إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:
أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:
مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩
ثم أما بعد:
أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – سبحانه وتعالى – في كتابه الكريم بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ۩ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ۩ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ۩ وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ۩ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ۩ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ۩تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعَالَمِينَ ۩
صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط. آمين اللهم آمين.
أيها الإخوة الأكارم، أيتها الأخوات الكريمات:
هذه الأمة العظيمة المرحومة هى التي قهرت يوماً الروم والفرس، وهى التي كسرت الصليبيين وأعادتهم إلى بلادهم أخزياء مدحورين، وهى التي أوقفت المد العارم الوحشي لجحافل التتار ثم استوعبت البقية الباقية منهم في منظومتها الحضارية والثقافية، فهذه الأمة لها تاريخٌ ذاخر بالأمجاد وبالنصر الحفيل، فما بالها اليوم أصبحت طُعمةً للآكلين أو بتعبير رسول الله – صلى الله تعالى عليه وآله وأصحابه ومَن والاه – قصعةً للأكلة تُنقَص من أطرافها وتُنتهَب فما تدري ما تفعل؟ فتركت رسالتها العتيدة وكفرت بوحدتها وجعلت تلتفت إلى بعضها البعض تقضم أطرافها وتعبث بالبقية الباقية من معنى وحدتها الضائعة كأن الحرب اليوم ليست ضد الاستعمار الجديد وليست ضد الاحتلال الصهيوني المُخيِّم على الأرض المُبارَكة المُقدَّسة الذي دنَّس مُقدَّساتنا وأرخص دماءنا وأرغم أنوفنا، كأن الحرب لم تعد معه وكأن الحرب حتى لم تعد مع الفساد الأخلاقي المُستشري والفُحش الفكري المُتبذِّل الذي يُريد أن ينزع وأن يسلخ هذه الأمة من جذورها وأن يخلق لها شخصيةً مسخاً لا هى بالشرقية ولا هى بالغربية ولا هى بالدنيوية ولا هى بالأخروية، لتصير سُدىً وهملاً وضياعاً في العالمين، كأن الحرب ليست مع هؤلاء وكأن الحرب ليست مع الظلم السياسي المُخيِّم الذي أبهظ الأمة وأرهقها وسامها الخسف والمذلة والهوان وصادر حرياتها وتغوَّل أموالها، وكأن الحرب ليست مع الأُمية والجهل الفاحش الذي ناء بكلكله على مُثقَّفي هذه الأمة قبل أُميي الحرف فيها للأسف الشديد، فالحرب ليست مع الفقر والخصاصة والعُدم الذي تُعاني منه قطاعاتٌ كبيرة واسعة عريضة من هذه الأمة، كلا إن الحرب مع طوائف ومذاهب ينتمون إلى مجموع وإلى كل هذه الأمة، بالأمس القريب مع الشيعة الإمامية الاثنا عشرية – علينا أن ننتبه إلى أن الحرب من الجهتين، ليست من جهة السُنة ضد الشيعة ومن جهة الشيعة ضد السُنة، لأن الله يُحِب الإنصاف ويُحِب القول بالحق، فهم ليسوا خيراً حالاً منا – واليوم مع الشيعة الزيدية بإسم فتنة الحوثية، ولكن توسَّع الأمر واتسع الخرق على الراتق ليُصبِح مع هذا المذهب الذي ما كنا ندري عنه شيئاً وإذا هو مذهبٌ جديرٌ باللعن وجديرٌ بالتحريض وبالتجييش وبتعبئة المشاعر ضده، فالحرب من الجهتين، من الزيدية ضد السُنية ومن السُنية ضد.
لو كان مَن يلغُ في هذه القضايا الدنسة أنفارٌ وأقزام من العوام ومن الجهلة الذي لا يكاد أحدهم يدري كوعه من بوعه ولا يُحسِن يُقيم لسانه بجُملة على سَنن البيان العربي لهان الخطب، ولكن الخطب أجل وأعظم وأخطر لأنه خبَّأ وأوضَع في هذه الحرب العبثية الحمقاء التي لا يعودُ بالفائدةِ منها إلا أعداء هذه الأمة، لا يُمكِن أن تعود مثل هذه الحرب العبثية على الأمة بالخير لا في الواقع ولا في المُستقبَل المنظور ولا ما بعد المنظور، هذا مُستحيل، فهناك علماء يخوضون في هذه الحرب ويُجيِّشون ويُعبِّئون ويُدبِّجون المقالات ويصرخون أو يتصارخون بالخُطب فوق أعناق المنابر وعلى شاشات الفضائيات الهوائية الفراغية فيُعبِّئون الأمة ضد بعضها البعض إمعاناً في تمزيقها، وكأنه لا يكفي ما أمعن ولا يزالُ يُمعِن فيه حكّامنا من تمزيقنا بإسم القُطرية البغيضة، فهذه مصر وهذه العراق وهذه فلسطين وهذه تونس وهذه سوريا وهذه الجزائر، كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ۩، والمُستفيد الأكبر والأوحد هم هؤلاء الحكّام، فلا مصلحة لهم البتة في توحيد الأمة وهم لا يعملون على توحيدها بل يعملون على تمزيقها ويترصَّدون الفرصة التي يأتمِر بها الصهاينة والغرب الأمريكي بالذات وغيره بواحدٍ منهم أو بدولة منهم من دولهم حتى يكونوا جميعاً إلى جانب العدو وإلى جانب المُستعمِر، وطبعاً الذرائع والحُجج المقبوحة الواهية لا تعوزهم فهى دائماً موجودة، لو أرادوا حرب الله – وهم يفعلون – ورسوله الحُجج موجودة والذرائع السخيفة موجودة ومشائخ الزور وشهداء الزور موجودن في مُؤسَّساتهم ومُؤسَّسات الزور الديني، فهذه موجودة – والله العظيم – حتى في الحرب على الله ورسوله، وما معركة النقاب منا ببعيد، كأنها جس نبض، فهل يُمكِن لمُؤسَّسة دينية أن تُعادي النقاب؟ يُمكِن، وقد فعلتها!
النقاب بقدرة قادر بين عشية وضُحاها أصبح عادة ليس من الدين في شيئ وليس له جذرٌ ديني حتى تُمنَع المُنتقِبة أن تُؤدي الامتحان بفتوى من أعظم مُؤسَّسة دينية إسلامية سُنية، وهذا شيئ لا يكاد ينسلك في الذهن، فطبعاً ما الذي بقيَ؟ بقيَ بعد ذلك أن نُبرِّر حتى الكفر، فالخيانة على الأوطان برَّرناها ومُحاصَرة الناس وتجويع المُجاهِدين المحصورين في سبيل عز الدين والوطن برَّرناها ومُحارَبة النقاب وحرمان المُنتقِبات الشريفات العفيفات برَّرناه، وهذا لا يُمكِن أن يحدث، ونحن لسنا مع القول بوجوب النقاب ولكن لا يُمكِن أن نقول يوماً إن المُنتقِبة بلهاء أو مُبتدِعة أو ضد الدين، لا يُمكِن أن يُقال أدنى من أن هذه المُنتقِبة إنسانة شريفة وعفيفة وبالغة التدين، كثَّر الله من أمثالها، ولا نقول أكثر من هذا، أما أن نُحارِبها وبإسم الدين وبإسم المُؤسَّسة الدينية فهذه مسخرة، ويأتي القضاء وينتصر بعد ذلك، والقضاء المفروض أنه قضاءٌ وضعي وعلماني لكن أتى لينتصر لحرية هذه الشريفة العفيفة، فبئس اليوم الذي أصبح فيه هؤلاء وأمثالهم ناطقين بإسم الدين وبإسم العلم الشرعي، وبئس مَن يُصدِّقهم وبئس مَن يُدلِّس حالهم ويُريد أن يُنفِّقهم على الأمة، فهؤلاء في الدنيا والآخرة حزبٌ واحد مع المُتسلِّطين المُستبِدين الظلمة، في الدنيا والآخرة بلا تفريق بإذن الله تبارك وتعالى.
ونعود إلى قضيتنا الأم الرئيسة وهى قضية تحريض الأمة بعضها على بعض وتمزيق ما بقيَ من عُرى الوحدة الباهتة المبتوتة الحبل بين أبعاض هذه الأمة وهم يشهرون سيف التكفير والتبديع والتفسيق للأسف الشديد، فكلٌ في نظر صاحبه مُبتدِع إن لم يكن كافراً زنديقاً خارجاً عن الملة ولو أمكنت الفرصة لما كان له إلا قط الرقاب، بحجة أن هذا هو حد الله – تبارك وتعالى – في المُرتَدين وحد الله في المُتزندِقين، وهذا وضع مُخيفٌ جداً، فهل هذه هى النتيجة بعد هذه العقود من الصحوة الإسلامية؟ هل هذا هو ما وصلنا إليه؟ ما الذي يُمكِن أن نُقدِّمه إلى الآخرين ضمن الأمة العربية والإسلامية من العلمانيين والليبراليين واليساريين والمسلمين العاديين الذين ليسوا بإسلاميين، فضلاً عن غير المسلمين خارج أقطار العالم الإسلامي؟ هل هذه صورة الإسلام؟ هل هذا هو الدين الذي هو رحمة للعالمين؟ هل هذا الدين رحمة وبُشرى؟ هل هذه حنيفية سمحة؟ هل هذا دين يُريد أن يتأستذ على العالمين ويُصبِح المُعلِّم الأكبر والهداية الأجل والأشرف؟ هل هذا هو؟
أحمق وممرور الذي يُصدِّق أن أمةً لا يتسع صدرها بعضها البعض ويُكفِّر بعضها بعضاً تستطيع أن تُحقِّق شيئاً من هذا، وعلينا أن ننتبه إلى أن التكفير ليس حكراً وليس وقفاً على هاته الطوائف الثلاث – السُنية وهى الأكثرية والشيعية الاثنا عشرية والشيعية الزيدية – كلا فالأشاعرة من أهل السُنة، والآن هناك دعوات لإحياء الأشعرية، والناس ما عادوا يدرون شيئاً مِن مُسمى هذه الأسماء، وأنا أقول لكم يبدو أن المسلم العادي التقي النقي سليم القلب وسليم الصدر والجاد في خشيته لله وتقواه وعبادته لله – سبحانه وتعالى – وابتغائه وجهه ومرضاته خيرٌ من كثير من العلماء وخيرٌ من كثير – والله – من الخُطباء وخيرٌ – والله – من كثير من الدُعاة، هذا المسلم يفتح كتاب الله – تبارك وتعالى – ويقرأ شيئاً من آي الله فيعلم أن الله قدير بل عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ۩ وأنه مُريدٌ شاءٍ وأنه غفورٌ رحيمٌ ودودٌ وأنه عليمٌ سميعٌ بصيرٌ، وليس يدري شيئاً عن المعركة التي غدت الآن بلا شك خيالية ووهمية وعبثية وبلا معنى، فهى معركة بلا معنى وجهاد في غير غناء، هى معركة خيالية عن حقيقة العلاقة بين أسماء الله وصفاته من جهة وذاته من جهة أُخرى، فهل هو سميعٌ بسمع مُستقِل عن ذاته؟ أم هل هو سميعٌ بذاته وليس بصفة زائدة عن ذاته كما تقول المُعتزِلة؟ أم لا هو – تبارك وتعالى – سميع بسمعٍ مُستقِل ولا سميع بذاته فصفاته ليست غير ذاته ولا هى أيضاً ذاته؟
قد تقول لي: ما هذه الحذلقة؟ ما هذه السسفسطة؟ هذه سفسطة الأشعرية والمُعتزِلة والفرق الإسلامية، وقديماً خاضوا هذه المعركة السخيفة جداً، فهل علَّم محمد أصحابه هذه السفسطات وقال لهم غيره وذاته ولاهى غيره ولا هى ذاته؟ فما هذا؟ يكفي المسلم العادي أن يعلم أنه قديرٌ سميعٌ بصيرٌ عليمٌ خبيرٌ شاءٍ مُريد وإلى آخره، وينتهى كل شيئ، فلماذا نسأل هذه الأسئلة السخيفة؟ ماذا نُريد أن نعرف بهذه الأسئلة؟
هذه الأسئلة تُعاد اليوم جذعةً بإسم إحياء المذاهب الإسلامية، وطبعاً الشيعة يدفعون عن مذهبهم الاثنا عشري والزيدية عن الزيدية، فلماذا لا يدفع الأشاعرة عن أشعريتهم والماتريدية عن ما تريديتهم وفقهاء الحنابلة وعلم السلف وعن سلفيتهم بإسم الوهابية وغير الوهابية؟ وبعد ذلك يُكفِّر كلٌ كلاً، فالأشاعرة يشتدون جداً في تكفير الوهابية، والوهابية تُضلِّل وتُفسِّق الأشاعرة، أما مَن كفَّرهم من المُعاصِرين فلن نعدم كثيرين، فمن سلفي اليوم مَن يُكفِّر هؤلاء وكأن المسألة أصبحت عقاباً بالمثل ونكائيةً، لكن ليس في الشرع نكاية، لأن الله إذا حرَّم شيئاً لحقه لم يجز أن تُعاقِب بمثله إن كنت تفهم شرع الله، فمَن كذب عليك لا يجوز لك أن تكذب عليه، ولا قدَّر الله وستر الله أعراضنا وأعراضكن جميعاً وجمعاوات مَن انتهك عِرضك لا يجوز أن تُقابِله بانتهاك عِرضه، ومَن زنا بأهلك لا يجوز البتة أن تُقابِله بأن تزني بأهله، هذا لا يجوز لأن الله حرَّم الكذب والزنا لحقه هو لا إله إلا هو، فلا يجوز أن تفعل هذا، ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية – قدَّس الله سره – قال “ونحن وإن كفَّرونا لا نُكفِّرهم إن لم يكونوا كفّاراً، فلا نُكفِّر مَن يُكفِّرنا وإن كفَّرنا”، وهذا الرجل إمام يتقي الله – رحمة الله عليه ورضيَ الله عنه – ويفهم ماذا يقول، ولكن لماذا قال هذا؟!
قال “لأن الكفر والتكفير حكمٌ شرعي – الكفر حكمٌ شرعي – وبالتالي مَن حكم الله بكفره كفَّرناه ومَن لم يحكم لن نُكفِّره”، وباب التكفير في الشريعة ضيقٌ جداً جداً جداً، فهو من أضيق الأبواب على عكس ما هو سائد والمُستشري بفُحش اليوم أن أوسع الأبواب باب التكفير، فكيف بباب التبديع والتفسيق والحُكم بالعصيان والتهارج بهذه الألفاظ الفاحشة البذيئة التي زادت الأمة خبالاً وعنتاً؟ على كل حال أضيق الأبواب هو باب التكفير.
وابن تيمية على ذكره – رحمة الله تعالى عليه – وهو أحد مشائخ الإسلام العظام وفقيه وعلّامة كبير لا يُشَق له غبار لكن مشهورٌ جداً عنه أنه يُبالِغ في التكفير وهذا ليس بحقيقة، بالعكس هذا تزييف على الرجل وغلط عليه، هذا ليس بحقيقة، وعلينا أن ننتبه إلى نُقطة أن ابن تيمية سُني، وأهل السُنة من عند آخرهم يقولون بأن الله – تبارك وتعالى – يُرى يوم القيامة، ولدينا أحاديث مُتواتِرة عن أزيد من عشرين صحابياً في هذا الباب ولهم تأويلات لآيات ليست نصاً في الموضوع بل هى ظواهر لا يُمكِن أن يُدّعى فيها النصية – هى ظواهر وليست نصوصاً – لكن على كلٍ ابن تيمية – رحمة الله تعالى عليه – كان يقول “وأنا أُقِر على نفسي – وهذا كان من آخر ما قاله الرجل قبل وفاته وآخر ما انتهى إليه رحمة الله عليه – بأني لا أُكفِّر أحداً من أهل القبلة”، والسؤال الآن: مَن هم أهل القبلة؟!
أهل القبلة: كل مَن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويعتقد بأركان الإيمان الستة ومعاقد الإسلام الخمسة ويذبح ذبيحتنا ويستقبل قبلتنا ويحج كعبتنا ويُصلي خمسنا ويصوم شهرنا، هذا هو، وهؤلاء كثيرون جداً – بحمد الله تبارك وتعالى – وهم ليسوا أهل السُنة فقط، فأهل السُنة جميعاً هم أهل القبلة، وكذلك المُعتزِلة من أهل القبلة، وحتى الخوارج من أهل القبلة، والإباضية اليوم من أهل القبلة، والزيدية – الزيود – من أهل القبلة، والشيعة الاثنا عشرية من أهل القبلة، وكل هؤلاء من أهل القبلة، كلهم من عند آخرهم – بفضل الله عز وجل – أهل قبلةٍ لأنهم يُقِرون بما ذكرت وبأركان الإسلام الستة ومعاقد الإسلام الخمسة أو أركانه أيضاً الخمسة، كلهم من عند آخرهم يُقِرون بهذا.
ثم قال شيخ الإسلام – رضوان الله تعالى عليه: والمسائل من مثل هل يُرى الله – تبارك وتعالى – أو لا يرى؟ لا يُكفَّر بها، علماً بأن رؤية الله في الآخرة مسألة لا يقول بها إلا أهل السُنة فقط، فالخوارج كلهم والمُعتزِلة بكل فرقهم والشيعة الزيدية والاثنا عشرية أيضاً والإباضية يُنكِرون رؤية الله في الآخرة وكلهم لا يرضون بها مُعتقَداً لهم، وقالوا لا يُوجَد أدلة عليها لدينا وبالتالي هذا الكلام غير صحيح، لكن أهل السُنة فقط انفردوا وقالوا برؤية الله في الآخرة، فهل نُكفِّر مَن لا يقول بالرؤية؟
سوف نسمع ماذا يقول شيخ الإسلام، لأن بعض الناس يستحمق بجهالة لأنه ليس من أهل التحقيق لأنه ليس مِن مَن يجوز له القول في دين الله بعلمٍ وبصر فضلاً عن أن يكون له القدرة والأهلية والتعليم ويقول “أنت تقول أنها أحاديث مُتواتِرة إذن كفروا”، لكن هذا غير صحيح.
جهة أن الله في جهة أو في غير جهة مسألة خطيرة جداً جداً، وكذلك خلق القرآن وخلق أفعال العباد، فضلاً عن المسألة الأم الشهيرة من مسائل الخلاف بين أهل السُنة وبين المُعتزِلة والقدرية في العموم وهى هل العبد يُوجِد فعله أم الله يخلقه والعبد يكسبه أو شيئٌ آخر، أي أمرٌ بين أمرين؟ وهذه مسائل خطيرة، وإلى غير هذه المسائل التي ذكر ابن تيمية طائفةً منها، وهذا أكثر ما ذكر ثم قال جواباً عن سؤال هل نُكفِّر بهذه المسائل أولا نُكفِّر مَن خالفنا؟ وقطع بأنه لا تكفير، فلا تستطيع أن تُكفِّر لا الشيعي ولا الخارجي ولا المُعتزِلي بهذه المسائل وأشكالها، لماذا؟!
اسمعوا الفقه والتحقيق، قال شيخ الإسلام: سؤال هل هذه المسائل مما لا يقوم أصلُ الدين ولا يصح إلا بها؟ إذا أجبت عنه وقلت نعم لا يقوم أصلُ الدين ولا يصح إلا بها فهذا باطل، لأنه لو كان كذلك للزم رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام – أن يُعلِّمها أصحابه وأن يستبين كيفية إيمانهم وقولهم بها أو فيها، فماذا يعتقد أصحابه في قضية خلق الأفعال وفي قضية رؤية الله في الآخرة وفي قضية خلق القرآن وفي قضية الجهة والتحيز وإلى غيرها من القضايا؟
فالنبي لم يطرح هذه القضايا ولم يستفصلهم ولم يمتحن إيمانهم فيها بل تركهم، وجاءت الأمة بعد ذلك وشقَّقت فيها القول وشعَّبت فيها شعوب الكلام وجعلتها معقد الإيمان والولاء والبراء، وهذا كلام فارغ وغير صحيح لأن الدين أيسر من هذا بكثير، وهم يذكرونني دائماً بأنني أدعو إلى الاقتصاد في الاعتقاد وليس إلى قراءة كتاب الإمام الغزالي المُعنوَن بهذا العنوان وإنما الاقتصاد في الاعتقاد بمعنى ألا نُوسِّع القول في أصول الدين، وأصول الدين محدودة جداً ونطق بها الكتاب في عشرات إن لم يكن في المئين من الآي، وللاقتصاد فيها كان النبيُ – أيها الإخوة صلى الله عليه وسلم – يُفلِح في تعليمها مَن جاء يتعلَّم الدين في سُويعةٍ يسيرة، فهو يستطيع أن يُعلِّم أحدهم الإسلام والإيمان في عشر دقائق وينتهي كل شيئ، وربما بعثه من ساعته بشيراً ونذيراً إلى قومه في حدود ربع ساعة، فهذا هو الدين، ولكن اليوم إذا أردت أن تفهم الدين على طريقة الزيدية أوأهل السُنة أوالأشعرية والوهابية والاثنا عشرية لابد أن تأخذ عشر دكتوراهات وأن تتخصَّص وأن تبقى تقرأ لمدة عشرين سنة ما يقرب من عشرين أو ثلاثين ألف صفحة، وهذا كله ينتمي إلى مذهبك فقط وليس إلى المذاهب الأُخرى، ثم تموت وأنت ربما لا تدري ما الحق والباطل، فما هذا؟ حاشا لله أن تكون الحنيفية السمحة والدين العظيم على هذه الشاكلة.
أشعر أحياناً أو صرت أشعر حين أسمع في التلفاز – أو الرائي كما يقولون – أو أقرأ في كتاب أو أجد على الشبكة العنكبوتية عنوانات من قبيل التعددية والإسلام والتعددية والإسلام والتسامح والإسلام والآخر وموقف الإسلام من الآخر – فإذا بي أجد الآخر دائماً اليهودي والنصراني والشيوعي والبوذي، ليس الآخر الزيدي ولا الشيعي الاثنا عشري ولا الإباضي ولا أمثال هؤلاء – بشعور مُبهَم ربما يُخالِج مُعظمكم ومُعظمكن، فهو مُبهَم وهو مزيجٌ أو خِلطٌ من القرف والإحباط واليأس، فأشعر بأنني مُحبَط ويائس بل وأشعر بالتقزز، أشعر أن هذه الأشياء حين تُقال ويُترَك موضوع طبيعة علاقتنا ببعضنا يُعَد أمراً مُقزِّزاً، فما هى حقيقة الموقف والحال من أخي الشيعي الاثنا عشري ومن أخي الزيدي ومن أخي الإباضي؟ وما حقيقة موقفه هو أيضاً مني؟
علماً بأنني لابد أن أفتح مُزدوَجين ليس من قبيل التبجح ولا من قبيل المُباهاة ولكن من قبيل إحقاق الحق ووضع النقاط على الحروف لأقول:
أنا فخورٌ جداً وأشعر بالفخر وبالشرف حين أكون سُنياً ويكون عندي مثل هذا الطرح، لأنني لا أُعاني من عُقدة نقص، فأنا لست أقلوياً – أنا السُني – حيث يُوجَد مليار ومائتا مليون مسلم يُمثِّلون السُنة، فأنا أنتمي إلى السواد الأعظم، وليس فقط الرسول هو الذي أوصى بالتمسّك بالسواد الأعظم بل الإمام علىّ – عليه السلام – أيضاً في نهج البلاغة، وهذا معنى وعليكم بالسواد الأعظم، ويد الله مع الجماعة.
إذن أنا لست أقلوياً وليس عندي عُقدة نقص لأنني قليل ومُضطهَد ومُستوحِش، ومع ذلك أطرح هذه المسائل بهذا الوضوح وأُدين أيضاً ما ينبغي إدانته من أخطاء السُنة قبل أخطاء الشيعة، ولذلك أنتهزها فُرصة لأقول – علماً بأنني قلت هذا في مجالس كثيرة لبعض الإخوة من الشيعة – أن على الشيعة أيضاً أن يكونوا شجعاناً وأن يكون لديهم من الشجاعة والجرأة والصدق أيضاً والجدية ليفعلوا هذا، فالمسألة جدٌ وليست هزلاً!
كنا قبل أكثر من عشر سنوات نشعر شعوراً غامراً أن هناك قنابل موقوتة يُوشِك أن تتفجَّر في هذه الأمة، ويوم كنا نقول هذا بعض الناس كان يقول هذا كلام مُفكِّر حالم وكلام إنسان مُنظِّر، وهذا غير صحيح، فليس مُنظِّراً ولكن بعض الناس ليس لديهم استبصار حقيقي، وأكثر علمائنا – وأُجازِف للأسف وهى مُجازَفة خطيرة أُحاسَب عليها حين أتحدَّث عن الأكثرية ولكن الذي أجده أن الأكثرية كذلك وليس الكل بحمد الله – ليس لديهم استبصار استراتيجي بل مُصابون بعمىً استراتيجي، فأكثر مشائخنا وفقهائنا وعلمائنا ومُفكِّرينا هم عُميانٌ، فهم عُميٌ استراتيجياً ةلعلهم حتى غير قادرين أن ينظرو مواقع أقدامهم، فيُعبِّئون الأمة على بعضها ويُجيِّشون ويحمون الصدور ولا يعرفون نتيجة هذا، فنتيجة هذا ندم الكل وفرحة العدو وشماتته!
ألا يقرأ هؤلاء العلماء وألا يسمعون بالتقارير التي تسرَّب برحمة الله شيئٌ يسيرٌ جداً منها؟
يُوجَد تقارير أمريكية للمُخابَرات الأمريكية وغير المُخابَرات الأمريكية قبل أكثر من خمس عشرة سنة تُفيد بوجوب تمزيق ما بقيَ من وحدة المسلمين عبر إثارة النُعرات الشيعية السُنية، فالأمريكان يطلبون هذا في تقارير سرية ويقولون “ينبغي العمل على تمزيق الوحدة – ما بقيَ من الوحدة – بإسم الشيعة والسُنة”، وحين أتحدَّث عن شيعة وسُنة فأنا لا أقصد بالشيعة والسُنة كما كنا نظن إيران والعرب، هذا غير صحيح، وإنما إيران والعرب والعراق في حد ذاته ولبنان في حد ذاتها واليمن في حد ذاته، ثم في المُغترَبات هنا وفي كل مسجد وفي كل مكان، فهذا هو عالم التواصل والتلاقح ومن ثم ستجد فتنةً في كل مسجد وربما في كل أُسرة وفي كل بيت وفي كل شارع، وهذه داهية ما لها من واهية، هذه مصائب عظيمة، ومع ذلك تنشط الجهود وتُطبَع الكتب والمقالات – كما قلت – والبرامج المُتلفَزة وأشياء غريبة عجيبة، فما الذي يحدث؟!
هذا شيئٌ عجيب، وأنا لا أُبريء طائفة ولا أُبريء جهة حقيقةً، وأنا دائماً كسُني أُحِب أن أضغط على نفسي أكثر وأن أتكلَّم عن ما يعنيني أكثر كسُني من باب الإنصاف والعدل، ولكن أطلب في نفس الوقت وآمل من إخواتنا الشيعة الزيدية والاثنا عشرية وغيرهم أن يضغطوا على أنفسهم أيضاً وأن يعترفوا بالحماقات التي يرتكبونها وبالأخطاء التي يتقحّمونها، مثلاً يعني هل من صالح الأمة شيعةً وسُنة – ولنقل الأمة كأمة، أمة محمد – أن لا يزال يُستظَهر إلى اليوم – وادخلوا على الإنترنت Internetوعلى اليوتيوب YouTube فهناك مئات اللقطات والتسجيلات الحية الدالة على ذلك – بسب كبار رجال هذه الأمة مثل سب عمر بن الخطاب وأبي بكر الصدّيق وطلحة والزُبير وعائشة وخالد وعثمان بن عفان؟ فمَن الذي بقيَ إذن؟ أنا أقول احذف هؤلاء – وقلتها مرة – وقل لي ما الذي يبقى من الإسلام؟ ما الذي يبقى من تراث الإسلام ومن حضارة الإسلام؟ أنا أقول لكم لا يبقى شيئ، فلو حذفت أبا بكر لن يبقى لا سُني ولا شيعي، لو حذفت أبا بكر لن يبقى لا عليّ ولا عمر ولا عثمان ولا أنا ولا أنت ولا ولا السستاني ولا القرضاوي ولا أي أحد، لأن أبا بكر هو الذي كسر الله به شوكة المُرتَدين، فجزيرة العرب ارتدت من عند آخرها – كلها وليس فقط جماعة سجاح ومُسيلمة والأسود وطُليحة أيام الرسول – إلا أربعة مساجد كما قال الإمام الخطّابي وغيره، فقط بقيَ الأذان يُرفَع في أربعةِ مساجد وكل العرب ارتدوا على أدبارهم، فهى قبائل عنيفة ولديها عقلية قبلية، فلم يُفلِح فيهم بهذه السُرعة منطق الدولة المُوحِّدة الدامجة، فهم لا يستطيعون أن يتقبَّلوا هذا، فالعرب كانوا يعيشون على أساس أن كل قبيلة هى دولة بحيالها ولذلك عادوا إلى هذا، فلو لم يكن الصدّيق ولو لم يُفلِح الصدّيق في قمع تلكم الفتنة العمياء الطخياء لا بقيَ إسلام أصلاً لا سُنة ولا شيعة ولا عليّ ولا عمر ولانتهى كل شيئ، فلماذا يُسَب صدّيق الأمة إذن؟!
وأسمع لمُتشيِّعٍ مصري للأسف يقولون عنه أنه عالم أزهري وهو ليس عالماً أزهرياً بل هو جاهلٌ أزهري، فلا يُمكِن أن تكون عالماً أزهرياً وأنت تلحن وأن يكون كلامك كله لحنٌ، فهو يلحن ويتبجَّح بأنه على استعداد أن يُناظِر كبار علماء السُنة بعد أن أصبح شيعياً، ونحن نقول له أنت حُر أن تُصبِح شيعياً ولكنك لست حُراً أن تكون قليل أدب وشتّاماً وسبّاباً وعيّاباً ، زُهاء عشر دقائق يتكلَّم فيها هذا الرجل عن السيدة عائشة بطريقة مُسيئة، ولن أذكر إسمه لأنه لا يستحق هذا لكن هذا موجود في الإنترنت Internet للأسف على اليوتيوب YouTube، فهو مشهور للأسف وقد تشيَّع من سنوات طويلة، لكن الرجل في عشر دقائق سب عائشة وأباها ولعنها وأباها وبالصيغة العربية العامية السافلة التي لا تليق إلا بأمثاله، فكان يقول “يلعن أبوكِ يا عائشة، الله يلعن أبوكِ” فمَن الذي يستفيد مِن هذا البذاء ومِن هذا الفُحش زمِن قلة الأدب هذه؟!
أنا قلت أن لو كان لدى الشيعة مُسكة من عقل لنفوا هذا ولتبرأوا منه ولقالوا “هذا أحمق، ولا هو شيعي ولا هو سُني، ونحن منه براء”، وهو حقيقةً لأنه أحسن مَن يُكرِّه الناس في الشيعة وأحسن مَن يُبغِّض الشيعة إلى الناس مثل هذا الكلام، إذا كان التشيّع هو استطالة اللسان في سب كبار الأمة وأجلة الأمة ورجالات الأمة وبُناة الإسلام فأنا أقول لكم هذا التشيّع ليس من عاقل ولا سليم القلب ولا صحيح النظر والرأي يُريده، فكل إنسان مِمَن وصفت سيُبغِض ويلعن هذا التشيّع، لكن هل كان عليٌّ – عليه السلام – الإمام عليّ هو أُس التشيّع فهم تشيَّعوا ويتشيَّعون له – سبّاباً أو شتّاماً أو لعّاناً أو عيّاباً؟ هل كان يُبغِض أبا بكر وعمر وعثمان إلى هذه الدرجة التي يُلِّح عليها إخوتنا الشيعة الاثنا عشرية؟ غير صحيح، والله العظيم غير صحيح، وأنا على منبر رسول الله أقول والله العظيم غير صحيح، ولا أُجازِف بهذ القول!
أنا ذات مرة أقتبست مِن نهج البلاغة مِن على هذا المنبر قول الإمام أبي الحسن – عليه السلام – لكن هم يقولون أن هذا في بعض أصحابه، وهو ليس في بعض أصحابه، وسوف تعلمون في مَن قال هذا القول، لأن مَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ سوف يعلم أن هذا القول أول مصداق له بل المصداق الأوحد الوحيد له هو شخصٌ واحد وسوف تعلمون مَن هو، الإمام عليّ يقول “لله بلاء فلان – أي لله ما أبلى الله في الخيرِ، فهو يدعو له بالخير وبأن يكون في موازين أعماله ما أبلى في سبيل الله والدين، وفي بعض النُسخ بلاد فلان، والعرب تقول لله بلاد فلان – أو لله بلاد فلان لقد قوَّم الأوَد – قوَّم العوَج أو العِوج في المادي والمعنوي – وداوى العمَد – أي الجُرح، علماً بأنهم حذفوه هذا الفلان الفلاني، فعليّ لم يقل فلان وإنما قال فلاناً بإسمه، مثل أن يقول لله بلاد سعيد وبلاد مسعود وهكذا، وسوف نرى مَن هو هذا السعيد المسعود الآن، وهو سعيد مسعود بلا شك، رضيَ الله تعالى عنهم أجمعين – وأقام السُنة وخلَّف الفتنة وذهب نقيَ الثوب – علماً بأن هذا في نهج البلاغة – قليل العيب، أصاب خيرها وسبق شرها وأدى إلى اللهِ طاعته واتقاه بحقه ثم رحل وتركهم في شعوبٍ لا يستهدي فيها الضالُ ولا يستيقن المُهتدي”، فاسمعوا هذه الشهادة جيداً وقولوا لي: هل يتحدَّث عن رجل ذي شأنٍ صغير أورجل في الجيش من أصحابه، أم أنه يتحدَّث عن رجل يبدو أنه تولّى أمر الأمة لكي يُقيم السُنة ويُخلِّف الفتنة ويُقيم الأوَد ويُداوي العمَد، فهو أصاب خيرها وهو خير الخلافة طبعاً، فآخر الخير الخلافة – بإذن الله – والأمر مُستوثِق والأمة جميع وحبلها غير مُضطرِب ورؤيتها واضحة غير زائغة أو زائلة وموقفها وبصرها حديد، والمقصود بهذا الكلام هو عمر رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه، فلا ينطبق هذا إلا على عمر، والأحاديث تُؤكِّد أن هذا قيل في عمر – رضيَ الله تعالى عن عمر – وإن رغمت أنوف وورمت أنوف فلترم ولترغم لأن نحن أُناسٌ – والله – لسنا مُتعصِّبين حتى للصحابة، نحن لا نتعصَّب إلا للحق، ولسنا نُحِب إلا الإسلام، فمحبتنا وقلبنا – إن شاء الله – هو دين الله، ولا تعنينا العنوانات واللافتات التي تتعلَّق بالسُنة والشعية والاثنا عشرية والزيذية، كل هذا لا يعنينا ولكن يعنينا الحق الذي ندفع به عن أنفسنا بين يدي الله في موقفٍ عظيم غداً، فنسأل الله أن يُثبِّت موقفنا وأن يُلهِمنا الصواب.
قال الإمام عليّ “وأدى إلى الله طاعته واتقاه بحقه ثم رحل وتركهم في شعوبٍ لا يستهدي فيها الضالُ ولا يستيقن المُهتدي”، فهذا هو عمر.
استنصر أخوه عثمان – رضيَ الله تعالى عنهما – به قبل يوم الدار أو أثناء يوم الدار – يوم قتل الشهيد عثمان – وأتاه وتكلَّم معاه بكلام، كلام الأخ الناصح الشفيق المُحِب الذي يُريد الخير له، فهذا هو عليّ – عليه السلام – الذي أُحِبه واُقدِّره وأُسلِّم عليه، هذا عليّ الذي أومِن به، وليس عليّاً المُتاقي الذي يجمع الصدق مع الكذب والظاهر مع الباطن ويُنافِق ويُداجي ويجبن ويُغلَب على أمر عِرضه، فهم يقولون ” عمر أخذ ابنته أم كلثوم بالقوة ” وهذا غير صحيح، فهذا عليّ الذي لا أُحِبه، لكن أنا أحببت عليّاً الرجل كما أحبه العقّاد وقال عنه “هذا الرجل الفارس”، فأحببتُ فيه الرجل الفارس الكامل التام الصادق النزيه الطاهر الباريء الساحة المُكلَّم المُحدَّث المُلهَم، فهو فارس الإسلام ورجل الإسلام، هذا هو الذي أُحِبه، فلماذا يُصوِّره إخواتنا الشيعة بطريقة تُخالِف الواقع وهم يظنون أنهم يُحسِنون إليه؟ لكن أنا أقول لهم “أنتم لا تُحسِنون إليه بل أنتم تُسيئون إليه”، فيجب أن يفهموا – والله – هذا، وأرجو أن يُفكِّروا في هذا الكلام إن سمعوه أو سمعه بعضهم، فأرجو أن يُفكِّروا فيه جيداً حيث يُوجَد فرق كبير بين هذا العليّ وهذا العليّ أو بين هذا العليّ وهذا عليّ، فهذا عليّ بلا شك، والآن يكتب أحد علماء الدين في إيران كتاباً في مقتل عمر، ويطبع الكتاب فيضطَر الأزهر أن يُعقِّب عليه بعد أن جرح أفئدتنا وجرح مشاعرنا به، فلماذا تفعل هذا أيها العالم وأيها الإخ في الإسلام؟!
على كل حال هذا الرجل كان كتب كتاباً في مقتل عمر ومُبارَكة مقتل عمر، وطبعاً للأسف لأبي لؤلؤة المجوسي مقامٌ في كاشان Kashan بإيران يُزار، فيكتب هذا العالم “زيارته أرجى وأدعى لحصول الثواب والأجر عند الله من زيارة سائر قبور المُؤمِنين”، يقصد قبر أبي لؤلؤة المجوسي لعنة الله عليه، لكن هو يقول “رضيَ الله عنه وأرضاه، وجبت له الجنة”، فبماذا يا رجل وجبت له؟ قال “بقتل الجبت الطاغوت الكافر الطاغية عمر بن الخطاب، فهو ما قتله إلا بأمر عليّ بن أبي طالب”، وهذا غير صحيح، فهل عليّ – عليه السلام – غدّار؟ عليّ لو أراد أن يقتل عمر وكان عمر في ناظره يستحق القتل لدعاه إلى المُبارَزة أمام الناس، وهو قديرٌ على قتله بلا شك، وليس مثل عمر مَن يُنازِل عليّاً لأنه معروف في القتال وفي الفروسية، فعليّ لا يُمكِن أن يكون غدّار,
مسلم بن عقيلة أيها الإخوة – وقد حدَّثتكم بعد خُطبة جُمعة بهذا – كان يستطيع أن يقتل عُبيد الله بن زياد – لعنة الله عليه وعلى أبيه – ولكنه لم يفعل حين جاء يزور هانيء بن عُروة في بيته وقد اتفق مع هانيء على قتله ولكن مسلماً لم يفعل، فقال هانيء: لماذا لم تقتله وتُرِح الناس منه؟ فقال تذكَّرت قول النبي “الإيمان قيد الفتك، لا يفتك مُؤمِن، لكل غادر لواء يوم القيامة” وبالتالي لا يُمكِن أن أغدر، فأنا اُقاتِل مُبارَزة، أما أن أغدر بعدوي فهذا لا يُمكِن، وعُبيد الله ابن مرجانة – لعنة الله عليه البعيد – هو الذي باء بعد أيام قليلة بقتل أبي عبد الله الحسين وأهل بيت رسول الله، فهل عليّ يفعلها؟ هل عليّ يأمر المجوسي اللعين بقتل عمر غيلةً من تحت إلى تحت ومن تحت الطاولة بل ويُعطيه ذهباً وفضة من أجل هذا؟!
وانظروا إلى هذا الأثرم الملووث المهبول، حيث قال “عليّ أمر أبا لؤلؤة بقتل عمر ليمنع عمر من الوصول إلى العِرض المصون أم كلثوم”، وهذا كذب، فعمر وصل إليها وأولدها وخلَّف منها زيداً ابن أم كلثوم، فما هذا الكذب؟ ثم قال “لأنها كالقرآن المصون لا يمسه إلا المُطهَّرون”، وهذا كذب وسخافات وحقارات، فلو كان عليٌّ يكره عمر – والله العظيم – لما أعطاه ابنته ولقال له “لا، دون ذلك خَرْطُ القَتادِ، يستحيل أن تنال عِرضي ولست مَن يناله”، ولكن بالعكس، عليّ وافف مُباشَرة وقال نأخذ رأي البنت وأنا مُوافِق، لأنه يُحِب عمر.
وأنا سألت إخواننا الشيعة وقلت لهم أنتم تقرأون مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصفهاني عن مقاتل الطالبيين وتعلمون أن الرجل يذكر بشكلٍ واضح أن مِن ضمن أبناء الإمام عليّ مَن إسمه أبو بكر وأن أحد أبنائه الذكور إسمه عمر وأن ثالثهم إسمه عثمان، فلماذا يُسمي عليّ أبناءه بأسماء هؤلاء الصحابة الأجلاء؟ علماً بأن هذا الكتاب – مقاتل الطالبيين – يُقدِّره الشيع جداً جداً جداً ويقرأونه في العاشوريات وفي غيرها، والعجيب أن مُعظَم أبنائه فعلوا مثل فعله، فالحسن والحسين وزين العابدين وغيرهم سموا أبناءهم بأسماء أبي بكر وعمر، وبعضهم كان يسمي بإسم عثمان أيضاً، وهذا مذكور في الكتاب والله، فهذه كلها أكاذيب لأنهم كانوا إخوة مُتحابين نعم قد يختلفون وهذا طبيعي جداً لكنهم يُحِبون بعضهم بعضا، فعادي أن يختلفوا في أشياء مُعيَّنة وأن يختلف تقديرهم للأمور، لكنهم كانوا يُحِبون بعضهم ومن هنا كان عمر يستشير عليّاً، فلو كان عمر يعلم أن عليّاً ينطوي على دغل وينطوي على على كرهٍ وبُغضةً له أكان يستشيره مثل هذه الشورى؟ عمر كان يستشير عليّاً ويقول له “يا أبا الحسن أُريد أن أشخص إلى الروم بنفسي”، وفي واقعة ثانية “أريد أن أشخص إلى قتال الفرس – ربما في القادسية – بنفسي”، وفي المرتين كلتيهما يُثنيه الإمام عليّ عن الشخوص بنفسه ويقول له “لا، أنت أصلُ العرب”، فكيف يقول له هذا لو كان يكرهها؟ فلو كان عليّاً يُريد أن يتخلَّص منه طمعاً في الخلافة المسروقة المسلوبة لقال له على بركة الله لأن أحسن شيئ هو أن تكون في رأس الجُند يا أبا حفص لكي تُشجِّعهم وتُقوِّيهم وتُثبِّتهم وتُثني عليهم، لكنه لم يقل له هذا بل رفض وقال له في المرتين إياك أن تفعل، فأرجو من إخواني الشيعة أن يُفسِّروا لي هذا، فهل هو يكرهه جداً ويتمنى موته ودسَّ له مَن قتله ولكنه كان يضن به على الموت على أيدي الروم؟ وهذا موجود في نهج البلاغة، وعلينا أن ننتبه إلى هذا لأنني أنا لا أستشهد إلا بنهج البلاغة، فلا يعنيني هنا لا بخاري ولا مسلم لأن هم لا يُؤمِنون لا ببخاري ولا بمسلم، ولذلك أنا أقول لهم أنا أُريد جواباً لأن هذه الحقائق عندكم أنتم يا إخواننا الشيعة، ونسأل الله أن يهدينا ويهديكم جميعاً إلى سواء السبيل.
أصبح المرء حزيناً، ولذلك أنا هنا كرجل سُني أقوم وأُنكِر على مُعاوية وأعلم أن مِن أهل السُنة مَن يُحِبون مُعاوية ويُبالِغون في الترضي عنه كأنه كان صحابياً جليلاً، لكن هو عندنا ليس صحابياً جليلاً حقيقةً أو على الأقل عندي أنا ليس صحابياً جليلاً، فمُعاوية عبث بالإسلام، مُعاوية أُس البلاء السياسي في أُمتنا إلى اليوم، علماً بأنني قلت هذا مرات وسأقوله دائماً لأن هذا هو مُعتقَدي، ومَن يُخالِف فليأت ليُناقِش، فهذا نقاش علمي ولا علاقة له بالقضايا العقدية، ابن تيمية نفسه قال “خلق الأفعال وخلق القرآن والرؤية ليست قضايا كفر وإيمان”، فلا تُكفِّرنا بآراء في السياسة والتاريخ والزم حدك، فحتى أهل السُنة الذين يُحِبون مُعاوية ويُبالِغون في الترضي عنه كلهم يقولون أن مُعاوية كان ملكاً كما قال عن نفسه ونقل هذا ابن كثير والطبري، فمُعاوية قال “أنا آخر خليفة وأول ملك”، والنبي سبق وأشار إلى هذا، لكن على كل حال الرجل كان ملكاً ولم يكن خليفةً ولم يعمل كخليفة بل هو عمل كملك وتصرَّف كملك، والذي يتصرَّف كملك يقع في الظلم والعسف والإجرام وتبديل الشرائع والسُنن، ومُعاوية فعل هذا كله وفعل ما هو أزيد منه، ثم أنني لم أجد عالماً سُنياً أبداً يقول في قتال عليّ ومُعاوية “عليّ أخطأ ومُعاوية أصاب”، وحتى ابن تيمية الذي يكرهه الشيعة إلى يوم الدين لم يقل هذا أبداً، فكل علمائنا يقولون “الفئة الباغية كنت فئة مُعاوية وحزبه”، فهؤلاء كانوا بُغاة، ولكن علمائنا يقولون أيضاً “اجتهدوا فأخطأوا”، فهم لا يُحِبون أن يُفتِّشوا في النوايا كما يدّعون، لكن المسألة لا تتعلَّق بالنوايا، فالمسألة تتعلَّق بالقرائن والأدلة، ولكن هم يقولون هذا، وهذا القول قابل للنقاش.
يزيد بن مُعاوية – لعنة الله عليه – قال عنه ابن حجر – علماً بأنني ذكرت لكم هذا من قبل – وهو الذي يُدافِع عن أبيه في كُتيب “مع اتفاقهم على تفسيقه”، بمعنى أن كل علماء أهل السُنة والجماعة أطبقوا على تفسيق يزيد، فهو رجلٌ فاسق ولم يقل أحد أنه صحابي أوتابعي مرضي رضيَ الله عنه أو حتى ملك عظيم وطيب ومُمتاز أبداً، بل قالوا “هو رجل فاسق”
فهذه هى أكثر مُبالَغات أهل السُنة والحمد لله، لكن أنتم تلعنون عمر وتلعنون أبا بكر وعائشة وحفصة وعثمان وخالداً وطلحة والزُبير، بل تتكلَّمون بكلامٍ عظيم فظيع في كل الصحابة باستثناء كذا وكذا – مرة خمسة ومرة ستة – فما هذا؟ هذا قول مُخيف جداً جداً جداً، فكيف ستقوم وحدة إذن؟ كيف ستطيب القلوب؟ كيف ستهدأ النفوس وأنتم تُصِرون على هذا؟ لا أدري لمصلحة مَن هذا، مَن الذي يُصِر على هذا؟ ومَن الذي يُمعِن في هذا؟ إذن أنا كسُني لدي القدرة أن أتراجع وأن أتنازل، وأنا لن أذكر يزيد بخير ولن أجعل مُعاوية خامس الراشدين، ولم يقل بهذا رجل يعلم ماذا يخرج مِن رأسه، فالأمة كلها تعلم أن خامس الراشدين عمر بن عبد العزيز، وفي الحقيقة هو سادسهم لكن خامسهم حكم مُدة قليلة – ستة أشهر – فلم تُحتسَب وهو الحسن بن عليّ – عليهما السلام – الذي كان الخليفة الراشد الخامس، ولكن مُدته – عليه السلام – كانت ستة أشهر فلم تُحتسَب لأنها كانت قليلة جداً ونُغِّصَت عليه تنغيصاً شديداً، فإذن عمر بن عبد العزيز هو سادس الراشدين، ومُعاوية تُوفيَ سنة ستين تُوفيَ، ثم جاء ابن عبد العزيز بعد أن عرفت الأمة أن أمرها سُلِب، فهؤلاء ظلمة ومُتغلِّبون بدءاً من مُعاوية وبالتالي لا أحد منهم راشد، فالأمة تعلم – بفضل الله – هذا، وأهل السُنة يعلمون هذا، ونحن نقول بهذا، وإن كان لهم بعض الأقوال التي تحتاج إلى نقاش، فيجب أن تُناقَش بهدوء دون أن تُوغِل الصدور جداً منها، ولكن أنتم حوَّلتم السياسة والتاريخ إلى دين وإلى كفر وإيمان وهذا شيئ مُخيف جداً جداً جداً، وهناك مَن يقول “أبو بكر وعمر سارقان، سرقا عليّاً خلافته”، فكيف يُقال هذا؟ كيف يطيب قلبي إذن؟ كيف يُمكِن حتى أن يطيب ما بيننا وأنت تتهم أجلاء الأمة – هم ليسوا أجلاءنا نحن فقط وإنما هم أجلاء أمة محمد – بأنهم سرّاق ولصوص؟ كيف سرقوها وعاشوا فقراء – ما شاء الله – وماتوا فقرا ومدينين؟ فلماذا سرقوها إذن؟ هل سرقوها لكي يدخلوا جهنم دون أن يستفيدوا منها ولو بثوب أو بعير؟ أين العقل هنا؟ ثم أين أنتم من كلام أبي الحسن – عليه السلام – في نهج البلاغة الذي سأذكره لكم بنصه وفصه الآن؟ استمعوا- بالله عليكم جيداً، حيث كتب عليّ إلى مُعاوية “إني بايعني القومُ الذي بايعوا أبا بكرٍ وعمراً وعثماناً فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد، وإنما الشورى – عليّ يتحدَّث عن الشورى وليس عن الوصية، فأين الوصية هنا التي تدّعون أنه كان يُريد أن يكتبها وأن عمر منعه من أن يكتبها؟ هذه كلها خيالات، ولو كان هذا ديناً وإيماناً لذكره الله على سُنة الوضوح والبيان التام في كتابه فلو كانت قضية أن الخلافة وصية وأنها في عليّ ثم في الحسن ثم في الحسين ونسله إلى أن تتم العدة اثني عشر إماماً لذكر الله هذا – والله – بل ولذكرهم بأسمائهم لأن هذا دين، فكيف تقول لي أنه دين ولم يذكر الله في كتاب لا اثني عشر ولا أربعة عشر ولا عشرين ولا أي شيئ من هذا الكلام، فضلاً عن أن عليّ يقول شورى – للمُهاجِرين والأنصار فإن اختاروا رجلاً وأجمعوا عليه – أي اختاروه خليفة وأجمعوا عليه – كان ذلك لله رضاً”، الله أكبر، عليّ يقول “هذا ما يُرضي الله تبارك وتعالى”، إذن عليّ صاحب نظرية الشورى وليس الوصية، وأُؤكِّد أن هذا في نهج البلاغة، ففسِّروا لنا هذا وأعيرونا عقلكم بصراحة لكي نفهم، ولا يقل لي أحد هناك خُطب أُخرى لأن هذه الخطب منحولة ومكذوبة على عليّ في نهج البلاغة، فعليّ لا يتناقض لأنه رجل عاقل ومُلهَم وصادق وبالتالي لا يتناقض، بل ولا يُتاقي لأنه لا يخشى إلا الله تبارك وتعالى .
وهذا نستطيع أن نُفسِّر به كل مواقف عليّ، فكيف عليّ يُجاهِد ويُقاتِل ويعمل قاضياً لأبي بكر وعمر؟ لأنه يرى أنهما خليفتان يستحقان الخلافة وأنهما مرضيان لله وللأمة رضاً، فهو يراهما كذلك ولذلك هو قاتل تحت ألويتهم وعمل لهما وزوَّج ابنته من ثانيهما وهو الفاروق بل وسمى أولاده بأسمائهم، فهذا هو الذي يُفسِّر لي أن هذه الخُطبة صحيحة، وما عاكسها من سب ابن قُحافة وسب ابن الخطّاب والشقشقية وغير الشقشقية أعلم أنه كذب لأنه لا يتفق مع مُجمَل سيرة عليّ من إخوانه أبي بكر وعمر وعثمان.
ثم قال الإمام عليّ “فإن خرج عن أمرهم خارج ببدعةٍ أو معصية ردوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على اتباع غير سبيل المُؤمِنين، وولاه الله ما تولى”، فهذا هو نص كلام عليّ وفصه في نهج البلاغة!
عليّ دخل على عثمان وقال له “فلا يكونن أو ليس ابن أبي قُحافة ولا ابن الخطّاب بأولى بعمل الحقِ منك”، فبماذا يشهد هنا الإمام عليّ؟ يشهد بأن أبا بكر وعمر عملا بالحق، ومن ثم ويقول له اعمل مثلهم وكُن مثلهم لأنهم أهل حق، فهم ليسوا باللصوص ولا بالكذبة.
إذن هذا في نهج البلاغة، علماً بأن النصوص التي تُؤكِّد هذا كثيرة جداً، وعليّ يتجلّى في جلاله وجماله وكماله وعظمة شخصيته حين يكتب أيضاً أو حين يخطب، علماً بأنه كُتِب هذا في نهج البلاغة، وقال في أيام صفين مع أهل الشام “وكان بدء أمرنا أنا التقينا والقوم من أهل الشام والظاهرُ أن ربنا واحد – أي أن هذا هو الظاهر لي وبالتالي نحن أمة واحدة، ومن هنا علنا أن ننتبه إلى أنه لم يُكفِّر أهل الشام – ودعوتنا في الإسلام واحدة، ولسنا نستزيدهم تصديقاً بالله أو إيماناً بالله وتصديقاً برسوله ولا يستزيدوننا”، الله أكبر، هذا هو عليّ، هذا عليّ المُنصِف التقي الذي لا يُقابِل الناس حتى إن سبوه بسب وإن لعنوه بلعن وإن كفَّروه كالخوارج بتكفير أبداً، لأنه يعلم أن هذه حقوق لله – تبارك وتعالى – وهو يرعى حق الله – عليه السلام – ويتقيه، فهذا هو عليّ الذي أومِن به حقيقة وأُومِن بأن هذه هى شخصيته، إذن مثل هذا كلامٌ يُصدَّق، فأين أنتم منه؟!
ثم أن هذه القضية أكل عليها الدهر وشرب وانتهى كل شيئ، فهل سيُبعَث الآن أئمة أهل البيت ويلون أمر خلافة الأمة من جديد؟ هذا مُستحيل، هذا الشيئ انتهى ولا رجعة فيه، فلماذا نُعيدها جذعة؟!
رحمة الله على شهيد الإسلام المُفكِّر الإيراني العظيم المُتنوِّر الصادق المُستبصِر عليّ شريعتي الذي كان يكتب ساخراً سُخريةً مُرة من أحد علماء الشيعة – علماً بأن هذا مذهبه لأنه شيعي – قائلاً ” هذا الإمام بعد هزيمة ونكبة سبعة وستين مُباشَرةً لم يجعل حربه على الصهيونية وعلى إسرائيل وعلى الغرب الأمريكي وغير ذلك وإنما جعل حربه على عمر وأبي بكر”، فهل هذا هو التوقيت المُناسِب لطرح هذه الموضوعات؟ هذه نكبة سبعة وستين، وضاعت العرب وضاعت القدس وضاع كل شيئ ومع ذلك ذهب أحد علماء الشيعة إلى محكمة في سبزوار Sabzevar – بلدة إيرانية مشهورة – ورفع دعوى ضد أبي بكر وعمر وبقية العصابة الجماعة واللصوص، لكن هذه الدعوى لم تكن بخصوص سينا والضفة والقدس وغزة والجولان لأن ليس له علاقة بهذا الكلام، فهو خارج التاريخ وخارج الوعي وخارج الشروط كلها على الرغم من أنه عالم دين مُعمَّم وبلحية وله مُؤلَّفات ويقوم برفع دعاوى قضائية، لكنه لم يرفع الدعوى بخصوص كل هذا وإنما رفعها بخصوص أرض فدك ادّعى أنهم اغتصبوها من فاطمة وعليّ – عليهما السلام – وبالتالي هو يُطالِب برد الأرض إلى أصحابها الشرعيين وبدفع تعويضات مالية مُتراكِمة من السنة الحادية عشرة للهجرة – أول سنة في خلافة الصدّيق – إلى ألف وثلاثمائة وتسع وسبعين هجرياً، فقال الرجل “ادفعوا لنا تعويضات”, ولكن أين إسرائيل يا مولانا؟ أين إسرائيل يا عمامة؟ ماذا تفعل الأمة إذن؟
والآن نحن نجد مِن بعض علمائنا مَن يفعل نفس الشيئ، فقد استمعنا إلى بعض المُتدينين من أهل السُنة في التلفزيون Television وهو يُقسِم بالله ويُشهِد الله على نفسه أنه يود أن لو انتصرت إسرائيل على السيد حسن نصر الله، فما أحمقه، ما هذا؟ هل جُنَّت هذه الأمة؟ ما الذي يحصل؟
أرى أن نقتصد حين نعتقد وأن نستدل وأن نرجو لله الوقار وأن نتقيه حق تقواه وأن تكون أولوياتنا توحيد الأمة لا تمزيق الأمة، وأن يتحمَّل كلٌ شطره من المسئولية، فالشيعي يتحمَّل والزيدي يتحمَّل والسُني يتحمَّل، فكل منا يجب أن يتحمَّل مسئوليته، ولسنا مُبرَّأين كسُنة وليسوا مُبرَّأين أيضاً كشيعة زيدية أو شيعة اثنا عشرية، وعلى العلماء ألا يكونوا مُسيَّسين وعلى العلماء ألا يخدموا الأجندات السياسية، لأن ما يجري كله في حقيقته ألاعيب سياسية سخيفة يُراد بها تديين هذه المسائل وتديين هذا الصراع لكي تخفى الحقيقة السياسية له ولكي يخفى الوجه السياسي ثم يُمعِنون هم في النكاية بالأمة والتألب مع أعدائها عليها، فهؤلاء الحكّام الظلمة الفسقة – والعياذ بالله – هم الذين يدفعون هؤلاء العلماء والمؤسَّسات، فهم يدفعون لهم ويدفعونهم، ولذلك ينبغي أن يكون الله أعظم في أنفسنا من هؤلاء ومما يدفعون ومما يُرهِّبون أيضاً، أي من ترغيبهم وترهيبهم لأن المسألة سياسية ليست دينية، والدليل على هذا – وأختم به – أن شيعة العراق منهم مَن يلعن نصر الله وشيعة لبنان، وشيعة لبنان منهم مَن يلعن بعض شيعة العراق، وشيعة إيران يلعنون شيعة العراق أو شطرهم، وشيعة العراق يلعنون شيعة إيران كلهم، فما هذا إذن؟ لكن بعض الناس السذج يظن أن الشيعة شيئٌ واحد، وهذا غير صحيح، فالشيعة بينهم انقسامات رهيبة ويلعن بعضهم بعضاً ويُكفِّر بعضهم بعضاً ويُزندِق بعضهم بعضاً، وهم شيعة بنفس المباديء ونفس العقائد فما الذي فرَّقهم إذن؟ السياسة وألاعيب سياسية هى التي فرَّقتهم، وهذه السياسة هى التي أيضاً تلعب على الصراع بين السُنة والشيعة، فكلها سياسة ومَن يقرأ ويُتابِع الآن يعرف هذا، وطبعاً حتى أكون واضحاً لابد أن أقول أنني هنا لا لكي أُدافِع عن إيران ولا لكي أُبَرِّئ صحيفة إيران لأنني أعلم أن لإيران سياسات وأن لها أطماعاً وأن لها خُططاً، لكن على كل حال لا ينبغي أن نُحيل ذلك إلى دين، فعلينا أن ندعه للساسة يُمارِسون فيه ألاعيب السياسة، ونحن كعلماء دين علينا أن نُؤكِّد وحدة الأمة، لأن الاستعمار في الداخل والخارج لا يُريد إلا أن تحترب هذه الأمة ليصفو له تقسيم هذه الأمة بعد ذلك سماحاً وطواعيةً.
نسأل الله – تبارك وتعالى – أن يُفقِّهنا وأن يُعلِّمنا وأن يُنوِّرنا وأن يُبصِّرنا، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
الخُطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله تعالى عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليماً كثيراً.
أما بعد أيها الإخوة والأخوات:
بالأمس أبكتني – والله – سيدة مصرية اتصلت بالتلفزيون Television في برنامج مُعيَّن، فهى اتصلت فقط لا لتسأل الشيخ وهو شيخ فاضل ومُسِن وعالم فاضل وإنما لتدعو له، فقالت أسأل الله لك كذا وكذا وأن يأخذ من عمري ويُعطيك إياه، فبكيت وقلت “هذه ذات قلب سليم، فهى ترجو الخير للإسلام وتعلم أن شيخاً فاضلاً هادئاً مثل هذا الشيخ الذي رأيته يُعلِّم الناس أحكام الدين بهدوء وروية وبأدب عالٍ أنه نصرٌ لدينه فتسأل الله أني يأخذ من عمرها ويضع في عمره”، كثَّر الله من أمثالها، فمثل هذه ربما خيرٌ من أمثال الأرض من بعض العلماء والمشائخ والخُطباء والله العظيم، فهى مسلمة صادقة سليمة القلب!
يُوجَد طبيبٌ آخر حُدِّثت عنه في نفس اليوم فقلت “كثَّر الله من أمثاله، والله لا يُمكِن أن أُقارِن نفسي أنا بمثل هذا الرجل الصالح، فقد يكون أفضل وأكثر خيراً مني بكثير”، وهو طبيب مُختَص بالأطفال، حيث ذكرت لي مُحدِّثتي شيئاً عجيباً وهو أنه كتب على باب العيادة “مَن معه فليدفع، ومَن ليس معه هو مسامحٌ إلى يوم الدين”، ثم قالت لي “ويأتيه الناس بالمئات يتطبَّبون ويُعطيهم الأدوية من صيدليته بالمجان”، فبكيت أيضاً وقلت “هذه الأمة لا يزال فيها الخير، كثَّر الله من أمثال هؤلاء”، ثم قالت “الرجل لا يُضيِّع فرضاً واحداً من خمسة فروضه في المسجد جماعةً”، فهذا هو الإسلام الذي يُحِبه الله، هذا هو الإسلام الجميل الجليل النقي، وليس إسلام الحذلقات والتكفير والتبديع والكلام الفارغ!
إذن اعمل بفرائض الله وكُن قدوةً وابذل الخير للأمة وامهد لنفسك في الآخرة واشتغل بما يعنيك.
(انتهت الخُطبة بحمد الله)
أضف تعليق