كون الآخر ملحداً، أو مجوسياً، أو يهودياً، أو لا دينياً، أو وهابياً أو رافضياً أو ناصبياً.. هذا لا يعني أنه شرير، أو أن الله يكرهه ويحبك..! بل قد يكون أحب إلى الله، و أنقى وأطهر وأرحم، وأنبل منك.. وقد ينجو بين يدي العليم بذات الصدور، ولا تنجو أنت!
إنما القاعدة في ذلك تمام الصدق مع الذات. ألم يقل الله لقوم اتخذوا عيسى إلهاً من دونه في خواتيم المائدة (هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم)! وقال: (ليسأل الصادقين عن صدقهم..)، وقال: (ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إن الله كان غفورا رحيما)..!
خلافاتنا كمسلمين فيما بيننا يعني أننا على خطأ في تفهم خلافاتنا، ومن المستحيل أن يخلق الله لكل فرد منا بصمة مختلفة، عن الآخر، بهذه الدقة، ثم يخلق لهم فهماً واحداً للدين والحياة.
الصدق في اختيارك طريقتك في فهم ما حولك، وفهم ما وراء المادة، وعدم جحود حقيقة وصلت إليك. الصدق في أن تقف مع نفسك لتزنها بميزان العدل، لترى هل دينك أنت قناعة مطلقة؟! أم تقليد للآباء والأجداد؟ هل ترى فارقاً كبيراً بين حالك وأنت هنا، من أبوين مسلمين، وبين ذلك البوذي في جبال الهيملايا، حيث ولد وعاش بنفس طريقتك، لكنه يعبد الله بطريقة أخرى؟ ما الفرق بينك وبين الذين قالوا للأنبياء (إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون)؟ قد تقول إنك موحد وهذا فضل الله، لكن ماذا لو كنت ولدت في بلد آخر ودين قوم آخرين!
تأمل!! ضميرك هذا الذي يخبرك أنك على الحقيقة، والمحجة البيضاء التي يرضاها ربك، هو نفسه الضمير الذي يحمله ذلك النصراني، أو الهندوسي، وكلهم يخلصون في عباداتهم ويرجون ثوابها.
إن تعصبك أنت لدينك، وما قد يترتب عن ذلك من قتل، وموقف مضاد من الآخر المخالف، هو نفس الموقف الذي قد يصدر من صاحب الدين المخالف، ويجعله اقتناعه بأحقيته، يفعل ذلك السلوك المضاد.. ولا يختلف الأمر هنا بين أي مذهب أو دين؛ لذلك يجب أن يكون استنكارك لجرائم الآخر، نابعًا عن كرهك للجريمة أصلا، مهما كان فاعلها، قال ربنا ((ياأيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله، ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين)) تأملها أيها المؤمن!
لقد وجدت من خلال مسيرتي القصيرة، أن المخالف أو المعادي لتصور الآخر، للأسف! يرى سلوكياته كلها بعين الشر. حتى في الميادين السياسية، فإذا كنت مناضلاً ضد الحكومة، فأنت ترى أن صلاة الحكومي وصيامه وأعماله، مهما كانت صالحة، ما هي إلا نفاق ورياء. ووجدت، وهذا أظهر بين أتباع الفرق والأديان، أن السلفي يرى صلاة الرافضي، وبكاءه وخشوعه، ما هو إلا نفاق و رياء..! وبنفس النظرة تماما ينظر الرافضي إلى السلفي! سبحان الله العادل!
هذا الأسلوب في التعامل، هو أهم أسباب تخلفنا و نكستنا. وإذا استطاع كل فرد منا، أن يكسر هذه النظرة، فستتضح له الأمور بطريقة أروع وأحسن وأنقى بكثير من ذي قبل. فكما يوجد الآن من يقرأ هذه الكلمات فيعتبرها تلبيسا وتدليسا، وينظر إليها بعين الشر والارتياب، واهما أن كاتبها ما هو إلا خبيث ينزع إلى الشر وينشره، يوجد من يراها كلمات تصدر من قلب صادق. لذلك فإن الخلافات التي لم تنته ل 14 قرنا لن تنتهي اليوم، إنما وجب احترام متبعيها حتى وإن بقينا مختلفين معها. وقد قال فولتير: الخلاف الطويل يعني أن كلا الطرفين على خطأ! وهذا صحيح، فخلافاتنا كمسلمين فيما بيننا يعني أننا على خطأ في تفهم خلافاتنا، ومن المستحيل أن يخلق الله لكل فرد منا بصمة مختلفة، عن الآخر، بهذه الدقة، ثم يخلق لهم فهماً واحداً للدين والحياة.
أضف تعليق