إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ، صَلَّىَ اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:
أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:
مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩
ثم أما بعد:
أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – سبحانه وتعالى – في كتابه العظيم بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ ۩ إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ۩ إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ۩
صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط. آمين اللهم آمين.
إخواني وأخواتي:
طلع الهلال المُحرَّم لتشهد معه الأمةُ المسلمة عاماً جديداً في قرنها الخامس عشر في ألفيتها الثانية وفي مثل هذه المُناسَبات تجيشُ في النفس ذكريات وتثورُ تساؤلات وأُمنيات كما تحزُ مرارات فيتخيَّل المرء أن الرسول – عليه الصلاة وأفضل السلام – في عالمه العلوي يُطل على أمته بعد هذه المُدة المُتطاوِلة بأسىً وحزن وفي انقباضٍ غير راضٍ بعد أن أورثنا أعظم دين وأقدس تركة وأعظم ميراث، فماذا فعلنا به؟!
جاء – عليه الصلاة وأفضل السلام – ونحن مُتفرِّقون فيقتل بعضنا بعضاً ويستغل القوي منا الضعيف لكنه وحَّدنا وأخرج منا أمةً عظيمةً نوَّرت العالم وضوَّءته بأنوار السماء في قرنٍ من الزمان، فأبينا إلا أن نُحيل هذه الوحدة إلى فُرقة وتمزق وتشظٍ وانقسام وكأننا أقسمنا يميناً لا نحنث فيه ولا نعود عنه على أنن نُمزِّق ما تبقى من وحدتنا.
بعد شهرٍ تقريباً سيشهد المسلمون والعالم السودان وقد غاض سودانين، واليد على القلب والتخوق جاثم وقائم أنه لا سمح الله ولا قدَّر ربما يتشظى أيضاً إلى أربعةِ سودانات وما خفيَ كان أعظم، وليست مصر ببعيدة عن هذا المُخطَّط وهى مُرادة بدرجة أولى وقد صدقوا بهذا غير مرة ولا يزالون، فلا عصمة لأحد ولا عصمة لأي أمة من هذه الأمم التي لا أُريد أن أُسميها شعوباً لأن كل شعب غدا أمةً بحياله فلا يعبأ بالآخرين ولا يبكي مآسيهم ومصائبهم، ومن ثم لم نعد نبكي على فلسطين وحدها وقد ضاعت فلسطين وضاعت العراق بتآمر المسلمين، فرسول الله حقاً وبالضرورة غير راضٍ عن حال هذه الأمة، ورسول الله بُعِثَ في أمةٍ أمية لم تعرف شيئاً طائلاً مما عرفت الأقوام من الحضارات والمدنيات، فأخرج بها أمة شيَّدت للعالمين حضارةً في أقل من قرنين من الزمان تُعَدّ مُعجِزة في المعاجز بـ (اقْرَأْ ۩) لأنها أمة الكتاب والقلم، أمة العلم والمعرفة، أمة العطاء والإنجاز، فإذا طلَّ عليها من عليائه اليوم وجد أنها الأمة الأمية الأولى في العالم فمُعظَمها لا يقرأ ومَن يُحسِن أن يقرأ لا يقرأ لأن لا هوى له في القراءة، فنحن نشتغل بالسفاسف وبلا لا معنى له، نُهدِر أعمارنا ونُبلي شبابنا ونُضيِّع طاقاتنا فيما لا يُجدي، إذن نخن أمة لا تقرأ، أمة في قرنها الأخير وإلى يوم الناس هذا لم يعش فيها مُفكِّرٌ لوذعي أو كاتبٌ مُقدَّم من قلمه، فكبار كاتبينا وأعاظم مُفكِّرينا ماتوا جوعى أو كالجوعى ولم يغنوا من الفقر بسبب ما سطَّروا وما كتبوا لأن هذه الأمة لا تقرأ ولذلك يضيع فيها أهل الفكر وأهل الذكر، فلا يُقام فيها وزن لعالم ولا لفيلسوف ولا لمُجتهِد، فما شأنها بهؤلاء؟!
شأنها بكرة القدم فهى أمة لديها استعداد أن يذبح بعضها بعضاً من أجل كرة قدم، ولكن أين عقلها ورشدها؟!
أليس لها مسكة من عقل تتمسَّك بها؟!
هذا عجبٌ عاجب، فهى تهتم فقط بكرة القدم، أما الفكر والعلم والهُدى والكتاب والسُنة والوحي والنور والهدى الإلهي العُلوي فلا شأن لها بهذا، ومن هنا نجد أن العقاد مات فقيراً، محمد رشيد رضا مُجدِّد الإسلام – أحد الأئمة المُجتهِدين المُجدِّدين وصاحب المنار مجلةً وتفسيراً التي شرَّقت وغرَّبت فكانت تُقرأ في بلاد الهند والسند وفي الصين وفي كل مكان – مات وبيته مرهون لفقره، فلما مات أُخِذ البيت وصار أهله في الشارع، هذا حدث مع محمد رشيد رضا الذي كتب عشرات ألوف الصفحات في الذب عن الإسلام والزود عن حياضه لأنها أمة لا تقرأ، فما شأنها برضا ومنار رضا؟!
شيئ غريب، ولكن حين يموت مُمثِّل تمتلئ الشوارع وتزدحم من عند آخرها بالثكلى والأيتام من النائحين والنائحات الذين ينحون أباهم وينحون نبيهم، فهو نبي الفن ونبي الرقص والغناء ونبي العُهر والدعارة والتحلّل الذي أفسد أزواجهم وبناتهم وأبناءهم ومع ذلك ينحون عليه، فإذا ما مات عالم أو مُفكِّر أو هادٍ من الهُداة لم يكد أحد يسير – والله – في جنازته.
نحن من طلّاب العلم ولذا اتفق لنا غير مرة أن سمعنا بنبأ موت عالم كبير أو مُفكِّر خطير القدر في هذه الأمة المرحومة ولكن للأسف نعلم هذا بعد أشهر وأحياناً بعد سنين من وفاته، دون أن ندري متى مات لأن لا أحد يعبأ به ولا يأتي عنه ولو خبر حتى في التلفاز، هم مُفكِّرون خطيرون ومن ثم ملأوا الأرض علماً ومع ذلك لا أحد يعبأ بهم، ولكن إن أتى مُمثِّل أو راقص أو ساقط أو ساقطة من الشرق أو الغرب إلى عواصم العرب والإسلام تهتز له الدُنيا فتقوم ولا تكاد تقعد، ثم نتساءل ما الذي دهانا؟!
التُرك خيرٌ منا ألف مرة فقد تقدَّموا وقطعوا شوطاً فسيحاً، الفرس خيرٌ منا ألف مرة، وحتى أمريكا اللاتينية الصين والهند وبعض الدول الأفريقية خيرٌ منا، العالم كله صار يجدُ جداً حقيقياً ونحن لا نكاد نعرف للجد معنى، نحن حياتنا مسخرة وأوضاعنا كلها مسخرة، والعجب أنك ترى هذا العربي الذي هو من أمة المساخر وهو إنسان ساخر وحياته كلها مسخرة مُنتفِخاً ومُنتفِجاً وعنده جسارة وعنده جرأة أن يتكلَّم في كل شيئ وأن يدّعي الفهم وأن يدّعي الحكمة، ووالله لو كانت النبوة تُدّعى لادّعاها – شيئ عجيب – على جهله وأُميته وتخلفه وفقره فهو لا يكاد يعرف شيئاً، فالذي يعرف منهم لا يكاد يعرف شيئاً، وهذا الذي يعرف فكيف بالذي لا يعرف؟!
ولكن لديهم كبر عجيب وانتفاخ يبدو أنه حليف الجهل، ففعلاً العلم حليف التواضع وحليف معرفة قدر النفس، أما الجهل فحليف الكبر، ولذلك ترى الآخرين ينجحون ولا ينجح العربي على أي مُستوى تُريده، حتى ولو على مُستوى بسيط جداً وميسور الآخرون ينجحون، على مُستوى الدول والبرامج الفخمة الضخمة ينجحون ونحن قاعدون.
إخوتنا الأتراك حين نتأمّل في أحوالهم نجد أن أحوالهم مُتسِقة إلى حدٍ بعيد، مُعظم مساجدهم مُشتراة فهم يشترونها لإن الإمام فيها إذا قال ادفعوا دفعوا، لكن أنا قال لي أحد الإخوة يا شيخ قل لجمهورك إن لم تشتركوا وإن لم تتفاعلوا وإن لم تُفعِّلوا عُضويتكم في المسجد وهو مسجدكم ومكانكم سأترك المنبر، فقلت له أنت مُغفَّل، وحينما سأل عن السبب قلت له لأن سيقول لي مُعظمهم: اتركه إلى غير رجعة واذهب إلى الجحيم، أنا سأعتلي منبرك وساُعطي ما لا تُعطيه وسأنجح حين فشلت أنت، أنت لست العلماء أو المُفكِّرين الكبار فمَن أنت؟!
وهكذا لدينا انتفاخ مُتسرطِن عجيب جداً، ولكن الأتراك لا يفعلون هذا، حيث قال لي أحدهم أن أحد الأئمة قال لهم “والله إن لم تدفعوا البقية – وهى بمئات الألوف – الباقية من ثمن هذا المسجد فلا عُدت أخطب على منبري”، فقالو” لا تترك المسجد يا شيخ “ودفعوا وانتهت المُشكِلة في أشهر يسيرة، فقلت له هذا يصلح مع الأتراك ومع الفرس ومع الماليزيين، أما مع العرب – وأنا عربي – فلا يصلح، فهى إذن أمة عجيبة غريبة لأنها أمة جاهلة لا تُحِب العلم ولا تُحِب حتى العلماء وأهل الفكر بل لا تُباليهم.
ولأنني ذكرت أمريكا اللاتينية الآن أود أن أُشير إلى أن أمريكا اللاتينية تسعد بكاتب روائي وليس فيلسوفاً كبيراً وإنما كاتب رواية أمريكي لاتيني إسمه جون جريشام John Grisham الذي يُسجِّل الآن التاريخ في حياتنا أنه أكثر الكتّاب مكروهيةً في تاريخ الدنيا، علماً بأن عدد النُسخ التي بيعت من كتبه وروياته وصل إلى ثلاثمائة مليون نُسخة وهو أمريكي لاتيني، وهذا ليس في أمريكا اللاتينية وحدها ولكن في الشمالية وفي كندا وفي أوروبا وفي اليابان وفي الصين وفي الهند وفي كل مكان حيث تُرّجِمَت كتبه لثلاثين لغة، والعرب لا يسمعون به ولا يعنيهم أن يسمعوا به لأنهم حتى لا يقرأون كتابهم ولا يستمعون إلى نبيهم، يستمعون فقط لأنفسهم ولعجرفتهم، وهذا شيئ غريب ومُحزِن جداً، ومن هنا سر هذه اللعنة التي تضرب هذه الأمة على مُستوى الحكومات وعلى مُستوى الأفراد والتجمعات الصغيرة، الكل أمير والكل خليفة والكل مُقدَّم فلا أحد يرضى لنفسه أن يكون جُندياً أميناً، ولكن الكل أمير والكل قيادة لأن هذه الأمة فقدت بل هى فاقدة لحس المسئولية، علماً بأنني سأجعل النصف الآخر من خُطبتي عن موضوع المسئولية وحس المسئولية وتعريفها ومُقتضياتها لأننا يبدو أننا أُوتينا من فقد حس المسئولية فنحن لا نشعر بمسئوليتنا، لا يكاد مُعظمنا يشعرون بهذه المسئولية.
قبل يومين بطريق الاتفاق الإلهي أبحث عن كتب في موضوع فلسفي في مكتبتي الإلكترونية فوجدتُ مُعجَماً صيني – عربي من مُجلَّدين عظيمين بلغة الماندرين مع العربية – أي بالصينية مع العربية – فابتسمت وقلت يبدو أنني مُهوَّس بالكتب وكل شيئ أُريد أن أقتنيه ولكن لعلي إن لم أنتفع به ينتفع به ولدي، ثم عُدت لنفسي وقلت لا أنا لست مهووساً أو مُهوَّساً بمقدار ما هو الواقع يفرض الإحساس به، فلو كان هذا قبل عشرين سنة لكان من المُحال أنني كنت أُحمِّل مُعجَماً ضخماً في مُجلَّدين بلغة الماندرين أو باللغة الصينية، مُحال أن أفعل هذا في الماضي ولكن الواقع اليوم تغيَّر.
نقرأ قبل فترة يسيرة جداً أن المملكة المُتحدة – الإنجليز من قادة العالم وأذكياء البشر – تقريباً فرغوا من إعداد ألف أستاذ لينظروا في لغة الماندرين – أي في اللغة الصينية – مع العلم أن هذه هى البداية فقط، أول الغيث قطرة ثم ينهمر، وتابع بعد سنتين أو ثلاث فسيُقال لك لدينا مائة ألف يحذقون الصينية، أما الصينيون فكانوا يتعلَّمون الإنجليزية فيما مضى لكن الآن العالم ينقلب والعرب نائمون لا يُعنون بشيئ بل ومُرتاحون تماماً، نابليون بونابرت Napoleon Bonaparte قبل مائتي سنة تقريباً يقول “حين تستيقظ الصين يرتج العالم” لأنه كان يعرف أن أمة بهذا الحجم وأن أمة بهذا التراث وبهذه التركة هى أمة خطيرة، تماماً كالأمة الإسلامية بالأمس وباليوم حين تستيقظ سيرتج الكون، ولكن متى تستيقظ؟!
هذا هو سؤالنا ولعله يكون سؤال الخُطبة: متى تستيقظ الأمة الإسلامية؟!
ما هو المُؤشِّر على استيقاظ الأمة الإسلامية؟!
أنا في نظري المُؤشِّر على استيقاظها لابد أن يكون شيئاً واحداً، ولا يُمكِن أن يكون هناك مُؤشِّراً غير هذا الشيئ وهو أن تبدأ تقرأ، فإذا بدأت ترى الورق مُستهلَك في أمة العرب بكميات هائلة فاعلم أن هذه الأمة استيقظت وسيرتج الكون، فلن يرتج العالم بل سترتج عوالم العصر وعوالم الأعصار – إن شاء الله – التي ستبقى مُرتَجة بالخير – إن شاء الله – وبالأمن وبالهُدى.
العالم كله ينتظر هذه الأمة وهى لا تُؤمِن بنفسها، العالم كله ينتظر هذه الأمة، ليس عقل العالم ووعي العالم هو الذي ينتظر وإنما ضمير العالم ومُعاناة العالم وتيه العالم وضلال العالم وتخبطه هو الذي ينتظر، تخوفه من حروب كونية تأتي على الأخضر واليابس فلا تُبقي ولا تذر، فالعالم ينتظر هذه الأمة وهذه الأمة غير شاعرة بنفسها وغير شاعر برسالتها وهى لا تُحسِن الاستماع لصوت التاريخ، هذه الأمة لم تسمع التاريخ ولم تُحسِن الاستماع لصوت تجربتها وخبرتها حتى المُعاصِرة، ومن قبل ومن بعد لم تسمع كتاب ربها ولا صوت نبيها، إذن ماذا تفعل هذه الأمة وإلى ماذا تستمع؟!
هل هى أمة صمٌ بكمٌ عميٌ فهم لا يشعرون وهم لا يعقلون؟!
لا يشعرون بأخطائهم ولا يعقلون هُداهم ورُشدهم، ولكن حين تبدأ الأمة تستهلك الورق كتابةً وقراءة فاعلموا أنها وضعت قدمها في الطريق المُستقيم، فالمُؤشِّر هو الورق، وهكذا كانت البداية بكلمة (اقْرَأْ۩) وذلك حين قال الله اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ۩ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ ۩ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ۩، وانظروا كيف أكرم الله الأمة الصينية الآن، العالم بدأ الآن يعود إليها يتتلمَذ على أعتابها فهو يُريد أن يتعلَّم ويُريد أن يتتلمَذ، الأمة الصينية من الأمم النادرة جداً التي تعمل على تخفيض سعر عملتها فهى تحتفظ بسعر عملتها واطياً – أي نازلاً – لأنها تُريد أن تُصدِّر، فهى تُصدِّر إلى أربعة أسقاع المعمورة، أنصحك بأن تقرأ أين صُنِعَ كل ما تأكل وكل ما تلبس وكل ما تستخدم وخاصة من الأجهزة والتقنيات والآليات الدقيقة المُتطوِّرة، مُعظمه ستُفاجأ أنه صُنِعَ في الصين، علماً بأن صناعتها من أجود الصناعات الآن، قبل عشر سنوات لم تكن جيدة أما الآن اختلف الوضع، فهى من أجود الصناعات وأرخصها أيضاً لأنها تُباع بالسعر المُناسِب، هى أمة تُنتِج للعالم ومع ذلك العرب يتشبَّسون بأذيال أمريكا – معبودهم في عالم السياسة والمال – التي تغرق في بحر من الديون، فالآن في خريف ألفين وعشرة – أيها الإخوة – بلغت مديونياتها – بلغت ديونها – عدد ضخم، ومع كل صباح – أي كل يوم – أمريكا تغرق في اثنين ونصف مليار ديون، ولذلك هى إلى زوال، أمريكا انتهت.
استمعت وأنا أضحك قبل أيام للأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل وهو يُخاطِب الأستاذ القدرير كريشاني ويقول له “أمريكا دولة عُظمى وستبقى دولة عُظمى وليس إلى االيوم وغد ولكن إلى عشرين أوخمس وعشرين سنة”، وهذا الكلام صحيح لكن المُضحِك فيه أنه يُؤكِّده على أنه أمدٌ طويل، هذا هو المُضحِك الذي لم أكن أتوقَّعه من أي مُثقَّف عربي كبير لأن هذا لا يقوله إنسان عنده إحساس بالتاريخ، فأنت حين تتكلَّم عن أمة عظمى وعن إمبراطورية وتقول لي أنها ستظل كذلك إلى عشرين أو خمس وعشرين كأنك تقول أن أمريكا تُجهِّز نعشها إذن لأنها انتهت، فاستمرارها إلى عشرين أو خمس وعشرين سنة فقط يعني أنها تموت، فالذين كتبوا عن انهيار الإمبراطورية الأمريكية قالوا “في خلالعشرين سنة ستكون انتهت” إذن هى ميتة، فإذا أردت أن ترفع يديك وتقولي أنها ستبقى قوة عُظمى إلى وإلى فيجب أن تقول إلى مائة وخمسين أو مائتين سنة ولا تقل إلى عشرين أو ثلاثين سنة أو حتى أربعين سنة، لأن هذا يعني أنها تموت فأنت تنعى أمريكا، وفي المُقابِل التنين الصيني في صعود مُستمِر، فإذن لماذا نحفل نحن العرب بالذات وربما المسلمين بعامة في مثل هذه المُناسَبات ونتذكر الأمة وخط الأمة وتاريخ الأمة وخمسة عشر قرناً ثم نقول نحن أمة عظيمة مُكوَّنة من مليار وسبعمائة مليون أومليار وثمانمائة مليون؟!
علينا أن ننتبه إلى أن هذه ليست ميزة، ففي الواقع الذي نعيشه وفي شروط عمل هذه الأمة الآن هذه ليست ميزة بل هذا عبءٌ على الأمة لابد أن يُحسَب بحساب النقصان لا بحساب الزيادة، أن عددنا بهذا الحجم هذه كارثة تعني مزيداً من البطالة ومن الفقر ومن الجريمة ومن الكفر ومن الفسق ومن التيه والضلال ومن الحيرة وفشل المُخطَّطات حيث لا مُخطَّطات ولا استراتيجيات، فهذه ليست ميزة وإنما عبءٌ وعبءٌ ضخمٌ ثقيل مُبهِظ!
ولكن يوم تستيقظ الأمة وتعرف طريقها وتتحمل مسئولياتها وتضطلع بمسئولياتها ومهامها الغليظة الكبيرة ستُحسَب هذه الزيادة في تعداد السُكان في حساب الزيادة لصالح الإنتاج والتنمية والتقدم والعلم تماماً، وما الصين منا ببعيد حيث أن المليار والنصف لديها في حساب الزيادة، فلديها أيدي عاملة رخيصة تُصنِّع ما يكفي العالم مرات ومرات، ومن ثم ترتقي الصين سُهداً وتتقدَّم قدماً مع كل نفس يتنفَّسه كل واحد من هؤلاء، وهكذا هى الإمم ومن ثم نحن ما علينا أن نُغرِّر بأنفسنا بأن نقول نحن أمة عظيمة من مليار وسبعمائة مليون لأن هذا في حساب النقص لا في حساب الزيادة، وعليك أن تفهم هذا جيداً فهذا الآن غير مُطمئن ومُقلِق في الوقت الحاضر.
نأتي الآن إلى موضوعة التفاوت، حيث جاء رسول الله وقرَّب الهُوة وجسَّر الفجوة وجعل التفاوتات بين أبناء هذه الأمة معقولة تماماً ومعقولة جداً، وبالمُناسَبة مَن أراد أن يكون مُنصِفاً لابد أن يعترف أنه لا وجود لشيئ إسمه يوتوبيا Utopia أو مدينة فاضلة في التاريخ باستثناء دولة رسول الله ودولة الخلافة، فلا وجود لهذه اليوتوبيا Utopia ومن ثم لا تُحدِّثونا عن أفلاطون Plato فهذا كلام فارغ، وهذه أكبر أضحوكة يُضحَك بها على البشر حين يقولون “نحن نُريد المدينة الفاضلة التي حدَّثنا عنها أفلاطون Plato”، لكن عليكم أن تقرأوا عن هذه اليوتوبيا Utopia، فهل قرأتم الجمهورية لأفلاطون Plato؟!
هذه ليست مدينة فاضلة، هذه مدينة عرقية عنصرية استغلالية استعبادية، فيها استعباد للناس لأنها مدينة شمولية، أي أن أفلاطون Plato كان يتحدَّث عن مدينة شمولية ومن ثم بعض ما كان يحلم به أفلاطون Plato الغرب الآن يفعله نسبياً والاتحاد السوفيتي أيضاً فعله وهذا كلام فارغ، فعلى أي أساس هى مدينة فاضلة؟!
المدينة الفاضلة حقاً هى مدينة الرسول والخلافة الراشدة التي فيها عمر بن الخطاب – ولعله قال هذا في زمن خلافته – يقول “أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا”، فأبو بكر سيده وهذا قد يُفهَم، أما السيد الثاني الذي أُعتِقَ ويُعتبَره عمر سيداً له فهو بلال – الله أكبر – لكن عند أفلاطون Plato وأرسطو Aristotle وعند أصحاب المُدن الفاضلة طبقة العبيد تبقى مُستعبَدة فيُداس عليها بالنعال، هى تخدم السادة فقط ولا حقوق لهم في تكوين أسرة حقيقية وخاصة للجنود، فالجندي يعمل كآلة فقط على الحدود وفي الظهور وبعدين يُواقِع النساء بحسب الاشتهاء، وهؤلاء الأطفال تأخذهم الدولة وتُربيهم، وهذه هى مدينة الانحلال والرجعية وهذا هو أفلاطون Plato الذي قال لك “جمهورية فاضلة”، إذن هم يضحكون علينا بهذه المُصطلَحات، فالجمهورية الفاضلة هى التي أنشأها محمد وفيها بلال سيد للسادة العظام وللخلفاء، ومن هنا قال عنه عمره أنه سيده – أي على العين وعلى الرأس كما يُقال – لأن الله قال إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ ۩، فلا يُوجَد شيئ إسمه أسود وأبيض وحُر وعبد، هذا الكلام انتهى ولا يُمكِن أن يُقال أنك بالحرية مُقدَّم دائماً، بل أنت مُقدَّم دائماً بالتقوى ومن ثم الله يقول إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ ۩، فيا ويل هذه الأمة التي تقول الآن شرقي وغربي ومصري وشامي وليبي وتونسي وسعودي وقطري وقبلي وبحري وصعيدي وما إلى هنالك، الويل لهذه الأمة التي تهزأ من تركة نبيها وتهزأ من دينها – أُقسِم بالله – وتدوس مبادئه ثم تملأ المساجد تُصلي وتُكبِّر، فلم تُصلون وبأي دين؟!
ما هذا الكذب على النفس؟!
لسنا جادين أن نصدر عن هذا الدين، فحتى بعض الدُعاة المُوفَّقين الكبار قد يتعصَّب تعصّباً مُنكَراً لبلده، فلا يُقدِّم مصلحة الأمة العربية والإسلامية وإنما يُقدِّم بلده، فهو مع بلده في الحق والباطل، فأي فهم للدين هذا؟!
ما الذي يحصل؟!
التفاوتات بعيدة جداً الآن بين أبناء الأمة المسلمة، فمنهم – والله – مَن يقضي حاجته في بيوت خلاء – أكرمكم الله وعُذراً – مصنوعة من ذهب، ولكم أن تتخيَّلوا أن يقضى رجل حاجته في الذهب، ومنهم مَن يبلغ الأربعين والخمسين ولا يجد ما يتزوَّج به من امرأة فاضلة تُعِفه فيعيش حياة الحيوان لا يعيشها لأن الحيوان يجد ضالته دائماً، فصرنا – والله – أقل من الحيوانات، ومنهم مَن يعيش ويموت وحاجته في نفسه فلا يستطيع لها قضاء المسكين، سواء كانت حاجة من مطعم أو من مشرب أو من مسكن مُتواضِع أو من مركوب لائق أو غير لائق، يعيش ويموت المسكين وهو لا يستطيع في حين أن هناك مَن يقضون حوائجهم – ما شاء الله – في الذهب – وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ ۩ – ومن ثم فالتفاوت رهيب وهو مُؤذِن بالهلاك، فالصغار – والمقصود بالصغار نحن وليس صغار السن – إذا انحرفوا أو جنحوا كما يجنح الصغار حقاً – أي صغار الأسنان – تُقام عليهم القوانين العادلة – ما شاء الله – بلا رحمة وبلا هوادة، ولكن الكبار إذا أجرموا وإذا فحشوا وإذا تغوَّلوا وإذا أخذوا كل شيئ وأهدروا كل شيئ – ليست الأموال فقط وإنما القيم والعادات والأعراف والتقاليد والحدود الإلهية والحُرمات الربانية – غُضَّ عنهم الطرف بل نُظِمَت فيهم قصائد الأشعار، فتُلقى قصائد الشعر في هؤلاء المغاوير الأبطال فهم سادة الأمة وحماتها ورؤوسها ومُقدَّميها، ولذلك رسول الله يطل علينا ويقول: تباً لكم يا أمتي، ويحكم يا أمتي، أما تناهى إلى مسامعكم قولي الذي عليكم به أن تفهموا أنكم على موعد مع الهلاك؟!
هذه الأمة على موعد مع الهلاك، نحن على موعد مع المُصيبة – أُقسِم بالله – ومع الدمار، في حين أن رسول الله حين جاءه حبيبه أسامة بن زيد – الحبّ بن الحبّ – ليشفع في امرأة مخزومية من بني مخزوم – سادات وعيون العرب وكرامهم – سرقت يغضب النبي غضباً شديداً، وأنتم تعرفون الحديث ولكن في الحقيقة أنتم تعرفونه ولا تعرفونه، فإن كان بالسماع فقد سمعنا، وإن كان بالفهم لم نفهم ولم نعمل، وهذه مسخرة لأننا نسخر من الدين حقاً، فيخرج النبي يجر رداءه وقد أحمر وجهه غضباً ويخطب في الناس خُطبة تلقائية عفوية “إنما أهلك مَن كان قبلكم مَن كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، والذي نفس محمد بيده لو أن فاطمةً – عليها السلام – بنت محمد – سرقت لقطعت يدها”، ولذلك نحن على موعد مع الهلاك، فإياكم أن تغتروا – والله العظيم – وأن تُصدِّقوا ما يُدغدِغ به بعض الدُعاة الطيبين عواطفنا حين يقولون أننا كأمة بخير وإلى خير، ولكن أفهمني كيف نحن بخير وإلى خير؟!
أُريد أن أفهم، لا أُريد أن تضحك علىّ، أرني المُؤشِّرات الدالة على هذا الخير، ضع إصبعي على المُؤشِّرات وقل لي أنه لا تفاوت بحمد لله تبارك وتعالى.
أموال زكاة العرب في بنوك الغرب وأمريكا بالذات تصل إلى ثلاثمائة مليار، ونحن نسأل عن أموال الزكاة،أين أموال زكاة العرب التي وصلت إلى ثلاثمائة مليار؟!
بثلاثمائة مليار – أُقسِّم بالله – تُحصَّن القدس ويُدافِع عنها وتُبطِل مُخطَّطات إسرائيل، ثلاثمائة مليار – والله – لا تدع فرداً عربياً إلا تزوَّج وإلا تعلَّم وإلا شبع وإلا اكتسى، فأفهِموني ماذا يُفعَل بالثلاثمائة مليار؟!
بل لعل هذا العربي اشترى بها أسلحة لذبحنا نحن العرب، فما هذه الأمة؟!
ما هذا الوضع؟!
ما هذه المهزلة التي نعيشها؟!
مهزلة ولا بعدها ولا قبلها مهزلة، ومن هنا قال رسول الله حين خطب في الناس “إنما أهلك مَن كان قبلكم مَن كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، والذي نفس محمد بيده لو أن فاطمةً – عليها السلام – بنت محمد – صلوات ربي وتسليماته عليه – سرقت لقطعت يدها” فهو يُقسِم على هذا.
قبل أسابيع حدَّثت إخواني بشيئ لطيف جداً وهو أن الرائد الدنماركي الكبير لميكانيكا الكم نيلز بور Niels Bohr سألوه مرة عن مبدأ التتامية في ميكانيكا الكم وهو المبدأ الذي يعني أنك لا يجب أن تنظر إلى الشيئ المدروس في العالم ما دون الذري – أي الـ Subatomic World – إلا على أنه جُسيم أو على أنه موجة، فيستحيل أن تنظر إليه من الزاويتين معاً، فإذا رُصِدَ كموجة تصرَّف كموجة وإذا رُصِدَ كجُسيم تصرَّف كجُسيم، وهذا شيئ غريب ومبدأ مُعقَّد جداً وهو عكس المنطق المعروف والسائد، فأراد نيلز بور Niels Bohr أن يُقرِّب للناس العوام هذا المبدأ المُعقَّد جداً في فيزياء الكم فقال لهم “قبل أيام أغضبني ابني لأنه ارتكب خطأ، فأردت أن أضربه فمنعني حبي إياه من ضربه فلم أستطع، وهذا هو مبدأ التتام أو التتامية”، بمعنى أنك يستحيل أن تجمع بين الحب والعدل، يكفي أن تُحِب أحداً لكي تظلم به أو لكي تظلم غيره فيه لأنك تعمى عن أخطائه، ومن هنا قال النبي “حُبُّكَ الشيءَ يُعْمي ويُصِمّ” لأن هذا طبع البشر، ومن هنا قال نيلز بور Niels Bohr “أُحِب أن أُقيم فيه العدل وأن أُعاقِبه على ما صنع ولكن حبي إياه منعني، وهذا هو مبدأ التتام، فإن نظرت إليه من زاوية جُسيم صار جُسيماً وبالتالي مُستحيل أن يكون موجة، وإن نظرت من زاوية موجة صار موجة وبالتالي مُستحيل أن يكون جُسيماً “، وهكذا إن نظرت من زاوية الحب ضاع العدل وإن نظرت من زاوية العدل راح الحب، هذا هو مبدأ التتام، ولكن هل هذا صحيح أم غير صحيح؟!
صحيح في حق نيلز بور Niels Bohr وفي حق أمثالنا، لكن هناك شخص واحد بالقطع ليس صحيحاً في حقه وقليلٌ مَن سار في هديه وهو رسول الله الذي كان لا يُحِب فاطمة فقط بل كان شديد الحب لها ومن ثم عبَّر عن مدى تعلَّقه هذا بطريقة رائعة جداً حين قال “فاطمة بضعة مني – أي أن فاطمة هى جزء مني، جزء من روحي وجزء من دمي ومن لحمي ومن عظمي ومن بدني – يُرضيني الذي يُرضيها، يريبني الذي يريبها، إن الله ليغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها”، فهذه هى فاطمة الزهراء – عليها السلام – ومع ذلك النبي أقسم أنها لو سرقت وثبت عليها هذا لقطع يدها – الله أكبر- فلم يمنعه الحب والوله والعشق أن يُقيم العدل، وهذا هو رسول الله لأنه لا يُريد أن يكون سبب الهلاك في أمته لأنه قال “الناس “إنما أهلك مَن كان قبلكم مَن كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد”، وانظروا إلينا الآن ونحن نتسبَّب للهلاك بألف سببٍ وسبب، ثم انظروا الآن إلى أسباب خبال هذه الأمة وخزي هذه الأمة فهى أمة خزيانة وأمة ذليلة، ولذلك قاداتها أصبح لديهم منطق جديد – علماً بأنه على مُستوى الفعل هو منطق مفعول ومن قديم للأسف – حيث يقولون “ليس أمامنا إلا أن نشحذ، فنحن نستجدي ونشحذ من إسرائيل أو من أمريكا أو من بريطانيا أو من الغرب، نستجدي ونبذل ماء وجوهنا ونحن أذلاء خزيانون فلا إرادة لنا ولا قوة ولا أي شيئ، أعطونا من فضلكم إن سمحت الظروف”، ولكن إسرائيل تقول “لن نُعطي شيئاً” وأمريكا تقول “أنا عجزت عن هذا” فأوباما Obama قال “أنا لا أستطيع أن أفعل هذا وانتهى كل شيئ”، نتنياهو Netanyahu لا يُريد إلا أن يبتلع ما بقيَ من الأرض المُحتَلة التي تقول كل الشرائع الدولية والقوانين الأممية أنها أرضٌ مُحتَلة من حزيران سبعة وستين ومن ثم ممنوع على إسرائيل أنن تضع فيها طوبة واحدة، لكن إسرائيل تهضم الأراضي المُحتَلة كل يوم، وبعض الناس – والله – لا يفهم حتى ما هو الاستيطان، فأنا أعرف أن هناك مَن هو في هذه الأمة ويقول غير عابيء: لماذا لا تبني إسرائيل لمواطنيها مُستوطنات يا أخي؟!
يقول هذا لأنه لا يفهم شيئاً، لا يفهم أن هذا خرق لكل الشرائع والقوانين الأممية، هذا ممنوع أن يحدث، وهذه أرضنا أو بالأحرى ما بقيَ من أرضنا لأن الأرض المسروقة في سنة سبع وستين، ومع ذلك نحن – ما شاء الله – عملنا مدريد Madrid وعملنا أوسلو Oslo، ومن أوسلو Oslo إلى اليوم – أي حوالي تسع عشرة سنة تقريباً أو سبع عشرة سنة – تضاعف الاستيطان خمسة أضعاف، فقبل أوسلو Oslo ثلاثة وتسعين كان المُستوطِنون في أراضينا المُحتَلة في سبعة وستين تسعين ألفاً أما اليوم فيزيدون على خمسمائة ألف ببركات أوسلو Oslo وببركات السلام مع إسرائيل.
ولذلك نُحِب أن نُذكِّر أنفسنا عربياً وفلسطينياً طبعاً وغير ذلك ونتساءل: عن أي سلام نتحدَّث ؟!
طبعاً لا أحد يُحِب الحرب ولكن حدِّثونا عن السلام كما تفهمه إسرائيل وأمريكا وكل دول العالم في الشرق والغرب، وعلينا أن ننتبه إلى أنه لا تُوجَد أمة عبر التاريخ تُريد السلام لذات السلام، لأنه لا معنى لهذا في علم السياسة، وهذا ألف باء سياسة أو A B C سياسة كما يُقال، والذي لا يفهم هذا حتى ولو كان أعظم رئيس دولة عربية لايفهم شيئاً، لأن هذا مكتوب في علم السياسة في العالم كله لمَن يفهمA B C سياسة، هذه هى السياسة ومن ثم علينا أن ننتبه إلى أنه لا معنى لأن نُحِب السلام لأن السلام شيئ محبوب بحد ذاته، لا وجود لهذا الكلام والصحيح هو أن كل أمة تُريد السلام لأهداف أعلى وأبعد من السلام، مثل أنها تُريد السلام لكي تستقر الأوضاع لكي تُكمِل مشوار التنمية ومشوار التحديث ومشوار التقدّم ومشوار التحرير بأساليب مُعيَّنة خاصة بها، لأن السلام إذا لم يكن صاحبه مُستطيعاً مُتمكِّناً مِن أن يدفع عنه بالحديد والنار ليس سلاماً، فالقوة لا تعرف الزهد، لا يُوجَد قوة تقية تعرف الزهد وتقول هذا حقي وهذا حقك، القوى كلها تتوسَّع – وهذا شيئ معروف – مثل البالون، فالبالون يتوسَّع في وجود الهواء، وكذلك كل القوى تتوسَّع في وجود السلاح والمدد، فهذا هو حال كل القوى فلا يقنعوا بحدودهم ومن ثم نجد أن حتى المسلمون فعلوا هذا وتوسَّعوا، فهم حرَّروا بلاد الشام وبلاد مصر وبلاد العراق من الروم والفرس، ولكن لماذا ذهبوا إلى الهند وعلى الصين؟!
هذه هى طبيعة القوة، وعلينا أن ننتبه إلى هذا حتى نكون صادقين، ونحن لا نُحِب أن نكون مُخادِعين لأنفسنا ومن هنا لابد أن نفهم أن القوة لا تعرف الزهد ولا تعرف الحدود فهى دائماً ما تخلق مجالاً جديداً لها، أي باصطلاح هتلر Hitler تخلق مجالاً حيوياً لها أو Lebensraum، فهتلر Hitler كان يرى أنه لكي يعيش لابد أن يستولي على أوروبا كلها، هكذا كان هتلر Hitler وهكذا هى طبيعة القوة، ومن ثم إذا لم تستطع أن تدفع عن سلامك بالحديد والنار فلا سلام لك، لن يتصدَّق عليك أحد بالسلام يا رئيس الدولة يا مُغفَّل، ومع ذلك تجد مَن يقول “السلاح الوحيد هو المُفاوَضات فنحن في عهد جديد ومن ثم اعذرنا يا رسول الله، ونحن مُفاوَضاتنا غير بقية المُفاوَضات لأنها مُفاوَضات إلى الممات”، ولكن ما معنى المُفاوَضات في A B C سياسة؟!
إذا سألت رجل درس سياسة لسه لمدة تصل إلى شهرين اثنين فقط في الجامعة عن معنى المُفاوَضات سيقول لك “المُفاوَضات مُقايضات”، أي خُذ وهات في إطار المُبادَالات، ومن ثم لابد أن يكون عندك أوراق وأشياء تُفاوِض بها، ولكن على ماذا نُفاوِض نحن؟!
هل تعرفون كيف يتم الآن التفاوض في فلسطين؟!
يتم تماماً كما لخَّصه عبقري السياسة عزمي بشارة حين قال “التفاوض في العادة يتم من أجل الحقوق، لكن الآن في فلسطين التفاوض يتم على الحقوق”، أي لكي يأخذوا منك البقية الباقية من حقوقك، ومن ثم عليك أن تفهم كيف تجري الأمور لأن هذا عار.
هذه أمة غير مُوحَّدة وغير قوية ولا تُبصِر رشدها ولا تنظر مصلحتها وتعمل ضد نفسها، وهذا شيئ عجيب وبالتالي هى على موعد إذن مع الهلاك – كما قلنا – وعلى موعد مع الخزي.
يوم عاد – صلى الله عليه وسلم – إلى خديجة مُمزَّعاً مُرتجِفاً “زمليني زمليني، دثريني دثريني، لقد خشيت على نفسي يا خديجة” قالت له “كلا، والله لا يُخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم وتقري الضيف وتحمل الكل وتكسب المعدوم – علماً بأن المفعول به الثاني محذوف، أي تَكسب المعدوم مالاً، وعلماً أيضاً بأن تَكْسِبُ تُكتَب بفتح الأول وليس بضمه، أي تَكْسِبُ وليس تُكْسِبُ – وتُعين على نوائب الحق، ولذلك لن تخزى”، وبالتالي أمة لا تصل أرحامها بل تُقطِّعها ولا تكسب المعدومين فيها ولا تعين على نوائب الحق ولا تفك عُناء الأُسارى في سجون الاحتلال هى أمة خزيانة لأنها على موعد مع الخزي فستخزى أزيد مما هى فيه من خزي.
هذا هو، هذا منطق الله، هذا منطق الصُلحاء والعرفاء، منطق الذين احسوا بنبض التاريخ، وهكذا ينبغي أن يكون منطقنا.
بقيَ لنا الحديث عن موضوعة المسئولية ولكن سنتركها للخُطبة الثانية، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
الخُطبة الثانية
الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صَلَىَ الله – تعالى – عليه وعلى آله وأصحابه وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
سنتحدَّث الآن على المسئولية، وطبعاً يبدو أننا مُنذ البداية لا نفهم المسئولية جيداً، فنحن ضللنا عن فهمها لأننا عدلنا بينها وبين السُلطة، فنقول “جاء المسؤول وراح المسؤول، فلان مسؤول وفلان مسؤول كبير”، وهذا ضلال ولذلك عقلنا لا يفهم أصلاً ما هى المسئولية، بل أن المسئولية عكس ما نفهمه عليها وبها تماماً، لأن المسئولية هى أن يخضع الكبير قبل الصغير إلى السؤال وإلى المُساءلة، فيُقال له: أنت اضطلعت بعمل فماذا أنجزت وفي ماذا أخفقت ولماذا؟!
هذا الدين خلق أمة فيها حس المسئولية رهيفٌ جداً، فأول مُستوى يتعلَّق بالمسئولية الأخلاقية أمام الضمير، فأكون مسؤولاً أمام ضميري بغض النظر عن القانون وعن المُجتمَع وعن الناس، وأخطر من هذا أن أكون مسؤولاً أمام رب العالمين – لا إله إلا هو – لأن النبي – عليه السلام – قال في حديث أبي بَرْزة الأسلمي الذي رواه الترمذي وغيره “لا تزولُ قَدَمَا عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يُسألَ عن أربعٍ عَن عُمُرِه فيما أفناهُ وعن جسدِهِ فيما أبلاهُ وعن عِلمِهِ ماذا عَمِلَ فيهِ وعن مالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وفيما أنفقَهُ”، أي أنك ستُسأل عن لحظات حياتك ساعة بساعة يا مسكين، ضيِّع حياتك في التلفزيونات – Televisions – وفي كرة القدم وفي الكلام الفارغ وفي المقاهي ولكن اعلم أنك ستُسأل، فلن تتحرَّك من أمام رب العالمين حتى تُجيب عن هذه الأسئلة، ومصيرك يا مسكين سيكون مرهوناً بالجواب عنها، ومن ثم عليك أن تفهم هذا، فالصحابة كانوا يفهمون هذا جيداً لكن للأسف نحن لا نفهمه بل ونضحك منه، لكن الرسول قال أنه ما من أحد إلا وسيُسأل عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وعن علمه ماذا عمل به وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، فأنت لديك مال وحساب رهيب في البنك ومن ثم ستُسأل فيما أنفقته، فهل أعطيت وعملت به خيراً؟!سأكون صريحاً معكم، نحن هنا نُصلي في الجُمعة وحين نكون قليلين يصل عددنا إلى ستمائة أو سبعمائة، وحين يزدحم بنا مسجدنا يصل عددنا إلى ألف، ومع ذلك كل شهر نمد أيدينا ونقول “سدِّدوا الإيجار، ادفعوا الإيجار”، هذا يحدث كل شهر رغم وجود ألف عضو أو ألف مُصلٍ، فلو تبرَّع كل أحد بعشرة يورو شهرياً – ولن أقول ينبغي أن يتبرَّع بمائة وخمسين أو بخمسين أو بمائة أو حتى بثلاثين يور، وإنما سأقول يتبرَّع بعشرة يورو فقط – ستكون المُحصِلة الناتجة عن ضرب عشرة يورو في ألف شخص هى عشرة آلاف يورو ومن ثم لن نحتاج مرةً واحدة أن نقول ادفعوا الإيجار، وعلى كل حال هناك ظاهرة مُقلِقة وإن كنا نفرح بها من جانب ولكننا نحزن ونأسى من جانب آخر – أنا شخصياً أأسى جداً لهذا – وهى أننا كلما احتاجنا بفضل الله – تبارك وتعالى – لم نتعن حيث يخرج لنا أكثر من رجل فاضل قد يصل عددهم إلى خمسة أو ستة على الأكثر في هذا المسجد مثل الدكتور فلان أو الأخ فلان ويتساءل الواحد منهم عن المبلغ المطلوب ثم يدفعه كله، فيدفع – مثلاً -عشرة آلاف أو سبعة عشرة ألف بحسب المبلغ المُراد، فهذا – والله العظيم – يُحزِنني – أنا أُقسِم بالله وأنا على منبر رسول الله – ويُخزيني – أي يُشعِرني بالخزي – ولكنني أقول “هذا إنسان كريم، هذا يمتلك قصوراً عند الله، فبارك الله له فيما أتى”، وأنا واثق أن الله سيُبارِك له في كل ما أتاه من مال وولد وصحة وعافية، ولكن الآخرون ماذا يفعلون؟!
ألا نخجل على أنفسنا؟!
ألا نخجل من أنفسنا؟!
كيف لا أخجل وأنا أذهب إلى مسجد لأجلس فيه وهو مسجد مُدفَّى في الشتاء ومُهوَّى في الصيف، وفيه ماء ساخن وماء بارد وكل ما أُريد لكي نجلس ونتعلَّم ونقرأ، ومع ذلك أكون إنساناً سلبياً وأبخل أن أتبرَّع حتى بعشرة يورو شهرياً؟!
والملائكة تدعو مع كل صباح “اللهم أعط مُنفِقاً خلفاً وأعط مُمسِكاً تلفاً”، وأنت تقول آمين، فعليك أن تعرف أنك إذا أمسكت سيُتلِف الله مالك وصحتك وأولادك وزوجك وحياتك، ولكن ألا تشعر بحس المسئولية وبأنك مسؤول يا أخي؟!
هذه المسئولية حقيرة وصغيرة جداً جداً ومع ذلك لا نشعر بها، ولذلك لا مسئولية لا إزاء العراق ولا إزاء فلسطين ولا إزاء أي شيئ، فنحن لا نهتم بأي شيئ، علماً بأنك ستُسأل عن كل هذا، ستُسأل عن الذي تسمعه وعن الذي تتكلَّم به، فكل كلمة تفوه بها ستُسأل عنها وكل مشهد ترنو إليه وتنظر إليه ستُسأل عنه، لأن الله قال إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ۩،علماً بأن المسئولية تتعلَّق بثلاثة أشياء أو بثلاث نقاط، الشيئ الأول هو أن تضطلع بما ينبغي أن تضطلع به، فأنتَ – مثلاً – أب إذن أنتَ مسؤول إزاء أولادك، عليك أن تُحسِن تربيتهم وتديينهم وتعليمهم وأن ترفع مُستواهم الأخلاقي والسلوكي لأنك ستُسأل عنهم، فالله يقول قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ۩،
وكذلك الحال مع الأم ، فأنتِ أم إذن أنتِ مسؤولة وينطبق عليكِ نفس الكلام، أنتَ مُدرِّس في حضانة أو في مدرسة أو في جامعة إذن أنتَ مسؤول، أنتَ خطيب إذن أنتَ مسؤول، أنت عالم أو كاتب صحفي أو غير ذلك إذن أنت مسؤول، أنتَ حاكم – لا ابتلى الله واحداً منا بهذه البلية العظيمة – إذن أنت مسؤول أغلظ مسئولية، فكلنا في نهاية المطاف مسؤولون، ومن هنا يقول الرسول – عليه السلام – في حديث معقل بن يسار في الصحيحين “ما استرعى الله عبداً رعيةً يموت يوم يوم وهو غاشٌ لها إلا حرَّم الله عليه الجنة”، أي أن النبي يقول مَن كان شأنه هكذا سيكون حراماً عليه أن يدخل الجنة بل لن يشم ريحها، فلو كنت – ما شاء الله – مسؤولاً ورئيساً – لا ابتلاكم الله بهذه البلية – ومن ورائك مَن تغشهم وتكذب عليهم ولا تنصح لهم لأنك تُريد فقط استبقاء منصبك فأنت ذهبت إلى الجحيم – والله العظيم – يا مسكين، لكن السعيد مَن كُفيَ بغيره، أما الشيئ الثاني في المسئولية هو أنك حين تضطلع بما ينبغي أن تضطلع به عليك أن تُجوِّده وأن تُحسِنه وأن تُتقِنه، ومن هنا قال الرسول “إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ”، وبالتالي كل شيئ تقوم به أنجِزه على أحسن وجهٍ مُمكِن وإلا شعورك بالمسئولية مخدوش، والشيئ الثالث والأخير يتعلَّق بحقيقة أنه لا يخلو المرء من التقصيرٍ والغفلة والسهو والنسيان، فإن وقع شيئٌ من ذلك أو اتفق لك عليك أن تتقدَّم بكل رجولة وبكل إسلام وبكل صدق وصدقية وتقول “أنا الذي أخطأ، الخطأ مني وليس من القدر أو من الظروف أو من غيري، بل هو مني ومن ثم أستمحيكم عُذراً بأن تعفوا عني وإلا فأنا مُستعِد لأن ألقى جزائي إذا كان تعويضاً أو ضماناً أو غير ذلك، فأنا سأُقدِّمه مُباشَرةً ولا مُشكِلة في ذلك”، ففي هذه الحالة أنت أصبحت رجلاً مسؤولاً، لكنك لا تجد هذا في أكثر الناس، فحتى في الأشياء البسيطة تجد الواحد منهم يحور ويلف ويدور ويُحِب أن يُفهِم العالمين أنه لم يُخطيء بل أنه أصاب حين أخطأ وينبغي على غيره أن يتحمَّل هذا الخطأ، فأي حس بالمسئولية هذا؟!
عليك أن تقول حين تُخطيء “أنا الذي أخطأت وسأتحمَّل مسئوليتي تامة” لأن المسؤول هو الحُر ومن ثم العبد ليس مسؤولاً، فالعبيد لا تجب عليهم صلوات الجُمعة ولا يجب عليهم الحج إلى بيت الله الحرام ولا يجب عليهم الجهاد، وإذا قذفوا الناس ذكوراً كانوا أو إناثاً فعلى النصف حدهم من حد الأحرار، لأنهم عبيد والعبد غير مسؤول، وبالتالي بمقدار ما تكون حُراً كريماً فأنت مسؤول وتتحمَّل مسئوليتك بشرف.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
(انتهت الخُطبة بحمد الله)
فيينا (10/12/2010)
أضف تعليق