إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:
أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:
مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩
ثم أما بعد:
ثم أما بعد أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – جل مجده – في كتابه الكريم بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:
ﻗُﻞْ ﺗَﻌَﺎﻟَﻮْﺍ ﺃَﺗْﻞُ ﻣَﺎ ﺣَﺮَّﻡَ ﺭَﺑُّﻜُﻢْ ﻋَﻠَﻴْﻜُﻢْ ﺃَﻟَّﺎ ﺗُﺸْﺮِﻛُﻮﺍ ﺑِﻪِ ﺷَﻴْﺌًﺎ ﻭَﺑِﺎﻟْﻮَﺍﻟِﺪَﻱ ِﻥْ ﺇِﺣْﺴَﺎﻧًﺎ ﻭَﻟَﺎ ﺗَﻘْﺘُﻠُﻮﺍ ﺃَﻭْﻟَﺎﺩَﻛُﻢْ ﻣِﻦْ ﺇِﻣْﻠَﺎﻕٍ ﻧَﺤْﻦُ ﻧَﺮْﺯُﻗُﻜُﻢْ ﻭَﺇِﻳَّﺎﻫُﻢْ ﻭَﻟَﺎ ﺗَﻘْﺮَﺑُﻮﺍ ﺍﻟْﻔَﻮَﺍﺣِﺶَ ﻣَﺎ ﻇَﻬَﺮَ ﻣِﻨْﻬَﺎ ﻭَﻣَﺎ ﺑَﻄَﻦَ ﻭَﻟَﺎ ﺗَﻘْﺘُﻠُﻮﺍ ﺍﻟﻨَّﻔْﺲَ ﺍﻟَّﺘِﻲ ﺣَﺮَّﻡَ ﺍﻟﻠَّﻪُ ﺇِﻟَّﺎ ﺑِﺎﻟْﺤَﻖِّ ﺫَﻟِﻜُﻢْ ﻭَﺻَّﺎﻛُﻢْ ﺑِﻪِ ﻟَﻌَﻠَّﻜُﻢْ ﺗَﻌْﻘِﻠُﻮﻥَ ۩ ﻭَﻟَﺎ ﺗَﻘْﺮَﺑُﻮﺍ ﻣَﺎﻝَ ﺍﻟْﻴَﺘِﻴﻢِ ﺇِﻟَّﺎ ﺑِﺎﻟَّﺘِﻲ ﻫِﻲَﺃَﺣْﺴَﻦُ ﺣَﺘَّﻰ ﻳَﺒْﻠُﻎَ ﺃَﺷُﺪَّﻩُ ﻭَﺃَﻭْﻓُﻮﺍ ﺍﻟْﻜَﻴْﻞَ ﻭَﺍﻟْﻤِﻴﺰَﺍﻥَ ﺑِﺎﻟْﻘِﺴْﻂِ ﻟَﺎ ﻧُﻜَﻠِّﻒُ ﻧَﻔْﺴًﺎ ﺇِﻟَّﺎ ﻭُﺳْﻌَﻬَﺎ ﻭَﺇِﺫَﺍ ﻗُﻠْﺘُﻢْ ﻓَﺎﻋْﺪِﻟُﻮﺍ ﻭَﻟَﻮْ ﻛَﺎﻥَ ﺫَﺍ ﻗُﺮْﺑَﻰ ﻭَﺑِﻌَﻬْﺪِ ﺍﻟﻠَّﻪِ ﺃَﻭْﻓُﻮﺍ ﺫَﻟِﻜُﻢْ ﻭَﺻَّﺎﻛُﻢْ ﺑِﻪِ ﻟَﻌَﻠَّﻜُﻢْ ﺗَﺬَﻛَّﺮُﻭﻥَ ۩ ﻭَﺃَﻥَّ ﻫَﺬَﺍ ﺻِﺮَﺍﻃِﻲ ﻣُﺴْﺘَﻘِﻴﻤًﺎ ﻓَﺎﺗَّﺒِﻌُﻮﻩُ ﻭَﻟَﺎ ﺗَﺘَّﺒِﻌُﻮﺍ ﺍﻟﺴُّﺒُﻞَ ﻓَﺘَﻔَﺮَّﻕَ ﺑِﻜُﻢْ ﻋَﻦْ ﺳَﺒِﻴﻠِﻪِ ﺫَﻟِﻜُﻢْ ﻭَﺻَّﺎﻛُﻢْ ﺑِﻪِ ﻟَﻌَﻠَّﻜُﻢْ ﺗَﺘَّﻘُﻮﻥَ ۩ ﺛُﻢَّ ﺁَﺗَﻴْﻨَﺎ ﻣُﻮﺳَﻰ ﺍﻟْﻜِﺘَﺎﺏَ ﺗَﻤَﺎﻣًﺎ ﻋَﻠَﻰ ﺍﻟَّﺬِﻱ ﺃَﺣْﺴَﻦَ ﻭَﺗَﻔْﺼِﻴﻠًﺎ ﻟِﻜُﻞِّ ﺷَﻲْﺀٍ ﻭَﻫُﺪًﻯ ﻭَﺭَﺣْﻤَﺔً ﻟَﻌَﻠَّﻬُﻢْ ﺑِﻠِﻘَﺎﺀِ ﺭَﺑِّﻬِﻢْ ﻳُﺆْﻣِﻨُﻮﻥَ ۩ ﻭَﻫَﺬَﺍ ﻛِﺘَﺎﺏٌ ﺃَﻧْﺰَﻟْﻨَﺎﻩُ ﻣُﺒَﺎﺭَﻙٌ ﻓَﺎﺗَّﺒِﻌُﻮﻩُ ﻭَﺍﺗَّﻘُﻮﺍ ﻟَﻌَﻠَّﻜُﻢْ ﺗُﺮْﺣَﻤُﻮﻥَ ۩
صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط. آمين اللهم آمين.
إخواني وأخواتي:
لا أحسبُ أن ثمة كتاباً إلهياً يُضارِع القرآن أو يدانيه في قوته الاقتراحية بصدد وبشأن العدل والعدالة، فالعدلُ المُبرِّر الرئيس لإرسال الرسل وتنبئة الأنبياء، والعدل مأمورٌ به الخاتم – عليه الصلاة وأفضل السلام – أن يتعاطاه خُطةً بين أفراد أمته، أمة الدعوة وأمة الإجابة، تقول الآية الكريمة وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ۩، والعدلُ يكون في القول ويكون في الفعل ويكون في الشهادة ويكون في القضاء والحكم، والعدل الذي يكون في القول عامٌ ولا أعم، يعم الأقوال كلها علي نحو ما سمعتم من هذة الآيات الجليلة من سورة الأنعام، قال الله وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا ۩، إذا قلتم عمَّت الأقوال كلها في الصلح وفي الخصومة، قال الله فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ۩ وقال أيضاً وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ ۩، إذن مع مَن نُحِب ومع مَن نكره في الصلح والمُسالَمة وفي الكره والمُخاصَمة، لابد من العدل، العدل نحن مأمورون أن نقوم به وأن نشهد به علي نحوما نحن مأمورون أيضا بأن نقوم لله ونشهد لله، نقوم بالعدل ونشهد به، ونقوم لله ونشهد له، فهذه بالباء وهذه باللام، هذا ما تحصَّل بمُقارَنة آياتين جليلتين غبيَ وجه الفرق في التعبير بينهما على بعض مَن تأملهما، أعني قوله – جل مجده – من سورة النساء يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ ۩، فالشهادة لله والقيام بالقسط، والقسط ماهو؟ القسط أخص من العدل، العدل أعم من القسط، القسط كلمة أعجمية، ودليل أعجميتها أنها إلى الآن في اللغات الهندوأوروبية تحكي أصلها، قسط و Just & Justice، هى نفسها إذن، كلمة أعجمية وتعني العدل في الحكومة، أي العدل في القضاء أو العدل القضائي، أما العدل القرآني فهو أوسع من هذا، هو في القضاء وفي غير القضاء بل في كل شيئ، نحن مأمورون بالعدل في كل شيئ، مأمورون بالعدل في الأحكام والأقضية، أي بالقسط، وهذا سر هذه الآية، إذن هذه الآية تتحدَّث عن ماذا؟ هذا المفتاح الذي يجعلنا نقف على خصوصية هذه الآية وعلي ما يفرق بينها وبين آية المائدة التي سأتلوها بعيد قليل، قال الله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ ۩، وهذة الآية كما لاحظ نفر من السادة المُفسِّرين جاءت تقريبا في نهاية سياق طويل ابتدأ بقول الحق – جل مجده – إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً ۩، وذلك في قصة بنو أُبيرق أو طُعْمة بن أُبيرق مع اليهودي وأنتم تعلمونها تقريباً جميعاً، إذن هذا رأس السياق لذا قال في آخره كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ ۩، أي في قضايا الحكومات والعدل القضائي، الآية في العدل القضائي، قال الله كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ ۩، قد يقول قائل نعم لدي من تقوى الله ومن الورع والمخافة والتوقير لأمر الله – تبارك وتعالى – ما يحملني على أن أشهد حتى على نفسي وعلى أن أقضي على نفسي حين يكون الحق في جانب خصمي، لا يلحقني معرة من هذا، لكن قد تلحقني معرة إن شهدت علي ابي أو أمي، قال الله – تبارك وتعالى – أَوِ الْوَالِدَيْنِ ۩، حتي وإن لحقتك معرة في مُجتمَع قبلي يُولي هذه المسائل من الاعتبار ما لا يُوليها المُجتمَع المدني، قال أَوِ الْوَالِدَيْنِ ۩، أي حتى علي أبيك أو على أمك، قال الله أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ۚ إِن يَكُنْ – المقضي عليه أو المشهود له أو عليه – غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا ۩، هذا لا ينبغي أن يُولى اعتباراً ولو أدنى اعتبار في قضية القضاء والشهادة، أي في باب القضاء والشهادة، بغض النظر عن هذا فإن الله يتولى أمره غنياً كان أو فقيراً، الله يستصلح حاله، لا تفعل أنت بالحيف في الشهادة أو المين في القضاء، هذا ممنوع طبعاً، القرآن عجيب، آية عجيبة جامعة مانعة في كلمات يُمكِن أن تُشرَح في صحائف طويلة مسهبة، قال الله إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا ۖ فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى ۩، كل ما يحملك على أن تتحيف في باب الشهادة أو القضاء فهو هوى، هوى فردي أو هوى جماعي، هوى القبيلة والعشيرة أو هوى الحزب والجماعة أو هوى المؤسسة أو هوى الطائفة والمذهب أو هوى الناس أو هوى المجتمع والأمة، هذا كله هوى أيا كان هذا الهوى، وليس بالضرورة أن يكون هوىً فردياً، قد يُراعي المرء هوى الجماعة الذي يأتي أحيانا على الضدد من هواه لكنه هوى أيضاً، وسيهوي به ربما في نار جهنم، الباب خطير جداً، لابد من العدل في القضاء والعدل في الشهادة، قال الله فَاللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا ۖ فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُوا ۚ وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ۩، وقول الله وَإِن تَلْوُواْ ۩ من اللي وهو الثني واللفت، قال الله لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ ۩ وقال أيضاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ ۩، ممنوع أن تلوي لسانك بالشهادة أو تلوي لسانك في الحكم كقاضٍ، هذا ممنوع فيجب أن تُؤدي الشهادة على وجهها كما يرضى الله ولا يرضى إلا بأن تُؤدَّى على وجهها، ويجب أن تلفظ وأن تنطق بالحكم كما يرضى الله على وجهه وعن علم، ليس عن هوى وليس عن جهل، إذا فعلت عن هوى وعن جهل فأنت قاضٍ من اللذين هما في النا ، والقضاة ثلاثة، واحدٌ فقط في الجنة، قاضٍ قضى عن علم وقضى بالحق، هذا في الجنة، أما اللذان في النار، فقاضٍ قضى بجهل، أصاب أم أخطأ فهو في النار، هذا ممنوع طبعاً، الذي يقضي بجهل يتنطَّع لما لا يعلم ويُريد أن يفصل في الخصومات وهو ليس بقاض، هو قاضٍ فضولي وقاضٍ متطفل، هو في النار وإن صادف الحق، لأن مُصادَفته للحق كانت عن جهل ولم تكن عن علم وبالتالي لم تكن عن نية وقصد فلا تُفيده شيئاً، لا تُجديه أيما جدوى، لا تجديه أدنى جدوى، فهذا في النار، وقاضٍ قضى بالباطل – أي وإن كان عالماً، قضى بعلم لكنه قضى بالباطل ولم يُراع ما يعلمه وحرَّف – فهو في النار والعياذ بالله، نسأل الله لطفه والسلامة والنجاة في الدارين، قال الله فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً ۩، وأيضا اللي يأتي بمعنى التثاقل، ممنوع أن تتثاقل في أداء الشهادة، قال الله وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ ۩، فاللي يأتي بمعنى التثاقل، ممنوع أيضاً أن تتثاقل في في تمكين الخصم من حقه كقاضٍ، فموقع الكلمة عجيب هنا وبليغ جداً، موقع كلمة وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ ۩ عجيب لأنه يدور على أكثر من معنىً، هذه آية النساء، أما آية المائدة فهي قول الحق – سبحانه وتعالى من قائل – يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ۩ إذن هنا القيام ليس بالقسط، لكن هناك قال كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ ۩، لماذا؟ لأن السياق في القضاء، السياق في الحكومة، فالاعتبار للحكومة، أي الاعتبار للقضاء، لأن الحكومة معناها القضاء والحاكم هو القاضي، ليس حاكم الدولة وإنما القاضي، انتبهوا لأن هذه اصطلاحات فقهية واصطلاحات نبوية، االحاكم هو القاضي والحكومة هى القضاء، فالاعتبار للحكومة لذلك قال كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ ۩، وهنا الآية الثامنة من سورة المائدة جاءت بعد تذكيره – سبحانه وتعالى – المُؤمِنين بفضله عليهم وإعزازه لهم، فدعاهم بأن يكونوا قوّامين له لا اله إلا هو، قال الله كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ ۩، فالاعتبار للقيام لله، بماذا نقوم لله؟ وفاءً بما له – لا إله إلا هو – من عهود وحقوق ومواثيق، فالاعتبار الآن للقيام – لله تبارك وتعالى – ثم تلاه بعد ذلك بالشهادة بالقسط، فتحصَّل بمُقارَنة ومن مُقارَنة الآيتين أن الله – تبارك وتعالى – يُقام له ويُشهَد له، هنا قال كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ ۩ وهناك قال كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ ۩، فالله يُقام له ويُشهَد له، واللام ليست للتعدية، اللام ليست للتعدية وإنما هى لام ماذا؟ هى لام بمعنى لأجل، قال الله كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ ۩، أي لأجل الله، وما معنى هذا؟ بمعنى أنك تشهد لأجل أن يرضى الله ولأجل ألا يسخط الله تبارك وتعالى، طلباً لمرضاته – لا إله إلا هو – وصدعاً لأمره، وقد تتأدى بك هذه الشهادة إلى مهلكة، قد تشهد على كبير وعلى مُتنفِّذ لصالح صغير محقور مهضوم، لكنك تشهد لماذا؟ لله، لا ترى كبر الكبير، إنما تري أكبر كبير لا إله إلا هو، فاللام هنا ليست لام التعدية، إنما لام لأجل، أي لأجل الله، تشهد لله تبارك وتعالى، وهذا أمرٌ عجيب، تشهد – كما قلت – ولو حتى على نفسك أو أبيك أو أمك أو ذوي قراباتك.
الفاروق عمر – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه – هو رمز العدل في هذه الأمة، يشتري من أعرابي مغمور – من غمار الناس – فرساً، يبدو كما يقول الرواه أنه أركضه بقسوة، أي أركض الفرس بقسوة، فلما عاد قال لصاحبه أرى به عيباً، كأن بساقه عيب، قال يا أمير المؤمنين أخذته سليماً، فاختلفا، وعمر الآن أمير المؤمنين وليس فرداً عادياً فانتبهوا، ولو لم يكن أمير المؤمنين فهو صاحب رسول الله وهو عمر الفاروق، هو ليس أي صاحب وليس أي مسلم رضيَ الله عنه وأرضاه، قال يا أمير المؤمنين أخذته سليماً، فاختلفا فقال فلنجعل بيننا حكماً، أي قاضياً، فقال له عمر – وهذا من عدل عمر – اختر، لم يختر له عمر وإنما قال له اختر فوسَّع له، فقال اختار شريح، شريح بن الحارث الكندي اليمني الذي كان يقضي بين الناس ولم يطر له شارب ولم تبقل لحية، كان غلاماً صغيراً أمرداً ويقضي بين الناس، هو أعجوبة القضاء في تاريخ الإسلام، وقد أسلم على يد الأمام عليّ – عليه السلام – حين بعثه النبي إلى اليمن ولم تصح له صحبة، نعم أسلم في زمان النبي لكنه لم يلتق بالنبي، روايات لقاءه بالنبي ضعيفة لا تصح وإلا لكان صحابياً، وهو تابعي من أجلة التابعين رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه، قال فيه الأمام عليّ هو أقضى الناس، هذا أٌقضى قاض، كان شيئاً عجيباً، قضى في الكوفة ولأهل الكوفة ستين سنة مُتواصِلة، لم يتقاعد من القضاء إلا قبل وفاته بسنة واحدة، ومات وقد جاوز المائة، قيل ابن مائة وثماني سنوات رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه، رجل عجيب تقي وعالم، قيل له كيف أصبحت؟ انظروا إلى هذا الذكاء، قال أصبحت وشطرُ الناس علي غضاب، وهذا أمرٌ طبيعي، إذا كنت تريد أن تقضي بالحق وأن تقول الحق سوف تُرضي قوماً وتُسخِط آخرين، هذه هى الدنيا، والناس لا يرضون بالعدل ولا يرضون بالحق، الناس يُحِبون العدل إذا كان لهم ويُحِبون الحق إذا كان لهم، أما إذا كان عليهم فهم يسخطونه، نسأل الله أن نكون قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلَّهِ ۩، هذا هو، فالناس دائماً يقترحون عليك، قل هذا واسكت عن هذا وقل هكذا ولا تقل هكذا حتى يرضوا عنك، ولكن رضا الناس غاية لا تُدرَك، يرضى عنك هؤلاء ويسبك هؤلاء فاجعل وكدك وهمك أن يرضى عنك الله لا إله إلا هو.
وَلَيْتَ الّذي بَيْني وَبَيْنَكَ عَامِرٌ وبيني وبينَ العالمينَ خرابُ.
هذا هو المُهِم، فقال أجعل بيننا شريحاً، أي شريح القاضي، وعمر لم يسمع بشريح، مَن شريح هذا؟ لم يسمع به من قبل، فأتى شريح وقيل له القضية هي كذا وكذا وكيت وكيت، وطبعاً في البداية عمر دعاه إلى بيته وكأنه يختبره، فقال لا، في بيته يؤتى الحكم، أنت تأتيني مع خصمك، أنا لا آتيك في بيتك وخاصة أنك أمير المؤمنين، لا تُوجَد استثناءات في القضاء، تأتي أنت ويأتي هو، فعمر أعجبه هذا، عمر يُريد العدل، يترجح أن شريحاً لو لبى عمر وآتاه في بيته لعلاه بالدرة مُباشَرةً، لأن هذا عكس القضاء وعكس لوازم القضاء، قال بل تأتيني أنت يا أمير المؤمنين، فآتاه عمر وخصمه الأعرابي الذي هو من أغمار الناس، سمع شريح القضية وبكلمة واحدة قال يا أمير المؤمنين أمسك ما ابتعت أو رد كما أخذت، إما أن تمسك الفرس والمال عند صاحبه، وإما أن ترده إلى صاحبه لتأخذ مالك ولكن عليك أن ترده كما أخذته، أنت أخذته بلا عيب، العيب طرأ عليه عندك، فقال عمر هكذا القضاء، قولٌ فصل وحكمٌ عدل، رضيَ الله عن عمر، اقشعر بدني والله، لو كان أحدنا لقال يا أخي ما هذا؟ ويبدأ يتفلسف من أجل فرس، يُريد أن يذبح العدل من أجل فرس، بعض الناس يذبح العدل من أجل مائة يورو، هذا هو، أين تقوى الله؟ الدين ليس كلاماً في الحقيقة، المهم قال عمر هكذا القضاء، هذا هو القضاء، وقد قضى بكلمة واحدة من غير مُقدِّمات ومن غير اعتذارات، لم يقل له يا أمير المؤمنين نحن مأمورون وكذا وكذا، لا يُوجَد هذا الكلام أبداً أبداً أبداً، قال له أمسك ما ابتعت أو رد ما أخذت، كلمتان قصيرتان خفيفتان قاطعتان، قال عمر أيضاً بكلمتين هكذا القضاء، قولٌ فصل وحكمٌ عدل، اذهب فقد وليتك على قضاء الكوفة، فصار قاضياً وقضى لعليّ – عليه السلام – وقضى حتى في زمن بني أُمية، لأنه توفى على ما أذكر في سنة ثماني وسبعين للهجرة رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه، هكذا كانت الأمة، كانت أمة عظيمة فيها عدل وفيها تقوى وفيها خوف من الله، لا يُوجَد نفاق وازدلاف الكبراء والأقوياء والسلاطين، يُوجَد فقط العدل، العدل على الجميع لله تبارك وتعالى.
أيها الأخوة:
في الحقيقة الباعث الذي بعثني على هذه الخُطبة وعلى إنشائها – أسال الله أن يتقبَّلها بأحسن قبول وأن يُخلِص فيها النية والقصد – هو أنني سألت نفسي ما هي مباديء ما نرى من مسفوكية دمائنا اليوم؟ أكثر أمة يُسفك دماؤها الأمة الإسلامية، وبالذات الآن من المسلمين العرب، العرب تُسفَك دماؤهم في المشارق والمغارب هنا وهناك وهنالك، يا رحمة الرحمن، يا غيث المستغيثين أغِثنا، وخطر لي أن من مباديء سفك دمائنا اليوم استهتارنا في القول، لا نتقي الله في ألسنتنا، وبالذات أنا أعني أهل الفكر والذكر – كما يُقال – وأهل العلم وصنّاع الرأي العام، وطبعاً في مُقدَّم صنّاع الرأي العام مَن يتكلَّم بإسم الدين وبإسم الشرع، تقريباً السُلطة المعرفية في آخر أربعين سنة على الأقل – ليس لدينا احصائيات أو دراسات علمية لكن نقول بالتقريب وبالحدس بنسبة لا تقل عن ثمانين في المائة – بيد المشائخ والمُتكلِّمين في الدين، الفضائيات والمنابر المختلفة بل وكل وسائل الإتصال أكثر شيئ فيها الكلام في الدين، رجال الدين والمشائخ يتكلَّمون واحتكروا تقريباً السُلطة المعرفية، هم الذين يُوجِّهون ويخلقون للرأي العام لدى الشباب والشابات ولدي الناس عموماً، ولكنهم إلا ما رحم ربي وقليلٌ ماهم مُستهتِرون جداً جداً بما يفوهون وبما يقولون، لا يرقبون الله – تبارك وتعالى – فيما يُلقونه بألسنتهم ويحسبونه هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ ۩، مع أنهم يتلون صباح مساء قول الله وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا ۩، لابد من العدل في القول مع مَن تُحِب ومع مَن تكره، فأين العدل؟ اختفى العدل واضمحل وذاب وهرب من عالم العرب للأسف الشديد، ما معنى هذا؟ ما علاقة هذا بمسفوكية دمائنا؟ قبل أن أُجيب سأتلوا عليكم حديثاً جليلاً تحفظتموه وأنتم صغار بلا شك لكنه جميل وجليل، حديث الأمام الترذي والذي حسَّنه وصحَّحه، قال حديث حسنٌ صحيح، وهو من الأحاديث التي تراجع العلامة الألباني – رحمة الله تعالى عليه – عن تضعيفه، ضعَّفه في البداية ثم عاد عن تضعيفه وحكم له بالصحة في تفصيل يطول، حديث معاذ بن جبل – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه – حيث قال كنت مع رسول الله عليه الصلاة وأفضل السلام – أي في سفر – فأصبحت ذات يوم وأنا منه قريب، فقلت له يارسول الله – انتهز هذا القرب المكاني من رسول الله، وطبعاً الرسول لم يكن باباً يرجوه الجميع، لا يُوجَد هذا الكلام، تُوجَد هيبة ويُوجَد وقار وإجلال حتى من هؤلاء الصحابة الإجلاء الذين أحبهم الرسول حباً جماً، مُعاذ النبي قال له مرة والله يا معاذ إني لأحبك، صلى الله على محمد وآل محمد، ومع ذلك يتهيَّب النبي، كلما خطر له سؤال لا يأتي لرسول الله ويقول يا رسول الله عندي سؤال، لا يُوجَد هذا الكلام، كان يتحيَّن الفرصة والنهُزة في الوقت المُناسِب وحين يرى إقبالاً من رسول الله والظروف كلها تُساعِد وتُسعِد فيأتي، وهذا أدب طبعاً، هؤلاء الناس كان عندهم أدب، كان يُوجَد أدب وذوق وفي حياء، فهو راعى هذه الآداب تحيَّن هذه الفرصة وانتهز هذه القُربة – دلني على عمل يُدخِلني الجنة ويُباعِدني من النار، يا سلام يا معاذ، ما هذا السؤال؟ هذا سؤال كبير، سؤال نفس طوّاقة، سؤال نفس عريضة عميقة وواسعة، يُريد الجنة والبُعد من النار، إذن هو يسأل ماذا؟ يسأل الفوز، قال الله فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّار وَأُدْخِلَ الْجَنَّة فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاة الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاع الْغُرُور ۩، الله قال عن الأنبياء أنفسهم وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ۩، هذا هو الفوز، ومن ثم كان يسأل الفوز، لم يقل دلني على شيئ اقتنص به الأموال يا رسول الله وأبني به القصور وأنكح به الحور، لم يقل هذا، هو يُريد الفوز العظيم والفلاح الحقيقي، كم سنة لمعاذ في دار الآخرة؟ كم سنة له ميت؟ ألف وأربعمائة سنة، كل شيئ ذهب كما سنذهب نحن وتمر علينا مئات أو ألوف السنوات إن قدَّر الله لهذه الأرض أن تستمر، قال لقد سألت عن عظيم – قال النبي هذا سؤُال كبير، المسؤول أمرٌ عظيم – وإنه ليسيرٌ على مَن يسَّره الله عليه – يسَّر الله ذلك لنا وعلينا -، تعبد الله ولا تُشرِك به شيئاً وتُقيم الصلاة وتُؤتي الزكاة وتصوم رمضان – بلَّغنا الله وإياكم رمضان – وتحج البيت، ألا أدلك يا مُعاذ على أبواب الخير؟ هذا كرم من رسول الله، أجابه عن سؤاله والآن أراد أن يزيده من لطائف وطرائف العلم والمعرفة، قال له ألا أدلك يا مُعاذ على أبواب الخير؟ طبعاً قال بلى يا رسول الله، ما هي أبواب الخير؟ الصوم جُنة، الصوم مثل الترس ومثل الدرع الذي يحفظك ويجُنك، هو يحفظك من المساخط والملاعن، الصوم يفعل هذا، لكن ليس صوم الجهلة وليس صوم الفجرة الفسقة، يصومون ولا يتغيَّر شييء، غيبة ونميمة وكذب وحقد وسب ولعن وتكفير وتحريض وكلام بطّال، أي صوم هذا؟ نُريد الصوم الحقيقي، المُطلَق يُراد به الكامل، إذا تحدَّثنا عن الصلاة فإننا نُريد الصلاة الكاملة التي أرادها الله، إذا تحدَّثنا عن الصوم فإننا لا نُريد أي صوم وإنما نُريد الصوم الكامل الذي أراده الله، هناك قاعدة في أصول الفقه تقول المُطلَق يُراد به الكامل، فالصوم الكامل جُنة، فلا يأتي أحد ويقول كيف قال الله – تبارك وتعالى – إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ۩ وكم وكم نرى مِمَن يُصلي ولا ينتهي؟ نقول له ما صلوا، هؤلاء ما صلوا الصلاة الكاملة، ل المقصود بالصلاة الصلاة الكاملة، لأن المُطلَق يراد به الكامل، أي الصلاة كما أرادها الله، لذلك أنت تستطيع أن تعرف هل تُصلي أم لا تُصلي – هل تُصلي كما أراد الله أم لا تصلي كما لا أراد الله – بماذا؟ بآثار الصلاة، إن نهتك عن الفحشاء والمناكر فقد صليت، وإلا أنت ما صليت، اذهب وابحث وحاول أن تُصلي، أنت ما صليت إلى الآن، حتى لو تُصلي من خمسين سنة فأنت ما صليت ولن نحلف بالله، كيف تُصلي ولا تنتهي؟ ما صليت، أنت تنقر الصلاة كما ينقر الغراب الدم، حركات لا يعبأ الله بها ولا يباليها بالاً، وسترى يوم القيامة حين تُبلى السرائر وتُبسَط الصحائف أن هذه الصلاة كلها ما قُبِلَ منها شيئ، هى مردودة عليك، تُلَف كما يُلَف الثوب الْخَلْقُ ويضرب بها وجه صاحبها وتقول له ضيعَّك الله كما ضيعتني، كانت فرصة لك لكي تلتقي الله وأنت ضيَّعتني، ضيَّعك الله، الصلاة تدعو عليه، هذا هو، فنسأل الله أن نُصلي، وهذا هو المعيار، هذا هو الرائز، على كل حال الصوم جُنة والصدقة تُطفئ الخطيئة كما يُطفئ الماء النار وصلاة الرجل من جوف الليل، أي في جوف الليل, قال له هذه من أعظم أبواب الخير العظيمة، وهنا قد يقول لي أحدكم أن النبي ذكر الزكاة و ذكر الصوم وذكر الصلاة، لكن تلك كانت المفروضات، أما هذه النوافل المُتطوع، هذه من أبواب الخير، تزداد الآن من الخير، تلك الأسس وهذا ما يكمل به البناء ويزيّن، بصراحة البناء المُؤسَّس على أسس فقط غير جميل، ما هذا؟ متي يكمل البناء؟ بهذه الأبواب، بالتطوعات والنوافل، هكذا يكمل ويتم ويشهق ويبذخ ويتزخرف ويتزيّن فيُصبِح الدين حتي جميلاً، لا تأخذ بالحد الأدني الأدني الأدني الأدني، هذه أبواب الخير، إذن الصوم هو صوم التطوع، والصدقة التي تُطفئ هى صدقة التطوع ولذا هى غير الزكاة، وصلاة الرجل من جوف الليل هى صلاة قيام الليل، فهذه غير المفروضة، قال النبي وصلاة الرجل من جوف الليل، ثم تلا – عليه الصلاة وأفضل السلام – تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ۩ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ۩، ثم قال – عليه الصلاة وأفضل السلام وآله – ألا أدلك يا معاذ – ثالثاً الآن وهذا كرم منه – على رأس الأمر وعمود وذروة سنامه؟ لو ما أجاب النبي – أي لولا ما أجاب النبي عن هذا السؤال – مَن كان يعرف الجواب؟ قال له رأس الأمر ما هو؟ عمود الأمر ما هو؟ ذروة سنام الأمر ما هو؟ قال قلت بلى يا رسول الله، قال رأس الأمر الإسلام، تُسلِم وجهك لله – لا إله إلا هو – طوعاً حنيفاً مُسلِماً بارئاً من شوب الشرك، قال رأس الأمر الإسلام وعموده – الذي يقوم عليه الأمر – الصلاة – الله أكبر، كما يُقال دائماً الصلاةُ عماد الدين، هو هذا – وذروة سنامه الجهاد، أي في سبيل الله، الجهاد المشروع، ولم يكتف بهذا الكريم عليه الصلاة وأفضل السلام، فهو أكرم الناس عليه الصلاة وأفضل السلام، يلتفت إلى معاذ رابعاً ويقول له ألا أُخبرِك – ألا أدلك أو ألا أُنبئك – يا مُعاذ بمِلاك ذلك كله؟ شيئ إن حصَّلته فكأنك حصَّلت كل ما سبق، إن تحققت به رجح بكل ما سبق، وكل ما سبق مطلوب أيضاً على وجهه فرضاً في باب الفرض وندباً في باب الندب، لكن هذا كأنه مِلاك الأمر كله، هذا أمرٌ عجيب، فما هو؟ ما هو مِلاك الأمر؟ تحدَّث عن الصلاة وعن الصوم وعن الزكاة وعن قيام الليل وعن الجهاد، ماهو المِلاك يا رسول الله؟ قال قلت بلى يا رسول الله، قد تقولون هذا الحديث نعرفه، نعم كلنا نعرفه والله، وقد تقولون نتحفظه مُذ كنا صغاراً ونعم أنا مُصِّدق، ولكن صدِّقوني لا نكاد نعمل به خاصة بآخره، لا نكاد نعمل به البتة إلا ما رحم ربي لا اله الا هو، قال فأخذ بلسانه – أخذ بلسان نفسه عليه الصلاة وأفضل السلام وآله – وقال كف عليك هذا، قال له أمسك عليك لسانك، قال له اللسان، فقلت يا رسول الله وإنا لمُؤاخَذون بما نتكلَّم به؟ مُعاذ يظن أن اللسان يُعتبَر أمراً هيّناً، تكلَّم واسخر وامزح واغتب مرات ونم واسع واحتقر واطعن، هذا لسان وهذا مُجرَّد كلام، كما تقول العامة ماذا يأخذ الريح من البلاط؟ يبقي البلاط بلاطاً ويذهب الريح، لكن هذا غير صحيح، قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – ثكلتك أمك يا مُعاذ وهل يكب الناس في نار جهنم علي وجوههم – أو قال على مناخرهم – إلا حصائد ألسنتهم؟ قال له هل أنت إلى اليوم لا تفهم هذه الحقيقة؟ قال له هذه قاعدة خطيرة جداً في دين الله، أكثر ما يُدخِل الناس مُصوَّبين على رؤوسهم في جهنم ويكبهم على وجههم أو مناخرهم في جهنم حصائد ألسنتهم، قال وقيل، ألسنة مُرسَلة لا تُراعي الله فيما تقول، من أين هذا الفقه يا رسول الله؟ من كتاب الله، هذه الكلمة الأخيرة مأخوذة من مثل قوله وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا ۩ وقوله إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ ۩، إذن العدل ليس فقط في الأفعال والأٌضية والأحكام وإنما في الأقوال أيضاً، وفقط في باب الشهادات وإنما في كل شيئ، في بابا الشهادات وفي باب الوصايا وفي باب المدائح والمذام وفي باب التعريف وفي باب الحوار والنقاش، في كل شيئ، كل ما تفوه به عليك أن تتوخى فيه السير في خطة العدل، أي أن تكون عادلاً فتتكلَّم كلاماً يُرضي الله – بالعدل قامت السماوات والأرض – على نفسك وعلى غيرك وفيما تُحِب وفيما تكره، هذا هو الدين، أين نحن مِن الدين؟ بُعداء جداً، أشهد بالله ولله في هذا اليوم أننا بُعداء جداً، وأنا حين أتكلَّم لا استحضر العوام، فالعوام كان الله في عونهم، هم ضحايا المشايخ والعلماء، وسأكون صادقاً معكم، هم ضحايا المشائخ والعلماء، لأن مَن الواعظ ومَن الموعوظ؟ هذا هو الواعظ، والمفروض أن الموعوظ يتعظ بما يقول الواعظ، لكن الواعظ يُعلِّمه أن يقع في الناس وأن يسبهم وأن يلعنهم وأن يُغري بدمائهم وأن يفتي بتكفيرهم وأن وأن وأن إلى ما شئتم من هذه الكراهات المُنفلِتة، لماذا تلوم على هذا العامي الجاهل؟ العامي يتقرَّب إلى الله بهذا، العامي يقول لك أنا أقتل نفسي وأتقرَّب إلى الله، أقتل نفسي في هؤلاء الكفرة الملاعين الأنجاس المناكيد وأتقرَّب إلى الله، يظن أن هذه قربة إلى الله، لأن هذا العالم الضال المُضِل الفاسق الفاجر – والعياذ بالله – الذي ما وقَّر الله ولا خاف الله ولا خشيَ الله – تبارك وتعالى – ولا يفعل قد علَّمه هذه الكراهية، علَّمه الاستطالة في أعراض المسلمين، وقد يقول قائل لم تقول هذا؟ أين دليلك؟ أين برهانك؟ أكثر من واضح، سأبدأ بطرفة ذكرها العلامة ابن مُفلِح الحنبلي، الذي كان يُلقِّبه شيخ الإسلام ابن تيمية بالمُفِلح، يقول له أنت لست ابن مُفلِح وإنما أنت مُفلِح، أي أنت نفسك مُفلِح، العلامة الفقيه الكبير ابن مُفلِح في كتابه الآداب الشرعية حكى عن أحد العامة من أهل بغداد أنه وشى بجار له عند أحد الولاة – والي على بغداد ذهب إليه مُتطوِّعاً، ندب نفسه لكي ينهى عن المُنكَر – وقال له أيها الوالي إن جاري فلان الفلاني زنديق، وطبعاً اليوم من أكثر العصور التي تستخدم فيها لفظ زنديق، يُقال زنادقة وزنادقة وزنديق وزنديق، زنديق ورافضي من أكثر الكلمات التي تُستخدَم، رافضي وزنديق، زنديق ورافضي، وهم لا يفهمون لا معنى رافضي ولا معنى زنديق، علماً بأنني أتكلَّم من ناحية علمية ومن ناحية شرعية، الوالي أحس أن هذا فيه شئ، فقال له وما السبب الذي رميته بالزندقة عندي؟ أنت تقرف جارك وتتهم جارك بالزندقة، فماذا رأيت منه؟ فقال مُرجيء ناصبي رافضي خارجي، الله أكبر، ما شاء الله جمع الفرق كلها والمقالات، طبعاً بعضكم لا يعرف ما معنى مُرجيء فلا حرج، قال مُرجيء ناصبي رافضي خارجي، طبعاً ناصبي ورافضي لا يجتمعان بالمرة، الرافضي هو المُبالِغ في حب أهل البيت، والناصبي هو المُبالِغ في كره أهل البيت، فكيف اجتمعا؟ فضلاً عن أنه خارجي، الخوارج يكرهون الإمام عليّاً كرهاً شديداً وكذلك مُعاوية أيضاً، لا يكون الخارجي ناصبياً، الناصبي يُحِب بني أُمية جداً ويكره آل البيت جداً، ولا يكون الخارجي رافضياً، هذا مستحيل طبعاً، هو يكره علياً وشيعة عليّ جداً، والمُرجيء – حتي نستفيد – هو الذي يقول باختصار لا يضر مع الإيمان معصية، ما دام أنت مُؤمِن مُتحقِّق بالإيمان ومن (أهل لا إله إلا الله، محمد رسول الله) افعل ما تشاء، بإذن الله أنت من أهل الجنة، هذا إسمه مذهب الإرجاء، وطبعاً يُوجَد إرجاء آخر أخف منه وقد اتُهِم به الإمام أبو حنيفة، وهذا شيئ آخر، على كل حال هذا جمع كل شيئ، قال له جاري الزنديق مُرجيء ناصبي رافضي خارجي – من الخوارج – ثم قال يُبغِض مُعاوية بن الخطاب الذي قتل علي بن العاص، أرأيت هذا الزنديق؟ فالقاضي علم أنه أمام أهبل، هذا أحد هبلان المدينة، فقال له لا أدري على ماذا أحسدك: على علمك بالمقالات أم على بصرك بالأنساب؟ قال له أنت تقول لي هو ناصبي رافضي خارجي مُرجيء، وهذا غير معقول، هذه لا تجتمع بالمرة، هذه مذاهب مُتفرِّقة تماماً، وتقول لي معاوية بن الخطاب، هل يُوجَد أحد إسمه معاوية بن الخطاب؟ وتقول مُعاوية بن الخطاب قتل علي بن العاص، ليس حتى على ابن أبي العاص وإنما على بن العاص، ومع ذلك قال جاره زنديق، اليوم يحدث شيئ شبيه بهذا، ما رأيكم؟ والله وأنا على منبر رسول الله أقول يحدث شيئ شبيه بهذا، يقول لك هو رافضي زنديق، كيف يُقال هو رافضي؟ أولاً الرافضي هو الشيعي الذي يُبالِغ في حب أهل البيت وربما جاوز الحد المشروع مُبالَغته في الوقت ذاته في كره أبي بكر وعمر بالذات ويطعن فيهما وفي إمامتهما وخلافتهما وربما انجر به الأمر إلى لعنهما، مَن كان كذلك قلنا أنه رافضي، إذن كلمة رافضي هذه تركب على أي شخص؟ إذا رأينا رجلاً يُحِب أبا بكر وعمر جداً هل يُسمى رافضياً؟ أُقسِم بالله لا، إذا رأينا رجلاً لا يُؤمِن أصلاً بنظرية الأمامة وهى العمود الأكبر لمذهب إخواننا الشيعة الإمامية الاثنا عشرية، لكن هو لا يُؤمِن بالإمامة، لا الإمامة المُسدَّسة ولا الإمامة الاثنا عشرية، ويقول لك هذا شأن دنيوي بحت والرسول لم يعهد فيه ولم يوص ولم يكتب ولم يقل شيئاً حقيقياً صريحاً فيه أبداً، هذه مُجرَّد اجتهادات، فهل يُسمى هذا شيعياً أصلاً؟ لا، فضلاًعن أن يسمى رافضياً، لم الكذب على الناس؟ أو لم الجهل؟ إما أنك جاهل وإما أنك كذاب البعيد فتكذب وتتكلَّم بشيئ تعلم انه كذب لكي تُؤلِّب على إخوانك حسداً وغيرة وبغياً وعدواناً ولكي تُبالِغ في تفريق الأمة وتمزيق الأمة وإغراء بعضها ببعض ولكي تُمارِس شهوتك الملعونة الخبيثة المرذولة في الشطب والسلب والاقصاء والنفي، علماً بأننا اليوم عندنا أنفار وأنفار وأنفار من المسلمين شهوتهم بل هوسهم وهاجسهم وجنونهم الشطب، ولا أحب على قلوبهم من أن يقولوا كافر وزنديق وخارج من الملة وليس منا وليس من أهل الإسلام، وهذا ليس في حق الأفراد فحسب بل وفي حق جماعات وطرائف، اشطب واشطب واشطب، وكما قلت – أنا قلت هذا ألف مرة – في نهاية المطاف لعله لا يتبقى إلا هو وجماعته، قبل أسابيع – ربما الأمر لا يزيد على شهرين – رأينا لقاء مُتلفَزاً مع أحد هؤلاء، أُخرِجَ من السجن وأُجريَ معه اللقاء، يُصرِّح الرجل بأنه نعم من قرون وقرون ليس على وجه الأرض مُسلِم أو مُؤمِن حقيقي إلا هو، قال أنا الوحيد، قال له المذيع أنت؟ قال له أنا الوحيد، فقال له وماذا عن علماء البلد؟ قال ليس لهم علاقة بالإسلام، وهذا أمرٌ عجيب، قال له ما هذا الأسلوب؟ هذا هو، قال له بمعنى الكلام أنا الفاهم الحق وأنا المُمثِّل الحصري لله رب العالمين، هذه حالة جنون حقيقية، المذيع الذي يُقابِله يستدرجه بطريقته الذكية طبعاً والساخرة ويقول له لدينا هنا في البلد علماء أنا أتبعهم – ومن حق المذيع أن يقول هذا – وهم على غير قولك وأنت تُكفِّر بهذه المسألة، وهى مسألة تقشعر منها جلودكم وجلود المُؤمِنين والمُؤمِنات، هو يُوجِب إخراج قبر رسول الله من المسجد و يعتبر هذا شركاً، يعد هذا شركاً ويعد مَن سكت على هذه المسألة من العلماء مُشرِكاً أيضاً بعد أن يُحاجِجهم ويُقيم عليهم الحجة وما شاء الله هو علّامة كبير فاسمعوه، كأنه علّامة في اللغة والصرف والنحو والأحاديث وهو لا يعرف شيئاً، فضلا عن أنه قضى سبع عشرة سنة من عمره – هو الذي يقول هذا، والله لولا أنه قاله ما قلته أنا، حاشاه لله أن نسخر من أحد أو نعير أحداً، لكن هو الذي صرَّح بهذا – في تعاطي المُخدِّرات والحشيش، فقال له المذيع أقمت علي الحُجة، أنا أتبع علمائي ولم أتبعك فهل تُكفِّرني وتقتلني؟ قال نعم، قال كيف؟ هل سوف تقتلني ذبحاً؟ قال ذبحاً بالسكين، ويتكلَّم ببرود شديد وثقة مُطلَقة وكأنه يتقرَّب إلى الله بهذا ويقوم بالواجب الشرعي، الأمر جد وليس بالهزل، هل تعرفون لماذا؟ هذه النُسخة ليست وحيدة، منها الآن ألوف، وأسأل الله ألا تكون ملايين، نفس العقلية ونفس المجاز ونفس المنطق، وبعضهم سكوت لا يزالون، لكن لو قد بُليت السرائر وأظهروا ما عندهم لأظهروا شيئاً شبيهاً بهذا، وهذا شيئ مُرعِب، ثم يُقال لك هذا دين وهو رحمة للعالمين وهو دين ختام المرسلين، هل هذا هو الدين؟ يا لله لله ويا لله لرسول الله ويا لله للإسلام، ماذا يلقى الله وماذا يلقى رسول الله وماذا يلقى الإسلام من أهل الإسلام؟ يا لله، يا لله، قال المُذيع فإن لم تجد ما تذبحني به؟ قال الله المُستعان، أخنقك خنقاً، قال في التلفزيون – Television – خنقاً، أي لابد من القتل إما ذبحاً وإما خنقاً، لأنك لا تُوافِقني على وجوب إخراج رسول الله من مكانه، أي من مدفنه الشريف، صلى الله على محمد وآل محمد، وهذا شيئ مُرعِب، حالة مُخيفة التي نحن فيها.
الوقت للأسف أدركنا بسرعة، أُحِب أن أقول أنه يجب على المسلمين – ليس على العرب فقط بل على المسلمين في أنحاء الأرض – وعلى الهيئات التشريعية -البرلمانات ومجالس الشعب – أن تسن كما فعل العالم المُتحضِّر القوانين الرادعة، نحن هنا نعيش في عوالم مُتحضِّرة، جرب واعتد على أحد أنت بألفاظ كهذه، وهنا قد يقول لي أحدكم ما المُشكِلة؟ هذه ألفاظ أخطر مما تتخيَّل، هل تعرف لماذا؟ هل تعرف ما حقيقة هذه الألفاظ؟ هى فتاوى بقتلك، ما معنى أن يُقال هذا رافضي – لن نقول زنديق وإنما رافضي – بين أُناس يرون أن الرافضي زنديق مُرتَد وحلالٌ قتله؟ وقد رأينا مساجد تُفجَّر في الرافضة، ما معنى أن يأتي شيخ على التلفزيون – Television – مُعمَّم أو غير مُعمَّم ويقول لك فلان رافضي بين قوم دينهم قتل الرافضة؟ ما معنى هذا؟ هو يُحرِّض على قتلك، يقول اقتلوه، لا يفوتنكم فأدركوه،البرلمانات ساكتة والصحفيون سكوت هم والمشائخ وكأنه شيئ عادي، هو غير عادي، هذا غباء وبلادة وإجرام، دراكولا Dracula يفتي، دراكولا Dracula يتكلَّم وينزف دماً، ومع ذلك نجلس وكأنه أمر عادي، ثم نتساءل مِن أين خرج لنا كذا وكذا وكذا؟ من أين لنا كل هذا الضري والغرام بسفك الدماء والذبح والسلخ؟ من أمثال هذه المشايخ، لا كثَّر الله في الأمم من أمثالهم، حسبنا الله ونعم الوكيل، ماذا لقينا وماذا لقيَ الإسلام وأمة الإسلام منهم؟ يقولون هذا عادي، لكنه غير عادي، ما معنى أن يُتهَم أحدهم بالوهابية في مُجتمَع يقتل الوهابي؟ يقال لك هذا وهابي، وطبعاً نحن قلنا يجب أن نكون عادلين فلكي نكون عادلين وعدولاً أيضاً نقول رافضي بين قوم دينهم قتل الرافضة ووهابي بين قوم دينهم قتل الوهابي، وهنا قد يقول لي أحدكم لقد بالغت الآن، لكنني لم أُبالِغ، ادخل على اليوتيوب – YouTube – فهناك أيضاً من بعض زعماء الشيعة من يُفتي بقتل الوهابية ويصفهم بالوحوش الكفرة الأنجاس ويقول عنهم أولاد الحرام وأولاد كذا، وهذا شيئ غير مُتخيَّل، ثم يُقال بعد ذلك في بيئة دينها قتل الوهابية هذا وهابي، ما معنى هذا؟ اقتلوه، لا يفوتنكم، حتي الموقف العادي الذي أحببنا أن نُرسِل به رسالة إلى كل الأطراف أزعج مُعظَم الأطراف حين لم نُكفِّر داعش، لم أُكفِّرها ولا أُكفِّرها ولن أُكفِّرها ما لم ترتكب كفراً بواحاً عندي فيه من الله برهان، الجريمة والإجرام والقتل والدموية والتدميرية شيئ والكفر شيئ آخر يا حبيبي، ليس شرطاً أن تكون كافراً لكي تكون مُجرِماً قاتلاً، هذا ليس شرطاً، يُمكِن أن تكون مُسلِماً أو مسيحياً أو يهودياً أو بوذياً وتأخذ قشوراً من دينك ولكنك أكبر مُجرِم، أليس كذلك؟ هذا صحيح طبعاً، ويُمكِن أن تكون مُلحِداً لكنك مُسالِماً، نرى الآن كثيرين من الملاحدة لا يُؤمِن الواحد منهم بالله – ونسأل الله لهم الهداية جميعاً – ولكنه مُسالِم جداً ولا يضر حتى ذبابة، أليس كذلك؟ ما العلاقة إذن؟ هل لكي ندمغ ونُدين إرهابية داعش علينا أن نقول أنهم كفار؟ لا لن نقول، لن نقول إلا بالدليل، ما ذبحنا وما دمَّرنا إلا التكفير والتكفير المُتبادَل، أي ما أسميه التكافر، لكن التكافر ليس حلاً، العدل والتحقيق العلمي والإنصاف والقول بالحق هو الحل لنا، ويكون هذا لنا ولهم وعلينا وعليهم، أليس كذلك؟ الله – لا إله إلا هو – لا يرضى إلا بالعدل، كذلك إذن الإتهام بالوهبنة فيُقال هذا وهابي في بيئة تستحل دماء الوهابية هى جريمة لا ينبغي أن يسكت عليها، شرٌ من هذا وهذا القرف والرمي بالزندقة، يُقال هذا زنديق، وطبعاً من المُؤكَّد – لكن الشيخ جوجل Google والشيخ ياهو Yahoo لأنهم يذهبون يبحثون – أنك إذا أخذت أحدهم من ناصيته وقلت له تعال أيها المُحقِّق العلّامة الذي لا ضريع لك ماهي الزندقة؟ فإنه – والله – لن يعرف، وأنا أُقسِم لك بالله على هذا، والله لن يعرف، لا يعرف الزندقة حقاً إلا مؤرِّخ الأفكار والثقافات، الزندقة مُصطلَح عوّام ومُصطلَح فضفاض ورجراج ويُستخدَم في ثلاثة مُستويات يعلمها الدارسون وليس الجاهلين وليس المُحرِّضين وليس دراكولا Dracula الفتاوى، وإنما يعلمها العلماء، يقول لك هذا زنديق، لكن ماهي الزندقة أصلاً؟ لكن هو يعلم كما تعلم العامة والدهماء والأغمار أن الزنديق يجب قتله لأنه خطير بل هو أخطر من كل شيئ، لا هو يعرف ما هي الزندقة ولا هؤلاء المساكين الذين يُغرَون بالقتل والذبح يعرفون ما هي الزندقة، لكن الكل مُتواطيء على القتل والذبح، ثم تسكت فانتبهوا، أنا أقترح من هنا – وأسأل الله أن تلقى دعوتي هذه أذن صاغية ولو في بلد مسلم واحد أو عربي واحد – والآن وهنا وبسرعة اليوم قبل غداً أن تُرفَع مُباشَرةً مُذكَرةً إلى البرلمان أو مجلس الشعب في أي دولة مسلمة أو عربية بوجوب تجريم مَن يقرف ويرمي غيره بألفاظ – ليس مُجرَّد أن تطعن في دينه وتغمر قناة إيمانه – يستحل بمثلها بالذات الدم، هذه تُعَد جريمة، ويُعامَل مَن يفعل هذا الفعل ومَن يأتي هذه الفعلة مُعامَلة المُحرِّض على القتل والمُحرِّض على الجريمة حتى ولو كان أكبر لحية، نحضره إلى المحكمة ونقول له كيف هذا؟ هل أنت قاضٍ؟ كيف حكمت على فلان بأنه وهابي أو بأنه رافضي أو بأنه زنديق أو بأنه مُرتَد؟ هل أنت قاضٍ؟ هل عندك عشرة آلاف صفحة أو ملف له فقرأته؟ هل أنت قاضٍ مُعيَّن من الدولة فعلاً وقضيت في حقه بأنه زنديق وأنه كذا وكذا؟ وخاصة إذا كانت المسألة – كما قلت لكم – مدفوعة بالغيرة والحسد والنفاسة والخوف على الدكاكين المفتوحة بإسم الدين، كل أحد يفتح دكاناً وعنده زبائن ويخاف على زبائنه من أن يهربوا منه – انتبهوا فالقضية مفهومة والحمدلله الشباب يفهمون هذا جيداً، الشباب واعون بهذا بشكل جيد جداً – أو عنده خوف على الأموال التي تُدار عليه بمثل هذه المقالات والفتاوى، لأن المطلوب في هذه المرحلة أن يُحرِّض بعضنا على بعض، أقول لكم – والله ماكنت أُحِب أن أقول هذا، هذا يحرجني والحديث عن النفس صعب جداً – أن اليوم هناك جهات كثيرة تُحارِب خطابي، ما رأيكم؟ ليس فقط جهات مسلمة وإنما أيضاً غير مسلمة وفي الشرق والغرب، وينبشون ويُحارِبون ويُحِبون أن يمسكوا عليك جريمة حقيقية لكنهم بفضل الله غير قادرين ولن يقدروا بفضل الله تبارك وتعالى، لكن السؤال لماذا؟ لماذا يُحارَب هذا الخطاب بالذات – خطابي – وهو خطاب سلامي وخطاب تصاحي وخطاب رحمة وخطاب محبة وخطاب تثاقف وخطاب تعارف؟ لماذا يُغضِب ومَن يُغضِب بالذات؟ أنا أقول لكم يُغضب مَن تبطل مُخططاتهم ومكرهم ومصالحهم وتُغلَق دكاكينهم بهم، يُوجَد أناس لن تعمل مخططاتها ولا تنجح ولا تتم ولا تنفذ إلا بالخطاب الآخر، أي خطاب التكفير والقتل، وهذا التكفير والقتل ليس مُوجَّهاً إلى المسلمين فقط بل إلى العالم كله، العالم كله كل كافر ويستحق الذبح و يستحق كذا وكذا والمسلمون أيضا غير استثناء، هذا خطاب مُمتاز، هذا الخطاب تسير معه الامور كأحسن ما يكون، لكن خطابي هذا مُزعِج، افهموا، بالله عليكم حاولوا أن تفهموا، مَن كان له عينان فليُبصِر – كما قال المسيح – ومَن كان له أذنان فليُصِخ – فليستمع – ومَن كان له لب فليُفكِّر، هذا خطاب عجيب وهو خطاب مُزعِج، يُزعِج مَن؟ أنا غير مُحتار، أنا فاهم ومنذ البداية كنت أفهم هذا، أعرف يُزعِج مَن، يُزعِج مَن لا يُحِبون أن تتصالح الأطراف المُختلِفة لأنها إذا تصالحت ضاعت مصلحتهم، فقط هذا هو، علماً بأنني أتحدَّث عن المسلمين وغير المسلمين، كونوا واعيم وفاهمين لما يجري حولكم، أكبر تحدي أمامي – أكبر تحدي حقيقي أمامي أنا العبد الضعيف والله العظيم – أن أبقى وفياً لخطابي وأبقي وفيا لي وأبقى وفياً لما أنا عليه حتى النهاية وألا أُثنى عنه وألا أُسكَت أيضاً عن الإدلاء به، لأن كما هو واضح ومن غير تبجح لا يُوجَد طوق نجاة إلا هذا، بغير هذا سنتفانى، أنا أقول لكم لا يُوجَد وعد غير هذا، والله سنتفانى، سيتفانى العرب والمسلمون، سيبذبح بعضنا بعضاً، سأكون واضحا وأقول إخواننا في السعودية الآن حين وصل إليهم البلل كما يقال وجعلت مساجد الإخوة الشيعة تُفجَّر ويُقتَل الناس ظلماً في يوم الجمعة وهم ذاهبون لتوحيد الله ما الذي حصل هناك؟ وسرنا ما حصل، صرنا نسمع مَن يقول الشهداء وإخواننا الشهداء، صرنا نسمع تجريماً وانكاراً ودمدمة وتثريباً ووعداً ووعيداً على مَن فعل ومَن يفعل ومَن يقف، وهذا شيئ جمبل ومطلوب، لكن سؤالي هل هذا جاء مُتأخراً؟ جاء مُتأخِّراً، أليس كذلك؟ نحن نقول هذا من عشرين سنة، وعبر عشرين سنة لم نكن نُواجَه ولا نزال نُواجَه إلا بماذا؟ رافضي وشيعي وباع نفسه لإيران، وأُقسِم بعزة الله أنكم كذبتم وتكذبون وتعلمون أنكم كذبة، أُقسِم بجلال الذي رفع السموات بغير عمد أنكم تكذبون، لا رافضي ولا باع نفسه لإيران ولا لغير إيران ولا لفلان أو علان ولا لأي جهة أبداً، وإنما الخوف على أمتي والخوف على أهلي والخوف على ديني، لكن أين أنت؟ أين خطابك من أمة غُلِبَت إلا ما رحم ربي على عقلها وعلى قلبها وضميرها؟ كل الخوف – كما قلت لكم – على الدكاكين، كل أحد عنده دكانة يفتحها بإسم الدين ويأتيه المال عبرها وينتفع، لا يُريدون أن تُغلَق هذه الدكاكين، طبعاً خطاب الصلح والمحبة الحقيقي هم لا يُحسِنونه، هل تعرفون لماذا؟ لأن العامة ضريت – صار عندهم مثل ضراوة القاتل – على التكريه، يُحِبون الخطاب المُكرِّه المُزلزِل، العامة تُحِب هذا، العامة تُحِب دائماً أن تُشعِرها بالتميز، كأن تقول لهم أنتم أحسن الناس، هذه أصبح الوجوه – ما شاء الله – وهى تتلألأ بالإيمان، أنتم الإيمان وحدكم فقط، الباقية كلهم زنادقة كفار، أنتم أولى بالله وبالرسول فقط، غيركم لا حظ له عند الله ولا من رسول الله، فالعامة تُحِب هذا، لا تُحِب مَن يقول أنت مسلم وأخوك مسلم أيضاً، دعه في حاله، بالله دعه في حاله، لا تُزعِجه ولا تُقلِقه يا أخي، أخوك مُسلِم عبر طريقته سواءٌ أكان إمامياً أو زيدياً أو إباضياً أو وهابياً أو أشعرياً أو أياً يكن، وهذا من ألف وربعمائة سنة، ليس من اليوم وليس من أمس وليس من أيام ثورة الخميني وما إلى ذلك، من ألف وأربعمائة سنة وهم كذلك، ما الذي جد يا أخي؟ اترك الناس في حالهم، اترك البشر في حالهم، لكنهم لا يُحِبون هذا الخطاب، يُحِبون مَن يقول اذهب تسوَّر عليهم وفجِّر نفسك واقتلهم، اذهب والحورية تنتظرك، كيف تنتظرك؟ جهنم بإذن الله، والله لا يُوجَد لك إلا جهنم، وحاشاه لله، حين تقتل هرة تذهب إلى جهنم، هل حين تقتل مُوحِّدين وأبرياء من غير المسلمين أيضاً سوف تذهب إلى الجنة؟ لماذا؟ في أي دين هذا؟ في أي دين؟ يبدو أن مُعادَلتك ورهانك أنك تُريد أيضاً أن تُكفِّر مَن بقيَ من الشباب الحر الواعي العاقل الذكي المُثقَّف والذي لديه بقية مسكة يتمسَّك بها بهذا الدين، يبدو أن رهانك هو أنك تُريد أن تجعله كافراً بأن تضطره إلى أن يكفر بهذا الدين، تقول له هذا أقرب طريق إلى الجنة والحور العين، أقرب طريق هو طريق الانتحار وطريق التفجير وقتل الأبرياء، وهو قتل بالجملة طبعاً، هو لا يدري مَن سيموت، يموت مَن يموت، يُوجَد صغار غير مُكلَّفين ماذا عنهم؟ قالوا هم منهم، عندهم فتاوى وأحاديث غريبة عجيبة، ومن ثم يقولون هم منهم، الصغير هو منهم، هو كافر ابن كافر، وهذه كافرة بنت كافرة، ومن ثم يُقتلون جميعاً، أنا قلت مثل هذا الحديث تماماً في العراق – بشأن العراق – وأغضبت اخواني هنا، ولما دالت الدائة علينا بدأوا يتلوَّمون، أليس كذلك؟ الآن سؤالي ماذا لو – لا قدَّر الله – أن الإخوة الشيعة في بعض البلاد العربية الآن وهم سكوت ويصبرون وسيصبرون زادت هذه العمليات ضدهم؟ ماذا لو أيضاً أُصدِرَت لهم فتاوى تقول دافعوا عن أنفسكم واقتلوا مَن يقتلونكم وفجِّروا مساجدهم كما يُفجِّرون مساجدكم؟ ماذا سيصير؟ هل تعرفون ماذا سيصير؟ لعلي أختم بهذا، سوف يصير في كل بلد عراق آخر، نسأل الله أن يحفظ العراق وأن يحفظ بلادنا جميعاً وأن يرد إليها أمنها وسلامها وتصالحها واستقرارها، هذا نقوله عن كل بلاد العرب والمسلمين بل وكل البلاد، سوف يصير في كل بلد عراق آخر، هل تعرفون ماهي الخاتمة الآن؟ هى أبشع ما ستسمعون واذهبوا إلى اليوتيوب – YouTube – لتروا بأم أعينكم وتسمعوا بأذان رؤوسكم، هناك مَن يُسمَى داعية ويقولون عنه الشيخ الداعية، ومن المُؤكَّد أنه عالم عند بعض الناس، يظنونه عالماً مع أن سبعة أعشار كلامه نكات وكوميديا، في نظري هذه الكوميديا الدينية أصبحت كوميديا سوداء، كوميديا كريهة، كوميديا دموية نازفة حمراء قانية، هل تعرفون ماذا يقول هذا الداعية؟ يدعو الله ويرجو الله أن يصير حال مصر كحال العراق وأن يحصل في الجيش المصري ما حصل للجيش العراقي، ويُبشِّر جماعته وأتباعه بهذا، هل صدَّقتم هذا؟ هل يُصدَّق هذا؟ هل هذا مُمكِن؟ من أجل ماذا؟ أنا أُحِب أن أفهم – بالله – من أجل ماذا؟ من أجل أننا لسنا في السلطة، لم نبق في السلطة، سنحرق مصر ومَن في مصر، هل تتمنى وتدعو الله أن يُصبِح حال مصر كحال العراق؟ حسبنا الله ونعم الوكيل، أنا أخاف أن يأتينا في النهاية يوم يكون أكثر الناس مرحومية وأكثر الناس رفاهية وأكثر الناس راحة شعب فلسطين، أنا خائف من هذا، هذا الذي أخاف منه، لأن شعب فلسطين تحت الاحتلال الصهيوني وضعه أفضل مرات ومرات من حال الشعب العراقي المسكين الذي لا يأمن فيه الجار جاره ولا الأخ أخاه، أليس كذلك؟ لا تأمن، أي أحد من المُمكِن أن يُفجِّر نفسه فيك، القتل في كل مكان، وهو قتل مجاني عبثي عدمي، فلسطين – الحمد لله – ليس فيها هذا الكلام، لكن من المُمكِن أن تُصبِح فلسطين في يوم من الأيام الأحسن حالاً، ومن ثم الفلسطيني سوف يحسد نفسه على أنه يعيش هذا الاستعمار والاحتلال لكن يُوجَد القليل من الأمن والقليل من الحياة، على الأقل الحروب تأتي في أوقاتها هى والذبح، لكن العراق فيه حروب دائمة وذبح دائم وحرب أهلية، وهذا غول وشيئ مُخيف، فنسأل الله أن يحفظ العراق ومصر والسعودية والكويت والإمارات وكل بلاد العرب والمسلمين، نسأل الله أن يحفظ كل بلادنا بغير استثناء وأن يُعيد إليها أمنها – كما قلت – واستقرارها وأن يدفع عنها ويدرأ عنها الفتن ما ظهر منها وما بطن.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
الخُطبة الثانية
الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله تعالى عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليماً كثيراً.
إخواني وأخواتي:
الاختزال الذي يُمارِسه هؤلاء من صناع الرأي والفكر – كما يُقال وكما يُنعَتون – هو صفة بدائية لا تليق إلا بالشعوب البدائية لهمجية التي لم تُطوِّر معرفة حقيقية ولا ثقافة راسخة ومن ثم تختزل، والاختزال في قلبه يمثل التعميم، نحن الآن نعيش مرحلة اختزالية تعيمية رهيبة غير مسبوقة على جميع المُستويات، في يوم من الأيام العلّامة الكبير مجد الدين الفيروزآبادي- رحمة الله تعالى عليه – الذي تعرفونه يُؤلِّف معجماً – Dictionary – يُسميه القاموس، القاموس هو وسط المُحيط، البحر المُحيط وسطه يقال له القاموس، فيقال قاموس المُحيط، أي وسط الماء المُحيط، وكذلك قاموس البحر تعني وسط البحر، فهو إسمه مُعجم القاموس، بعد ذلك وإلى اليوم صار كل معجم يُسمى قاموساً، إذا سمع الناس كلمة قاموساً فإنهم يظنون أن معناه Dictionary بالإنجليزية أو Wörterbuch بالألمانية، لكن هذا غير صحيح، قاموس معناها مُنتصَف الماء، وسط ماء البحر أو وسط الماء إسمه القاموس، وهذا قاموس المحيط Ocean، هو هذا، لكن هذا اختزال أو نوع آخر من الاختزال، فليسمى كل معجم قاموساً ونُريح أنفسنا، في بلادنا – على الأقل أتكلَّم عن مُعسكَراتنا كلاجئين في غزة – إلى اليوم مسحوق الغسيل يُقال له تايد Tide، وتايد Tide ماركة، لكن عندهم كل مسحوق غسيل يُقال له تايد Tide، رغم أن تايد Tide إسم ماركة، وإلى اليوم أيضاً في بلادنا – لا أدري هل هذا في بلاد أخرى أم لا – هذه المحارم التي تُستخدَم لمرة واحدة ثم تلقى يقال لها كلينكس kleenex، وكلينكس kleenex هى ماركة، هذه الكلمة لا تعني أن كل محرمة إسمها كلينكس kleenex، هذه محرمة كذا وكذا وكذا وهذه محرمة كلينكس kleenex، أي أن هذه ماركة، لكن هم يُسمون كل محرمة كلينكس kleenex، وهذا اختزال طبعاً، علماء النفس تحدَّثوا عن هذا وخاصة علماء النفس الاجتماعي مثل مصطفى حجازي في كتابه سيكولوجية الإنسان المقهور يقول هذه الاختزالية دائما تُعرِب عنها الشعوب البدائية غير المُتعلِّمة، وفي قلب الاختزالية هناك التعميم، والتعميم خطيئة، الآن يُقال لك هذا وهابي وهذا اختزال، فتِّش عنه وسوف تجد أنه في ثمانية أعشاره أشعري وقد تأثَّر بفكر ابن تيمية وابن عبد الوهاب بنسبة عشرين في المائة، ومع ذلك يُقال وهابي، وهذا غلط نشأ من الاختزال والتعميم، لذا صنِّف تصنيفاً دقيقاً طيفياً، لكن قد يقول أحدهم هذا صعب ولا أُحِبه ولا يُؤتي غرضه، الغرض هو أن نجعلهم كلهم فئة واحدة وأن نُعامِلهم بمُعامَلة واحدة ونحن نُحِب هذا، علماً بأن هذا الذي يحصل، وهو شيئ خطير، يُقال هذا رافضي، لكن – كما ناقشنا – مَن الرافضي؟ عنده الرافضي يتحدَّد بثلاثة أمور أو أربعة أمور، وهذا الآخر عنده عشرة أمور لا تجعله أصلاً شيعياً، تُخرِجه من دائرة التشيع أصلاً، أي لا يكون شيعياً، فكيف أصبح رافضياً؟ يقول لك هو هذا، هذا المطلوب، لأن المطلوب في النهاية تدميره وتحطيمه أو قتله والتخلص منه أيضاً، فلا نزال نقول هذا، يُقال هذا زنديق، زنديق ماذا؟ كيف يُقال زنديق وهو رباني مُتألِّه صوّام قوّام مُتصدق؟ هو حافظ لكتاب الله ويدافع عن دين الله ويذوب حباً في الله وفي دينه فكيف يُقال أنه زنديق؟ قال هو هذا، المُراد قتله فسمه زنديقاً وانتهى الأمر.
أختم بكلمة في هذه الخطبة الثانية، المُشكلة أن العامة المساكين – مُعظَم الناس عوام، حتى مَن تجدونهم متخصِّصين هم عوام في شؤون أُخرى غير تخصصاتهم، فالمُتخصِّص في فن عاميٌ في غيره – ليس لديهم القدرة التي يكشفون بها زيف هذه الاستراتيجية، هذه استراتيجية خطيرة، استراتيجية ماذا؟ التسمية، مُعظَم الأنبياء لا نقول فشلوا أبداً وإنما فشلت أممهم أن تستجيب لهم، هم لم يفشلوا بالعكس طبعاً، النبي أدَّى رسالته على الوجه المرضي لله وبلَّغ البلاغ المُبين وأبرأ الذمة، أليس كذلك؟ لكن الأمة فشلت أن تستجيب له، لماذا تفشل أمم الأنبياء في الاستجابة للأنبياء؟ هل تعرفون أكبر سلاح ما هو؟ سلاح التسمية، هذا معروف والقرآن الكريم أعطانا هذا، ما من نبي إلا وُصِف بأنه مجنون أو ساحر أو كذّاب أو آشر أو ضال أو مِضل – إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَن صَبَرْنَا عَلَيْهَا ۚ ۩ – أو كذا وكذا، كيف يُقال هو مُضِل؟ هل أنتم على هدى وهو ضال ويريد أن يُضِلكم؟ هذا أمرٌ عجيب، مَن الضال؟ قالوا النبي هو الضال المُضِل، هل تظنون عوام الأمم الكافرة التي كفرت بأنبيائها ورسلها ورسالتها تعاطوا مع النبوة تعاطياً معرفياً؟ أي هل الواحد منهم استمع وناقش وقارن وحاكم وواجه؟ لم يحدث هذا أبداً، اختُدِع عنها بالتسمية، بأنهم ضلّال مُفسِدون كذّابون آشرون سحرة معلَّمون مجانين أفاكون وإلى آخره، ومضوا على هذا، وإلى اليوم الناس هكذا، للأسف حتى في العلم – Science – بعض العلماء غير الأمناء وغير النزهاء يلعبون هذه اللعبة، إذا أراد أن يُسوِّق لك مفهوماً معيناً أو اعتقاداً غير علمي مُعيَّن ماذا يفعل؟ يُعطيه إسماً، إذا أعطاه اسماه وخاصة إذا كان باللاتيني أو بالإغريقي فإنك تظنه أصبح شيئاً ثابتاً، انتهى الأمر لأن عنده إسم، هذه إسمها حيلة ماذا؟ حيلة (سمه)، سمه وسوف ينتهي الأمر ومن ثم تخدع الناس، يقولون لك أعطِه إسماً Give it a Name، في العلم لعض العلماء غير الأمناء يستعملون هذه غير النزيهة ويقولون أعطٍه اسماً، أنا أقول لكم احذروا الأسماء واحذروا التسميات واحذروا الصنيفات، أختم بكلمة واحدة واحفظوها عني: ما يتركه الفكر بتأملاته وجولانه ومُحاكَماته ومُقارناته تملأه التسمية بزيفها لتُنتِج فكراً زائفاً مُزيَّفاً، الفكر لا يبدأ بالتصنيف ولا يبدأ بالتسمية كأن يُقال رافضي وانتهى الأمر، يبدأ بأن تقول له تعال وقل ماذا عنده وماذا لديه وماذا يقول وماذا يكتب، لندرس هذا دراسة دراسة علمية وكأننا بصدد إعداد أطروحة جامعية، وبعد ذلك تأتي التسمية، بعد ذلك تأتي التسمية وستكون عادلة إلى حد بعيد وستكون موضوعية، حين لا تفعل هذا بفكرك ولا تقوم بالمُقارَنة وبالمُحاكَمة وبالمُزاوَجة وبالمُناظَرة ولا تجول ولا تتأمل ماذا يبقى؟ تدخل التسمية لكي تخلق فكراً زائفاً وتبقى تعيش في دائرة الفكر الزائف المُزيِّف الفارغ.
اللهم اهدنا فيمَن هديت، وعافنا فيمَن عافيت، وتولنا فيمن توليت، علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علَّمتنا، وزِدنا علماً وفقهاً ورشداً، اللهم جنِّبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، أعِنا على ذكرك وشُكرك وحسن عبادتك يا رب العالمين، نسألك فعل الخيرات وترك المُنكَرات وحُب المساكين وأن تغفر لنا وترحمنا وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين.
عبد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩، اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، وسلوه من فضله يُعطِكم، وقوموا إلى صلاتكم يرحمني ويرحمكم الله.
(انتهت الخُطبة بحمد الله)
فيينا (12/6/2015)
رسالة عاجلة اسأل الله أن تصلك لأني لم أجد غير هذا المكان لارسالها كما لا أمانع أن أشاركها مع الغير عل و عسى أن تكون عبرة لمن يعتبر .
بسم الله و الصلاة و السلام على رسول الله و بعد :
قال تعالى ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ۚ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ” .
بادئ ذي بدأ أود أن أشكر لك جهودك في سبيل خدمة هذا الدين و من أجل أنارة عقول هذه الأمة فاسئل الله العلي القدير أن يجعل ما تفعله في موازين حسناتك يوم القيامة .
و لكي أجعل من قصتي الطويلة أقصر أقول التالي :
أنا شاب من الجزائر في 32 من عمري و أعزب .. كانت لي وضيفة شريفة في مكتب بيع حكومي .. و لأني أتكلم الانجليزية بطلاقة و لأني بحار في عالم النت حدث أن وجدت موقع شات أمريكي يجمع بين متعة الشات و متعة الجنس حدث هذا في 2015 .. و حتى ذلك الحين كنت ملتزم و محافض على صلواتي الخمس .. أعجبني الأمر أو قل كنت أتبع خطوات الشيطان خطوة بخطوة .. فولجت ذلك العالم الغريب عني كمسلم و والله كان كأني قد ولجت جهنم عن طوع و ليس عن كره .
بعد عدة أشهر فقط تعرفت على ما يقل عن 6 فتياة من مختلف أنحاء العالم .. آخرهن هي من أكتب لك اليوم بسببها .. كنت مثل الملك الكل هناك كان ينادي بأسمي .. و الكثير من الفتياة يرغبن بفرصة معي .. أنتابني شعور بالفخر أما في الواقع فالشيطان هو من كان يزين لي عملي كي أزداد في غيي و فجوري .. و حدث أن تعرفت على سيدة من أوروبا الشرقية .. سلبت قلبي و عقلي و قلبت حياتي رأسا على عقب .. وقعنا قي الحب منذ الوهلة الأولى التي تحدثنا فيها معا .. كان مجرد حديث ثم غزل ثم قتحنا الكام فكانت ابتسامات ثم ضحكات ثم حب .. و تكرر لقائنا كل ليلة في ذلك الموقع ثم نقلنا لقائاتنا الى السكايب .. و بعد اسبوع واحد وقعت معها في الحرام وبعد ذلك. كانت كل ليالينا حمراء .. بعد شهرين أسرت لي أنها سيدة متزوجة و لديها طفلة .. صعقت ثم رضخت للأمر الواقع لأني هائم بها .. و رغم نداءات عقلي لي كي أستفيق من غيي كان قلبي الذي سلبته يغض الطرف عن كل تلك النداءات رغم أنها لم تكن بأجمل ممن عرفت و لا فاتنة أكثر منهن .
كان كل غد مثل البارحة فقط هي المستحوذ الوحيد على كل تفكيري .. تركت صلاتي و قل نشاطي و تركيزي في العمل و قد كنت أعد الدقائق و الثواني كي أرجع الى المنزل لأفتح حاسوبي من أجل ليلاي .. قل نومي كما أنغقلت شهيتي .. و كان حالي من سيئ للأسوء .. بعد 4 أشهر و لأني لم أعد أطيق فراقها و لو لـ 8 ساعات يوميا قررت الاستقالة من العمل .
بعد 8 أشهر من الفجور معها بدأت المشاكل .. كل يوم شجار و في كل مرة كنت من يبدأ هذا الشجار .. أردت تركها أردت الهروب منها لأني لم أعد أطيق البقاء مع أمراة لا مستقبل لي معها .. لأنها أخبرتني أنها لا تنوي ترك زوجها بسبب أبنتها .. ثم أسأل حتى و لو تركته من أجلي و كانت معي فسوف تتركني في الغد أو بعد غد من أجل شخص آخر .. و الله لم أقابل في كل حياتي بأكذب أو مضلل مثلها .. فسيدة خانت زوجها تستطيع أن تفعل كل شيئ .
هجرتها ل 30 مرة و في كل مرة تعيدني اليها بدموع التماسيح التي كانت تذرفها .. أستغلتني أبشع استغلال جنسيا و نفسيا .. لكن قبل شهرين من الآن كانت النهاية الحتمية لعلاقة حب حرام أستمرت لعام و نيف علاقة فتح على حياتي أبواب جهنم بكل ما تحمله الكلمة من معنى .
الى اليوم و رغم كل ما حدث لا أستطيع نسيانها .. لا أستطيع حدفها من ذاكرتي .. لا أستطيع أن أتوقف عن حبها .. لا أدري ماذا أفعل و الله لا يعلم بحالي الا الله .. أريد النصح ماذا أفعل ؟ .
أفيدونا جزاكم الله خيرا يا دكتور .
و السلام عليكم و رحمة الله و براكته .