إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:
أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:
مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩
ثم أما بعد:
أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – جل من قائلٍ – في كتابه العظيم بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ ۩ مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ۩ اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ۩ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ ۩ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ۩ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ۩
صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط، آمين اللهم آمين.
إخواني وأخواتي:
سؤال اللحظة، ما سؤال اللحظة؟ سؤال اللحظة مَن نحن؟ مَن المُسلِمون؟ مَن المُسلِم؟ سؤالٌ يفرضه الاحتراب الطائفي والتشانؤ والتباغض والتناحر والتدابر المذهبي، هذا سؤال اللحظة.
قد كنا نرمي إلى ما هو أبعد ونطمح فيما هو أشرف ونصبو إلى ما هو أسلم وأغنم لنا ولديننا وللبشرية طرة جمعاء وهو أن نذهب ونصير إلى البحث في المُشترَكات الجوامع بيننا وبين إخواننا في الإنسانية لكي نُبرهِن من هذه الزاوية والحيثية على أن هذا الدين دين العالمين ورحمة للعالمين إلا أننا في لحظةٍ وجدنا أنفسنا مدفوعين لنسقط سُفلىً ودنواً ونُعيد التاريخ جذعاً إن جاز التعبير لنُراوِح مكاننا وكأنه لم يجر في نهر المُسلِمين ماءٌ جديد.
واضحٌ أن المُسلِمين عبر الأعصار يدفعون أكلافاً باهظة وضرائب مُوجِعة لجهلهم بالتاريخ، تاريخ الدنيا وتاريخهم على وجه الخصوص، أنا أزعم بل أنا مملوءٌ يقيناً أن مُعظَم مَن يتصدَّرون في القضايا التي سأُدير هذه الخُطبة عليها – إن شاء الله تبارك وتعالى – من فوري ليس لهم دراية مُحترَمة مقدورة فضلاً عن أن تكون مشكورة بتاريخهم، لأنهم يستعيدون لحظاتٍ مشؤمة من التاريخ ويظنون أنهم يخلقون فهماً جديداً ويُبلوِرون خطاباً مُستجِداً على أنهم يعودون إلى استحياء أجزاء وبُقع من التاريخ على خلفيات مُختلِفة.
بالأمس أُحدِّث جماعةً من إخواني وأحبابي فأقول لهم حين تنازع أئمة وعلماء وجماهير المُسلِمين في الأعصار السابقة على قضايا وحول قضايا دينية أصولية وفرعية كان هناك في الخلفية دائماً بل في المشهد أئمة باذخون أمجاد، أهرام من العلم والتدقيق والبحث والإمامة، اليوم هذه الأهرام غير موجودة والقامات مُتساوية تقريباً على تفاوت ليس بالخطير وليس بالكثير لكن النزاعات عينها والمُشكِلات ذاتها، وهذه واحدة.
ثانياً هذه النزاعات حين ثارت وشبت نارها في الأعصار السابقة كانت بمعنى أو بآخر حية نابضة معيشة، كانت بنت أو بنات أوقاتها، لكن – بالله عليكم – اليوم مَن يُعنى مِن أبناء المُسلِمين – استثنوا أهل العلم فأنا لا أتحدَّث عن أهل العلم وهم يُمثِّلون بلا شك قلة وهامشاً ضعيفاً نحيلاً جداً في الأئمة بالنسبة لعموم الأمة وجماهيرها – من الجماهير بمسألة القرآن مخلوق أو غير مخلوق؟ هو لا يفهمها أصلاً، ومن ثم يقول لك ما معنى أنه مخلوق؟ كيف يكون القرآن مخلوقاً؟ هل له عينان تُبصِران وأذنان تسمعان ولسان ناطق؟ ما معنى أنه مخلوق؟ هل مخلوق حي أم مخلوق ميت أو جماد لأن هذه مخلوقات أيضاً؟ لا يفهم العامي هذا ولا يعنيه لا من قريب ولا من بعيد، هذه المسألة غير معيشة اليوم، تعيش فقط في بطون المهارق وفي بطون الصحف والكتب القديمة الحمراء والصفراء وفي أوهام وأخلاد المُغالين الذين لا يُحسِنون إلا باباً أو أبواباً من العلم يُغالون بها، فالمُشكِلة دائماً وأبداً مع أهل الغلو في كل الطوائف من كل الفرق والمذاهب، لأن المُغالي لديه بضاعة يُريد أن يُروِّجها، وهذه بضاعته لأنه مُتخصِّص في هذه المسائل العقدية ومن ثم يُريد أن يشغل الأمة بها على أن الأمة غير معنية بهذه المسائل، الأمة الآن تدور عليها رحى الفناء، الأمة تُطحَن، الأمة تُخرَج الآن من الجغرافيا، وحتماً ستكون خارج التاريخ، وهى الآن غير فاعلة في التاريخ، هى في تاريخها وفي لحظتها غير فاعلة وإنما مفعول بها.
بالمُناسَبة حتى لا أنسى – وأنا كثير الاستطراد للأسف، هذا أحد عيوبي ولا يخلو أحد من عيب – أُحِب أن أقول بما أحدس به، لا أدري لماذا يتملَّكتي حدسٌ هذه الأيام – مُجرَّد حدس أسأل الله أن يُكذِّبه – بأن هذه الرحى الآن يُعَد لها بل يجري الإعداد الآن لكي تدور على بلد عربي مُسلِم كبير جديد، العراق تقريباً انتهوا منه، العراق حُطِّم، العراق ضاع بين داعش وأخواتها وبين الحشد الشعبي الذين أُسميهم داعش الشيعة،فهؤلاء داعش السنة وهؤلاء داعش الشيعة، هذا يقتل وهذا يقتل وهذا يذبح وهذا يذبح وهذا يتوعَّد وهذا يتوعَّد، وطبعاً سيغضب الآن جماعة أو جماعات من الإخوة الشيعة لكن لا علينا لأننا لابد أن نخضع للوقائع الفاقعة والفاقئة التي تفقأ العينيين، عودوا فقط إلى اليوتيوب YouTube لكي تروا تصريحات لكثيرين من هؤلاء الدواحش – نحن عندنا الدواعش وعندنا الدواحش – يُهدِّدون السنة والسُنيين وأنهم سيأتونهم في بلاد الجزيرة وغيرها ويستأصلون شأفتهم، فهذا موجود وهذا إرهاب، واضح أن هذا إرهاب شيعي أيضاً للأسف الشديد وتُبارِكه بعض الدول وبعض الجهات، والإسلام يضيع والأمة تُطحَن وتغيب للأسف، هذه هى الحقائق الفاقعة والفاقئة كما أقول على كل حال، والله شهيدٌ على كل شيئ وشهيدٌ على لسان كل أحدٍ وقلبه من الجميع وهو المُستعان وعليه التوكلان – لا إله إلا هو – وبه العصمة والحفظ.
إذن العراق انتهوا منها، سوريا تقريباً انتهوا منها لأنها دُمِّرَت، مصر نجت بلطف الله ونسأل الله بلطفه أن تواصل النجاة وألا تتحطَّم وألا تغرق في حرب أهلية – في احتراب أهلي – طبعاً، والآن الحدس لا أدري لماذا عن المملكة العربية السعودية.
طبعاً هذا لا يُعتبَر – أي قولي هذا لكن لابد أن نكون واضحين فأنا أُحِب أنا أكون واضحاً مع نفسي ومع إخواني – صك براءة للسياسة السعودية، أنا لست أتدخَّل في السياسة ولا أُبرِّئُ لا هذه السياسة ولا تلك السياسة، السياسة لها أهلها ولها مَن يتكلَّم فيها، فلا دخل لي بالسياسة، لا أُعطي صك براءة ولا شيكاً على بياض لأي سياسة، لا علاقة لي بهذا لأنني لست سياسياً، أنا رجل مهموم بأمته وبأوطانه وبدينه، هذا همي فقط، وكل شيئ غير ذلك لا يعنيني، وحتى الطائفة لا تعنيني، كأن يُقال أنا سني أو غير سني، فهذا لا يعنيني كثيراً، يعنيني الدين – هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ ۩ – وتعنيني أمتي وبلادي وشعوبي وأهلي، والمُسلِمون كلهم أهلي أينما حلوا أو نزلوا أو ارتحلوا، لكن للأسف – انتبهوا – المُسلِمون تقريباً تاريخياً من أيام عليّ ومُعاوية – رضيَ الله عن عليّ وكرَّم وجهه – سطت بهم عقلية ومزاج النكاية وتصفية الحسابات، فقط لأن لفلان طائفةً أو فرقةً أو حتى فرداً مُفكِّراً أو عالماً حسابات مع الدولة الفلانية، وفي الحقيقة ليست له حسابات مع الشعب ومع إخوانه في الدين والملة، له حسابات مع القيادة ومع السياسة، هو لا يعنينه بل يُوافِق مدفوعاً وغير مدفوع ومدفوعاً له وغير مدفوع له أن يصير مسعر حرب على هذه البلدة المُسلِمة أو على هذا الشعب المُسلِم وأن يكون سبباً في الاحتراب الداخلي وفي تفتيته وفي اللعنات التي تحيق بهم، يُصفي حسابات فقط، فهو عنده حسابات مع أشخاص مُتنفِّذين وغير مُتنفِّذين، وهذا شيئ غريب، أين الإيمان بالله؟ أين التقوى؟ أين مُراعاة الله؟ ألا يُؤمِنوا هؤلاء بأن مِن أمامهم يوماً عظيماً يقفون فيه بين يدي الله – تبارك وتعالى – وعن كل شيئ يُسألون؟ ولن يُسألوا لأنهم سيُفضَحون، ستُفضَح نواياهم، سيُحصَّل ما في الصدور، ألا يُؤمِنون بهذا؟ هذه تصفية حسابات وبالتالي فلتذهب العراق ولتذهب سوريا ولتذهب السعودية الآن – لا قدَّر الله – إلى الجحيم، السعودية بلد الحرمين ويُراد أن تذهب إلى الجحيم وأن تتفتت، وحدَّثتكم طبعاً قبل أشهر لعلها لم تُوف على سنة عن حدود الدم، المُخطَّط الاستعماري الجديد الموجود وباللغة الإنجليزية ومُتاح لكل الناس، وهو مُخطَّط واضح، والسعودية إحدى الدول الكُبرى التي يُراد لها أن تُبضَّع وأن تُقسَّم فحذاري من هذا، وحذاري من منطق تصفية الحسابات، كل شيئ له منطق يُعالَج به ويُخاطَب به، نحن لم نرض لسوريا الشام – بلاد الشام باركها الله وأوقف نزيفها ورحم غربة أهلها ومُهاجِريها وردهم إليها أعزاء مُكرَّمين – ولم نُوافِق على الحراك فيها لأننا حدسنا وعلِمنا أنه لن يكون ثورة تُنصِر وتُؤازر بل سيكون مبضعاً تُقسَّم به سوريا وتُلعَن، وسوريا يحكمها مَن يحكمها، سوريا يحكمها مَن تعلمون في ظلمه واستبداده وطُغيانه، تاريخ مُمتَد من الظلم والطُغيان والخنق، ومع ذلك لم نرض بفضل الله تبارك وتعالى، لم نرض وما زلنا غير راضين، فمن باب أولى وأحرى ألا نرضى هذا للمملكة العربية السعودية، لن نرضى وحذاري أن نُشارِك في هذا، وأُطلِقها من هنا وقد برَّأت ذمتي ومن ثم الآن شعرت بالراحة، ولو نزلت من على هذا المنبر ولم أقل إلا هذه الكلمات والله إنني لمُرتاح لأنني بثثت ما لدي، حذاري من أن يُشارِك أحدٌ منكم يا إخواني وأخواتي بالتآمر على المملكة السعودية لتصفية حساباته السياسية أو الطائفية أو حتى المذهبية العلمية للأسف الشديد أو غيرها، لماذا؟ لماذا هذا السؤال بالذات والآن؟ هل هذا هو السؤال الصحيح؟ هل هذا هو السؤال المُناسِب المُلائم في هذه اللحظة الحرِجة؟ مَن هم ليس المُسلِمون؟ وهذا السؤال كان ينبغي أن يُمثِّل ويُشكِّل – المفروض لو كان لدينا وعي بالدين وبالذات وباللحظة وبالمُهِمة التي ينبغي أن نكون منذورين لها – الحد الأدنى، فهذا السؤال – مَن هم المُسلِمون؟ – هو الحد الأدنى، أما ما يتجاوز هذا الحد الأعلى فهو ما هى المُشترَكات بيننا وبين إخواتنا – كما قلت – في الإنسانية؟ فنشتغل على المُشترَك، لكن نحن – كما قلت – انحططنا رتباً عن هذا وهوينا للأسف الشديد إلى هذه الدركة فقلنا مَن هم أهل السنة؟ وهذا سؤال عجيب وغريب، وطبعاً لست أُشكِّك في نوايا السادة العلماء الذين طرحوا هذا السؤال، بالعكس أنا أُحسِن الظن عموماً بأهل العلم وأهل الفضل والخير وأعلم أيضاً أن لهم دوافع وأسباباً، وحتى أكون صادقاً على طريقتي وصريحاً الصراحة المؤذية التي تُؤذي كثيرين من الناس أُحِب أن أقول لأنه قبل أن يجتمع طبعاً هؤلاء وغيرهم ليُمارِسوا هذه المُهِمة الإقصائية الاستبعادية الإلغائية للأسف لفريق مُهِم أياً كان ما يُمثِّله في الأمة كان يحدث شيئاً هاماً، وأُحِب أن أكون مرة أُخرى جديدة صادقاً مع ضميري لأقول بلا شك الحنابلة إلى وقت قريب جداً جداً لم يكونوا يربون على أربعة أو خمسة في المائة، فالمُشكِلة الآن ليست مع الحنابلة، المُشكِلة مع التيار السلفي الذي يتأسَّس أو هو مُؤسَّس ومُستنِد على الميراث الحنبلي في الفروع إلى حدٍ ما وأكثر من هذا إلى حدٍ بعيد في الأصول، في المُدوَنة العقدية، لكن في المُدوَنة الفقهية ليس يلتزم بالكامل بالمُدوَنة الحنبلية، ومعروفة الطريقة السلفية الآن فهم يُرجِّحون أشياء ربما يُوافِقون فيها الظاهرية أو حتى مذهباً غير سني بحسب الدليل، وهذه هى طريقتهم، أي طريقة العلماء السلفيين المُعاصِرين لكن في العقيدة بالذات يلتزمون مُعظَم مُقرَّرات المُدونة الحنبلية وطريقة أهل الأثر، وإمام هذه الطريقة أيضاً وحامل لوائها هو أحمد بن حنبل أيضاً، فإذا ذُكِرَت الحنبلية فإنها تُشير مُباشَرةً إلى الاثنين، أي ألى المُدوَنة الفقهية والمُدوَنة العقدية، الإمام أبو الحسن الأشعري إمام أهل السنة والجماعة من الشافعية والمالكية تقريباً في آخر حياته بعد أن كان مُعتزِلاً ثم عاد وراجع نفسه وأحدث مُراجَعات حقيقية وأعلن نفسه سنيٌ وصرَّح في الإبانة على مذهب الإمام المُبجَّل أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل، قال لك أنا في الأصول من حيث أتت حنبلي، وهذا أمر عجيب، والآن يُراد أن يُقال الحنابلة في الأصول ليسوا من أهل السنة والجماعة، فكيف هذا؟ أبو الحسن الأشعري نفسه إمام الأشاعرة – مثل الشوافع والمالكية وما إلى ذلك – قال هذا، وتقريباً مُعظَم الشافعية أو كل الشافعية ومُعظَم المالكية على الإطلاق كذلك، هناك بعض الشذوذ حقيقة لأن قد يكون العالم شافعياً وفي العقيدة يكون حتى مُعتزِلياً، القاضي أبو الحسن الماوردي – أقضى القُضاة – عنده – رحمة الله عليه – اعتزاليات، وبعضهم اتهمه بأنه مُعتزِلي، لكن هو عنده اعتزاليات وهذا واضح، وقد يكون حنفياً ولا يكون ماتريدياً على مذهب أبي منصور الماتريدي مثل أبي بكر الرازي المعروف بالجصاص صاحب أحكام القرآن، فهو عنده اعتزاليات أيضاً، والإمام الجليل عبد الحق بن عطية صاحب المُحرَّر الوجيز مالكي ولديه في كتابه اعتزاليات، لكن القول أنه مُعتزِلي كذب ومَين لأن الرجل عارض المُعتزِلة في عشرات المواضع وأبطل مقولات لهم، لكنه وافقهم في مسائل، حتى الأشاعرة أدنى إلى المُعتزِلة في مسائل خطيرة جداً جداً من منظورهم طبعاً وليس الآن في هذه اللحظة التاريخية وربما ليست في حد ذاتها حقيقة ولكن من حيث الفرز والتصنيف والتقسيم ومن حيث الاعتبارات التقليدية والكلاسيكية كانت هذه المسائل خطيرة مثل مسألة خلق القرآن – كما قلت قُبيل قليل – ومسألة رؤية الحق تبارك وتعالى، أي هل نراه في الآخرة أم لم نراه؟ مَن كان أشعرياً ويدري ما هى الأشعرية ويُحقِّق مقالاتهم كما فعل المُحقِّقون أو يقرأ ما فعل مُحقِّقوهم كالفخر والحُجة الغزالي وغير هذين يعلم أن الأشاعرة في هاتين المسألتين أقرب شيئ على الإطلاق إلى المُعتزِلة، بل لو قلت إنهم مُعتزِلة لم تُبعِد النجعة، هذا يجب أن نقوله حتى نكون صادقين، ولذلك حين جاء الإمام الحنبلي الحافظ عبد الغني المقدسي – رحمة الله تعالى عليه وهو حنبلي ومُتوفى سنة ستمائة للهجرة وليس المُوفَّق صاحب المُغني، فهذاك مُتوفى سنة ستمائة وعشرين، وإنما الحافظ عبد الغني المقدسي رحمة الله عليه، العلّامة والرجل الصالح الشهير – كان شديداً أيضاً على الأشاعرة وضلَّلهم وبدَّعهم ونسبهم إلى العظائم كما يفعلون هم طبعاً في حقي وفي حق أمثالي، فهذه معركة قديمة حديثة للأسف ولا زالت مُستدامة وهناك مَن يُريد أن يستديمها، وهذا ليس في صالح الأمة، فهذا لا يعمل في صالح الأمة، وعلى كل حال هذا الإمام – رحمة الله تبارك وتعالى عليه – بدَّعهم طبعاً وصرَّح بأن الأشاعرة من أهل البدع، وللأسف الشديد هذه هى اللغة السيئة التي مزَّقت الأمة، وطبعاً هم فعلوا هذا، وهم بدَّعوه وكفَّروه طبعاً، والرجل امتُحِن ثلاث محن، محنة في بغداد ومحنة في أصفهان ومحنة في الموصل، وهذه قصة كبيرة، مَن يقرأ التاريخ يجد هذه الأمور، الرجل بدَّعهم وصرَّح بأنهم من أهل البدع وعطفهم على الزنادقة، قال ليس أحدٌ مِن أهل البدع والأهواء مَن يكتم مُعتقَدة إلا الزنادقة والأشاعرة، أي عطفهم على الزنادقة، وهذا عطف لا يليق بأي حال من الأحوال، أكثر ناس لهم قدم صدق وقدم راسخة في التصدي للزنادقة والتصدي للبدع الخطيرة في العقيدة – ما يُسمى هنا في اللغات الغربية الثيولوجية بالـ Heresy أو الهرطقات، فبدع الاعتقاد تُسمى هرطقة هنا – على كل حال هم الأشاعرة، وإذا قلنا الأشاعرة والمُعتزِلة أيضاً – المُعتزِلة لهم إسهام على قدم سواء مع الأشاعرة – كنا مُنصِفين، وهذا الإنصاف يتقاضانا أن نقول هذا، فالمُعتزِلة أيضاً فعلوا هذا، وأنا يُعجِبني جداً الإنصاف، كم أُحِب الإنصاف!
الإمام الذهبي حين ذهب يُترجِم للإمام الجليل القاضي عبد الجبار الهمداني – الرجل الزاهد التقي الصالح عبد الجبار المُعتزِلي صاحب المُغني، وهو من أعظم عقليات الاعتزال على الإطلاق، فالمُعتزِلة ليسوا كفّاراً وليسوا ضلّالاً وليسوا كائدين للإسلام ولا يبغونه العنت والشر، حاشاهم بالعكس هؤلاء المُعتزِلة من أهل أمة “لا إله إلا الله، محمد رسول الله”، فهم من أهل القبلة – ذكر كتابه الذي دافع به عن كتاب الله تبارك وتعالى – وأثبت إعجازه وصدقيته، وتقريباً على ما أذكر – والآن لست أستوثق تماماً – ذكر عبارة مليحة جداً تقريباً مؤداها أنه ليس لأحد مثل هذا الكتاب لا من السنة ولا من الشيعة ولا الزيدية ولا أحد، لم يؤلِّف أحدٌ كتاباً يُدافِع به عن كتاب الله ويُثبِت حقيته وإعجازه مثل عبد الجبار الهمداني وهو مُعتزِلي، والأشاعرة لا يقلون إن لم يربوا حقيقة لأنهم امتدوا أكثر طبعاً، المُعتزِلة تجمَّدوا وأُلغوا، فهذه حرب انتصر عليهم فيها الحنابلة والأشاعرة، والأشاعرة امتدوا أكثر فربما أربوا على المُعتزِلة في دفاعهم عن الإسلام زمنياً لكن لا من حيث العبقرية الفكرية والقدرات العقلية الحجاجية، فالمُعتزِلة لا يُستهان بهم على الإطلاق، لكن الإنصاف عزيز، وأيضاً أُريد هنا أن أفتح قوسين وأقول مُنبِّهاً فقط إخواني عليكم بالإنصاف، وخاصة مَن أراد أن يتعانى ويتعاطى شيئاً من هذه المسائل العلمية: مسائل الحق مع مَن، مَن أصاب ومَن أخطاً، مَن اهتدى ومَن ضل ومَن الذي ينجو، ونحن لا نُحِب هذه الطريقة، كم أكره هذه الطريقة التي يتحدَّثون بها عن النجاة، وهذه اللفظة كثيرة جداً في كتب الأشاعرة والحنابلة وغيرهم، فهم يتحدَّثون عن النجاة ويقولون أن النجاة لا تكون إلا بكذا وكذا، وتقريباً للأسف في مسائل كثيرة النجاة لا تكون إلا بأن تكون مثلهم وفي مسائل تكون من فروع الفروع ومسائل مدخلية العقل فيها أكثر من مدخلية النص بمراحل، أي أنها مراح ومسرح للاجتهاد والنظر، فكيف تجعلها مسائل إيمان وكفر؟ فمثلاً – بالمثال يتضح المقال كما يُقال – لدينا قضية السببية حتى والخلاف الناشب الشهير فيها بين الأشاعرة وبين خصومهم من سائر الطوائف، والأشاعرة لا يقرون بالسببية كما يفهمها مُعظَم خلق الله، يقولون لك لا يُوجَد شيئ يفعل، وإذا قيل لهم وهل لا يفعل حتى بطبعه؟ قالوا إذا قلت يفعل بطبعه فهذا كفر، وإذا قلنا لهم يفعل بطبعه الذي طبعه الله عليهم – وهذا معنى الطبع، وكل طبيعة لها طابع – قالوا هذه القوة المُودَعة، أي أن هذه اصطلاحات وخلافات أشبه باللفظية، فليست خلافات معنوية حقيقية، وهذه هى القوة المُودَعة، وأنت تقول أنه يفعل بقوةٍ مودَعة فيه، لكن لو قلت هل يفعل بقوة مُودَعة – هناك خصائص الله أودعها في الماء تجعله إذا تناوله أو حين يتناوله الإنسان يشعر بالري، خصائص في المطعومات إذا تناولها الإنسان شعر بالشبع – فيه؟ قالوا إن قلت بهذا فقد ضللت، وهذا رأي الأشاعرة، فهذا ضلال وغلط، لماذا؟ فماذا هو الحكم؟ قالوا لك فيه قولان، القول الأول يكفر، والقول الثاني لا يكفر، لكن كيف يكفر؟ هل هذه المسألة تُكفِّرون بها؟ أنا أتحدَّث عن مَن وأنا أشعري – أنا شافعي أشعري في الجُملة لكنني لست مُقلِّداً في كل شيئ هكذا على عمى، أُعيذني وأُعيذ إخواني من أهل البحث والنظر من هذا- طبعاً؟ هل تُكفِّرون بهذا؟ قالوا لك هذا قول ولكن لا نُرجِّحه، السنوسي في شرحه على الكُبرى لم يُرجِّحه، الإمام إبراهيم الباجوري- رحمة الله تعالى عليه – على أم البراهين لم يُرجِّحه، قال الباجوري الأرجح أنه لا يكفر، فامتنوا – والله – على الناس كثيراً ما شاء الله، فهم مُتسامِحون لكنهم جعلوك على خطرٍ عظيم في مسألة فلسفية كلامية مُعظَم خلق الله سواء كانوا مُسلِمين أو غير مُسلِمين لم يُوافِقهم فيها ولا عليها، فكيف تقول لي فيها قولان؟ كيف تقول لي هناك رأي يقول يكفر؟ هذه طريقة المُتكلِّمين وهذه طريقة النكايات وهذه طريقة تصفية الخصومات وطريقة تحشيد الجماهير، لكن هذا لا ينبغي!
إن أردت وجه الله – تبارك وتعالى – وأنت تتكابد وتتعانى وتتعاطى مثل هذه المسائل فوجه الله – تبارك وتعالى – سبيله الإنصاف والتقوى، إياك والبهت، إياك والكذب، إياك والتحامل، إياك والإفتراء على الآخرين، إياك والتزوير عليهم.
أبو حامد الغزالي قال تقريباً ما مِن فرقة إلا رمت الأُخرى بالكفر والبدعة، وأنا سأقول من ورائها: وتقريباً ما مِن فرقة إلا كذبت على الأُخرى ولم تكن أمينةً على نقلِ مقولاتها وقوَّلتها ما لم تقل وألزمتها بلوازم لا تلتزمها ثم ادّعت أنها تقريرها وليست بتقريرها، وبعضهم يخلط بين القولِ والنقلِ، أي بين مقول الشخص وبين منقوله، هل هذا مقوله أم هذا منقوله؟ هذه أشياء عجيبة، علماً بأنني سآتي بأمثلة يسيرة ثم أمضي إلى موضوعي، فليس هذا موضوعي ولكنه مُهِم للتنبيه، فنتبَّهوا يا إخواني واتقوا الله في هذه المسائل تماماً، قد يقول أحدكم لماذا تُحدِّثني عن التقوى وغير التقوى وأنا لست مُتخصِّصاً؟ إذا كنت لست مُتخصِّصاً فإياك أن تخوض في هذه المسائل أصلاً، لا تتكلَّم فيها، فما هى علاقتك أنت؟ كيف تُكفِّر الحنابلة وتُكفِّر الشيعة وتُكفِّر الزيدية وتُكفِّر الإباضية؟ ما هى علاقتك بهذا؟ اترك هذا للعلماء الذين ابتلاهم الله وربما لعنهم الله أو لعن بعضهم بما ابتلاهم به من الكذب والفري والبهت على إخوانهم في الملة والدين من أهل القبلة، هذه عظيمة من العظائم، وهنا تُسكَب العبرات ويُناح على الإسلام وأهله، فيالله وللمُسلِمين من أمثال هذه الفواقر، الفواقر التي دمَّرت هذه الأمة، ولكن إن أردت سبيل الشيطان ووجه الشيطان والبُطلان فدونك وادي الكذب والفري هِم فيه، اذهب وارتع في هذا الوادي، وربما الذي بعثني على هذا أنني شاهدت قبل يومين مقطعاً لدكتور شيخ أشعري وبيده كتاب للشيخ محمد بن عبد الوهاب، ويقول: هذا من مجموع مُؤلَّفات الشيخ، هذا المُجلَّد السابع – بالضبط السابع ولعله قال السادس ولكن هو السابع – في الصحيفة مائتين سبعة وعشرين، انظروا ماذا يقول الشيخ، فقلنا سنسمع ماذا يقول الشيخ ابن عبد الوهاب الذي لا نميل إليه ولا نستروح لطريقته أصلاً حقيقةً ولنا أئمتنا ولنا سبيلنا، لكن الله يُحِب الإنصاف، فكم نكره الكذب، كم نكره الكذب ولو كان على أعدى أعداء الأمة وليس على رجل من الأمة أياً كان سواء أصاب أو أخطأ، فلابد من الإنصاف، لكن أين الإنصاف – لا إله إلا الله – يا أمة محمد ويا أمة لا إله إلا الله؟ قال أنه يقول بمعنى الكلام: والناس يُخبِرون عنك أنك تروح إليهم وتحضر المولد – مولد رسول الله – وتقرأه لهم – قُصار هذا أن يكون عند عبد الوهاب وغيره بدعة من البدع، فهذا لم يفعله السلف الصالحون، وصحيح لم يحتفل لا الرسول ولا أصحابه ولا أحد من التابعين ولا تابعي التابعين بمولد رسول الله، فهذا الاحتفال لم يكن موجوداً لديهم ولم يفعل أحد هذا الشيئ، هذا حدث بعد ذلك في القرن الخامس تقريباً، وعلى كل حال يُمكِن أن نقول بدعة على طريقتك أيضاً في تعريف البدعة، فهذا أمر مُحتمَل وهو لا يزال مُحتمَلاً، ونحن سنراها بدعةً حسنة ونطمئن بهذا كما رآها جماهير من العلماء على المذاهب المُختلِفة، وهذا نقاش فروعي وفيه حديث عن الحلال والحرام وليس الكفر أو الإيمان – وتُصيب أو تأكل من لُقم الطعام هناك وهذا كفر، فإن كنت تعلم أن هذا كفر – وارتفعت نبرة الشيخ الأشعري وجعل يصيح هذا كفر، انظروا ماذا يقول؟ – فكذا وكذا، لكن وقع في قلبي مُباشَرةً أن هذا كذب على الشيخ، يستحيل أن يقول الشيخ هذا، ابن عبد الوهاب لابد أن يكون مجنوناً وعزب عنه عقله بالمرة حتى يُكفِّر مَن حضر مولداً للنبي وأكل من طعام المولد، ما الكفر في هذا؟ هذا غير معقول، ولا رأس الخوارج يُكفِّر بهذا على ما أعتقد، أكبر خارجي من الأزارقة وغيره لا يُكفِّر بهذا، وأنا عندي مجموعة الشيخ فدخلت مُباشَرةً وأخذت المُجلَّد السابع ووجدت شيئاً هاماً، وعودوا إليه فأنا أعطيتكم الإسم بالضبط، ومجموع مُؤلَّفات الشيخ موجودة ومطبوعة، وهى موجودة على الوقفية بي دي إف PDF ومُتاحة مجاناً، فاذهبوت إلى المُجلَّد السابع في صحيفة مائتين سبعة وعشرين، هل تعرفون ماذا أسقط هذا الشيخ الأشعري؟ كيف بعد ذلك يثق الناس بكم؟ والآن سوف تقول لي هل الوهابية أحسن؟ والله ليسوا أحسن، فأنا مرة أغيظ هؤلاء ومرة أغيظ هؤلاء، ولذلك ملعون أمثالي، فأنا أُحِب الحق إن شاء الله وهذا غير معقول، ولا يعنيني أن يلعنني هؤلاء أو هؤلاء، يعنيني أن يرضى الله عني إن شاء الله، وأسأل الله أن يرضى عني وعنكم بالإنصاف والصدق، وعلى كل حل هم ليسوا أحسن حالاً، لأن مشائخ السلفية – ليس كلهم وإنما منهم – منهم مَن يُبالِغ جداً في الكذب على الآخرين وتقويلهم ما لم يقولوا ونسبة أشياء إليهم لا يلتزمونها ولا يُؤمِنون بها وهم مُفظِعون جداً في هذا، ما رأيكم؟ فهذا موجود عند مُعظَم الطوائف للأسف، والإنصاف عزيز، والله يُحِب الإنصاف، وفي كل شيئ وفاء وتطفيف، لكن على كل حال نقول يا ليت كل أحد يتعلَّم مرارة الذي سقاه للآخرين، أنت سقيتهم مُر الكذب عليهم والافتراء، والآن ذُق هذا والبادئ أظلم، هل تعلَّمت أنت؟ مثل الآن حين تم إقصاؤهم في الشيشان غضبوا غضبة رهيبة، وهذا جميل جداً، لكن اطرحوا سؤالاً: مَن الذي أقصى مَن قبلاً؟ قد يقول لي الآن أحد أنت مع مَن؟ انتبهوا إلى أنني ضد الإقصاء عموماً وضد إقصاء السلفيين والحنابلة، أنا رجل مُجمِّع بإذن الله تبارك وتعالى، وسؤالي أكبر من هذا، هم يقولون مَن السني؟ لكن ماذا يعني هذا؟ هل إذا كنت سنياً فهذا يعني أن عندك صك براءة من النار؟ أنت سني ولكن ماذا بعد؟ هل ستدخل الجنة بنسبة مائة في المائة؟ ما معنى السنية؟ أين إخواننا الزيدية والإباضية والإمامية؟ هل هؤلاء في النار؟ هل هؤلاء كفّار وزنادقة؟ ما معنى أهل السنة والجماعة؟ هم قالوا لك هذه سبيل النجاة وطريق النجاة، ونحن نقول لهم اتقوا الله، القرآن يقول هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ ۩، وفي هذا – أي في القرآن الكريم – نحن مُسلِمون وهذا يكفينا، يستطيع كل أحد مِمَن له الحد الأدنى من اللياقة العلمية أن يُعرِّف الإسلام والإيمان بالنظر في كتاب الله، ولا نحتاج إلى كل هذه المسائل مثل القرآن مخلوق أو غير مخلوق؟ وهل صفات الله هى ذاته وعين ذاته أم زائدة على ذاته؟ لأن – والله – مُعظَم العامة لا تفهم هذا ولا لها علاقة به، علماً بأنني سأعود إلى هذا بُعيد قليل، وعلى كل حال هل تعرفون ما هى العبارة التي أسقطها الدكتور الشيخ الأشعري؟ ابن عبد الوهاب قال له أنت تروح إلى المولد وتحضره وتقرأه لهم وتحضرهم حين ينخون ويندبون مشائخهم ويسألونهم الغوث والمدد، مثل يا سيدي فلان اعمل لي كذا وكذا، يا سيدي علان افعل لي كذا وكذا، يا سيدي علان هبني ولداً ذكراً واشف امرأتي من كذا، وهذه أشياء خطيرة، أي الاستغاثات بالموتى، وهذه العبارة الخطيرة التي من المُمكِّن لأي مُسلِم عادي أن يتوقَّف عندها وأن يقول هذه خطيرة أسقطها الشيخ، فخطير أن تسأل غير الله سواء كان حياً أو ميتاً، هل يجوز إذا كان رسول الله حياً أن تقول له يا رسول الله ارزقني ولداً أو يا رسول الله ارزقني كذا مما لا يقدر عليه؟ انتبهوا إلى أن الحي يُسأل طبعاً أشياء ويُستغاث به، فالحي يُسأل ويُستغاث به لكن فيما يقدر عليه بحكم مجرى الأسباب والعادة، مثل أن يُقال احمل عني أو ساعدني في هذا الحمل أو ساعدني في دف ودع هذه السيارة فدعها معي أو ساعدني في قضاء ديني، فهذا أمر عادي، لكن لا يجوز أن تقول له ارزقني ولداً مثلاً، وقد يقول لي أحدهم يا فيلسوف قصَّر بك عقلك، هل يجوز أن تذهب إلى طبيب مشهور جداً عبقري وتقول له اعمل لي عملية زرع؟ نعم يجوز، فهذا يقدر عليه الإنسان، لكن هناك أشياء لا يقدر عليها إلا الله، فهذا الطبيب الذي جاء وأخذ منك هذا الحيمن وخصَّب به البوييضة ثم زرعها في الرحم وإلى آخره يفعل هذا لأن هذا كله الآن أصبح من ضمن العادات والأسباب العلمية، لكن هل يستطيع هذا الطبيب أن يحفظ ابنك حياً في رحم زوجتك؟ لا يستطيع، المُحيي المُميت هو الله تبارك وتعالى، فحين تقول له حافظ عليه حياً حتى تلده فإنه سوف يقول لك لا أستطيع أن أفعل هذا، فهذا لا يُستطاع إلا بالله، فالمسألة الخلافية هى مُنادة الأحياء أحياءاً وأمواتاً واستغاثتهم فيما لا يستطيعه إلا الله، وإلا ماذا أبقينا لله إذن؟ ماذا أبقينا لله إن جاز أن يُسأل غير الله فيما لا يستطيعه إلا الله؟ فإذن ماذا أبقينا لله إذا فعلنا هذا؟ نرفع أيدينا لله في ماذا إذن؟ هذا شيئ خطير، وهذه العبارة الخطيرة والتي تُشكِّل مُستنَداً لا يُستهان به للشيخ ابن عبد الوهاب حذفها الدكتور الأشعري وأفهم جمهوره – الله أعلم كانوا بالمئين أو بالآلاف لكن موجود هذا المقطع على النت Net وهو مقطع جديد جداً نزل في شهر تسعة – أن ابن عبد الوهاب يُكفِّر الناس بماذا؟ أي بحضور المولد وأكل طعام المولد، وهذا لم يحدث، سُبْحَانَكَ هَٰذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ۩، وكم لهذه الحالة من نظائر وأمثال من جميع الطوائف، فهى موجودة كثيراً.
في القرن الرابع الهجري كان الإمام أبو عبد الله الهروي الأنصاري – رحمة الله تعالى عليه – الحنبلي الصوفي صاحب كتاب ذم الكلام وأهله وصاحب كتاب منازل السائرين – الكتاب العرفاني الشهير الذي شرحه غير واحد ومنهم ابن القيم الجوزية في مدارج السالكين – كان مُتشدِّداً جداً ضد أهل الكلام، أي ضد المُتكلِّمين، لا تُعجِبه طريقة المُتكلِّمين، التي هى طريقة دفاع عقلي عن قضايا الاعتقاد، فهو يعتمد فقط الطريقة النقلية في الاعتقاد، أي قال الله وقال الرسول وقال السلف الصالح فقط، أما أن تقول له بالعقل وبالمنطق وبالفلسفة فإنه لا يُحِب هذا، وكثيرون مثله حتى من الشوافع ومن المالكية ومن الحنفية، فهم كثيرون على كل حال، والإمام الشافعي كان ضد الكلام وقال قولي في حفص الفرد المُتكلِّم أن يُؤدَّب ويُضرَب بالجريد والنعال ويُطاف به بين الناس – هذا مثل التجريس تقريباً، شيئ من التجريس – ويُقال هذا جزاء مَن اشتغل بعلم الكلام، فهذا هو الشافعي وهو إمامنا وإمام الأشعري – إمام أبي الحسن الأشعري – أيضاً، وأبو الحسن الأشعري مُتوفى سنة ثلاثمائة وأربع وعشرين، والشافعي مُتوفى في مائتين وأربع، أي بينهما مائة وعشرون سنة بينهما، فهو يُعتبَر إمامه، وعلى كل حال الإمام الهروي كان ضد المُتكلِّمين وكان يُبدِّعهم ويُضلِّلهم وقوله فيهم غليظ خشن خشب، فكافأه الشوافع من الأشاعرة – كافأوه بهذا الموقف العدائي الاستنكاري – بأنه لما قدم السُلطان السلجوقي ألب أرسلان إلى هراة – ومن هنا نقول هروي، وهراة هى إحدى البلدات الفارسية – دسوا في محرابه تحت سجادته – انظروا إلى أين وصل الإجرام الفجور – صنماً من صُفر، أي من نُحاس، فهم دسوا له صنماً صغيراً من صُفر ثم أتوه وقالوا يا شيخ لقد أتى السُلطان فأحببنا أن نُسلِّم عليك وأن تكون معنا في مُقدَّم مَن يُسلِّم على السُلطان – انظروا إلى المكر، لا يكون هذا سبيل الصالحين، المُؤمِن الصالح لا يفعل هذا أبداً، المُؤمِن لا يغدر ولا يكذب ولا يمكر ولا يصنع الحيل ولا ينصب الفخاخ والمصائد ليُوقِع الناس في المرائر والشدائد، المُؤمِن أرقى من هذا وأتقى من هذا لله تبارك وتعالى، لا إله إلا الله – فصَّدق هذا الرجل المسكين وخرج، فسبقوه إلى السُلطان – بعضهم سبقه – واستغاثوا قائلين يا سُلطان، يا سُلطان، فقال ماذا؟ قالوا هذا الرجل الحنبلي مُجسِّم – والعياذ بالله – ويعبد صنماً، يُصلي له ويزعم أن الله على صورة هذا الصنم، أي أنه صورة الله، فقال أعوذ بالله، مَن هذا؟ ائتوني به، هذا فيه القتل مُباشَرةً، وهذا زنديق طبعاً، فأتوا بالشيخ وأرسل السُلطان بعض رجاله لكي يُفتِّشوا محرابه، وفعلاً وجدوا في المحراب تحت السجادة صنماً من نُحاس، فصُعِقوا – لا إله إلا الله – وأخذوا الصنم وجاءوا يسعون به وقالوا هذا وجدناه في محرابه، والسُلطان ذكي طبعاً – هذا حاكم وليس مثل أي رجل أهبل – فنظر – انظروا إلى ردة الفعل – إليه، والشيخ المسكين رآه واندهش واستاء جداً جداً، فقال له ماذا تقول؟ لقد وجدنا هذا في محرابك، فسكت هُنيهة ثم قال سُبْحَانَكَ هَٰذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ۩، فأدرك السُلطان بعد نقاش يسير هذا، ويُقال أنه سطا بهم وأدَّبهم وأعاد الشيخ مُكرَّماً، فما هذا؟ هل يُمكِن لمُسلِم أن يفعل هذا في مُسلِم؟ والآن طبعاً مِن المُسلِمين والذين يزعمون أنهم مُهتَدون بهدي السلف وعلى طريقة السلف مَن يستجيزون – منهم ولا أقول كلهم – الكذب على خصومهم مثل الخطابية قديماً لأنهم كانوا يكذبون حتى في الحديث على رسول الله، وطبعاً لم يُقَل لنا أن العصبية التي غلت مراجلها في صدور المذهبيين والطائفيين حملت علماء نبلاء مشاهير على أن يكذبوا حقاً على رسول الله أيضاً، فالأمر لا يقتصر فقط على طائفة الخطابية، وهى طائفة مُبتدِعة ضالة ولا تحل الرواية عنهم لأنهم يستجيزون الكذب نُصرةً لمذهبهم حتى وإن كان على رسول الله، وهذا شيئ فظيع والعياذ بالله، فهم يُؤلِّفون الأحاديث وما إلى ذلك وينسبونها إلى ابن عباس وإلى عليّ وابن مسعود ويقولون انصر نفسك.
الإمام أصبغ بن خليل المالكي لعلكم سمعتم به، مُتوفى على ما أذكر في سنة مائتين وسبعين للهجرة، وهو إمام وفقيه مالكي جليل ولكنه مُتعصِّب، مُتعصِّب جداً للمالكية، ومُتعصِّب ضد الشافعية بالذات، لماذامع أن المفروض الشافعية والمالكية أشاعرة إخوة في الأصول ثم فرَّقتهم المذاهب الفرعية في الحلال والحرام؟ أصبغ بن خليل مُتعصِّب ضد الشافعية في مسألة رفع اليدين عند الركوع وعند الرفع منه، الشافعية يزعمون أن هذه سُنة ماضية ثابتة مُتواتِرة، التقي السُبكي – أبو الحسن عليّ بن عبد الكافي رحمة الله عليه، مُجتهِد الشافعية ومُجتهِد الإسلام في عصره – ألَّف رسالة ذكر فيها أن هذا ثابت من رواية أربعين من الصحابة فهو مُتواتِر، والجماهير من المالكية والحنفية والحنابلة ضد هذا فقالوا هذا خطأ وهذه بدعة ولا يُوجَد رفع لا عند الركوع ولا عند الرفع من الركوع، بل أن القاضي ابن الأكفاني الحنفي في القرن الثامن الهجري – رحمة الله تعالى عليه – ألَّف رسالة في إبطال صلاة مَن رفع عند الركوع وعند الرفع من الركوع، فهو قال لك صلاتك باطلة إن صليت بهذا الرفع، فصلاتك باطلة يا مُصلي يا شافعي، وهذا تعصب طبعاً، لكن هذا القاضي يُؤلِّف مثل هذه الرسالة، ومن هنا سوف تقول لي لحظة يا عدنان هل قضية أهل سنة وجماعة لا تدل على أننا سمن على عسل ومن ثم هل تُوجَد خلافات؟ تُوجَد خلافات كثيرة جداً جداً جداً، خلافات بين الشافعية وبين الحنفية وبين الحنفية وبين الشافعية وبين الحنابلة وبين الشافعية بالذات وبين المالكية وبين الشافعية وبين المالكية والمالكية وهكذا، وهذه قصة كبيرة، فصك البراءة هذا مُزيِّف – صك البراءة الذي يقول أنك من أهل السنة والجماعة ومن ثم افرح لأنك حنبلي سلفي من أهل السُنة فأنت أهل السنة أو أنا شافعي أشعري أو أنا حنفي ماتريدي ومن ثم أنا أهل السنة والجماعة فافرح بصك البراءة هذا – وهذا ليس صكاً للبراءة، وسوف تجد ما يُخزيك من تاريخك من المُنازَعات بين هذه الفرق السنية، فالقضية أصبحت قضية تسامح وتعصب، هل الآن المُراد التسامح أم التعصب؟ نُريد ونبغي التسامح، هل نُريد أُطراً ضيقة – وقد ضيَّق الله علينا بها ما ضيَّق لا إله إلا هو، وضيَّقنا بها على أنفسنا ما وسَّع الله ورسوله – أم واسعة؟ الذي نُريده بعد التجارب التاريخية والواقعية المريرة الشديدة أُطراً أوسع، لا تسعنا كأهل السنة وإنما تسعنا كمُسلِمين بإذن الله، لكي يقف هذا الاحتراب والجنون الطائفي، وبعد كل هذا الاحتراب الطائفي – سبحان الله – بدل أن نذهب إلى مخرج جديد – كما قلت – ونبحث عن مخرج وإطار أوسع عُدنا – القهقهرة – ونكصنا على أعقابنا نبحث عن أُطر أضيق، وكأن لا يكفينا أن نحترب سنةً وشيعة، والآن ينبغي أن نحترب سنةً وسنةً من أول وجديد، فنُعيدها جذعة ونحترب شافعية ومالكية أشاعرة وحنابلية أثريين، فما هذا؟ لماذا؟ مَن يُريد هذا؟ مَن يبغي هذا؟ مَن يُخطِّط لهذا؟ ما هى القضية؟ ما الذي يحصل في هذه الأمة؟ هذا شيئ يُصيب بالدوار، يجعل الإنسان دائخاً ويجعل عقله يدور.
نرجع إلى أصبغ بن خليل، أصبغ بن خليل المالكي كان يكره طريقة الأثريين، وقال لأن يكون في كتبي – أي كتب الدين، كتب الشرع في الفقه والأصول وما ذلك – رأس خنزير – أكرمكم الله – أحب إلىّ من أن يكون فيها مُسنَد ابن أبي شيبة، وأنت تسمع عن أبي بكر ابن أبي شيبة شيخ البخاري المُتوفى تقريباً أربع وثلاثين ومائتين للهجرة، وابن أبي شيبة هو شيخ الإمام البخاري وعنده المُسنَد وعنده المُصنَّف وهو إمام جليل لكن أصبغ بن خليل قال لك جليل ماذا؟ رأس الخنزير أشرف من كتبه، وهذه الكتب فيها أحاديث عن النبي لكن هذا لا يهمه، فما هذا التعصب؟
أصبغ بن خليل – رحمه الله وعفا عنا وعنه – ألَّف حديثاً ووضع له إسناداً والناس كانت تُصدِّقه لأنه عالم فقيه وعنده مُؤلَّفات وشيخ متبوع، قال لهم النبي نهى عن الرفع عند الركوع وعند الرفع منه، واكتُشِفَ الأمر فإذا به كذب، فشُنِّعَ عليه، قالوا له إخسٌ عليك، كيف تكذب على رسول الله؟ تأدَّت بك وبلغت بك العصبية إلى هذا؟ وهذا أذكرني بما ذكره العلّامة الإمام ابن حزم الظاهري – رحمة الله تعالى عليه – في الإحكام في أصول الأحكام – كتابه في علم الأصول – الذي ذكر فيه أن أحد المشائخ رُوجِع في آية من كتاب الله كان قرأها بالغلط فقال لا بل هى كذلك، فقالوا هذا مُستحيل، نحن أيضاً حفّاظ لكتاب الله والآية ليست على هذا الوجه وأنت أخطأت وتغلَّطت فيها، فقال لا، فقالوا ائتينا بمُصحَفك، قال آتيكم بمُصحَفي الموجود عندي، وحين دخل وجدها كما يقولون فحكها وزوَّر الكلمة، تفضَّل إذن، وابن حزم هو الذي يروي هذا، فلا تظن أن إذا قال الرجل أنه عالم وكان مُلتحياً ومُؤلِّفاً للكتب أنه ولي من أولياء الله لأن العصبية ملعونة، العصبية تُنسي الإنسان وجه الله والدار الآخرة وتحمله على فواقر مثل هذه الفواقر، والآن العصبية حملت الأمة على أن يُكفِّر بعضها بعضاً.
عوداً إلى حديثنا عن الإقصاء – نحن نُوازِن ونطير والله بطائرة صعبة لكي نُوازِن بين الطرفين لكن يُوجَد اتزان، فهذا صعب جداً – مرة أُخرى، الآن هؤلاء الناس من الأشاعرة والماتريدية والصوفية تعمَّدوا أن يُقصوا الأثريين في باب الاعتقاد، فطريقة أهل الأثر والحديث في الاعتقاد هذه مُقصاة، وقالوا هؤلاء ليسوا يدخلون في مُسمى أهل السنة والجماعة، فماذا فعل هؤلاء السلفيون الأثريون؟ هل تكرَّموا وأنعموا على الأشاعرة والماتريدية بأن ألحقوهم بأهل السنة والجماعة؟ لا يا سيدي لم يفعلوا هذا، إخواننا السلفيون في السعودية وغير السعودية لم يفعلوا هذا، وهم فريقان طبعاً، أكثرهم اعتدالاً كالشيخ العلّامة ابن باز – رحمة الله على روحه – والشيخ صالح الفوزان والدكتور سفر الحوالي لأنه مُعتني كثيراً بقضية الأشاعرة وعنده رسالة مشهورة ولقيت تعقيبات وتعليقات وتنقيدات كثيرة – هؤلاء مُعتدِلون، حيث كانوا أكثرهم اعتدالاً – قالوا الأشاعرة والماتريدية فيما خالفوا فيه أهل السنة من أبواب وبالذات باب الأسماء والصفات ليسوا من أهل السنة والجماعة، وفيما وافقوا فيه نُلحِقهم بهم، لكن فيما خالفوا لا نُلحِقهم بهم، وهذا نص كلام الشيخ ابن باز – رحمة الله عليه – والشيخ الفوزان، أما الدكتور سفر فقال أما أن الأشاعرة والماتريدية من أهل القبلة – أي مُسلِمون مُوحِّدون – فنعم، وأما أنهم من أهل السنة والجماعة فلا، فهو أشد قليلاً، لكن الأشد تماماً قومٌ مِن المخذولين – مِمَن خذلهم الله وأصمهم وأعماهم من هؤلاء المُنتسِبين إلى طريقة السلف – مِمَن زعموا وتندَّموا – أظهروا الندامة – على أنهم خُدِعوا في يوم من الأيام قريب بقول مَن؟ ليس بقول الجويني والرازي وابن فورك والغزالي والنووي وابن حجر والسيوطي وإنما بقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمة الله على الجميع – الذي لم يُكفِّر الأشاعرة وأثنى عليهم في مواضع وإن ذمهم طبعاً وسبهم سباً بذيئاً في مواضع كوصفه إياهم بأنهم – معذرةً أن أقول هذا على منبر رسول الله، لكن هذه طريقة علمائك للأسف، هذا تراثك فخُذه لأنه هو هكذا لكن تنقَّى منه، فينبغي أن تتنقى وأن تتوَّقى، ومن ثم تنَّق وتوقَّ وإلا هلكت وأهلكت وضللت وأضللت – مخانيث المُعتزِلة، قال: كما أن المُعتزِلة مخانيث الجمهية المُعطِّلة، فكيف يُقال مخانيث؟ كيف تصف رجالات الإسلام من كبار أئمة هذه الأمة كأبي بكر الباقِلاني والفخر الرازي والحُجة الغزالي وأبي الحسن الباهلي وأبي ذر الهروي – ليس أبا عبد الله وإنما أبو ذر تلميذ الباقِلاني – وأمثال هؤلاء بأنهم مخانيث المُعتزِلة؟ كلمة عيب هذه، عيب كبير جداً جداً، هذه الكلمة غير لائقة وهى ليست في مكانها مُطلَقاً يا شيخ، لكنه قال هكذا، وضلَّلهم في مسائل ولكن أثنى عليهم وقطع بأنهم من أهل الإسلام ولهم فضل ولهم التلقاء بأهل السنة في أشياء كثيرة، ونقل عن الحافظ أبي القاسم بن عساكر أنه قال: وإلى ما قبل فتنة ابن القُشيري كان الحنابلة والأشاعرة مُتوالِفين، أي مُتفِقين مُتعاوِنين فيُسعِد بعضهم بعضاً في نُصرة الدين إلى أن ثارت فتنة ابن القُشيري – أبي نصر ابن الشيخ عبد الكريم بن الهوازن القُشيري صاحب الرسالة القشيرية، هذا ابنه، أحد أبنائه السبعة وأنبلهم وأشهرهم – التي لن أتحدَّث عنها، لا يُوجَد وقت يسمح بأن أتحدَّث عن فتنة أبي نصر القُشيري، فهذه أكبر فتنة وأول فتنة شائعة في ذلك الوقت وكانت مُتأخِّرة، أبو الحسن الأشعري مُتوفى في ثلاثمائة وأربع وعشرين، وهذه الفتنة كانت في أربعمائة وتسع وستين للهجرة، وكان لها مُعقِّبات في أربعمائة وسبعين وذهب فيها بعض الناس، فمات فيها زُهاء عشرين في تعقيب الفتنة في أربعمائة وسبعين، وهذه قصة كبيرة، وعلى كل حال قال لك قبل هذه الفتنة كان الحنابلة والأشاعرة – ما شاء الله – مُتوالِفين، وهذا كلام مَن؟ ابن تيمية الذي ينقله عن ابن عساكر ويُوافِق عليه.
أخونا المخذول هذا للأسف – هذا أحد أهل العلم من السلفيين المُعاصِرين الأحياء، هو أحد غِلمان العلم – قال لك أنا نادم ندماً شديداً لأنني اغتررت بكلام ابن تيمية وحكمت بماذا؟ ليس بأن الأشاعرة من أهل السنة وإنما بأنهم مُسلِمون، وإنما بماذا؟ ما الذي أتيت به يا علّامة يا فهّامة؟ ما هو وضع الإمام الغزالي والفخر الرازي والنووي وأبي إسحاق الشيرازي وأبي بكر بن فورك والإمام الباهلي والإمام الباقِلاني ومن بعد الإمام السُبكي الكبير والإمام تاج الدين السُبكي والإمام ابن جماعة والإمام ابن حجر العسقلاني والإمام السيوطي ومُعظَم أئمة الإسلام إلى العصر الحديث وإلى مشائخ الأزهر العظام وإلى الشيخ العلّامة ابن عاشور وبقية رجالات الإسلام من الأشاعرة؟ قال كفّار، كيف يُقال كفّار؟ قال كفّار ولا يشك في كفرهم، فقلت له حيهلاً بالخذلان، نعوذ بالله من الخذلان، نعوذ بالله أن يتلبَّسنا الشيطان، يستحيل أن يقول هذا مُسلِم مُؤمِن مُوحِّد قرأ كتاب الله إلا أن يكون تخبَّطه الشيطان من بعدما تلبَّسه والعياذ بالله، ما هذا؟ لقد أجَّرت عقلك لإبليس فأصبح ناطقاً بلسانك وعلى لسانك، كفَّرت أنت تسعين في المائة من أمة الإسلام على الأقل، تسعين في المائة من الأئمة الأعلام ورجالات الدين يا رجل من المالكية والشوافع، فما رأيك؟ حيهلاً بهذه الرسالة القميئة البذيئة، وبدأت أقرأ في الرسالة فلم أجد أي دليل حقيقي على الإطلاق ولا حتى شُبهة دليل، عُظم كلامه – مُعظَم كلامه – تعرفون ما هو؟ نقول، يقول قال فلان بتكفيرهم ومُقتضَى قول كلام تكفيرهم وقال علان، وهل هكذا يُكفِّر المُوحِّدون بقال فلان؟ علماً بأن هذه داهية ما لها من واهية، هذه إحدى الفواقر الكُبر، ما هى؟ أنك تُكفِّر أحداً دون دليل، أنا أقول لك هذا لو كنت أصلاً من أهل العلم، ولا ينبغي لك أن تُقلِّد حتى في الاعتقاد، اجعل لك عقل، إما أن تكون عامياً وإما أن تكون عالماً، العامي قد يُقلِّد على قده، فهذا غلبان لأنه عامي، لكن العالم لا يُمكِن أن يُقلِّد، أنا أقول لكم أن في قلب وجوهر مُعظَم كلام مَن يتعزَّى بالانتساب إلى العلم من شتى الطوائف يمثل التقليد والتقليد والتقليد وليس اليقين بالمسألة استدلالاً وبرهنةً واحتجاجاً أبداً أبداً وإنما اليقين بالمتبوع والمُقلَّد، فيقول الواحد منهم أنا هنا أتقلَّد قول الإمام فلان وقول العلّامة فلان وقول الطائفة فإذن أنا أذكى منهم وأشطر منهم وأحسن منهم لأن كلهم قالوا بهذا فإذن انتهى الأمر، وعلى هذا يبدأ يحكم حتى بتضليل الآخرين وربما تأدى به الأمر وانحط إلى الحكم بتكفيرهم، وطبعاً يا فرحةً – إي والله – أعداء الإسلام وخاصة في اللحظة هذه لأنهم سيقولون هذا هو المُسلِم وهؤلاء هم المُسلِمون الذين يُكفِّر بعضهم بعضاً، فالقضية الآن ليست قضية أن الأشاعرة والماتريدية خارج نطاق أهل السنة والجماعة وإنما خارج نطاق الإسلام كله أصالةً ورأساً وأساساً، فهم ليسوا مُسلِمين عندهم، ومن ثم قد تقول لي هل هذا موجود؟ نعم، اكتب على النت Net تكفير الأشاعرة وأول شيئ سوف يخرج لك في أول بند: رسالة – هذه الرسالة القميئة – للشيخ فلان الفلاني في تكفير الأشاعرة، وتقرأها مُباشَرةً من غير بي دي إف PDF فقد وضعها كلها على الصفحة بمراجعها، ينقل عن فلان وعن هيان بن بيان وعن فلان بن علان ثم يخرج لنا في النهاية أن الأشاعرة كانوا كفّاراً، وطبعاً لو سأله أحدهم مُقتضى الكلام هذا على الأقل أن رجلاً مثل ابن حجر العسقلاني صاحب فتح الباري – أعظم شرّاح البخاري – سوف يكون كافراً عندك، فماذا تعمل؟ فإنه سوف يقول لك الحق أحق أن يُتبَع، هذا لا يعنيني، كيف لا يعنيك هذا؟ صلى الله عليك، ما كنا نعلم أنه بعد مُحمَّد بُعِث الأنبياء، هذا نبي يعلم الحقيقة المُطلَقة وهو لا يرى لا السيوطي ولا السخاوي ولا ابن حجر ولا النووي ولا الغزالي ولا كل هؤلاء، هؤلاء هباء في هواء أو سراب يحسبه الجاهل من الماء، فهو لا يراهم شيئاً، فانظروا إلى الغرور إذن، أعوذ بالله من العُجب والغرور والكبر والانتفاخ الإبليسي، هذا انتفاخ إبليسي ليس فيه تواضع أهل العلم!
طبعاً – كما قلت لكم – المسألة لا تقف على هذا فحتى داخل المذهب الواحد تُوجَد نزاعات، وقد يقولي أحدهم الآن ماذا تُريد قبل أن تُكمِل؟ هل تُريد أن تُشوِّشنا؟ هل أنت لا تُريد عصمةً لنا نعتصم بها؟ هل أنت لا تُريد منا أن نُوقِن بشيئ؟ أبداً والله، وأحلف باللهِ على هذا، وإنما أُريد فقط أن أُوقِظك وأن ألفتك وأن أنبِّهك إلى أن صك البراءة لا يُحاز ولا يُحتاز بأمثال هذه التعزيات، كأن يُقال أنني شيعي من أهل البيت أو أنني زيدي أو أنني إباضي أو أنني سني أشعري أو سني سلفي وإلى آخره – ليس هكذا أبداً – وإنما بأشياء أوسع من هذا وأرحم وأمتن وأوثق من هذا، لا تجعلوا دينكم هزؤاً، لا تجعلوا دينكم مسخرةً، ولا تجعلوا كتاب الله عضين فتدوروا حوله عزين تائهين ضالين سادرين حائرين لأنكم لم تأخذوه جُمّاعاً جميعاً مُؤتلِفاً مُتصادِقاً مُتآزراً ولم تكتفوا به وأبيتم إلا الزيادة والزيادة والزيادة عليه والإرباء فضللتم في أودية الهلكة والعياذ بالله تبارك وتعالى.
المالكية فيما بين بعضهم البعض – مالكية ومالكية – نزاعات، لديك في القرن الثالث نزاعٌ مرير شب بين طائفتين عُرِفَت إحداهما بالسحنونية – هم أتباع الشيخ محمد بن سحنون رحمة الله عليه المُتوفى في سنة مائتين وست وخمسين للهجرة – والأُخرى عُرِفَت بالعبدوسية – أتباع الشيخ غالب بن عبدوس المالكي المُتوفى في سنة مائتين وستين للهجرة – ورحمة الله على الجميع، فالسحنونية وافقوا الماتريدية – ليس لهم علاقة بالماتريدية ولكنهم قالوا أن هذا هو مذهبهم – وقالوا لا استثناء في الإيمان، والعبدوسية وافقوا الأشاعرة وقالوا ثمة استثناء في الإيمان، فنحن مع الاستثناء ونحن نقول بالاستثناء في الإيمان، فما قضية الاستثناء في الإيمان؟ قضية تافهة وبسيطة وكما حقَّق عياض وحتى الكمال بن الهُمام الماتريدي الحنفي في فتح القدير الخلاف عند التحقيق فيها لفظي لا حقيقي معنوي، كيف؟ واحد يقول أنا مُؤمِن ويقطع فإذن هذا لا يستثني، لأنه يقول أنا مُؤمِن، فأنا مُؤمِن كما أعلم نفسي ومُؤمِن عند الله تبارك وتعالى، أنا مُؤمِن ولست شكّاكاً ولا مُلحِداً، فهذا لا يستثني، الذي يستثني كالشوافع الأشاعرة لكن ماذا يقول؟ يقول أنا مُؤمِن إن شاء الله تعالى، فرماه الآخرون بأنه شكوكي، السحنونية قالوا العبدوسي شكوكي، فما معنى أنا مُؤمِن إن شاء الله؟ لا ينبغي أن تقول هنا إن شاء الله، إذا قلت أنا مُؤمِن إن شاء الله زايلك الإيمان، أنت تشك في إيمانك، فلا نحكم لك بالإيمان ولا نُزوِّجك ولا نتزوَّج منك ولا نأخذ منك ولا نُعطيك، أنت البعيد على شفير الكفر، وبعضهم صرَّح بكفره، لكنك سوف تقول لي هل هذه نفس المسألة الناشبة بين الماتريدية الذين يمنعون الاستثناء والأشاعرة؟ طبعاً هذه هى المسألة وهذا الصراع الحقيقي الذي فيها بين الماتريدية وبين الأشاعرة، والماتريدية أحناف ومن أهل السنة والجماعة، والأشاعرة رؤوس أهل السنة عند أنفسهم على الأقل ويقولون بالاستثناء وبينهم خلاف رهيب ولذلك أحد رؤوس الفقهاء الأحناف قال يحرم – أي محظور ولا يجوز – أن يتزوَّج الحنفي من شافعية، لماذا؟ أليست مُسلِمة مُوحِّدة وتُصلي الخمس؟ قال لك لانها تشك في إيمانها، الشافعية أشعرية وتقول أنا مُؤمِنة إن شاء الله، أي أنها تقول بالاستثناء وهذا لا يُمكِن، ثم جاءه آخر – وهو حنفي أيضاً – وقال له لا يا أخي بالغت قليلاً، نحن نُوافِق أن نُزوِّج الحنفي شافعية لكن نُجريها مجرى الكتابية، أي نعتبرها يهودية أو نصرانية، فما شاء الله تكرَّم علينا، ما هذه القصة؟ ما هذا الكلام؟ هل هذا يُمكِن أن يحدث بسبب مسائل مثل هذه، وعلى كل حال هذه قضية السحنونية والعبدوسية، وانتهت القضية للأسف الشديد بأن جاء أحد العوام من السحنونيين في القيروان إلى مجلس الشيخ غالب بن عبدوس المالكي – هذا المسكين مالكي مثلهم لكنه يقول بقول الأشاعرة – وقال له ما أنت؟ هل أنت مُؤمِن؟ ولك أن تتخيَّل أن رجلاً عامياً يمتحن عالماً، كما يُقال:
إذا غلب الشقاء على سفيه تنطع في مخالفة الفقيه.
وذلك لأنه سفيه وهو لا يفهم شيئاً، فلا تقل له بم يقع الاستثناء في اللغة ولا ما إلى ذلك لأنه – والله – لا يعرف شيئاً مواقع الاستثناء ولا يعرف شيئاً، وعلى كل حال قال له قل لي هل أنت مُؤمِن؟ فقال أنا مُؤمِن، قال له عند الله؟ أي هل تقطع أم تستثني؟ قال له أنا مُؤمِن الآن، أما ما يُختَم لي به الله أدرى به، فبصق في وجهه – لك أن تتخيَّل أن رجلاً من العامة يبصق في وجه هذا الفقيه – ثم ترك المجلس، يموت بعد فترة غالب بن عبدوس – رحمة الله عليه – ويحملون جثمانه إلى مسجد محمد بن سحنون فلا يُصلي عليه الإمام هناك، قال لا نُصلي عليه لأنه شكوكي، هذا شكوكي أي أنه شبه مُلحِد وغير مُتيقن إيمانه فأخرجوه من هنا، ولم يُصل على الرجل، فما هذا؟ علماً بأن هذا داخل المذهب المالكي لكن انظروا إلى أين وصلت التعصبات.
في لقائي مع الأخت بدرية البشر في إم بي سي MBC قبل أقل من سنتين ذكرت لها أن الإمام الحنفي أبا عبد الله البلاساغوني التركي – ذكرت طرفاً من أخباره وذكرت قولاً عن البلاساغوني – قال لو كان الأمر إلىّ لضربت الجزية على الشافعية، هذا حنفي من أهل السنة والجماعة، من أهل النجاة، وقال لك هم مثل أهل الكتاب، الشوافع أهل كتاب مثل اليهود والنصارى وليسوا أفضل، فما هذه القضية؟ في المُقابِل لدينا شافعي إسمه أبو المُظفَّر البوري قال لك هل هذا ومَن مثله أحسن منا؟ لو كان الأمر إلىّ لضربت الجزية على الحنابلة، الحنابلة أهل كتاب مثل اليهود والنصارى، ولا نعتبرهم مُسلِمين.
مثل هذا كثيرٌ، ولن أُحدِّثكم عن الفتن، لن أُحدِّثكم عن مئات الألوف من الأرواح والأنفس التي زهقت في حروب أثارتها هذه الفتن، لكن نسأل الله أن يُطفئ النائرة وأن يُهدِّيء الثائرة، ثائرة القلوب والعقول في البلاد والعباد.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
الخُطبة الثانية
الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صَلَىَ الله – تعالى – عليه وآله وأصحابه وسلَّم تسليماً كثيراً.
الأشاعرة – كما قلت وأنا أشعري – في خلق القرآن تقريباً مُعتزِلة، اثنان منهما صرَّحوا بأن القرآن مخلوق، أما الآخرون فلم يُصرِّحوا لكن قالوا كلاماً تقريباً لا يُفهَم منه إلا أن القرآن مُحدَثٌ مخلوق، ولن أشرح هذه القضية ولن أُصدِّعكم بها ولكن هذا موجود، في باب رؤية الله نفس الشيئ، هم عند التحقيق مُعتزِلة، لم يُنكِروا الرؤية وقالوا نحن نُؤمِن بأن الله يُرى يوم القيامة لكن كيف؟ هل يُرى بالمُقل وبالأحداق ومثل هذه الرؤية؟ قالوا لا، هذا مُستحيل، أن تراه كما ترى أي شيئ هذا مُستحيل لأن الله ليس له حد ينتهي عنده وإليه، إنما هى زيادة معرفة وعلم بالله، أي أنهم أنكروا الرؤية عند التحقيق وأثبتوها لفظياً، أليس كذلك؟ فهم في خلق القرآن مُعتزِلة، علماً بأن كل طوائف الأمة تُنكِر الرؤية إلا أهل السنة وهذا مذهب الأشاعرة من أهل السنة، فيؤول إلى إنكار الرؤية عند التحقيق، أما الإمامية والزيدية والإباضية والمُعتزِلة وكل هؤلاء يُنكِرون الرؤية، وهذه ليست من القضايا الخطيرة، وهذا قال لك أنه سني ولكنه يُنكِر هذا فانتبه إذن، فهو في هذا الباب اعتزالي أو مُعتزِلي، وفي باب خلق القرآن مُعتزِلي عند التحقيق، فلم تُشنِّعون على الناس وتُكفِّرون الناس؟ طبعاً أكثر مَن يُكفِّر ومَن يسب بهذه المسائل وخاصة خلق القرآن هم الحنابلة، وهذه داهية عظيمة، حتى الإمام المُبجَّل الإمام أحمد – رحمة الله عليه رحمة واسعة ورضيَ الله عنه – للأسف لا نستريح ولا نرضى طريقته في التعاطي مع مسألة خلق القرآن التي امتُحِنَ فيها وصبر وأجره على الله، لكنه بالغ جداً جداً جداً وقطع بأن الحق المُطلَق معه، وكان لا يتساهل مُطلَقاً مع مَن يُخالِف طريقته في تقرير المسألة لا في صغير ولا في كبير، وهذه مُبالَغة ما كان ينبغي أن يُجَر إليها، لكن للأسف بالغ جداً الرجل في هذا، نُعيم بن حمّاد – رحمة الله عليه – شيخ البخاري وصاحب الفتن امتُحِنَ في المسألة ومات في سجنه، رفض أن يقول القرآن مخلوق فمات الرجل في السجن، أي مات مسجوناً كالبويطي تلميذ الشافعي، ثم قيل لأحمد بعد ذلك نُعيم بن حمّاد قال لفظي بالقرآن مخلوق – هل بالله عليكم يشك أحدٌ فيكم أن لفظه بالقرآن مخلوق من غير أن تفهموا المسألة؟ أنا حين بدأت وتلوت هذه الآيات فإن هذه الألفاظ ألفاظي أنا، فصوتي هذا أليس مخلوقاً؟ – فقال إن كان قال هذا فلا رحم الله روحه في قبره، ما هذا؟ ما التشدد هذا والتنطع؟ سوف تقول لي هذه مُصيبة، هل هذا يعني أن المئات من الرواة ونقلة الحديث الذين جُرِّحوا لأنهم قائلون بخلق القرآن جُرِّحوا فقط بسبب هذه المسألة وأُسقِطَت الثقة عنهم؟ نعم، وما كان ينبغي أن يكون هذا، لكن للأسف هذه مسائل أُخرى، فهذه المسائل مسائل مُشتبِكة ومُعقَّدة وارتيابية واحتمالية وفيها وجوه للترجيح والنظر والأخذ والقال والقيل، فهى ليست من قطعيات الدين لكن هم أحالوها قطعيات وجعلوها معقد الإيمان والكفر ومعقد الولاء والبراء والحكم بالتضليل أو الحكم بالاهتداء وإلى آخره، في حين أن الإنصاف يبرأ من هذا والدين الصحيح القح الصريح يبرأ من هذا كله، فأين الإنصاف وأين أهل الإنصاف؟
نُحِب أن ننتهي إلى كلمات نُفضي بها عن المقصود من هذه الخُطبة:
أولاً كان ينبغي أن نتجاوز هذه النزاعات التي أكل الدهر عليها وشرب وليست معيشة ولا حية بين الناس، إنما للأسف صرنا إلى إحيائها الآن، تخيَّل – ما شاء الله – أننا الآن نستقبل فترة عشرين أو ثلاثين سنة سوف يخوض فيها الشباب والكبار والصغار والمساجد والمنابر والـ Social media والمُؤلَّفات والمُصنَّفات والصحف وكل هذه الأشياء مع مسألة خلق القرآن والرؤية وباب الأسماء والصفات والاستثناء وإلى آخره، فما هذا؟ هل هذه قضايا المُسلِمين؟ هل هذه قضايا أمة مُتخلِّفة حضارياً وتقنياً وعلمياً ومُتخلِّفة دينياً وروحيا وأخلاقياً واجتماعياً وتدور عليها – كما قلت لكم – رحى الإفناء والإنهاء؟ هل هذا هو الحل؟ هل هذا الذي نُريده؟ ليس هذا أبداً.
ثانياً نحن نقترح ببساطة أن هذه المسائل حتى يشبع المنهومون بها وبتعاطيها -لا بأس في هذا – ينبغي أن تُناقَش ولكن نقاشاً أكاديمياً بين العلماء والأكاديميين في أعمال علمية مُحترَمة لا تُشغَل بها الجماهير أبداً، لا علاقة للجماهير بهذه المسائل، هذه المسائل علمية في ذمة التاريخ، يتناقش فيها المُتخصِّصون فقط وهذا لا بأس فيه، فأهلاً وسهلاً وأنا أُحِب هذا، هل تعرفون لماذا؟ لأن باب عظيم أيضاً من أبواب التدابر ومن أبواب التشانؤ ومن أبواب سوء الظن بالآخرين – سوء الظن بالزيدية وبالإبضية وبالوهابية وبالأشاعرة وبالماتريدية وبالإمامية وإلى آخره – ما يُشاع عنهم أنهم يقولون هذا ويقولون هذا ويقولون هذا ويقولون هذا، وكما قلت لكم الكذب كثير جداً هنا.
الشيخ العلّامة الشافعي مُفتي مكة في وقته أحمد زيني دحلان – رحمة الله عليه – ينقل في كتابه الدرر السَنية – يرد على ابن عبد الوهاب – أن ابن عبد الوهاب كان يُكفِّر مَن توسَّل برسول الله، ونحن نشهد بالله ولله ان هذا كذب على الشيخ ابن عبد الوهاب، فما رأيكم؟ وزيني دحلان شافعي ونحن شافعية وهو أشعري ونحن أشعرية ونحن لسنا على طريقة ابن عبد الوهاب لكن هذا كذب، ابن عبد الوهاب صرَّح – هذا تصريح – أن مسألة التوسل من مسائل الفروع وإن كان الأصح فيها ما عليه الجمهور وأنه يُكرَه التوسل بغير الله تبارك وتعالى، نعم تتوسَّل إلى الله بذاته وبأسمائه وبصفاته لكن بغيره حتى وإن كانوا من الأنبياء وما إلى ذلك فهذا مكروه، ثم قال: فلا يُنكَر فيها على المُخالِف، الله أكبر، فالشيخ ابن عبد الوهاب قال مسألة فرعية ولا يُوجَد فيها إنكار على المُخالِف، ولو أحد توسَّل ماذا نقول له؟ من المُمكِن أن ننصح له ونقول له نحن رأينا كذا لكن هذا عادي، فمن أين يا شيخ دحلان يا مُفتي مكة – رحمة الله عليه وغفر الله له ولنا – نسبت له أن يُكفِّر مَن يقول بالتوسل؟ هذا محض الكذب، كذبٌ صرف، فانتبهوا إلى أن هذه المسائل فيها كذبٌ كثير، ولذلك لكي نسد باب البهت والفري والكذب ماذا نفعل؟ يتناقش العلماء، يأتي رؤوس الزيدية ورؤوس الإباضية ورؤوس الأشاعرة ورؤوس الماتريدية ورؤوس الإمامية ورؤوس الوهابية أو السلفيين الأثريين ويجلسون جلسات مُحترَمة، علماء مشهود لهم هم الذين يأتون وليس أي أحد، ليس حملة الشهادات فقط هم الذين يأتون، وإنما يأتي علماء متينو العلم والتحقيق فيتناقشون ليس ساعة أو ساعاتان في الفضائيات وإنما مائة ساعة ومائتان ساعة وأربعمائة ساعة في أي قضية، ويُكتَب هذا ويُدوَّن كله، ثم يقرأه المُختَصون أيضاً، فأنت إذا كان عندك هُيام بهذا الشيئ وتُحِب أن تعمل دكتوراة في هذه المسائل اذهب واقرأ كل هذا، اقرأ ثلاثة آلاف أو أربعة آلاف صفحة في مسالة خلق القرآن، تفضَّل هذا كله وسوف ترى كم هى المسألة صعبة وأن في النهاية لا يُوجَد داعي لتشديد النكير على المُخالِفين وغمز هؤلاء ولمز هؤلاء بأنهم كفروا وخرجوا لأنهم يقولون بأن القرآن مخلوق، المسألة أصعب من هذا بكثير ولها أغوار لا تدريها لا أنت ولا أمثالك فاتقوا الله، اتقوا الله في أنفسكم، اتقوا الله في أهل القبلة.
ثالثاً ينبغي التفكيك بين العلمي الدياني والسياسي، أُعيد للمرة المائة أو الألف القول بأن مُشكِلة الدين الإسلامي من أيام مُعاوية تقريباً إلى اليوم هى أنه مُرتَهن للساسة والسياسة إلا قليلاً، في سنة أربعمائة وسبع يأتي الخليفة العباسي القادر بالله ويُصدِر منشور كبير إسمه المُعتقَد أو الاعتقاد القادري، سوف تقول لي هل هذا موجود في تاريخنا؟ نحن نعرف هذا في تاريخ المجامع المسكونية والمجامع النصرانية العالمية، فهم يقولون لك – مثلاً – قانون الإيمان النيقاوي، مثل مجمع فينيقية وهو مجمع مسكوني كبير وهو الذي قرَّر التثليث – والعياذ بالله – وقرَّر الثلاثة – ثلاثة الأقانيم – وحدتها في النهاية وقرَّر قانون الإيمان النيقاوي، أي أن الروح القدس مُستَلٌ ومُنبثِقٌ من الأب والابن، وبهذا إلى اليوم يقول الكاثوليك، أما البروتستانت والأرثوذوكس قالوا هذا من غير كلمة الابن، قالوا الروح القدس مُنبثِق من الأب، فهم عندهم هذا شيئ جيد وإسمه قانون الإيمان، وعندنا عملنا شيئ مُشابِه إسمه الاعتقاد القادري، فقلنا هذا الدين وهذه النجاة وأي أحد يخرج عن هذا يكون ضالاً – والعياذ بالله – ويستحق النكال والعقوبة وربما القتل، فنعود إلى تاريخ أبي الفرج بن الجوزي المُنتظَم في تاريخ الملوك والأمم ونجده يُحدِّثنا عن مُعتزِلة كثيرين تم قتلهم ومُصادَرة أموالهم وتم أخذ مساجد كثير من الشيعة وغير الشيعة على أثر ماذا؟ الاعتقاد القادري أو المُعتقَد القادري، أي قانون الإيمان الإسلامي السني لأنه كان مُفصَّلاً ضد المُعتزِلة والشيعة في باطنهم، وفي تلك الفترة البويهية بالذات تأثَّر الشيعة كثيراً بأهل الاعتزال في باب الاعتقاد، فهم تأثروا كثيراً وهذا معروف بسبب وجود تلاقح للأفكار، فدارت الدائرة على المُعتزِلة جميعاً بالمُعتقَد القادري، فانتبهوا إلى أن عبر التاريخ كان يحدث هذا وللأسف لا يزال يُمارَس إلى اليوم، فالديني ما زال يرتهن للسياسي، وأنا أقول هذا عيب، عيب على العالم وعيب على ولي الله أن يعبث بدين الله، عيب أن يعبث بالدين وبالعلم وبالفقه من أجل أن يُلبِّي طموحات أو أجندات سياسية، فالسياسي يعمل وحده بقانونه واتركوا العلمي للعلماء، لا يُمكِن لسياسي أن يقترح على عالم، وأنا أُخاطِب هنا إخواني العلماء وأقول لكل أحد يسمعني عيبٌ عليك هذا، عليك أن تستحي من نفسك في نفسك وعند نفسك وأنت تخاف كثيراً من الله إن كنت مِمَن يُملى عليه في باب العلم والاعتقاد والفقه سياسياً، هذا عيب فلا يُمكِن لسياسي أن يُملي على عالم، أنت كسياسي لا تُمل علىّ، لأن هذا علم وهذا دين، سواء أخذتني في بلدك أو أخذتني في مُؤتمَر أو أعطيتني أموالاً أو لم تُعطني فأنا سأتكلَّم بما يُرضي الله تبارك وتعالى.
رابعاً عوداً على بدء حذاري من التأليب على المملكة العربية السعودية، حذاري من المكر بهذه البلدة لكي تُعاني ما عانى العراق والشام، حذاري من أن تُقسَّم، لا تلعبوا هذه اللعبة، كونوا حذرين وكونوا أذكياء، اقرأوا كل شيئ يقع الآن قراءة حصيفة ذكية ولا تُعينوا على بلادكم وأهلكم وشعوبكم فتُعينوا على دينكم بعد ذلك وعلى أنفسكم، فحذاري من هذا لأن المُخطَّط – كما قلنا – واضح طبعاً ومذكور في عشرات المصادر، وهو تقسيم المنطقة من عند آخرها، ولن ينجو أحد، وهم يُريدون هذا، فإن كنتم أذكياء وألباء وصادقين أفشِلوهم، هم يزرعون القنابل وأنتم انزعوا الفتائل، وأنا أنزع فتائل، أنا أزعم أنني العبد الفقير الغلبان الضعيف أنزع فتائل بفضل الله تبارك وتعالى، فأنا لا أزرع قنابل ولن أزرع – ما زرعت ولن أزرع – أبداً، دائماً أنا أنزع الفتائل ولصالح الكل بفضل الله تبارك وتعالى، كثَّر الله نازعي الفتائل وأعدمنا الله زارعي القنابل، لكن بعضهم ينزع قنبلة من هنا ليزرع قنبلة أُخرى هناك، وهذا أحمق كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا ۩، فهو يهدم هنا ويبني هناك ويبني هنا ليهدم هناك، وسوف يرى نفسه على مبعدة عشرين أو ثلاثين سنة يُراوِح في مكانه، كما يُقال يداك أوكتا وفوك نفخ!
فنفسَكَ لُمْ ولا تَلُم المطايا ومُت كمدًا فليس لك اعتــذارُ.
خامساً وأخيراً كلمة حق لابد أن أقولها وهى أنني لم أدع إلى مُؤتمَر الشيشان، انتبهوا لأن لا يجب أن يُقال أنني لم أُشارِك في مُؤتمَر الشيشان فحسب وذلك لأنني أنا لم أُدع أصلاً، لأن مِن بعض الكذبة وبعض أهل الفري والبُهتان مَن قال لك إبراهيم عدنان – حتى إسمي لا يعرفونه – شارك في مُؤتمَر الشيشان، لكن أنا لم أُدع إليه أصلاً، وطبعاً السؤال لماذا لم أُدع؟ الجواب عندكم، الله أعلم لماذا لم أُدع إلى المُؤتمَر، وأسأل الله دائماً ألا أُدعى مِمَن لا يظن أنني لا يُقترَح علىّ وأنني شموس قليلاً ومُتأبٍ وأقول ما عندي دائماً بفضل الله تبارك وتعالى.
اللهم اهدنا فيمَن هديت، وعافنا فيمَن عافيت، وتولنا فيمَن توليت، علِّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علَّمتنا وزِدنا علماً ورشداً، اللهم جنِّبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، اجعلنا مفاتيح للخير، مغاليق للشر، اهدنا واهد بنا وأصلِحنا وأصلِح بنا برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم إنا نسألك فعل الخيرات وترك المُنكَرات وحُب المساكين وأن تغفر لنا وترحمنا وإذا أردت بعبادك فتنةً فاقبضنا إليك غير مفتونين ولا مُبدِّلين ولا مُغيِّرين، اللهم مَن أحييته فأحيه على الإيمان ومَن أمته منا فأمته على الإسلام، على شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩.
_________
فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ۩، وأقِم الصلاة.
(انتهت الخُطبة بحمد الله)
(16/9/2016)
[…] أهل السنة والجماعة … أصك براءة؟ […]