لعل ما يجرني للحديث عن الحرية في عالمنا هو ذلك الالتباس الذي يعتور فهم العقل العربي للحرية، و يغبش الرؤية السليمة لهذا المعنى. و الحق يُقال أن الفلاسفة، قديما و حديثا، شرقا و غربا اختلفوا في تحديده، و افترقوا في تبيان معقباته و لوازمه. إلا أن العقل العربي الراهن يُجمع، إن لم يكن يؤكد في كل مناسبة على اقتران لوازم الحرية و معقباتها بالفوضى العارمة التي تجتاح كل جانب من جوانب الحياة بشأنيها العام و الخاص. و لا يرى فيها، خصوصا في مساءل العقيدة و الإيمان، إلا شرا يحف الإنسان المسلم من كلا ضفتي نهر حياته “الهادئ”. فيؤْثِرُ بذلك هذا العقل نظاما من التفكير يقوم على استعباد الإنسان للإنسان روحيا و عقليا، و يفضله على اختلاف الرأي و تباين زوايا النظر، و افتراق سبل الأفهام، و اجتراح أساليب جديدة في التفكير. معللا، هذا العقل العربي، أن الإجماع ضروري، و أن كل اختلاف و لو كان ضئيلا بإمكانه تقويض مشروع الوحدة.
و الواقع أن هذا التفسير الساذج باعتباره يتردد على ألسنة العوام و السوقة، و الماكر باعتباره لعبا بالكلمات من طرف الحكام و الساسة يدعم الطغيان و الاستبداد العربي القائم على كل مستوياته، ذلك بأن استقرار الدول يكون في ظل الاختلاف و دون ذلك فهو ركود و لا يمكن أن يكون استقرارا البتة.
و عوْداً على بدءٍ، فإن الحرية لم تكن في يوم من أيام عالمنا العربي مقرونة بالمسؤولية. إذ أن المجتمع الحر، و بالتالي السليم، يساءل أفراده عن ما فعلوه كل من موقعه. و لعل المفارقة العجيبة في عالمنا العربي و التي سجلها بذكاء الدكتور العلامة عدنان ابراهيم أن كلمة “مسؤول” تحيل، معيشيا و واقعيا، و ليس تجريديا و لغويا، إلى شخص لا يُسأل عما يفعل؛ في حين أن كلمة “مسؤول” تعني أنه يُساءل من طرف سائل أو أكثر.
إذا ذهبنا نقيم علاقة المسؤولية بالحرية و مشينا خطوات يسيرة في سبيل هذه المتلازمة، نستطيع أن نبرهن ببساطة صادمة أن من لا يكون حرا لا يمكن أن يكون مسؤولا. لا يمكن لمسجون أن يعتبر مسؤولا عن شيء في العالم ( لهذا يُعتقل أصحاب المواقف الحرة، للحد من مسؤولياتهم تجاه مجتمعاتهم). من جهة أخرى، من لا يكون مسؤولا ليس بالحر. كيف يمكن للفرد العربي اليوم أن يصبح حرا و عندما يكسر كأسا يمر كأنه لم يكسرها ؟ إنه لم يتحرر من نفسه الصغيرة بعد، فأنى له أن يتحرر من الطاغية الذي يحكمه ؟
الحرية عند العربي لا تزال تنحصر في حرية اختيار الأكل على قوائم المطاعم، حرية اختيار الملابس و حرية اختيار القنوات على التلفزيون، دون أن تنداح لتشمل حرية التفكير فضلا عن حرية التعبير الحقيقي عن ما يجول في قريحته من أفكار اجتماعية، اقتصادية أو سياسية. و بالتالي، المسؤولية لهذا الفرد تجاه مجتمعه تبقى منزورة التأثير، محدودة النطاق.
rawane
مواضيع ذات صلة
10 أبريل، 2020
1٬179 مشاهدات
10 أبريل، 2020
1٬002 مشاهدات
10 أبريل، 2020
814 مشاهدات
10 أبريل، 2020
1٬388 مشاهدات
10 أبريل، 2020
475 مشاهدات
10 أبريل، 2020
600 مشاهدات
10 أبريل، 2020
617 مشاهدات
10 أبريل، 2020
389 مشاهدات
10 أبريل، 2020
391 مشاهدات
10 أبريل، 2020
358 مشاهدات
10 أبريل، 2020
344 مشاهدات
10 أبريل، 2020
1٬258 مشاهدات
29 مارس، 2020
627 مشاهدات
فيديو تحفيزي, مقتطفات, هوامش
نصيحة من ذهب لكل من ضل الطريق || الدكتور عدنان ابراهيم في واحد من أفضل الفيديوهات
28 مارس، 2020
438 مشاهدات
27 مارس، 2020
375 مشاهدات
25 مارس، 2020
327 مشاهدات
24 مارس، 2020
512 مشاهدات
24 مارس، 2020
355 مشاهدات
23 مارس، 2020
359 مشاهدات
20 مارس، 2020
517 مشاهدات
فيديو تحفيزي, مقتطفات, هوامش
لا تحكم على الاخرين! ( إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ) موثر جدا – عدنان ابراهيم
15 مارس، 2020
405 مشاهدات
11 مارس، 2020
2٬547 مشاهدات
7 مارس، 2020
329 مشاهدات
7 مارس، 2020
796 مشاهدات
7 مارس، 2020
706 مشاهدات
7 مارس، 2020
407 مشاهدات
21 مايو، 2019
831 مشاهدات
9 مارس، 2019
3٬775 مشاهدات
2 فبراير، 2019
3٬114 مشاهدات
8 أكتوبر، 2018
547 مشاهدات
7 يونيو، 2018
4٬241 مشاهدات
24 مارس، 2018
2٬508 مشاهدات
22 أكتوبر، 2016
3٬962 مشاهدات
1 أكتوبر، 2016
2٬533 مشاهدات
24 يونيو، 2016
6٬539 مشاهدات
1 فبراير، 2016
5٬714 مشاهدات
16 يونيو، 2014
708 مشاهدات
التفريغات النصية, علوم التربية, لقاءات ومحاضرات, مراجعات
محاضرة الهموم الأسرية…مداخل جديدة للنظر والعلاج
16 أغسطس، 2011
2٬486 مشاهدات
شهر واحد مضى
30 مشاهدات
شهر واحد مضى
24 مشاهدات
شهرين مضى
24 مشاهدات
أبشِرْ … ساحت بنا مقالتك و صورتها ( الصحراء ) إلى معنى قوله تعالى { إن للمتقين مفازا } فالمفازة في اللغة معناها : الصحراء و المفاز هو الفوز في قطع هذه المفازة ـ الصحراء الشاسعة ـ و هذه المفازة كتبها الله علينا طالما نحن في هذه الدنيا و كلما قويَ إيمان العبد كان أكثر قدرة على قطعها بنجاح و الوصول إلى الجانب الآخر من الحدائق و الأعناب و الكواعب الأتراب ووووو فكل ما ذكره تعالى في القرآن من أوصاف للجنة فيه في الدنيا جزء منه لكنه يوم القيامة يُضاعَف أضعافاً كثيرة … علماً بأن كلمة [ كواعب ] تدل على نساء فيهن من أثر الكعبة شيء ، و كلمة [ أتراب ] :تؤكد هذا المعنى حيث أننا نعلم الحديث [ فاظفر بذات الدين تربت يداك ] أي حصلتَ على أثرٍ ثمين و صار بين يديك ، و علي بن أبي طالب كان يكنيه رسول الله ب[ أبا تراب ] أي تِرب رسول الله أي آخذٌ من أثره صلى الله عليه و سلم …..