فلم يخلص منهم إلا بعد جهد جهيد، وبعد أن أصابوا منه، وبعد أن سال دمه الزكي الشريف – عليه الصلاة وأفضل السلام -، وهكذا انتهى إلى حائط – إلى بُستان – في الطائف، وكان هذا الحائط لمَن؟ لسيدين من أسياد قريش، شيبة وعُتبة ابني ربيعة، طبعاً مَن قرأ السيرة يعلم أن هؤلاء – والعياذ بالله – كانت لهم مواقف مُخزية من رسول الله ومن الإسلام والمُسلِمين، لما بلغت عدة المُسلِمين ثمانية وثلاثين رجلاً استأذن الصدّيق – رضوان الله تعالى عليه – بالاستعلان بالدين، فأذن له النبي، بعد تلكؤ أذن له، فخرج النبي وخرج أبو بكر إلى الحرم، وقام أبو بكر خطيباً، وكان بذلك – هذه من أوائله – أول خطيب خطب في الإسلام، يدعو إلى الله ويُبشِّر ويستعلن بكلمات الله.

وجُن جنون القرشيين العُتاة – والعياذ بالله -، فأكبوا عليهم – على أبي بكر وعلى أصحاب رسول الله – ضرباً ووطأً بالأقدام، ونال أبا بكر من ذلك الشيئ الكثير، حتى أنه وُطئ وطأً شديداً، وجاء هذا – والعياذ بالله، أي وجاء عُتبة بن ربيعة – يضرب أبا بكر الصدّيق بنعلين مخصوفين يُحرِّفهما تلقاء وجهه، هكذا حتى أُغمي عليه، فقد الوعي، فاحتملوه إلى بيته، وقالت قبيلته – قبيلة أبي بكر الصدّيق، بنو تيم – والله أو تالله لئن مات أبو بكر لنقتلن عُتبة بن ربيعة، وظلوا يُكلِّمونه وهو لا يُجيب، فقد الوعي! فما أجاب إلا في آخر النهار، يوم كامل وهو فاقد للوعي، أي كان قد شارف على الموت، فلما أن أفاق كان أول ما فاه به ما فُعِل برسول الله؟ أهو صالح سليم مُعافى – عليه الصلاة وأفضل السلام -؟ فعذله أبوه وعذله قبيلته، أتسأل عن محمد أول ما تسأل؟ سل عن نفسك! قال أنا لا بأس بي، ما فُعِل برسول الله؟ وظل يُلِح، وقال وابعثوا إلى أم جميل بنت الخطّاب، أخت سيدنا عمر، وكانت تستخفي بإسلامها، مُسلِمة في الخفاء، قال ابعثوا إليها، فجاءت وسألها عن رسول الله، قالت هو صالح بخير، قال لا، لله علىّ ألا أذوق طعاماً ولا أشرب شراباً حتى آتي رسول الله وأنظر إليه بنفسي، أطمئن على رسول الله، الله أكبر! الصدّيق الأكبر – رضوان الله تعالى عليه -.

فاحتملته أمه – أي أم سيدنا أبي بكر، كانت لا تزال حية – وأم جميل بنت الخطّاب، يتكئ عليهما، حتى أتتا به رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام -، فلما رآه الرسول أكب عليه ليُقبِّله، الرسول يُقبِّل أبا بكر، ورق له رقةً شديدةً، والصحابة كذلك، وجعلوا يبكون لما رأوا بأبي بكر، فقال أبو بكر – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه – والله يا رسول الله ما بي بأس إلا ما نال الفاسق من وجهي، لا تُوجَد مُشكِلة، فقط شيئ في الوجه، ما بي بأس إلا ما نال الفاسق من وجهي، ولكن كيف أنت يا رسول الله؟ كيف أنت يا رسول الله؟ قال بخير، سالم – إن شاء الله تبارك وتعالى -، وهكذا!

هذا عُتبة – والعياذ بالله – بن ربيعة، وهو أيضاً كان أحد الخمسة – والعياذ بالله – الذين ائتمروا برسول الله وهو ساجد في الحرم، عند البيت، عند الكعبة المُشرَّفة، وقالوا مَن ينبعث فيأتي بسلا – أي بالكرشة – جزور بني فلان ويضعه على ظهر محمد؟ فانبعث أشقاهم عُقبة بن أبي مُعيط – والعياذ بالله منه -، فأخذ هذا السلا ووضعه على رسول الله، فقام النبي وقال اللهم عليك بهؤلاء الملأ من قريش، اللهم عليك بعُتبة بن ربيعة، اللهم عليك بشيبة بن ربيعة، اللهم عليك بأبي جهل بن هشام، اللهم عليك بأُمية بن خلف، يقول الراوي فوالله لقد جُندلوا جميعاً يوم بدر، قُتِلوا عن آخرهم، واستجاب الله – تبارك وتعالى – دعوة نبيه – عليه الصلاة وأفضل السلام -، هكذا كانوا خمسة، وهذا منهم.

هذا البُستان أو الحائط كان لعُتبة وشيبة ابني ربيعة، فلما رآهما النبي كره مكانهما، كره هذا الموقف كله، لما يعلم من شدة عدائهما لله ورسوله وأصحابه، لكن – سُبحان الله – تحرَّكت رحمهما لرسول الله، يُوجَد رحم من قريش، لما رأوا من حاله وما ناله – عليه الصلاة وأفضل السلام – والدماء التي تنزف من رجليه، كان لهما غُلام نصراني يُدعى عدّاساً – اسمه عدّاس -، قالا له يا عدّاس خُذ هذا القطف من العنب وضعه في طبق ثم ائت به ذاك الرجل وقل له يأكل منه، فجاء عدّاس، ائتمر بالأمر، وأخذ الطبق، ووضعه بين يدي رسول الله، وقال كُل يا أيهذا الرجل، كُل، فمد النبي يده وقال بسم الله، فنظر عدّاس دهشاً مُتعجِّباً، قال هذا كلام لا يقوله أحد من أهل هذه البلاد، من أين لك هذا – يقصد قوله بسم الله -؟ قال مَن أنت؟ الرسول سأله، مَن أنت؟ مِن أي بلد أنت؟ وما دينك؟ قال اسمي عدّاس، من نينوى، قال بلد الصالح يونس بن متى، فازداد عجبه، أي عدّاس، قال ومِن أين عرفت بن متى؟ والله لقد خرجت من نينوى وما فيها عشرة يعرفون ما متى، فمِن أين عرفت؟ في رواية البيهقي في الدلائل يقول الراوي وكان رسول الله – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – لا يحقر أحداً من خلق الله، مُتواضِع! يُبلِّغ دعوة الله إلى كل الناس، إلى العبيد، إلى الضعاف، إلى النساء، إلى الأسود، إلى الأبيض، وإلى كل الناس، كان مُتواضِعاً.

قال له يونس بن متى أخي، نبي من أنبياء الله، وأنا نبي من أنبياء الله، أنا نبي! فلما سمع عدّاس هذا سجد له وأكب على قدميه ورجليه ورأسه يُقبِّلها، عرف أنه أمام نبي، فرأى المُجرِمان الطاغيتان هذا المشهد وعجبا، سكنا حتى آب إليهما عدّاس، فقالا يا عدّاس ما هذا الذي رأيناك تصنع بهذا الرجل؟! تسجد له وتُقبِّل قدميه، ولم تفعل هذا بواحد منا! قال يا سيدي هذا خير شيئ على وجه الأرض، قالا لماذا؟ قال لقد كلَّمني بأمر أعرفه من نبي بعثه الله إلينا في نينوى، لا يعرفه أحد من أهل هذه الديار، وإنه لرسول من عند الله، قالا له لا يفتننك عن دينك، فدينك خير من دينه، كبر وعتو – والعياذ بالله تبارك وتعالى -.

يحكي الإمام السُهيلي في الروض الأنف، يقول وكان من أمر عدّاس بعد ذلك حين خرج أهل مكة – والعياذ بالله – الكفّار المُشرِكون إلى حرب الرسول وأصحابه في بدر الآتي، فقد أمر هذان السيدان الملعونان عدّاساً أن يخرج معهما، فقال لهما قتال الرجل الذي رأيته بحائطكما – أي بالبُستان – تُريدان؟ والله لا تقوم له الجبال، مساكين أنتم! أتُريدان أن تُقاتِلا هذا الرجل؟ هو يعلم وهو مُوقِن بأنه نبي، انتهى! لا يقوم له شيئ في الأرض، والله لا تقوم له الجبال، ولم  يذهب معهم – رضيَ الله عنه وأرضاه -، أعني عدّاساً هذا، هذا رجل مُؤمِن ومُوحِّد، على دين من دين الله – تبارك وتعالى -، وهكذا!

النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – استراح، في رواية قبل أن يأتيه عدّاس، وفي رواية لم يظهر هذا، رواها ابن إسحاق والطبراني مُرسَلةً، جلس – عليه الصلاة وأفضل السلام – يتنسَّم رَوْح الله – تبارك وتعالى -، وفاض قلبه وأجرى على لسانه كلمات من المُحال أن تخرج إلا من مشكاة النبوة، مهما شكَّك بعضهم في أسانيدها، لكن الكلمات عجيبة، حتى قال فيها بعض علمائنا الأفاضل، قال لم أقرأ في حياتي بعد كلام الله كلاماً كهذا، إي والله، لقد صدق، كلمات تفيض إيماناً ويقيناً ورضاً واسترضاءً لرب العزة – لا إله إلا هو -، الكلمات المشهورة، حين جلس – عليه الصلاة وأفضل السلام – وابتهل إلى ربه العليّ الجليل يقول اللهم أنت ربي ورب المُستضعَفين، إلى مَن تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني؟ أم إلى عدو ملَّكته أمري؟ إن لم يكن بك علىّ غضب فلا أُبالي، لكن عافيتك أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن يحل علىّ غضبك أو تُنزِل بي سخطك، لك العُتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وتختلف الألفاظ من رواية إلى رواية، كلمات عجيبة! يسترضي بها ربه، يقول إذا كان ما وقع لي ليس عن غضب منك فلا أُبالي، المُهِم أن تكون أنت راضياً عني – عليه الصلاة وأفضل السلام -.

وانصرف النبي يُريد الأوبة إلى مكة، وهو في طريقه إلى مكة – أيها الإخوة والأخوات – يسَّر الله له وسيَّر له سبعة من الجن، من منطقة في الجزيرة الفراتية بين العراق والشام، تُدعى نصيبين، سبعة! الرسول يقوم أو هو قائم في الليل يتهجد إلى ربه – تبارك وتعالى – وهم يستمعون القرآن، فآمنوا وأيقنوا وأسلموا وعادوا إلى قومهم، وقد أعلم الله – تبارك وتعالى – النبي بنبأ هؤلاء، وفيهم أنزل الله – تبارك وتعالى – وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ ۩ قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَىٰ طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ ۩ يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ۩ وَمَن لَّا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ۩، الله أكبر! كفر به البشر وأسلم على يديه الجن، فعل هؤلاء الطواغيت العتاولة به ما فعلوا ويسَّر الله له عدّاسا يُقبِّل رجليه ويديه ورأسه، إنها كلها مُقابَلات ونفحات من الله – تبارك وتعالى -، يبتلي بالشدة ويبتلي بالرخاء، القدر دائماً كما يعبس في وجهه يبسم له – عليه الصلاة وأفضل السلام -، مُقابَلات عجيبة!

ثم أراد النبي أن يعود إلى مكة، فقال له زيد بن حارثة يا رسول الله أتعود إليهم وهم أخرجوك؟ فقال يا زيد إن الله – تبارك وتعالى – جاعل مما ترى فرجاً ومخرجاً، يقين عظيم! وبعث إلى أحد سادات قريش، إلى الأخنس بن شريق، بعث إليه لكي يدخل في جواره، لكي يحميه، فتعلَّل الرجل بتعلة، خاف وفرق من قريش، كان جباناً للأسف، لم يكن عربياً أصيلاً، وبعث النبي بعده إلى سُهيل بن عمرو، وتعرفون قصة سُهيل في الحُديبية، بعث إلى هذا السيد من سادات قريش، فاعتذر بما ليس له فيه معذرة أو مُعتذَر، للأسف الثاني اعتذر، ثم بعث النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – إلى مُطعِم أو المُطعِم بن عدي، هذا الذي كان أحد الخمسة الذين سعوا في نقض وهتك الصحيفة، وله بعض المآثر هذا الرجل، فقال له نعم، على الرحب والسعة، مُباشَرةً! عربي أصيل شجاع، صاحب نخوة ونجدة ورجولة، ولبس الرجل سلاحه للحرب هو وأبناؤه ثم خرجوا، سنُقتِل عن آخرنا ولا يُمَس محمد بسوء، دخل في جوارنا! وخرجوا إلى البيت – إلى البيت الحرام – ومعهم السلاح في كامل عدتهم، فلما رآهم أبو سُفيان قال يا مُطعِم تابع أم مُجير؟ قال بل مُجير، قال إذن لا تُغفَر، لا نغدر بذمتك، قد أجرنا مَن أجرت، لا تُوجَد مُشكِلة، لا عليك! قال يا مُطعِم تابع – أسلمت وصبأت مع محمد – أم مُجير؟ قل بل مُجير، قال إذن لا تُغفَر، قد أجرنا مَن أجرت، قال أبو سُفيان – سيد قريش – هذا، وهكذا بُعِث رسول الله، فدخل – عليه الصلاة وأفضل السلام – وطهَّر البيت وصلى، ثم ذهب إلى منزله – عليه الصلاة وأفضل السلام -.

ولم ينس النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – هذه اليد الكريمة البيضاء للمُطعِم بن عدي، حتى أنه حين كذَّبه وشتمه بعد حادثة الإسراء كما سيأتيكم النبي غض الطرف عنه، لماذا؟ وفاءً لهذه اليد البيضاء، صبيحة المعراج أو الإسراء والمعراج قام المُطعِم بن عدي، سمع خبراً لا يُصدَق، وقال يا محمد قد كان أمرك قبل اليوم أمماً، أشهد – البعيد يشهد – أنك كاذب، كل ما أتيت به من قبل كان أمراً أمماً، والأمم هو الأمر اليسير، يُقال أتى بأمر أمم، ما طلبت إلا أمماً، أي هذا أمر يسير، مقدور عليه، كل ما أتيت به أمور يسيرة، مقدور عليها، أمور مُتوسِّطة، لكن اليوم أتزعم أنك أُسريَ بك وعُرِج بك إلى السماء السابعة؟ يشهد البعيد أنه كاذب، والنبي غض الطرف عنه.

في صحيح البخاري أنه – عليه الصلاة وأفضل السلام – قال بعد وقعة أو بعد معركة بدر وقد قتل منهم أكثر من سبعين وأسر أيضاً نحوهم – أي نحو سبعين من صناديد قريش وفرسانهم ومُقاتِلتهم -، قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – لو كان المُطعِم بن عدي حياً وكلَّمني في هؤلاء النتنة لتركتهم له، من باب الوفاء! انظروا إلى رسول الله، وفي – عليه الصلاة وأفضل السلام -، لكن المُطعِم بن عدي مات بعد الهجرة.

وأيضاً من الوفاء الذي تعلَّمه تَلاميذ محمد – عليه الصلاة وأفضل السلام – أن حسان بن ثابت – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه – أنشأ قصيدة – قصيدة عصماء طويلة جليلة – في مدح مَن؟ المُطعِم بن عدي، جزاءً ومُكافأةً له على ما فعل مع المُسلِمين ومع رسول الله، يقول:

أَيَا عَيْنُ فَابْكِي سَيّدَ الْقَوْمِ وَاسْفَحِي                                                               بِدَمْعٍ وَإِنْ أَنْزَفْتِهِ فَاسْكُبِي الدّمَا.

ثم يقول بعد ذلك:

فَلَوْ كَانَ مَجْدٌ يُخْلَدُ الدّهْرَ وَاحِدًا                                                               مِنْ النّاسِ أَبْقَى مَجْدُهُ الْيَوْمَ مُطْعِمَا.

لو كان أحد يُكتَب له الخلود والبقاء لمجد عظيم فعله لظل المُطعِم إلى اليوم حياً، ولن يموت، لأنه أتى بمجد عظيم.

أَجَرْتَ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – مِنْهُمْ فَأَصْبَحُوا                         عَبِيدَكَ مَا لَبَّى مُهِلٌّ وَأَحْرَمَا.

رضيَ الله عنهم وأرضاهم أجمعين، أصحاب رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام -، كانت هذه هي المُقدِّمات التي أكرم الله بسببها وعلى التلو والعقب منها رسوله – عليه الصلاة وأفضل السلام – بتكرمة ومُعجِزة وآية الإسراء والمعراج، التي نسأل الله – تبارك وتعالى – أن يمد في الفُسحة حتى نبحث في أسرارها وفي بعض مغازيها ودلالاتها في الخُطبة المُقبِلة – إن شاء الله تبارك وتعالى -.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديدٌ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صَلَىَ الله – تعالى – عليه وعلى آله الطيبين وصحابته المُبارَكين وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم لا تدع لنا في هذا اليوم الكريم ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرَّجته، ولا كرباً إلا نفَّسته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا غائباً إلا رددته، ولا أسيراً إلا أحسنت فكاكه، يا رب العالمين، ولا حاجةً لنا من حوائج الدنيا والآخرة لنا فيها صلاح ولك فيها رضا إلا أعنت على قضائها بمنّك وتوفيقك وتيسيرك.

اللهم اجعلنا نخشاك حتى كأنا نراك، وأسعِدنا بتقواك، ولا تُشقِنا بمعصيتك، وخِر لنا في قضائك، وبارك لنا في قدرتك، حتى لا نُحِب تأخير ما عجَّلت ولا تعجيل ما أخَّرت، واجعل اللهم غنانا في أنفسنا، ومتِّعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا ما أحييتنا، واجعلها الوارث منا، واجعل ثأرنا على مَن ظلمنا، وأقِر بذلك عيوننا.

اللهم اجعلنا هُداةً مُهتدين، أصلِحنا وأصلِح بنا، اهدِنا واهدِ بنا، يا رب العالمين، اللهم اهدِنا سُبل السلام، وأخرِجنا من الظُلمات إلى النور.

اللهم إنا نسألك ونبتهل إليك بالدعاء والضراعة أن تنصر الإسلام وأن تُعِز المُسلِمين، اللهم مَن أراد بالإسلام وبالمُسلِمين خيراً فكُن له خير مُعين، ومَن أراد به وبهم شراً فخُذه أخذ عزيز مُقتدِر، فإنهم لا يُعجِزونك.

اللهم أدِر عليهم دائرة السوء، اللهم أرِنا فيهم تعاجيب قدرتك وعلائم بأسك الشديد الذي لا يُرَد عن القوم المُجرِمين، اللهم رد كيدهم إلى نحورهم، اللهم اجعلهم تدميرهم في تدبيرهم يا رب العالمين، واجعلهم شماتةً للشامتين وعبرةً للمُتعبِرين، إلهنا ومولانا رب العالمين.

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩، اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه يزِدكم، وسلوه من أفضاله يُعطِكم، وقوموا إلى صلاتكم يرحمني ويرحمكم الله.

(19/9/2003)

تعاليق

تعاليق الفايسبوك