إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:
أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:
مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩
ثم أما بعد:
أيها الإخوة المسلمون الأفاضل، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول المولى الجليل – سبحانه وتعالى – في مُحكَم التنزيل بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:
تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ۩ ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُل لّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ ۩ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِن يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ۩ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ۩ وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ۩
صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط. آمين اللهم آمين.
إخواني وأخواتي:
سنتجنَّب في هذا المقام الكريم الخوض في شعب الكلام في قوله تبارك وتعالى قُل لّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ۩، ومذاهب العلماء والمُفسِّرين في هذه الآية الجليلة أو في هذا الجزء منها معروفةٌ ومزبورة في الكتب المشهورة، فمِن قائل إن المُراد لّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ۩ إلا أن تعرفوا حقي ومكانة قرابتي منكم، وهذا الذي رجَّحه كثيرٌ من المُفسِّرين، ومِن قائل إن المعنى هو أن تودوني في قراباتي، أي في أهلي وذوي قرباي، ومِن قائل إن المعنى إلا أن تتقرَّبوا إلى الله – تبارك وتعالى – بما من شأنه أن يُقرِّب ويُزلِف إليه من صالحِ الأعمال والأقوال.
مذاهب ثلاثة مشهورة لن نخوض في مُحاكَمتها ووزنها في هذا المقام لأن هذا يطول وليس له كبيرُ تعلّق بغرضنا في هذه الخُطبة هذا اليوم إن شاء الله تعالى، فمحبةُ آل محمدٍ – صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً – أمرٌ مُقرَّرٌ مقطوعٌ به عند كلِ مَن هداه الله وبصَّره بل لعله يكونُ مقطوعاً به عند الجماء الأعظم وعند الجماء الغفير الأعظم من هذه الأمة باستثناءِ الذين خذلهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم فراحوا يتقرَّبون إلى الله – تبارك وتعالى – ببغض آل محمد وسبهم ولعنهم ومُلاحَقتهم والتنكيل بهم والتشريد بهم إن واتتهم وأمكنته فرصة – والعياذ بالله – فــ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ۩ هؤلاء الذين يُسمَون ويُدعَون النواصب، النواصب الذين نصبوا العداء لأهل بيت رسول الله ثم هم يزعمون أنهم يُومِنون بالله ورسوله وأنهم يُحِبون رسول الله، كذبوا، فلو أحبوه لأحبوا أهله وآله صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم، وكيف ونحن في كل صلاةٍ نقول اللهم صل على محمدٍ وآل محمد؟!
ما من محيد وما من مناص وما من مهرب وما من عذرٍ ولا تعلةٍ لمَن ناصبهم العداء في القديمِ والحديثِ إلى أن يقوم الناسُ لرب العالمين، وفي الحديث المُخرَّج في الصحيحين من حديثِ كعب بن عجرة – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه – صاحبِ رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – أنه قال قلنا يا رسول الله كيف الصلاةُ على محمدٍ وآل محمد؟ أي كيف الصلاة عليكم أهل بيت النبوة؟فقال صلى الله عليه وآله وسلم “قولوا اللهم صل على محمدٍ وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد” أخرجاه في الصحيحين، وهكذا علَّمهم النبيُ – صلى الله عليه وآله وسلم – كيف يُصلون عليه وعلى آله، فلا تلتفتوا إلى بعض الذين يُنفِّرون من الصلاةِ عليهم والتسليم، فإذا ذُكِر عليّ – مثلاً – لا يُسلِّمون عليه ويقولون “يكفي أن نقول رضيَ الله عنه وأرضاه، شأنه في هذا شأن الصحابة جميعاً رضوان الله تعالى عليهم” وهنا أخطأوا فليس شأنه شأن سائر الصحابة، إن له شأناً خاصاً، والحسن له شأنٌ خاص والحسين وفاطمة والذرية الطيبة والجناب الرفيع الأكرم، وإلا فبالله لم نجد الإمام البخاري – رضوان الله تعالى عليه – يُسلِّم على عليّ في مواضع؟ في أربعة مواضع من صحيحه سلَّم عليه مُفرداً وقال “عليٌّ عليه السلام”، وسلَّم عليه في مواضع أخرى مقروناً بولده وذريته فقال “الحسن وعليّ – مثلاً – عليهما السلام”، وسلَّم على فاطمة في مواضع، ومُعظم أماثل علمائنا يفعلون هذا، فالإمام أحمد سلَّم والإمام الطبري يُسلِّم كثيراً في كتبه، والإمام أبو جعفر الطحاوي في مُشكِل الآثار لا يكاد يذكر عليّاً إلا بالتسليم ويندر أن يقول “كرَّم الله وجهه” أو “رضيَ الله عنه”، أبو جعفر الطحاوي الإمام الحنفي العلم يكاد يقول دائماً “عليه السلام”، وهذا من خواصهم ومن حقوقهم، ولذلك رُويَ عن الإمام محمد الباقر – أبي جعفر – وهو أبو الإمام الصادق – عليهما السلام – أنه قال في آية أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۖ ۩ أن المقصود هو يحسدون أهل البيت، فهناك حسد إلى اليوم، إلى اليوم هناك أُناسٌ لا في العير ولا في النفير من الدهماء ومن الطغام ومن الدهماء والطغام ومن العامة وأحدهم لا يكاد يعرف كوعه من بوعه ولكنه يقول لم نُسلِّم عليهم؟ ونحن نقول له هل أنت تحسدهم يا غر؟ مَن أنت؟
نقطع بأن في قلوب هؤلاء بعد أن تقوم عليهم الحُجةُ والدليل نفاقاً، ولذا أخرج الإمام أبو عبد الله الحاكم – رحمه الله تعالى رحمةً واسعة – في مُستدرَكه على الصحيحين – صحيحٌ على شرطِ مسلم ولم يُخرِّجه ووافقه الإمام الذهبي – أنه عليه الصلاة وأفضل السلام قال “إني سألت الله لكم يا بني عبد المطلب – أو سألت الله فيكم يا بني عبد المطلب – ثلاثة – ثلاث خصال أو ثلاث خلال -، سألته أن يُثبِّت قلوبكم وأن يُعلِّم جاهلكم وأن يهدي ضالكم، وسألته أن يجعلكم جوداء – أهل جودٍ وكرم – نُجداء ورحماء، فوالله الذي نفسي بيده لو أن رجلاً صفن – أي صفى قدميه واقفاً، ومنه الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ ۩، لأنها تقف فلا تكاد تتحرَّك وهذه علامة الخيل الأصيلة – بين الركن والمقام – صفى قدميه واقفاً – فصلى وصام ثم مات مُبغِضاً لكم لأدخله الله النار” والروايات كثيرة عن هذا، وعن جابر بن عبد الله وأبي سعيدٍ الخدري وأبي ذرٍ الغفاري – رضيَ الله تعالى عنهم وأرضاهم أجمعين – أن الصحابة – رضوان الله تعالى عليهم – كانوا يعرفون المُنافِقين ببغضهم عليّاً، فهذه علامة واضحة جداً، فإذا كنت تُبغِض عليّاً وتنحرف عنه ويبدو منك شيئ تجاهه كنت مَن كنت وأنت مَن أنت فهذه علامة على النفاق، فاحذر واحتط لنفسك وارتد لها الخير وراجع أمرك فالمرء على نفسه أو من نفسه على بصيرة، فكلُ امريءٍ من نفسه على بصيرة وهو يعلم ما في قلبه، والله من وراء قلب كل امريءٍ ولسانه ، وليست المسألة – وهذا مما يغيظ – بالدعاوى، فباستثناء النواصب لا تجد أحداً ألا وهو يقول نحن نُحِب أهل البيت ونُكرِّمهم، ما شاء الله، ولكنك تُدافِع عن أعدائهم وتلتمس لهم الأعذار الباردة التي هى أبرد من الثلج وأسخف من السخف نفسه وتترضَّى على قاتليهم ولاعنيهم وسابهم وشاتمهم ثم تقول أنا من مُحبي أهل البيت، ما شاء الله!
ذات مرة اختلف أسامة بن زيد – ومَن أسامةُ؟ إنه الحبُّ بن الحبّ، أسامة بن زيد بن حارثة الصحابي الجليل والعلم الشهيد، رضيَ الله تعالى عنهما وأرضاهما – مع الإمام عليّ عليه السلام – وهنا تتمايز المقامات، فلا تقل لي لا أسامة ولا زيد، إذا ذُكِرَ عليّ انتهى، هنا المقامات لابد أن تكون واضحة، لا أن يُقرَن عليّ حتى بالطلقاء بل وأحياناً يُقدَّم الطلقاء بطريقةٍ أو بأخرى، بطرق غامضة عجيبة تغيظ المُؤمِن – فقال له أسامة إني لا أُحِبك أو قال إني مُبغِضٌ لك، ثم ذُكِرَ هذا للرسول، فقال النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – مُباشَرةً وأسامة يسمع “يا عليُّ لا يُبغِضك إلا مُنافِق”، فهويُحذِّر أسامة كأنه يقول له – وهذا ما أفهمه إن شاء الله من الحديث – أعلم أنك صادق الإيمان ولكن انتبه لنفسك، توخى واحذر واحتط، فالمرء في حال الغضب أو الحنق يبدر منه ما يبدر، وكأنه يقول له هذا بدر منك على سبيل الإغضاب لعليّ والغضب منك لا بأس ولكن انتبه، إن انعقدت البُغضة في قلبك لعليّ فهذه علامة النفاق.
النبي يُعطي موازين ومعايير ولا يستثني أحداً ويُطبِّقها على الجميع، وينبغي أن تُطبَّق على الجميع، ولذلك في الحديث الصحيح الذي أخرجه الإمام مسلم – رحمه الله تعالى – في صحيحه من حديث الإمام أبي الحسن – عليه السلام – عليّ – كرَّم الله وجهه – قال “والذي برأ النسمة وفلق الحبة – كأنه يقول والله خالق الحيوان والنبات وخالق النفوس والنباتات – إنه لعهدُ النبي الأمي إلىّ – عهدٌ من النبي إلىّ – ألا يُحِبني إلا مُؤمِن ولا يُبغِضني إلا مُنافِق”.
الإمام أبو بكر البيهقي – رحمه الله تعالى – الحافظ والفقيه الشافعي الجليل كان يُحِب عليّاً، وقد قال عنه بعض العلماء “كل أحدٍ من الشافعية للشافعي في عنقه منة وللشافعي عليه يد إلا أبا بكر البيهقي فلعله له يدٌ على الشافعي” وذلك لكثرة ما خدم مذهب الشافعي واستدل له وأوعب في ذلك رضيَ الله عنه وأرضاه، وله كتابٌ عظيم في مُجلَّدين اسمه مناقب الإمام الشافعي رضيَ الله تعالى عنهما وأرضاهما، والشافعي كان مشهوراً بحبه لآل محمد ولذلك ظل الناس على الدوام ينبذونه بالتشيع فيقولون ” هذا مُتشيِّع” وهو لم يعتر من هذا إذا كان التشيع هو أن أُحِب فاطمة البتول الزهراء – عليها السلام – وعليّاً قرن هذه الأمة أو ذا قرنيها – عليه السلام – وهو أخ رسول الله وصهره وابن عمه وهو القائل رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه “أنا أولُ مَن عبد الله في هذه الأمة مع رسول الله” وفي البدايات الأولى كان يُصلي دائماً مع رسول الله، وكان يقول “أنا عبد الله وأخو رسوله، لا يقول ذلك غيري أحدٌ إلا كذب” أي لا أحد يقول أنا أخو رسول الله، أنا أخوه فقط لأنه هو الذي أعطاني هذه الميزة، فالنبي قال له “أنت يا أبا الحسن أخي في الدنيا والآخرة”، فهو إذن أخوه، هذا الذي سُبَّ ولُعِنَ وكُرِه وانحُرِفَ عنه وغُضَّ منه، فإذن الإمام عليّ قال “لا يقولها أحدٌ غيري إلا كذب”، عليه السلام وشفَّعه الله فينا يوم الحشر. اللهم آمين.
المُهِم هو أن الإمام البيهقي يقول: قال الربيع – وهو الربيع بن سليمان، أحد خاصة تلامذة الإمام الشافعي رحمة الله تعالى عليه – له يا إمامنا إن نفراً من الناسِ يتحدَّثون أنك تشيَّع – أي أنك تتشيع، فيك تشيع – أو قال له – وهذه حكاية أخرى – إن نفراً من الناس إذا ذُكِرَ عليٌّ أخذوا في حديثٍ غيره – مثل هؤلاء الذين لا يُحِبون مثل هذه الخُطبة، فهناك من الناس مَن إذا ذُكِرَ عليّ وأهل البيت يتساءلون قائلين لماذا خُطبة عن عليّ؟ وقد يعترضون في قلوبهم قائلين لماذا ليست عن فلان أو علان من أصحاب رسول الله رضيَ الله تعالى عنهم وأرضاهم؟ وهذا شيئ عجيب، فقد يتحدَّث المُتحدِّث عن الصحابة في ألف خُطبة ولا يقنعون، فإن تحدَّث عن أهل البيت في خُطبة أو خطبتين تساءلوا لماذا؟ أتُراه شيعياً؟ لعله يتشيَّع، ولذا نقول إذا كان التشيع هو أن نُحِب آل محمد فنحن أول المُتشيّعين، ووالله الذي لا إله إلا هو لا نُبالي بما يقول العالمون، فلا يعنينا يُقال شيعي أو يُقال زنديق أو يُقال كافر، اُقسِم بالله لا يُقيمُ مُؤمِنٌ لهذا وزناً، فكيف لا نُحِب آل محمد؟ نحن نعيش إن شاء الله ونموت على حبهم ولو قُطِّعنا بإذن الله إرباً إربا حتى نلقى محمداً على الجادة وهو الذي أوصانا بأهل بيته وشدَّد الوصاة في غير ما موضع، فهو شدَّد الوصاة ولكن هذه الأمة لم تحفظ نبيها في آله وضيَّعت وصيته للأسف وسيأتيكم البيان، وإلى اليوم ما زلنا مُضيِّعين لوصية رسول الله، وسوف نرى لماذا وكيف، فكيف ضيّعناها؟ فأمثال هؤلاء لا يُحِبون الحديث عن أهل البيت ويخوضون في حديثٍ غيره ويقولون لماذا نتكلَّم دائماً عن عليّ – عليه السلام – والحسن والحسين؟ كأنهم ما شاء الله شبعوا من علوم الحسن والحسين وعليّ وكأنهم يعرفون كل شيئ وهم لا يعرفون شيئاً تقريباً عن أهل البيت، فأين أحاديث عليّ؟ عليّ تأخَّر بفضل الله تبارك وتعالى وشهاته جاءت مُتأخِّرة جداً وذلك في السنة الأربعين للهجرة، أي بعد الصدّيق وبعد الفاروق وبعد ذي النورين رضوان الله تعالى عنهم أجمعين، وهو آخر الأربعة وفاةً وشهادة، فأين حديثه؟ كم رُويَ له؟ ولماذا يُروى لغيره الآلاف من الأحاديث وليسوا يُقرَنون ولا يُقاسَون به لا من قريب ولا من بعيد لا في العلم ولا في السبق ولا في التُقى ولا في الهدي؟ لماذا؟ أين علمه؟ أين رواياته يقولون لم يكن في المدينة وكان في الكوفة، ما شاء الله وكأن الكوفة صحراء وليس فيها رواة، كيف تضحكون علينا بهذا؟ ومع ذلك يكتبون هذا في الكتب ويقولون هو لم يكن في المدينة، كأنه لا يطلب الحديث ولا يروي إلا أهل المدينة وهذا كذب، فأهل مصر رووا وأهل العراق والشام وما وراء النهر وكل الأمة صارت تروي الحديث، فأين أحاديث الإمام؟ أين علم الإمام وهو بابُ مدينة علم رسول الله؟ فمَن أراد المدينة فليأتها من بابها، أين علمه؟ يا حسرتنا، هذه حسرة والله العظيم في القلوب، لذا سنرى الآن ما قاله الشافعي وما أحسن ما قال الشافعي – فأنشأ – قرض هذا الشعر من وقته على البديهة – أبو عبد الله الشافعي – رضيَ الله عنه وأرضاه – يقول:
إذا في مجلس ذكروا عليَّا وسبطيه وفاطمة الزكية
فاجرى بعضهم ذكرى سواهم فأَيْقِنْ أنه لسلقلقية
أي اعلم أن هذا بسبب السلقلقية، وإلا ما السبب؟ ما العلة؟ لماذا تنصرفون عن حديث عليّ وآل البيت ولا تُحِبون أن تخوضوا في حديثهم؟
اذا ذكروا علياً أو بنيه تشاغل بالروايات الدنيّه
وقال تجاوزوا يا قوم عنه فهذا من حديث الرافضية
أي قالوا هذا حديث الشيعة وكلام عن عليّ وعن فاطمة الزهراء والحسن والحسين، فهذا الأشياء من أحاديث الشيعة وأحاديث الرافضة، فلماذا نخوض في أحاديث الرافضة؟
برئت إلى المهيمن من أناسٍ يرون الرفض حب الفاطمية
أي أنه قال أنا بريء إلى الله من هؤلاء الذي يُسمون مَن أحب فاطمة وبانيها وبعلها بالروافض لأنهم يُحِبون آل البيت.
على آل الرسول صلاةُ ربي ولعنتُه لتلك الجاهليهْ
فرضيَ الله عن إمامنا الشافعي وأرضاه وجزاه الله عن أهل بيته خير ما يجزي مُحِباً صادقاً وحشره معهم وشفَّعهم فيه، وقد يتساءل بعضكم أو بعضكن قائلاً: الإمام الشافعي قال فأَيْقِنْ أنه لسلقلقية، فما هذه السلقلقية؟!
وهناك حديث – وهذا الحديث من جهة الإسناد على مبلغ علمنا وعلى ما قرأنا للأئمة والحفَّاظ لا يصح لأن فيه مجاهيل ولكن لعله صح عند الشافعي أو لعل المعنى صح عنده أو لعله أراد فقط أن يتأثَّر المعنى – يُروى عن ابن عباسٍ – وهذا نبأ السلقلقية – رضيَ الله عنهما أن امرأةً أتت ابا الحسن – عليه السلام – فقالت له إني لأُبغِضك ولا أُحِبك، امرأة هكذا لعل عليّاً قتل أباها أو جدها أو عمها أو ابنها من الظلمة الذين تصدوا له وحاربوه مُبطِلين، وعليٌّ تقريباً باتفاق كل أهل الحق في هذه الأمة مُصيبٌ في كل حروبه مثلما حدث في الجمل وصفين والنهروان، وهذا عند مُعظم علماء الأمة على الإطلاق ولا يُخالِف في هذا إلا منكود متعوس، فهومُصيبٌ في كل حروبه ولم يُخطيء في حرب واحدة، فدائماً كان الحق معه عليه السلام مثلما حدث في الجمل وفي صفين وفي النهروان، المُهِم هو أن هذه المرأة عندما قال له أنا أُبغِضك ولا أُحِبك قال لها فأنتِ إذن سلقلق، فقالت وما السلقلق؟ فقال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم – أي مرةً أو ذات مرة – يا أبا الحسن لا يُبغِضك من النساء إلا السلقلق، فقلت يا رسول الله وما السلقلق؟ قال التي تحيض من دُبرها، أي مُنحرِفة الطبع والخلقة، وإلى اليوم لا ينحرف عن آل البيت ولا يستشعر الانحراف فضلاً عن البغض لآل البيت إلا مُنحرِف ومطعون إما في رجولته وإما في إيمانه وإما في طبيعته وإما في خلقه وإما في شخصيته، فلا يكون شخصاً طبيعياً وأنا اُقسِم بالله على هذا، لا يُبغِض عليّاً وأهل البيت رجلٌ أو امرأة ويكون طبيعياً، فعشَّاق المجد وعشَّاق الكمال وعشَّاق الإيمان وعشَّاق المعاني العالية يهيمون عشقاً بأهل البيت حتى من غير المسلمين، فهناك من غير المسلمين أيضاً مَن يهيمون عشقاً في عليٍّ وفاطمة وأنبائهم وذرياتهم لأنهم يرون عندهم ما لا يُرى عن غيرهم، هذا نمطٌ وحده، لكنكم قد تقولون لا نفهم، وهذا صحيح، لا جرم أننا لا نفهم لأننا لم نتعلَّم ولم نتربَّى على حب آل البيت، فلا نكاد نعلم عنهم شيئاً وبالتالي نستغرب من هذا الكلام ونقول لم؟ فعلاً لم نُصل عليهم في الصلاة؟ لم هم بالذات؟ لماذا نقول صل على محمد وآل محمد؟ فنحن لا نكاد نفهم هذا، ولذلك لا نغضب لهم ولا نحزن لمصائبهم بل ويُمكِن أن نُحِب أعداءهم تماماً ونُدافِع عنهم!
قرأت لإمام جليل وهو من أئمة الشافعية – والله يعفو عنه ويُسامِحه – ومن الذين تعلَّمنا منهم ومن كتبهم – إمام شافعي جليل من أئمة الشافعية، وأنا مُتأكِّد أن إمامه الشافعي يبرأ منه في هذه المسألة – أنه يقول في كتابه “ولو أن يزيد قتل الحسين أو باشر قتله مُستحِلاً لذلك ولكن بتأوُّل – أي أنه تأوَّل استحلال قتل الحسين – لما جاز لعنه” وهذا شيئ عجيب، فما هذه المحبة المُفرِطة في يزيد بن مُعاوية؟ فأنت تقول “لو أن يزيد استحل قتل الحسين ورأى أن قتله حلالاً ولكن عنده شُبهة تأويل أنا لا ألعنه” ونحن نقول لك “لعنة الله على يزيد إلى يوم الدين”، والأدلة مُتظاهِرة على تجويز لعنته بل لعلها مطلوبة، ولعل عين محمد تقر في عالمه النوراني قليلاً بلعن هذا اللعين الذي كما قال أحد شعراء العراق في أيام الآلوسي:
يزيد على لعني عريض جنابه فأغدو به طول المدى ألعن اللعنا
والمعنى الصحيح “دقيقٌ جنابه”، أي:
يزيد على لعني دقيق جنابه فأغدو به طول المدى ألعن اللعنا
وهذا نقله الألوسي – الإمام الشهاب الآلوسي – في روح المعاني رحمة الله تعالى، لكن هذا الإمام قال لا نلعنه، في حين أن هذا الإمام الشافعي نفسه في كتابٍ آخر قال “ولو أن مسلماً أخذ حبةً من أخيه مُستحِلاً لذلك لكفر”، أي أنك أذا أخذت حبة – أي سُدس الدرهم أو جُزء من الدرهم – من أخيك المسلم وتستحل ذلك فإنك تكفر” ولكن إن استحل يزيد قتل الحسين بشُبهة لا يُلعَن ولا يكفر، لأن اللعن ليس فقط في حق الكافرين، النبي والكتاب الكريم لعن كثيرين من المسلمين من هذه الأمة، ولكن هل تعرفون مَن أوائل هؤلاء الذين يُلعَنون؟ الذين استحلوا من أهل بيت رسول الله ما حرَّم الله ورسوله، روى الترمذي والحاكم والبيهقي في الشُعب – والحديثُ قويٌ ليس بالضعيف – أنه عليه الصلاة وأفضل السلام قال ستةٌ – أو قال خمسةٌ – لعنهم الله ولعنتهم ولعنهم كل نبيٍ مُجاب – أي مُجاب الدعوة -، المُحرِّفُ لكتاب الله – وفي رواية الزائدُ في كتاب الله – والمُكذِّب بقدر الله والمُتسلِّط بالجبروت فيُعِزّ من أذل الله ويُذِلّ مَن أعز الله – كسائر الطواغيت من الحكّام الظلمة وأعوان الظلمة، فالواحد من هؤلاء ملعون، لعنه الله والرسول والأنبياء المُجابو الدعوات، ومع ذلك تجد مَن يقول لك لا تلعن، فبعض الناس يُريد أن يُعلِّم الأدب وهو لا يعرف الشرع، ونحن نسأله أنت تتكلَّم عن ماذا؟ اللعن حُكمٌ شرعي يا عبد الله، فهل أنت أأدب من رسول الله وأأدب من أصحابه ومن أهل بيته الذين لعنوا؟ هناك مَن يستحق أن يُلعَن لكي يكون عبرةً للناس ولكي يتوقّى الناس أن يسلكوا مثل مسلكه أو يأخذوا مثل مأخذه، وهذا حكمٌ شرعي وعلى كل حال المسألة طويلة – والمُستحِل لحَرم الله – ضبطها بعضهم لحُرَم، ولكن الصحيح لحَرم، أي للحَرم كما استحل يزيد مكة والمدينة ودمَّر مكة ودمَّر الكعبة لعنة الله عليه، فهذا اليزيد أتى بكل ما يُوجِب اللعنة، ومع ذلك نجد مَن يقول لا نلعنه وإن استحل قتل الحسين فقد يكون استحله بتأويل، ما شاء الله، إذن نُعطِّل كل آيات وكل أحاديث اللعن ولا نلعن أحداً إلا مَن علمنا أنه مات على كفره، لكن أين الآيات والأحاديث التي تلعن مَن لم يمت على كفره وتلعن مَن فعل أشياء بعينها؟ على كل حال المسألة طويلة ولا نُحِب أن نخوض فيها فقهياً – والمُستحِل من عترة أهل بيتي ما حرَّم الله، ثم ختم بقوله والمُكذِّب لسُنتي، أو قال الراد لسُنتي، وهؤلاء الستة لعنهم الله ولعنهم رسول الله ولعنهم كل نبيٍ مُجاب.
هذا هو، فإذن هذه المرأة التي ذكرناها قالت له يا أبا الحسن صدق رسول الله – أي أنني البعيدة سلقلق – إني لأحيض من دُبري وما علم أبواي، فصدق رسول الله ولذلك هى تُبغِضه، فيا حسرتنا على أمة محمد، فهناك من غير المسلمين – كما قلت لكم – وهم كثر مَن يُحِبون آل البيت، الكولونيل Colonel حبيب غطَّاس – كولونيل Colonel وأديب لبناني مسيحي – كان يستهيمُ ويُستهام عشقاً في آل بيت رسول الله، حيث أنه قرأ سيرتهم وقرأ عنهم فعشقهم وامتلأ قلبه حُباً لهم، وله قصيدة غراء بعنوان سيدتنا فاطمة الزهراء، فيا حسرة – والله حسرة – على هؤلاء المُنحرِفين عن آل بيت رسول الله!
حبيب غطَّاس يُخاطِب فاطمةَ – عليها السلام – قائلاً:
فأنتِ من المختار حبّةُ قلبِه وأنتِ من الأطهار أصفى وأطهرُ
حفظت لنا نسل النبي ومن بهم على كل مخلوق نتيه ونفخرُ
أي أنه يقول نحن نتيه ونفخر على كل الخلق بذرية محمد، وأنتِ يا فاطمة مَن حفظت لنا هذه الذرية، أنتِ مُستودَع هذه الذرية.
عليكم صلاة الله ثم سلامه بكل أذان فيه الله أكبرُ
الله أكبر، هل يُمكِن لمسيحي أن يكتب هذا؟ نعم يُمكِن، فهذا مسيحي وكتب هذا، ومع ذلك نجد مَن يقول لا تُسلِّم عليهم ولا تقل عليهم السلام لأن هذا شعار الشيعة، ولكن الشيعة يُصلون فهل نترك الصلاة إذن؟ الشيعة يُؤذِّنون فهل نترك الأذان؟ الشيعة يُوحِّدون فهل نكفر بالله؟ ما هذا؟ أي فقهٍ هذا؟ علماً بأن هذا يُنسَب إلى فقهاء كبار أجلة، ويقولون هذا ممنوع إذا صار شعاراً للمُبتدِعة، فما هذا؟ هل أترك الشرع إذا صار شعاراً للمُبتدِعة بدل أن أفرح بأن هؤلاء المُبتدِعة كما تُسميهم يُشارِكونني في سُنة سنية؟ بالعكس أنا أفرح لأنني أُريد الخير لكل الناس، فمهما شاركني الناس في الحق الذي أراه حقاً فالحمد لله وله الحمد والمنة، ولكن مثل هذا يقول أنا أترك هذا الحق ونحن لا نُريده لأن الشيعة تصطنعه، ولكن في الحقيقة ليس لهذا السبب بل لشيئٍ في القلوب على أهل بيت رسول الله، فهم يُريدون أدنى حيلة وأدنى معذرة حتى يُنقَص آل بيت رسول الله من حقهم ثم بعد ذلك نأتي ونزعم أننا من أحباب آل بيت رسول الله، ويقول بعد هذا كله بعضهم أنا – والله – لا أعلم أحداً وإلا – ما هذا؟ ما الذي تعلمه أنت؟ هل أنت طالب علم؟ هل أنت مُحقِّق؟ هل أنت دارس؟ هل أنت تعرف الكتب والدراسات والأدبيات؟ – ويُحِب آل البيت، لكن كيف هذا؟ يقول الشاعر الحكيم:
وكيف يُسلَّم لهم دعاوى حبِّها وهوى نفوسهم إلى ضرّاتها
فنحن نُحِب أهل البيت ولكن هوانا مع الذين قاتلوهم وقتلوهم ولعنوهم وشرَّدوهم ونكَّلوا بهم بل ونترضَّى عليهم ونُدافِع عنهم بحماسة وشراسة، ما شاء الله على الحب.
إذا صافى حبيبُك مَن تعادي فقد عاداك وانقطع الكلامُ
هذا منطق الفطرة والبداهة.
لقد رابَني من عامرٍ أنّ عامراً بعين الرضا يرنو إلى مَن جفاني
يجيء فيبدي الود والنصح غادياً ويمسي لحسادي خليلاً مواخيا
فيا ليت ذاك الود والنصح لم يكن ويا ليته كان الخصيم المعاديا
اسمعوا الحكمة، اسمعوا كلام الذين في عقولهم أو في أدمغتهم عقول، لكن هؤلاء يقولون نُحِب هؤلاء ونُحِب من عاداهم ونترضَّى عنهم ونمنع انتقاصهم ولو بأي وجه ونسكت عن الأحاديث التي ذمَّتهم وحذَّرت منهم وانتقصتهم كأننا نقول لمحمد تأخَّر يا محمد الآن ولا تتكلَّم، فنحن دينا فقهٌ أخر، ولكن ماذا عن الأحاديث الصحيحة؟ ماذا عن الأحاديث المُتواتِرة بعضها؟ هذه تتراجع أيضاً، ثم بعد ذلك نجد مَن يقول كلنا نُحِب أهل البيت، فكيف هذا؟ بأي طريقة؟ بأي معايير؟ قل لي بالله عليك كيف، برّهِن لي هذا، كيف يُمكِن ذلك؟ أين المعايير؟
يا إخواني ويا أحبابي ويا أخواتي أنا أقول لكم أن محبةُ أهل بيت رسول الله – عليهم السلام وأجمعين – من محبة رسول الله، فلا والله الذي لا إله إلا هو ما أحب عبدٌ نبي الله صادقاً من قلبه إلا أورثته محبته إياه حباً وعشقاً وهياماً في أهل بيته مُباشَرةً، هذان لا ينفصمان، ولذا نُصلي عليه وعلى أهل بيته في كل صلاة تلقائياً، وبالتالي قد يقول قائل هذا أمر مُقرَّر غلا ينبغي أن تحلف عليه، لأن مَن أحب أحداً أحب كل مَن مت إليه بوصلةٍ وسبب، أليس كذلك؟ ويُحِب حتى سود الكلاب لسوادها كما قال المجنون، فلأنها سوداء أصبح يُحِب حتى الكلاب السود، وجميل بثينة يقول:
وقالوا: يا جميلُ، أتى أخوها فقلت: أتَى الحبِيبُ أخُو الحبِيبِ
أُحبُّكَ أن نزلتَ جبالَ حِسْمى وأن ناسبتَ بَثنة َ من قريبِ
فمَن أحب أحداً أحب كل مَن انتسب إليه وكل مَن اتصل به، وأعظم الناس وصلةً برسول الله مَن؟ لحمه ودمه وأهله وذلك قبل أن تُحدِّثني عن الصحابة رضوان الله عليهم، فعليك أن تنتبه لأن لابد من أن تكون الأمور مُرتَّبة، فأعظمُ الناس مثابةً وقدراً عن رسول الله وأحبهم إليه وأقربهم منه وأعظمهم رحماً مَن هم؟ هم خيرُ خليقة بعد رسول الله، ألسنا نتلو ونُروَّى حديث مسلم في الصحيح والترمذي وغيرهما إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريش من كنانة واصطفى بني هاشم من قريش واصطفاني من بني هاشم؟ وفي أحاديث أُخر فأنا خيارٌ من خيارٍ من خيار، ولذلك في الحديث يقول عليه الصلاة وأفضل السلام قال لي أخي جبريل يا محمدُ إني قلَّبتُ الأرض مشرقاً ومغرباً فلم أجد خيراً من محمد، صلى الله على محمد وآله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً إلى أبد الآبدين.
والله ما خلق الإله ولا برى بشراً يرى كمحمد بين الورى
ثم يقول جبريل ويا محمدُ – صلى الله على محمد وآله وسلم – إني قلَّبتُ الأرض مشرقاً ومغرباً فلم أرى بني ابن خيراً من آل هاشم أو من بني هاشم، هؤلاء أهل بيت النبوة ومُختلَف الوحي وعرصات القرآن والآيات ومعدن الرسالة، فكيف لا يكونون هكذا؟ هؤلاء لحمه ودمه وأهله وحامته وخاصته وقرابته، ولكن قد يقول قائل هذا الأمرُ بذاته مُقرَّر ولا يحتاج ولا يحوِج أن يُقسِم عليه فما الجديد في القضية؟ هناك جديد وهناك زائد وهو شريفٌ جداً ومن ثم يجب الانتباه إليه، والزائد والجديد في القضية هو أن المسألة تخلو من التكلف وأن لها اعتلاقها بالإيمان، لكن ما معنى هذا القيل؟ المسألة تخلو من التكلف بمعنى أنه يحدث أن امرأً يحِب امرأً آخراً حُباً صادقاً ولكنه لا يُحِب بعض أهله وخاصته – وهذا يحدث كثيراً – لأنه قد يغار منهم وقد يحسدهم وقد يُبغِضهم، فلا يُحِبهم لسبب أو لآخر وقد يكون مُحقاً وقد يكون مُبطِلاً لكنه يتكلّف محبتهم إرضاءاً لمحبوبه، فيدّعي أنه يُحِبه ويبرهم إرضاءاً لمحبوبه، لكن القضية مع آل محمد تختلف، لأنك إن أحببت رسول الله صدقاً – حُبٌ صافٍ بلا جفاء، حُب حقيقي – أكثر من نفسك وأهلك وولدك ومن الناس أجمعين سوف تجد نفسك بغير تكلف مُستهاماً بأهل بيته وسوف تعشقهم عشقاً بل وسوف تفديهم فعلاً بنفسك وروحك ودمك وبكل ما تملك لو طُلِبَ إليك وذلك وحُتِّمَ عليك، فهذا سيحدث بلا تكلف، ثم إن للمسألة اعتلاقها بالإيمان، فما معنى ذلك؟ معنى ذلك أن مهما صفت محبتك لرسول الله تحقَّقتك محبتك لأهل بيته وشعرت بربو الإيمان وزيادته، وهذا إيمان حقيقي مع خشوع مع يقين!
بعض إخواننا – وهذه نصيحة لي ولهم – وأخواتنا يسألون دائماً عن المداخل العلمية والفكرية والفلسفية للإيمان، فعليهم أن ينتبهوا أن الإيمان له ذوقه وله منطقه الخاص، ليس طريق الإيمان فقط البراهين والأدلة العقلية والنقلية والفلسفية، فالإيمان له أذواق ومواجيد خاصة، ومن أوسع وأرحب نُهج وطرق الإيمان محبة رسول الله وبالتبع مُباشَرةً وبالتفرّع منها والترتب عليها واللزوم عنها محبة آل بيته، روى الترمذي وحسَّنه – والحديثُ لا ينزل لعله عن رُتبة الحسن – أن رسول الله قال أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه وأحبوني بحبكم الله وأحبوا أهل بيتي بحبي، إذن المسألة واضحة جداً جداً، فلابد أن تُحِب الله لأنه خلقك ويغذوك ويرزقك ولا ينقطع مدده عنك، ثم يقول النبي وأحبني بحبك الله تبارك وتعالى لأنني رسول الله، فأنا عبده ورسوله وأنا الناطق عن وحيه وأنا الناطق المُفرِغ عن وحيه وبالتالي يجب أن تُحِبني، ثم أحب أهل بيتي بحبي لأن هؤلاء مني!
في صحيح مسلم عن يزيد بن حيّان أنه أتى هو وحُصين بن سبرة وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم صاحب رسول الله الذي عُمِّرَ – رضيَ الله تعالى عنهم وأرضاهم أجمعين – وقال دخلنا عليه فقلنا له لقد لقيت يا زيدُ خيراً – أي هنيأً لك ويا نعمة عين، وكيف لم يلق رضيَ الله عنه وأرضاه؟ – كثيراً، رَأَيت رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وَسَلَّمَ وَسَمِعتَ حَدِيثَه وَغزَوتَ مَعَهُ وَصَلَّيْتَ خَلْفَهُ، لقد لقيت يا زيدُ خيراً- مرة أخرى – خيرًا كثيرًا، فحدِّثنا يا زيدُ بحديثٍ سمعته من رسول الله – ما أعظم وما أشرف هذا النسب، فهو واسطة بينهم وبين رسول الله، وهؤلاء تابعون أجلاء – رضوان الله عليهم – يُحِبون أن يسمعوا من هذا الصحابي الجليل القانت العابد حديثاً سمعه من رسول الله – صلى الله على محمدٍ وآله وسلم تسليماً كثيراً، فقال لقد كبرت سني ودقَّ عظمي – أو قال وهن عظمي – ونسيتُ بعض – أو قال كثيراً – مما كنت أعي من رسول الله صلى الله عليه وسلم – أي أنني كبرت ونسيت أشياء كثيرة – فما حدَّثتكم فخذوه، وما لم فلا تُكلِّفونه – أي ما أسكت عنه لا تسألونني عنه، لأنني لا أُريد أن أخلط ولا أُريد أن أقع في اللبس والسهو والخطأ، وهذا الحديث عن رسول الله وبالتالي هذا المقام خطير جداً وحسَّاس -، ثم قال وقف بنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ذات يوم في ماءٍ يُدعى خُمًّا – الحديث مَن أخرجه؟ مسلمٌ في صحيحه، فالحديث صحيح وهو في صحيح الإمام مسلم بن الحجَّاج – بين مكةَ والمدينة فقال ألا أيها الناس إني بشرٌ يُوشِك أن يأتي داعي ربي فأُجيب – أي أن أيامي أوشكت على الانتهاء، وهذا بعد حجة الوداع، مُنصرَفه كما في روايات كثيرة مُتواتِرة من حجته اليتيمة وهى حجة الوداع، صلوات ربي وتسليماته عليه – وإني تاركٌ فيكم ثقلين – ما أحسن هذه التسمية وهذا النعت، النبي يقول ثقلين، والثقل هو الشيئ النفيس الخطير المصون، والمُراد بالخطير أي الذي له قيمة عالية، فليس المقصود من كلمة الخطير أنه بمعنى Dangerous، وإنما المُراد هو أنه نفيسٌ وخطير ومصون وبالتالي يُحافَظ عليه، فما أحسن هذا النعت، لكن لماذا؟ لأن القرآن الكريم قال إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا ۩، فالتمسك بالقرآن ليس لعب وليس لعبة وليس شيئاً سهلاً، فأن تتمسَّك بالقرآن وعزاماته هذا شيئٌ صعبٌ جداً، وإنه ليسير على مَن يسَّره الله عليه، يسَّر الله علينا سُبل الخير وهدانا الصراط المُستقيم الأزكى والأقوم والأوقى، وأما أهل بيت الرسول فلماذا سماهم ثقلى أيضاً؟ يقول لك أحدهم “ثقل رسول الله، خلَّف ابن أم مكتوم على ثقله، خلَّف عليّاً في تبوك على ثقله”، فلماذا هم الثقل؟ هل تعرفون لماذا عترته وأهل بيته هم الثقل؟ لأن التمسك بهم ومُوالاتهم تجر إلى المشاكل والمحن من بعد رسول الله إلى يوم الناس هذا، إي والله، ولذلك قال الإمام الصادق عليه السلام إن أمرنا معشر أهل البيت صعبٌ مُستصعَب، فهذا صعب جداً، فإذا كنت تُريد أن تُحِبنا وأن توالينا وأن تُظهِر هذه المحبة وأن تدفع عنا فسوف تُبتلى، ومن قبله قال جده وأبوه عليّ عليه السلام، أي أبو الحسن، ولذا قال له رجل والله إني لأُحِبكم أهل البيت فقال فاستعد للفقر تجفافا أو قال جلبابا، أي أنك ستفتقر، وفي روايات استعد للبلاء، ويُروى عن رسول الله عليه الصلاة وأفضل السلام أنه دخل أحدهم على أبي الإمام جعفر الصادق محمد الباقر عليهما السلام فقال له كيف أصبحت يا إمام، يا أبا جعفر؟ فقال الحمد لله أصبحنا برسول الله خائفين والناس به آمنين، الله أكبر، أي بسبب أننا أبناء رسول الله نُقتَل ونُذبَح ونُسجَن ونُطرَد ويُقتَل ويُسجَن ويُعرقَّب ويُقطَّع أحبابنا وشيعتنا لأننا فقط أهل بيت رسول الله، فهذه هى حالتنا، وأصبح الناس كلهم به آمنين، والناس الآن ’منون لأنهم ينتسبون إلى الإسلام وإلى دين رسول الله وإلى دين محمد، وهذا شيئ عجيب، فهل رأيتم أعجب من هذا الأمر؟ هل رأيتم أفحص وأوجز من هذا الجواب؟ فهذا هو معنى أنه قال الحمد لله أصبحنا برسول الله خائفين وأصبح الناس كلهم به آمنين، كأنه يقول هذا هو حالنا وهذا هو ما فعلته أمة محمد بنا وبثقل رسول الله – أحدهما أكبر من الآخر: كتابُ الله – كأنه يقول على الاستئناف، الثقل الأول هو كتابُ الله، ولك أن تقول كتابَ الله على البدل، فكتاب الله هو حبلٌ متين مدود بين السماء والأرض، قال ثم ذكر كتاب الله ورغَّب فيه، أي دعا إليه ورغَّب فيه ونصح، فكتاب الله هو الثقل الأول، وبالتالي لن نضل إن تمسكنا به، ولكن به وبالثقل الآخر، لكن ما هو الثقل الآخر؟ علماً بأن الحديث في مسلم عن زيد بن أرقم – وأهلُ بيتي – علماً بأنه كان يُمكِن أن يُرغِّب فيهم لكنه يعلم وينظر إلى الغيب من ستر الرقيق ويعلم ما سينزل بهم وبأحبابهم، ولذلك قال وأهلُ بيتي، أُذكِّركم الله في أهل بيتي، أُذكِّركم الله في أهل بيتي، أُذكِّركم الله في أهل بيتي.
كم مرة قالها؟ ثلاث مرات، فهل ذكرنا الله وهل حفظنا رسول الله ووافينا له في أهل بيته؟ لا والله الذي لا إله إلا هو، لقد عاديناهم وسببناهم وشتمناهم وذبَّحناهم وانحرفنا عنهم إلى يوم الناس هذا إلا مَن رحم الله تبارك وتعالى، فعجيبٌ جداً هذا الأمر جداً، هذا لا يكاد يُصدَّق ولا يكاد يُفهَم، فلم إذن؟ بسبب النفاق، هناك نفاق في القلوب وهناك سياسة سُلطوية حرَّفت فقه الناس وفهم الناس ودين الناس وعواطف الناس دون أن يشعروا، فإذا كنت تُبغِض أهل البيت فإنت مُنافِق.
عطية العرجي يروي عنه تلميذه الأعمش – الإمام الأعمش رحمة الله عليه، علماً بأنه كان يُرمى بالتشيع على الرغم من أنه من أكبر أئمة أهل السُنة والجماعة، فهو من أكبر أئمتنا ومع ذلك كان يُرمى بالتشيع لأنه يتحدَّث مثل حديثنا هذا عن أهل بيت رسول الله، فهذا ممنوع وبالتالي لا تُكثِر وخُض في حديثٍ غيره، ما شأنك بأهل البيت؟ ولذلك شيَّعوا الأعمشي واتهموه بالتشيع وهو إمام أهل الكوفة – قائلاً: قال لي كنت مع جابر بن عبد الله – الصحابي الجليل الذي عُمِّرَ طويلاً، رضيَ الله عنه وأرضاه ، وهذا من أحباب أهل البيت ككثيرين، فهو صحابي جليل وابن الشهيد فقال لي اسمع كلامي يا عطية فلعلكَ لا تُسافِر معي غير سفري هذا – أي لعلها آخر سفرة -، يا عطيةُ أحب آل محمد ومُحِب آل محمد وإن أوقعك في الذنوب والخطايا، وإياك ومَن أبغض آل محمد وإن كان صوَّاماً قوَّاماً.
أي ابتعد عنه لأن هذا سيُهلِكك يوم القيامة، ستهلك وسيتطرَّق النفاق إلى قلبك دون أن تدري!
ولذلك ساُنبِّه إلى مسألة وأعلم أنها ستُثير عجاجاً ولكن الحق أحق أن يُتبَع، وهى أنني لاحظتُ هكذا بالتأمل – ولكم أن تُلاحِظوا مثل هذه المُلاحَظة وأن تفحصوها وتختبروها – أن أكثر الأمة حباً لآل رسول الله – لا نتحدَّث عن الشيعة وإنما عن السُنة، أي عن أكثر ألوان وصنوف السُنين محبةً في آل البيت – هم الصوفية، وهذا معروف، فأينما وجدت الصوفية تراهم يستهيمون ويُستهَمون بحب آل البيت، والصوفية عموماً إلا ما ندر ليسوا أهل علم وليسوا أهل بحث وتحقيق، هم أهل ذكر وعبادة ومحبة في الجُملة ما شاء الله، باركهم الله أو بارك الصالحين فيهم، لكن هل تعرفون لماذا؟ لأن الصوفية في جُملتهم يعشقون رسول الله عشقاً، فمجالسهم كلها نشيد ورقائق وتذكير برسول الله، وهذا الشيئ يُحيي القلوب، ولذلك تجدهم مُباشَرةً دون أن يدروا لماذا يُحِبون أهل بيته حُباً جماً، وهذا شيئ طبيعي، فهذه هى طبيعة هذا الأمر، وفي المُقابِل – وافحصوا هذا حتى مع الكبار الأجلاء عفا الله عن الجميع وسامحهم – مَن تجدونه يجفو رسول الله ولو بعض جفاء تجدون فيه انحرافاً عن آل البيت، وسأضرب مثالاً مُهِماً، وهذا المثال سيُزعِج وسيُسبِّب لي مُشكِلة ولكنني سأذكره لأنه في قلبي ولأنني توصَّلت إليه، وهو أن شيخ الإسلام ابن تيمية – عفا الله عنه وسامحه – أقام علماء عصره الدنيا عليه ولم يُقعِدوها من أجل مسائل في العقيدة ومن أجل مسائل في الفروع، ومن مسائل الفروع أنه منع التوسل برسول الله حيث قال “لا يُتوسَّل به، فالتوسّل مُحرَّم”، ومنع ابن تيمية – رحمه الله – شد الرحال – أي أن تُسافِر قصداً وأن تركب شيئاً بقصد أن تزور قبر النبي – إلى قبر النبي، فقال ممنوع أن تذهب لزيارة قبر النبي لأن هذا حرام شرعاً، ولكنه قال أن تزور المسجد النبوي وتزور معه القبر بالتبع فهذا لا بأس به، أما أن تذهب بقصد أنك تزور القبر المُصطفوي فهذا ممنوع، ومن ثم غضب علماء عصره وخالفوه في هذا ورأوا في هذا جفاءً لرسول الله، وصحيح أن في هذا نوع من الجفوة، فكل قلوب الأمة وكل قلوب المسلمين في العالم تحن حنيناً عظيماً مُؤبَّداً إلى رسول الله في روضته الشريفة، أليس كذلك؟ فليس من قصدي أن أذهب لأُصلي وليس هذا واجباً – ولو ذهبت لأُصلي فهذه الصلاة سوف تُضاعَف ما شاء الله أضعافاً تعلمونها – ولكن قصدي الأصلي أن أزور قبره لأنني أُحِب أن أذهب إلى روضته الشريفة وأُسلِّم عليه، لكن ابن تيمية قال هذا حرام، فلماذا يا شيخ الإسلام عفا الله عنه وسامحه؟ وفي المُقابِل سُجِّلَ عليه – رحمة الله عليه – مُخالَفات مُلفِتة أو لافتة وعجيبة تشي بنوع انحراف عن أهل بيت رسول الله، وسنتكلَّم فقط عن موقفه من الإمام عليّ، وهذا ليس كلامي وإنما كلام العلماء، فأنا لا أتكلَّم أنا لأن دائماً يُحمَل كلامي على أشياء عجيبة، والله أعلم – كما قلت – وهو من وراء قلب كل امريءٍ ولسانه، فابن حجر العسقلاني – أمير المُؤمِنين وحافظ الإسلام وصاحب فتح الباري – في كتابه الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة المُجلَّد الأول حين ترجَم لابن تيمية رحمة الله تعالى عليهما قال هو أحمد تقي الدين أبو العباس بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم الخضر بن محمد بن الخضر بن علي بن عبد الله بن تيمية الحراني، ثم قال بعد أن ترجَم له وافترق الناس فيه على أقسام ، فمنهم مَن … ومنهم مَن نسبه إلى النفاق.
أي من العلماء وليس من العامة طبعاً، فالعلماء افترقوا فيه ولذلك قال منهم مَن نسبه إلى النفاق، لكن لماذا؟ كيف يُنسَب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى النفاق يا ابن حجر؟ قال لأنه قال في عليّ ما سبق، فقبل صحيفة أو في الصفحة السابقة قال ابن تيمية عليٌّ أخطأ في سبع عشرة مسألة وخالف فيها نص الكتاب، وهذه – ما شاء الله – جرأة عظيمة، والآن طبعاً يستغربون من جرأتنا كيف ننقل – لا نبتدع الكلام وإنما ننقل – هذا الكلام المكتوب لابن حجر في ابن تيمية، يستغربون من هذا ويقولون لماذا تنقل هذا؟ما قصدك؟ ما تُريد؟ فهم يغضبون جداً وكأن شيخ الإسلام هو نبي الإسلام وليس شيخاً من مشائخ الإسلام، فإذن هو خطَّأ عليّاً في سبع عشرة مسألة وهو يظن أنه يستطيع أن يُفحِم عليّاً وهذا شيئ عجيب، لكنه على كل حال قال أنه في سبع عشرة مسألة خالف نص الكتاب، كما لو كان عليّاً – ما شاء الله – قليل العلم ولذلك هو يُخالِف النص الواضح في القرآن في سبع عشرة مسألة، الله أكبر، وهذه دعوى غريبة جداً هذه من شيخ الإسلام!
قال ابن حجر عن رمي ابن تيمية بالنفاق أن هذا لإنه قال في عليّ إنه لم يزل مخذولاً حيث ذهب، أستغفر الله العظيم، فابن تيمية قال عن الإمام عليّ أنه مخذول، فهذا عبد خذله الله، الله أكبر، وبالتالي كما تدين تُدان، فهذه الكلمة العظيمة جزاه الله بها في الدنيا قبل الآخرة، ولذلك ابن حجر الهيتمي – أحد أئمة الشافعية والمُتوفى في سنة تسعمائة وأربع وسبعين، وابن تيمية في سنة سبعمائة وثمان وعشرين، أي بعد سنوات مثيرة – سُئل عن ابن تيمية فقال عبدٌ خذله الله فأصمه وأعماه، وحكم عليه بالكفر حيث أنه كفَّره في الفتاوى الحديثية لابن حجر الهيتمي، فكما تدين تُدان، وإلا كيف لك أن تتكلّم بهذا في أبي الحسنين، أي في عليّ؟ كيف تقول لم يزل مخذولاً حيث ذهب؟
علماً بأنه قال فيه أيضاً – المسائل سبعة أو ثمانية – إنه طلب الخلافة مراراً – الله أكبر، أي أن الرجل كان مُتشوِّفاً للخلافة، كما لو كان الإمام يُريد منصباً – فلم ينلها، وقال فيه أيضاً – والعياذ بالله – إنه كان مُحِباً للرياسة، وعثمان بن عفان – رضيَ الله عنهما – كان مُحِباً للمال.
ما هذا يا ابن تيمية؟ هل عثمان كان يُحِب المال وهو الذي أعطى مُعظم أمواله لله ولرسوله؟ كيف يُحِب عثمان المال إذن؟ وهل عليّ يُحِب الرياسة؟ كيف تقول عن عليّ إنه يُحِب الرياسة وعن عثمان إنه يُحِب المال؟
ثم غمز إسلامه من وراء وراء، أي إسلام عليّ وهو أول الناس إسلاماً، فالنبي قال لفاطمة زوَّجتكِ أولهم إسلاماً أو قال أقدمهم إسلاماً، لكن ابن تيمية قال عليٌّ أسلم صبياً وأبو بكر أسلم شيخاً أو كهلاً، وإسلام الصبي لا يُقبَل في قول.
أستغفر الله العظيم، ماذا تُريد من هذا يا ابن تيمية؟ هل تُريد غمز إسلام عليّ؟!
قال الحافظ ابن حجر فمن أجل ذلك – وطبعاً تكلَّم أيضاً في حديث خِطبة عليّ لبنت أبي جهل وكأنه شنَّع عليه بذلك، أي كأنه شنَّع على عليّ، فالكلام فيه شناعة أتى بها ابن تيمية، وعلى كل حال هذه سبعة مسائل – نسبوه إلى النفاق وقالوا ابن تيمية هذا مُنافِق لقول رسول الله في صحيح مسلم عن عليّ، فعليّ قال إنه لعهد النبي الأمي صلى الله عليه وسلم إلىّ أن لا يحبني إلا مُؤمِن ولا يبغضني إلا منافق، فاحذروا لأن المسألة الخطيرة، وهذا الحكم ليس من الشيعة وليس من أعداء أهل السُنة وإنما من علماء أهل السُنة كما قال ابن حجر، فهو القائل بأن منهم – أي منا – مَن حكموا عليه بذلك، وهذا مكتوب في كتب التاريخ وفي المحاضر، أي محاضر جلسات الحكم الخاصة بمُحاكَمات ابن تيمية رحمة الله عليه وعفا الله عنه وسامحه.
احذروا إذن الانحراف عن آل بيت رسول الله واعتقدوا محبتهم ووفِّروا حشمتهم واعرفوا لهم مقامهم ومثابتهم ومكانتهم، ولا عليكم من العالم ولا عليكم من الناس أجمعين، لا يجعلن أحدكم نظره وتلمحه إلى ما سيُقال فيّ ويُقال عني وماذا سأكسب وماذا سأخسر، فهذا لا يعنينا، وإنما يعنينا – إن شاء الله – أن نُصفِّي ديننا وأن نُخلِص محبتنا لمَن أمر الله بمحبتهم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
الخُطبة الثانية
الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله تعالى عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلَّم تسليماً كثيراً.
أختم في دقيقة ببعض الشعر الذي قاله أدباء مسيحيون كبار في أهل البيت، فالأديب إدوارد مرقص لها قصيدة إسمها الحسين عليه السلام، يقول فيها:
رَكبَ الحسينُ على الفخارِ الخالدِ بِيضَ الصِّفاحِ فَكانَ أكرَمَ رائِدِ
حَشَدَ الطُّغاةُ عَلَيهِ كُلَّ قِواهُمُ وحَمَوا عَلَيهِ وِردَ ماءٍ بارِدِ
تَأبَى البُطولَةُ أن يَذُلَّ لِبَغيِهِم مَن لَم يَكُن لِسِوَى الإِلهِ بِساجِدِ
أيَهابُهُم سِبطُ النَّبِيِّ وعِندَهُ جَيشٌ مِنَ الإِيمانِ لَيسَ بِنافِدِ
ولَئِن قَضى بَينَ الأَسِنَّةِ ظامِياً – أي عطشاناً ظامئاً – فَلَسوفَ يَلقَى اللّهَ أكرَمَ وافدِ
هذا مسيحي ويكتب هذا، فهو يقول أنهم قتلوا ابن بنت رسول الله وهو عطشان ولكنه سيرد على ربه يوم القيامة أكرم وافدِ، ثم يقول:
ولَسَوفَ يَسقيهِ النَّبِيُّ مُحَمَّدٌ كَأسا تَفيضُ مِنَ المَعينِ البارِدِ
الشاعر اللبناني الشهير جداً والأديب والكاتب الكبير بولس سلامة له ملحمة في عليّ وبنيه في ثلاثة آلاف بيت يقول فيها وبها أختم:
هُوَ فخرُ التاريخِ لا فخرَ شعبٍ يَصطَفِيهِ ويَدعِيهِ وَلِيَّا
ذِكْرُه إن عَرى وجومَ الليالي شقّ في فلقة الصباح نَجيّا
يا عليَّ العصورِ هذا بياني صِغتُ فيه وحيَ الإمام جليّا
يا أميرَ البيان هذا وفائي أحمَدُ اللهَ أنْ خُلِقتُ وفيّا
يا أميرَ الإسلام حَسْبيَ فخراً أنّني منك مالئٌ أصغَرَيّا
جَلجَلَ الحقُ في المسيحي حتى صَارَ مِن فَرطِ حُبِهِ عَلَويّا
وهذا شيئ عجيب، وفي النهاية يختم بوليس سلامة القصيدة العصماء بقوله:
يا سماءُ اشهَدِي و يَا أرضُ قَرِّي واخشَعِي إنَني ذَكَرتُ عَليِّا
الله أكبر، يقول الله وَإِن تَتَوَلَّوْا ۩، فالمجد يعشقه مَن يعشق المجد، ويعشق أهله مَن يعشقه، والكرامات والكرامة والمعالي والأشياء السامقة يعشق أهلها مَن يعشقها!
(انتهت الخُطبة بحمد الله)
فيينا (11/11/2011)
أضف تعليق