بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومَن والاه، اللهم علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علَّمتنا، وزِدنا علماً، واهدنا لما اختُلِف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي مَن تشاء إلى صراط مُستقيم.
أما بعد، إخواني وأخواتي:
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، في الحقيقة ارتئيت وارتحت إلى أن أعرض بنوع من التفصيل المُناسِب للمقام للموضوعات التي تطرَّقت إليها على عجل بل على عجل شديد، مُحرِج لطبيعة الموضوع ولطبيعة إلقائه وعرضه في الحلقتين اللتين يسَّر الله – تبارك وتعالى – إنجازهما مع قناة روتانا خليجية Rotana Khalijia، فالأخت الأستاذة نادين – بارك الله فيها – عرضت لموضوعات كثيرة، وهي موضوعات إشكالية، والآن بدأت تتوالى أسئلة كثيرة جداً من يوم عرض الحلقة الأولى، نُريد من عدنان إبراهيم أن يُفصِّل قوله في الناسخ والمنسوخ، شوَّشنا وخالف الاتجاه العام، نُريد من عدنان إبراهيم أن يُوضِّح رأيه في الموقف من توحيد الألوهية والربوبية، لماذا هو ضد هذا التقسيم؟ نُريد رأي عدنان إبراهيم من ميراث المرأة ودعوته الجديدة كما أرادوا أن يُصوِّروها، نُريد… نُريد… نُريد… فعلت أنا على الأقل في مرة سابقة هذا مع قضية أو موضوع عودة المسيح – عليه الصلاة وأفضل السلام – في خُطبة جُمعية، وطبعاً لم أستوف، الموضوع يحتاج إلى كلام أكثر من هذا بكثير، لكن إلى حدٍ ما ساعة أو ساعة ورُبع أفضل من دقيقتين أو حتى دقيقة ونصف، فاليوم سأفعل الشيئ نفسه – بحول الله تبارك وتعالى ومنّه وتيسيره – مع قضية توحيد الألوهية والربوبية، هذا التقسيم الذي وسمته بأنه تقسيم مُبتدَع مُحدَث، أتى به شيخ الإسلام ابن تيمية غفر الله له وسامحه ورحمه، بعد ذلك سأفعل – قد يكون في خُطبة وقد يكون في مُحاضَرة سريعة لساعة أو ساعة ونصف – أيضاً مع موضوع الميراث والموضوعات الأُخرى مثل موضوع حد الردة، وموضوع الناسخ والمنسوخ، كل الموضوعات لابد أن أعود إليها بتفصيل، مع أن لي مُحاضَرات قديمة فيها مُفصَّلة، لكن لا أظن أنها تُناسِب الناس، لأنها امتدت إلى أربع أو خمس ساعات في موضوع صعب، لكن ساعة أو ساعة ونصف أفضل، حتى موضوع عدالة الصحابة لابد أن أُكثِّفه في ساعة، وهذا ما طلبه مني بعض إخواني من طلّاب العلم من الدول العربية، قالوا يا شيخ ثلاثون ساعة أو أكثر أو أقل مُرهِق جداً، ليس كل الناس لديهم الوقت أن يُتابِعوا هذا الكم المُمتَد السيّال، ولكن ساعة أو ساعة ونصف أفضل، فقد نفعل هذا أيضاً مع موضوع عدالة الصحابة، لأن موضوع عدالة الصحابة تطرَّقنا إليه ضمناً حين سُئلنا عن مُعاوية والموقف من مُعاوية، كيف تتكلَّم في حق صحابي بهذا الأسلوب وبهذه اللُغة الجسورة الجريئة التي تعدت الخُطوط الحُمر كما يُقال؟ فلابد أيضاً أن نتناوله إن شاء الله، وتبقى هذه المادة مُتاحة للتقويم العلمي وللتداول العلمي، وأسأل الله – تبارك وتعالى – أن يُيسيِّر علىّ وعليكم، علىّ القول وعليكم التلقي، لكي تضح المسائل.
موضوع توحيد الألوهية والربوبية كما عرضه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله تعالى عليه، الذي وصفته بأنه تقسيم لم يُسبَق إليه، في الحقيقة في بعض مواطن من كُتبه يُقسِّم التوحيد تقسيماً ثنائياً، إلى توحيد ربوبية وتوحيد إلهية أو ألوهية، في بعضها يُقسِّم تقسيماً ثلاثياً، إلى توحيد ربوبية وتوحيد إلهية أو ألوهية وتوحيد أسماء وصفات، المُتأخِّرون أيضاً من أتباع ابن تيمية إلى زمان الناس هذا يسيرون في مساره، ويجرون في مجراه أيضاً، ومُعظَمهم يُقسِّم التقسيم الثلاثي، قد يقول قائل ما العيب في هذا؟ هذه التقسيمات لا تعني أن التوحيد في حد ذاته وفي نفس الأمر ينقسم، لأنه غير قابل للتقسيم، وإنما هي لاعتبارات علمية، لا! يا ليت أن الموضوع كان على هذا النحو، يا ليت! الموضوع له أبعاد أعمق من هذا، لذلك أنا ذكرته ضمن ما أُنكِره على هؤلاء الإخوة، بعض الناس تعجَّب! لماذا؟ ليس فيه ما يُنكَر والمسألة سهلة وبسيطة، الله – تبارك وتعالى – قال وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۩، إذن اعترفوا بربوبية الله، مَن خلقكم؟ مَن خلق السماوات والأرض؟ مَن الذي يُحيي ويُميت؟ مَن الذي يرزق؟ مَن الذي يبعث؟ مَن الذي كذا؟ الله، إذن اعترفوا، اعترفوا به رباً لكنهم كفروا به وأشكروا به إلهاً، لم يمحضوه وحده – سُبحانه وتعالى – العبادة، عبدوه وعبدوا معه مَن هم دونه، عبدوه وعبدوا معه سواه، مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ۩، نزدلف إلى الله بعبادتنا إياهم، هكذا! فالمسألة محسومة وواضحة، لا! المسألة أعمق من هذا وأعقد من هذا بكثير.
وشيخ الإسلام – عفا الله عنه وسامحه – ومَن لف لفه أيضاً إنما أكَّدوا على هذا التقسيم وانحازوا إليه للأسف الشديد وصرَّحوا بهذا – شيخ الإسلام صرَّح بهذا في منهاج السُنة – من أجل أن يتهموا جماهير المُسلِمين – ليس العامة فقط، بل العلماء، بل كبار العلماء – بأنهم أشركوا بالله، لم يكونوا مُوحِّدين التوحيد الذي يُريده الله والذي بعث به أنبياءه ورُسله، غريب! بل قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله وعفا عنه وسامحه – بل إن شرك هؤلاء – أي المُتأخِّرين من المُسلِمين، من الحنفية والمالكية والشوافع – شرٌ من شرك الجاهلية، كيف؟ من أين لك؟ كيف أسَّست هذه النتيجة؟ وعلى ماذا أسَّستها؟ قال على توحيد الألوهية والربوبية، لأن الكفّار والمُشرِكين من أمة العرب ومن سائر الأمم على الأقل اعترفوا بالله رباً وآمنوا بهذا، وكفروا به إلهاً، أشركوا به إلهاً! أما هؤلاء – هكذا يشرح هؤلاء العلماء – حتى ربوبية الله – تبارك وتعالى – انتقصوا منها، فظنوا في الأولياء وفي الأقطاب والأبدال والأوتاد أنهم يُدبِّرون الكون وأنهم يُحيون ويُميتون ويرزقون ويرفعون ويخفضون ويُعطون ويمنعون، ولذلك توسَّلوا إلى الله بهم واستغاثوا بهم وطلبوا منهم ما لا يُطلَب ولا يسوغ طلبه إلا من رب العالمين، إذن أيهما خير؟ وأيهما شر؟ قالوا هؤلاء مُشرِكو المُسلِمين شرٌ من مُشرِكي الجاهلية, كلام فظيع!
ابن تيمية – عفا الله عنه وسامحه – في منهاج السُنة يتحدَّث عن علماء الكلام، وللتبسيط والتوضيح علماء الكلام هم علماء العقيدة من الشوافع والحنفية والمالكية، اسمهم علماء الكلام! علم الكلام هو علم العقيدة، يقول – بمعنى كلام ابن تيمية عفا الله عنه – هؤلاء أسقطوا التوحيد الذي أراده الله – تبارك وتعالى – وأمر به وبعث به الأنبياء والرُسل، أسقطوا توحيد الإلهية، وأسقطوا توحيد الأسماء والصفات، أثبتوا توحيد الربوبية فقط، عجيب! هل هذا الكلام صحيح؟ بعد ذلك ما منشأ وما ملاك هذا التقسيم لأنك تقول لي توحيد ألوهية وتوحيد ربوبية؟ يقول الله قسَّم هذا التقسيم، قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ۩ مَلِكِ النَّاسِ ۩ إِلَهِ النَّاسِ ۩، إذن هناك ربوبية وهناك ألوهية، الله يقول هذا! ولكن شيخ الإسلام كان ذكياً، ليس إنساناً عادياً، هو عالم وإمام كبير رحمة الله عليه، قال توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية من قبيل ما يُقال فيه إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا، قال إذا اجتمعا افترقا، الآن رب الناس وإله الناس يستقل كل منهما بدلالة وبمعنى حياله، لكن إذا ذُكِر الرب وحده قد يتضمَّن الإله، بالأحى يستلزم، الربوبية تستلزم الألوهية، إذا ذُكِرت الألوهية تتضمَّن الربوبية، هكذا لكي يهرب من هذه النُقطة لأنها نُقطة قوية ومُهِمة لكن هذا غير كافٍ، غير كافٍ في التنصل من هذه الورطة.
في الحقيقة يا إخواني الذي استقر عند تقريباً جمهور العلماء في كل الأعصار أن التوحيد بحد ذاته لا يُمكِن أن ينقسم، حتى على طريقة ابن تيمية هذا التقسيم خاطئ تماماً، سأقف بكم على جمهرة أدلة تُؤكِّد خطأ هذا التقسيم وخطورته، لأن هذا انبنى عليه استحلال دماء المُسلِمين وتكفير المُسلِمين وقتل المُسلِمين، وهو يستند إلى تعريف للعبادة نحن لا نرتضيه وليس دقيقاً، لا يُقال إن مَن توسَّل بصالح أو بنبي فقد أشرك وعبد مع الله غيره، هذا غير صحيح! وكذلك حتى الاستغاثة، مع أن غير صحيح أن يُستغاث بغير الله فيما لا يُقدَر عليه إلا من طرف الله تبارك وتعالى، لكن انتبهوا! لا تكون عبادة بحيث نقول يكفر ونحكم بالكفر والشرك الأكبر على مَن يأتي هذا الباب من أبواب الاستغاثة، لماذا؟ لأن لنا تعريفاً أدق، وهو التعريف الذي تُؤيِّده وتُسعِده النصوص للعبادة، ما هي العبادة؟ انتبهوا إلى تعريف العبادة، ما هي العبادة؟ قال هذه عبادة أو غير عبادة؟ العبادة في التعريف الذي نرتضيه – وهو تعريف جماهير العلماء – هي أقصى الذل والخضوع قلباً وقالباً، ومُهِم جداً قلباً، هذا أولاً، ثم قالباً، قالباً مثل العبادة المعروفة بالركوع والسجود والتطواف حول الكعبة، إلى آخره! هذه مظاهر عبادية، لكن هذه وحدها لا تُسمى عبادة، لأن الإنسان قد يأتي بها على غير قناعة وعن غير اعتقاد، فلا تُعتبَر عبادة، مثلاً قد يقف الإنسان أمام رئيسه أو أمام مُديره ساعة كوقفة الصلاة، وفيها احترام وفيها تبجيل بل فيها تعظيم، وهو تعظيم سائغ، وليس من باب العبادة، لماذا؟ لأن الشرط الأول والقيد الأول غير مُتوفِّر: قلباً، ما المُراد بــ “قلباً”؟ أقصى الخضوع والذل – الأقصى – أن يكون قلباً، بمعنى أن يُجامِع هذا الخضوع الأقصوي والذل الاعتقاد بأن هذا المُتذلَّل له والمخضوع له وهو الله سُبحانه وتعالى – الآن أتكلَّم عن الله تبارك وتعالى – هو المُنفرِد وحده دون سائر خلقه أجمعين طراً بالنفع والضر، بالإعزاز والإذلال، بالرفع والخفض، وبالمنح والمنع، إلى آخره! هو وحده، هو المُنفرِد، وأنه لا يقع شيئ في الكون إلا عن إذنه، إلا بإذنه لا إله إلا هو، هو الملك وهو المالك لكل شيئ، هذا الاعتقاد! مَن يعتقد مِن المُسلِمين في أحد الأولياء أو الأنبياء حتى مثل هذا الاعتقاد؟ لا أحد، أبداً! وقد يعتقد بعض المُسلِمين أن الولي الفلاني ينفع لكن لا استقلالاً، بالعكس! لأن الله – تبارك وتعالى – أكرمه وأعطاه هذه الخصيصة، أن مَن توسَّل بجاهه إلى الله الله استجاب له، استجاب لهذا المُتوسِّل بشرف وكرامة وجاه هذا المُتوسَّل به، يعتقد هذا! وأنك إن قلت له يا سيدي – مثلاً – افعل لي كذا وكذا مما لا يُطلَب إلا مِن الله لكن مع الظن والاعتقاد أنه لا يفعل هذا استقلالاً، الماء يروي، لكن عقيدة أهل السُنة يروي بإذن الله وبأمر الله، سواء أخذنا بالنظرية الأشعرية في الأسباب أو حتى بنظرية أنه يروي بخاصة فيه أودعها الله تبارك وتعالى، لكن لا يروي استقلالاً، هذا لا يُعتبَر كفراً، وإن كان في نظري من الممنوعات، أي أن يُستغاث بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، ممنوع هذا! تستتغيث بالبشر فيما يقدرون عليه، تقول لأحدهم أطعمني، أسقني يا أخي، عاوني على عدوي، كما قالت هاجر للجرهمي أغث إن كان عندك غواث، والحديث في الصحيح، أغث! بشر يُغيث بشراً، لكن هناك أشياء لا يقدر عليها الله، معروف! فهذه المفروض ألا تُطلَب إلا مِن الله، فإن طُلِبت من غير الله عن غير اعتقاد لم نُكفِّر الطالب، لكنه جاهل، نقول له هذا لا ينبغي حمايةً لجناب التوحيد وقطعاً لذريعة الشرك، انتبه! هذا هو، لكن لا نُكفِّر الناس، لا نقول كفروا وما إلى ذلك، هل تعرفون لماذا؟ لأن الجاهليين والعياذ بالله – بالعكس – اعتقدوا النفع والضر في أصنامهم وفي معبوداتهم خلاف ما يقول ابن تيمية وغير ابن تيمية، غير صحيح كلامهم! وسوف آتيكم بالأدلة، غير صحيح! وهم لم يُوحِّدوا الله في الربوبية، غير صحيح! الكفّار لم يُوحِّدوا الله في ربوبيته، هم كافرون به ربوبياً وألوهيةً طبعاً من باب اللزوم، يلزم! مَن كفر به رباً قطعاً فهو كافر به إلهاً، قولاً واحداً.
إذن هذه هي العبادة، ولذلك ليس كل تعظيم وليس كل تبجيل هو عبادة، بعضهم يا أخي يُحِب أن يُكفِّر المُسلِمين إذا وقفوا للعلم، كيف تقف لعلم الدولة؟ يا أخي لا أقف عبادةً له، احتراماً! هذا إعراب عن احترام لبلدي فقط، لماذا؟ أنا لا أعتقد في قلبي أن بلدي فضلاً عن هذه القطعة من الخيش أو القماش أنها تنفع وتضر، أبداً! من باب الاحترام، الاحترام مأذون به، ولذلك يا إخواني انتبهوا، مَن سجد لصنم أو ركع لصنم فعله نفسه ليس كفراً، الفعل بحد ذاته – السجود لصنم بحد ذاته – ليس كفراً، إلا إذا قارنه الاعتقاد القلبي، أن هذا ينفع ويضر وأنه كذا وكذا والعياذ بالله، هذا كفر! بدليل أنه يجوز لأي أحد أُكرِه على السجود لصنم أن يسجد وعلى الركوع أمام صنم أن يركع، لأن قلبه مُطمئن بالإيمان، فإذن صار المُعوَّل على ماذا؟ المُعوَّل على ما في القلب، هنا قد يقول لي أحدكم ليس الكلام في الإكراه، لكن أنا أقول له حتى حُكم الإكراه مُؤسَّس على هذا، الآن لو جاز – وفرض المُحال ليس بمُحال، ولابد أن نذهب إلى النقاش بهذا المدى البعيد، نقول لو جاز من باب فرض المُحال – ولو صح أن القلب يخضع للإكراه بحيث أقول لك تعويذة مُعيَّنة أو أتلوا عليك طلسماً مُعيَّناً – نفترض – فالقلب الآن يتغيَّر وتستطيع أن تتحكَّم فيه أنت – تتحكَّم فيه على غير خضوع لبُرهان مثلاً -، فهل يجوز لك أن تخضع بالكفر قلبياً؟ أبداً، الله لا يُعطيك هذه الرُخصة أبداً، لكن أجاز لك أن تخضع قالبياً، أن تركع وأن تسجد وأن تسب حتى بلسانك، أن تسب وأن تطعن في الدين! إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ۩، تشرح! هذا الكفر والعياذ بالله.
فالعلماء جعلوا السجود والركوع لصنم علامة على الكفر، هو بحد ذاته ليس كفراً، لكن هو علامة على الكفر، فإن كان من باب الإكراه فليس كفراً، هذه رُخصة! وإن كان غير ذلك أخذناه على بابه، لأن هذه علامة، لماذا يُسجَد لصنم وهذا الصنم يُعبَد من دون الله؟ علامة! فالكفر لابد أن يتحقَّق فيه الشرط القلبي، والمرء قد يكفر بقلبه دون قالبه كالمُنافِقين والعياذ بالله، أليس كذلك؟ كانوا كفّاراً قلبياً، إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأسْفَلِ مِنَ النَّارِ ۩، مع أنهم قالبياً كانوا يأتون بالعبادات وما إلى ذلك مثل سائر المُسلِمين، لكن هذا لا ينفعهم، فموضوع تعريف العبادة مُهِم جداً جداً، لابد من أخذ القيدين بالاعتبار، فالعبادة هي أقصى الذل والخضوع قلباً وقالباً، في وقتٍ واحد، قلباً وقالباً!
لو تأملنا – كما قلت لكم – في الآيات القرآنية وفي الأحاديث النبوية حتى بالعقل المُجرَّد نرى أن الربوبية والألوهية مُتلازِمان، بينهما علاقة تلازم! نفي أحدهما يلزم منه مُباشَرةً نفي الآخر، لا يُتصوَّر ثبوته مع نفي الآخر، لأنها علاقة تلازم، وإذا كانا مُتلازِمين حقاً وبالفعل اعتقاداً وواقعاً فلابد أن نجد في كتاب الله – تبارك وتعالى – ما يشي بهذا التلازم، وهو كثيرٌ جداً، ومن علامات ذلك ومن آياته أن الله – تبارك وتعالى – في كتابه الأعز الأكرم يستعيض بأحدهما عن الآخر، يُعبِّر مرة بالرب عن الإله، والعكس صحيح! لماذا؟ للتلازم، مع أن السياق والمقام تعبير عن ألوهية مثلاً، لكنه يُعبِّر عن الربوبية، تكفي! الأحاديث تفعل هذا، يُرتِّب على نفي أحدهما ما يترتَّب على نفي الآخر، القرآن يفعل هذا، لأن هذا مُلازِم لهذا، إنهما مُتلازِمان، نحن شهادتنا – شهادة أن لا إله إله – ليس أن لا رب وإنما أن لا إله، فعلاً الألوهية – إلا الله، لكن الثابت في الأحاديث الصحاح أن الملكين يسألان العبد مَن إلهك أو مَن ربك؟ مَن ربك، هذا جوابٌ عن ابن تيمية، ولا يُقال له مَن ربك؟ فيقول الله ربي فلا يُقال له لا، هذا لا يكفي، شيخ الإسلام قال هذا، شيخ الإسلام قال توحيد الربوبية لا يكفي والإقرار به لا يكفي، لأن الله ما بعث الأنبياء بتوحيد الربوبية وحده، بل توحيد الربوبية مُشرِكو العرب ومُشرِكو الأمم مُقِرون به، وهذه غلطة كبيرة، وسوف أثبت لكم أنها غلطة، غير صحيح! ليسوا مُقِرون به، غير صحيح! هم مُشرِكون في ربوبية الله تبارك وتعالى، فلا يُقال هذا غير كافٍ، الملائكة لا تقول هذا غير كافٍ، هكذا قال ابن تيمية، ولابد أن تُقِر بتوحيد الألوهية، أن لا إله إلا الله، إلهي الله، الله هو إلهي وحده، لا! مَن ربك؟ ربي الله، يكفي! لماذا؟ للتلازم، لأن مَن أقر بربوبية الله كان ولابد مُقِراً بإلهيته.
باختصار للتبسيط: الربوبية – يُسمونها توحيد الربوبية، توحيد هكذا! – هي توحيد الله بأفعاله، بأفعال مَن؟ بأفعال الله، مَن الذي خلق؟ الله، مَن الذي يُحيي؟ الله، مَن الذي يُميت؟ الله، مَن يرزق، يُعطي، يمنع، يمنح، يرفع، يخفض، يُعِز، ويُذِل؟ الله، كلها أفعال الله، لكن توحيد الألوهية هو توحيد لله بأفعالنا، نحن نعبد الله، نحن ندعو الله، نحن نستغيث بالله، نحن نخضع لله، نحن نعبد الله، توحيد العبادة باختصار، توحيد العبادة! هل فهمتم الفرق؟ هذا توحيد الله بأفعاله، وهذا توحيده أو عبادته بأفعالنا، هذا هو! لكن هما مُتلازِمان، لماذا؟ لأن الرب الحق هو الإله الحق، والإله الحق هو الرب الحق، لا يُعبَد أحدٌ حتى يكون رباً حقاً، ولا تثبت الربوبية الحقة التامة إلا لمَن؟ إلا لواحد، لا إله إلا هو! فهذا يستلزم هذا، وإذا انتفى أحدهما انتفى الآخر، لذلك الملائكة اكتفت بربي الله، وسألت مَن ربك؟ لم تقل مَن إلهك؟ هذا من أقوى الجوابات عن ابن تيمية رحمة الله تعالى عليه، هذا أولاً.
ثانياً إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ۩، لم يقال إلهنا الله ثم استقاموا، الموضوع عن العبادة والاستقامة، أليس كذلك؟ الاستقامة في كل المسلك، رَبُّنَا اللَّهُ ۩، نفس الشيئ! رَبُّنَا اللَّهُ ۩ طبعاً يستلزم الإلهية، طبعاً لأنه الرب الكامل التام، لا إله إلا هو! معنى الربوبية تام كامل فيه، ولا يكمل إلا في الله تبارك وتعالى.
في التوبة ماذا قال عز من قائل؟ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا ۩، هل قال أَرْبَابًا ۩؟ نعم، قال أَرْبَابًا ۩، اليهود والنصارى! اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ۩، والنبي في الحديث المشهور – حديث الترمذي وغيره – وهو حديث عدي بن حاتم الطائي – ماذا قال؟ حين قال عدي يا رسول الله لم نتخذهم أرباباً؟ كيف؟ نحن لم نجعلهم أرباباً! فالنبي فسَّر له، قال أليسوا قد حلوا لهم الحرام فاستحلوه وحرَّموا عليهم الحلال فحرَّموه؟ قال بلى، قال فتلكم عبادتهم إياهم، لكن الله لم يقل اتخذوا أحبارهم ورهبانهم آلهةً، أنت تقول لي التوحيد في العبادة والتوحيد في التشريع، مَن الذي يُحلِّل؟ مَن الذي يُحرِّم؟ مَن الذي يُعبَد؟ هذا اسمه توحيد ألوهية، أليس كذلك؟ والاعتراف بأن الذي خلق ورزق وأحيا وأمات ويُدبِّر المُلك توحيد ربوبية، أليس كذلك؟ في الحقيقة الآية تتحدَّث عن ماذا؟ عن اتخاذهم مُشرِّعين يُحلِّلون ويُحرِّمون، هل سماهم الله إذن آلهةً أم أرباباً؟ على طريقة ابن تيمية – رحمة الله عليه – ومَن لف لفه كان ينبغي أن يُقال – أستغفر الله العظيم – آلهةً من دون الله، لكنه لم يقل هذا، هل فهمتم؟ ما الذي قاله إذن؟ قال أَرْبَابًا ۩، هل هذا واضح؟ هو هذا.
قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ۩، هذه يفعلها الرب أم الإله؟ الرب، أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ ۩، فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ ۩، واضح جداً! الحديث عن ماذا؟ عن الربوبية، ثم أَفَلَا تَتَّقُونَ ۩، بماذا نتقيه؟ بعبادته وتوحيده توحيداً تاماً من غير انقسام، الرب الحق إله حق، ينبغي أن يُتقى، فيُذكَر ولا يُنسى، ويُشكَر ولا يُكفَر، ويُعبَد – تبارك وتعالى – ولا يُشرَك به، الله قال هكذا ينبغي أن يُتقى، لماذا؟ لأنه الرب، لم يقل لأنه الإله، كيف تفهم هذه الآية؟ وهذه لا يُمكِن فهمها إلا إذا أقررت وبخعت للتلازم بين المعنيين، الإله الحق هو الرب الحق، والرب الحق إله حق، والرب الباطل إله باطل، والإله الباطل رب باطل، هل هذا واضح؟ هكذا دائماً باستمرار!
توحيد العبادة، توحيد التشريع، حلال وحرام! وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۩، وَقَضَى ۩ مَن؟ ليس إلهك، هذا تشريع أو غير تشريع؟ هذه طاعة بأفعالنا، أليس كذلك؟ عبادة بأفعالنا، أن نعبده وحده وأن نبر والدينا، لم يقل وقضى إلهك ألا تعبدوا إلا إياه، قال وَقَضَى رَبُّكَ ۩، عجيب! لماذا يُعبِّر بالرب هنا؟ والمقام مقام ماذا؟ مقام عبادة ومقام تشريع، وأول هذا المُشرَّع أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ۩، عبادة! كان ينبغي على طريقة ابن تيمية أن يُقال ماذا؟ وقضى إلهك، لكنه سيقول لك لا، أنت تفتري علىّ، أنت نقلت عني إنني قلت إذا افترقا اجتمعا، الرب يتضمَّن الإله، وسنقول هذا الذي نُريده، مرحباً بالوفاق! هذا الذي نُريده، الربوبية تستلزم الإلهية، والإلهية كذلك! بينهما علاقة مُلازَمة لا تنفصم، فنحن لا نُوافِق شيخ الإسلام – رحمة الله تعالى عليه – على القول أن امرأً ما يُمكِن أن يكون مُوحِّداً لله في الربوبية، بمعنى ماذا؟ الآن أكيد فهمتم قصدي تماماً ووضحت المسألة بعد هذا التطواف الذي لا يزال يسيراً، فنحن في البداية، بمعنى أن يكون مُوحِّداً لله تبارك وتعالى – أي توحيد ربوبية تاماً، يُوحِّد توحيداً تاماً غير منقوص – ثم يكون مُشرِكاً في الإلهية، غير صحيح! هذا غير صحيح وغير مُتصوَّر، مَن وحَّد الله في الربوبية كان مُوحِّداً له في الإلهية من غير انفصام أبداً، مَن نقص في الربوبية نقص في الإلهية فأشرك مُباشَرةً، لا ينفصمان! غير قابلين للانفصام، لكن للأسف الناس اغتروا بالتفسير السريع، وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۩، كأن النبي سألهم! علماً بأن المُفسِّرين لم يذكروا أن هذا السؤال وقع حقاً من الرسول، لم يقل لهم أبداً مَنْ خَلَقَ ۩؟ فقالوا اللَّهُ ۩، عندك لام القسم وإن الشرطية، وَلَئِنْ ۩، انظر إلى هذا! هذه اللام هي لام القسم، وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ ۩، اللفظ ماضٍ والمعنى مُستقبَل، أي لو سألتهم فيما بعد، لو حصل أنك ستسألهم، لكن هو ماضٍ، وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ ۩، مدخول إن كما يقول النُحاة جائز الطرفين، مدخولاها جائزان! ما معنى مدخولاها؟ الله يقول وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ ۩، أي إن سألتهم، هذا يعني مُمكِن أن يقع السؤال ومُمكِن ألا يقع، أرأيت؟ فمدخولها جائز الطرفين، مدخول إن جائز الطرفين! أي يُمكِن أن يقع ويُمكِن ألا يقع، لأنها قضية شرطية، ولم يُنقَل لنا أن النبي جمعهم وقال لهم مَنْ خَلَقَ ۩؟ فقالوا اللَّهُ ۩، إذن ما معنى الآية؟ معنى الآية كما قال العلماء – كالشيخ الطاهر بن عاشور في التحرير والعلماء من قديم – بفرض وقوع هذا السؤال سيُضطَرون خضوعاً للأدلة الظاهرة – الكونية والشرعية – أن يقولوا الله، لا يقدر أحد على أن يقول هُبل خلق السماوات والأرض، مُستحيل! فسيُضطَرون مُرغَمين على أنهم مع إقرارهم هذا مُشرِكون في ربوبيته، كذّابون! قال تعالى وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ۩، يُشرِكون! ويزعمون أن شركاءهم شفعاء فيهم، وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ ۩، في سورة الأنعام! قال ينفع! بعد ذلك هناك الآية التي صدَّعوا رؤوسنا بتفسيرها الخاطئ، إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ۩، انتبهوا يا إخواني! الآية لم تقل إلا لتُقرِّبنا إلى الله زُلفى، أي عبادتنا! المُشرِكون لم يعتقدوا أنهم يتقرَّبون إلى الله بعبادة الأوثان زُلفى، لم يقولوا هذا! قالوا الآلهة نفسها أو أنفسها ستُقرِّبنا إلى الله، إذن يعتقدون فيها النفع والضر، إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا ۩، مَن الذين يُقرِّبون؟ الآلهة، وعاملوهم مُعامَلة ما يعقل، ليس إلا ما تُقرِّبنا – هي الآلهة أو العبادة – فاشتبه الأمر، لا! الأمر واضح، إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا ۩، إذن ليست العبادة، انتبهوا! الآية للأسف هناك خطأ في تفسيرها وصُدِّعنا به، صُدِّعنا به قروناً! إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا – أي الآلهة تُقرِّبنا – إِلَى اللَّهِ ۩، إذا اعتقدوا نفعها وضرها أو لم يعتقدوا؟ اعتقدوا، نقول لابن تيمية هذا، لا يُقال لنا مُشرِكو العرب ومُشرِكو سائر الأمم وحَّدوا الله في الربوبية، غير صحيح! كفروا بالله في الربوبية، وهذا دليل واضح، وهناك ما هو أوضح منه، ماذا قالت عاد لهود عليه السلام؟ إِن نَّقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ ۩، إذن اعتقدوا النفع والضر أو لم يعتقدوا فيها؟ اعتقدوا أن الآلهة تستطيع أن تضر النبي، هل هذا واضح يا إخواني؟ إذن ما وحَّدوا الله في الربوبية.
فرعون مُحاوَرته مع موسى – هذا الكلام لابن تيمية – في ماذا كانت بالله عليكم؟ كانت في الإلهية أو في الربوبية؟ في الربوبية، لأنه لا يُؤمِن بربوبية الله، فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى ۩، إذن فرعون ما وحَّد الله في الربوبية حتى يُقال ومُشرِكو الأمم وحَّدوا الله في الربوبية، غير صحيح! يجب أن نكون دقيقين، هذه قضايا اعتقاد، تأتيني بكلام وأشياء وأدلة مُموَّهة ومُزخرَفة ثم تبدأ في تكفير المُسلِمين وتكفير حتى علماء الكلام ويُستحَل دماء المُسلِمين! لا يجوز هذا يا أخي، هذه عقيدة، دين هذا، فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى ۩، ولأن الفرعون اللعين يعلم المُلازَمة بين المعنيين – الإلهية والربوبية – ماذا قال؟ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ۩، يعرف! الرب الحق هو الإله الحق، يعرف هو هذا، والإله الحق هو رب حق، وهو ادّعى أنه الرب الأعلى، فبالتالي هو أيضاً الإله الواحد، هل فهمتم؟ هو يعرف هذا، الخبيث يعرف هذه المُلازَمة التي للأسف الشديد يبدو أنها لم تكن واضحة تماماً لابن تيمية ولأتباعه، حصل خلط كبير في المسألة هذه، فرعون كان يعرف هذه المُلازَمة، فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى ۩، مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ۩، إذن هو لم يُدِن لله بالربوبية ولم يُقِر بها، بل جادل فيه – لعنة الله تعالى على فرعون – طبعاً، قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ ۩، قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ ۩ لأنه لا يُؤمِن، قَالَ – أي موسى – رَبُّ السَّمَواَتِ والأرض وَمَا بينهما إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ ۩، إذن جادل أو لم يُجادِل في الربوبية؟
نمروذ بن كنعان – لعنة الله تعالى عليه – في ماذا جادل إبراهيم الخليل عليه السلام؟ في الربوبية وليس في الإلهية، ماذا قال؟ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ ۩، هل قال في إلهه؟ قال فِي رَبِّهِ ۩، أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ ۩، والمُلك من لوازم الربوبية، لأن الرب هو الذي خلق وذرأ وبرأ، وهو الذي يُدير الكون، لا إله إلا هو، هو المُدبِّر! لكن هذا ظن نفسه رباً، إذن هذا وحَّد أم كفر بالربوبية؟ هذا كفر بربوبية الرب الجليل، لا إله إلا هو، لا يُقال مُشرِكو الأمم وحَّدوا في الربوبية، غير صحيح يا أخي هذا، غير صحيح والأدلة كثيرة جداً جداً في كتاب الله، غير صحيح! أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ ۩، الآيات من سورة البقرة! وإبراهيم خصمه بعد ذلك فأبهته، لعنة الله تعالى على نمروذ.
رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ۩، إله أو رب قال؟ قال رَّبُّ ۩، فَاعْبُدْهُ ۩ مُباشَرةً، إذا هو الرب ينبغي أن تعبده، لأن هذه مُلازَمة، لا يُمكِن غير هذا! الرب هو المعبود، لا إله إلا هو! أما أن تقول لي وحَّدته رباً ثم لم أعبده فلا يُمكِن، حاشا لله، هذا لا يُتصوَّر ولا يقع، هل تعرف لماذا؟ ضرورة انتفاء الملزوم بانتفاء اللازم، مَن درس أوليات المنطق يعرف هذا، تقول لي الملزوم هو الربوبية، واللازم عنها الإلهية، إن أقرَّرت بأن الله هو الرب الكامل – لا إله إلا هو – الأوحد – تام الربوبية وكاملها ينبغي مُباشَرةً أن تعبده، أن تُطيعه، أن تبخع لأمره، وتخضع لشرعه، توحيد العبادة، توحيد الإلهية! إذن هناك مُلازَمة، أنا أقول لك من أوليات المنطق إذا انتفى اللازم انتفى الملزوم، فكيف يا ابن تيمية تُريد أن نُصدِّق أن اللازم مُنتفٍ وأن الملزوم وهو توحيد الربوبية موجود ومُحصَّل؟ غير صحيح!
الآن – مثلاً – نقول المُثلَّث، مُباشَرةً يُوجَد لازم ذاتي له، أن زواياه قائمتان، ستقول لي لا، أنا عندي مُثلَّث لكن زوايتاه غير قائمتين، سأقول لك هذا غير مُثلَّث، انتهى مُباشَرةً! إذا انتفى اللازم انتفى الملزوم، هل فهمت قصدي؟ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ۩، الملزوم هو العلم، واللازم هو الخشية، إذا وُجِدَ العلم وُجِدَت الخشية، سيقول لي أحدكم لا، هناك عالم لكن ليس عنده خشية، وسأقول له هذا غلط، ليس عالماً! إذا انتفى اللازم انتفى الملزوم ضرورةً، ولذلك نحن نقول هذه ضرورة انتفاء الملزوم بانتفاء لازمه، فالألوهية لازم الربوبية، أنت تقول لي الألوهية منفية لأنهم لم يُوحِّدوه، إذن مُباشَرةً وبالضرورة الربوبية منفية، وهذا الذي دل عليه الكتاب والسُنة.
إذن مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ ۩ وَلاَ يَأْمُرَكُمْ – مفتوحة لأن هذا عطف – أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا ۩، لم يقل آلهةً! أليس كذلك؟ والكلام في العبادة، كُونُوا عِبَادًا لِي ۩، لا يُمكِن لأي بشر من الأنبياء أن يُعبِّد الناس له، ولا يُمكِن أيضاً للملائكة أن يُعبَّد أحدٌ لها، لا نبي ولا ملك، ولا عالم من العلماء! الله بدأ بالعلماء، مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ – هذا نبي، أحد الأنبياء، أحد الرُسل – كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ ۩، أي يدعوهم إلى تأليهه، الله عبَّر عن هذا التأليه بأنه تربيب، قال وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا ۩، لم يقل آلهةً، قال أَرْبَابًا ۩، أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ ۩.
بعد ذلك يا إخواني – بالله عليكم – لو صح أن التوحيد يتجزأ وينقسم إلى توحيد في الربوبية ويُعترَف به – يُقال وحَّد الله في الربوبية وأشرك في الألوهية – فينبغي – ضرورة العدل أيضاً الإلهي – أن يصح انقسام الشرك إلى قسمين أيضاً، شرك في الربوبيةً وشرك في الألوهية، تعرفون الآن المُحصِّلة ماذا؟ يكون لدينا امرؤٌ – واحد من الناس – مُوحِّد ربوبية ومُشرِك إلهيةً، وهذا الكلام غير صحيح، والتوحيد لا يقبل هذا، وقلت لكم التوحيد واحد، هو اسمه توحيد، لا إله إلا الله! اسمه توحيد، لكن – كما قلت لكم – منشأ الغلط توهم أن مِن الناس مَن وحَّد الله في الربوبية، مُستحيل! مَن وحَّد الله في الربوبية وحَّده في الإلهية مُباشَرةً، علاقة لزوم! حين ينتفي هذا ينتفي ذاك مُباشَرةً، والعرب لم يُوحِّدوه هكذا أبداً، أبو سُفيان ماذا قال يوم بدر؟ أعلوا هُبل، قال أبو سُفيان مُوحِّد في الربوبية! تعرفون لماذا؟ ما معنى أعلوا هُبل؟ أي اليوم العز والنصر والتمكين لأتباع هُبل، هذا يعني أن هُبل يفعل هذا، هُبل يستطيع أن ينصر أولياءه! ولذلك سماهم الله المُشرِكين – وفي مُقدَّمهم مُشرِكي مكة – وذكر أنهم اتخذوا هؤلاء أَوْلِيَاءَ ۩ من دون الله، أَوْلِيَاءَ ۩! والولي هو الحبيب والنصير، ينصرك! قال تعالى ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ ۩، أليس كذلك؟ ولذلك رد عليه النبي بقوله الله أعلى وأجل، وفي يوم أُحد الصحابة ردوا بأن الله مولانا والكفّار لا مولى لهم، لأنهم يعتقدون بولاية هُبل واللات والعُزى وأنها تنصر، ويصيح هذا – أبو سُفيان – قائلاً أعلوا هُبل، اليوم لنا الغلب – أي الغلبة -، لنا الظفر، ولنا العلو، بهُبل! يعتقدون أنه ينفع ويضر وينصر، كيف لا يعتقدون هذا؟ تعرفون أرَبّ يَبُولُ الثُّعْلُبَانُ بِرَأْسِهِ، والأعرابي الآخر جاء ولم ينفعه بشيئ، لم يدفع عنه وعن ماشيته، هو يظن أنه ينفع ويدفع في الدنيا أيضاً وليس في الآخرة يشفع فقط، هذا هو!
فإذن هذا غير مُمكِن، التوحيد لا ينقسم، لا يُمكِن التجزئة، وإلا نجد بعد ذلك شركاً مُنقسِماً، فيُقال هذا مُشرِك في الألوهية ومُوحِّد في الربوبية، وهذا يعني أن مُقتضى العدل أن يُجازى على الربوبية والتوحيد هنا ويُؤاخَذ بالشرك هناك، غير صحيح! الله قال لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ۩، لأن نقض هذا نقض للأساس كله، ينتهي كل شيئ! مَن نفى شيئاً في الإلهية نفى الربوبية من أساسها، لا يُمكِن أن يُقال هذا مُوحِّد في الربوبية وكافر في الإلهية، لا يُمكِن! غير صحيح، لا بالعقل ولا بالقرآن الكريم ولا بالأدلة أبداً، مَن كفر بالإلهية كفر بالربوبية مُباشَرةً، ضرورة – كما قلنا – المُلازَمة بينهما.
بعد ذلك يوسف الكريم ابن الكريم ابن الكريم – عليهم السلام أجمعين – ماذا قال؟ ابن تيمية قال مُشرِكو الأمم وحَّدوا الله في الربوبية، غير صحيح! ماذا قال لهم يوسف؟ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ ۩، إذن يُوجَد رب واحد أم عبدوا أرباباً كثيرين؟ إذن لم يُوحِّدوا الله، أليس كذلك؟ لم يُوحِّدوا الله في الربوبية، أين التوحيد وهم يعبدون أرباباً مُتفرِّقين؟ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ۩، صريحة جداً جداً، ولا أصرح! تلكم الأمة لم تُوحِّد الله في الروبية، ولا أصرح! ماذا قال صاحب الجنتين؟ لَّٰكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا ۩، لم يقل إلهي، قال رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي ۩، لا أشرك به! أنا عبده هو – لا إله إلا هو – دون سواه، لم يقل إلهي!
وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَٰهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَٰهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ ۩، آية عجيبة هذه! الله يقول هو إله في السماء وإله في الأرض، ظاهر الآية أنه آله في الأرض ولو لم يعبده أحد، هو إله! قال أنا إله، هل تعرفون لماذا؟ لأنه الرب، رب الأرض هو كما أنه رب السماء لا إله إلا هو! كأن الآية تقول لك بما أنني أنا الرب فأنا الإله حتى لو كفر بي الجميع، هذه الآية تصح قبل يوم القيامة أو لا تصح؟ والقيامة لا تقوم على مَن يقول الله، أي ستأتي ساعة على الأرض – لكي تفهموا كيف يكون الاستنباط – لا يبقى فيها أحد يقول الله، وهذه الآية تبقى صحيحة أو غير صحيحة؟ صحيحة، لأن الله قال وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَٰهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَٰهٌ ۩، دائماً هو في الأرض إله، لا إله إلا هو! هذه صادقة ببقاء موضوعها كما يقول المناطقة، بما أن هناك أرضاً فدائماً الله هو الإله في الأرض، إذا أفنى الله الأرض وأعدمها فلن تُوجَد مُشكِلة، لكن هو إله في كل ما خلق، لا إله إلا هو، في كل ما خلق! ما بقيَ الموضوع المعنى صحيح دائماً وأبداً.
سيرد علينا أتباع ابن تيمية – رحمة الله عليه – بالقول الآتي، المقصود بقوله وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَٰهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَٰهٌ ۩ أنه المُستحِق للعبادة، أنه يستحقها! قلنا مرحباً بالوفاق، وهذا الذي نُريده، لماذا؟ لأن لا فرق حينئذٍ بين الرب والإله، لأن الرب هو المُستحِق للعبادة، لأنه رب كامل، لا إله إلا هو! إذا ثبت أنه هو الرب الحق فهو الإله الحق، وهذا الذي نُريده، وهذا الذي أسعدتنا عليه الآية أيضاً، هناك أدلة كثيرة!
الله قال مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَٰهٍ ۩، لم يقل من رب، مع أن المسألة في الربوبية وتدبير الكون، عبَّر عنها بالإلهية، المسألة ليست في العبادة،قال مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَٰهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ۩، عجيب! سياق الآية واضح – وخاصة آخر الواضح – في أنه في الربوبية، مَن الذي يملك الخلق؟ مَن الذي بيده مقاليد الأمر؟ لا إله إلا هو، قال أنا وحدي، أنا الإله وحدي! ستقول يا رب هذا ليس في موضوع الإلهية، هذا موضوع الربوبية، لكنه سيقول لك هما مُتلازِمان، لا تُوجَد مُشكِلة، أنا أستعيض عن هذا بهذا وعن هذا بهذا، عادي! لم يقل وما كان معه من رب إذن لذهب كل رب بما خلق، نحن قلنا الربوبية توحيده في أفعاله، والكلام عن فعل الخلق، مَن الذي خلق؟ الرب، قال الله مِنْ إِلَٰهٍ ۩، لا تُوجَد مُشكِلة، على طريقة ابن تيمية يُوجَد تناقض هنا، كيف هذا؟ لكن لا يُوجَد تناقض، وهو قال إذا افترقا اجتماعا، لا تُوجَد مُشكِلة، أي أنه يفهم هذا المعنى، لكنه رتَّب عليه ما لا يُوافَق عليه، وهو يُمكِن أن يُوحَّد الله في الربوبية ويُشرَك به في الإلهية، غير صحيح! هل تعرفون لماذا؟ هذه الأدلة التي اعترف بها هو، بهذه المُلازَمة وبهذا التضمن كلامه غير صحيح، مُستحيل! إذا انتفى هذا ينتفي هذا، لذلك القرآن يُعادِل بينهما ويستعيض بهذا عن هذا ويُعبِّر بهذا عن هذا، لكي يقول لك هذا التقسيم لا يصح أبداً ولا ينبغي له أن يصح، هذا هو!
قال تعالى لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ۩، قال آلهة أم أرباب؟ قال آلِهَةٌ ۩، والكلام عن ماذا؟ الكلام عن الإلهية أو الربوبية؟ عن الربوبية على طريقتهم، لأن مَن الذي يُدبِّر الكون؟ من أين يأتي الفساد؟ من تعارض الإرادات، إله يُريد أن تشرق الشمس وآله آخر يُريد ألا تشرق، وفي الحقيقة هو الآن رب، نقول رب! لأن التدبير والتصرف فعل الرب، الله عبَّر عن الرب بماذا؟ بالإله هنا، قال لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ – لم يقل أرباب – إِلَّا اللَّهُ ۩، قال آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ۩، ولذلك حين أجبت عن الدكتور #@@46:55@@ – حفظه الله – بخصوص قول الله وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۩ قلت له الله لم يقل ليقولن الرب، قال لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۩، ما المقصود إذن؟ لأن الله هو الاسم الجامع، يُعبَّر به عن الرب وعن الإله، هذا ليس قاطعاً في محل النزاع، طبعاً لا أدري هل فهم قصدي أو لم يفهم، طبعاً موضوع كهذا كيف تُجيب عنه في دقيقة؟ لكن هكذا كان الجواب واضحاً ودقيقاً، ليس قاطعاً في محل النزاع، اللَّهُ ۩، اللَّهُ ۩ هو الاسم الجامع المُفرَد، إذا قلنا مَن رب الحق؟ فهو الله، مَن الإله الحق المعبود؟ فهو الله، هذا هو! فليس قاطعاً في محل النزاع، لم يقولوا ربنا، لم يقولوا الذي خلق ربنا فوَّحدوه الربوبية كدليل مُنفصِل، لا! قالوا اللَّهُ ۩، فليس له علاقة وليس قوياً، وهذا من أدلة ابن تيمية وليس دقيقاً، وهذا جوابي الشخصي، الله هو الاسم الجامع المُفرَد، لا إله إلا هو، ليس قاطعاً في محل النزاع، مَن الرب الكامل؟ هو الله، مَن الإله المعبود الأوحد؟ هو الله، الله! إذن من أين هذا؟ كيف صارت دليلاً؟ قال لا، ليس من اللفظ وإنما من الخلق، مَنْ خَلَقَ ۩، والخلق هو فعل الرب، قلنا هنا يحدث نوع من المُصادَرة عن المطلوب، لأن لا انفصال بين الرب الكامل وبين الإله الكامل، مُباشَرةً إذا ثبت له كمال الربوبية – وهو ثابت بلا شك – فيثبت له كمال الألوهية والانفراد باستحقاقها، لا إله إلا هو، لا يُمكِن غير هذا، هذا هو!
بعد ذلك هناك آية الميثاق، يُسمونها آية العهد في سورة الأعراف، وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ ۩، وهي قاطعة جداً، وسوف تُذكِّرك هذه دائماً بحديث مَن ربك؟ الملائكة في القبر تقول لك مَن ربك؟ وليس مَن إلهك؟ فإذا اعترفت بالرب فأنت مُعترِف بالإله وهذا يكفي، يكفي! لكن ابن تيمة لم يكتف، وكذلك الشيخ ابن عبد الوهاب، قالا لا، نحن لم نكتف من أي مُوحِّد بأن يقول الله ربي، لا! نُريد الإلهية، وابن تيمية صرَّح بأن توحيد الربوبية لا يكفي وهذا خطأ، من هنا تم استحلال دماء المُسلِمين، غير صحيح! الله اكتفى به، النبي اكتفى به، والملائكة اكتفت به، إذن الملائكة اكتفت به، النبي اكتفى، ورب العالمين اكتفى به! وسنرى آية الميثاق، وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۩، لم يقل ألست بإلهكم؟ هذا يعني أن الميثاق أُخِذ على الربوبية أوالإلهية؟ الربوبية، إذا واحد أقر بالربوبية فقطعاً هو مُقِر بالإلهية، انتهى! هو أقر، الله هو الرب الاكمل الأوحد، لا إله إلا هو، انتهى! إذن هو الإله الأوحد، لا يُوجَد غيره، بضربة واحدة يكفي، لا تقل لي لا يكفي، يكفي! الله اكتفى به، أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا ۩، الآية من سورة الأعراف! كما تكتفي به الملائكة.
إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ۩ في موضعين من كتاب الله، في الأحقاف وفُصلِت، إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ۩، فالحديث عن ماذا؟ عن عبادة، الحديث عن عبادة! تعبد لله بالطاعة والبخوع في الأمر والنهي، لكنه قال إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا ۩، لو قال إلهنا سيسير الأمر، لا تُوجَد مُشكِلة، نفس الشيئ! إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ۩ في موضعين.
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ ۩، لم يقل إلهكم لأن العبادة لا تكون إلا لإله، لا! الرب الكامل هو الحقيق بالعبادة وهو الإله، هو نفسه! سمه رباً أو سمه إلهاً هو نفسه، لا إله إلا هو! الإله الكامل هو الرب الكامل، الرب الكامل هو الإله الكامل، قال اعْبُدُوا رَبَّكُمُ ۩، لم يقل إلهكم، لأن الإله هو الذي يستحق العبادة فقد تعترف به رباً لكنك لا تعبده، غير صحيح! انتهى، بما أنك أقررت بربوبيته فأنت مُقِر بألوهيته وعابد له.
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ ۩، وقلنا لكم بماذا تكون التقوى أيضاً، بالنزول عن الأمر والنهي! اتَّقُوا رَبَّكُمُ ۩، لم يقل اتقوا إلهكم!
من الأدلة على أن مُشركي العرب لم يُوحِّدوا الله في الربوبية نصوص صريحة في كتاب الله، ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ۩، في سورة الأنعام، أول الأنعام! ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ ۩، احفظوها! قال بِرَبِّهِمْ ۩ يا ابن تيمية رحمة الله عليك، من أين تقول يا ابن تيمية وحَّدوا الله في الربوبية؟ لِمَ؟ لِمَ يُقال هذا القيل؟ غلط هذا، لم يُوحِّدوه طرفة عين، وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ۩، يُقال هو خلق وما إلى ذلك ولكن ينتقصونه أطراف الربوبية، هو الخالق وما إلى ذلك لكن هذه الآلة أيضاً تخلق.
أتذكرون خُطبة الإلهية؟ هم كانوا يظنون أن الإناث – بعض قبائل العرب الذين بُعِث فيهم الرسول – مخلوقات – والعياذ بالله – لا لله، بل للشيطان، شرك أو ليس شركاً في الربوبية هذا؟ ابن تيمية كان عليه أن يقرأ مزيد قراءة عن عقائد العرب، وأنا دائماً أدعو وأقول ضروري جداً جداً أن تدرس بالتفصيل هذه الأشياء ودراسة حتى مُقارَنة، لكن إذا لم تُرِد أن تُقارِن فضروري أن تدرس هذه الأشياء بالتفصيل – أي عادات العرب، خُرافاتهم، أساطيرهم، معبوداتهم، وكل شيئ – حتى تعرف كيف تُفسِّر القرآن الكريم وتفهم، وفي تلكم الأيام قدَّمنا تفسيراً مُبتكَراً جديداً في موضوع الأضحية وموضوع المُحرَّمات عندهم، على كل حال عودوا إليها، ربما من أواخر الخُطب، قبل سنتين تقريباً، فهذا هو!
الله يقول ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ۩، وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ۩، انظر إلى العظمة القرآنية، انظر إلى البلاغة الربانية، وَمَا يُؤْمِنُ ۩، التعبير لجهة إقرارهم بأن الله خلق السماوات والأرض وأنه الذي خلقنا ويُحيينا ويُميتنا بصيغة الفعل، لكن بالمُناسَبة حتى لا أنسى هل كان يُؤمِنون بالبعث أم أن أكثرهم كفروا بالبعث؟ والبعث من فعل الرب، أليس كذلك؟ يُحيي ويُميت ويبعث وينشر، لكنهم كفروا به، وليس هذا فحسب، ماذا قالوا؟ نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ ۩، كفروا بالربوبية أو لم يكفروا؟ وهذا تصريح يا ابن تيمية بأنهم كفروا بربوبية الله، هذه هي أيضاً، هذه ربما للمرة العشرين! فهذا شيئ غريب، وبالمُناسَبة من يوم شيخ الإسلام إلى اليوم كلامه يُكرَّر كأنه مُنزَّل، كأن هذه حقائق، ليس حقائق! أغاليط هذه، هذه أغاليط ولابد أن تُنقَد علمياً، لكن أنا أقول لكم هذا بسبب التقليد – هناك مُن يُقلِّد باستمرار – والكسل الفكري، يحفظ ويقول، لا يا أخي! اقرأ واستخدم عقلك، اقرأ ماذا قال الأخصام وماذا قال الآخرون من كذا وكذا، تأمل بنفسك وحاول أن تستقصي وأن تستقري الأشياء، فالتعبير بصيغة الفعل، قال ماذا؟ وَمَا يُؤْمِنُ ۩، عبَّر عن إيمانهم هذا المزعوم الذي يدّعونه بصيغة الفعل – يُؤْمِنُ ۩ – الدال على التجدد، أي يُؤمِنون مرة ثم ينقطعون عن الإيمان ثم يرجعون، وقال حتى هذا الإيمان مدخول فهو شرك وليس إيماناً محضاً، لماذا؟ قال وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ – على نحو أنه موجود، هو موجود ونحن لا نُنكِره، يُحيي ويُميت لكنه لا يبعث، النفع والضر بيده وبيد غيره، هذا شرك! ما وحَّدوه في الربوبية كما زعم ابن تيمية – إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ۩، قال تعالى إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ۩، وفي جانب شركهم عبَّر بهذه الجُملة الحالية – طبعاً هذه الجُملة في النهاية جُملة حالية، هذا حال – لكن بصيغة اسمية، لم يقل إلا وهم يُشرِكون به، مثل ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ۩، لا! هنا قال إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ۩، بالصيغة الاسمية الدالة على الاستمرار والثبات، أي الأصل فيهم الإيمان المزعوم المدخول أو الشرك؟ الشرك، ضاعت نظرية ابن تيمية! هل هذا واضح؟ لا تقل لي وحَّدوه في الربوبية وأنتم يا مُسلِمون حتى الربوبية تنقصتموها فهم خيرٌ منكم، أعوذ بالله! كيف يُقال هذا؟ هذا شيئ فظيع.
إن شاء الله حين نعقد السلسلة الموعودة – ابن تيمية رحمة الله عليه، الوجه الآخر – سآتي بكُتبه طبعاً وأقرأ عليكم، والله يُحِب الإنصاف، مهما وجدنا له – إن شاء الله – مخرجاً سنُخرِّج بإذن الله، لكن هو يُصرِّح بأن علماء الكلام أقروا بالربوبية وأخلوا بالتوحيد المُهِم الذي هو الغاية من إرسال الرُسل وإنزال الشرائع، توحيد الألوهية والأسماء والصفات! والله كلمة كبيرة، كبرت كلمة منك يا ابن تيمية، عفا الله عنك، أتتهم علماء الأمة وأولياء الأمة الجهابذة الكبار بأنهم كانوا مُشرِكين في الإلهية وطرَّقوا لها طريقاً وعلَّموا الأمة أن تُشرِك؟ ما هذا الكلام؟ كلام فظيع مُخيف، وطبعاً إلى اليوم – رأيتم بالأمس كيف هذا – الاستسهال في التكفير، أنا أقول لكم خرِّيجو هذه المدرسة يستسهلون جداً التكفير، يقول الواحد منهم ببساطة هذا كافر، هل يُنكِر نزول عيسى؟ إذن هو كافر، يقول كلمة كافر دون أن يطرف له جفن، يقول كافر بكل بساطة، حين يدعو أحدهم بكذا يقول هذا كافر، حين يتوسَّل أحدهم بكذا يقول هذا كافر، ما شاء الله! ابن تيمية جرَّأهم على هذا، الرجل يحكم على علماء الأمة – على علماء العقيدة – بأنهم ما وحَّدوا الله في الألوهية ولا عرفوا هذا الشيئ، ما شاء الله! وحتى في الربوبية ابن عبد الوهاب يقول كفّار الجاهلية كانوا أحسن حالاً، لأنهم وحَّدوا الله في الربوبية، متى وحَّدوا الله في الربوبية؟ هذا غير صحيح، هذا غالط، كلام غالط وفارط، انظر إلى القرآن، وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ۩.
ماذا قال تعالى؟ قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ ۩، الخطاب لمَن؟ الخطاب للصحابة أم للكفّار العرب؟ الكفّار العرب، وخاصة قريش، قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ ۩، قال خَلَقَ ۩! إذن كفروا بماذا؟ بالربوبية، ضاع كلام ابن تيمية، ضاع! لا يُمكِن، قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ ۩، إذن الكفر بالخالقية، إذن ليس كلهم أبداً! ولذلك – كما فهم ابن عاشور رحمة الله عليه وغيره – هم سيقولون الله إذا لُزوا لزاً، لو جاء النبي وقال لهم تعالوا – لو، هذا لما يحصل، لكن لو – وقال لهم مَن خلق كذا وكذا؟ سيقولون اللَّهُ ۩، بداعي الفطرة وبداعي قوة الدليل، ولكن هذا الإيمان الكاذب مدغول ومدخول، وهو إيمان اضطراري فقط حتى لا يُفحَموا في النقاش، كما قال تعالى إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ۩، وإلا هم كافرون! كيف لا يكون كافراً الذي يعدل بربه؟ كيف لا يكون كافراً بالربوبية؟ كيف لا يكون كافراً بالربوبية الذي يقول نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ ۩؟ كيف لا يكون كافراً بالربوبية مَن يُنكِر البعث؟ كيف لا يكون كافراً بالربوبية – كفّار عاد وقوم عاد – مَن اعتقد أن الله لا يقدر عليه؟ قالوا هذا كلام فارغ، أتهدِّدنا يا هود؟ فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ۩، مَن؟ مَن يقدر على أن يُهلِكنا؟ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ۩، لا يُؤمِنون! قالوا الله لا يقدر علينا، لماذا؟ أليس كذلك؟ وصاحب الجنتين هو الكافر الذي ناقش صاحبه، مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَٰذِهِ أَبَدًا ۩ وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً ۩، لا تُوجَد ساعة، لا يُوجَد بعث، ولا يُوجَد كل هذا! لكن لو افترضنا أنها قامت أنا حتى هناك مسعود مسرور مبرور، كافر بالربوبية هذا، كافر بقدرة الله، أُمية – وقيل غير أُمية – جاء ورمى عظماً لرسول الله وقال له ترى ربك يا محمد يستطيع أن يُحيي هذا؟ أي العظم الرميم! وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيم ۩، إذن يُؤمِن بأن الله قادر أو غير قادر؟ غير قادر، كافر بالربوبية أو مُؤمِن يا ابن تيمية؟ كافر بالربوبية، هذه الأدلة تملأ مُجلَّدات يا أخي، كثيرة جداً جداً جداً! لكنه قال لا، العرب وحَّدوا الله في الربوبية، والله هذا غالط، لن يسوء مني التعبير وأقول غير هذا، غالط وفارط، أمره فرط هذا الاستدلال، غير صحيح! هذا لا يُؤمِن.
سنقول لي عجيب يا أخي يا عدنان، والله عجيب يا أخي! هذا ابن تيمية، هذا إمام كبير وعلّامة وبحر حفظ، وهذا صحيح، أغاب عنه هذا؟ هذا واضح لنا! أنا أقول لك ما غاب عنه هذا، ولكن – سُبحان الله العظيم – الهوى، هوى النفس! هو يهوى أن يُؤسِّس نظرية مُعيَّنة، عنده مفهوم مُعيَّن عن الألوهية والربوبية، فيأتي بالآيات التي على هواه ويفهمها كما يُريد، والآيات الأُخرى يتركها، لا علاقة له بها، على أنها واضحة جداً جداً، تنقض عليه غزله، تنكث غزله وتهدم بُنيانه مُباشَرةً بسهولة، إذا أردت أن تُدافِع لن تقدر، هذا لن ينفع، الأمور واضحة تماماً، واضحة!
قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَٰلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ۩، لم يقل إله العالمين وإنما قال رَبُّ الْعَالَمِينَ ۩، إذن كفروا بماذا هم؟ بالربوبية، وليس بالإلهية، وهم كافرون بالخالقية، قالوا لا، هو الذي خلق وما إلى ذلكم، لكنهم كفروا به، الله قال لهم ذَٰلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ۩، لا يُكفَر به! ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ۩ قال بِرَبِّهِمْ ۩! هو رب وغيره هناك أرباب، كانوا يُسمونهم أرباباً، أرَبّ يَبُولُ الثُّعْلُبَانُ بِرَأْسِهِ، أرَبّ! قالوا هذا رب، يُوجَد رب فوق وتُوجَد أرباب ثانية، أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ۩، إذن لم يُوحِّدوا الله في الربوبية، كيف يُقال لمَن عبدوا أرباباً يا أخي وسموها أرباباً – الرب فلان والرب علان، سموها أرباباً – وحَّدوا الله في الربوبية؟ هذا إفكٌ مُبينٌ، أليس كذلك؟ هذا إفكٌ ظاهرٌ، والله المُستعان.
بعد ذلك وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَٰكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ ۩، أي حتى أنكروا عالمية الله، قالوا الله لا يعلم كل شيئ، إذن كفروا هنا بالإلهية أو بالربوبية؟ بالربوبية، لأن توحيد الربوبية توحيد لله بصفاته، الله يعلم أو لا يعلم؟ يعلم، هذه ربوبية، أرأيتم؟ يخلق أو لا يخلق؟ يخلق، يُحيي ويُميت، ربوبية! ليست عبادتي أنا وإنما صفاته، الآن صفة العلم، هم ظنوا أن الله لا يعلم كثيراً مما يعملون، ولأن الله يعلم أن هذا كفر به رباً – كفر بربوبيته – سماه كذلك، قال وَذَٰلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ ۩، إذن قال وَذَٰلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم ۩ بمَن؟ أقال بإلهكم؟ قال بِرَبِّكُمْ ۩، وَذَٰلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ ۩، كفروا بالربوبية! يظنون أن الله لا يعلم كثيراً مما يعملون، كفر بالربوبية! أي رب هذا؟ أتُريد أن تعرف أي رب؟ سأقول لك أي رب، المذكور في قوله وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ۩، يظن الواحد منهم أنه يُؤمِن به، غلط يا ابن تيمية، عفا الله عنا وعنك وسامحنا جميعاً، والله غلط! ما آمنوا بالله رباً ولا عرفوه رباً – أعني هؤلاء الجهلة المُشرِكين – لتجعلنا شراً منهم، حاشا لله، والله أقل مُسلِم وأجهل مُسلِم فينا يعلم أن الله موجود وأنه سميع وبصير ويعلم السر وأخفى، أليس كذلك؟ وأنه أحياه وأنه يُميته وأنه يُسعِده ويُشقيه وأنه يبعثه ويُحاسِبه، أليس كذلك؟ وأنه… وأنه… أي مُسلِم يعرف هذا بفضل الله تبارك وتعالى، والنبي قال إني لا أخشى على أُمتي الشرك بعدي، ولكن انظر إلى كبار سدنة الشرك في مكة، مثل أُمية، أبي جهل، وأبي لهب، يقولون أيقدر الله أن يُحيي هذه؟ أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ۩، أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ ۩، يُكذِّبون! لا يُصدِّقون، أيقدر الله على ذلك؟ كيف يُقال هذا؟ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ۩، أي مُسلِم يعرف هذا، تعال اسأل فيلسوفاً مُسلِماً هل الله يستطيع أن يُدخِل الأرض كلها هي كما هي في بيضة هي كما هي؟ سوف يدخل لك في المنطق والفلسفة وفيزياء الكم ثم يُخربِطك، لكن اسأل أمك الجاهلة، سوف تقول لك نعم، عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ۩ يا ابني، تقول لها يا أمي أقول لك هل الله يستطيع أن يُدخِل الأرض كلها هي كما هي في بيضة هي كما هي؟ فتقول لك عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ۩، ولا ترتاب لحظة ما شاء الله! عندها يقين بأن الله كل شيئ يُريده يفعله، يستطيع! ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فقط إذا لم يشأ هو لا يكون، لكن إذا شاءه يكون، انتهى! هذا إيمان المُسلِمين، هذا إيمان أمة محمد – الحمد لله – على اختلاف طوائفه المعروفة بفضل الله تبارك وتعالى، فلا يُقال كفّار مكة وحَّدوا الله في الربوبية وتوحيدهم أكمل في الربوبية من توحيد المُسلِمين، أعوذ بالله يا أخي، أعوذ بالله! والقرآن طافح ملآن بمثل هذه الأمثلة يا إخواني، وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَٰكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ ۩ وَذَٰلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ ۩، هذا هو! دائماً يأتون إليك بآية الزمر وما إلى ذلك، لكن آية الزمر فهمناها، قال مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ۩، بالعكس! هذه حُجة لنا، ليست حُجة علينا، هل تعرف لماذا؟ مرة أُخرى – هذه آية الزمر، في أول الزُمر – مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا ۩، لم يقولوا ما نعبدهم إلا لتُقرِّبنا، ما هي؟ عبادتنا، هم لن ينفعون ولا يضرون، لكن نحن نعتقد أن الله يُحِب هذه العبادة، ولذا نعبد هذه القطع من الأوثان والأخشاب، فنتقرَّب إلى الله بعبادتها على أنها لا تنفع ولا تضر ولا تسمع ولا تُبصِر، لا! قال إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا ۩، يشفعون لنا! وأنا سأُفسِّر لك بالقرآن، القرآن بالقرآن! هل تعرف كيف تُقرِّبهم إلى الله زلفى؟ في الدنيا، وفي الآخرة تشفع لهم أيضاً، هَٰؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا ۩، والله قال لا يملكون شيئاً هؤلاء، كيف يكون هذا شفيعاً؟ قالوا لا، لابد وأن يشفع، هذا يستطيع ويقدر أن يُحاجِج عنا أمام الله يوم القيامة، يقدر! الله قال لا، ليس بشيئ هذا، إلى جهنم هذا، هذا تتسجَّر به من حجر وخشب وما إلى ذلك نار جهنم، حتى وإن كان بشراً عُبِد عن إرادته ومشيئته تُسجَّر به جهنم معهم، تزداد جهنم تلظياً واصطلاءً بهذه المعبودات، إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ ۩، هذا هو! لكن عيسى عُبِد عن غير إرادته وعن غير علمه، إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ۩، نزلت في عيسى، أي بسبب عيسى، قيل عيسى عُبِد فهل محمد قال إنه سيدخل جهنم؟ الله قال لهم لا، إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ۩، لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ ۩.
إذن إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا ۩، الآلهة المعبودة والأرباب الملعونة، قال تُقرِّبهم، هذا يعني أنها تنفع وتضر أو لا تنفع؟ تنفع، إذن ما وحَّدوا الله في الربوبية، لذلك الله رد عليهم في نفس السورة، أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ ۩، إذن هم لِمَ اتخذوهم شفعاء؟ لاعتقادهم أن لهم نصيباً من المُلك ويستطيعون أن يشفعوا، قالوا هؤلاء شفعاء، الله قال لا ولن يشفعوا، ويوم القيامة سيخذلونكم، وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ ۩، قال لا يُمكِن، لن يأتوا! أخشاب وأوثان هذه، هم يظنون أنها ستأتي وتدفع عنهم وأن لها نصيباً في المُلك، تملك! أي كأنها تُحرِج الله، تضطره أن يقبل شفاعتها، الله قال لا، لا يملكون، المُلك لي والدين لي، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ۩، الحساب لي! لا يُمكِن لأحد أن يفعل هذا، لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا ۩، هم يعتقدون أنها تنفع وتضر ولذلك عبدوها، أي هم لم يكونوا – ماذا أقول لكم؟ – من البلاهة والحماقة بحيث أنهم يعتقدون أنها لا تنفع ولا تضر ولا تسمع وما إلى ذلك ثم عبدوها، ما الفائدة إذن؟ لماذا؟ لا! هل الله أذن لهم؟ فعلوا هذا لأنهم اعتقدوا أنها تنفع وتضر، لذلك كانت تُخاطَب وكان يُضحى لها ويُذبَح لها، يُسيَّل الدم عندها وتُخاطَب، يُقال لها افعلي لي كذا وكذا، اعملي لي كذا وكذا، وتُغرى وتُرشى، يُعطونها رشوة ومزيد من الأشياء، يظنون هذا! إبراهيم قال لهم أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ۩، كسَّرتهم ولم يقدروا على أن يُدافِعوا عن أنفسهم، أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ۩، هذه أشياء جامدة، نفس الشيئ!
بعد ذلك كيف يُقال وحَّدوه في الربوبية – أنه رب واحد أحد أكمل، لا إله إلا هو – وقد ادّعوا له الولد والصاحبة؟ أَلا إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ ۩ وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ۩، مَن ادّعى لله الصاحبة والولد – وقد برَّأ الله جنابه الأقدس الأعلى الأجل الأحمى الأوقى لا إله إلا هو في غيرما آية في كتاب الله على طوله، بأنه ليس له صاحبة ولا ولد، ليس له صاحبة ولا ولد أبداً! وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا ۩ – واعتقد أن له ذلك هل يعتقد بربوبيته؟ أبداً، لأن الرب غني، وقال هُوَ الْغَنِيُّ ۩، إِنْ عِندَكُم مِّن سُلْطَانٍ بِهَٰذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ۩، قال أنا غني، غني بذاتي، قيوم بذاتي، وكل شيئ غيري يقوم بي، غني! قالوا لا، يحتاج الصاحبة – أي الزوجة – ويحتاج الولد، وَلَدَ اللَّهُ – أستغفر الله العظيم – وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ۩، إذن كفروا بالربوبية أو لم يكفروا؟ كفروا، لأن هذه أفعال الله، الاحتياج والزواج لكي يُخلِّف وما إلى ذلك هذه أفعال الله، وهذه الأفعال لا تُنسَب إلى الله، إذن هذا كفر، نسبوا إلى الله ما لا يُنسَب إليه من فعله، كفر هذا! هل هذا واضح؟ إذن دعوى اتخاذ الله الصاحبة والولد نقض لتوحيد الربوبية المزعوم.
وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ ۩ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ۩، تأكيد لأُسس توحيد ماذا؟ الربوبية، قال ليس لي صاحبة، ليس لي ولد، وأنا الخالق، كل شيئ مخلوق لي! بعد ذلك ماذا قال؟ ذلكم ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ ۩، في الآية التي بعدها! ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ۩، إذن واضح أنه يدفع عن حمى الربوبية، مُؤكِّداً كفرهم بها، أنهم كفروا بربوبية الله، فمن أين يُقال إنهم محَّضوا الله في الربوبية؟ من أين أتيتم بهذا؟ من أين؟ ولماذا يُتابَع شيخ الإسلام إلى اليوم على هذه العقيدة وعلى هذا التقسيم؟ لذلك مَن يرتابون وما إلى ذلك نقول لهم عودوا إلى الأزهر الشريف، الأزهر لديه في موقع دار الإفتاء فتوى لكنه صغيرة للأسف، غير مُسهَبة وغير كافية، ولكن هي للناس العاديين، يُسمونها الفتوى الساذجة من غير أدلة ومن غير مُقارَنات، كأن يقول أحدهم إن ابن تيمية يتحدَّث عن توحيد الألوهية والربوبية وكذلك ابن عبد الوهاب، فهل هذا صح أم غلط؟ الأزهر قال غلط، وقالوا هكذا: هذا تقسيم مُبتدَع حادث، بحسب علمنا لم يُسبَق إليه ابن تيمية، الأزهر في موقع دار الإفتاء! عودوا إليه اليوم، موجود بفضل الله، فتوى في أقل من صفحة، صحيفة واحدة بل أقل من صحيفة تُؤكِّد أن هذا التقسيم تقسيم باطل، غير مسبوق إليه، وغير صحيح، وخاصة اللوازم! وأكَّدوا علاقة المُلازَمة بين التوحيدين، الأزهر! وهذا كافٍ للناس العاديين من غير الدخول في أدلة.
المُشرِّع حين يُشرِّع الآن يُؤكِّد الربوبية أم الإلهية؟ الإلهية، يُريد أن يُشرِّع الآن، يطلب منك توحيد الإلهية، يُشرِّع لك، يقول لك اعبدني، هذا حلال وهذا حرام، قد يقول لي أحدكم لكن لو نحن قلنا الربوبية سيصح هذا أيضاً، لماذا؟ لأن بصفته الرب الأوحد الكامل – لا إله إلا هو، لأن عنده الحق لأنه الرب – يقدر أن يُشرِّع، هناك مُلازَمة! اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۩، لم يقل من إلهك، لا تُوجَد مُشكِلة، عادي! الرب هنا يسد مسد الإله، بما أنه هو الرب التام الكامل – لا إله إلا هو – الأوحد فهو الإله الأوحد أيضاً والذي عنده حق التشريع، أليس كذلك؟ وعنده استحقاق أن يكون معبوداً وحده، اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ۩، هل هذا واضح؟ هذه في الأنعام، أما في الرعد فقال لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ ۩، واضح أنهم كانوا يدعون من دون الله، يطلبون من أصنامهم وأوثانهم ما لا يُطلَب إلا من الله، والله لا يُلبيهم، قال أنا لم أُسأل، سُئلت الأصنام! إذن أشركوا في الربوبية أم لم يُشرِكوا؟ كيف؟ قد تقول لي لا، هذه إلهية وعبادة، وهذا ما يُؤكِّده ابن تيمية، لكن أنا أقول لك مَن الذي يُطلَب منه؟ الذي يُعتقَد فيه النفع والضر، سوف تقول لي نعم، هذه الجُملة بالذات تنقض كلام شيخ الإسلام وبالأحرى تكفي، هذه الآية وضَّحت ذلك، بمعنى لا يُمكِن أن تقول لي أنا مُوحِّد في الربوبية لكن أنا في موضوع العبادة أتوجَّه إلى غير الله وأسأل غير الله، غير صحيح! هل تعرف لماذا؟ لأن الإنسان إذا توجَّه إلى أي جهة كانت من صنم أو حجر أو نجم أو بشر أو شجر وطلب منها مُباشَرةً هذا يكون علامة على اعتقاده فيها الاستقلال بالنفع والضَر – الضَر مصدر هنا، ليس الضُر الاسم وإنما الضَر المصدر – وهذا نقض لتوحيد الربوبية المزعوم، إذن لم يُوحِّد الله في الربوبية، هل فهمت كيف؟ هي هذه، لكن هذا لم يكن واضحاً لشيخ الإسلام ولا للذين اتبعوه.
لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ – أنتم تدعون آلهةً وأوثاناً وأرباباً أُخرى – لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ ۩، هل تعرفون ما معنى الآية هذه؟ مثل واحد باسط يديه وواقف، والماء لا يزال في الأرض، لن يخرج الماء ويقفز في يديه لكي يشرب، لا يُمكِن! لو وقفت مليون سنة لن يقفز الماء عكس اتجاه الجاذبية لكي يأتي في يديك وتشرب، لابد أن تنزل وتأخذ، الله قال مُستحيل! أي أنهم يُحاوِلون المُستحيل، ادع هذا الصنم أو الحجر مليون سنة ولن يستجيب لك، إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ – هكذا هو واقف وهو باسط يديه – لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ ۩، ما منشأ الكفر هنا؟ اعتقادهم في هذه الآلهة والأرباب المزعومة أنها تنفع وتضر ولذلك تُدعا، إذن هم قبل أن يتنقصوا توحيد الإلهية كفروا بالربوبية، وهذا يُساوي ماذا؟ مُباشَرةً هو يُعادِل ماذا؟ هما وجهان لعملة واحدة! يستحيل أن تكفر بالإلهية أو بشيئ منها وأنت تام التوحيد للربوبية، هذا كذب، غير صحيح! لا يحدث أبداً، فهو لا يدعو إلا مَن يعتقد استقلاله بالنفع والضر، وهذا كفر بالربوبية، انتهى! هو هذا، هذا الذي نُريد أن نقوله أيها الإخوة.
قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا ۩ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ – أنتم تدعون هؤلاء من الملائكة أو من الأنبياء أو من الأرواح – يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ ۩، أنت تستغيث بروح أو بنبي أو بملك وما إلى ذلك، وهذا الروح الطيب أو الملك أو النبي – هو نفسه – يُحاوِل أن يبلغ منازل القُربى من الله بطاعة الله، وأنت تعصي الله بدعائه، تجعله سُلماً لتُشرِك بالله، هذا معنى الآية، هل فهمت كيف؟ قال أُولَٰئِكَ ۩، أي المدعوين من دون الله، من صالحين، من ملائكة، من أنبياء، ومن أرواح طيبة صالحة! قال أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ ۩، إِلَىٰ ۩ ماذا؟ إِلَىٰ رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ ۩، عجيب! أي العبادة ابتغاء الوسيلة إلى الإله أو إلى الرب؟ الله قال إلى الرب، لا تُوجَد مُشكِلة، أي إلى الإله، أرأيت؟ دائماً القرآن يُعادِل بينهما، إِلَىٰ رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ ۩، لم يقل إلهك أيضاً، قال رَبِّكَ ۩، إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا ۩، هل هذا واضح؟
أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَٰهَكَ ۩، هنا عبَّروا بالإله، إله له العبودية، لو قال نعبد ربك لن تُوجَد أي مُشكِلة، قال وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ۩، أي مرة قال اعبدوا الرب ومرة قال اعبدوا الإله، ستقولون تخربطنا، لكن هذا نفس الشيئ، ونحن شرحنا لكم لماذا، قَالُوا نَعْبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَٰهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ۩، هل هذا واضح؟
بعد ذلك – نفس الشيئ – حدث مع بني إسرائيل حين خرجوا مع موسى – عليه السلام – وجاوزوا البحر، وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَٰهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ۩، آلهة تُعبد! لو قال رباً لن تُوجَد مُشكِلة، أي رب يُعبَد فهو الإله، نفس الشيئ! لكن الرب الذي يُعبَد وهو رب باطل فهو إله باطل، والرب الذي يُعبَد وهو رب حق فهو إله حق، قاعدة! هو هذا، هناك مُلازَمة، قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَٰهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ۩ إِنَّ هَٰؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ۩ قَالَ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَـهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ۩، هنا سيقول لي أحدكم هل موسى قال هذا؟ نعم قال هذا، قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَٰهًا ۩، لكن في القرآن الكريم قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ۩، عجيب! أي مرة أَبْغِيكُمْ إِلَٰهًا ۩ ومرة أَبْغِي رَبّاً ۩، لا يجوز أن يُبغى إله غير الله، لا يجوز أن يُبغى رب غير الله، نفس الشيئ طبعاً! إله كامل – لا إله إلا هو – أوحد هو الرب الأوحد الكامل، رب أوحد هو إله أوحد، مُلازَمة دائمة! كما ذكرنا في البداية اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ ۩ ماذا؟ أَرْبَابًا ۩، وقلنا شرَّعوا لهم، وبعد ذلك قال وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا ۩، لم يقل رباً واحداً، قال إِلَهًا وَاحِدًا ۩، أي هنا قال أَرْبَابًا ۩ وهنا قال إِلَٰهًا ۩، نفس الشيئ! لأن المُلازَمة واضحة من جميع الجهات.
أكتفي – إن شاء الله – بهذا القدر، وأرجو أن أكون بهذا قد وضَّحت وجهة نظري والشيئ الذي أتبناه تبعاً لأهل السُنة والجماعة – هذه عقيدة المالكية والأحناف والشوافع في مسألة انقسام التوحيد إلى قسمين أو ثلاثة أقسام – والرد على شيخ الإسلام ابن تيمية عفا الله عنه وسامحه ورحمه ورحم جميع علمائنا وأوليائنا ومشايخنا والمُسلِمين والمُسلِمات أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
21/04/2012
أضف تعليق