إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُه وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين المُنتجَبين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:
أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:
مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩
ثم أما بعد:
اكذب، ازن، اقتل ….. ولك الجنة!
أيها الإخوة المسلمون الأفاضل، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – سبحانه وتعالى – من قائلٍ في كتابه الكريم بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:
قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم بِالْوَحْيِ وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاء إِذَا مَا يُنذَرُونَ ۩ وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ۩ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ۩ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاء وَذِكْرًا لِّلْمُتَّقِينَ ۩ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَهُم مِّنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ ۩ وَهَذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ ۩
صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط. آمين اللهم آمين.
إخواني في الله وأخواتي:
يُقال الإنسانُ ما يأكل، ولا أدري ما نصيبُ هذه المقولة من الصواب، والظاهر أن نصيبها مبخوسٌ جداً ولكن الصحيح بالإزاء هو أن يُقال الإنسانُ ما يعتقد أو الإنسان ما يُفكِّر، فالذي يُملي على الإنسان سلوكه وتصرفاته هو اعتقاده ونظرته إلى الأمور وتصوّره للأشياء وفلسفته في الحياة، أي العقيدة كما نقول، العقيدة بشكلٍ عام سواء أكانت دينية أم عقيدة لا دينية، وكذلك نظرته الكونية ورؤيته الكونية هى التي تُملي عليه تصرّفه، وهذا المفروض أن يكون صحيحاً بلا مرية، أي لا يُمترى فيه ولا يُشَك فيه، فإذا كان هذا صحيحاً – وهو صحيح – فما سر التناقض والتشاكس العجيب الذي نراه في حياتنا كمسلمين؟ وهو تناقضٌ ليس خاصاً بمسلمي العصر، هذا التناقض يُمكِن أن نُقيم عليه الأدلة وأن نضرب له الأمثال من حياة المسلمين تقريباً عبر الأعصار، حتى في حياة أئمتهم وعلمائهم وكبرائهم تناقضات مُحيِّرة، في حياة العوام اليوم تراه يُصلي بل يُحافِظ على الصلوات وربما في الجامعات إلا أنه مُتساهِلٌ جداً في قرض أديم الناس وهتك أعراضهم بالكلام وبالافتئات وبالبهت والأفائك – مُتساهِلُ جداً – وما إلى ذلك، وقد يكون عالماً دينياً وبلحية طويلة وبمظهر وقور كما يُقال إلا أنه مُتساهِل في الكذب والافتئات والبهت والأزعومات، وهذا شيئٌ عجيب، فكيف؟ أيضاً قد يكون مسلماً مُصلياً وحج بيت الله وهو حريصٌ الحرص كله على أن يُعدِّد العُمر – أي العُمرات – وربما الحجات، إلا أنه يُواقِع الكبائر فيزني مثلاً، وهذا أمر عجيب، فهو يُصلي الصلوات في جماعات ويزني، يزني ويتساهل وهو على ذلكم سنين، أو يأتي أبواباً من الفواحش الأخرى، وهذا أمر عجيب ولا أُريد أن أُطوِّل بذكر أشياء معروفة للجميع، فقد يغتاب الناس في بيت الله بعد الصلاة – بعد الجمعة – مُباشَرة، وقد تكون الخُطبة عن التقوى والورع، فإذا ما انصرف الناس قليلاً وانصرف الإمام بدأت الأحاديث والتفكه بغيبة الناس، بغيبة إخوانه وربما بغيبة مَن صلى معه وإلى جانبه قبل قليل، وأين؟ في بيت الله، ويراه أمراً عادياً وهو عند نفسه تقي، وربما يفتعل البكاء أحياناً عند سماع خُطبة أو تلاوة من التلاوت الرائقة، فهذا تناقض إذن، وليس من السهل أن نتهم أمثال هؤلاء بالنفاق، فهذا حلٌ سهل أن نقول نفاق ولكنه ليس حلاً دقيقاً على أنه سهلٌ جداً، وبلا شك هو من ناحية نظرية يُجامِع النفاق تماماً، وهو هذا حد النفاق أن تقول ولا تعمل، كما قال حُذيفة تتكلَّم بالإسلام وبالصلاح ولا تعمل، فهذا هو النفاق، ولكن هل لأن هؤلاء فعلاً مُنافِقون حقيقييون؟ هل هم أرادوا أن يكونوا مُنافِقين؟ هل هم واعون بنفاقهم؟ لا ندري لكن سوف نُحلِّل اليوم، المُشكِلة هناك تشاكس وتناقض في بنيتنا العقدية زفيما نتعلَّمه وفي الدين الذي نفهمه، وهناك تناقض حقيقي ضارب في الجذور، وسوف نُحاوِل البرهنة على ذلك بعون الله وحوله تعالى وجل وعز.
إن عُدنا إلى كتاب الله – تبارك وتعالى – وينبغي العود إليه أبداً – مَن أراد أن يُؤسِّس لفهمٍ سليم وتصوّرٍ دقيق يُرضي الله تبارك وتعالَى عليه أن يبدأ من الكتاب وعليه دائماً أن يُعيد تقييم كل شيئٍ بالقياس إلى الكتاب، حتى ما يأتيك من السُنة المحمدية ويُقال حديث وأخرجه فلان وصحَّحه فلان عُد به إلى الكتاب، فإذا كان يُناقِض أصول الكتاب ولم تر للعلماءِ تأويلاً سائغاً وقريباً معقولاً قرآنياً بصدد هذا الأصل رده، هذه قاعدة هكذا، هذه الأحاديث التي تتشاكس مع القرآن ومع أصوله كأحاديث الأطراف التي يتشبَّث بها المُعتزِلة والخوارج من طرف والمُرجئة وأشباههم من طرفٍ آخر وهكذا لابد إما أن تُأوَّل بتأويلٍ سائغٍ قريب وإما أن تُرَد، أي إما أن تُرد إلى تأوُّل وإما أن تُرَد أصلاً ولا يعنينا بعد ذلك لأن هذا هو الدين وهذه هى العقيدة – لخرجنا ورجعنا وعودنا بخير تصور على أنه واضحٌ جداً وبسط ودقيق وعادل، فحين تعرضه على يهودي أو على مسيحي أو على مجوسي أو على زنديق أو على لا ديني فإنه يقول لك إن سلَّمت أنا بأصولك التي هى قبل هذا فأنا أُسلِّم بأن هذه النظرة صحيحة تماماً وهى عادلة،وكما تلوت عليكم قُبيل قليل يقول الله وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ۩ وهو القائل أيضاً أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى ۩ وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى ۩ أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ۩ وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى ۩ وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ۩ ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاء الأَوْفَى ۩ وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى ۩، وهذا عدل، سينطق القلب واللسان والحال والمقال بهذا، هذا هو العدل، ففي نهاية المطاف أنت ستُكافأ وستُعاقَب بما جنت يداك على أننا لا نأبى فضل الله – لا إله إلا هو – بل نرجوه، فنحن لا نأبى فضل الله ولا شفاعة الشافعين الثابتة في النصوص على أنها شفاعة لِمَنِ ارْتَضَىٰ ۩، وعلينا أن ننتبه إلى أنها شفاعة لِمَنِ ارْتَضَىٰ ۩، فهم يُحدِّثونا عن رحمة الله ورحمة الله الواسعة ونعم واسعة وهل أوسع من رحمة الله؟ من عين رحمة الله خرجت الدنيا والآخرة ولكن الرحمن الرحيم الذي لا بجوز لأحد أن يتألّى عليه ولا أن يفتري عليه فيُحكِّم نفسه في رحمته ويقسمها كما شاء هو لمَن حرمه الله منها، فلا يجوز هذا، هذا كذب على الله وهو عظيمٌ جداً، ولذلك لما سُئل أبا حازم الأعرج – رضوان الله عليه – عن رحمة الله – في الحقيقة السائل هو سليمان بن عبد الملك وسأل أبا حازم الأعرج بعد أن خوَّفه وقطع نية قلبه بوعظه، قال يا أبا حازم فأين رحمة الله؟ – قال قريبٌ من المُحسِنين، قال الله إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ۩، وليس من المُجرِمين، وإلا لم خلق الله النار إذن؟ هناك النار وهناك الجنة وهناك مَن رضيَ الله عنهم ورضوا عنهم وهناك مَن يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ۩، فعلينا ألا نكذب على الله على كتابه، قال الله كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ۩ فالله يقول كُلُّ نَفْسٍ ۩ وهذا أمر عجيب، فهل هذا ينطبق حتى على آل محمد وأولاد محمد وبنات محمد صلوات الله عليهم أجمعين؟ نعم، وهذا عُلِّمناه ونحن في الصغر، قال رسول الله يا فاطمة بنت محمد اعملى لنفسك، لا أُغني عنكِ من الله شيئاً، فما دام فاطمة – عليها السلام – الزهراء البتول وهى مَن هى – بضعة محمد – نُصدِّق هذا في حقها فمن أين أتينا أن مَن ليس يُقاس أصلاً بأهل البيت فضلاً عن أن يُقاس بفاطمة – بضعة محمد وهى من درر جواهر أهل البيت – أنه مغفورٌ له وإن وإن وإن وإن ثم نقطع على غيبه أنه في الجنة ولا يجوز أن يُمَس؟ من أين هذا الكذب؟ أُحِب أن أفهم من أين أتينا به؟ هذا الذي طرَّقنا به طريقاً إلى العنف الذي نجده في المسلمين، عنف مُخيف جداً جداً ومُتساهِل في سفك الدماء، فسهل جداً على مُفتٍ أو على عالم بل على طويلب علم مُتعلِّم أو مُدّعي المشيخة – مُتمشيخ – أن يُعطيك فتوى إجمالية بل فتوى في العموم وبالإطلاق بالقتل والذبح، لماذا؟لأنه يُعطي فتوى بالتكفير، يقول هؤلاء كفّار ودمهم حلال، وهذا أمر عجيب، فما هذا التساهل؟ أين الورع في هذه المسائل؟ هل هو الورع؟ ليس الورع وإنما لزوم حد الله تبارك وتعالى، فهذا من أخطر الأمور ولكنه أتى من أين؟ من أمثال هذه الأفكار، لأننا عُلِّمنا أن فلانا تسبَّب في سفك دماء ألوف بل عشرات الألوف ومع ذلك نقول رضيَ الله عنه وأرضاه، فينبغي أن تترضَّى عليه، وهذا أمر عجيب، فكيف هذا؟ كيف يجتمعان في عقلٍ واحد وفي قلبٍ واحد؟ فعل كذا وكذا وكذا ومع ذلك نترضَّى عليه، ألم نُعلَّم أيضاً وألم نُروَّى ما في الصحاح في البخاري وغيره أن النبي أخبر عن رجلٍ من أصحابه تشتعلُ عليه شملته ناراً في جهنم؟ صحابي مُقرَّب جداً من رسول الله، كان مولى لرسول الله، وغلبان لا طلب عرش ولا طلب كرسي وإنما سرق شملة – شيئ مثل هذا البلوفر Pullover أو قريب منه – فقط، وهو في الحقيقة ما سرقها فله شُبهة فيها، لماذا؟ لأنه كان مع المُجاهِدين مع رسول الله فهناك شُبهة، ولكن النبي لا يُقيم وزناً لهذه الشُبهة ولا مُدخَلية للاجتهاد هنا، أي أن تقول لي اجتهد فأخطأ، وانتبهوا لما سأقول الآن، وهذا فتح الله علىّ به الآن – والله – وأنا على المنبر، لا تقولوا لي اجتهد فأخطأ واجتهاد سائغ وإن كان في الحقيقة هناك شُبهة سائغية الاجتهاد، لماذا؟ لأنه أولاً أخذ من مالٍ عام وهذه شُبهة عند الفقهاء يدرأون بها الحد، فالذي يسرق من بيت مال المسلمين لا تُقطَع يده، لماذا؟ لأنه يأخذ من مال عام، فإذن أين الشُبهة هنا؟ أين موطن الشُبهة أو موضع الشُبهة؟ لأنه أخذ من مالٍ عام له فيه نصيب، قد يكون سرق مائة دينار وله نصيب واحد على ألف من الدينار فهناك شُبهة، ولذا قال لك فلا تُقطَع يده، وقال رسول الله ادرأوا الحدود ما استطعتم بالشُبهات، وهذه الشُبه أقوى، فهذا ليس المال العام وليس مال بيت المال وإنما هذا فقط من غنائم حرب واحدة في خيبر، وهى غنائم محدودة ومحصور وهو من المُجاهِدين وسيخرج له بالقطع ما هو أكثر من شملة، ولكن اندلعت نفسه بسببها، فنفسه لم تكن عفيفة وإنما نفس مُستشرِفة فاندلعت وأخذها قبل أن تُصيبها المقاسم، والشملة التي غلها من الغنائم قبل أن تُصيبها المقاسم يُقسِم رسول الله في صحيح البخاري أنها تشتعلُ عليه ناراً في جهنم، فيا رسول الله – صلوات ربي عليه وآله وتسليماته وتبريكاته – أليس هناك موضعٌ للاجتهاد هنا؟ قال لا، كيف أقول لكم في جهنم وتقولون لي مُجتهِد واجتهد فأخطأ؟ فلا تُوجَد مسوغية للاجتهاد في دماء المسلمين، لكن ماذا عن مَن قتل سبعين ألف أو أكثر ليأخذ السُلطان ويُفسِد في الأرض؟ قال لك في سائغية هنا، فهذا عند العلماء وهكذا علَّمونا!
قبل أيام استمعت إلى ناصبي من الكويت الحبيبة – حفظ الله شعب الكويت – وهو من مُبغِضي أهل البيت ويدّعي أنه من أهل السُنة والجماعة، وقد برئت منك السُنة وبرئنا منك وبرئت منك الجماعة، وهو يرد علىّ ويقول شيئاً غريباً، علماً بأنني لا أُحِب أن أذكر أسماء فأنا لست منهم ولا أُحِب أن أجعلها شخصية ولكن انظروا إلى النصب، ثم يتساءل بعض أحبابنا ومُتابِعينا ويقول يا أخي دلونا على النصب في أهل السُنة، أين النصب؟ هذا ناصبي كبير وأنتم تزعمون أنه من علماء أهل السُنة وهو رأسٌ في النصب والبغض لأهل بيت رسول الله، فهو يُصرِّح به من غير استحياء ولا جمجمة، فهو يقول لو جاء ناصبيٌ – ها أنت من رؤوس النواصب يا أيها الرجل التائه، فيا أيها التائه أنت من رؤوس النواصب إن كمنت لا تدري فادر، والآن أنا أقف بك على نصبك – أو خارجيٌ فعكس القضية – أي عكس الآية – وقال عليّ بن أبي طالب أيضاً سفك دماء سبعين ألفاً – تسبَّب في سفك دماء سبعين ألفاً في صفين – من أجل أن يحصل على الخلافة وأن يتمسَّك بالكرسي – لما كان بعيداً، فقلت له والله الذي لا إله إلا هو وأنا على منبر رسول الله كلما نطقتم ظهر عواركم أكثر، والله الذي لا إله إلا هو كلما فوهتم بان أنكم تائهون وحمقى، لا أقول أكثر من ذلك وهم في الحقيقة أسوأ من هذا، فهذه حماقة ما بعدها حماقة، يا رجل أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ ۩، عليّ بن أبي طالب – عليه السلام – لا يحتاج أمثالك من النواصب لكي يُربِّع به في الخلافة ولكي يقول إنه كان الخليفة والإمام الحق والعدل الذي بايعت له الأمة وبايع له المُهاجِرون والأنصار يا رجل يا تائه، قبل أن يحصل قتالٌ أصلاً وقبل أن يكون نزاع عليّ وهو الخليفة، فرقٌ بين الخليفة الحق الذي ينبغي أن يُقاتِل مَن بغى عليه كمُعاويتك وكطاغيتك وبين رجل بغى على الإمام الحق، يا أخي ألا تقرأ كتاب الله؟ والله ما عادوا يفهمون كتاب الله لأنه حقدهم على آل بيت رسول الله ولأن حقدهم على عليّ – عليه السلام – أعماهم، وأنا نفسي مُستغرِب ولا أستطيع أن أفهم لماذا، والله لا أستطيع أن أفهم لماذا ولكن أنا قلت قبل اليوم في خُطبة أن الانحراف عن رسول الله وعدم المحبة الصادقة للرسول تُوجِب مُباشَرةً بغضة أهل بيته، وخُذوا هذا عني، فهذا مُؤكَّد ويقيني، كل مَن أبغض آل محمد لا يُمكِن – وأُقسِم بالله على هذا – أن يكون مُحِباً صادقاً لمحمد، وأنا سأُعطيكم شيئاً وأعانني الله وأعانكم على هذه الصدمات التي أصدمكم بها وإني لمُتألِّم ولكن الأمر يبدو أنه ليس بجديد، وعلى كل حال هناك رجل من علمائنا إسمه خالد بن سلمة بن العاص المخزومي الكوفي، وهو أصله قرشي مخزومي ثم صار في الكوفة وعجب أن يكون كوفياً وناصبياً وكان مُبغِضاً لأهل البيت ولعليّ عليه السلام، هذا الرجل أخرج له مسلم والأربعة والبخاري في الأدب المُفرَد لكي أكون دقيقاً – البخاري في الأدب ومسلم في الصحيح والأربعة في السُنن – أيضاً، وهو يُدعى الفأفاء فعودوا إليهم،واقرأوا ترجمته في تهذيبب التهذيب للحافظ ابن حجر العسقلاني – نوَّر الله ضريحه – الذي ختم ترجمته بقول رائع له، وطبعاً ذكر أنه كان ناصبياً مُبغِضاً لعليّ، وهذا عجب كما قال الذهبي أن تكون كوفياً وتكون ناصبياً، فالذهبي قال لا نكاد نجد كوفياً إلا وهو يشيّع – أي إلا وهو يتشيّع – لكن أن يكون كوفياً وناصبياً فهذا مفهوم، ولكن هذا ما حدث لغلبة الشقاوة عليه، وهذا أحد ائمتنا وهو أحد الرواة، فله أحاديث وهو رواي حديث “كان رسول الله ذاكراً لله على كل أحواله أو أنحائه” الذي أخرجه مسلم، وذُكِرَ في صحيح البخاري عرضاً دون أن يُذكَر إسناده، على كل حال هذا الرجل كما يقول ابن عائشة كان يروي أو يُنشِد آل مروان الشعر الذي هُجيَ به رسول الله، هل سمعتم ما قلت؟ سوف أُعيدها، هذا الرواي أو هذا الشيخ أو هذا اللعنة كان يروي لآل مروان – لكي تعرفوا مَن هم آل مروان، وهذا يقوله الحافظ ابن حجر – الشعر الذي هُجيَ به رسول الله، فهم يُحِبون هذا، يُحِبون الشعر الذي سُبَّ به محمد – صلى الله عليه وسلم – ولذا كان يُنشَد في قصورهم – في قصور أمية – أيضاً، وهذا لم يقله شيعي ولا رافضي ولا زيدي ولا مُعتزِلي ولا خارجي، ابن حجر في تهذيب التهذيب وعودوا إليه في ترجمة الفأفاء – خالد بن سلمة بن العاص بن بن بن بن المخزومي – كما قلت، ولذلك كان مُبغِضاً لعليّ، وهذا أمر طبيعي ومفهوم جداً أن تُبغِض عليّاً!
أبو بكر بن العربي – ليس الصوفي وإنما ابن العربي المالكي صاحب العواصم من القواصم، وهذه استطرادات فسامحوني ولكن فيها فوائد وعوائد إن شاء الله – من مُبغِضي آل محمد، ومع ذلك بعض الناس يقول نحن قبل أن نحكم وقبل أن نتكلَّم لابد أن نعود إلى ابن العربي، وهذه خُطة منهجية غير صحيحة، فكيف تعود إلى ابن العربي؟ كيف تعود إلى أحد النواصب مُبغِضي آل محمد؟ سأُحدِّثكم بشيئين يسيرين عن ابن العربي على أنه إن شاء الله تعالى إن فسح الله في المُدة سأعقد مُحاضَرة مُطوَّلة تُوزَّع ربما في عشر أو خمس عشرة حلقة نُحاسِب بها الرجل ونُناقِشه الحساب عن كتابه العواصم الذي أسميته القواصم والقواصم، فهو القواصم والقواصم وليس العواصم من القواصم، وهذا الرجل ناصبي مُبغِض لآل النبي، واسمعوا العجب، فحين تكلَّم عن شهادة الإمام أبي عبد الله الحسين – عليه السلام والرضوان وأخزى الله شآنئه كما قال المُناوي، فهو يُعارِض ابن العربي بل يُصرِّح ويقول أخزى الله شآنئه – هل تعرفون ماذا قال؟ انتهى باجتهاده وعقله الفقهي العملاق إلى أن قتل الحسين كان بحق، وقال قُتِل بفتوى رسول الله، فالنبي هو الذي قال مَن أتاكم وأمركم جميعاً على رجلٍ يُريد أن يشق عصاكم فاضربوا عنقه كائناً مَن كان، وأنا هنا يا ابن العربي بعد ألف سنة أُناقِشك على منبر رسول الله، تضحك على مَن بهذا الكلام السفل؟ هذا الكلام سفل فسل، كلام فسل ساقط لا معنى له أصلاً، ويقولون انظروا إلى عدنان إبراهيم يسب العلماء، هذا غير صحيح وحتى لو سببتهم لي أجر إن شاء الله، فهذا يسب آل بيت النبي، هذا يقول قتله بحق، حتى كثَّف العلماء كلامه الفسل هذا الرديء الساقط بقولهم وقال ابن العربي الحسين قُتِل بسيف جده، أي ليس بسيوف النواصب وليس بسيوف الملاعين وليس بسيف خولي وبسيف شمر وبسيف عُبيد الله وبسيف يزيد بن مُعاوية، كما يقولون ويضحكون عليكم الشيعة هم الذين قتلوا الحسين، لكن كيف يُقال الشيعة؟ شيعته خذلوه وهم يعرفون هذا وكفَّروا عن هذا بفضل الله، ثاروا ثورات وأسقطوا دولاً وأقاموا دولاً، ومن الدول التي أسقطوها الدولة الملعونة دولة بني أمية، فهم أسقطوها بدم الحسين، ولكن مَن الذي ذبحه بالله عليكم؟ النواصب فلا تقل لي شيعته ذبحوه، النواصب هم الذين فعلوا هذا، وبأمر مَن ذبحوه؟ بأمر يزيد، ومع ذلك قيل أنه لم يدر، لكن إذا كان لا يدري ولم يرض لماذا تُسيَّر إليه الرؤوس؟ لماذا تُسيَّر إليه بنات رسول الله سبايا في حر الصحراء أياماً وأسابيع؟ لماذا؟ لماذا ينكت في ثانيتي الحسين عليه السلام؟ لماذا هذا الإذلال؟ ما سر هذا الحقد؟ لماذا لا يُدفَن هؤلاء الشهداء في أماكنهم وانتهى كل شيئ ويُعاد بهؤلاء الكرائم من آل محمد إلى مدينة جدهن؟ لكن الأمور واضحة كما أقول دائماً، إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ ۩، وعلى كل حال هو يقول قُتِل بسيف جده، وأنا أقول له يا ابن العربي – يا أبا بكر بن العربي – هذا غير صحيح، علماً بأن بعض المالكية وبعض علماء بلده أفتوا بأنه لا يجوز أن يُقبَر في مقابر المسلمين وطالبوا بأن يُقبَر أبو بكر بن العربي في مقابر اليهود بسبب هذه الفتوى، وأنا أقول لكم هذا حتى تفهموا، واليوم يُطبَع كتابه القواصم هذا – القواصم والقواصم – ويُقال لك عُد إليه لأنه مرجعية لا تُتعدَى في فهم الحقائق، لكن هذا في التضليل والضحك على المسلمين والكذب على كل الحقائق إلا ما رحم ربي، ونقول له يا ابن العربي وهل كانت بيعة يزيد الخليع المُتهتِّك أصلاً شرعية؟ هل بايعه الناس عن طواعية؟ هل بايعوه عن رضا؟ ما علينا إلا أن نقرأ صحائف يسيرة من التاريخ حتى نعلم كيف أُخِذَت البيعة ليزيد اللعين، فهذه هى، وهل تستطيع بعد ذلك إذا خطَّأت الحسين أن تُخطَّيء ألوف الصحابة والتابعين في المدينة المُنوَّرة الذين قاموا على يزيد بعد سنتين فقط؟ يقول الذهبي قاموا لله، أي أنه جهاد في سبيل الله، فماذا تفعل؟ وهل تستطيع أن تُبرِّر حرقه لأستار الكعبة أيضاً؟ ماذا تفعل يا رجل؟ ماذا تفعل يا ابن العربي؟ هذا شيئ لا يُصدَّق، كأن يزيد أبو بكر أو عمر وكأنها بيعة شرعية بنسبة مائة في المائة لكن الحسين خرج عليه فيُقتَل بسيف جده، لكن انتبهوا إلى أن هذا الرجل نفسه – واحفظوا هذا عني – أفتى بقتل رجلٍ عاب لبس الأحمر، يُمكِن أن تعودوا إلى مصدر نقلي، وفي فيض القدير شرح الجامع الصغير للإمام المُناوي عندنا حديث أنه عليه الصلاة وأفضل السلام كان يلبس برده الأحمر في الجمعة والعيدين، وعودوا إلى هذا حتى تفهموا من أين آتي بالنقول، وقد ذكر المُناوي أن من غرائب وتهورات أبي بكر بن العربي أنه أفتى بقتل رجلٍ عاب لبس الأحمر، وواضح أنه ليس من العلماء، لو كان عالماً وفقيهاً لوقف على الأقل على هذا الحديث ولعلم أن النبي كان يلبس الأحمر ولكنه إنسان عامي، واضح أنه لم يكن من العلماء، إنسان عامي يُفتى في مثله، فهو أفتى بهذا لأنه قال أنا لا أستحب لبس الأحمر، يبدو أنه قال أن هذا – مثلاً – للصبيان أو للنساء، أي أن المسألة عرفية، فأفتى أبو بكر ابن العربي بقتله وقال لأنه عاب لبسة لبسها رسول الله، فما أهون الدماء عليكم؟ وكيف لا تهون وأنتم الذين سوَّغتم سفك دم الحسين عليه السلام؟ انتبهوا لأن هذه العقلية وهذه الطريقة في التفكير لا تُبقي ضمانة بعد ذلك لعصمة دم أي إنسان مُحترَم الدم، فانتهى كل شيئ ولذا قيل الحسين يُقتَل وبسيف جده، لكن مَن أنت؟ وعلى كل حال يقول المُناوي وقُتِلَ الرجل، انتبهوا إلى أن الرجل قُتِلَ لأنه يقول أنا أن لباس الأحمر يُعَد مُستحَباً لأن هذا اللباس كذا وكذا، ولو كان الذي أفتى أو الذي عاب لبسة الأحمر أو لُبس الأحمر عالماً لما قتلناه شرعاً وبإجماع الفقهاء، هل تعرفون لماذا؟ لأنه لا يُؤخَذ باللازم، أي لا يُؤخَذ باللوازم، ولا نُكفِّر باللوازم ولا نقتل باللوازم، لكن ما معنى اللوازم؟ اللوزام أن تقول قولاً يتفرَّع منه وينبني عليه ويلزم منه قولٌ آخر قبيح، لا نأخذك بلازم قولك إلا أن تُقِرّ بهذا اللازم وتعلم أنه مُكفِّر، فمثلاً في هذه الحالة لو أفتى هذا الرجل وكان من أهل العلم وقال أنا أعلم وأعرف هذا الحديث، وإذا قلنا له هل صح عندك الحديث أن النبي كان يلبس الأحمر؟ فإنه يقول صح عندي وثبت عندي أنه كان يلبس الأحمر، فنقول له إذن يلزم من قولك أنك تعيب ما استحسنه رسول الله وآتاه، فيقول نعم أفعل هذا، ومن ثم نقول له كفرت الآن، لأن الرجل يُصرِّح بكفره وبقلة أدبه ويقول لا أُقيم وزناً للمُصطفى، فهذا كافر إذن، لكن لا نقول هذا لإنسان لا يعرف الحديث ولا يلتزم اللازم ولا له دراية يُفتى بقتله، ثم يقول المُناوي وليس هذا بأول عجرفة هذا المُفتي، قال قُتِلَ بفتواه وسيُخاصِمه هذا القتيل عند الله غداً وسيبوء بالخزي مَن اعتدى، وليس هذا بأول عجرفة لأبي بكر بن العربي – كما يقول المُناوي – لأن له عجرفات كثيرة مثل هذه، وادّعى بعد ذلك لأنه أقام العدل وسار في الناس بما يُرضي الله قام بعض الناس بكبس بيته، وذلك من خلال الشطَّار طبعاً والعصابات، لكن هذا غير صحيح، يبدو أن هناك مَن ظُلِمَ يا حبيبي يا ابن العربي في قضائك بمثل هذه العجرفات فكبسوا بيتك، قال فخرجت أنا – علماً بأن هذا في عواصمه – وجلست على السطح – أي على سطح البيت – ولولا فضل الله أو لولا لطفه لكنت قتيل الدهر كعثمان، رضيَ الله عن عثمان، ما هذه العجرفة؟ انظروا كم يتساهلون في الدماء حتى تفهموا الأصول والجذور، من أين تأتي هذه الجرأة على الدماء؟
ونعود إلى ناصبي الكويت – حفظ الله الكويت وشعبها – الذي يقول ولو أن ناصبياً أو خارجياً قال عليَ بن أبي طالب قتل أو تسبَّب في قتل سبعين ألفاً من أجل أن ينال الخلافة وأن يتمسَّك – كما قال – بالمنصب أو بالكرسي … ثم يسكت قليلاً هذا الناصبي ويقول لما كان بعيداً، فانتبهوا وضعوا تحتها مليون خط أحمر تحت لما كان بعيداً، فما معنى لما كان بعيداً؟ أي كلام سائغ ومنطقي، لكن كيف يُقال سائغ ومنطقي أيها الناصبي المُعثَّر وأيها التائه الضال المُضِل؟ أنت تُضلِّل المسلمين أيها التائه وتجعل إمام الحق – رحمة الله عليه – قاتلاً، والإمام أحمد بن حنبل وليس من شيعة أهل البيت على كل حال سُئل عن مَن لم يُربِّع بعليّ في الخلافة – عليّ هو الخليفة الرابع قولاً واحداً – فقال هو أضل من حمار أهله، مَن لم يُربِّع بعليّ – الإمام أحمد يقول الخليفة الراشد الرابع هو عليّ – فهو أضل من حمار أهله، وصاحبنا يرى أن قول الخوارج والنواصب قولٌ غير بعيد من الحق ويقول لما كان بعيداً، فهو قول شبيه بالحق وقول قريب سائغ منطقي مُبرَّر أن عليّاً احتقب جُرماً عظيماً وعُصِبَ بجبينه دماء سبعين ألفاً لأنه كان يبغي الكرسي ويُريد الرياسة، فحسبنا الله ونعم الوكيل، ألم يقرأ هذا الناصبي التائه أنا حربٌ لمَن حاربكم وسلمٌ لمَن سالمكم؟ فهو يقول حربٌ لمَن حاربكم، ألم يقرأ هذا التائه أن النبي أقسم أنه لا يُحِب أحدٌ قوماً ولا يتولّاهم إلا حشره الله معهم؟ ستُحشَر مع هؤلاء أنت، ستُحشَر مع مُعاوية ومع يزيد ومع ابن العربي ومع النواصب، ونسأل الله بأسمائه الحُسنى وصفاته العُلا أن يكون محشرنا مع عليّ وآل بيت المُصطفى يتقدَّمهم المُصطفى الأعظم، فهذا هو وهذا إن شاء الله ما سيحدث بفضل الله ومنه، لكن هذا شيئ غريب وهذه طريقة غريبة عجيبة في التفكير!
نعود مرة أُخرى، فالقرآن إذن واضحٌ جداً وبيِّن، وما تفعله ستُجزَى به يوم القيامة، إن خيراً فخير وإن شراً فشر، فالأمور واضحة، قال الله وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ۩ وقال أيضاً كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ۩، والنبي كان يُؤكِّد على هذا ويقول يا فاطمة أو يا عباس أو يا فلانة كذا وكذا لتقرير هذا المعنى، وهذا نُصدِّقه طبعاً، لكن في حق غير أهل البيت لا يُصدَّق، فليس لك أن تقول لهم أن يفعلوا ما شاءوا ونقطع على أنهم من أهل الجنة، فأي اعتقادٍ هذا؟ وهذا كان في حقبة تاريخية مُعيَّنة، فكيف تلوَّثت عقيدتنا نحن عبر القرون؟ ما الذي حصل؟ إذا كان القرآن واضحاً إلى هذه الدرجة وبيِّناً إلى هذا المُستوى البعيد المُتألِّق لم نتناقض نحن في سلوكاتنا؟ لم نُصلي ونزني؟ لم نتعبَّد ونُعلِّم ونتعلَّم ونُعطي فتاوى بالقتل والتكفير ولا يطرف لنا جفن؟
أحد عُمَّال مُعاوية في ستة أشهر – استنابه زياد بن أبيه – قتل ثمانية آلاف، وقال له زياد نفسه – علماً بأنني حدَّثتكم بهذا -أما خشيت يعني أن يكون بينهم رجلٌ بريء؟ فقال لو قتلت إليهم مثلهم ما خشيت، تفضَّل يا حبيبي إذن، ومع ذلك قال لك هذا رضيَ الله عنه وأرضاه، وقد ثبت أنه باع الخمر ويُقال أيضاً رضيَ الله عنه وأرضاه، وثبت أنه ناكف رسول الله، فالرسول قال له اسمح لأخيك وقال له ناقله نخلة بنخلة وبعه، فقال لا أفعل، لا أفعل، لا أفعل، فهو يرد أمر رسول الله في وجهه، ومع ذلك هو صحابي جليل وإن قتل ثمانية آلاف وإن قتل أمثالهم وإن باع الخمر وإن ناكف الرسول حتى غضب الرسول وقال لغريمه افعل كذا وكذا، أي رغماً عنه وليخسأ، ورغم هذا يقول ابن سيرين رضيَ الله عنه وأرضاه، كان عظيم الأمانة، فكيف يُقال عظيم الأمانة؟ وفي ابن سيرين نصبٌ خفي حتى تعلموا الحقائق المُرة، ففيه نصبٌ خفي وانحراف عن أهل بيت رسول الله، وهذا شيئ لا يُصدَّق، فمن أين أتتنا هذه اللوثة؟ من أين جاءنا هذا الانحراف؟ أنا سأقول لكم من أين، من مثل هذا الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه بسنده عن أبي بُردةَ بن أبي موسى الأشعري – رضيَ الله عن أبي موسى وقبَّح الله أبا بُردة ابنه، علماً بأن أبا بُردة من رجال الجماعة – الذي قال فيه قال صلى الله عليه وسلم يوم القيامة يدفع الله – عز وجل – إلى كل مسلم يهودياً أو نصرانياً ويقول له هذا فكاك من النار، ألست مُسلِماً؟ هل عشت وأنت مسلم ومت وأنت مسلم؟ إذن لا مُشكِلة مهما فعلت ومهما أتيت، فقط خُذ هذا ضعه في النار وتعال على الجنة، وهذا شيئ جميل جداً، ما شاء الله وتبارك الله على هذا الدين، من أين لك يا أبا بُردة هذا؟ علماً بأنني لا أتهم أبا موسى أنا الأشعري ولكن أتهم ابنه أبا بُردة، وسوف يُقال لي قطع الله لسانك يا عدنان، هذا أبو بُردة وهو من رجال الجماعة، لكن هل تعلمون مَن هو أبو بُردة؟ اقرأو ما ثبت عنه، فبشهادة زور من أبي بُردة كتبها وباءت بها – والعياذ بالله – يمينه الخائنة ولسانه الدنس قُتِلَ حجر بن عدي راهب أصحاب محمد، فحجر بن عدي كان يُلقَّب براهب أصحاب رسوا الله وقُتِل بشهادته الزور، وهو الذي غضب الصحابة الكبار لموته وفي رأسهم أم المُؤمِنين عائشة وبكّتت مُعاوية، وكانت تبكّته كلما رآته وتقول قتلت حجراً؟ وقال الحسن البصري قتله حجراً فيا ويلاً له – عن مُعاوية – من حجر ويا ويلاً له من حجر ويا ويلاً له من حجر، وذكر ابن عساكر في تاريخ دمشق أن مُعاوية لما كان يُنزَع كان يهزي ويقول إن يومي من حجر لطويل، إن يومي من حجر لطويل، فهو قُتِل صبراً، أخذوه هكذا وهو مربوط وقطعوا رأسه – ذبحوه – وهو صحابي جليل، لقبه راهب أصحاب محمد، وقد قُتِل مع سبعة، سابعهم عبد الرحمن بن حسان، هذا العنزي دفنه زياد حياً، فهو قُتِلَ حياً بأمر مُعاوية، فمُعاوية قال له والله لأقتلنك قتلةً ما قُتِلَها أحداً، ثم بعث إلى يزيد وقال له اقتله قتلة لم يُقتَلها أحد، فدفنه حياً، وهذا تاريخنا الثابت للأسف الشديد، وعلى كل حال ما الذي يحصل إذن؟ ولماذا؟ قال لك بشهادة أول مَن باء بإثمها وجرَّأ الناس عليها أبو بُردة بن أبي موسى الأشعري، فهو كتب يقول أشهد لله – وتسمعون الآن أنه يقول شهادة لله، فأبو بُردة يشهد لله هنا – العظيم أن حجراً – أي حجر بن عدي – قد نزع الطاعة وفارق الجماعة وسبَ أمير المُؤمِنين – عن مُعاوية – وفعل وفعل وأنه كفر كفرةً صلعاء وأتى فعلةً شنعاء، فهذا هو الكفر، لكن انتبهوا إلى التالي، هل تعرفون ما هو الكفر؟ الكفر عند أبي بُردة هو أنك لا تُطيع الأمراء الظلمة وأنك تُنكِر عليهم وتلعن مَن لعنه الله، هذا كفر عند أبي بُردة، فتتابع الشهود الزور بعد ذلك على مثل شهادة أبي بُردة وقُتِلَ هؤلاء الأماجد بشهادة أبي بُردة، فوالله ما قبلت حديثك يا أبا بُردة ولن أُصدِّقكك لأن الجماعة رووا لك، فلن أُصدِّق هذا ولن أقبله، وهذا الحديث كذب على رسول الله ومع ذلك ذهب العلماء يتأولونه، وقد قرأت ما تأوَّله العلماء، كلام طويل عريض حقيقةً وهو غير معقول وغير مفهوم، كله كلام فارغ، قال الله تعالى – وكم أتخذنا كلامه ظِهْرِيًّا ۖ ۩ وجعلناه كلاماً مهجوراً – لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ۩، يا جماعة بالله الذي لا إله إلا هو لقد ركبنا ونركب سنن الذين كانوا من قبلنا، نحن صرنا كاليهود والنصارى، اليهود والنصارى ماذا قالوا؟ تقول الآية الكريمة وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ ۗ ۩، ونحن نقول هذا، نقول لن يدخل الجنة إلا مسلم وعلى طريقتنا فقط، قل كلمة الشهادة ومُت عليها وأنت في الجنة – بإذن الله تعالى – ومُحرَّم عليك النار، ففي صحيح مسلم من حديث عُبادة بن الصامت قال رسول الله حرَّم الله عليه النار، وقد ذهبوا يتأوَّلونها أيضاً تأويلات أقرب قليلاً للحق، علماً بأن هناك أربع تأويلات لكن لا يتسع المقام لذكرها، وعلى كل حال هى أربع تأويلات لعياض وللحسن البصري وسعيد بن المسيب وتأويل رابع لم يُعز إلى قائل، فهى أربعة تأويلات ولكن المقام يضيق إلى ذكرها، فإلى حدٍ ما يُمكِن أن يُأوَّل بتكلف، أما حديث يهودي فداؤك وهذا قربان لك وتضعه في جهنم وتذهب إلى الجنة وهذا نصراني تضعه في جهنم وتذهب إلى الجنة فهذا كله تفكير كتابي ةتفكير إسرائيلي، تقول الآية الكريمة وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ ۗ تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ ۗ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ۩، لَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ۩، والآيات كما تعرفونها من سورة البقرة، فهذا هو القرآن، الله يقول لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ ۩، والنكرة في سياق النفي تعم، علماً بأن أصبحت العامة تعرف هذه القواعد الأصولية، فالنكرة في سياق الشرط هنا وفي سياق النفي طبعاً تعم، وهى هنا في سياق الشرط، قال الله مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ – ليس مَن قتل سبعين ألفاً وليس مَن سبي المسلمات وليس وليس وليس، أي سوء ستُجزَى به – وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً ۩ وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا ۩، فهذا هو القرآن، ما أجمل هذا الدين وما أحق هذه العدالة وأعدلها وأبهاها وأسناها – والله العظيم – وما أغرب هذا الكلام، ومع ذلك يُقال لك يهودي فداؤك من النار ونصراني فداؤك من النار، اذهب غفر الله لك، وهذا يرويه مسلم عن أبي بُردة، ويروي مسلم في الموضع ذاته أن أبا بُردة حدَّث بهذا الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه، وعمر صُدِمَ طبعاً، فما هذا الحديث؟ هل فعلاً يُمكِن أن يُصبِح اليهودي والنصراني قرباناً وندخل الجنة مُباشَرةً؟ فما أسهل الجنة وما أزهدها إذن، والنبي يقول سلعة الله غالية لكن هم يقولون أنها رخيصة جداً جداً جداً جداً جداً، فوالله من غير عمل فقط قل “لا إله إلا الله ومحمد رسول الله” وافعل ما تشاء واليهودي هو فكاك رقبتك من النار والنصراني قربانك وانتهى كل شيئ، ولذا استحلفه عمر بن عبد العزيز وقال له بالله الذي لا إله إلا هو أنت سمعت أباك يُحدِّث بهذا عن رسول الله؟ فقال له نعم وحلف له وذلك في ثلاث مرات، وأقول لعمر بن عبد العزيز كان عليك يا راشدنا – ولا أدري هل صدَّقه ويبدو أنه لم يُصدِّقه والله أعلم – أن تتذكَّر ما فعل أبو بُردة، أبو بُردة الذي يقول لم أدخل على مُعاوية مرة وحجبني، لكن كيف يحجبك يا أبا بُردة وأنت الذي شهدت شهادة الزور وأنت ابن صحابي جليل على حجر بن عدي وأصحابه فقُتِلوا؟ أنت أعطيته سكيناً مُرهفة قتل بها أصحاب رسول الله يا حبيبي فكيف يحجبك؟
أبو بُردة هذا كان يأتيه قاتل عمَّار ويقول مرحباً بأخي، قاتل عمَّار الذي قال فيه الرسول في الحديث الصحيح قاتلُ عمَّار وسالبه في النار يقول له مرحباً بأخي، ورُوريَ عنه أنه قال له مرة أبشر بالجنة، وهذا من مُناكَدة رسول الله ومُناقَضة رسول الله، فالرسول يقول قاتلُ عمَّار وسالبه في النار وهو يقول له أبشر بالجنة، فصدَّقناك يا أبا بُردة لأنك قسيم الله في الجنة والنار – ما شاء الله – لورعك وتقواك يا رجلاً من رجال الجماعة، وعلى كل حال هذا شيئ – كما يُقال بالعامية – يضع المخ على الكف ،أو العقل على الكف، فهو لا يكاد يُصدَّق فيا ويلنا من هذا الحديث الإسرائيلي، لكن كونوا على يقين أن هذه إسرائيليات، هذه ليست مُحمَّديات وهذه ليست قرآنيات فانتبهوا، القرآن واضح جداً جداً، قال الله وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ ۗ ۩، فوالله لا أبوك ولا أمك ولا الرسول ولا أي أحد سيحمل عنك شيئاً، والله العظيم لتحملن وزرك وحدك برأسك، فإياكم من هذا يا أخواني، وأنا أقول هذا لفائدته على الأقل على حياتنا العقدية والمسلكية، والله العظيم هذا سيحدث، فلا تغترن ولا تذهلن عن دينكم، لا تغترن بالله تبارك وتعالى، هذا تغرير وهذا تضليل، وقد يقول أحدكم ولكنني عامي جاهلي وهكذا علَّمونا لكن أنا أقول لك أن – والله – عندك عقل والله – عز وجل – سيقول لك لأُحاكِمنك بعقلك وفهمك الذي يستند إلى أصول واضحة في كتابي، وليس لك حُجة عند الله، مثل حديث الإمام عليّ – عليه السلام – في الأمير الذي أرسله الرسول في غزاة – في سرية – فقال لهم أوقدوا ناراً – أنتم تعرفون الحديث في الصحيح – وادخلوا فيه، فتردَّد الصحابة هل ندخل أولا ندخل، وكانوا أذكياء ولم يدخلوا ثم شكوه إلى الرسول، فقال الرسول والذي نفسي بيده لو دخلوها ما خرجوا منها، فالنبي لم يقل اجتهدوا فأخطأوا أو أنا أمرتهم بطاعة الأمير لأن طاعة لي فطاعته من طاعتي – لم يقل هذا النبي أبداً – وهؤلاء المساكين اجتهدوا ودخلوا النار، بل النبي قال أُقسِم لبقوا فيها، أي في نار جهنم أيضاً، لكن هل تعرفون لماذا؟ لأنهم عطَّلوا عقولهم، نعم أنا أمرتك أن تُطيع الأمير لكن عليك أن تفهم وحدك أنه لا طاعة إلا في مرضاة الله، فلا تُدافِع عنه ولا تُبرِّر ولا تكذب على الناس، ولذلك في حديث ابن عبد رب الكعبة الذي ذكرناه مرات قيل له فإن ابن عمك مُعاوية – علماً بأن هذا في صحيح مسلم – يأمرنا أن نقتل أنفسنا – هذا هو فقد أسال دماء المسلمين – وأن نأكل أموالنا بيننا بالباطل – وأُصرِّح مرة ثانية أين هذا؟ في صحيح مسلم، فهو ليس في شيعيات وروافضيات وكتب تاريخ وأدب وإنما في مسلم -، فسكت ساعة ونكس برأسه ثم قال أطعه في طاعة الله واعصه في معصية الله، وهذا الحق وإلا سوف تدخل النار يا حبيبي، هنا يُوجَد عقل ويُوجَد فهم ويُوجَد قرآن تتلوه كل يوم، فعليك أن تعود إلى كتاب الله.
الإمام الحاكم في المُستدرَك على الصحيحين يروي – وعن مَن؟ عن أبي بُردة، وطبعاً واضح أن العلة وأن اللعنة هنا هى مَن؟ أبو بُردة بن أبي موسى الأشعري، فأيضاً في المُستدرَك عن أبي بُردة، ويُوجَد عند أحمد عن أبي بُردة، فانتبهوا حين تجدوا شيئاً عن أبي بُردة – عن أبي بُردة عن أبي موسى قال صلى الله عليه وسلم تُحشَر هذه الأمة يوم القيامة أصنافاً – انظروا إلى الفائدة ما شاء الله، فنحن سوف نُحشَر ثلاثة أصناف -، صنفٌ يدخلون الجنة بغير حساب، وصنفٌ يُحاسَبون حساباً يسيراً، وصنفٌ يأتون بأعمال كالجبال – والعياذ بالله – ذنوباً – جبال ذنوب فماذا سوف يفعل؟ – فيقول الله مَن هؤلاء؟ وهو أعلم – هكذا يقول الراوي الذي كذب هذا على رسول الله صلى الله عليه وسلم – بهم، فيقولون يا رب هؤلاء عبيدٌ من عبادك ولهم أخطاء، هذه أخطاؤهم وذنوبهم، فيقول حطوها عنهم وضعوها على اليهود والنصارى، ثم يغفر لهم ويُدخِلهم الجنة برحمته، ما شاء الله، هذا شيئ جميل والله، فأنت يا مسلم بما أنك من أهل لا إله إلا الله لا تقلق، أنا أقول لك اقتل وازن واسرق واعمل كل قبيحة وكل فاقرة وكل داهية ما لها من واهية وسوف تدخل الجنة، فأنت إما من الصنف الأول وإما من الصنف الثاني وإما ستكون من الصنف الثالث وهذا أسوأ شيئ وأضعف الإيمان وسيتحمَّلها عنك يهودي أو نصراني، قال أبو عبد الله الحاكم إسناده صحيحٌ على شرطهما ولم يُخرِّجاه ووافقه الذهبي التلخيص، قال على شرط الشيخين، أي أنه قال هذا حديثٌ صحيح، والآن ستقشعر جلود المسلمين، من أين أتينا بهذه الأساطير وبهذه الخُرافات التي ما وُضِعَت – والله – إلا ليُدفَع بها في صدور آي الكتاب العزيز؟ القرآن يقول لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً ۩ وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا ۩ لكنهم قالوا بل بأمانينا وفي الجنة بإذن الله تعالى، والآن المُفاجأة من مصدرٍ يهودي، فهذا أتانا من اليهود ومن الإسرائيليات، هناك شخصية – وأرجو أن تعودوا إلى كتب الرجال وكتب التاريخ وتتوسَّعوا في قرائتها – وهى شخصية أبي مسلم الجليلي، فمَن هو أبو مسلم الجليلي؟ باختصار يُوجَد كلام كثير عنه ويبدو أنه رجل مُعمَّر، والذي اعتمده الحافظ ابن عساكر أول ما ترجَم له أنه أسلم في زمان مُعاوية بن أبي سُفيان، والذي يقرأ كتب التاريخ وكتب تطوّر الأفكار يعلم أنه من الرجال الذين كان لهم وزن في البلاط المُعاوي، وهذا الرجل يُقال :كان أستاذاً لكعب الأحبار، وتعرفون طبعاً مَن هو كعب، وكعب لم يُدرِك مُعاوية في خلافته طبعاً أو في مُلكه العضوض طبعاً لأنه تُوفيَ سنة خمس وثلاثين، قبل عثمان – رضيَ الله عنه وأرضاه – بقليل، ولكن هذا أستاذه، وهو الذي يحكي كعب أنه كان يلوم عليه لإبطائه بالإسلام ويقول له لماذا تُبطيء؟ اذهب أسلم، لكن تعال أنت أسلم، وعلى كل حال هذا إسمه أبو مسلم الجليلي وكنيته الحقيقية أبو السموأل، وهو يهودي واختُلِف فيه هل هو من اليمن أم لا، والصحيح أنه من بلاد الشام، من الجليل – أي جبل الجليل – تحديداً وهو يهودي، وهذا الرجل يروي بعض مَن اغتر به له وهم كثيرون، فهم اغتروا بهذا الرجل وجعلوه مصدراً للعلم وتحوَّل علمه بقدرة قادر أو بقدرة بني أمية إلى أحاديث نبوية تتسلَّل إلى الصحاح، إلى مسلم والمُستدرَك ويُصحِّحه أبو عبد الله الحاكم والذهبي وغير هؤلاء، وله علاقة بحكاية الفكاك والفداء، وقيل له لم أسلمت ولم تأخَّرت في الإسلام؟ فقال إني أجد في الكتاب العتيق – في التوراة غير المُحرَّفة أو التوراة الأصلية، وطبعاً مَن أحال على غائبٍ لا يُنتصَف منه، فالتوراة تُرجَمَت في القرن الرباع، وما أدرانا بما يقول، وهذه التوراة الآن ليس فيها هذا الكلام الفارغ – أن هذه الأمة – يعني المُحمَّدية المرحومة، فاللهم ارحمنا برحمتك يا رب ولا تُضلنا بعد إذ هديتنا، هذا تضليل للقلب وللعقيدة – تُصنّف يوم القيامة ثلاثة أصناف – واسمعوا جيداً، وسوف تجدون هذا في ترجمة أبي مسلم الجليلي أو أبي السموأل في الإصابة للحافظ ابن حجر وفي ترجمته في تاريخ دمشق وفي سائر الكتب التي عُنيَت بترجمة هؤلاء -، صنفٌ يدخلون الجنة بغير حساب وصنفٌ يُحاسَبون حساباً يسيراً وصنفٌ يأتون بأمثال الجبال من الذنوب فيحطها الله عنهم وتُوضَع على المُشرِكين، وطبعاً كبُرَ عليه وهو يهودي أن يقول على اليهود وعلى النصارى، ليس من السهل عليه أن يقول هذه الجملة، ولكن هذه تحوَّلت عند المسلمين هذه إلى اليهود والنصارى، أي أن نفس السياق ونفس الترتيب ونفس التصنيف الثلاثي، أهكذا يا أبا مسلم الجليلي هى الجنة رخيص؟ هل إلى هذا الحد الجنة رخيصة؟ قال لك بل هى أرخص من هذا أيضاً، فيروي عنه الإمام البغوي أنه سُئل – مَن سأله؟ أبو مسلم الخولاني للأسف، هذا الرجل الزاهد العابد الدرويش، وهذه مُشكِلة المسلمين، هناك زهَّاد وعباَّد لكن لا يُوجَد وعي سياسي ولا يُوجَد وعي عقدي سليم حقيقي، فإذا تعلَّق الأمر بكثرة الصلاة وبالبكاء وبالمسبحة التي تدور باستمرار وبقراءة القرآن فأهلاً وسهلاً، لكن أن نقول للمُنكَر مُنكَر وللمعروف معروف وأن نُغامِر بقطع أرزاقنا أو بقطع أعناقنا فلا، هذا أصعب شيئ، لازم الورع البارد والورع السهل أو الورع غير المُكلِف وهو ورع مجاني – يا أبا مسلم الجليلي ما أدنى ما يُدخِل الرجل الجنةَ؟ أي أنني أُريد أقل شيئ وأرخص شيئ، فانتبهوا إلى هذه الحماقات، والنبي يقول سلعة الله غالية، والله يقول إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ ۩، أي أنك تُقدِّم مالك ونفسك وروحك يا حبيبي لأن هذه الجنة غالية فهى ليست لعبة،كيف تقضي لي الحياة في الزنا والسرقة والشذوذ والنصب والهتك وتقول لي مسلم وسوف أدخل الجنة؟ لكن نحن صدَّقنا الكلام من هذا ونقول سوف يدخل الجنة من غير حساب، وفي نهاية الأمر أي يهودي ونصراني سوف يتحمَّل عنك وانتهينا، فكله مثل بعضه إذن، فنقول لن يدخل النار حتى لو فعل كذا وكذا، حرَّم الله بدنه على النار، وعلى كل حال هو قال له ما أدنى ما يُدخِل الرجل الجنة؟ فقال إني لأجد في الكتاب الأول – كله إحالة على التوراة، فهو دائماً ما يقول أن التوراة تقول وأن التوراة تعيد، وسوف نرى ماذا قالت التوراة – أن الرجل ليلبسُ لباساً سنبلانياً بثلاثة دراهم – هل في توراة موسى يُوجَد فعلاً شيئ إسمه لباس سنبلاني؟ علماً بأن هذه يبدو أنها نسبة إلى مكان يُصنَع فيه هذا اللباس طبعاً، فهو يقول لباس سنبلاني وبثلاث دراهم، لكن هل إذا كان بدرهمين لن يستقيم الأمر؟ وماذا لو كان بثلاثين درهماً مثلاً؟ انظروا إلى النصب والدجل، ولكن هؤلاء استخفوا عقول المسلمين – فيقول الحمد لله فتجب له الجنة – ما شاء الله، لكن ماذا لو لم يكن مُرتدياً لباساً سنبلانياً وكان يرتدي لباساً فييناوياً أو لندنياً مثلاً؟ سوف تدخل الجنة طبعاً وأنت تركض لأن هذا ليس سنبلانياً وليس بثلاثة دراهم وإنما بثلاثمائة درهم، ولكم أن تتخيَّلوا هذا، فالحمد لله على نعمة -، وإني لأجدُ في الكتاب الأول أن الرجل ليأتي أهله فيُقرَّب إليه طعامه خبز وزيت فيقول الحمد لله فتجب له الجنة، وإلى غير ذلك من هذه الأنماط السخيفة، فما هذا؟ هؤلاء أرادوا – احذقوا هذا جيداً – أن يُفهِمونا أن الجنة سهلة جداً وأن الجنة مضمونة لنا، لكن هل تعرفون ما النتيجة؟ الإرجاء، أي عقيدة الإرجاء التي تسمعون بها طبعاً، لكن ما هى عقيدة المُرجئة والإرجاء؟ هى التي حاصلها لا يضر مع الإيمان معصية، فقط أنت تكون من أهل لا إله إلا الله وافعل ما تشاء واحتقب ما تُريد وأنت من أهل الجنة ومُحرَّم على النار بإذن الله تعالى، يا ما شاء الله، ولذلك ساء حال هذه الأمة وانحط وضعها – كما أقول لكم – وتناقضت في سلوكها وعقائدها، فكيف عقيدتك تقول كذا وكتابك يقول كذا وأنت تفعل هذا؟ لأنه عُلِّمَ من أمثال الوعّاظ وعلماء المنابر مثل هذا الكلام، فالناس يظنون كل مَن من امتطى صهوة منبر أنه عالم يحق له الكلام في دين الله، وأحياناً يكون مُصيبة وقنبلة انشطارية ويُدمِّر كل شيئ بأمثال هاته الموضوعات والسخافات والإسرائيليات.
كيف يتفق وكيف يُمكِن أن أُؤمِن أن صحابياً مُجاهِداً دخل النار في شملة وبعد ذلك في المُقابِل وبالإزاء أُؤمِن بكلام مَن يقول افعل ما تشاء ومُحرَّم بدنك على النار شريطة أن تقول لا إله إلا الله قبل أن تموت؟
تضيَّق الوقت للأسف لكن في كتاب الله آية غريبة جداً جداً جداً فاستمعوا إليها، هناك آية واحدة أو آيتان بالحري – لأنها الثانية تتعلَّق بفرعون لعنة الله عليه – تتحدَّث عن التوبة عند الموت، فهم يقولون لك أن هذا غير مُهِم وقبل أن تتلو الآية نحن لدينا في جعبتنا أحاديث كثيرة مثل أحاديث عبد الله بن عمر وأمثاله، هناك حديث يقول الله يقبل توبة العبد ما لم يُغرّغِر، فإذن فهمناه وانتهينا، لكن كيف فهمته؟ أنت تفهم هذا الحديث وتعتقد بظاهره وأنت فاهم أعماقه إن صح الحديث أصلاً الذي حسَّنه الألباني، فهو أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه وحسَّنه الشيخ الألباني وهو معمول به عند الامة تقريباً، للأسف الشديد معمول به فعلاً، فالحديث يقول الله يقبل التوبة ما يُغرّغِر، أي ما لم يُغرّغِر بنفسه فتُصبِح الروح هنا عند الحلقوم، لكن قبل ذلك لا تتب، فإذا كانت الروح عند البطن وأنت تحس بها فلا تتب دون أي مُشكِلة، لكن عندما تُصبِح عند الحلقوم تُب وإن شاء الله كل شيئ مقبول بإذن الله، وفي حديث أبي ذر ما لم يقع الحجاب، فقيل ما وقوعه يا رسول الله؟ قال أن تخرج النفس وهى مُشرِكة، أي أن مادام الحجاب لم يقع فالتوبة مقبولة، وهذا أمر عجيب لكن سوف نرى هذا، قال الله تعالى – نترك الآن الترمذي وأحمد وفلان وحسَّنه وما إلى ذلك، فالله هو الذي يقول هذا الآن، والحمد لله على هذا، قال وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ۩، أُقسِم بالله أن أعظم نعمة علينا بعد الإيمان هى محفوظية الكتاب، بالله لو أن هذا الكتاب غير محفوظ لأصبحنا أسوأ أمة ربما على وجه الأرض وبإسم الدين، لكان هذا الدين حُرِّفَ من عند آخره وأُقسِم بالله على هذا، لكن الحمد لله القرآن موجود يا حبيبي، والدين كله في القرآن الكريم الذي يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ۩ – إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَٰئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ۩، ثم قال بعد ذلك وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ – الله أكبر، هل هذا قرآن؟ نعم قرآن، هذا في سورة النساء يا أخي وتحديداً في أوائلها، هذا يقشعر البدن والله العظيم، كأن فعلاً هناك أحاديث موضوعة بنية مع سبق الإصرار والترصد لتفريغ القرآن من ماذا؟ من معانيه ومن مضموناته ومن مشمولاته ومن مُعتقَداته، فهذا تفريغ لأن الله يقول بشكل واضح بيِّن وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ ۩ ولم يقل غرّغَر، فالله يقول ليست له توبة – وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ – قال ليس لهم توبة – أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ۩، وإلا فرعون تاب قبل أن يُغرّغِر، قال الله حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ – أدرك أنه غارق لا محالة – قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ۩، فهل قبل الله توبته وأسعده بالجنة كما زعم ابن عربي الصوفي؟ هذا كذب، قال الله آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ۩، أي أنه قال له لأ، ولات حين توبة ولات حين تندم، لا يُوجَد مجال للتوبة، فما معنى آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ ۩ حتى تفقهوا كتاب ربكم؟ انتبهوا فالله يقول وبشكل واضح أن التوبة التي أعتبرها والتوبة التي أقبلها توبة يعقبها عمل وتُصحِّح عملاً، علماً بأن من الصعب إحصاء الآيات التي دائماً تقرن وتشرط التوبة بالاهتداء وعمل الصالحات، مثلما قال الله فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ ۩، فالله يقول فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ ۩، أي توبة وبعدها عمل صالح تُكفِّر به عن ما مضى، وهناك حالة استثنائية واحدة، مثل واحد كافر غير مسلم – مثل كافر مُلحِد أو شيوعي لم يهتد إلى الحق – وقبل موته ولو بدقائق اهتدى وقرأ آخر حُجة فقال هذا الدين حق وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فهو قالها إذن مثل الشاب اليهودي الصغير الذي أسلم على يد النبي فهذا يدخل الجنة – إن شاء الله – لأن الله يعلم أنه لو عاش سيعقبه عمل، ولذلك الحافظ ابن كثير عند تفسير هذه الآية من سورة النساء أتى بأحاديث مرفوعة وموقوفة ومُرسَلات ثم قال بمعنى الكلام أن جُملة هذه الأحاديث تدل على أن التوبة التي يتقبَّلها الله توبة مَن يرجو الحياة، فافهموا هذا جيداً، فحتى ابن كثير هنا نطق بالحق وقال أن التوبة التي يتقبَّلها الله توبة مَن يرجو الحياة وليست توبة الذي يئس من الحياة ويعلم أنه يموت الآن، فهذا غير صحيح وإنما توبة مَن يرجو الحياة، أما مَن يئس منها فهذا الذي قال الله فيه وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً ۩، وهذا الفهم سليم نُصادِق عليه، لكن لا نُصادِق على الفهم الذي قرَّ في أذهاننا كأمة وعُلِّمناه ونحن صغار – والله – فقيل لنا ما لم يُغرّغِر فإن الله – إن شاء الله – سوف يقبل التوبة، مَن قال هذا؟ قال الله وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى ۩، وقال أيضاً إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ۩، فضلاً عن أنه قال وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً ۩، والآيات بالعشرات ولولا ضيق المقام لتلونها منها نمطاً كافياً ولكن أنتم تعلمونها، وعودوا إلى المُعجَم المُفهرَّس – مَن لا يحفظ القرآن الكريم يعود إلى المُعجَم المُفهرَّس – وابحثوا عن مادة (تَوَبَ) فيه، فهناك آيات بالعشرات دائماً تُعقَب التوبة فيها بالهداية زبعمل الصالحات، قال الله إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ ۩ وقال أيضاً في آخر النساء إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ۖ ۩، فالقرآن طافح بهذا، فهل فهمتم ما هى التوبة إذن؟ التوبة التي يتوبها مَن يرجو الحياة ويُرجى أن يُعقِبها بعملٍ صالح يُكفِّر به عن سيء ما أسلف من أعمال، وليس كما أفهمونا أن تبقى تحطب في حبل المعصية إلى ما قبل الغرغرة فتُعلِن التوبة والشهادة وانتهى أمرك وإن شاء الله على خير، فهذا باطل وهذا تزوير لديننا، ومن هنا عجَّت حياتنا – كما قلت لكم – بالمُتناقِضات، فالناس تستطيع أن تفهم كيف يُمكِن لعامي أن يُصلي ويفعل الكبائر، ولكن لا تفهم كيف يُمكِن لشيخ وكيف يُمكِن لعالم وكيف يُمكِن لداعية أن يُصلي ويُعلِّم ويؤم الناس ويحتقب الكبائر، ومن أكبر الكبائر النصب وبغض أهل البيت ومُوالاة الظلمة – والعياذ بالله من حكّام اليوم، فهناك مَن يوالي الحكّام الظلمة ويُبرِّر لهم ويدفع عنهم حتى آخر رمق، وهذا هو الورع البارد كما قلت لكم، وابن رجب الحنبلي قال أن التدقيق والتنقير في دقائق الشُبهات يليق بمَن استقامت أحواله وتشابهت أعماله في التقوى، أما مَن كان على غير هذا الوصف فهذا لا يُقبَل منه أنه يبدأ يتورَّع ويتنزَّه عن صغائر الذنوب وبعض الشُبهات، فانتبهوا إذن، وهذه فائدة عظيمة جداً من كتاب الله تبارك وتعالى، قال عز من قائل إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ – ماذا سوف يحدث إذن؟ – نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا ۩، فلا تدع الورع وتقول أنك صوفي وزاهد، فقط تجنَّب الكبائر وبعون الله الصغائر تُكفَّر من عند فضل الله تبارك وتعالى، لكن العكس هو الذي يحدث عند كثير من الناس، فماذا يفعل الواحد منهم؟ يقع في الكبائر بل هو غارقٌ فيها حتى الآذان ويأتي يتورَّع عن الأمور البسيطة التافهة جداً جداً، وهذا أمر غريب، ما هذا الورع البارد؟ هذا الورع السهل يا جماعة، والعكس صحيح، فماذا يفعل الواحد منهم؟ يؤدي الصلاة والصوم والحج والعمرة وهو عالم الآن – نحن نتحدَّث عن عالم وإمام وشيخ – ولكنه يسكت عن حاكم يقتل شعبه ويسرق شعبه ويُهين الأمة، يسكت عنه بل يمدحه ويشهد فيه شهادات لله تبارك وتعالى، هذا ورع كاذب ودين مغشوش ومدغول ومدخول لا يسوغ إلا على الحمقى الذين تخرَّجوا من تحت أيديكم – والله العظيم – والذين ربَّيتموهم على أيديكم وأفسدتم عقائدهم وفطرهم وعقولهم فأصبحوا تائهين، مثلهم مثل هؤلاء الذين علَّموهم – والعياذ بالله – أيضاً، فهؤلاء أتعس من هؤلاء وهؤلاء أخيب من أولئك.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(الخُطبة الثانية)
الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صلى الله تعالى عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
قاتل عمَّار بن ياسر أبو الغادية الجهني أتى مرة عند أحد الأمراء فطلب ماءً – استسقى ماءً – فقُدِّمَ له إناءٌ فيه ماء مُفضَّض – أي إناء فيه شيئ من فضة، والنبي طبعاً نهى عن الأكل والشرب في أواني الذهب والفضة – فقال لا أشربُ، فتعجَّيب العلماء وتعجَّب الرواة وتعجَّب الحاضرون وقالوا أي يدٍ كفتاه؟ فهو يقتل عمَّار بن ياسر ويتورَّع عن شرب الماء في إناء مُفضَّض، اشرب في زفت على رأسك أو اشرب في ذهب أو اشرب في فضة لكن كيف تقتل عمَّاراً؟ فهذا الورع هو الورع الفاسد والورع الكاذب وورع النفاق والعياذ بالله، ولذلك في صحيح البخاري عن ابن أبي نُعيم حين أتى أحدهم يسأل عبد الله بن عمر – رضيَ الله عنهما – في الحج عن دم البعوض للمُحرِم قائلاً هل ستُصبِح هناك مُشكِلة كبيرة لو دم البعوض أتى على المُحرِم؟ فقال له من أين أنت؟ قال له من العراق، فقال ابن عمر تعالوا فانظروا – كأنه يقول انظروا إلى هذه المُصيبة، انظروا بمَن ابتلاني؟ – إلى هذا يسألني عن دم البعوض وقد قتلوا ابنَ رسول الله، وسمعت رسول الله يقول هُمَا رَيْحَانَتَايَ مِنَ الدُّنْيَا، أي أنهم قتلوا ريحانتي رسول الله، ولكن لكي يرتاح قلبي أود أن أقول أن كلام أبي عبد الرحمن – رضيَ الله تعالى عنه وعن أبيه – صحيح بالإضافة إلى الكلام أيضاً في نواصب الشام وجيوش الشام التي قتلت الحسين، انتبهوا فهذا لازم لأننا نتكلَّم عن كل مَن أجرم، ولذلك الورع لا يُقبَل إلا مِن مَن استقامت أحواله وتشابهت أعماله – كما قال ابن رجب – في التقوى.
سُئل الإمام أحمد عن رجل يشتري البقل – ضمة البقل أو الخضر – ولكنه يشترط الخوصة – ما معنى أنه يشترط الخوص الذي تُربَط به ضُمة البقل؟ لأن هذه تزن طبعاً، وأحياناً البائع يُرائيك فيأخذها لكي تزن وزناً أقل لكم هذا رفضل هذا ورعاً وقال لن آخذها إلا مع الخوصة فأنا أُريدها – فقال ما هذه المسائل؟ فأحمد يقول ما هذا الورع العجيب؟ فقالوا إنه إبراهيم بن أبي نُعيم، قال إبراهيم؟ نعم، إن كان من إبراهيم فنعم هذا يُشبِه ذاك، فهو معروف أن عنده رُتبة عالية في التقوى ولذلك هذا نقبل منه أن يُدقِّق في هذه الأشياء.
سأل أحدهم سفيان الثوري قائلاً حدِّثني عن فضيلة الصلاة في الصف الأول – وهو يعلم أنه يأكل من شُبهات وربما من حرام – فقال له انظر ماذا تُدخِل جوفكَ ثم لا تُبالي لو صليت في الصف الأخير.
اللهم إنا نستهديك بهداك، اللهم اهدنا إلى أرشد أمورنا وافتح علينا بالحق وأنت خير الفاتحين واهدنا لما اختُلِف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي مَن تشاءُ إلى صراطٍ مُستقيم، وأقم الصلاة.
أضف تعليق