الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ۩.
وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، ولا نظير له، ولا سمي له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمداً عبد الله، ورسوله، وصفوته من خلقه، وحبيبه من عباده، وأمينه على وحيه. اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله الطيبين، وصحابته المُبارَكين، وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ۩، اللهم علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علَّمتنا، وزِدنا علماً وفقهاً. ربنا تقبَّل منا صلاتنا وصيامنا وقيامنا وركعونا وسجودنا ودعاءنا، واختم بالباقيات الصالحات أعمالنا. اللهم بلِّغنا مما يُرضيك آمالنا.
اللهم ونسألك أن تجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً. اللهم ولا تدع فينا شقياً ولا مطروداً ولا محروماً. اللهم أصلِحنا وأصلِح بنا، واهدِنا واهدِ بنا، واجعلنا هُداةً مُهتدين، غير ضالين ولا مُضِلين، مفاتيح للخير، مغاليق للشر.
ثم أما بعد، أيها الإخوة الأفاضل، أيتها الأخوات الفاضلات:
يقول الله – سُبحانه وتعالى – في كتابه العزيز؛ (بسم الله الرحمن الرحيم) وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ۩.
وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ ۩، والحُسنى – كما تعلمون – هي مُؤنَّث الأحسن، الحُسنى مُؤنَّث الأحسن! وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ ۩، هل ثمة فرقٌ بين هذا القول الإلهي الجليل، وبين قوله لو قال الأسماء الحُسنى لله فادعوه بها؟ فرقٌ كبيرٌ بين هذه الآية كما هي؛ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ ۩، وبين ما لو قال الأسماء الحُسنى لله فادعوه بها. وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ ۩، تقديم لله – سُبحانه وتعالى – هنا مُشعِر بمزيد الاهتمام والعنو، مُشعِر بمزيد الاهتمام والعنو والاستحقاق الكامل والاختصاص، وهذا أُشير إليه بحرف اللام؛ لِلَّهِ ۩، أي لِلَّهِ ۩ وحده الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ ۩. لِلَّهِ ۩ وحده الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ ۩! إذن هي ثابتة لله – سُبحانه وتعالى – ثبوتاً اختصاصياً حقيقياً، على جهة الحقيقة، لا على جهة المجاز، اختصاصياً له، لا لغيره. وكل ما لغيره من أسماء، إنما هي حسنة نسبياً، وإنما هي ثابتة أيضاً لهذا الغير بتثبيت أو بإثبات الله – سُبحانه وتعالى – لها، بإثبات الله لها! أما لله، فهي ثابتة ثبوتاً على الحقيقة، وثبوتاً اختصاصياً.
وقد مهَّد الله – سُبحانه وتعالى – بهذا الأسلوب، لما سيلي من قوله فَادْعُوهُ بِهَا ۩. لأنه وحده، مَن له الأسماء الحُسنى، إذن هو جدير وحقيق أن يُدعى وأن يُدعى وحده، لا إله إلا هو! فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ۩.
العجيب أن هذه الأسماء الحُسنى وردت في كتاب الله، في أربعة مواضع، وفي المواضع الأربعة وردت على هذا الطرز، وردت وفق هذا الأسلوب:
1- هذه في سورة الأعراف؛ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا۩.
2- في سورة الإسراء؛ قُلِ ادْعُواْ اللَّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى ۩. لم يقل فالأسماء الحُسنى له. وإنما قال فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى ۩.
3- في سورة طه؛ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى ۩. قال لَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى ۩.
4- في سورة الحشر؛ لَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى ۩. قال لَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى ۩.
دائماً هكذا! في أربعة مواضع وردت على هذا الوافق، وردت على هذا الوافق؛ للمعنى الذي ذكرته لكم – أيها الإخوة والأخوات -.
وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ۩، ما معنى فَادْعُوهُ بِهَا ۩؟ سموه بها. لا تدعني إلا بيا عبده، أي لا تُسمني. لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا ۩، أي لا تقولوا يا محمد، لا تُسموه هكذا باسمه، وإنما قولوا يا رسول الله، يا أيها الرسول، يا نبي الله، يا أيها النبي، يا نبينا. هكذا! الدعاء هو التسمية، فلان يُدعى بكذا، أليس كذلك؟ إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم. النبي يقول، أي تُسمون ويُنادى عليكم. فَادْعُوهُ بِهَا ۩، أي سموه بها. وفي هذا إشارة إلى الصحيح من أقاويل العلماء، إلى أن الله – تبارك وتعالى – لا يُسمى إلا بما سمى نفسه به، أليس كذلك؟ ليس لنا أن نشتق أو أن نُؤلِّف أو أن نضع أو أن نبتكر أسماء لله – تبارك وتعالى -، هذا غير صحيح! فلا يُسمى إلا بما سمى نفسه به؛ لأنه أمرنا أن نُسميه بما سمى نفسه به من أسمائه الحُسنى، في قوله فَادْعُوهُ بِهَا ۩.
الدعاء أيضاً – كما تعلمون – هو الطلب والنداء، أليس كذلك؟ الدعاء هو الطلب، هو الرغبة، والفزع أو المفزع إلى الله – تبارك وتعالى – في طلب الحوائج. نحن ندعو الله بالمغفرة وبالرحمة وبدخول الجنة والعتق من النار، الدعاء! الدعاء مُخ العبادة، الدعاء هو العبادة. فَادْعُوهُ بِهَا ۩، إذن هكذا ابتهلوا واضرعوا إليه بأسماء الحُسنى، وهذا معنى آخر أيضاً، هذا معنى آخر! هذا صحيح، وهذا صحيح، وكلا المعنيين مُرادان.
وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا۩. جيد! هذه الأسماء الحُسنى كم عدتها؟ بعض الناس يظن أنها تسعة وتسعون اسماً فقط، وهذا غير صحيح، نعم سنُعيد الحديث الذي تلوته على مسامعكم قُبيل قليل، هذا حديث صحيح لا ريب، أخرجه الإمام أحمد في مُسنَده، وأخرجه بعد ذلك الإمام البُخاري، والإمام مُسلِم، والإمام الترمذي، والإمام النسائي، والإمام ابن ماجة، ولم يُخرِّجه أبو داود، وأخرجه غير هؤلاء كثيرون، لكن هؤلاء مشهورون ومُعتمَدون، عن أبي هُريرة – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه -، أن نبي الله – عليه الصلاة وأفضل السلام – قال – صلوا عليه كثيراً – إن لله – تبارك وتعالى – تسعةً وتسعين اسماً، مئةً إلا واحدة – كأنه يُؤكِّد العدة هنا، كأنه يُؤكِّد العدة! أي العدد -، مَن أحصاها دخل الجنة. إنه وَترٌ – يُقال وَترٌ ووِترٌ، وهما قراءتان سبعيتان، وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ ۩، وَالشَّفْعِ وَالْوِتْرِ ۩، كلاهما صحيحتان – يُحِب الوَتر.
هذه هي الراوية، اقتصر عليها صاحبا الصحيحان. هذه الرواية موجودة في البخاري ومُسلِم، من غير تعيين الأسماء. انتهى! هذا الحديث انتهى إلى هنا، هذا هو الموجود في الصحيحين. الترمذي وحده هو الذي زاد في روايته، بزيادة؛ أنه وَترُ يُحِب الوتر، هو الله الذي لا إله إلا هو، هو الرحمن، الرحيم، الملك، القدوس، السلام… إلى آخره. أتى بالأسماء التي في آخر سورة الحشر، ثم بالأسماء الأُخرى، حتى بلغت العدة تسعةً وتسعين اسماً، الموجودة في حديث الترمذي. وقال الإمام أبو عيسى الترمذي – قدَّس الله سره – حديث غريب. وبيَّن أنه لم يستند بطريق صحيحة إلا من هذا الطريق، إلا من هذا أو من هذه الطريق! لم يستند إلا من هذه الطريق.
ولكن – كما رأيتم – الشيخان البخاري ومُسلِم – رضيَ الله عنهما – لم يذكرا هذه الزيادة، ولذلك اختلف السادة العلماء – رحمة الله على الجميع، وعلينا وعليكم، والمُسلِمين والمُسلِمات -، اختلفوا؛ هل هذه الزيادة مرفوعة أم مُدرَجة؟ ما معنى مرفوعة؟ أي من قول رسول الله. إذا قلنا حديث مرفوع، فإننا نعني ماذا؟ أنه من قول رسول الله. أما إذا قلنا حديث مُدرَج، فيختلف الأمر. هناك الحديث المُدرَج، وهناك القراءة المُدرَجة، حتى في القرآن هناك قراءة مُدرَجة للتفسير، مُدرَجة للتفسير! اليوم قرأنا في النساء وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ ۩، قرأ ابن مسعود وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ (من أمٍ) فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ ۩. قال من أمٍ. ما معنى من أمٍ هذه؟ هل هذه قراءة؟ هذا مُدرَج، هذا مُدرَج على سبيل التفسير، على جهة التفسير! وفعلاً بالإجماع هنا يُراد بالأخ والأخت ما كانا من أمٍ، وليسا شقيقين. هذه قراءة مُدرَجة، وهناك حديث مُدرَج. ما معنى حديث مُدرَج؟ جُملة أو كلمة أو أكثر من جُملة، تُوضَع في الحديث، تُدرَج في الحديث، على جهة ماذا؟ على جهة التفسير، على جهة التبيين، على جهة الإيضاح، على جهة التعليق (التعليق من الراوي).
فهنا لا بد أن نُميِّز المُدرَج من المرفوع. العلماء اختلفوا تعديد وتعيين هذه الأسماء التسعة والتسعين، هل هو من قول رسول الله، أو مُدرَج من قول أبي هُريرة أو غيره من الرواة؟ رجَّح كثيرٌ من أئمة الحديث ومن علماء الأسماء أن هذه الزيادة مُدرَجة؛ الإمام ابن حزم الظاهري، وهو حافظ كبير وحُجة ثبت – رحمة الله تعالى عليه -، قال إنها مُدرَجة. الإمام القاضي المُحدِّث المُفسِّر الفقيه العلّامة أبو بكر بن العربي المالكي رجَّح أنها مُدرَجة. العلّامة المُحدِّث الحافظ الداودي – رحمة الله تعالى عليه – رجَّح أنها مُدرَجة. الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني – رحمة الله تعالى عليه -، وهو أمير المُؤمِنين في الحديث، في فتحه (فتح الباري بشرح صحيح البُخاري) رجَّح وقال الأرجح أنها مُدرَجة.
إذن هي ليست من قول رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام – على الصحيح. هذا التعيين – أن هذه الأسماء التسعة والتسعين هي هذه الأسماء – مُجتهَد فيه، هذا اجتهاد من الراوي، ربما حاول أن يجمعها من كتاب الله – تبارك وتعالى -، فتحصَّلت. وهي موجودة في كتاب الله، صحيح! ولكن في كتاب الله أسماء أُخرى لله ليست في هذه التسعة والتسعين، أسماء كثيرة! أكثر من عشرين، بل أكثر من سبعة وعشرين اسماً، موجودة في كتاب الله، وليست موجودة في التسعة والتسعين. مَن أراد أن يقف عليها سرداً، فليعد إلى فتح الباري، ذكرها الحافظ ابن حجر وتعقبها. مذكورة في كتاب الله، وليست في هذه التسعة والتسعين.
في الأحاديث الصحيحة الثابتة أسماء كثيرة لله، كان النبي يدعو ربه ويبتهل إليه بها، ليست موجودة في التسعة والتسعين، كما في الحديث المشهور أنه كان يدعو ويبتهل؛ يا حنّان، يا منّان، يا بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام. الحنّان والمنّان ليسا في التسعة والتسعين، وهما اسمان مشهوران جداً لله، هما اسمان مشهوران وبلا شك هما من أسماء الله.
في أسماء الله المُهِمة جداً في كتاب الله؛ الخلّاق. وليس مذكوراً في التسعة والتسعين. حتى الأحد ليس مذكوراً، قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ۩، الأحد ليس مذكوراً في التسعة والتسعين. الخالق مذكور، الخلّاق غير مذكور. أسماء كثيرة، أسماء كثيرة وأسماء مُركَّبة مبدأها خير؛ خير الرازقي، وخير كذا، ليست مذكورة في التسعة والتسعين.
المُهِم هذا بحث طويل، الأرجح – أيها الإخوة والأخوات – أن هذا التعيين مُدرَج، ولا بأس به، لا بأس! لا نقول إنه ضعيف وما إلى ذلك، ولكن لا نعتقد أنه بتعيين رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام -. هذه مسألة!
المسألة الثانية؛ هل أسماء الله فقط هي تسعة وتسعون؟ بان لنا قُبيل قليل – قُبيل قليل فيما انتهيت إليه من الكلام بان لنا هذا – أنها أكثر من تسعة وتسعين، بدليل أن في الكتاب الكريم أسماء لم تُذكَر، وفي السُنة الصحيحة الثابتة عن رسول الله أسماء لم تُذكَر، إذن قطعاً هي ليست تسعةً وتسعين فقط، هي أكثر من ذلك، هي أكثر من ذلك!
الشيخ الإمام، شيخ الإسلام محمد الطاهر بن عاشور – قدَّس الله سره الكريم – في تفسيره الماتع الموسوعي التحرير والتنوير، ذكر الآتي عن الإمام ابن برجان، وهو أبو الحكم بن برجان الإشبيلي، لم يذكر كُنيته، ولكن هو معروف، ويُكنى بأبي الحكم بن برجان، الرجل الصوفي العارف بالله – تبارك وتعالى -، صاحب التفسير المعروف بطريق أهل الإشارة. الإمام ابن برجان الإشبيلي له كتاب في أسماء الله الحُسنى، بلغ بها مئة واثنين وثلاثين اسماً. ذكر من أسماء الله بالطرق الثابتة مئة واثنين وثلاثين اسماً!
الإمام أبو بكر بن العربي – رحمة الله تعالى عليه – ذكر الآتي في كتابه الأحكام (أحكام القرآن) – وهو من أحسن كُتب تفسير القرآن تفسيراً فقهياً، في أربع مُجلَّدات، كتاب عظيم جداً جدا، نادر مثال هذا الكتاب -، ذكر في تفسير هذه الآية من أسماء الله – تبارك وتعالى – مئة وستة وأربعين اسماً، سقط منها اسم في الطباعة للأسف الشديد. الموجود منها الآن مئة وخمسة وأربعون اسماً، سقط اسم في الطباعة، تطبيع! يُسمى التطبيع.
وذكر ابن العربي – رحمة الله تعالى عليه، ليس الصوفي، ابن العربي المالكي، القاضي أبو بكر بن العربي، وليس مُحي الدين بن عربي – الآتي، أبو بكر بن العربي ذكر أنه أوفى بها على مئة وستة وسبعين اسماً في كتابه الأمد الأقصى. له كتاب اسمه الأمد الأقصى شرح أسماء الله الحُسنى، أوفى بها على مئة وستة وسبعين اسماً. وهذا الكتاب مبلغ علمي أنه لم يصلنا للأسف، الأمد الأقصى!
(ملحوظة هامة) بحمد الله وصلنا كتاب الأمد الأقصى، وهذا رابطه لمَن شاء الاطلاع عليه.
وهذا الإمام له إبداعات، وله آراء مُستجادات أو مُستجادة، عجيبة جداً جداً، في كل ما كتب – قدَّس الله سره الكريم -.
وأما أخص تَلاميذه، وهو الإمام القرطبي – صاحب التفسير، هذا من أخص تَلاميذه -، فله كتاب سماه الأسنى في شرح أسماء الله الحُسنى. وطبعاً لأبي حامد الغزّالي – قدَّس الله سره – كتاب وصلنا مطبوعاً، كتاب المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحُسنى، وللإمام أبي عبد القُرطبي كتاب الأسنى شرح أسماء الله الحُسنى، فيختلف فقط بالمقصد هنا. المُهِم زاد في أسماء الله – تبارك وتعالى – على ذلك، حتى نيَّف بها على مئتي اسم، أي الإمام القرطبي، وذكر ذلك، وأشار إليه، في أكثر من كتاب من كُتبه، كالتفسير وغيره – رحمة الله تعالى عليه -، وهكذا! إذن أسماء الله – تبارك وتعالى – الحُسنى أكثر بالقطع واليقين، من تسعةً وتسعين اسماً.
بقيت مسألة ثالثة، مُهِمة جداً هنا؛ لِمَ قال الرسول إذن – عليه الصلاة وأفضل السلام – إن لله تسعةً وتسعين اسماً، مئةً إلا واحدة؟ أي أكَّد هنا أنها ليست مئة، هي تسعة وتسعون، أنها تسعة وتسعون بالضبط، وليست ثمانية وتسعين، وإنما تسعة وتسعون، مئة إلا واحدةً، لماذا؟ ليس لنفي ما زاد عن هذا العدد، أي أنها ليست أكثر من تسعة وتسعين، أبداً! وإنما لأن هذه التسعة والتسعين مخصوصة بميزة، لها ميزة خاصة! ما هي؟ أن مَن أحصاها، دخل الجنة.
ومن هنا قال السادة العلماء لعل اجتهاد أبي هُريرة، ولعل اجتهاد غير أبي هُريرة، في تعيين هذه التسعة والتسعين. أي ليست أي تسعة وتسعين، هناك تسعة وتسعون اسماً بالذات، مَن أحصاها، دخل الجنة. فاجتهد العلماء والعُرفاء والرواة من الصحابة وغيرهم، في تعيين هذه التسعة والتسعين. أرادوا أن يحصوها، عادوا إلى الكتاب الكريم وحاول أن يستخلصوها.
إذن هذه التسعة والتسعون لها هذه الميزة، تختص بهذه الميزة! أن مَن أحصاها، دخل الجنة. وليس أن ليس لله إلا تسعة وتسعين اسماً. هذا خطأ طبعاً، والنبي لم يقل ذلك. بلُغة النحو المُبسَّط وبلُغة القواعد، أين الخبر؟ إن لله تسعة وتسعين اسماً، الخبر ليس تسعة وتسعين، إن لله تسعة وتسعين اسماً، الخبر: مَن أحصاها، دخل الجنة. مَن أحصاها! هذا هو الخبر.
كما قال العلّامة أبو سُليمان الخطابي – قدَّس الله سره -، قال هذا كقولك إن عند زيد مئة دينار، أعدها للصدقة. الخبر ليس مئة دينار، إن عند زيد… كذا كذا، ماذا؟ أعدها للصدقة. الخبر: أعدها للصدقة. هل تفهمون من هذا الأسلوب؛ إن عند زيد مئة دينار، أعدها للصدقة، أن ليس عنده أكثر من مئة دينار؟ يُمكِن أن يكون عنده ملايين، لكن هذه المئة دينار أعدها للصدقة. هل فهمتم كيف؟ هذا مثل هذا تماماً. إذن ليس إن لله تسعة وتسعين اسماً، مئة إلا واحدة، مَن أحصاها، دخل الجنة. كل مَن أحصى أي أسماء، دخل الجنة. إنما مَن أحصى هذه التسعة والتسعين بالذات، دخل الجنة. إذن هنا المُسابَقة، هنا المُسابَقة وهنا الاجتهاد، أن تُحصي هذه التسعة والتسعين.
إذن الخبر في قوله: مَن أحصاها، دخل الجنة. وهذا عليه – بحمد الله تبارك وتعالى – أكثر العلماء، أكثر العلماء على هذا الرأي! أن أسماء الله أكثر من تسعة وتسعين، وأن المُراد بالتسعة والتسعين الاختصاص بهذه الميزة فقط.
مسألة أُخرى؛ ما معنى مَن أحصاها، دخل الجنة؟ ما معنى مَن أحصاها؟ بعيدٌ جداً أن يكون بمَن أحصاها مَن عدها. أي واحد منا الآن يستطيع أن يعد هذه الأسماء – إذا صح هذا التعيين -، فهل ندخل الجنة بهذه الأشياء، وقد قال الرسول ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة؟ بمُجرَّد ان تعد التسعة والتسعين اسماً في خمس دقائق، تدخل الجنة؟ مُستحيل.
ولذلك الرأي الراجح والقوي عند جمهور العلماء، أن المُراد بأحصاها عقل معانيها، وأدركها، وحافظ عليها، وتخلَّق بها. أن تتخلَّق بأخلاق الله – تبارك وتعالى -، أن تتخلَّق بأخلاق الله!
من أسماء الله وصفاته العليم، أليس كذلك؟ تتخلَّق بخُلق العلم، تطلب العلم، تُقدِّس العلم، تُقدِّر العلم. من أخلاق الله أو من أسماء الله – تبارك وتعالى – الحليم، تتخلَّق بخُلق الحلم. من أسماء الله الكريم، فتتخلق بالكرم. وهكذا، إلى آخر هذه الأسماء، التي نسأل الله أن يُعيننا على شرحها جميعها – إن شاء الله تبارك وتعالى -. نعم، هذا هو المعنى الصحيح لأحصاها، وليس عدها هكذا باللسان أو على ورق، والله – تبارك وتعالى – أعلم.
مبحث آخر مُهِم؛ مَن يقرأ منكم في كُتب العقائد، سيقرأ كلاماً كثيراً مُعقَّداً في تقسيم الله وصفاته، والمباحث غير واضحة للأسف؛ لأنها كُتبت بالطراز وبالأسلوب القديم، وكانوا يميلون إلى الإغماض وإلى تعقيد المسائل وإدخالها بعضها في بعض، حول ماذا؟ حول الاسم والمُسمى، حول الفرق بين الاسم والصفة، بين صفات الجمال وصفات الجلال، بين أسماء الذات وأسماء الأفعال.
ونحن نسمع أحياناً لبعض مَن يتحدَّث في تفسير أسماء الله، لم يُفرِّقوا ولم يُحسِنوا أن يفهموا الفرق بين أسماء الذات وأسماء الأفعال للأسف؛ لأنها – كما قلت لكم – مكتوبة بطريقة غامضة، أي ليست تضح لكل قارئ أو لكل أحد. فلا بد أن نُلِم بهذا الموضوع إلمامة سريعة، وليس من مقصودنا، ولكن لا بد، لمَن أراد أن يستزيد وأن يعود إلى بعض الكُتب الشارحة المُتوسِّعة في هذا العلم الشريف (علم أسماء الله – تبارك وتعالى – وخواصها)، لا بد له أن يُلِم بهذه الإلمامة.
أولاً الفرق بين الاسم والصفة: حين نُريد أن نُعرِّف أو أن نتحدَّث عن شيء من الأشياء أو عن شخص من الشخوص، إما أن نُعرِّفه أو نذكره أو نتحدَّث عنه أو نُشير إليه، بما يُحدِّد ماهيته، أي بشيء هو لذاته، أو بما يُشير إلى شيء من أوصافه، الحسنة أو الرديئة. فإذا أردنا المعنى الأول، بشيء يتعلَّق بذاته – هو لذاته -، كان هذا الشيء هو الاسم، كان هذا الشيء هو الاسم! ثم لا يعنينا بعد ذلك أكان هذا الاسم مُشتَقاً أو غير مُشتَق، موضوعاً، أم منقولاً، أم مُرتجَلاً، أم… أم… على قول النُحاة، لا يعنينا!
فمثلاً حين نقول الرجل، يكون هذا اسماً أو وصفاً؟ في الأصل هذا اسم. رجل وامرأة! الحائط، الكتاب، الأرض، السجاد، الميكروفون Microphone، السماء، الأرض… إلى آخره! كل هذه أسماء. لكن كبير، صغير، جميل، قبيح، أسود، أبيض، قوي، ضعيف، بخيل، كريم، ذكي، غبي، بليد، نشط، كسل… إلى آخره! أوصاف، كل هذه أوصاف، كل هذه أوصاف تأتي بعد ذلك للذات، تأتي بعد ذلك للذات! فتُوضِّح جوانب منها، تُوضِّح جوانب منها وتُنير بعض هذه الجوانب.
فهذا باختصار الفرق بين الاسم والصفة، جيد! نُريد أن نُطبِّق هذه القاعدة على أسماء الله وصفاته. لدينا أسماء كثيرة لله، ولدينا صفات كثيرة لله. ما هو الاسم؟ وما هي الصفة؟ كقاعدة لا بد في الأخير أن نؤول وأن نرجع إلى اسم غير مُشتَق، لا بد في الأخير هذا! وهو المُسمى بالاسم الموضوع، اسم موضوع! اسم لذات، وُضع وضعاً هكذا. إذا قلنا كل اسم لا بد أن يُشتَق من غيره، يلزم ماذا؟ التسلسل. ما معنى التلسلسل؟ أن نبقى نقول هذا يُشتَق من هذا، وهذا يُشتَق من هذا، وهذا… إلى يوم الدين، مُستحيل! لا يُمكِن هذا، أليس كذلك؟ عمر الدنيا لا يفي بالاشتقاق اللا نهائي. عمر الدنيا وعمر الخليقة وعمر البشرية لا يفي بالاشتقاق اللا مُتناهي! كأن نقول كل شيء مُشتَق من كل شيء، غير صحيح! إذن في الأخير لا بد أن نصل إلى أسماء موضوعة، غير مُشتَقة، هي علامات هكذا! الآن – مثلاً – في أسماء العلوم والفنون، وفي أسماء الآلات والمُخترَعات، أحياناً يشتقون لها أسماء، وأحياناً يضعون لها أسماء، أسماء مُؤلَّفة هكذا، من عندهم! يضعون أحرفاً هكذا أبجدية، مثلاً يقول لك أحدهم هذه سوني Sony. ما هذه؟ ليس لها في القاموس أي معنى، أحرف مُركَّبة هكذا! هوندا Honda، وهيونداي Hyundai، أسماء موضوعة، أليس كذلك؟ ثم بعد ذلك تُصبِح أسماء أعلام على هذه الأشياء المعروفة لنا من الآلات والمركبات، أليس كذلك؟ هذا الاسم الموضوع، غير مُشتَق، غير مُشتَق! قد يُشتَق منه بعد ذلك، لا بأس، هذا حال اللُغة.
من أسماء الله – تبارك وتعالى – فقط على الأرجح اسم الله، لا إله إلا هو! هو اسم ذات، واسم غير مُشتَق، على الأرجح! وسنقول الخلاف أيضاً في اشتقاقه أو عدم اشتقاقه. وكل الأسماء والصفات في التسعة والتسعين وغير التسعة والتسعين، هي في الحق وفي الواقع أوصاف لله. صحيح! أوصاف لهذه الذات الإلهية، المُقدَّسة، المُتفرِّدة، واجبة الوجود، لا مثيل لهذه الأوصاف، وهي أوصاف كاملة، ومُطلَقة، صحيح! ولا تليق على جهة الإطلاق والكمال، إلا بالله وحده، ولكنها أوصاف أيضاً، ولكن لما كان لله هذا الاختصاص بها على جهة الكمال والإطلاق، أُجريت مجرى ماذا؟ مجرى الأسماء. فنقول من أسماء الله الرحمن، الرحيم، الحليم، العليم، الخبير، العزيز، الحكيم. من أسماء الله! وفي الحق أنها ماذا؟ أنها في الأصل أوصاف، صفات! لماذا؟ أو لمَن؟ لله – تبارك وتعالى -، لله!
ولذلك اسم الله هو أعظم الأسماء، وأجمعها، وأخص الأسماء. وهو يُوصَف بكل الأسماء الأُخرى والصفات، فيُقال الله الرحمن الرحيم، الخالق، الخلّاق، العليم، الخبير، الواجد، الماجد، القادر، المُقتدِر، الولي، الكافي، الشافي… إلى آخره! ولا يُقال القادر الله، الرحمن الله. غير صحيح! الله القادر، لا نصف القادر بالله، أبداً! وإنما نصف الله بالقادر، وبغير القادر من أسمائه وصفاته. هل وضحت هذه المسألة – إن شاء الله تبارك وتعالى -؟ هذه مسألة مُهِمة.
جيد! بعد ذلك تسمعون عن أسماء الله الجمالية، عن أسمائه وصفاته الجمالية، وعن أسمائه وصفاته الجلالية، ما الفرق بينها؟ للعلماء طرق وتصاريف كثيرة في ذكر هذا الفرق، لكن أحسنها وأجمعها وأسهلها على الفهم والإدراك، هو أن يُقال ما عاد إلى معنى الرحمة والتحنن والعطاء، كان من أسمائه وصفاته… ماذا؟ الجمالية. أي العفو، الغفور، الرحيم، الكريم، الحليم، المُعطي، الرافع، المُعِز… كل هذا من أسماء ماذا؟ الجمال. وأما ما عاد إلى المعنى المُضاد تماماً لما ذكرت، إلى معنى القهر، والغلبة، والعزة، والجبروت، فهو من أسماء ماذا؟ الجلال. إذن الجبار، المُنتقِم، الخافض، المُميت… إلى آخره! كله من أسماء وأوصاف ماذا؟ الجلال.
أخيراً ما الفرق بين أسماء الذات، وأسماء الفعل؟ وهذا أغمض، هذا المبحث من أغمض المباحث، ولكنني – إن شاء الله – سأُعطيكم فيه ضابطاً، يُصبِح سهلاً جداً، أسهل من شُرب الماء، كيف؟ كل أسماء الذات لا نقائض لها، لا تقبل النقيض! مثل الحي، هل لله اسم آخر نقيض الحي؟ هل هناك الميت مثلا؟ أعوذ بالله، إذن الحي من أسماء الذات، هل فهمتم؟ ليس من أسماء الصفات. العليم، هل هناك اسم آخر أو صفة أُخرى – أعوذ بالله – تشي بالجهل – أستغفر الله العظيم، اللهم غفراً -؟ فالعليم من أسماء الذات. وكذلك الخبير، والقادر، الشيء نفسه! من أسماء الذات. وكذلك المُريد، وهكذا! أي اسم لا يقبل النقيض، فهو ماذا؟ من أسماء الذات.
أسماء الفعل عكس ذلك تماماً. فالمُحيي ما نقيضه؟ المُميت. من أسماء الفعل، وفعلاً الله يفعل فينا هذا الفعل، يُحيي هذا ويُميت هذا، يُحييه ثم يُميته، يُميته ثم يُحييه، أليس كذلك؟ فعل! ويظهر أثره في الخلق أيضاً. نعم، إذن المُحيي المُميت. وماذا عن الخافض الرافع؟ من أسماء الأفعال. أليس كذلك؟ يخفض ويرفع، يخفض قوماً ويرفع آخرين، يخفض إنساناً ثم يرفعه، أو يرفعه ثم يخفضه. ونسأل الله أن نكون دائماً في رفعة، وأن ينقلنا من الحضيض إلى الذرى، بفضله ومنّه.
وهكذا طبِّقوا هذه القاعدة على كل أسماء الله وصفاته. ما لم يقبل نقيضاً، هو من أسماء ماذا؟ الذات. وما قبل النقيض أو الضد، فهو من أسماء الأفعال. هل هذا واضح أيها الإخوة؟ هذا هو الفرق الدقيق – بحمد الله تبارك وتعالى – بين أسماء الذات وأسماء الأفعال. للأسف هناك كُتب كثيرة تتحدَّث وتصف وتتركك في عماية وفي حيرة، تقول لأن هذا من أسماء الذات. وأنت لا تستطيع أن تفهم لماذا كان من أسماء الذات، فكلها لله – تبارك وتعالى -، أي هذه الأسماء والصفات! لا يذكرون ماذا؟ الفرق. هم يعرفونه، العلماء الكبار يعرفون ذلك، ولكن لا يُوضِّحونه، فتبقى المسألة غامضة على المُبتدئ، ولا يعرف المُراد.
نسأل الله – تبارك وتعالى – أن ينفعنا جميعاً بما علَّمنا. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
أضف تعليق